الأسد - الصفحة 2 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-09-2018, 10:31 AM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

- آ سعدية ... ما بتخافي من الله...؟
- مالك يا ولد؟
- المسوياه في الخلوق دي الله بسألك منه وحياة أبوي الشريف.
- أنا سويت شنو؟
ثم قامت الى شاة أخرى تحلبها تزيد بها اللبن في ماعونها الأبيض ذي الوردة الحمراء ... وقفتُ أراقبها و أراقب رقة أناملها و هي تمسك بذلك الثدي تمصره بأطراف أناملها تستجدي اللبن استجداء
و اللبن الماجن يتمنع حينا و يتطاير حينا خارج إنائه , على يدها تارة و على وجنتها تارة أخرى و على أعلى شفتها أو على رمشها .. فتمسح بكتفها ما طار الى وجهها و رمشها و تلعق ما علا شفتها و يدها في تغنج و دلال لا تتكلفه... كأنها أول مرة تحلب اللبن أو كأن ضرع الشاة لم تمتد له يد حالب قبلها , لكن السعادة تحسها على وجه الشياه المستسلمة الوادعة لا تقاوم بل تمد رجلها الخلفية الى يد حالبتها في حركة مقصودة تدل على تعود و إلفة.. نهرتني:
- هيي ها
و كأني عائد من سفر بعيد نظرت إليها ... ثم تابعت قائلة:
- عملت شنو أنا عشان تقول لي خافي الله؟... أنا الله خايفااه .. الما خايفه أبوي يديني لي ود الفضل ..
- ماله ود الفضل مش ود خالتك
- ود الفضل إن دايرني اليجيب جفيل أبوي التونسي ... البجيب جفيلي بياخد قسمته مني.
- و قسمته كم؟
ضحكت في تهتك قصدتني به..
- شوية ما كتيرة..
- و الباقي؟
- الباقي حق البجيب لي الأسد.
- هم ما واحد؟؟
نظرت إلي نظرة خلعت قلبي من مراقده.
- اسكت يا الغشيم ...الأسد بجيبه براي –لوحدي-
- بتجيبيه كيف ؟؟
قامت بعد أن أطلقت الشاة من بين فخذيها ثم و قفت حاملة إنائها الى شاة ثالثة و ضحكت ضحكة تسلب الروح من حشاشتها وقالت وهي تمشي و ترمقني..
- أنا بتك يا أبوي..
قلت لها و أنا أحمل عنها إناء اللبن الى حيث النار الموقدة لغليه:
- الجَد يا سعدية وريني كيف قدرت على الأسد
- الأسد ما فارقني من يوم فتحت في الدنيا دي بقتله في اليوم مرتين و ثلاثة كيف ما بقدر عليه...
- بتقتلي كيف ...
بكل قوة ذئبي عينيها طعنتني في أم عيني:
- الأسد بقتلوه كيف ؟
- ما قتلت لي أسد قبل كدة لكن بوقولوا يا بحربة يا بسيف يا بحجر يفجخو بيه راسه..
- أنا بخنقه بي يدي ديل ... أنا و أبوي التونسي....
- أبوك البجيبه شنو من رقدة موته يا بت ؟؟

"علي ود الأحيمر" قال "لنعمة" بين يدي أمه و هو يروي تفاصيل ما حدث بين "سعدية" و الأسد بعد أن لم تتوقف في فعلته بالتجسس على بنتها كثيرا و هي تبترد :
- الأسد قبل ما "سعدية" تقبل عليه جاري عليها جرية جوع ..... مصاريني من شفت الحمار يتلجلج و ينطط زي المهبوش ظنيتها وقعت من بطني .. و لما سمعت نفس الأسد و دق كرعيه في ورق الشجر الفي الأرض .. فتشت قلبي ما لقيته ..
بتك دي ما عاقلة يا "نعمة" في عاقل يقيف للأسد؟ ... و الأسد ما أسدا هويِّن ... الأسد الشفته دة أعتى من قرنتية و أطول من حصان و أخف من زرزور...
نهرته أمه خجلة من "نعمة":
- يا ولد ها قول بسم الله عقلك وين ودرته ؟ البت تقيف للأسد و إنت مصارينك تقع و قلبك يطير إنت ماك ود بطني؟..
هدأتها نعمة:
- الولد جاهل –صغير - لسة ...ما قدر "سعدية" " سعدية" فايتاه بي حولين..
- الولد وقت بقى يعاين للبنات في برودن الجَهَل فارقو تب .. كلامه دة إن مرق يا "نعمة" بتفضحي ولدي .. وأنت إن قلته تاني بقطع لسانك و لّا تفوتني ما أشوفك تاني لاك ولدي ولا بعرفك.
- يا مرة ما تقهري الولد , الولد الكلام دة ما بقا ليه .. بكرة تشوفيه يبقا هو ذاته الأسد , ما الأسد البحجوا بيه.
أها قول لي يا علي ولدي وبعدين.
اعتدل علي :
- الحريم هناك عيطن و صيحن ... النصيحة فيهن شالنها كرعيها – رجليها- و الغبّت – أغمي عليها - وِعَت في حينها ..بعد شافت أخواتها جرن جرت وراهن. و الحمار المربوط يناتل في قيده لما قلع الفرع من شجرته بي أوراقها و باقي فروعها وجرى على جوة الغابة عكس جهة الأسد الجاي منها... و الغصن انحل من حبله..
- أها
- بتك شافت الأسد الجاري عليها هناك ... "عاشة" كوركت ووقعت مغبية و "غبيشة" جرت و لا اتلفتت علي زول – أحد -... إلا "سعدية" جرت علي فرع التبلدية شالته و قبلت علي الأسد و جرت عليه...
الأسد الجاري قبيل حرن فجأة زي التقول مربوط بي حبل و زول نتله لي ورا..
و المجنونة دي جارية عليه وتقول ليه : أبقا راجل و تعال يا الأسد أنا بت أبوي القتل أبوك ..
و الأسد بقا زاحف لا – الى - ورا .. بعد ما كان جاري عليها و هي شايلة فرعها و جارية عليه ...
أخذ علي يرتجف كالحموم و يتصبب عرقا .. أشفقت عليه أمه:
- يا ولد مالك .. يا سيدي "الشريف ".
- أنا بت أبوي القتل أبوك أبقا راجل و تعال ... و الأسد رفع راسه زي البفتش علي مكان يشرد عليه ... و عيني و عينه اتلاقن ....ما خلن لعيون "سعدية" شي الخالق الناطق ...... إلا شال شال عيونه من عيوني وجفل علي الصعيد ورا الحمار ..
مسكته نعمة من قميصه و شدته :
- جِد سعدية ظهر يا علي و لّا ما ظهر , "التونسي" أبوها و قف جنب بته و لّا خلاها للأسد, نهر الأسد منها و لّا الأسد خاف براه – لوحده - قول يا علي قول .
- أنا من عين الأسد وقعت في عيني الدنيا ضلمت – أظلمت - قدامي النهار بقا أسود من سبيب شعري...لما نور عيوني رجع أشوف الأسد جاري على جهة الحمار ما جرى..






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2018, 08:02 PM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
نوال البردويل
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع أدب الرسالة
فائزة بالمركز الثالث
مسابقة القصة القصيرة2018
عنقاء العام 2016
تحمل وسام الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية نوال البردويل

افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المأمون محمد مشاهدة المشاركة
تتحول قصة الأسد القصيرة الى رواية أعلن بإرسالي لحلقتها الثانية أنها ستكون على حلقات متقاربة الأيام إذا سمحت لي لوائح القسم و أن لي قلبا يتسع لجميع النقد الهادف الذي يساندني في أولى خطواتي في هذا الفن الجميل. و لا بأس من نقلها الى قسم السرديات...


"سعدية" "أم جفيل"" كانت تملك ذلك القدر من الجمال الذي يلهم الشعراء و المغامرين الذين يشدهم الحماس الى رؤيتها , فلا يتهيب الرجل أن يسير المسافات الطوال ذات الليالي و الأيام لكي يحظى برؤية قد لا تتحقق و إن تحققت فقد تكون للمحة خاطفة لا تشفي غليلا و لا تروي ظمأ , و لكن سيرتها التي عمت جميع القرى في الوادي بل وفي البادية كلها كانت شديدة التحفيز لرؤيتها,
لم يكن هذا بالأمر المريح لأمها "نعمة" التي كانت تخاف عليها كثيرا من عيون الناظرين , و لا تريدها أن تمر بنفس تجربتها , لكن هذا الأمر كان يعجب أباها - الذي يظهر غير ذلك فعادة الرجال الغيرة على بناتهم - لأن فيه إشارة الى جمال أمها التي حظي بها بعد تنافس شديد على قلبها مع شبان القرى أجمعين , و لكنه هو من ظفر بها أخيرا , و كان يفخر بهذا كثيرا في المجالس و يقول (أنا صياد العناق النافر) يقصد نعمة ... و "نعمة" أم "سعدية" بنت حمدان ابن تيراب بن فطومة بنت حليمة "أم بوارق" التونسية بنت "النَّقّوْ" الأولى , نُسبت لأبيها الذي جاء يطلب الذهب من بلاد بعيدة تسمى "تونس" هكذا كانت تقولها جدتي , و تقول أنه كان شديد البياض فكان يتحاشاه الناس خوفا من مرض يصيبهم أو لعنة تلحق بهم من مخالطتهم له فتلحقهم به , فإنهم يذكرون في تاريخهم مثل هذا المرض الذي يذهب اللون و يأكل الأطراف و يزهق الأرواح... استطاع التونسي جمع ذهب كثير عبر غرابيل جاء بها معه و سائل يصبه على التراب فيصبح ذهبا , كان شديد الكرم يغدق على من يعمل معه و يساعده في مهنته هذه المال الكثير و كان منهم جد حليمة الشرتاي "حاكم" الذي أصبح شرتايا – أميرا على القبيلة – بسبب إنفاقه المال الذي كان يجنيه من التونسي على الناس و حاجاتهم فحفر لهم الحفاير و الآبار وكان يقرضهم و يهديهم حتى أحبوه و جاؤوا به شرتايا رغم أنف الشرتاي آنذاك " سرور"... و ما زالت العداوة بين أبناء "سرور" و أبناء "حاكم" قائمة الى اليوم...
"عاشة" و "غبيشة" أختا "سعدية "أم جفيل" لم يكن يغرن منها رغم تعاليها ودلالها فقد كانت أصغرهن , وهن من قمن بذلك التدليل و سمحن لها بل ربينها على ذلك التعالي و الدلال .. حتى أن أختها الكبرى أهدتها ذلك الجفيل الذي أهدته لها أمها "نعمة" و كانت تسميه "جفيل أبوي التونسي" الذي وصلها منه عبر أمهاتها الأقدم , و كانت "سعدية أم جفيل" تفخر به و تظهره كلما خرجت رافعة يدها في حركة ليبرق مع ضوء الشمس كأنها تعلن للعشاق عن خروجها فيراها من سعى لذلك , حتى أصبح ذلك الجفيل علامة يضرب بها المثل في الجمال و يحلف به فيقول مشتر إذا أغلى له بائع ثمنا : أهو جفيل التونسي حتى تغلي سعره الى هذا الدرجة.. أو يحاجج مغالط صاحبه فيقول له : أن رأيه أوضح من بريق جفيل التونسي ...
لكن ذلك اليوم الذي ذهبت لترد هي و أختاها في حفيرة الشرتاي حاكم و اسمها "الحفير الصباحي " أي الشرقي , و تقع شرق غابة صغيرة تفصل بين قريتنا و الحفيرة لم يكن كبقية الأيام , خرجت الفتيات الثلاث و كل واحدة منهن تحمل في حمارها أواني تجلب بها الماء الى بيت أبيها , و قد أعد أبوها لهذا الماء "تَبَريقاً " وهو حوض بناه من الطين و ملط خارجه بروث البهائم حتى لا يتسرب الماء ثم كسا الروث بالطين اللازب الذي يكسب الحوض صلابة تمنع الماء من الهروب الى خارجه..و كان من عادتهن و عادة النساء اللواتي يجلبن الماء أن يغتسلن و يغسلن ملابسهن و ملا بس ذويهن على حافة هذا الحفير الموصول بمجرى سيل لا يكاد ماؤه ينضب الا أياما قلائل , قبل استئناف المطر صبه من جديد بعد أشهر من التوقف , و لقد أوصت النعمة بنتيها "غبيشة" و "عاشة" أن لا يدعن "سعدية" تبترد أمام البنات و النسوة الواردات خوفا عليها من عين كافرة تصيبها كما أصابت خالتها من قبلها فأوردتها موارد الهلاك, فقد كانت سعدية فارعة الطول بارزة الصدر منهدلة الكفل .ضامرة الخصر مكتنزة الورك ..ذات لون رملي له بريق يتموج مع تموجات جسدها ...كم كنا ننتظر يوم ورودها الحفير لنختبئ تحت شجرة أو فوقها ننتظر ساعة ابترادها كما ينتظر الزرع المطر ...
لكن سعدية التي يعجبها إظهار فتنتها كانت تتأبى عليهن و تصر أن تبترد مع البنات رصيفاتها على حافة الحفير, فيغصبنها على الإختباء وراء تبلدية عتيقة كبيرة واسعة الساق فتخلع ملابسها و تضع جفيلها فوق الملابس التي تضعها على حمارها المربوط في فرع ناتئ من شجرة التبلدي الكبيرة...كان هذا يتكرر كل مرة يذهبن فيها الى الماء ..الذي يكاد لا ينضب أبدا ...
ندمت كثيرا أنني لم أخرج هذا اليوم فقد تورمت قدمي إثر شوكة كسرت بداخلها أخرجتها أمي بشوكة "مسكيت" كبيرة و كواها لي و الدي بميسم البقر حتى لا يزداد تورمها فأصابتني الحمى فلم أستطع الخروج , و بينما أنا راقد على فراش مرضي إذ بي أسمع جلبة و ضوضاء و خروج الناس يتدافعون نحو أصوات الصبية و النساء العاريات الباكيات يندبن و يصحن: الأسد أكل أم جفيل و أخواتها ...الأسد أكل أ"م جفيل" و أخواتها ....
الروايات التي تروى كلها تلتقي في أن سعدية هذه ليست من البشر و أنها ذات علاقة بالجن لم تتضح , أقل هذه الروايات تشددا هي التي تقول أن عِرق أبيها التونسي القديم به دم جن ظاهر وأنه ما دله على هذه المنطقة غير الجن آبائه , فقد أتى من بلاد بعيدة كما تحجّينا – تقص علينا - جدتي حين تحكي عنه , نحن نقطن هنا منذ أول الدنيا و لم نكتشف هذا الذهب , رغم أن بعض المرويات القديمة كانت تقول باشتغال أجدادنا القدماء في الذهب مستدلين بجفيل التونسي الذي وجده ضمن كنز مدفون تحت بيت نمل كبير , و أن الدنيا كلها كانت تأتي الى هنا من أجل هذا الذهب.
أخذت تستظهر هذه الروايات بعض القصص المطوية عن قدراته العظيمة في استخراج الذهب , و كم من مرة عثر على حجر ذهب كبير كتلة و احدة حتى أنه لم يستطع حمله إلا بمعاونة الرجال.. ويذكرون كيف أن "حاكم" الشرتاي كان حارس خزنته الأمين و أنه كسب هذه المنزلة عنده لسببين أولهما أنه صاحب الأرض و ثانيهما حينما جاء له مرة بحجر يعلوه تراب أصر "حاكم" على أن به ذهبا مخفيا يظهر إنْ فتته الى تراب ثم حرقه بالنار, فلما فعل التونسي ذلك تحت إصرار "حاكم" فإذا بالحجر يزداد لمعانه قليلا قليلا إلا أن أصبح ذهبا خالصا , كافأ "حاكم" "التونسي" بأن منحه هذا الحجر كاملا دون أخذ نصيبه منه فترجاه "التونسي"أن يكون حارسه و صديقه... و تتويجا لهذه العلاقة تقدم "التونسي" بطلب ابنة حاكم "النَّقُو" زوجة له.. بعض هذه الروايات المؤكدة لعلاقة "التونسي" بالجن تشير في تساؤل أين ذهب هذا الذهب الكثير فإن "التونسي" لم يغادر المنطقة منذ جاء إلا مرتين و في المرتين لم يخرج بشيء كثير مما أخرج من خير الأرض إن لم يكن يخرجه له أهله الجن , بعض الخبثاء كانوا يلمحون أن "حاكم" هو من يخرجه له, لم تثبت هذه الرواية أو أن الناس كانوا لا يتجرؤون على قولها و ترديدها كثيرا لسببين الأول هو حبهم لآل "حاكم" الذي استمروا في برهم و تفانيهم في خدمة المنطقة , و السبب الثاني هو خوفهم من بطشهم فهم يعلمون كم هم عنيفون حين يقدح في أمانتهم...وآخر بواعث الشك في علاقة الجن بالشاب التونسي هي قصة اختفائه الفجائي دون أن يعلم أحد بمكانه حتى الآن .. وما يرويه الكثيرون عبر السنوات الممتدة منذ اختفائه الى يومنا هذا عن رؤيتهم له فجأة ثم اختفائه كما ظهر في أماكن كثيرة وفي أحداث مختلفة آخرها يوم هجوم الأسد على "سعدية أم جفيل"...
زواج "التونسي" بابنة "حاكم" "النّقّوْ" كان حدثا كبيرا في الوادي كله فقد كانت تعتمل مؤامرة كبيرة لإخراج "التونسي" من المنطقة يقودها الشرتاي "سرور" الذي رأى فيه خطرا يهدد زعامته ..و يبدو أن خبر تلك الإجتماعات التي تعقد ليلا لتدبير مخطط إخراجه كان يصل إلى "التونسي" بطريقة ما ..و هو مادفعه الى التعجيل بطلب يد ابنة "حاكم" لتكون زوجة له يحتمي بنسبها و عزوتها من مكايد الأعداء فقد كان يعلم و يعي جيدا أنه وحيد غريب في هذه المنطقة فلا بد له من ظهر يستند إليه , ذهب "سرور" الى السلطان في "الفاشر" يستعديه على الغريب الذي جاء ليسرق خيرات البلد المدفونة , و ليستعين به على آل "حاكم" الذين ينتمون لبيت حكم قديم أخذه جد "سرور" منهم عنوة في معركة مشهورة حسمها تدخل سلطان الفاشر آن ذاك لصالح آل "سرور".
صفا الأمر "للتونسي" الغريب بعد أن ارتبط بعلاقة النسب مع "حاكم" و أرسل "حاكم" للسلطان هدية خالصة من الذهب الخالص و نصيب السلطنة و أخذ معه نفر من الشهود على ما قام به هذا التونسي من إعمار للمنطقة بالآبار و الحفاير و تمهيد الطرق , و أن الإتفاق معه يقسم ما تخرج الأرض من ذهب الى أربعة أكيال , كيل لسلطان الفاشر و سلطنته و كيل لأهل المنطقة و كيل للتونسي و الأخير "لحاكم" حيث تقع أعمال التونسي في نطاق أراضيه.. فاقتنع السلطان بعد أن أضاف كيلا لله هو كيل الزكاة لكنه جعله من كل المنتج قبل أن يقسم بما في ذلك ما يصله و سلطنته منه , ثم قام بإرسال موفد يهدئ من التوتر بين البيتين القويين وهو ما لم يرض "سرور" و كان كافيا "لحاكم" و صهره "التونسي" في هذه المرحلة على الأقل.
استتباب الأمور و ازدهار الثروة و الاندماج في المجتمع بهذه السرعة بعد أن كان منبوذا لا يجد من يأويه ثم الزواج من "النقو" بنت "حاكم" التي لم يكن أحد يجرؤ على التفوه باسمها دعك من زواجها , ثم ازدياد ثقة الناس للدرجة التي يذهب نفر من أعيانهم للشفاعة له عند سلطان الفاشر ... كل هذا عزز رواية تأييد الجن له , هذا إضافة إلى ما روي عنه من صَلاته الكثيرة التي اشتهر بها و التي يكثر منها بالليالي الحالكة السواد و صوته العذب في قراءة القرآن , هذا الصوت الذي كان يجذب العمال الذين جاؤوا للعمل معه في مشروع ذهبه , خارج المنطقة المسكونة قرب سفح جبل بعيد يحتاج الى أيام بلياليها للوصول إليه في منطقة موحشة تسكنها الحيوانات بأنواعها كلها و تتراءى فوانيس الجن فيها بالليل تضلل الناس و تلعب بأخيلتهم..
قالت لي جدتي : هذه البنية - تقصد سعدية – لابد و أن سر أبيها التونسي ظهر فيها و بان دون أختيها اللتين لا تخليان من لمسة جمال تميزهن..
قلت لها : هل رأيت عينيها التين تشبهان عيني "المرفعين" – الذئب-. و لونها الذي يشبه لون بيت النمل ؟ قالت و هي تحمل عودا من شجر الدروب بيد و باليد الثانية فأسا لتكسره به لتزيد به لهب النار الذي يتوهج تحت إناء اللبن: و حياة الفكي "الشريف" هذه البنية ما ستفعله في هذه المنطقة أبوها التونسي ما فعله و البعيش بشوف..البنت بعد أن ماتت و أكلها الأسد تظهر مثل الشيطان ؟؟...
قلت لها : لكنها قالت أن الأسد أكل حمارها و لم يأكلها و أنها...
قاطعتني قائلة و هي تحشر عود الحطب الذي كسرته الى قطعتين تحت أثافي الإناء الذي كاد أن يفور بلبنه:
- أتصدق أن الأسد فرزها دون حمارها و أكل حمارها ..
ضحكت و قلت : أنا لو كنت مكان الأسد لأكلت الحمار فهو أكبر حجما و قد كان مربوطا ..
رمتني بقطعة – انت يا المطموس قاتلك ريدها – حبها - زي وليداتنا الباقين ..قم و انهر تلك العنز حتى لا تدفق اللبن...
الحكاوي و الأقاويل تكاثرت حول عودتها هي و أخواتها لكن نساء الحفير الذين جلبن الخبر يؤكدن أنهن رأينها تقف بين الأسد و الحمار الذي هاج و اضطرب اضطرابا شديدا ثم قطع حبله وجرى الى داخل الغابة و هو من نبه الجميع الى خطر الأسد القادم ..
"علي الأحيمر" صاحبي خصني بسره و هو يقسم أنه رأى الحمار عندما هاج و اضطرب و أن شجرته التي كان يتلصص منها على "أم جفيل" كشفت له كل شيء , و أنه تسمر في مكانه من هول المفاجأة و شدة الخوف , قال لي أن الأسد بعد أن كان متجها الى البنت و أختيها تركها و جرى و راء الحمار ...و أن سعدية كانت أشجع من أختيها - التين فرتا مع النساء - حينما رأت اضطراب الحمار نظرت الى حيث يكثر الحمار الإلتفات و أنها رأت الأسد و هي من صاحت بالنسوة منبهة لهن بوجوده لكنها لم تشرد مثلهن بل عمدت الى غصن مكسور تتفرع منه أغصان حملته و هي تردد بصوت عال وفي تحد عجيب : أنا "أم جفيل" بت أبوي القتل أبوك يا الأسد ...أبقى راجل و تعال ..
حلف "علي" أن الأسد بعد أن كان متجها إليها حرن في مكانه كأنه رأى ما أخافه ولم يتحرك ثم التفت الى الحمار وجرى وراءه.
خلعت عاشة قميصها و أعطته لأختها الصغرى أم جفيل لكن الأخيرة رفضت العودة حتى تعثر على جفيلها الذي كان فوق ملابسها في ظهر الحمار و تقول لهن لا بد أنه سقط ساعة هيجان الحمار لكن أختيها أخذن يجبرنها على العودة وهي تصر على البحث عنه فحملنها حملا و أجبرنها على العودة...
هذا السر لم أقله سوى لجدتي و بعض أصحابي لينتشر انتشار النار في العويش –الهشيم- ..
وقف "علي الأحيمر" أمام "نعمة" حاسر الرأس و لم يكن دفاعه سوى "أن كلهم يفعلون" مثبتا التهمة عليه أنه كان يتلصص عليها و هي تبترد , لكن نعمة لم يكن هدفها من سؤاله أمام أمه أن تلومه لأنها تعلم أنهم يفعلون فقد كان أبوه و رفقاؤه يفعلون مثله حينما كانت تبترد عندما كانت في سن "سعدية أم جفيل" بل أتت لتتأكد هل ظهر جدها التونسي و حمى ابنته من شر الأسد أم لا...
الجفيل الذي ضاع شغل البادية كلها , ألف الشعراء فيه الأغاني و القصائد التي تصفه و تصف بريقه و تعطيه صفات أسطورية في الجمال و بعضهم حكى عن قصته وكيف أن الله أخفاه آلاف السنين ليدخره لتك اليد التي خلقها الله بعناية له , و بعضهم يصف حزنه على فراق معصم سعدية ... و بعضهم يصف الأسد و ولهه بها بعد أن رآها و يرثون لحاله الذي تبدل و أن قومه اتخذوا ملكا غيره لغابتهم لِما تغير من حاله , و أنه أي الأسد ذهل حينما رأى جمالها و أنه لم يجر وراء الحمار بل نجا بقلبه منها , و البعض الأكثر واقعية يصف شجاعتها و نبلها و تضحيتها و يرجعها الى أبيها "حاكم" الفارس المغوار ضناً بالفراسة و النبل على التونسي الغريب و القليلون الذين يشركونه في هذا الفخر...و آخرون أخذوا يصورونها وهي عارية تقاتل الأسد بسلاح فتنتها و و.. أخذ الدعاة و العباد يندهون – يتوسلون بالدعاء - الفقراء و الصالحين ثم رب العالمين أن يمن على الجميع و يرجعه مشركينه في حياء مع دعاء أن يخلص الغابة من شر الأسود ....و الشباب الذين يقتلهم الحماس يخرجون في جماعات يقصدون الأسد الذي هاجم "سعدية" لعلهم يقتصون منه في إفزاعها , و قد أصاب بعضهم أكثر من أسد و بعضهم أصابته الأسود إصابات خطيرة لا ينجو منها الكثير من الناس , و بعضهم صاد أسدا صغيرا في بدايه بلوغه و جاء به إليها , لكنها قالت أنه ليس هو و أن الأسد الذي هاجمها يشبه الأسد الذي قتله أبوها التونسي قبل قرنين من الزمن ... فلما طلبوها أن تصفه قالت: له عقصة سوداء في أعلى كتفه الأيمن ثم أعلنت أمام الجميع و تحت شجرة الحُكْمِ و بكل جرأة لم و لن تمتلكها بنت غيرها : أن الذي يقتل الأسد ذو العقصة السوداء أعلى كتفه فإنها ستقبل به زوجا ولو كان فقيرا معدما و لو كان دميما أعورا و لو كان عبدا مملوكا ... لتعلن احتدام المنافسة
أتابع باهتمام لكل ما تكتب
أعجبني أسلوبك في سرد الأحداث وتسلسل القصة
بالفعل قصة مختلفة تستحق القراءة والاهتمام
سأتابع كلما سنحت لي الفرصة
تقديري على ما أهديتنا من متعة القراءة والسرد
تحياتي أ. طارق وتقديري






