أول الشر

[منير مسعودي]

ثمل... ألقى برأسه على المخدة، ران الكرى في عينيه، بين نعسة ونومة تذكر ...ارتج نبض قلبه فشعر بقشعريرة تلحس بلسان الوهن أحشاءه، تساءل وأنياب الرعب تعبث بحبال مهجته:

ماذا لو كسر الباب اللحظة، فجرّني من رجلي على وجهي إلى سيده، كيف سألقاه وأنا سكران تفوح من فمي رائحة خمرة لعينة... أغفى قليلا فأيقظته كوابيس رآها بالألوان الضاجة، تعالى صراخه، أفزع أهله، فاشتد نباح الكلب المدلل، ذعرت أطفاله وكادت تصعق من الخوف لوما الأيادي الخشنة تسارعت نحوهم فهدّأت من روعهم وأرجعتهم إلى الفراش مطمئنين.

وضع سيجارة بين شفتيه، صعقت زوجته بامتعاض: والله حرام عليك... قام فخرج يصرخ في قلب المنزل : قهوتي، أريدها على المكتب.

جلس شارد الذهن، فوِه حتى اغرورقت عيناه، احتسى قهوته، شرب السجارة تلو السجارة، فجأة صرخ: أريد فنجان آخر، استرخى على كرسيه الوثير، أداره نصف دورة وقعت عيناه على مجلدات متراصّة بعناية. تأمل شكلها الجميل والعناوين العريضة المنقوشة بالخطوط الذهبية...سمع أذان الفجر قام هاتف مدير ديوانه.

-عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أوامرك سيدي

-الله يخليك اليوم مورا العشا بغيتك تجمع لي كاع الصحافة في المكتب ديالي، قولهم أنا غنعقد مؤتمر صحفي، متزيد والو

-أوامرك سيدي

تناقلت وسائل الإعلام الخبر على جناح السرعة "ندوة صحفية طارئة"، محللون سياسيون في برامج إخبارية، في ندوات مباشرة، كثر الكلام تراوحت التحاليل و القراءات بين الموضوعي و الشعبوي...

على الساعة العاشرة ليلا، انعقد المؤتمر الصحفي. وقف أمام عدسات الكاميرا، منتصب القامة -كأنه لا يخجل من بطنه الضخم المتراخي - بوجه صارم، اصطنع نظرة من حديد، ثم ارتدى "الصفة" فصاح بنبرة واثقة:

هذا يوم مشهود، أهديه للتاريخ، وجمعنا هذا ستتناقله الأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل، هذه ليلة مباركة... فجأة عم القاعة صمت رهيب -بعد أن توقف عن الكلام- طأطأ رأسه في خشوع، وكأن وحيا يتنزل عليه ثم أردف قائلا بصوت هادئ مطمئن: أربعين عاما وأنا أتأمل واقع الأمة ُثم إني استعنت بكل أنواع العلوم وفروعها لفهم هذا الواقع، وأبشر البشرية من خلالكم أني تمكنت من تشخيص المرض العالمي ثم إني وجدت الحل الكوني لكل مشاكل الدنيا...


تعالت أصوات مريديه: الله أكبر ...همس أحمد في أذن زميله ماذا يخرف هذا المدعي الأحمق...فانقض عليه متعصب كاد يصفعه لولا تدخل صديقه الذي مسك يد المهاجم باحترافية، فضجت القاعة بشعارات المريدين ثم تنادوا هذان شخصان مدسوسان أخرجوهما من جمعكم المبارك هذا ...تدخل الحراس الأمنيون فأخرجوهما .

بعد أن عم الهدوء، توجهت نحوه مرة أخرى عدسات الكاميرا، وقف وسط حراسه الشخصيين ثم صاح لماذا يكرهونني!!، وأنا من أنا!؟، أنفقت عمري كل عمري كي تسعد البشرية. طأطأ رأسه وكأنه يداري دمعة ثم أردف قائلا لا يهم فعزائي أن النبي صلى الله عليه و سلم، كسرت رباعيته لا لشيء إلا لأنه رسول الله. لنعد إلى موضوعنا.

لقد تمكنت ولله الحمد من التعرف على المادة الأولى التي انبثقت منها كل الشرور، بعد حسابات رياضية، فزيائية، معقدة، تمكنت من تتبع مراحل نموها إلى أن استحالت مخلوقا، بل و استطعت رسم ملامح شكله الحالي والنهائي.

والآن إليكم برنامجي

سأقوم بتسخير كل إمكاناتي المادية والمعنوية وكذا بحوثي العلمية للبحث عنه، سأجده وسأقترح عليه وظيفة براتب مغري، ثلثي ميزانية الدولة، بشرط أن يتخلى عن مهنته الحقيرة.

[نوال البردويل]

جعجعات فارغة يطلقها بعض المسئولين
يعلمون منذ البداية أنها غير قابلة للتطبيق
فقط مجرد تشتيت للمواطنين
يساندهم في إطلاقها المقربون المنتفعون
تحياتي أ. منير

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء ميداني

وضعتنا في حيرة بجمال وروعة

مودتي
نداء

شكرا أختي نداء على تفاعلك الجميل مع النص
مودتي

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي

سلام الله ،
لا أخفي عليك ثمة حلقة مفقودة في النص
ربما الخلل في وسأعود لها بحوله تعالى
همسة : آمل تدقيق النص ؛ أكثر من عشرة أخطاء لغوية ورقمية بشكل عام
القفلة مدهشة غير أنني لم أستطع ربطها برسالة وبناء النص...
لي عودة
رائع أنت
شكرا لك
مودتي

