أرواح شاهقة / فلسطين داري..ودرب انتصاري

[محمد خالد بديوي]

أرواح شاهقة

الاسـتعـمار..
ما زال يقدم كل شئ من أجل أن أدعمه
بينما بلادي ؛ لا تقدم أبسط الأشياء كي أقاومه
محمد بديوي.

فلسطين داري ودرب انتصاري

.....

طلب مني معلم الجغرافيا ان أذكر اسم (بلدي) وما يحده من أربع جهات.
(أخذني الشرود وصوت والدي يمر من سمعي : (الوطن يا ولدي يبدأ من
وسادتك التي تدخر فيها أحلامك.. غرفتك التي تنام فيها، ثم بيتك الذي يأويك.

(وإذا أردت ان تتوسع فالحي أو اوالحارة بلدك والقرية بلدك..المدينة بلدك..وكل البلاد العربية هي بلدك)
انتبهت والأستاذ ينقر على رأسي هيييييييييييه أين شردت..ألم تسمع السؤال؟! قلت له أستاذي ؛ هل أبدأ من وسادتي..!! ضحك الطلاب ..احتد المعلم وهو يمش باتجاهي..
لكنني لم اتوقف .. وتابعت .. ان وطني له حدوده القريبة وحدوده البعيدة.. وفي كل الاتجاهات أحلامنا ...ثم ...(صفعني بقوة على وجهي) فأدركت أنه ليس معلم جغرافيا..أو على الأقل لا يفهم العلاقة ما بين الجغرافية والإنسان.!

تغير لونها اكثر من مرة ــ و كذلك شكلها حتى صارت كتلة دائرية، لكنها
لا زالت تتعرف على راسي ــ والاحلأم تتعرف عليها، لم تتأثر بالألوان والشكل.!

......

في حصة اخرى وبوجود المشرف كان الاستاذ يسأل الجميع ،
ويتجنبني. لكن المشرف أشار إلي بإصبعه الطويل، ثم قال بصوت مرتفع: أنت ..
فوقفت.. وقلت: بصوت أعلى نعم أستاذ ..
قال أي البلاد احب إلينا..؟! قلت : أحب البلاد إلي ..؟! قال بصوت أقل حدة ..إليك نعم
..وأحب البلاد إلينا جميعا ..فقلت : القدس الشريف ..المسجد الأقصى وفلسطين العربية
من البحر إلى النهر.
انقلب لون وجهه ..ومط رأسه باتجاهي وقال (ولك..شو قلت) أعدت رأسي إلى الخلف
لأبقي على حدود تمنع رائحة فمه ان تصلني..قلت مرة أخرى : القدس الشريف أستاذي..
وكأن انقلابا كونيا حدث أو هزة أرضية...فقد اكتشفت أنني ُحملت وارتفعت كثيرا عن
الأرض وصرخ بصوت مخيف (ولك..بتعرف داركو!) قلت بصوت مخنوق يرتجف:
فلسطين داري..ودرب انتصاري أستاذ..بعدها كنت أسبح بالفضاء كمظلي مبتدئ...
(وله...على داركو وله ..) جملة كانت تدفعني حتى ارتطمت بالرصيف..
هناك وبينما كنت اتحسس ما أحدث المشرف من علامات جديدة في جسدي ،وفواصل
دقيقة كنت مصمما على استذكار ما علمني إياه أستاذ الجغرافيا..وقد كانت القدس تبرز
كلما حاولت التذكر..ثم ان أستاذ التربية الإسلامية هو من علمني

والمسجد الأقصى الذي باركنا حوله ومعراج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قلت لوالدي بعد ان سألني عن سبب تورم وجهي..هذا بسبب فلسطين التي قال المشرف أنها دولة يهودية..عاصمتها القدس...أما المسجد الأقصى فهو مشاع للجميع
حسب المشرف الذي يُصرعلى منهاجه الجديد..ألم تعلمني يا أبي ان أحب البلاد إلينا هي القدس..والمسجد الأقصى الذي باركنا حوله..وان فلسطين عربية..ألم تقل لي ان الرقعة الوحيدة التي تشهد على أحلامي وتحفظ ما أخجل ان أبوح به هي وسادتي وان وسادتي هي وطني حتى أكبر وأنضج كأبي حينها سأفهم ما معنى الوطن بدقة.َ!

في اليوم التالي:
رافقني والدي إلى المدرسة بناء على رغبة المدير.
أبنك لا يلتزم بدروسه ..(فضحنا أمام المشرف) لقد علمهم معلم الجغرافيا ..فقاطعته معلم الجغرافيا كاذب ..ومعلم الدين أكذب منه..أعرف ان بلدي هي الأرض التي أعيش عليها لكن ــ فلسطين بلادنا التي تعيش فينا ــ
..هل تريدني ان انتظر حتى أكبر وبعدها يصير لي الحق في قول الحقيقة، ولكم الحق ان تعاقبونني على ما أحمل في قلبي من حقائق..!!

فلسطين بلادنا التي تعيش فينا

لقد علمني والدي الواقف أمامكم ان :

فلسطين داري ودرب انتصاري
تظل بلادي هوى في فؤادي
ولحنا ابيا على شفتيا
وجوه غريبة بأرضي السليبة
تبيع ثماري وتحتل داري
وأعرف دربي ويرجع شعبي
إلى بيت جدي إلى دفء مهدي
فلسطين داري ودرب انتصاري }}

كنت أرددها ووالدي يرددها معي ..ابتسمت وأنا أنظر إليه رغم دموعه الكبيرة التي
قفزت من عينيه..!


ربما ان أبي تذكر تلك الهزيمة التي جرحت قلبه، أما هذه الهزيمة فقد ذبحت روحه.َ!
انتظرني يا والدي العزيز، الساعة ستأتي في وقتها، ربما ساعتها سأعرف بدقة تعريف الوطن.َ!َ!

لكنني إلى الان لم افهم لم صفعني المشرف..لم رماني بالهواء كأنني لعبة أطفال مصنوعة من ( الشرائط. ) وكيف ان والدي عاقبني بطريقة لن أذكرها لأنني (رسبت) في مادة الجغرافيا ..!!

...........

• في منتصف الليل وعلى الوسادة؛( سمعت صوت الشيخ يقول : هذا هو
  {الإكتمال الأول}

رفعت رأسي لأراه لكنني لم اجده..عليّ ان انتظر مزيدا من الوقت قبل ان يأتي
حاملا البارودة التي وعدني بها.
أغمضت عيني وأخذت أدندن بصوت منخفض..

{{فلسطين داري ودرب انتصاري
تظل بلادي هوى في فؤادي
ولحنا ابيا على شفتيا
وجوه غريبة بأرضي السليبة
تبيع ثماري وتحتل داري
وأعرف دربي ويرجع شعبي
إلى بيت جدي إلى دفء مهدي
فلسطين داري ودرب انتصاري }}

............

"قصيدة فلسطين داري للشاعر
السوري سليمان العيسى"