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2018, 09:11 PM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

والدي و أستاذ آدم و الحاج مرحوم و شيخ القرية و مجموعة من كبار أهل القرية جلسوا مع وفد من الحكومة الذي جاء في ثلاث عربات "كومر" .. تعلوا أصواتهم بين حين و آخر ثم تهدأ من جديد...
نقف نحن خارج القطية الكبيرة نتصنت الى ما يدور فلما يكثر عددنا بحيث نحجب الهواء الداخل أو حين يعلوا صوتنا على صوت من بالداخل ينتهرنا أحد الكبار طاردا لنا.. و ما فهمناه من الحديث أن الذين جاؤوا من الحكومة إنما جاؤوا لغرضين أولهما أنهم جاؤوا ليطمئنوا على أهل هذه القرية من هجوم الأسود الأخير و ليطمئنوا على أن لا خسائر في الأرواح و الممتلكات كبيرة عارضين مواساتهم و خدمتهم في أخذ جرحى الهجوم الى مشافي أكبر من مشفى أستاذ آدم ..., و الغرض الثاني هو إقناع أهل القرية بترك هذه القرية الى قرية أكثر أمنا و أرحب منزلا و أنفع خدمات .. قرية ملحقة بمدينة كبيرة ...مياهها متوفرة و مدارسها مبنية و سوقها عامر و مشافيها مؤهلة و طرقها معبدة , هي بلا ريب خير من قريتنا هذه في رأيهم.
ناداني كبير الوفد : تعال يا ولد
فلما وقفت أمامه سألني و عينه على شيخ القرية الذي كان يعلو صوته قبله: هل تقرأ فلما هززت رأسي بالإيجاب : أين تدرس
- أدرس مع أستاذ آدم في ذلك المبنى .. و أشرت إليه
- في أي صف
تدخل أستاذ آدم :
- أنا هنا أدرسهم جميعا في فصل واحد أعلمهم القرآن و بعض الحساب و شيء من العلوم
يلتفت ألى شيخ القرية ممسكا بكتفي : الأولاد سيكونون ضحية بقائكم هنا .. ليس معقولا أن يدرسوا بهذه الطريقة بينما تتوفر الخدمات و التعليم بصورة أحسن لو ذهبتم إليه ..
انفض سامر الإجتماع بلا نتيجة غير غضب الطرفين و القرية القابعة بين مجاري مياه الخريف الكثيرة تحتوشها الأشجار و تحيط بها من كل جانب و بكثافة من ناحيتها الشرقية لا تزال تتوجع من هجمة الأسود الأخيرة و تجاهل الحكومة و طلبها لهم بترك منازلهم القديمة التي توارثوها من أزمان ليست بالقريبة :
- هكذا إذن نترك بيوتنا حتى لا تهاجمنا الأسود ..
- قالوا إن القرية الجنبنا قرروا الاستجابة لطلب الحكومة وأنهم بدأوا بالرحيل فعلا ... خافوا أن يحصل لهم ما حصل لنا..
- عاقلون ...السعيد يشوف جر الشوك في جلد أخوه..
- يا أخوانا العاقل يعرف محل يضع راسه ... الأسود طالبة شي من قريتنا القرى الجنبنا كلها آمنة و مستقرة مع إنها أقرب الى مراتع الحيوانات من قريتنا لكنها هجمتنا أكثر من ثلاث مرات نحن دون القرى التي حولنا...
- هل جننت ؟ الحيوانات ما بتفرز يحركها الجوع بتمشي من غير دليل غير ريحة فريستها ..قسمتكم هي من أتى بها إليكم ..
أخذ رأي يتبلور أن هذه الحيوانات مدفوعة لغاية يجهلها الجميع ... و بدأ همس خبيث أعرف مصدره يومئ الى حادثة "أم جفيل" و هجوم الأسود الأخير مستشهدا بملاحظات بدأت تنتشر نارها سريعا , فالأسود كان بإمكانها أن تحدث خسائر كبيرة لو كان محركها الجوع فقط فقد كان متاحا لها بقر و أغنام و ضأن كثير كان يسرح بالقرب من مكان هجومها و لكنها لم تذهب في إتجاهه , و أنها لقيت أول من لقيت بنت "الناجي" ابنة العاشرة و هي تسرح و راء غنمها لكنها لم تهجم عليها و لا على غنمها , ثم أنها لم تهاجم الجموع التي تصدت لها كما أنها لم تهرب منهم أول رؤيتهم بل انتظرتهم حتى هاجموها و بدأوا يضربونها بالحجارة و الحراب و يشعلوا النار في وجهها .. حينها هاجمتهم و هربت ...
قالت جدتي : هذه المخلوقات لا نعرف سرها ...
قلت لها و انا مستلق على ظهري فوق حصير أمام باب بيتنا أنظر الى نجمة بعيدة : ألم يقولوا أنها تحمل أرواح آبائنا الأقدمين و أنها تجري بسرهم و تعيش قصتهم في عالمها ..
اتكأت جدتي في سريرها واضعة رأسها فوق كفها متخذة ساعدها و يدها كوسادة : العلم عند الله لكن سر هذه الوحوش هذه الأيام مدفون في قريتنا... و أنا أعرف مكانه.
كأني كنت أعلم ما تريد قوله لكني لم أحول نظري من نجمتي: أين مكانه؟
نظرت الى نجمتي التي أنظر اليها : في بيت "نعمة"
نظرت اليها فوجدتها تنظر الى حيث كنت أنظر: يا حبوبة كلامك هذا ملأ القرية كلها... لماذا لا تحبين "نعمة" و بناتها..
- أمي هي التي لا تحب أمها و رضعتنا كرهها من قبل أن يفطمونا .. كان أنا مفروض أكون "نعمة" و لا أختها الماتت زمان ...
و لأني سمعت هذه القصة كثيرا
- ألا يقولون على هذه القسمة كل واحد يأخذ قسمته يا حبوبة
سكتت ثم استطردت:
- يا ولد أنت ما الذي عرفك بهذه الأمور
ثم تحدثت كمن يحدث نفسه : بركة الما بقيت "نعمة" ... لا أقدر على مثل هذه الشقاء..
- كيف يمكن أن تكوني "نعمة" و أين هو "الشقاء"..
- الشقاء لما "نعمة" تشوف الأسد ياكل بناتها واحدة ورا الثانية أمام عينيها..
قمت من رقدتي و قد شدني حديثها : يا حبوبة –جدة- ما هذا الذي تقولينه؟
- الله يحيينا و نشوف ...
جدتي تحمل حقدا قديما على "نعمة" و بناتها و تظن أنها كانت الأَوْلى بهذا الجمال منهن لو أن و الد "نعمة" تزوج أمها هكذا أخبرها "الودع" الذي ترميه تستكشف به الماضي و المستقبل و هكذا قصت لها أمها عن غرام استبيح لم يرعه "حمدان" حق رعايته رغم و عود الهوى و خلواته , فقد كانت أمها لا ينقصها من جمال أم "نعمة" شيء كثير كما تقول ....
- ما الذي سنراه يا جدتي
- سنرى عجبا ... الأسود إن لم تأخذ ثأرها من بنت "حاكم " نعمة" لن تترك القرية تهنأ براحة ...
- اليوم ناس الحكومة جاؤوا و طلبوا أن نرحل من هذه القرية ..ناسنا كأنهم اقتنعوا شايف القرى التي حولنا تمتثل الى أمر الحكومة... لو رحلنا لربما كفينا القرية شر الأسود هكذا يقول أستاذ آدم..
ضحكت جدتي و هي تنظر الى أفق بعيد بعد أن استلقت تنظر الى نجمتي التي ازداد بريقها مع ازدياد الظلام ... ثم تنهدت و قالت : البعيش بشوف….
تملكني إحساس غريب حرك لي بطني من هول ما قالت جدتي كيف يأكلهن الأسد .. و تذكرت قول "أم جفيل" : أنا بخنقه بي يدي ديل..أنا و أبوي "مهران"..
استطاعت جدتي نشر هذه الرؤية بقوة فانتشرت بين النساء ثم بين الرجال و ازدادت بتأويلات أخرى المنطقي فيها أقل من الخيالي... يقول بعضهم أن الأسود جاءت لتثأر لهزيمة كبيرهم من "أم جفيل" في يوم الهجوم المشهور عند "الحفير الصباحي" فقبيلة الأسود كالثعابين لا ترضى الهزيمة و لا تنسى من هزمها و لا تقر له بنصر ... فيرد بعض مناصريها و هم كثر معظمهم من الشباب المفتونين "بسعدية ": إن هذا الهجوم محسوب ضمن الهجمات الثلاث المذكورة و الهجمة الأولى هي هجوم على قطيع الحاج "مرحوم" و الأخيرة هي هذه فالأمر لا يعدو أن يكون جوع تملك الغابة إثر هجرة القطعان جنوبا خلف المطر فوجدت الأسود أن الأرض خلت ممن يكون لها طعاما فاستهدفت القرى لسهولة اصطياد الأبقار و الشياه المزروبة و المدجنة التي لم تعتد على فرار أو دفاع..
بعضهم يقول أن هذا البيت أي بيت آل "نعمة " أصابته لعنة قديمة انتقلت من أمها لا من أبيها "حمدان" إذ انتكس عمل سحر أسود قامت به أمها لخطف قلب أبيها لكونها لم تلتزم بشروط الساحر الصعبة, فارتد العمل على بيتها .. و استدلوا بقلة انجاب هذا البيت بل و تأخره في ذلك الى أن تزوج "حمدان" بأخرى لكنه لم ينجب منها و انجب اثنتين من أم "نعمة" إحداهن "نعمة" و الثانية أختها التي ماتت أو هكذا يظن إذ خرجت ذات ورود لجلب الماء و لم تعد ويقال أن الجن خطفها ثمنا لما التزمت به أمها و لم تف به .. و إني لأرى يد جدتي في هذا القول واضحة لا تورية فيها.. و لكن من حضر الماضي أنكر كثيرا مما تزعمه هذه الرؤية .. فإن والد "نعمة" "حمدان" اشتهر منذ صغره بحبه لأم "نعمة" و كان زواجه منها تتويجا لهذا الحب فرح به كل ذويهما فهما ابناء عمومة يجمعهما دم واحد قبل قلبيهما الذين يجري فيهما, و لولا إلحاح أم "حمدان" عليه أن يتزوج - بعد أن لم يرزقه الله الذرية - لعل الله يرزقه من أخرى بنين تقر بهم عينه كما يفعل الرجال لما فعل , و لقد أنجبت أم "نعمة" بنتيها على كبر بعد أن يأست من الإنجاب و يبقى سر اختفاء بنت "نعمة" هو نقطة قوة هذه الرواية...