و العود أحمد، مرحبا أستاذي عوض. لا أعتقد، بل أرجح أن الخلل في النص هههه "لا فيك ولا في ".
شكرا على قراءتك الأولية، على أمل أن تليها قراءة ثانية فألف شكر أستاذي
مودتي

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوال البردويل

جعجعات فارغة يطلقها بعض المسئولين
يعلمون منذ البداية أنها غير قابلة للتطبيق
فقط مجرد تشتيت للمواطنين
يساندهم في إطلاقها المقربون المنتفعون
تحياتي أ. منير

سررت بقراءتك الجميلة أختي نوال، و بتفاعلك مع النص فشكرا .
مودتي

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي

سلام الله ،
قد أتلاعب ببعض العبارات والتراكيب...
ثم الأمر لك
ربما غدا...
فانتظرني
الاحترام لروحك ودماثة خلقك..
مودتي

النص هو ملكك أستاذي، فهو في أيد أمينة، إن شاء الله سأكون من المنتظرين
مودتي

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي

....هذا النص من النصوص الواعية التي تثق بالقارىء ، وثقافته....اعتمدت في السرد على محاور متعددة منها ضمير الأنا والبطل الأساسي والراوي، وربما عن قصد كما سنرى ...في المقدمة التي جاءت على لسان الراوي :
" ثمل... ألقى برأسه على المخدة، ران الكرى في عينيه، بين نعسة ونومة تذكر ...ارتج نبض قلبه فشعر بقشعريرة تلحس بلسان الوهن أحشاءه، تساءل وأنياب الرعب تعبث بحبال مهجته ، هذا يوم مشهود، أهديه للتاريخ، وجمعنا هذا ستتناقله الأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل، هذه ليلة مباركة... " وتتاخل الأصوت بحيث يصعب معلرفة الراوي أحيانا ؛ فهو ينتقل من الأنا إلى الرواي مثلا دونما شعو بذلك ...مثل هذه التقنية عالية المستوى نادرة في القص وفنه ؛ غير أنه لا يتم تعمدها وتأتي انسيابية فطرية عل السليقة ...طبعا مع اشتغال خفي عليها...
...الناص في هذا الإنموذج القصصي قدم لنا ثلاثة أشخاص مختلفين ‘ غير أن قوله في المقدمة : " هذا يوم مشهود، سأهديه للتاريخ، " يعطينا إيحاءا غي عادي بأنه يتحدث ‘ن أمر جلل عظيم وعليه ( أي الناص ) أن يشارك به لا بد من المشاركة فيه..فثمة إشارة خفية إلى ذلك ، ثم إنه يتحد عن يوم مشهود جلل يشعر بالخوف تارة والاطمئنان تارة أخرى ‘ لندرك إنه يتحدث عن الساسة لا بل عن حاكم بلده تحديدا ، فتقمص الشخصية واعيا أو غير واع وراح يتحدث على لسانه ففي هذا الديولوج : "


-عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أوامرك سيدي

-الله يخليك اليوم مورا العشا بغيتك تجمع لي كاع الصحافة في المكتب ديالي، قولهم أنا غنعقد مؤتمر صحفي، متزيد والو

-أوامرك سيدي" تكاد تكون الشخصيتان شخصية واحدة تحاور نفسها ..وهنا تبدأ التداخلات السيكولوجية بين الناص والحاكم - ما هو كائن وما يمكن أن يكون - فبدأ في المؤتمر في نشر أوراقه ، وفضحائه بتورية عجيبة ،ومفارقة ذكية من الناص ؛ فالقبض على أول الشر تعني القضاء عليه بالأصل أليس كذلك ؟ هنا وجدنا العكس تماما فهو سيتمادى أكثر..!! ويتضح ذلك من خلال القفلة :
"
سأقوم بتسخير كل إمكاناتي المادية والمعنوية وكذا بحوثي العلمية للبحث عنه، سأجده وسأقترح عليه وظيفة براتب مغرٍ ثلثي ميزانية الدولة، بشرط أن يتخلى عن مهنته..."
وكما يقال هنا في القفلة " قطعت جهينة قول كل خطيب " ...وهذا ما يجعلني أقول إن في النص بطل واحد جمع الناص من خلاله الهلوسة والهذيان ؛ هي شخصية عاشت دور الحاكم والروي والآخر...ولا ننسى طبيعة الحلم الذي سيطر على الناص في حل مشاكل الفساد ، وتعرية الحاكم والمسؤوليين ، وتداعيات الحلم التي أعطت رونقا خاصا من خلال البعد السيكولوجي للنص ، إضافة إلى سيميائيات لغوية مشفرة هنا وهناك....
وثم ما يقال...
نص واع مثقف من درر الحكي مشتغل عليه يستحق الاحترام والتقدير..
رائع أنت
شكرا لك
مودتي

تنويه : تم تدقيق النص ، وما لون بالأحمر لم أفهمه...

علمت أنك مريض . أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، أَنْ يُعَافِيَكَ وَيَشْفِيَكَ.

لا أعرف كيف أشكرك أستاذي عوض، قراءتك أسعدتني كثيرا، أثلجت صدري وانشرح لها فرحي. بل هي تحريض لي على الكتابة و الاجتهاد أكثر .
محبتي الخالصة

[أحلام المصري]

مررت بهذا النص، وقرأت
فرأيت أن أعيده للضوء، لمزيد ضوء
وتفاعل

مع التقدير أ/ منير

كل التقدير

[منير مسعودي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحلام المصري

مررت بهذا النص، وقرأت
فرأيت أن أعيده للضوء، لمزيد ضوء
وتفاعل

مع التقدير أ/ منير

كل التقدير

شكرا أستاذة أحلام على كل هذا النور المنبعث منك

محبتي