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2018, 09:14 PM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

والدي و أستاذ آدم و الحاج مرحوم و شيخ القرية و مجموعة من كبار أهل القرية جلسوا مع وفد من الحكومة الذي جاء في ثلاث عربات "كومر" .. تعلوا أصواتهم بين حين و آخر ثم تهدأ من جديد...
نقف نحن خارج القطية الكبيرة نتصنت الى ما يدور فلما يكثر عددنا بحيث نحجب الهواء الداخل أو حين يعلوا صوتنا على صوت من بالداخل ينتهرنا أحد الكبار طاردا لنا.. و ما فهمناه من الحديث أن الذين جاؤوا من الحكومة إنما جاؤوا لغرضين أولهما أنهم جاؤوا ليطمئنوا على أهل هذه القرية من هجوم الأسود الأخير و ليطمئنوا على أن لا خسائر في الأرواح و الممتلكات كبيرة عارضين مواساتهم و خدمتهم في أخذ جرحى الهجوم الى مشافي أكبر من مشفى أستاذ آدم ..., و الغرض الثاني هو إقناع أهل القرية بترك هذه القرية الى قرية أكثر أمنا و أرحب منزلا و أنفع خدمات .. قرية ملحقة بمدينة كبيرة ...مياهها متوفرة و مدارسها مبنية و سوقها عامر و مشافيها مؤهلة و طرقها معبدة , هي بلا ريب خير من قريتنا هذه في رأيهم.
ناداني كبير الوفد : تعال يا ولد
فلما وقفت أمامه سألني و عينه على شيخ القرية الذي كان يعلو صوته قبله: هل تقرأ فلما هززت رأسي بالإيجاب : أين تدرس
- أدرس مع أستاذ آدم في ذلك المبنى .. و أشرت إليه
- في أي صف
تدخل أستاذ آدم :
- أنا هنا أدرسهم جميعا في فصل واحد أعلمهم القرآن و بعض الحساب و شيء من العلوم
يلتفت ألى شيخ القرية ممسكا بكتفي : الأولاد سيكونون ضحية بقائكم هنا .. ليس معقولا أن يدرسوا بهذه الطريقة بينما تتوفر الخدمات و التعليم بصورة أحسن لو ذهبتم إليه ..
انفض سامر الإجتماع بلا نتيجة غير غضب الطرفين و القرية القابعة بين مجاري مياه الخريف الكثيرة تحتوشها الأشجار و تحيط بها من كل جانب و بكثافة من ناحيتها الشرقية لا تزال تتوجع من هجمة الأسود الأخيرة و تجاهل الحكومة و طلبها لهم بترك منازلهم القديمة التي توارثوها من أزمان ليست بالقريبة :
- هكذا إذن نترك بيوتنا حتى لا تهاجمنا الأسود ..
- قالوا إن القرية الجنبنا قرروا الاستجابة لطلب الحكومة وأنهم بدأوا بالرحيل فعلا ... خافوا أن يحصل لهم ما حصل لنا..
- عاقلون ...السعيد يشوف جر الشوك في جلد أخوه..
- يا أخوانا العاقل يعرف محل يضع راسه ... الأسود طالبة شي من قريتنا القرى الجنبنا كلها آمنة و مستقرة مع إنها أقرب الى مراتع الحيوانات من قريتنا لكنها هجمتنا أكثر من ثلاث مرات نحن دون القرى التي حولنا...
- هل جننت ؟ الحيوانات لا تفرز ...يحركها الجوع ,تمشي من غير دليل غير ريحة فريستها ..قسمتكم هي مَن أتى بها إليكم ..
أخذ رأي يتبلور أن هذه الحيوانات مدفوعة لغاية يجهلها الجميع ... و بدأ همس خبيث -أعرف مصدره - يومئ الى حادثة "أم جفيل" و هجوم الأسود الأخير مستشهدا بملاحظات بدأت تنتشر نارها سريعا , فالأسود كان بإمكانها أن تحدث خسائر كبيرة لو كان محركها الجوع فقط فقد كان متاحا لها بقر و أغنام و ضأن كثير كان يسرح بالقرب من مكان هجومها و لكنها لم تذهب في إتجاهه , و أنها لقيت أول من لقيت بنت "الناجي" ابنة العاشرة و هي تسرح و راء غنمها لكنها لم تهجم عليها و لا على غنمها , ثم أنها لم تهاجم الجموع التي تصدت لها كما أنها لم تهرب منهم أول رؤيتهم بل انتظرتهم حتى هاجموها و بدأوا يضربونها بالحجارة و الحراب و يشعلوا النار في وجهها .. حينها هاجمتهم و هربت ...
قالت جدتي : هذه المخلوقات لا نعرف سرها ...
قلت لها و انا مستلق على ظهري فوق حصير أمام باب بيتنا أنظر الى نجمة بعيدة : ألم يقولوا أنها تحمل أرواح آبائنا الأقدمين و أنها تجري بسرهم و تعيش قصتهم في عالمها ..
اتكأت جدتي في سريرها واضعة رأسها فوق كفها متخذة ساعدها و يدها كوسادة : العلم عند الله لكن سر هذه الوحوش هذه الأيام مدفون في قريتنا... و أنا أعرف مكانه.
كأني كنت أعلم ما تريد قوله لكني لم أحول نظري من نجمتي: أين مكانه؟
نظرت الى نجمتي التي أنظر اليها : في بيت "نعمة"
نظرت اليها فوجدتها تنظر الى حيث كنت أنظر: يا حبوبة - يا جدة- كلامك هذا ملأ القرية كلها... لماذا تكرهين"نعمة" و بناتها..
- أمي هي التي لا تحب أمها ... أرضعتنا كرهها من قبل أن يفطمونا .. كان مفروض أن أكون "نعمة" أو أختها التي ماتت من زمان ...
و لأني سمعت هذه القصة كثيرا
- ألا يقولون على هذا قسمة ...كل واحد يأخذ قسمته يا حبوبة - جدتي.-
سكتت ثم استطردت:
- يا ولد أنت ما الذي عرفك بهذه الأمور
ثم تحدثت كمن يحدث نفسه : بركة الما بقيت "نعمة" ... لا أقدر على مثل هذه الشقاء..
- كيف يمكن أن تكوني "نعمة" و أين هو "الشقاء"..
- الشقاء لما "نعمة" ترى الأسد يأكل بناتها واحدة ورا الثانية أمام عينيها..
قمت من رقدتي و قد شدني حديثها : يا حبوبة –جدة- ما هذا الذي تقولينه؟
- الله يحيينا و نشوف ...
جدتي تحمل حقدا قديما على "نعمة" و بناتها و تظن أنها كانت الأَوْلى بهذا الجمال منهن لو أن و الد "نعمة" تزوج أمها هكذا أخبرها "الودع" الذي ترميه تستكشف به الماضي و المستقبل و هكذا قصت لها أمها عن غرام استبيح لم يرعه "حمدان" حق رعايته رغم و عود الهوى و خلواته , فقد كانت أمها لا ينقصها من جمال أم "نعمة" شيء كثير كما تقول ....
- ما الذي سنراه يا جدتي
- سنرى عجبا ... الأسود إن لم تأخذ ثأرها من بنت "حاكم " نعمة" لن تترك القرية تهنأ براحة ...
- اليوم ناس الحكومة جاؤوا و طلبوا أن نرحل من هذه القرية ..ناسنا كأنهم اقتنعوا شايف القرى التي حولنا تمتثل الى أمر الحكومة... لو رحلنا لربما كفينا القرية شر الأسود هكذا يقول أستاذ آدم..
ضحكت جدتي و هي تنظر الى أفق بعيد بعد أن استلقت تنظر الى نجمتي التي ازداد بريقها مع ازدياد الظلام ... ثم تنهدت و قالت : البعيش بشوف….
تملكني إحساس غريب حرك لي بطني من هول ما قالت جدتي كيف يأكلهن الأسد .. و تذكرت قول "أم جفيل" : أنا بخنقه بي يدي ديل..أنا و أبوي "مهران"..
استطاعت جدتي نشر هذه الرؤية بقوة فانتشرت بين النساء ثم بين الرجال و ازدادت بتأويلات أخرى المنطقي فيها أقل من الخيالي... يقول بعضهم أن الأسود جاءت لتثأر لهزيمة كبيرهم من "أم جفيل" في يوم الهجوم المشهور عند "الحفير الصباحي" فقبيلة الأسود كالثعابين لا ترضى الهزيمة و لا تنسى من هزمها و لا تقر له بنصر ... فيرد بعض مناصريها و هم كثر معظمهم من الشباب المفتونين "بسعدية ": إن هذا الهجوم محسوب ضمن الهجمات الثلاث المذكورة و الهجمة الأولى هي هجوم على قطيع الحاج "مرحوم" و الأخيرة هي هذه فالأمر لا يعدو أن يكون جوع تملك الغابة إثر هجرة القطعان جنوبا خلف المطر فوجدت الأسود أن الأرض خلت ممن يكون لها طعاما فاستهدفت القرى لسهولة اصطياد الأبقار و الشياه المزروبة و المدجنة التي لم تعتد على فرار أو دفاع..
بعضهم يقول أن هذا البيت أي بيت آل "نعمة " أصابته لعنة قديمة انتقلت من أمها لا من أبيها "حمدان" إذ انتكس عمل سحر أسود قامت به أمها لخطف قلب أبيها لكونها لم تلتزم بشروط الساحر الصعبة, فارتد العمل على بيتها .. و استدلوا بقلة انجاب هذا البيت بل و تأخره في ذلك الى أن تزوج "حمدان" بأخرى لكنه لم ينجب منها و انجب اثنتين من أم "نعمة" إحداهن "نعمة" و الثانية أختها التي ماتت أو هكذا يظن إذ خرجت ذات ورود لجلب الماء و لم تعد ويقال أن الجن خطفها ثمنا لما التزمت به أمها و لم تف به .. و إني لأرى يد جدتي في هذا القول واضحة لا تورية فيها.. و لكن من حضر الماضي أنكر كثيرا مما تزعمه هذه الرؤية .. فإن والد "نعمة" "حمدان" اشتهر منذ صغره بحبه لأم "نعمة" و كان زواجه منها تتويجا لهذا الحب فرح به كل ذويهما فهما ابناء عمومة يجمعهما دم واحد قبل قلبيهما الذين يجري فيهما, و لولا إلحاح أم "حمدان" عليه أن يتزوج - بعد أن لم يرزقه الله الذرية - لعل الله يرزقه من أخرى بنين تقر بهم عينه كما يفعل الرجال لما فعل , و لقد أنجبت أم "نعمة" بنتيها على كبر بعد أن يأست من الإنجاب و يبقى سر اختفاء بنت "نعمة" هو نقطة قوة هذه الرواية...






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-09-2018, 02:11 AM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
خالد يوسف أبو طماعه
عضو مجلس إدارة
المستشار الفني للسرد
عضو تجمع الأدب والإبداع
عضو تجمع أدب الرسالة
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الاردن

الصورة الرمزية خالد يوسف أبو طماعه

افتراضي رد: الأسد

لك نفس جميل في سرد الأحداث
لي عودة لهذا النحت بإذن الله تعالى
أتمنى لك النجاح في هذا العمل وسائر أمور حياتك
كل التقدير أخي طارق






حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
  رد مع اقتباس
/
قديم 25-09-2018, 07:54 PM رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

شكرا أخي خالد لقد أصبح لقصة الأسد جمهور و متابعين بحمد الله بعد نشرها في صفحتي في الفيس ..
انا أدين بالفضل لك و لأستاذ محمد خالد بديوي و الأستاذ جمال عمران و أستاذة نوال البردويل و كل من شارك في نقاشها و نقدها و تقديم النصح ... و ما زالت القصة تكتب و لم تصل الى الصياغة النهائية بعد فبالتأكيد الحاجة الى التصحثح و النقد الفيد ما زالت قائمة حتى ترى النور انشاء الله .
شكرا لك يا كريم






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2018, 07:38 AM رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة "السادسة"

في "سوق أهراس" ..السوق الشهري الذي يجتمع له باعة ومشتري السباع المفترسة و المروضة و أعضائها الثمينة كرؤوس السباع و أنيابها و جلودها و ما غلا منها و ندر من كل الدنيا , يعقد كلُ أول أسبوع من أول شهر قمري ويستمر لمد عشرة أيام , ينفض بعدها ليعقد في موعده أول الشهرالقادم , ويكاد يكون مهرجانا لا يتم فيه البيع و الشراء فحسب بل تقام فيه المهرجانات الراقصة و حلبات المصارعة و سباقات الخيل و الإبل و بيع النوادر من التحف و العطور التي يكون أغلاها عطر دم الغزال " المسك " و عطر دم الحوت " العنبر" , و بهذاالسوق جناح لأخشاب الأثاث و للأخشاب الطبية التي تقصد من بلاد الدنيا المختلفة و أخشاب العطر كالصندل و الطلح يَبعثُ إليها خدم الأمراء والأميرات و الملوك الوفود من أماكن و دول بعيدة غالبا ما تكون وراء البحر الأبيض المتوسط ... كما تزدهر فيه تجارة الرقيق الذين يُجلبون عبر حملات منظمة يقوم بها تجار و نهّابة يتخصصون في اصطياد الشباب من الجنسين , أو تتبع أخبارالحروب في كل الدنيا القريبة ليقومو بشراء أسراها من الطرفين فإما أن يتم مقايضتهم مع ذويهم مقابل ثمن يزيد و ينقص حسب وضع الأسير و إما أن يباعوا في أسواق العبيد المنتشرة في الدنيا و هذا السوق أحدها بل ومن أكبرها .
و يستبشر الناس إن وقع السوق يوم جمعة أو خميس لما فيهما من بركة و فضل على بقية الأيام . و بالسوق حوانيت للزينة يقصدها الرجال كما النساء و حمامات للرجال و للنساء تعنى بنظافة البشرة و تجميلها و العناية بالشعر بالزيوت الأفريقية التي لن تجدها مجتمعة إلا هنا , يأتي بها التجار و الصيادون من أدغال أفريقيا البعيدة , ملحقة بأبنية المنازل التي تستضيف الوفود من كل مكان يعمل بها ولدان و جواري بمواصفات خاصة رقيقي الأيدي و الحواشي حلوي اللسان و الكلام جميلي الوجه و الطلة , هذه النزل لها درجات و مقامات فنزل الأمراء ليست كنزل عامة الأغنياء و من باب أولى ليست كنزل العامة من تجار و مشترين و عابري سبيل , فالأولى تكون على مرتفعات شرقي السوق مطلة عليه كما و تطل على أودية خلابة المناظر يتدفق منها الماء تنأى بهم عن سماع الضجيج و زحمة الباعة و المشترين والمتطفلين لها طرق معبدة مرصوفة تسع خيلهم و بقالهم ذوات العربات الفارهة , و الثانية أقل منها ارتفاعا و أقرب مكانا للسوق و تشرف على متنزه جميل أعد بعناية لمقام ذوي المال و الأخيرة تجاور السوق بل وتجدها أحيانا بداخله ;
و سوق "أهراس" مصدر ضخم للروايات و القصص والأساطير التي ينشط رواتها في أيام هذا السوق يتخذون لهم مواقع يتحلق الناس حولها اشتهر منهم رواة بعينهم يقصدهم طالبي الأساطير و معرفة أخبار الدنيا, و يجعلون لهم مترجمين توضع لهم منابر خاصة يؤمها أصحاب اللغات و اللهجات المختلفة الذين يقصدون هذا السوق ليزيدو ثقافتهم ويرووا نَهَمهم حول ما يجري في الدنيا و خصوصا الأوربيون منهم , و يقصدها كذلك جواسيس ملوك و سلاطين ودايات و رؤساء دول مختلفة حيث يجدون بعض الأخبار و الروايات التي تشجع المغامرين منهم على خوض حروب أو تثنيهم عنها فقد نشط طلاب المجد و التوسع منهم ..
يجلس هؤلاء الرواة مع الصيادين و التجار الذين جابوا البلاد و الغابات يأخذون منهم قصصهم و أحاجيهم و الروايات و المغامرات التي كثيرا ما يزيدها أصحابها ليعطوا بعض المجد و النبوغ و السيرة لأشخاصهم فيعيدون صياغتها أضافة و حذفا , تشويقا و تهويلا لتخرج بثوب قشيب تصحبه موسيقا "القنيبري" و "الهجهوج" ... و بأختصار هذا سوق للذين يحملون من الأموال الكثير و للذين يحملون من الشغف المثير.
و كان لقصة الأسد الأعرج جمهور خاص بعضهم يأتي من وراء البحار البعيدة و أخرون من البلدان التي ترهق الخيل القوية في طلب الوصول إليها , يأتي كل شهر ليعرف الجديد من أخباره و تغلبه على الصيادين الذين لا يخلو شهر من خبر منهم أو عنهم يزيد في إثارتها , فقد أصبح الأسد بطلا أسطوريا , له جمهور كبير يؤيد و يتتبع و يفرح لانتصاراته على الصيادين من مختلف جنسياتهم , كما اشتهر صيادون قلة عبر هؤلاء الرواة منهم علوش و المحمداني و حسان من الشمال كما يأتي من العمق الأفريقي صيادون أشاوس يعرضون نتاج صيدهم منهم موجيانا و شيانقا و كوباكي.... كما جذب الأسد مغامرين أوربيين ليخوضوا الأدغال الأفريقية تحركوا من بلدانهم خصيصا لأجل صيده فقد كان وقع قصص هؤلاء الحكواتية كبيرا على نفوس السامعة ,خصوصا و أن بعض القصص يكون لها شواهد حية كصياد حي موجود يرونه ماشيا في السوق و ليس من الخيال , أو أسد شجاع يرونه مكتوفا بين المعروضات أو رأس فيل و السيف الذي جزه بل و الصيادين الذين تمكنوا منه ...بل و أحيانا يؤكد الغلو في هذه القصص و إثارتها تأثرهم فرحا و حزنا بغياب صياد لموت أو لجرح أو مواصلة مطاردة , و كثير من الصيادين يحملون جروحا غائرة أو ظاهرة يتباهون بها إظهارا لشجاعتهم في وجه الأسود .. ينسجون حولها القصص الدالة على استبسالهم و شجاعتهم في مواجهتها كأنها هي التي قصدتهم لا هم من اعتدوا عليها و روعوها بالأسر أو القتل يجيئون إلى مواطنها الآمنة من بلدان بعيدة لا لشيء سوى لأذاها.
و قد كانت الجبال المحيطة بالسوق و غاباتها المخضرة مدار العام مسرحا لعمليات صيد كبير زاد من حماسها ذلك الأسد المرعب الذي لم يستطع عليه أمهر الصائدين و الذي أطلق عليه الحكواتية لقب "مراد باي" تشبيها له "بمراد باي" العظيم الذي سمت به همته من العبودية و الرق الى حكم تونس كلها .. خلق هذا الأسد حماسا غريبا لطلاب البطولة و السمعة الحسنة و المغامرة... حتى أن بعض مضاربي السوق وضعوا مبلغا كبيرا لمن يأتي به حيا و مبلغا كبيرا و لكن أقل منه لمن يأتي به ميتا , و كان كلما جاءت بعثة صيد أو جماعة صائدة أو صيادون منفردون و قليل ما هم , يتكاثر حولهم الناس ليأخذوا الأخبار طازجة عنهم قبل نقلها للحكواتية و لكن الصيادين كانوا لا يخبرون أحدا غيرهم , فهم يدفعون لهم مقابل ذلك ثم إنهم يقومون بتمجيدهم و الدعاية لهم أمام الزوار خاصة الأوربيون الذين يدفعون أثمانا عالية مقابل صيد الصياد ذي السمعة الماجدة... و كان يحرص كل صائد أن لا يعود خالي الوفاض من خبر أو قصة عن ذلك الأسد "مراد باي" حتى و إن لم يقابله أو يتعرض لموقف معه فإنه يجلس هو وزمرته الصائدة ينسجون قصة من وحي الخيال تقارب الواقع لينقلوها الى الحكواتية... فقد كان عيبا كبيرا أن يرجع صياد دون أن تكون له قصة أو مغامرة مع هذا الأسد مما أضاف للأسد الأعرج أبعادا أسطورية لا نملك غير أن نقول أنه يستحقها...
أصبح الأسد الأعرج "مراد باي" بركة على بقية الحيوانات التي كسد سوقها و قلت أسعارها و وبالا على الأسود التي تناقص عددها بشكل ملحوظ حيث كثر صيدها و تهافت الصيادون عليها وعرفوا مخابأها و أماكن تواجدها و عاداتها و أزمان توالدها و طرق تناسلها و حياتها الإجتماعية و مصايفها و مشاتيها ... و ابتكروا طرقا مبتكرة لصيدها و تفننوا في ذلك و صنعوا آلات ذات إمكانيات متخصصة تفلح في تشتيت انتباه الأسد الأعرج فقد صنعت خصيصا له , إذ شكلت حمى الأسد الأعرج في منطقة الشمال و الغرب الأفريقي ظاهرة اجتاحت حتى المجتمعات الثقافية و الدينية و أصحاب المهن الإقتصادية المختلفة التي لا علاقة لها بالصيد كالزراعة و الرعي...و تباهى الأغنياء باقتنائهم لجلود الأسود و أنيابها و رؤوسها رغما عن نهي الوعاظ في المساجد عن ذلك و اعتبارهم أن هذا من السخط و اللعنة الإلاهية , و أصبح من كسوة العروس اللازمة فَرْو جلد الأسد الذي يوضع زينة في البيت أو يتخذ كسجادة صلاة أو تعمل منه الأحذية و أواني حفظ و تبريد الماء بدلا عن جلود الأبقار و الماعز بل و صنعت منها الآلات الموسيقية الفخمة... و كل هذا يباع في سوق أهراس ثم منه الى الأسواق الأوربية و الأسواق الداخلية التي لا يقصدها إلا علية القوم و علية القوم فقط..
غير أن هذه الموجة الشرسة التي استمرت لأربع سنوات حسوما تزيد و لا تنقص أدت الى هجر الأسود للغابة المتاخمة للسوق , و ابتعادها في العمق الأفريقي جنوبا و غربا و شرقا عبر امتداد الغابات و الصحاري و اقترانها مع بعضها البعض , فاصبحت طلعات الصيادين تتأخر لشهور تكاد تقارب السنة مما جعل الحماس يفتر عن سابقته و أصبحت قصص الأسد الأعرج تكاد تندثر إلا من حكواتي يؤلف قصة حوله جذبا للمستمعين يشوبها عدم الصدق و قلة السامعة.

شكل وجود الأسد الأعرج أو "مراد باي" لغزا محيرا و تحديا مثيرا للهواة و المحترفين من الصيادين , لا تجد له مكانا محددا فهو كثير الحركة و التجوال في غابات الجبال المحيطة بالسوق فمن وجده بجبال "صالح" لن ينكر على من رآه بجبال "أولاد مؤمن" و لن يغالط إن ادعى ثالث سماع صوته المميز في جبال "أم العظائم" , و كثيرا ما يروي صياد عن ظهوره المفاجئ له كالجني في "عين دالية " يعدو عليهم بسرعة فائقة تكاد تسابق السهم المنطلق منقضا على رامٍ أو ناقضا لشراك أو مثيرا لرعب بزئيره الذي تتجاوب معه الأسود و السباع فتزأر بعده مأوبة مثيرة الرعب في قلب كل من سولت له نفسه اقتحام مملكته , و كم من مرة يعد الصياد و فريقه الشراك الجعدلية المحكمة لصيده ثم يختبئون خلف شجرة أو صخرة فيفاجأ الجميع بتخطيه الشرك و ظهوره أمامهم مباشرة وجها لوجه بلا عازل أو ملجأ و سرعان ما يتجمع الأسود و السباع المختلفة إثر زأرة واحدة تدلهم على مكانه و صيده من الصيادين الضحايا فتصبح الغابة كلها أسودا... فلا يملكون غير انتظار رحمة الله التي عزمت صحبتها "لمراد باي" و قبيلته دون الصياد و زمرته , و لكنها أي رحمة الله تتدخل فتصرف عنهم الأسود زهدا فيهم و إعلانا للإنتصار عليهم فيُشيِّع المنتصرُ المهزومَ الى خارج الغابة مطرودا ذليلا تاركا سلاحه و شراكه خلفه بعد معركة بسيطة الهدف منها رمي سلاح العدو و طرده ليس إلا , يقتل فيها من يقاوم و يجرح فيها من لا يعلن استسلامه بسهولة... و لذلك أصبح من مسلمات صيد الأسود في تلك النواحي الاستسلام ورمي السلاح و رفع اليدين الفارغتين و التقهقر رويدا رويدا الى إن تُأمن غضبة "مراد باي الأعرج " إذا ما خانك الحظ و رماك قدرك في مثل هذا الموقف المهيب ..و لكن الويل لك إن كانت هذه المرة هي المرة الثانية التي ترى فيها في مثل هذا الموقف
.






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-10-2018, 07:12 PM رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
نوال البردويل
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع أدب الرسالة
فائزة بالمركز الثالث
مسابقة القصة القصيرة2018
عنقاء العام 2016
تحمل وسام الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية نوال البردويل

افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المأمون محمد مشاهدة المشاركة
لم تثن الحروب التي كان سببها التنافس على حكم "دارفور" و"كردفان" ما بين "الداجو" و "الفونج" و"التنجر" و "عرب الغديات" "سلطان الفاشر" من تتبع أخبار "الغريب" الذي بدأ في بسط نفوذه بماله و بفرص العمل التي انخرط فيها عدد كبير من الشباب و الشيوخ و بما كان يفعله هو و "حاكم" من إعمار للمنطقة , فقد كان الصراع محتدما على أشده على حكم هذا الإقليم المترع بالخيرات , و كان قبل أن تصله شكوى "الشرتاي سرور" من تطاول آل "حاكم" عليهم و عدم انصياعهم لحكمه و استقوائهم بالغريب الذي لا يعرف له أصل قريب يرجع إليه نسبه يمكنهم الوثوق به و الرجوع إليه حال أخطأ أو تعدى , أرسل في طلب معرفة خبر هذا "الغريب" و ماذا يريد و بث العيون التي تأتي بخبره أولا بأول , بل و حاولت أن تعرف سر قدومه الى هذه المنطقة ومن أين هو...
و رغم تضارب المرويات التي وصلت الى السلطان حول الغريب فقد أجمعت كلها على ثلاثة أشياء أولها أنه من بلاد تبعد مسيرة أشهر بالخيل السريعة إن أُمِن الموتُ عطشا و من مدينة أسمها "بنزرت", تفصلها عن ديار السلطان غابات و صحاري و أنهر و أن هذه البلاد اسمها "تونس" و يطلقون عليها أحيانا "أفريقية" تقع خلف بحر كبير و الحقيقة الثانية أن حكام تلك المنطقة و الذين يسمون "الدايات" -مفردها "الداي" - منشغلون بصراعات و حروب داخليه و أن هذه الصراعات لم تهدأ على مر تاريخ طويل و أنهم في حالة حرب و تناوش مع العثمانيين المسلمين و تناوش فيما بينهم وتناوش مع طامعين كفار من وراء البحر المالح ... اجتمعت هذه المرويات لتؤكد الحقيقة المهمة الثالثة أن هذا الغريب لا خوف منه...
لكن لغز مجيئه من تلك البلاد البعيدة الى بلاد السلطان لم يزل يدفع الريبة في قلب السلطان و الذي كان لا يزال يعاني من اضطربات تتهدد ممكلته في أطرافها الشرقية , و إنه إن أمن من كونه عينا و معينا لأهله الأبعدين فلا يوجد ما يمنع أن يكون عينا و يدا لأعدائه الأقربين لذلك ألصق به من يراقبه كظله... و قد سعى مرات ليست بالقليلة كما يروى الى قتله خلال فترة وجوده المتطاول في المنطقة حتى بعد زواجه من "النقو" , و يتهمه كثيرون بأن له يدا في اختفائه المفاجئ و الذي لم يعد بعده أبدا فمن قائل أنه قتله عبر سم دسه له في طعامه عبر أحد أتباعه الذين كانوا يعملون في مناجمه ولكن السم ظهر أثره بعد حين و أنه وقع ميتا متأثرا بسمه في غابة قريبة و افترسته السباع أو أكلته دابة الأرض , و من قائل أنه اختطفه عند خروجه الى مناجمه عائدا إثر تفقده لسير العمل في أحد الحفائر بعد أن كمن له في تلك الغابة أيضا و الأقاويل كثيرة من هذا القبيل...لكنها كلها تؤكد خوف السلطان منه ...خاصة بعد زواجه من ابنة "حاكم"..
و لما أن جاء "سرور" مشتكيا من ذهاب نفوذه الذي أستمده من نصرة جده أي جد السلطان بعد تلك المعركة الكبيرة قبل زمن ليس بالقريب و لا بالبعيد فإن رد السلطان له كان بأن نهاية "التونسي" قريبة و أن عليه أن يصبر و يتريث و أن يكتم هذا الأمر حتى لا يفسد خطته فهو ليس بحاجة لأن يثير المنطقة ضد سلطانه بعد أن ظهرت أفضال "التونسي" على الناس و زاد خيره بينهم .
لكن السلطان استقبل "التونسي" و "حاكم" استقبالا حسنا و أقام لهما مأدبة كبيرة دعا لها أعيان المنطقة و قبل منهما هداياهما , و فطن الأثنان لمخاوف السلطان فأعلنا له على الملأ دعمهما للسلطنة في حربه العادلة ضد خصومه المعتدين بالمال و أن ربع الذهب المستخرج حق معلوم دائم للسلطان و دولته فاعتبر السلطان هذا إعلان خضوع و اتفاق إذعان لحكمه مما زاده اطمئنانا ولكنه لم يقض على مخاوفه بصورة نهائية.
و قبل رجوعهما أسر السلطان "لحاكم" بأنه سيرسل وفدا يصلح بينه و بين "سرور" و أن عليه أن يقبل بحكم وساطتهم , فاستعلمه عن هذا الوفد فأخبره بأسمائهم فقصدهم "حاكم" بهدايا خاصة رققت القلوب و أتمت المطلوب.
وانفرد السلطان بالتونسي أثناء المأدبة المقامة على شرفهما فسأله مستحلفا له بالله أن يصدقه القول ويخبره عن سر قدومه الى منطقتهم من دون المناطق المشهورة بذهبها و فضتها.
فقال له التونسي و المعازف و الأبواق و الدفوف تمنع القريبين من سماع الحوار الذي يدور بينهما.: سأصدقك القول يا سيدي السلطان المفدى إن الذي جاء بي إليكم ليس الذهب ولا النقود و لا الثروة و النفوذ و لم أفعل شيئا يوجب فراري من أهلي فلم أخرج من بلدي خائفا و لا متسولا فقد كنت غنيا ذا منعة و مال ونفوذ ورثته كابرا عن كابر ...و لكني خرجت أبتغي الثأر ممن قتل والدي رحمه الله وهو يعيش بينكم في بلادكم هذه,
عدل السلطان من جلسته بعد أن كان متكئا و بدت سيماء الجدية على وجهه , و قد لاحظ الجميع ذلك مما جعل صوت المزامير و الدفوف ينخفض و حديث الناس تحول من صاخب عالي الى هامس خاشع.. و قد لاحظ "التونسي" ذلك أيضا و كذلك "حاكم" الذي كان يترجم ما بين "السلطان" و "التونسي" لكن الأخير استمر في حديثه في نبرة متحدية قصدها : وهو ملك عظيم في دياركم هذه فما كان لحقير أو ضعيف أن تمتد يده على والدي العظيم المقام ...
اجتهد "حاكم" أن يخفف من نبرة التحدي في ترجمته لجلالة السلطان الذي بدأ الفضول و الإهتمام يزداد عنده كثيرا حتى أن ذلك بدا على جبينه الذي ازداد تقطبا وقال بصوت عال سكتت له المعازف نهائيا: لا يوجد في بلادي هذه ملك بعد اللهِ مَلكِ الدنيا كلِّها غيري ..لابد أن من نقل إليك خبر موته قصد بلاد السلطان "هاشم " فهي تحاددنا ... أو أنه قصدني فلا ملك غيري هنا يقتل و يحيي , و لئن قتل والدك بأمري لألحقتك به قبل أن تصلني..هوووي يا "التونسي" اعدل كلامك ..
لكز "حاكم" "التونسي" الذي استمر كأن لم يقل شيئا أغضب ملكا عظيما يتهدده بالقتل , قال "التونسي"..: "أنا مهران البنزرتي" سليل أسرة عريقة في بلادنا تتاجر في الأسود و السباع من نمور و فهود و ذئاب و ضباع و ثعالب و غيرها و نتعفف عن صيد الغزلان و الوعول و الطيور إلا ما جرح منها كالصقور و النسور, ورثنا ذلك من جدودنا فنحن على آثارهم سائرون , ثم نأخذها و نبيعها في بلادنا في سوق عظيم يقام للسباع يسمى "سوق أهراس" , نركب لذلك المغامرات و الصعاب فإن بها مكسبا طيبا و سمعة عظيمة و شرفا بين أهلنا ... رباني أبي على ذلك كما ربى أبي أبوه.. و نعلم عن غاباتكم هذه و غابات غير غاباتكم الكثير مما تعلمونه أنتم و لا تعلمونه ...
ثم أخرج من داخل عباءته و رقة كبيرة وفرشها أمام السلطان بعد أن بسطها من طيتها : أنظر يا سيدي هذه "الفاشر" حيث نجلس نحن و هنا "أوري" حيث كان ملككم يقيم قبل أن تنتقلوا إلى الفاشر و تتخذونها عاصمة لكم و هذه "الأبيض" حيث خرج جدكم "أحمد المعقور " العظيم .. و حيث يجترئ عليكم "السلطان هاشم" سلطان "المسبعات "و هذا الأتساع الكبير يحتوي على غابات كثيرة تتكاثف حين تتجه جنوبا و شرقا حيث بلاد حكم "الفونج" الذين ينافسونكم على حكم هذه البلاد و هذه سنار عاصمتهم ...
لم تمنع هيبة السلطان و لا حرسه الحضور من الإلتفاف حول السلطان و صاحبيه ليروا ما سر تلك الأوراق الكبيرة ...و قد أثارهم الفضول و تملكتهم الدهشة مما رسم فيها و زاد عجبهم نبرة "مهران التونسي" الواثقة المتحدية التي تكاد تقول للسلطان أنا أعلم منك ببلادك ..
ثم أخرج ورقة أخرى كانت تحت الورقة الأولى : هذه بها تفاصيل الغابات و عرائن الأسود و مرابض السباع تصفها تفصيلا ...و في هذه الغابة – و أشار بيده الى سواد في مرسوم في ورقته - قتل ملكها والدي رحمه...
ضرب السلطان الأرض غاضبا و صائحا :قلت لك لا ملك غيري في هذه البلاد .. أنظر أيها الغريب إما أن تفصح عن قاتل أبيك أو اخرج من مجلسي هذا و انتظر حكمي ...
- هدئ من روعك يا مولاي فإن الذي قتل و الدي ليس من البشر فما كان لفارس أن يجرؤ على قتله مهما بلغت شجاعته و ليس من الجن فإن الجن يتهيب حامل القرآن و قد كان والدي يحفظ القرآن و يستظهره عن ظهر قلب و لقد روض والدي ملوكهم و أسلموا له قيادهم .. لكن من قتله ملك عظيم نتتبعه من عشرات السنوات إنه الأسد ذو العقصة السوداء في كتفه , ملك كل غابات أقليم السودان الداخلي نتتبعه منذ أن كان شبلا يافعا .. نتسقط أخباره كما تتسقط أخبار أعدائك العظام و جاءت لصيده الحملات إثر الحملات فقد كان منيعا في سربه , لا تصل إليه إلا بعد أن تقضي على أسود و سباع كثيرة , فإن الذئاب و الضباع و بقية أهل الغابة يظاهرونه الولاء في نموذج عجيب شد انتباه صيادينا و حق له ذلك , فقد استبسل في تأمين الغابات كلها من شر الصيادين و المغامرين أمثالنا و لقد أدهشنا حضوره و امتداد نفوذه فما من غابة ندخلها إلا ونجده بها متأهبا متحفزا لقتالنا و طردنا كأن هناك من يخبره بتحركنا من بلادنا و بوجهتنا قبل الوصول الى المنطقة , , وقد قتل هذا الملك والدي حينما واجهه كما يتواجه الفرسان الشجعان وجها لوجه ...
ضحك السلطان حتى كاد أن ينكفئ على قفاه بعد أن علم بأن هذا الملك ملك من السباع و ليس من البشر و لكنه أسرها في نفسه و اعتبرها نوع من عدم احترامه ذكر الملوك أمامه بهذه الجرأة و التحدي وقال له: نحن لا نقتل ملوك الحيوانات يا "تونسي" بل نكرمهم و نطعمهم و نحميهم , و لقد هيأنا فرقة من العسكر لا هم لها غير منع الصيادين و المغامرين من قتل الأسود و النمور و الحيّات العظيمة ,بيننا و بينهم تحالف و ميثاق لم ننقضه منذ مئات السنين و لم ينقضوه...و لولا أننا انشغلنا في سنواتنا الأخيرة بحروبنا مع الفونج الأقوياء وحلفائهم لما كنت في مجلسك هذا و لما مات أبوك بعضة أسد ..كما تزعم و لكنكم استمرأتم الدخول الى أراضينا في غياب جنودنا و عساكرنا وانشغالهم بالقتال.
تبسم "مهران" مجاملا مضيفه في ضحكته : إن مناطق الغابات تذخر بالصيادين المهرة من أهلها الذين يجيدون صيد الأسود .. و بعضهم كان يبيعها لنا و بعضهم نشتري منه عاج الأفيال الثمين و جلد الثعابين الضخمة و لحم الكركدن الأبيض الشرس الذي أظن أن نسله سينقطع عاجلا إن لم تقوموا بحمايته .
جلالة السلطان العظيم إن ثأري مع أسد واحد و ليس مع كل الأسود فأنا أعاهدك على حمايتها كما أحمي زوجتي و بناتي و سأتعاون مع عسسك و عساكرك في هذا إن أذنت لي بذلك.. ولكني نذرت نفسي على القضاء عليه و لئن رجعت الى قومي بدونه فسوف ينبذونني و يطردونني .. فأنا ابن "عليسة" العظيمة منذ أول الدنيا التي طوعت الجبال و البحار و ألانت حديدها و سليل "ديهيا الكاهنة" التي خضع لها البرو البحر في زمانها لن أخون كلمتي و مهجتي دون عهدي..
عظم الغريب في عيني "السلطان" و سرته نبرته و ثقته رغم أنها أخافته منه , قال له: ما كان لك أن تتفوه بمثل كلامك و أنت في حضرتي لولا اطمئنانك لعهدي وثقتك بأني لا أقتل ضيفي , و سنحمل قولك على هذا المحمل ... لكن من قال لك بأن أسدك ما زال حيا بين السباع..ربما مات كما تموت الأحياء كلها لتلتقي عند من لا يموت يوم الدينونة الكبرى , وربما مرض أو هزل فما لعظيم عظمة مع مرض و ربما اصطاده صياد غيرك فإن حواء ولادة و فوق كل ذي علم عليم فما أنت أول الفرسان ولا أنت آخرهم.
تغير وجه "التونسي مهران" و احمر حتى بانت الدماء في خديه و عينيه و قال: ما كان لأحد غيري أن يقتله و لن يموت أو أموت قبل أن أصل إليه طال الزمن أو قصر ثق بذلك أيها السلطان الجليل.. كذا يقول الكتاب و هكذا أخبرني أبي قبل أن يموت متأثرا بجراحه و إني لقاتله بإذن الله...
لم تقنع قصة الأسد السلطان كثيرا بقدر ما أثارت الشكوك في قلبه, فما علاقة الأسد بالتنجيم عن الذهب و كيف استطاع "مهران" رسم كل هذه الرسوم عن مملكته و معرفة أماكن الغابات و المدن , و لذلك أرسل من يراقبه و يَلزَمُه في حركاته و سكناته بالذات عندما يخرج خارج مناجمه, كما أنه استدعى "حاكم" في صباح ليلة الوليمة ليوجه له رسالة واضحة أن هذا الغريب تحت مسؤوليته المباشرة و أن "حاكم" و أهله أجمعين تحت تهديد جلالته المباشر إن شعر بريبة في أمره فهو في وضع لا يحتمل التسامح في الصغائر دعك من الكبائر, و أبان له جيدا أنه سيقبل بأن يكون "مهران" تحت حماية "حاكم" شريطة أن يؤمن له تلك المنطقة و أن يأتيه بأخبارها , و أنه سيعتمده "شرتايا" على أن يقبل بحكم الوساطة الذي سيأتيه للحكم بينه و بين الشرتاي "سرور".
كان كلام "التونسي" عن الأسد مثار استغراب "حاكم" فهذه المرة الأولى التي يفصح فيها عن قصته مع الأسد , و لقد أجابت هذه الرواية عن أسئلة كثيرة كانت تحوم في صدره حول نسيبه "مهران".. خروجه و اختفائه لأيام دون أن يعلم أحد بمكانه.. الغرباء الذين كانوا يأتون بين كل فترة و أخرى محملين بأنياب و جلود و رؤوس ثعابين و حيوانات مختلفة, ذلك الغريب الذي جيء محمولا به و مات و دفن تحت سفح الجبل ... ذلك الجرح الغائر في جنبه الذي تثور آلامه كل فترة من الزمن و بالذات في فصل المطر حتى تقعده عن الحركة.. كل هذه أسرار لم يبح بها له و لم تتكشف معالم حقيقتها غير يوم أن أخبر السلطان العظيم بسره.... ثم إن المسؤولية أصبحت كبيرة بتهديد السلطان له و السلطان في أيامه هذه أشرس من أسد جريح هاج من رائحة دم , و يبدو أن نفس الأسئلة التي كانت تدور قبلا في رأس السلطان بدأت تعمل في رأسه.. من هو و ماذا يريد و هل له علاقة بما يدور في المنطقة من كر و فر بين سلطان المسبعات وبين سلطان الفور خاصة و هو يقع بين منطقتين النفوذ فيها لسلطان الفاشر و القرب فيها لسلطان "الأبيض"...
و في طريق الرجعة و في ساعة راحة و مقيل طلب "حاكم" من "مهران التونسي" أن يذهب معه بعيدا عن القافلة التي جاء بها لزيارة السلطان ليريه شيئا يخبؤه في منطقة قريبة من موقع مقيل القافلة حتى إذا ابتعد بحيث لا يسمع أحد حديثهما طلب منه التوقف والنزول من حصانيهما و الجلوس و ريثما يخرج شيئا من الخُرْجِ و أمده بماء من قربة يحملها في حصانه ليشرب, فلما اطمأن إلى اطمئنانه و جلوسه ووضعه وكاء القربة في فمه أخرج خنجرا من جفيره وأتى من خلف "مهران" ووضع الخنجر في رقبته ممسكا برأسه تالا لها إلى الخلف : من أنت و ماذا تريد ...أصدقني و إلا و حياة أبوي الشريف لترجعن من هنا رأسا بلا قدمين...

بارع في القص والسرد كما في الشعر
قصة مشوقة إلى أقصى حد
موفق... ونتابع بشوق
كل التقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-10-2018, 09:32 PM رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوال البردويل مشاهدة المشاركة

بارع في القص والسرد كما في الشعر
قصة مشوقة إلى أقصى حد
موفق... ونتابع بشوق
كل التقدير
أختي نوال الكريمة لا تعلمين مدى تأثير هذا الكلمات الرقيقة على صدر أخيك و حماسه ...لئن قدر الله لها الخروج سيكون اسمك ضمن الإهداء انشاء الله..
طيبي في كل اوقاتك اختي






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-10-2018, 09:52 PM رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
أخى طارق
مازلت أتابع .. أقرأ مرات لأتمكن من متابعة الأشخاص والأحداث والأماكن والمسميات والأسماء ..
بجد اشتريت نظارة جديدة والحروف بدت أكبر...
اتابعك واعبر لك عن دهشتى من هذا الكم من التماسك فى النص ..
مودتى
حبيبي يا أستاذ جمال بالله خليك قريب صدقني افتقدتك بشدة
أخوك المحب أنا






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-10-2018, 09:59 PM رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

شكل وجود الأسد الأعرج أو "مراد باي" لغزا محيرا و تحديا مثيرا للهواة و المحترفين من الصيادين , لا تجد له مكانا محددا فهو كثير الحركة و التجوال في غابات الجبال المحيطة بالسوق فمن وجده بجبال "صالح" لن ينكر على من رآه بجبال "أولاد مؤمن" و لن يغالط إن ادعى ثالث سماع صوته المميز في جبال "أم العظائم" , و كثيرا ما يروي صياد عن ظهوره المفاجئ له كالجني في "عين دالية " يعدو عليهم بسرعة فائقة تكاد تسابق السهم المنطلق منقضا على رامٍ أو ناقضا لشراك أو مثيرا لرعب بزئيره الذي تتجاوب معه الأسود و السباع فتزأر بعده مأوبة مثيرة الرعب في قلب كل من سولت له نفسه اقتحام مملكته , و كم من مرة يعد الصياد و فريقه الشراك الجعدلية المحكمة لصيده ثم يختبئون خلف شجرة أو صخرة فيفاجأ الجميع بتخطيه الشرك و ظهوره أمامهم مباشرة وجها لوجه بلا عازل أو ملجأ و سرعان ما يتجمع الأسود و السباع المختلفة إثر زأرة واحدة تدلهم على مكانه و صيده من الصيادين الضحايا فتصبح الغابة كلها أسودا... فلا يملكون غير انتظار رحمة الله التي عزمت صحبتها "لمراد باي" و قبيلته دون الصياد و زمرته , و لكنها أي رحمة الله تتدخل فتصرف عنهم الأسود زهدا فيهم و إعلانا للإنتصار عليهم فيُشيِّع المنتصرُ المهزومَ الى خارج الغابة مطرودا ذليلا تاركا سلاحه و شراكه خلفه بعد معركة بسيطة الهدف منها رمي سلاح العدو و طرده ليس إلا , يقتل فيها من يقاوم و يجرح فيها من لا يعلن استسلامه بسهولة... و لذلك أصبح من مسلمات صيد الأسود في تلك النواحي الاستسلام ورمي السلاح و رفع اليدين الفارغتين و التقهقر رويدا رويدا الى إن تُأمن غضبة "مراد باي الأعرج " إذا ما خانك الحظ و رماك قدرك في مثل هذا الموقف المهيب ..و لكن الويل لك إن كانت هذه المرة هي المرة الثانية التي ترى فيها في مثل هذا الموقف.
وكم من مرة أتى بخبره أهل العمق الأفريقي بالذات في الفترة التي انحسر وجود الأسود في الجبال الشمالية فيأتي بأخباره صيادوا "باماكو" و نهر " نيل السودان " كما يسميه العرب أو نهر"اجرون يجرون" كما يسميه "الطوارق " أو نهر "النيجر" كما سمي حديثا. فشبهوه بالبطل العظيم " ماندينقا سوندياتا كيتا" أو " ماري جاتا" الأعرج و التي تعني "أسد مالي" فقد كان مقعدا و لكنه أمسك بصولجان أبيه فقام و قامت معه بلاده فوحّد القبائل و انتصر على "سمانجورو" في معركة "كيريانا" الشهيرة و أنشأ "سلطنة مالي العظيمة" على طول "نهرالنيجر" حتى "المحيط الأطلسي" و التي امتدت لقرون طويلة مجيدة عزيزة – فأطلق عليه صيادوا قبائل "السوننكي" و قبائل "المادينغا" و مقاتلوها الأشاوس لقب " ماري جاتا " بعد أن فعل بهم مثل ما فعل بسابقيهم في الشمال البعيد و قد لاحظوا بفراستهم تفانيه في حماية كل الغابة و ليس قطيعه الذي يماشيه و يستأنس به فقط كفعل باقي الحيوانات و الوحوش التي لا تحمي إلا زمرتها وقطيعها...
فلما كثر عدد الأسود أصبح وجودها خطرا يتهدد الحيوانات و البشر في تلك المناطق أخذ السكان يشنون عليها حملات منتظمة و مستمرة تهدف الى قتلها أو طردها من المناطق المتاخمة يتزعمها الصياد الشهير "موجيانا" الذي جابت سمعته الآفاق حتى وصلت الى ذلك السوق البعيد فوصله منه من يدعوه الى مهرجاناته ليراه الناس و يحكي لهم عن مغامراته مع الأسود و بالذات الأسد ذي العرجة البائنة "مراد باي" أو " ماري جاتا " و كان ذلك بتمويل من أحد الأثرياء الأوربيين لأحد أشهر الحكواتية الذين بدأ سوقهم يضمحل بعد اضمحلال قصص الأسد الأعرج و تطاول الزمن على أخبار صياديه..
و كما في الشمال الأفريقي فإن استبسال " ماري جاتا" الأعرج في العمق الأفريقي في حماية القطعان من الأسود التي رحلت بسبب الهجمات المتعطشة للمجد و الشهرة تاركة وراءها بيئتها التي نشأت فيها و تكاثرت سلالاتها بها منذ القدم , ساعد استبساله في الحفاظ على كينونة الأسود الشمالية من التشتت و على سلالتها الجبلية من الإنقراض و على هويتها وسط حيوانات و سباع الداخل الأفريقي الشهيرة بحدة طباعها و شراستها التي مرستها عليها كثافة الأدغال و قوة الصراع بين الحيوانات المفترسة القوية على ضعاف الحيوانات المستضعفة التي غالبا ما تكون فريسة سائغة لأسد ظالم أو لنمر عابث أو لذئب مخادع أو لضبع عربيد ...
القرويون الذين يحاددون نهر "النيجر" شهدت حياتهم الكثير من التحولات الإقتصادية وفقا لسخاء المطر المعطاء وشحه الذي لا يكاد يتوقف الا قليلا لا اعتمادا على فيض أياد النهر العظيم و كرمه و لذلك كانوا كثيري الشكر لله , الذين وهبهم رزقهم من السماء لا يتعبهم فيه بشق أرض ولا بحفر ترعة , و كانوا يتقاسمون التصدق بعجل شهري يلقونه للأسود و السباع داخل الغابة امتنانا و عرفانا لله على توجيهه لها بعدم مهاجمتهم , ثم تقربا لها و تزلفا بسالف يد عندها تحميهم من غضبتها حين تجوع و رغبتها في الإفتراس .. و حين يتأخر المطر فإنهم يعمدون الى طفل معاق أو طفلة عاجزة بمرض أو إعاقة تحايلا على شرط "السحرة" الذين طالبوا بطفل صحيح الجسم غير معتل - يختارونه بالقرعة بواسطة ساحرهم الأكبر أو من ينوب عنه ثم يحملونه و يربطونه الى جزع شجرة كبيرة يوما كاملا فإن وجدوه صبيحة اليوم التالي حيا لم يصب بشيء فرحوا و انتظروا المطر الذي لا يتأخر عليهم بعدها كثيرا , و إن وجدوه قد افترسه حيوان مفترس لجّوا في التضرع و الاستغفار و وهب الأبقار للحيوانات المفترسة تصدقا لله كي يتعطف عليهم و يكرمهم بإنزال المطر,,, ولو شقوا الترع و حفروا القنوات لكان خيرا لهم.
تعودت الأسود التي نشأت في منطقة حوض النيجر الأوسط على هذه العادة و رعت عهودها بعناية فائقة فكانت لا تعتدي على إنسان طالما التزم عدم الإعتداء عليها ..لا يشذ عنها إلا الذئب ذو النفس الجشعة و الضبع ذو الطبيعة الغدارة ... فإذا أغضبت كرائم السباع باعتداء عليها فإنها تثور في غضبة كبيرة تهاجم إثرها القرى و حيواناتها و إنسانها لا ترعى عهدا و لا ذمة قديمة .. و كذلك إذا ما اعتدى أحد السباع على قرية أو حيوان مستأنس هو لأحد القرويين أو انسان بريء فإن أهل القرى القريبة كلهم يتضامنون في غضبة ضارية تخرج لها كل القرى رجالا و نساء شبابا و شيبا و أطفالا يحرقون مراتعها و يقتلون من وجدوه منها لا يسلم منهم إلا من أنقذته أقدامه ويستمر هذا الأمر الى أن يتدخل حكيم يصلح بين الطرفين فتعود الحياة الى سابق عهدها....و يكون الإصلاح بجمع ما قتل من السباع و الوحوش لا ليأكلوه و كانوا إذا ما اصطادوا شيئا من السباع في غير هذا اليوم أكلوه,, بل يرمونه إليهم في مناطق بعيدة تفصل بين الفريقين فريق السباع و فريق القرويين و يرجع القرويون الى قراهم بعد أن هدأت ثائرتهم و شفي غيظ قلوبهم و أطمأنوا أنهم لقنوا الأسود و السباع المفترسة الأخرى درسا قاسيا.. لا تلبث الحياة بعدها أن تعود الى سابق عهدها...لكن الأسود الغريبة جديدة على عادات أهل هذه المنطقة لم تتعود عليها فقد كانت حياتها كلها بين طارد و مطرود , لم تعهد السلم مع هذا الكائن ذي االساقين الذي يقف منتصبا كما الأشجار و لكنه لا كمثلها يتحرك... و لا لفترات قليلة يستجم فيها الطرفان كهدنة ينصلح فيها حالها يزيد نسلها و تقوى صحتها .. خاصة في الفترات الأخيرة ... أدى هذا الحال لريبتها منه و اتخاذها له عدوا مبينا..
و لذلك كثيرا ما كانت تتعدى على تلك المواثيق و العادات المتبعة بين أهل هذه المنطقة الجديدة عليهم و بين أهلها من السباع و الوحوش ... فإذا ما وجدت بقرة أو عجلا أو كبشا أو غير ذلك مما عظم أو صغر من ماشيتهم فإنها لا تتورع من الفتك به و أخذه لسد جوعة أو لتأمين غذاء ... وإذا ما التقت بذلك الكائن المنتصب ذي القدمين المتحرك فإن ردة فعلها الطبيعية هي الهجوم عليه لا تخاف عاقبة و لا تبالي بمصير...
فاتخذتها السباع الأخرى عدوا نافسها في المرعى و المسكن و النفوذ , و أثار حفيظة القرويين الحلفاء عليهم أجمعين القدامى و القادمين , إذ تتالت هجماتهم الضارية عليهم , فروعتهم فأصبح دخولهم الى مراتعهم في الغابة دخول توجس و مكوثهم فيها مكوث عجلة , عكس القادمين الجدد الذين اعتادوا على الكر و الفر في ماضيهم القريب فليس في حفيظة ثائرة من مهدد و لا في نار متقدة من خطر و لا في سلاح مشهرور من مخاف... ترد التهديد بهجمة أو فرار بعده هجمة و تجيد التعامل مع النار , فقد تعلمت أن النار تؤذي عدوها كما تؤذيها , و تعرف كيف تخاتل السلاح فلا يصيبها إلا حين غفلة .. ثم إنها تعتدي على من اعتدى عليها لا تترك ثأرا يبيت..هذا و قائدها الأعرج "ماري جاتا" يكبح جنوده حينا و يجمح بهم حينا آخر فاشتهر و ذاع صيته كما كان ذائعا في مراتع الشمال البعيدة...
حانوت "الباهي البنزرتي" الكبير الأنيق الذي يقع في الجهة الشرقية المطلة على مدخل الملوك و الأمراء , يقع منها في الواجهة المشرفة على الجبال الشرقية ..يأخذ كل المنظر المطل على السوق من نزل الأغنياء و الأمراء و أصحاب الفخامة , فلا يُرى من السوق إلا حانوته و بعض يسير من الحانوت الذي يجاوره و حركة المتجولين الذين يدخلون الى السوق من هذه الناحية و أسقف الحوانيت المطلة على الغرب و جدرها الخلفية , التي حرص أصحابها على تزيينها و طلائها بألوان قشيبة حتى لا يجرح المنظر الكلي حسن و بهاء اللوحة المطلة على نزل الأمراء و الأغنياء , فيأخذ المنظر كله لوحة زاهية ... اشتهر متجره هذا منذ عقود و رثه عن أبيه " لخضر" الذي جاء في وقت مبكر كصياد صغير يبيع ما مَن الله به عليه من صيد يومه من الثعالب و الغزلان و الأيائك الصغيرة و الطيور المختلفة بعد أن بدأ حياته و هو شاب صغير كصائد أسماك في مدينة "هيبو" أو "بنزرت" كما يسميها الأوربيون الذين يقصدون سواحلها الجميلة في السياحة و البحث عن البضائع الأفريقية .
تطورت حياة " لخضر"والد "الباهي" و ازدهرت بعد أن قطن "سوق أهراس" و بدأ كتاجر صغير يبيع صيده اليومي مفترشا الأرض ثم متخذا له طاولة تطورت الى عربة متحركة تعرف بسببها على "مختار" كبير تجارالسوق يقضي له حوائجه و يوصل له أماناته بعد أن اشتهر بهذ الخصلة الثمينة "الأمانة" , فلما أن امتلك قليل مال و بواسطة صديقه التاجر الكبير امتلك حانوتا صغيرا في أقصى زوايا السوق , و بجهده و اجتهاده أصبح دكانه القصي مقصودا بعينه , تجد فيه ما لا تجده في غيره من مطلوبات الصيد فقد تطورت مهنته من تاجر يبيع ما يصيده الى تاجر يبيع أدوات الصيد و يعلم الصيادين الجدد و الهواة مهارات الصيد و كيفية استخدام الآلات التي يشترونها منه مقابل جعل من المال متفق عليه ... و تخرج على يديه كثيرمن أمهر صيادي "سوق أهراس" .. فقد كان يأخذهم في طلوعه للصيد مدربا و مستفيدا مما يصيدونه بنسبة متفق عليها... و رويدا رويدا زاد ماله الذي لم يكن ينفق منه كثيرا فلا والد قريب ينفق عليه و لا زوجة و لا ولد .. فاشترى دكانا وسط السوق حيث المشترين الكبار يأخذ إليه ما يستغليه على حانوته الصغير القصي الذي جعل فيه صبيا يخلفه في البيع و الحراسة... زوّجه"مختار" كبير تجار السوق ابنته الكبيرة " حمّانة" ذات الشخصية القوية و المكانة الكبيرة في قلب أبيها الذي كان يكثر من مشورتها و الاستفادة من رأيها الثاقب وهي من أشارت إليه بتقريب هذا الشاب ال"الهيبوي"" البنزرتي" فقد آنست فيه ما لم تأنس في بقية تجار سوق "أهراس" كلهم.. فهو شاب صغير السن تكاد سيماء الذكاء تطفر من عينه وثبا , طموح يقضي الليالي ذوات العدد في إعداد بضائعه و ترتيبها , أمين اتخذه كثير من التجار مخبأ أموالهم و أسرارهم , محبوب وسطهم و قل أن تجد بينهم من يتمتع بهذه الصفة فقد كانوا يتحاسدون و يغير كل منهم من أخيه كما التجار في كل الدنيا يفعلون , زاده زواجه من "حمانة" مكانة و هيبة بين التجار و لكنه لم يعتمد على هذا الزواج إلا في تعجيل بزوغ اسمه فقد كان عصاميا يخرج الى صيده بنفسه و يدير تجارته وحده و يضع خططه و ينفذها بإرادته و كسب يده,
و قد حاولت "حمّانة" تمويله في كثير مما يعزم على فعله و لكنه كان يرفض و يقول لها مات أبي و لم يأخذ من أمي درهما واحدا و لن أدنس نهج أبي بفعلتي هذه ويقول لها دائما : ما لا نستطيع فعله اليوم نفعله غدا بإذن الله إن قصدناه , فلما أن وهبهما الله "الباهي" أخذت بعض مال و وضعته في يده قائلة هذه هدية "للباهي " خذها و نميها له تنفعه بها , فأخذها و اشترى بها قطعة كبيرة شمال السوق وخارجه سجلها باسم "الباهي" مطلة على الجبال الشرقية و جعلها كلها متجرا رغم امتعاض التجار و اعتراض كبيرهم أبي "حمّانة" الذي بدأ الخوف يدب في قلبه من منازعة هذا الشاب له في شياخته على السوق .. لكن ابنته العاقلة هدأت من روعه قائلة له بأنه لا أحد من أبنائه الآخرين له رغبة في تجارة و لا علم لهم بها لأن تجارة هذا السوق تجارة خطرة تتعامل مع الحيوانات و تتطلب جهدا شاقا لم يعودهم عليه أبوهم , و نصحته بأن يتخذ صهره ولدا فهو ليس بالغريب فهو زوج ابنته الحبيبة و قالت له فإذا ما أصابك ضعف الكبر تنازل له تدريجيا عن مكانتك التي أظنه سيملأها و سينميها و ينفع بها السوق.
أشار "لخضر" على نسيبه "مختار" كبير التجار و شيخ السوق أن يغير تخطيط السوق توسعة شرقا و غربا ثم يتطاول جنوبا و شمالا , و تنبأ له بأن هذا السوق بقليل توسعة و جميل عرض و إدخال بعض البضائع و النشاط فإنه سيكون سوقا تأتي له الدنيا كلها , و اقترح عليه أن يدعو السلطان العثماني لافتتاحه كما و يدعو سلاطين و ملوك بلدان قريبة من العمق الأفريقي و يدعوا تجار و أغنياء لهذا اليوم العظيم من الدنيا المحيطة ... فوافق على التوسعه و لم يوافق على دعوة السلطان و بقية الملوك و رآه تعديا للحدود و طموحا فوق الطموح , وجمع كبار التجار الذين لهم السطوة في السوق فأخبرهم برأي صهره فأعجبوا بفكرته , و بدأت توسعة السوق التي لم تستغرق سوى شهور قليلة فالمال يختصر كثير الشرح و يفتح مغلق الأفهام...
أهدى "مختار" حفيده "الباهي" الصغير ابن العشرة أعوام جروين من الأسود ذكرأ و أنثى جميلين وجدهما تحت لبوة صادها و هي نائمة متعبة بعد أن وضعتهما و جروين آخرين ماتا كما ماتت أمهما ... ففرح بهما "الباهي" فرحا شديدا , رغم أن أمه لم ترض ذلك فقد خافت عليه منهما , إلا أنه قال لها : من أراد أن يمتهن مهنتنا لابد له أن يتربى بين السباع و الوحوش حتى يتعلم الجرأة عليهم و يعرف مخاطبتهم و لغتهم و يأمن خطرهم و شرهم ....
ترعرع الأسدان تحت رعاية "الباهي" و والده الذي كان يشرف على هذه العلاقة الخطيرة بين الأسدين و ابنه ... أما "الباهي" فقد كان يحبهما حبا كبيرا و كانا يبادلانه نفس الحب يلعب معهما و ينام بينهما و لا يكاد يفارقهما.. يذهبان معه الى السوق والى حلقة الدرس و الى المسجد حتى عرفهما السوق و عرفا أهل السوق ..






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2018, 03:59 PM رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
عبير محمد
الإدارة العليا
عضو تجمع الأدب والإبداع
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية عبير محمد

افتراضي رد: الأسد

قرأت الجزء الأول
وبإذن الله سيكون لي عودة لقراءة باقي الأجزاء
جهد مائز وقلم شيّق يجبرنا على المكوث في محرابه
يرسم ملامح الواقع بأسلوب جميل فريد
مبدع انت في كل الأركان شاعرنا القدير
بوركت والمداد
ودام عبق نبضك الماتع
كل الود والورد








"سأظل أنا كما أريد أن أكون ؛
نصف وزني" كبرياء " ؛ والنصف الآخر .. قصّـة لا يفهمها أحد ..!!"
  رد مع اقتباس
/
قديم 08-10-2018, 11:16 AM رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

7

أعيا ا"لجفيل" و أسده الذي ذهب به العشاقَ و طلاب البطولة بحثا , و كان إعلان صاحبة "الجفيل" عن جائزتها الثمينة بمثابة الشرارة التي أضرمت النار في البادية, فأصبحت عرائن الأسود هدفا مقصودا و صارت مراتعها مراتع للصُياد عوضا عنها , ففزعت الغابة فزعا شديدا و لم تسلم بقية الحيوانات من حمى جفيل "سعدية" فلا تكاد تجد حيوانا رابضا في مرقده إلا وهو خائف يكثر التلفت , و امتلأت الغابة بالبشر بعد أن كانت مليئة بالحيوانات , و قد أحس الأسود باستهدافهم و رأوا هذا الكم الهائل الذي لم يجابهوه من قبل لا يريد من الحيوانات غيرهم , و صار الموت يأتيهم من جهاتهم الأربع , فليس هناك من جهة إلا و فيها قانص أو متربص أو صاحب شرك وحيلة , فزاد هذا من شراستها و قسوتها وانبرى أسد أعرج شديد الفتوة ينافح عنها بقوة عجيبة و شراسة مهيبة , تزيد على شراسة و قوة و دهاء بقية الأسود , و قد أحست الأسود بهذا النشاط و تلك الحنكة في مجابهة الصيادين و الغزاة و الحالمين , ولما كان الأمر أمر حياة لم ينافسه في زعامة الأسود منافس فقبائل الحيوان شديدة الجرأة في الإعتراف بفضل صاحب الفضل لا تنازعه فضله و لا تغمطه حقه و لاتحسده و تضع العراقيل في طريقه, فالشجاع شجاع عندها لا تباريه في انفعال و القوي قوي لا تجاريه في قتال و الذكي ذكي لا تماريه في جدال...و لولا حماسة و شراسة هذا الأسد لما بقي أسد في الغابة سالما , فهو يعرف مكامن الشراك فينقضها على أصحابها و يعلم مواقيت خروج الصيادين فينتظرهم في غير ما يتوقعون يدخل الرعب في قلوبهم بقتال عنيف أو زئير مخيف و تؤازره بقية الأسود تهجم حين هجمته و تزأر ساع زأرته.

لم ينقض شهر على ضحى يوم الجمعة الذي وقفت فيه "سعدية" أمام شيخ القرية و تحت شجرته و هو يقضي بين الناس و يحكم حيث أعلنت شرطها الذي طارت به الروايات و انتشر في القرية قبل انتصاف النهار و وصل أقاصي القرى الساكنة في الغابة قبل بزوغ شمس اليوم الثاني و الذي حكّمت فيه شيخ القرية بعد أن وصفت له أسدها المقصود و جفيلها المفقود , لم يمض الشهر حتى كثر الجرحى و امتلأت مشافي المدينة و بفضل من الله لم يمت أحد , كما امتلأ دار أبو "سعدية" بالخطّاب الذين يزعمون أنهم قتلوا الأسد المعني , بعضهم أتى بشواهد مثل فروة أسد , أو ناب يشبه أنياب الأسود أو شاهد يقسم على أن صديقه صاد الأسد و لكن لم يستطع حمله إليها طالبا ذهابها الى حيث تركه ملقى , و بعضهم جاء بجثة أسد صغير واضح عليه أثر الصغر و بعضهم جاء بجثة أسد كبير خانته طاقته في الدفاع عن نفسه ... و انشغلت البادية بالأسد الذي كان في بداية الأمر مجهولا متوهما لا تجد من يرسم له صورة متخيلة في ذهنه غير أن به وحمة أو عقصة سوداء أعلى كتفه ثم جاء الوصف لاحقا بأنه أعرج و لم يتضح ذلك العرج أنتيجة ضربة أو مرض أو عيب خلقي؟ و بعد مضي أيام قلائل صار لكل و احد قصة مع هذا الأسد , السريع رغم عرجته القوي رغم خفته الفتي رغم عمره الحليم رغم غضبته... فقد لاحظوا أنه لايقتل وهو يدافع ربما لأن الزمن لا يسعف فالهجوم عادة ما يكون سريعا على مرتع الأسود و ربما لأنه يجبن خوفا من إثارة المهاجمين إن قتل أحدهم و ربما لأن هذا طبع فيه , فقد تمكن من أكثر من صائد و وقف منهم موقف الصائد من فريسته الأول يعلو الثاني ناظرا إليه مكشرا عن أنيابه يبدو الغضب الشديد و الإثارة البالغة في محياه ثم يزأر زأرة ينخلع لها قلب الرهينة الذي يجد نفسه محاطا بأصحابه يهنئونه على النجاة من بين فكي الأسد حين يفيق...
استدعى شيخ القرية حاج "الحسين" والد "سعدية" الى شجرة الحكم طالبا منه الحضور سريعا , فلما حضر وجد شيخ القرية جالسا لوحده على غير عادته في مثل هذا المجلس المهيب الذي يدير منه شئون القرية و يحكم فيه بين الناس في خلافاتها كلها, يحرسه و ينفذ أحكامه شرطيان يشرفان على نفاذها في المحكوم عليهم أو لهم , ارتضاه أهل القرية شيخا عليهم بعد أبيه ينظم أمورهم و يقضي حوائجهم , تعتبر شهادته حولهم حاسمة في محاكم الحكومة و لا تقضى الحوائج إلا بورقة منه عليها ختمه .
جاء حاج الحسين وعليه أثر الإهتمام الذي زاده أن يجد الشجرة خالية من الناس لا يجلس تحتها غير شيخ القرية :
- خير يا الشيخ
نظر إليه الشيخ وفي نبرة تجمع التعاطف و الحزم
- لا و الله ليس خيرا... الحكومة تريد بنتك "سعدية"
ضرب حاج الحسين يدا بيد و قال كمن يحدث نفسه
- أخبرتها أن الذي تفعلينه سيرتد عليك لم تسمع كلامي ... أمها تشجعها وأخواتها.. أخبرتهن أن الأسود ستموت و الناس ستموت و سيعلقون موتهم في رقبتها لم يسمعن كلامي ..
ثم يلتفت الى شيخ القرية:
- ما الذي تريده الحكومة...
- والله لا أدري أرسلوا لي ذلك الولد قالوا يريدونني أن أحضر "سعدية" و أبوها و أن أحضر معهم ....و أشار الى شرطي يقف بعيدا .
- لماذا ما هو السبب؟ البنت لم تقتل أسدا و لم تجبر أحدا ... البنت يعجبها شبابها ككل البنات هل في ذلك مشكلة ..الناس هم المجانين ...
- الكلام ما بفيد يا حاج "الحسين" "سعدية" كما هي ابنتك فهي كذلك ابنتي قم إن شاء الله يكون خير خليها تجهز و تأتي بغيار معها ليوم أو يومين الدنيا ما معروفة...
تحركت العربة الكومر التي أرسلها ضابط المركز تحمل غير حاج "الحسين" و شيخ القرية الذيْن ركبا بجوار السائق تحمل"سعدية" و "نعمة" أمها و أختيها "عاشة" و "غبيشة" و حاج "الفضل" زوج خالتها و ابن عم حاج "الحسين " مؤازرا لأخيه و أستاذ "آدم" ليحاجج بعلمه و منطقه و "عاشة" أخت حاج "الحسين" لتؤازر "نعمة" و ابنتها يركبون في صندوقها الخلفي ... و تركت العديد من رجال القرية ممتطين حميرهم يصيحون فيمن بالعربة : سنلحق بكم انشاء الله ...ما تشيل هم يا حاج "الحسين" جايين وراك قبل تزلوا بنكون وصلنا ... و العديد من النساء يصحن بالعربة أن لا تفوتهم يردن الذهاب ليقفن مع "نعمة" و ابنتها في مثل هذا اليوم العصيب و شباب القرية الذين شمروا و سبقوا العربة بأرجلهم الى حيث مركز الشرطة ...
قرصتني جدتي التي لم تخرج من بيتها تطالع من بعيد و أنا أقف بجانبها و نظرة الشماتة في عينيها : بدأنا بسم الله عد قل "واحد"
كان المدخل الى مركز المدينة غير معبد و لكن ذلك لم يمنع الناس من الاصطفاف على جانبي الطريق في انتظار عربة الشرطة التي ذهبت لتحضر تلك التي شغلت الناس في البادية و ملأت مستشفياتهم بجرحى الأسود .. و قد خرج الناس بالذات النساء منهم و الشباب منذ أن بلغهم أن ضابط المركز أرسل في طلب "سعدية" تلك التي هام بها كثيرون قبل رؤيتها و ألقى كثيرون بأنفسهم الى موارد الهلاك في طلب رضاها و لم يكن يمضي يوم دون قصة عنها تمجد جمالها و تصفها بما فيها و بما لا يوجد في نساء هذه الدنيا التي نعرفها و نعرف نساءها... نسج الخيال الشعبي حولها روايات كثيرة رغم وجودها الزماني القائم بينهم فهي ليست أسطورة رمى بها تطاول الزمان في مخيلة الناس يروضون بها حوادث التاريخ لصالح مجدهم و كمال معتقدهم , و رغم وجودها المكاني خلف الجبال فهي ليست أحجية ترتع فيها الأرواح من قسوة الواقع و وعورة تضايرسه رغم ذلك تناولها الخيال الشعبي منذ ولادتها و أسبغت عليها بعدا كونيا حيث صوروها أنها لم تولد كما يولد البشر فاستكثروها أن يكون لها والد فقالوا أن أمها حبلت بها لا كما تحبل النساء بل جعلوا حملها بها شبيه حبل الأشجار بالثمار ألقت بها ريح طيبة في رحم أمها.. هكذا صورها الشعراء و شعراء استكثروها على الأم و الأب معا فجعلوا ولادتها كولادة الشهاب في السماء الذي انبثق نوره من حيث لا نور .. تناولها الخيال في المدينة التي لم ترها و هي تنمو نمو السحاب في السماء يحمل المطر يبدأ سحابة صغيرة ثم تكبر و تكبر و تكبر ينتظرها كل شيء ينظر إليها , يسعدهم نموها ويطربهم ترقبها و حسن الظن بأنه سيصلهم برها و رحمتها حتى و إن لم تهطل عندهم..تناول الخيال الشعبي في المدينة التي لم ترها كل شيء فيها ولذلك انتظرتها المدينة وهي قلقة متوجسة أن لا يكون ما تخيلوه هو عين الواقع و متوجسة من المستقبل المجهول الذي قد ينتظر هذه الآية الألاهية...


لم يقنع لقاء "الفاشر" الشرتاي "سرور" و أحس بأن زيارته لم تؤد الغرض المطلوب منها و أن السلطان يماطله , و رغم نظرة التحدي التي لمسها في عيني السلطان على حفظ حدود سلطانه لكنه كأنما أحس بضعف ينهش في لحم السلطنة إذ لاحظ أن السلطان شديد التوتر من تحركات السلطان "هاشم" سلطان "المسبعات" على حدود مملكته , و مما زاد عدم رضاه تلك الأخبار التي وصلته عن حفاوة استقبال السلطان "لحاكم" و "مهران التونسي" فبدأ يفكر في الإتصال بالسلطان "هاشم" سلطان "المسبعات" يعلن له ولاءه و انضمامه الى سلطته و أخذ يعد العدة مستغلا غياب الإثنين, بعث الى مجموعة يعرف ولاءها القديم لبيته و لأسرته , فالبشر يظل بعضهم أسيرا لماض لا يأمل عودته لا لشيء إلا لأنه بشر , و قد كانت نظرة سرور للناس أنهم عبيد القوي الحاضر فإن غاب القوي تبعوا حاضرا غيره و إن لم يكن قويا فإنهم يقوونه يسندون إليه حوائجهم و يرمون عليه مسؤولياتهم .. ومن هذا المنطلق نادى من ناداه وهو عالم بباطن موالاتهم له , مقنعا لهم بقرب زوال مُلك سلطان "الفاشر" على هذه المنطقة , الذي لمس حقيقته في زيارته الأخيرة له , و أن الغلبة ستكون لسلطنة "المسبعات" المدعومة من سلطنة "الفونج" وسلطانها القوي الذي تصلهم أخبار انتصاراته في كل آونة و حين , و أنه من الحكمة أن ينحاز الولاء في هذه المنطقة الى القوي المرجو فوزه وانتصاره بدلا من الضعيف المنتظر خسارته و انكساره , فإن هذا أشفع لهم مستقبلا عند الفائز و أزلف . وقد اصطفى منهم نفرا يحسنون الكلام و يجيدون الاقناع و طلب منهم الإنتشار في قرى المنطقة تبشيرا بهذا الفكر و تأييدا للسلطان القادم ... كما اصطفى أخرين للذهاب معه إلى "الأبيض" لأعلان مبايعة المنطقة للسلطان "هاشم" قبل عودة القويين الغائبين...
و المنطقة جغرافيا أقرب الى حدود "سلطان الأبيض" منها الى حدود سلطان "الفاشر" و لكن ولاءها منذ القدم لسلطنة دارفور التي كانت عاصمتها "أوري" ثم أنتقلت الى "الفاشر", تأتمر بأمر سلطانها و يتبايع الناس بعملتها و إن كان التعايش بين القبائل قائما و التزاوج بينهم مستمرا تعكره خلافات المرعى و الطعام التي سرعان ما تنتهي بتدخل حكماء الطرفين , و من الحكم العجيبة أن أول خلاف حول النفوذ في هذه المنطقة حسمه سلطان "دارفور" من عاصمته "الفاشر" قبل عقود ليس بالمتطاولة في القدم بين والد حاكم ووالد "سرور" لصالح الأخير. ولذلك يجد بعض أنصار سرور لأنفسهم العذر في تبني رؤيته مهتدين بالحكمة القائلة أن صديق عدوك عدو لك.
جمع "سرور" نفرا من أهله و توجه الى "الأبيض" يحملون هدايا من سيوف و حراب ليضعوها أمام السلطان الطامع في توسيع نفوذه معلنين ولاءهم و ولاء سيوفهم له طالبين نصرته على "حاكم" الغاشم مقابل أن ينصروه في حربه على سلطان "الفاشر"... سلك الوفد طريقا غير الطريق المعبد الذي يمر بمعظم القرى الواقعة في الوادي تجنبا لكثير سؤال و احتجاج , و سلكوا طريقا يقطع غابات عديدة حتى يلتقي بالطريق الرئيسي الذاهب الى "الأبيض" عاصمة سلطنة "المسبعات ", طريق غير وعثائه فإنه يمر بمراتع الحيوانات يستخدمه الصيادة و أصحاب الصلاح والعبادة الذين يخرجون في خلوات يتعبدون الله و يذكرونه لا يراهم أحد و لا يقطع خلوتهم صاحب دنيا..و رغم أن الطريق طويل فإن بريق الطموح خلاب و الطمع أملك للنواصي و الرقاب وحديث الأماني ذو شجون :
- يا الشرتاي "سرور" ترى كيف سيستقبلنا السلطان "هاشم".. خائف أن نخسر ما وراءنا و ما هو قدامنا...
ضحك "سرور" مقهقها ملأ شدقيه فقد بدت ملامح رؤاه تستبين و علاماتها تتضح في ناظريه:
- كأني أرى وجه "حاكم" و هو يرى حكمه يتلاشى من كالسراب بين يديه ووجه التونسي وحلمه يتطاير كالجراد أمام عينيه..
قال آخر:
- لكن إن عرف رجل "الفاشر" ما نقوم به الآن ربما يدركنا قبل أن ينصرنا "هاشم".
- لن نعود إلى قرانا إلا ومعنا قوة من عسكر السلطان تمنع عنا أذى حاكم و سلطانه ريثما يستعد بجيش كبير نغزو به كل الأقليم ...
ثم أخذ يحدثهم عن مجد ينتظر و عن فرصة سانحة تضييعها هو الخسران المبين و رسم لهم معالم خطته و كيف أنه سيكون أحد أمرائه المهابين و قال لهم ربما يقتطع لنا السلطان "هاشم" ما بيننا و "الفاشر" ليكون تحت حكمنا فنحن أصحاب الأرض و الولاء معا الأرض لنا و الولاء له نأتيه بجبايتها التي كانت تذهب جنوبا و ....
لم يخيب السلطان "هاشم" رجاء و آمال الوفد و أحسن استقبالهم و تعامل معهم بلغة السياسي البصير و أوضح لهم أن السياسة تجارة و الحرب سلعة تباع في سوقها كما أن السلام سلعة تباع أيضا في سوق السياسة , الرابح فيها من يعرض السلعة في موسم الحاجة إليها و أنهم عرفوا وقت حاجتها لكن الشاري الناجح هو الذي يقلب ميزان ربحها و خسارتها قبل أن يساوم في شرائها...و أخبرهم أن مجيأهم بلا شك محل تقدير و امتنان ..... و كما عرض سلعته عرضوا بضاعتهم التي يسيل لها لعابه فأغروه بحكم الجبال كلها و الوديان التي بينها بما فيها من خيرات و ذهب, و أنهم قادرون على إقناع أهل تلك الجبال بأن يوالوه بدلا عن ولائهم لسلطان "الفاشر" و أن هذه فرصة يتيحونها له ربما لن تتكرر ثانية ... وهذا أمر ليس بالسهل كما يعلم هو , فنزع ولاء قديم ثابت كنزع إيمان من قلب مؤمن يحتاج الى آيات وبراهين , و جهد كبير سيقومون به إن ضمنوا تأييده و أوضوحوا له أن آية هذا الوضع الجديد في قلوب أهل الجبال قوة ضاربة تكون في يدهم تعمل تحت إمرتهم يحركونها حسب الوضع و الحاجة... و أخذ "سرور" يستعرض المكاسب التي سيجنيها السلطان إن أضاف هذه المنطقة الى رصيد سلطانه , أكبرها غير كنوزها المدفونة حمايتها لظهره الكاشف من أي اعتداء يأتي من الخلف ...فلما رأوا أنهم قد أثروا فيه أخبروه بأنهم أحرقوا مراكبهم من أجله و أن عودتهم الى أهلهم بدون قوة تحميهم من "حاكم" و تمنع عنهم شر سلطان "دارفور" يعتبر القاء للنفس في التهلكة بالنسبة لهم و ضياع لهذه الفرصة الى الأبد بالنسبة له...

وجد "حاكم" و "مهران" الوضع غير الوضع الذي تركاه فالبادية تموج بحركة غير طبيعية أحسوا بها منذ أول دخولهم , فتحية الناس لهم غير تحيتهم التي عهدوها , و نظرتهم إليهما غير تلك التي كانت في عيونهم ...و ما أن وصل وفدهم الى منازله حتى أخبرت "النقو" أباها في حضرة زوجها بما حصل من "سرور" الذي ذهب الى "الأبيض" يحرش سلطانها على ضم هذه المنطقة الى سلطانه مستجديا نصرته عليهما....
كان أول قرار اتخذاه هو إرسال موفد سريع الى "الفاشر" بهذا الخبر يطلبان من مليكها نصرته و يشرحان له خطورة الوضع ... ثم أخذا يطوفان على أهل البادية يبصرونهم بخطورة ما هم مقبلون عليه إن انساق الناس الى ما ذهب اليه "سرور" و زمرته فالسلام الذي كانت تنعم به باديتهم ستنقشع سحابته و لن ينعموا بظله أبدا إن خسروه ... و أخذا يضربان للناس الأمثلة الحية على ما حدث لبلاد دخلتها جيوش السلطانين المقتتلين , وصلتهم أخبارها و كيف أن الموت أصبح هو الذي يمشي بين الناس و أن الجار قتل جاره و الساكن هجر داره و ضربوا لهم كيف أن الأرض هناك بارت بعد أن هُجرت زراعتها ترى الثمار في الأشجار , و من يقطفها إما قتيل أو أسير أو لاجئ مهاجر...
لم يجد "حاكم" و لا صهره كثير عناء في تثبيت الناس الذين كان أكثرهم رافضا لفتنة "سرور" و لكن الحيلة التي بين يديهم في وجود شرتايهم الذي اختاروه بملأ إرادتهم لم تكن معهم حينها , فكما يقول "سرور" الإنسان مجبول على التسليم إذا كان الرفض يتطلب بذلا أكبر خصوصا إذا كان كشف المكاسب و الخسائر به غبش ولو كان بسيطا هكذا تقاد الشعوب ...و بعد مجهود ثلاثة أيام بلياليها استتب الأمر من جديد و سكت الصوت الذي كان ينادي بتمكين " سرور" و الإتجاه شمالا بقناعة أكبر من الطرح الذي نكأه "سرور" ومن شايعه... و لكن الغيب هو الذي يقلق ...
نادى "حاكم" ابنته و سألها ماذا رأت غريبا من أحوال "مهران" منذ زواجها به...
أطرقت طويلا ثم رفعت رأسها :
- الغريب عنده كثير مالذي تعنيه يا أبي؟
- هل قال أمامك شيء عن أسد أو ثأر أو شيء من هذا القبيل؟
أجابت كأنها كانت تنتظر هذا السؤال..
- "مراد باي"؟
نظر أبوها إليها مستفهما لعلها تكمل
- الأسد اسمه "مراد باي"
زادت نظرته إليها استغرابا..
- حدثني عنه "أبو شارفة " بنتي....هذا الأسد الذي أقض مضاجع الصيادين في بلادهم و حفظ سلالته من هجماتهم و هوالذي روع المزارعين في السودان الداخلي و أقلق الحيوانات فأسموه "ماري جاتا" و هو الذي انتصر على الكجور في بلاد النوير ... نعم هكذا أخبرني عنه..
- أسد واحد كيف يفعل هذا... بأي روح و بأي طاقة
- وهو أعرج كذلك إلا أنه في سرعة الريح المرسلة و قوة الزلازل المدمرة و خفة الطيور ...
لم يقتنع حاكم كثيرا ولكنه فرح بهذا و قال لها : لقد أنقذت زوجك من خنجر أبيك
ثم استرسل قائلا : كان شرطي معه أن أسألكِ فور عودتنا عن هذا الأسد فإن أجبت بأنه كان يحكي لك عنه فهذا يبرأه و إن كان لا يخبرك فهو بين أمرين أن يرحل من بلادنا أو أقتله.
شهقت "النقو" لهول ما سمعت و أحست بحجم ما قالت ثم نظرت الى أبيها : أتريد قتل زوجي بقولي يا أبي ...ثم جرت و هي تبكي...
وقبل هذا بأيام لا تتعدى الأسبوع
قال "مهران" و السكين فوق رقبته و حاكم يمسك برأسه من الخلف و القربة التي فيها الماء تسقط من يده:
- أنا "مهران" صديقك و صهرك الذي بنى معك ما نحن فيه الآن من منعة و مجد .. زوج "النقو" ابنتك الكبيرة ...
- صاح به "حاكم" و السكين تضغط على عنق "مهران"
- قل ما الذي أتى بك؟ تريد زرع الفتنة بين قومنا و تفرق بيني و بين ابن عمي "سرور" , تعمل لجني الأرباح من الذهب و أنت تزعم للسلطان أن الذي جاء بك أسد.. ألم تر كيف نظر إليك السلطان لولا أننا في ضيافته لربما كان ذلك اليوم هو اليوم الأخير لنا.... قل ما الذي أتى بك ..؟
- و الله ما قلت للسلطان غير الحق فما جاء بي من بلادي غير أسد ولكنه لا كالأسود روع أهلي و قتل أبي و كاد أن يهلك مدينتي , عمّر سوقنا ثم خربه علينا .عمره في التاريخ أطول من عمره الذي بقي..
زاد "حاكم" ضغط السكين على عنق التونسي
- أي أسد يفعل الذي تقول؟
- بل دخل الى أرض "الطوارق" و "السوننكي" فروّع مزارعهم و طمس عاداتهم و فتن ما بينهم و الحيوانات ..
- يبدو أنك زاهد في عمرك....و لماذا لم تخبرني؟ نعمل سويا لنا أكثر من سنتين و لم تخبرني..لماذا؟؟
- خشيت أن لا تصدقني يا "حاكم" الأسد لن يموت إلا بيد تحمل الجفيل و الجفيل من ذهب مدفون في أرضكم هذه ...
- أي جفيل هذا و أي أرض
أطلقه "حاكم " و لكنه ظل حاملا خنجره في يده
- جفيل كانت ترتديه ملكة عظيمة كانت تحكم هذه الأرض قبل آلاف السنين , امتد ملكها حتى وصل الى بلاد تحادد البحر الكبير الذي تصب فيه مياه الأنهار كلها...أهداه إياها ملك من بلاد تقع وراء هذا البحر بعد أن هزمها في آخر معاركها إعجابا بشجاعتها و أمرها بالرجوع معززة مكرمة و أهداها أسدا كذلك يرمز الى عزتها .
- هذا أمر اصطنعته هنا لتنجو من غضبتي
- أخبرت "النقو" ابنتك يمكنك أن تسألها
- خذ كلمتي هذه لئن سألتها و لم تعرف ما تقول فأنت بين خيارين أن تهلك بيدي أو تغادر بلادي هذه
- لا ينبغي لي مغادرة بلادك هذه قبل أن أجد الجفيل
- إذن ليكن قولك هو الحق.
و بعد هذا الحوار بأيام لا تتعدى الأسبوع وفي نفس اليوم الذي سألها فيه أبوها و حيث الدنيا لبسها الليل و القلوب كستها السكينة...
قالت "النقو" "لمهران" :
- كيف ترضى ذلك لي أن يكون مصيرما بيننا معلق بين لساني و شفتي و أنت لم تطلعني...
- أنت تعلمين لم أطلع أحدا على سري الذي جئت به غيرك ... و لولا حبي الذي أكنه لك و ثقتي في رجاحة عقلك و صدق مودتك لي و علمي بما لا تعلمين من قيمة ادخرها لك الزمان ,ما بحت به لك..
ثم نهض من رقدته و قعد بالقرب منها و أمسك بكلتي يديها يقبلهما ... أيتها الأميرة الكريمة يا سليلة الملكة العظيمة التي حكمت الدنيا في زمانها , كم لي من الشرف أن أكون زوجك....الحمد لله الذي ألهمك قول الصدق لأبيك.
- إخبرني عنها يا ابن"أليسا" العظيمة التي حفظت عهدها و بنت مجدها و حكمت البر و البحر في زمانها
قام من سريره الخشبي المنسوج بالحبال و ذهب الى صندوق كبير أخذ يبحث فيه حتى أخرج أوراق كبيرة مطوية نشرها أمامها و جاء بالفانوس يستضيء بنوره و قال لها انظري .. نظرت فوجدت بها كتابة و رسوما و وشوما و صورا لأناس تركب الأحصنة و أناس يمشون و أناس يسجدون و أسود تجر عربة تركبها أمرأة محفوفة بعدد من الناس الرافعي أيديهم , و نظرت فوجدت صحراء كثبانها مرسومة لا أشجار فيها تحفها جبال يلمع تحتها حجارة , و رسوما تحوي أشجارا كثيفة تشقها خطوط زرقاء و جبالا تحتوشها من فوقها و من تحتها و روسما تحوي أناسا يحفرون و أناسا يحملون فوق رؤوسهم أطباق كبيرة و فوقهم رجل يحمل سوطا,, و هنالك أسود عرفتها بسيماها تركب فوق ظهور أناس و أناس يركبون فوق ظهور أسود و أرض موشحة بلون أحمر ..و صورا لخلق كثير يحملون الحراب يجرون بحبال أناسا ذليلين مجبرين كالعبيد أو الأسرى , و رأت صورا لجيش عرفته من خوذة فوق الرؤوس ألبستهم لها اللوحة يكسو محاربيه لون السمار يجرون وراء جيش يكسو محاربيه لون البياض و رجلا يضع تاجا على رأسه يشير الى عكس جري جيشه و امرأة فوق رأسها تاج تشير الى حيث جري جيشها و ترفع يدها الأخرى التي يرك فوقها نسر كبير و صورا لجيش يكسو محاربيه لون البياض يجرون وراء جيش يكسو محاربيه لون السمار و أمرأة فوق رأسها تاج تشير الى عكس جري جيشها و رجل فوق رأسه تاج يشير الى جهة جري جيشه و يرفع يده الأخرى يرك فوقها نسر كبير ... و رأت أسدا حوله أسود , و أسودا داخل رسمة أسد كبير , و امرأة فوق رأسها تاج تركب أسدا قصيرة إحدى رجليه ... رأت رسوم أشجار كثيفة يخرج من تحت أرضها ضوء كبير على شكل دائرة ... و امرأة يقف يسارها نساء كثيرات أقصر منها و رجال أشد قصرا ويمينها امرأة يخرج الضوء من معصمها تركب أسدا قصير الرجل اليسرى .. كل هذا و غيره الكثير مرسوم بريشة فنان بديع في ورق أشبه بجريد النخل منه الى الكاغد المعروف حينها...
أشار "مهران" الى الورقة ووضع يده على رسمة فيها ثم نظر الى "النقو": هذه أنت أيتها الأميرة العظيمة...






  رد مع اقتباس
/
قديم 14-10-2018, 02:00 AM رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

شب الأسدان وقويا و بانت إمارات القوة على محياهما والذكاء الحاد الذي مكنهما من تفهم كونهما أسدين لا بشرين يعرفان حدودهما فلا يتجاوزانها و مكانهما فيلتزمانه سواء كان ذلك في السوق أو البيت أو الملعب أو المسجد ساعة صلاة أو ساعة تعلم , و تعلما كيف يحسنان الاستجابة لنداء فيمتثلان له , و اكتسبا محبة أهل السوق و ودهم الذين يبادلونهما حبا بحب و احتراس فكل أهل السوق يضعون فارق النوع عقبة للتواصل رغم امتهانهم للصيد الذي علمهم أن هذا الفارق لا يمكن جبره مهما تنكر الأثنان الإنسان و الحيوان لهذا الفارق بحسن معاملة أو طول معاشرة أو كثرة جميل فالحيوان في نظرهم يبقى حيوانا و الإنسان هو الإنسان على مدارالتاريخ...
اتخذ "لخضر" للأسدين مربطا شمال دكانه يربطهما فيه و كانت أقفاص الحيوانات الأخرى داخل حوش المتجر ذي المساحة الكبيرة مصفوفة بحيث تجد بينها فراغات تسمح للمارة بالتفرج و النظر الى ما يريدون من حيوان عشبي كان أو من آكلات اللحوم وكان يحرص على الفصل بين الحيوانات المفترسة وتلك الوديعة بحائط حتى لا تطمع الأولى ولا تفزع الثانية فإن الطمع يهيج الحيوان و البشر مثلما يهيجه الخوف بل أكثر كما علمه "مختار" ..و يضع بعض أقفاصها أمام المتجر من الجهة الجنوبية يعرضها للبيع , و بداخل الدكان أصناف كثيرة من أعضاء الحيونات المختلفة فالجلود لها أرفف بعينها تجد فيها كل أنواع جلود الحيوانات من فرو للأسود و النمور و الضباع و الذئاب و الأيائل و الغزلان و البقر الوحشي يشتريها أغنياء البلاد و التجار الذين يقصدون بها بلاد أوربا يبيعونها لملوكها و أمرائها و لأغنيائها و جلد الزراف الذي هو من أغلاها لا لصعوبة صيده بل لكونه لا يسرب ماء و لا دهنا فيتخذ في صناعة الأواني الجلدية الغالية , وجلود دببة الجبال ذات الفرو السميك و دببة الغابات ذات الفرو الغني بشعره و لونها المميز الذي يُطلب كذلك من أغنياء الدنيا الذين يقصدون شراءه من أماكن بعيدة خاصة تلك التي تقع في أماكن مرتفعة أو باردة , ثم جلود الأرانب و السناجب و الثعالب التي تحبها النساء و جلود الحيات الكبيرة و الصغيرة التي تتخذ لصناعة الأحذية و الحقائب و غيرها مما لا أعرف اسمه و لا كنهه مرصوصة بنظام معين يسهل رؤيتها و الوصول إليها , و تجد العاج بأحجامه المختلفة الذي يجلب من أدغال الغابات الأفريقية يشتريه صناع الحلي و تجارها لا يتورعون من دفع المبالغ الكبيرة في ثمنه , و تجد كثيرا من العظام و رؤوس الحيوانات و أسنانها المختلفة التي يقتنيها من هم يحبون المغامرات و لا يقدرون عليها يعلقونها في جدر بيوتهم و في طاولات أعدت لذلك , وتجد عنده عيون الذئاب التي يحفظها في سائل يشتريه بأثمان كبيرة و لذلك يبيعها بأثمان كبيرة كذلك يشتريها طلاب السحر و طلاب دفعه و الوقاية منه و المرضى و الأطباء الذين يستخدمونها كعلاج لضعف البصر و لتحسسه, و تجد في أواني معينة أمعاء الفيلة و الأسود و خصيها لا تكاد تأتي بضاعتها حتى تنفذ فمن موروث الثقافة أنها تزيد الباه لدى الرجال فوق ما تزيده خصي الأرانب و كلاها ومن عجب أن زبائنها من النساء و ليس الرجال... وغير ذلك مما يمتلئ به متجر "لخضر"..
و لم تكن مهمة الأسدين الذكر و أخته الحراسة فقط فقد كان منظرهما دعاية كبيرة للمكان تجذب السياح و المشترين , أما "الباهي الصغير فكان كثير اللعب معهما لا يكاد يفارقهما و يأكل طعامه معهما و كثيرا ما يأكلان من طعامه يخطفان اللقمة من فمه و يخطفها من فمهما , وفي عصر كل يوم يطلقهما "لخضر" ليذهبا في جولة للتنزه مع"الباهي" الصغير من غير خوف منهما يعتريه على ابنه الذي يحصنه منهما "بالمعوذات" و سورة "الفيل" و يقول الله كفيل بحفظه , رغم تحذير أمه و عدد كبير من التجار و الجيران له من مغبة فعل كهذا ... ويذهبان معه لحلقة الدرس في المسجد يربضان خارجه الى أن يعود فإذا عاد من درسه فإنه يستذكره معهما يقرأ لهما ما تعلمه ويستمعان له كأنما يفهمانه ... لاحظ "لخضر" هذا الأنسجام و التآلف الذي نشأ بين ابنه و الأسدين و الرابطة التي أصبحت قوية تكاد لا يعكرها اختلاف مزاج و لا تفاوت فهم أو سرعة إدراك و لا اختلاف رغبات و احتياجات حتى كاد كل منهم أن يفهم الثاني من حركاته أو لفتاته أو حتى سكناته ويتفاعل معها وفقا لذلك وهو ما لم يعهده في تعامل الناس و الحيوان – وهو الخبير في هذا المضمار- حتى الأليف منه..فالأخير يدرك ما يطلبه صاحبه إثر تكرار و تعود و تدريب على مهام معينة لا يتعداها فالكلب يفهم مراد صاحبه في ما دربه عليه من حراسة أو رعي أو صيد أو بعض حركات اللعب و يفهمه حين يناديه و حين يغضب منه و صاحبه يفهم حاجته من أكل أو شرب أو لعب ويعرف عكر صفوه و صفا ء مزاجه و يفهم إشاراته التي دربه عليها في مهمته التي يريدها منه , لا يزيد التفاهم بينهما على ذلك و قس العلاقة بين بقية الحيوانات و أصحابها على مثال الكلب ... أما ما يحدث بين "الباهي" و أسديه فشيء يلفت الإنتباه و يثيرالاستغراب فكثيرا ما كان يلحظ كلام ابنه لأسديه يتجاوبان معه بهزة رأس أو ذيل أو عواء و كثيرا ما كان يسمع حمحمة الأسدين يتجاوب لها ابنه بضحك أو حركة أو كلام و هكذا شاهد الناس أيضا , فسرت إشاعة قوية أن "الباهي" الصغير يفهم كلام الأسود و تفهم الأسود كلامه , لم ينفها الباهي أو أبوه لم يؤكداها رغم كثرة الشواهد على ذلك.., فقد كان كلما يجلب صائد أسدا يذهب الباهي الصغير إليه يتحدث معه بحركات يديه و فمه ثم لا يلبث أن يدخل يده الى داخل القفص يربت عليه مطيبا خاطره فيتقبل الأسد الأسير ذلك و لا يثور أو يعتدي على يد الولد المواسية, و لما تثور هذه الأسود إثر شيء أزعجها فيكثر زئيرها و جلبتها لا يستطيع تهدئتها إلا هو تهدأ لما تراه فكأنما السكينة تنزلت بقدومه عليها.. و لكنه أيضا كان كثيرا ما يشفع لها بمكانة أبيه "لخضر" عند صائدها إن أراد تأديبها بضرب أو بحرمان غذاء أو بتعريض لحر الشمس أو بتكبيل و شد وثاق فترات طويلة ضامنا عدم تكرارها لما فعلت و الغريب أن ضمانه لا ينقض أبدا..كل ذلك و هو لم يتعد الثانية عشر من عمره...
لما بلغ "الباهي" الخامسة عشر أصبح يأخذه والده معه للصيد في رفقة مجموعته التي تعمل تحته و يأخذ معه الأسدين الذين كانا يساعدانهم كثيرا في طراد الفرائس و اكتشاف أماكنها بما يملكان من حاسة شم قوية و سرعة و هيبة وسط عالم الحيوان وأظهر الشاب الصغير و أسداه ملكة عالية و قدرة كبيرة و انسجاما مبهرا انعكس على الكمية التي صار يأتي بها كل يوم صيد , وكان من عادة "لخضر" أن ينظر الى حاجة السوق فيقصدها لعينها لكنه كان كثيرا ما يقضي الأيام الطويلة و أحيانا الشهور لا يأتيه مراده و لايظفر به وكثيرا ما ينصب شراكه المحكم فلما يأتيه في صباح اليوم التالي إن كان نصبه مساء أو في مساء اليوم نفسه إن كان نصبه صباحا , لا يجد صيدا أو يجد ما صاده حيوانا واحدا أو اثنين و قد كان هيأ نفسه على صيد وفير فلما يجده كذلك يطلقه و يرفع بصره الى السماء متحدثا مع ربه قائلا " شوية يا رب" ,.
أحدث دخول "الباهي" وأسديه عالم الصيد مع أبيه طفرة كبيرة جدا في كمية ما كان يصيده أبوه و نوعيته فوق ما كان يتصور "لخضر" , الذي ظن أن مهمته في تدريب ولده ووحشيه الأنيسين ستكون ليست باليسيرة فليس لهم جميعا معرفة مسبقة بالصيد وفنونه وعنته وصبره ... فكلهم نشأوا في الحلية و الحياة الرغدة يأتيهم رزقهم رغدا كل حين بلا جهد أو تعب و لكن هذا الأداء أبهره فعلم أن ابن السبع صياد كما أن ابن الوز عوام..
زاد دخل "لخضر" كثيرا و أصبحت مقتنيات متجره لا تضاهى بمقتنيات أي تاجر آخر و صار بعد أن كان يخرج الى الصيد مرة كل أسبوع يجعلها كل ليلة خميس و يوم جمعة , صار يخرج في الشهر مرة واحدة مصطحبا معه أبناءه الثلاثة الأبن و الأسدين ومجموعته التي لا تزيد على ثلاثة آخرين ... و كان ولده يخرج للصيد خلسة مع أسديه بدون رفقة و بدون أذن أبيه الذي كان يغضب كثيرا حين يعرف فيعنف ابنه طالبا منه ألا يفعل ذلك , فلما آنس فيه رغبة و شكيمة و قدرة كبيرة على انجاز مهمة الصيد أصبح يأذن له بذلك رغم صغر سنه محذرا إياه من الإبتعاد الى أعماق الجبال ويرسل معه مجموعته لترافقه وتعينه,, بل صار أحيانا يوكل إليه طلعة الشهر منفردا هو أسديه وقد كان قبل ذلك لا يرضى بالتأخر عن الخروج فيها الى الصيد مهما كان وضعه , ولم يكن الولد يخذله أبدا بل يأتيه بكل ما أوكل إليه و يزيد أحيانا...
و ذات خميس مضيء بالقمر الذهبي المستدير و الشمس لما تعلن انسحابها خلف الأفق بعد , خرج "الباهي" في رحلة صيده المعتادة و معه أسداه و مجموعة الصيادين الثلاثة المساعدين , على غير رضا أمه و بعد أن أوصاه أبوه كالعادة أن لا يتأخر عن مساء الجمعة و أن لا تغريه الحيوانات و تخدعه فيتبعها الى أماكن بعيدة....خرج "الباهي" الصغير و أسداه يحمل شراكه و حَمَلا صغيرا يوضع كطعم أمام الشراك و سهمه و نباله و رمحين أحدهما طويل و الأخر قصير و أدوات حفر و حبالا ودرقة من جلد ناشف لحمار وحشي مدبوغ صلبة يصعب خرقها أهدتها له أمه و سيفا و سكينا موزعة بينه و بين جماعته التي خرجت معه تحمل مثل حمله وتزيد حيث يحملون زادا و قربا يملأونها من ماء يتفجر من صخرة في جبل صالح الشرقية أو من عيون صغيرة منتشرة إذا ما غرّبا , و لأنه ابن "لخضر" ركب حصانا سيربطونه في مدخل الغابة مع بغلين لبقية الركب يحملون فيهما أمتعة تعين على قضاء يومين في الخلاء و أمتعة الصيد , يتناوبون في حراستها عندما ينفرون وراء هدف يصيدونه .... و كأن قلب الأم على اتصال مع الأسرار الغيبية لم يعد "الباهي" و لا أسداه حتى مساء يوم السبت من حيث عادت المجموعة بدونه تحكي عن ضياعه بين الصخور والأشجار منذ مساء اليوم الأول الخميس هو والأسدين و رجوع حصانه بكامل مؤونته ..






  رد مع اقتباس
/
قديم 15-10-2018, 08:46 AM رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

في مهرجان تتويج ملك الماساي السنوي تجتمع أمة كبيرة من غرب ووسط أفريقيا يكنون له إحتراما توارثوه منذ القدم يأتون يوم هذا التتويج من كل حدب و صوب يحملون القرابين و الهدايا منها ما هو صغير و منها الكبير كل حسب استطاعته , و ربما تشارك أكثر من واحد عجلا أو ثورا و لكن المميزين منهم هم أؤلئك الذين يستطيعون جلب شيء ثمين يتطلب جهدا و مغامرة و ربما مال , مثل فروة أسد أو ناب فيل أو قطعة ذهب مشغولة أو غير مشغولة , كل ذلك يتقبله الملك المتوج يوم تتويجه , كما أنه يتوجب عليه تقديم عمل كبير يجعله أهلا يستحق هذا التتويج كإنزال بركة أو نزعها أو درء وباء أو شر متوقع أو عمل حسي كإصلاح بين بيتين نشب بينهما قتال و عنف أو تنمية اقتصادية ملموسة بإدارته أو ماله للناس . لكن المطلب الأساسي لجماهير هذا الملك الجديد هو عمل يحقق لهم أمانا من الأسود و قائدهم الأعرج , الذي زادت شراسته و تفاقم شره في الشمال المتاخم لهم مع ازدياد هجمات قرويي تلك المناطق على قبيلته عموما كرد فعل متبادل من الطرفين.. فكان أن دعا صالحي قبيلته و سحرتها الى اجتماع عظيم يوم "جمعة" مشهود تحضيرا ليوم العبادة الاسبوعي الكبير "السبت" ليخرجوا بخطة تتدخل فيها اليد الإلاهية بفضل هؤلاء المدعوين الذين كلفوا باستجداء السماء لتساعدهم في القضاء على هذا الأسد و بقية الأسود , فنودي في الناس أن يوم "السبت" يوم عبادة عظيم , وعلى الناس أن يخرجوا في منتصف ليلته يحملون المشاعل كل أمام بيته , ثم يتوجهوا بالصلوات لله الواحد أن يوحد قوته في درء هذا الخطر و القضاء عليه فقد استعصى الأمر عليهم كبشر محدودي القوة , فكان ما طلبه ملكهم , و اجتهد سحرتهم في ذبح القرابين أثناء قراءتهم لتعاويذ , ثم صبوا دماءها في آنية من ثمار القرع و خلطوها مع أعواد من شجر معين و ماء جلبوه من مستنقعات "جوروما" و مزجوها مزجا جيدا ثم صبوها في أناء كبير , و وزعت على صيادين أشاوس يأخذ كل واحد منهم من هذا الماء المسحور شيئا يسيرا ثم يخلطه بماء يغتسل به , يحرص على أن لا يترك موضعا إلا و قد مسه هذا الماء ... ثم جيء بهؤلاء الصيادين الى اجتماع الملك الذي حضره صالحوهم و سحرتهم وعُمد و شيوخ المناطق المتاخمة لنشاط الأسود , و بعد صلاة كبيرة ودعاء بأن يبارك الله الملك و أن ييسر لهؤلاء الصيادين مهمتهم تكلم كبير السحرة و أوضح لهم أنهم محميون لن يستطيع أسد من الأسود مسهم بشر و أن الأسود ستكون طائعة في أيديهم فعليهم أن يتقدموا بشجاعة نحوها .. وأمروهم أن يرشو فوقها بقية من الماء الذي اغتسلوا به ولا يمسوها بسوء كذلك , و أن يخاطبوهم طالبين منهم أن يأتوا لهم بالأسد الأعرج ليقابل الملك الذي سيكون في مكان قريب من تجمعات الأسود , ثم عليهم أن يعطوا الأسود مهلة يومين ليعودوا و معهم الأسد الأعرج , فإذا جاء الأسد العرج عليهم أن يحدثوه بلسانهم فإنه سيفهمهم و يقولوا له بأنه في أمان الملك و حمايته الشخصية حينها سيأتي معكم .
بعد أسبوع من خروجهم وجد الصيادون قطعان الأسود راقدة مسترخية تحن ظل شجرة فتقدموا نحوها بثبات كبير , و من عجب أنها لم تتحرك بل حركت أذيالها في إشارة ترحيب بهم , فلما وصلوها أخرج كل واحد منهم علبة بها ماء ثم أخذوا يرشونها به ثم تقدم رئيس الصيادين قائلا :
- أين ملككم الأسد الأعرج فإن ملكنا يريد أن يتحدث إليه ... و سنعود إليكم بعد يومين في مثل هذا الوقت آملين حضوره لكي نذهب معه إلى الملك الذي ينتظره في مكان قريب من هنا...
انتخب كبير السحرة اثنين من سحرته ليرافقوا معه الملك الجديد و اتخذ الملك من الصالحين الحكماء رجلين ليكونا في وفده الى ملك الأسود الأعرج"جاري ماتا" فصار الوفد مكونا من أربعة رجال خامسهم الملك و بعض الأتباع و الحرس في موكب متواضع لا يتعدي العشرة أشخاص , يركب الملك ثورا كبيرا وضع فوقه هودج يليق به , أما بقية الوفد فيركبون حصينا مطهمة مزينة تشي بمكانتهم , فلما وصلوا الى موضع أشار به عليهم كبير السحرة نزل الملك ونزل من بعده الجميع و انزلوا رحالهم و فرشوا بساطه المعتاد الذي يجلس عليه و كان مصنوعا من جلود الأسود مخيطا بعضه الى بعض ليكون عريضا وواسعا , ثم صفوا فوقه نمارق يتكأ عليها و يستريح و جلس بقية الوفد في فرش جلبوها معهم ليقعدوا عليها ,و قد كان مسيرهم بعد يوم من مسيرالصيادين.
وفي ضحى اليوم التالي و الترقب سيد الموقف و الصالحون تحت الشجرة يرفعون أيديدهم الى السماء في تضرع و ابتهال شديدين و السحرة يرتلون تعاويذهم و يتراقصون في حركات يعرفونها على بعد قريب منهم , و الملك جالس على أريكته غير عابئ بما يدور أو هكذا بدا رغم ظهور علامات قلق يتفرسها الذي ينظر إليه بدقة , ظهر الصيادون العشرة يمشون في صفين في مقدمة الصف الأول كبيرهم و في مقدمة الصف الثاني صياد آخر و بين الصف الأول و الأخير صفين من الأسود يتقدم أحد هذين الصفين أنثى أسد ضخمة تسير في عزة و تبكل يتناثر من عينيها وقار و هيبة مرفوعة الرأس كأنها تنظر الى السماء لا إلى اللأمام , و عن يمينها أسد ضخم كثيف شعر الرأس عريض المنكبين مرفوع الرأس يسير في خطوات ثابتة واثقة لا يعرف الناظر إليه من بعيد أ يمشي متبخترا أم في مشيه عرجة ...وقف الجميع إلا الملك الذي ظل في مكانه لم يتحرك تعلوه هيبة تضاهي هيبة الأسد القادم بين جنود ملك البشر و جنود ملك الغابة..
توقف ركب "جاري ماتا" على مسافة تسمح للملك البشري التقدم لاستقبال ضيفه الكريم بما يليق بمقامه بينما تقدم الصيادون الشجعان يقفون خلف السحرة الذين تقدموا قبل الملك الذي وقف و وقف خلفه الأتباع الى جلالة الملك العظيم الأسد الأعرج "جاري ماتا" ثم أخذوا يرقصون رقصات لها معاني عندهم يضربون الأرض بأرجلهم ضربات ذات إيقاع ثم يستديرون دورات محسوبة ثم ينثنون حتى يكادوا يلامسوا الأرض و يقومون في حركات موقعة و هم يتلون تعاويذ نسجت كلماتها لأول و آخر مرة على هذا الكوكب ..و تقدم كبيرهم يحمل غصنا , و يحمل الاثنان الآخران إنائين من قرع , بداخل كل واحد منهما ماء له رائحة غير محببة ذات لون أحمر , أدخل كبير السحرة غصنه في الإناء الأول , و قام بالتقدم الى جهة مليكه و نثر عليه من الماء الذي علق في الغصن , و أفرغ بقية الماء على الصالحين الحكماء الذين معه و على سحرته , ليكونوا شهود صدق على ما دار من حوار بين الملكين , ثم رجع مرة أخرى و كرر نفس الشيء مع الإناء الثاني ثم توجه الى الأسود التي كانت تنظر إليه في استغراب و فعل معها نفس ما فعل مع الملك ثم تقدم الى الملك قائلا: الأسود و مليكها الأسد الأعرج جاهزة لتتقبل استقبالك و التحدث إليك يا مولاي..
.






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-10-2018, 03:44 AM رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

دخل الشرطي راكضا الى مركز الشرطة على غير عادة العساكر و هو يصيح : وصلت العربة البنت وصلت يا سعادتك.
الضابط الوقور بدت عليه سيماء الإضطراب حين سمع صوت جنديه مبشرا بخبر وصول العربة التي تقل وفد سعدية تدور في رأسه نفس الإسئلة التي تدور في رأس الناس الذين استقبلوها في الشوارع المطلة على المركز , لقد خرجت المدينة كلها حتى ليكاد المرء يجزم أنه ما بقي أحد في بيته و أنه لم يبق إلا عاجز أقعده مرض أو حبسه حابس عنيد... حتى الأطفال خرجوا يتقافزون أمام العربة التي مرت أمام الجموع المصطفة على جانبي الطريق كل يحاول أن يلقي نظره داخل العربة ضيقة النوافذ لعله يظفر بنظرة على تلك الجميلة...
حتى بعض جرحاها الذين يرقدون في المشفى حينما علموا بقدومها خرجوا لعلها تنظر الى ما فعلت بهم أو لينظروا إليها فربما نظرة منها تشفي غليلا و تجيب على سؤال هل تستحق كل هذه التضحية , فمعظمهم لم يرها بغير عين خياله و لكن الذين رأوها زينوها لهم بأشعارهم و أخبارها في قلوبهم و خيالهم...
دخلت العربة و وراءها أمواج من الناس تتبعها فلما رأى الضابط هذا المنظر ذهل و حار دليلا في الذي يفعله فإن تدفق الجموع بهذه الكيفية ربما يؤذي هذه الحورية الجميلة و أهلها أذى حسيا و معنويا فلربما تكون أقل مما هي في مخيلتهم فيؤذونها بكلام يجرحها و يجرح أهلها و قد ينفعل منفعل فيؤذيها أذى حسيا إما بضرب أو بغير ذلك انتقاما لأخ أو صديق أصابه أسدها الأعرج... وربما تكون مثلما قيل عنها حينها سيخشى عليها هجمة الناس الذين يريدون إلقاء نظرة عليها و ربما خشي على نفسه منها.
أسرع الضابط ذي الرتبة الصغيرة قبل قائده إلى العربة يأمر من بداخلها البقاء حيث هم ريثما يجد حلا لهذه الجموع ثم اتجه الى جنوده طالبا منهم أن يحاولوا أن يسيطروا على الجموع خارج المركز... و بعد جهد جهيد استطاع أن يخرجهم خارج أسوار المركز ..و خرج القائد يحمل ملاءة كانت فوق سرير الضابط المناوب و طلب من عسكريه الذي بداخل العربة أن يحدث أمها بلف الملاءة حولها مغطية رأسها و صدرها حتى لا يراها أحد فيصيبها مكروه. وجل ما كان يخشاه أن تصيب هذا الجمال عين تؤذيه فتصيبه حسرة ما بقي من أيامه في هذه الدنيا فهو من أمر بإحضارها...
ثم خرج مخاطبا الجموع طالبا منهم الرجوع الى منازلهم فإن هذا لا يليق بأهل هذه البلدة ولكنه لاحظ ان الجموع في ازدياد و ليس في نقصان..فامر جنوده بأخذ أهبة الإستعداد كاملة ...
أمر قائد الشرطة السائق أن يقف بعربته قرب باب مكتبه مباشرة ثم طلب ممن بالعربة النزول فنزل شيخ القرية و حاج الحسين أولا ثم وقفا قرب الباب الخلفي فتقدم الضابط الصغير ففتح الباب طالبا ممن هم بالمقاعد الخلفية النزول فنزل حاج الفضل أولا ثم أستاذ آدم ثانيا و نزلت عمتها "عاشة ثم نعمة ثم نزلت سعدية بعدها ملفوفة بملاءة الضابط و نزلت غبيشة و أختها عاشة . و كان كلما نزلت واحدة تصايح الناس من خلف الجدار بين قائل هذه هي البنت المعنية و بين ناف وبين مصبر لهم الى أن ينزل الجميع وزادت جلبتهم حين نزلت نعمة الجميلة فلما نزلت سعدية و هي في ملاءتها سكت الناس فجأة كأنما ألجمت أفواههم ثم تصايحوا في وقت واحد هاهي هاهي هاهي.... و تدافعوا حتى أن الحائط انهدم ووقع الناس فوق بعضهم البعض.
سلم القائد على الحضور مبتدأ بشيخ القرية الذي يعرفه فكم من مرة أتى منافحا عن أحد أفراد قريته أو متظلما و شاكيا .. ثم انبرى الشيخ يعرفه على الذين حضروا في رفقة "سعدية" واحدا واحد فلما جاء الى نعمة قال له هذه أمها "نعمة" تبسم القائد محدثا نفسه وكيف تكون ابنتها اذن ثم سلم على أختيها و عمتها و جعلها آخر من يسلم عليه... فلما وقف بقربها قال لها :أنت بأمان هنا يا ابنتي انزعي عنك هذه الملاءة فلما نزعتها ارتبك قليلا و قال بين الجهر و السر : لا إله الا الله تبارك الله أحسن الخالقين فلما أفاق من سكرته أحس بمن في الغرفة.. و طلب منهم الجلوس
ابتدر النقاش شيخ القرية: يا السيد الضابط ما الذي فعلته هذه البنت
ضحك الضابط من اسلوب شيخ القرية متحاشيا النظر الى سعدية
: انظر يا شيخ و يا حاج الحسين ابنتك هذه سببت فتنة كبيرة في البلد..
تكلم استاذ آدم مستميحا الشيخ و حاج الحسين , و سعدية و أمهاتها ينظرن:
- فتنة كيف يا حضرة الضابط
- المستشفى مليء بالجرحى و أنت شايف الخلق التي بالخارج أليست هذه فتنة هذا إضافة الى أن الرئيس شخصيا مهتم بموضوع الحفاظ على الغابات و حيواناتها و التقارير كل يوم تأتينا بأن الصيادين أجبروا الحيوانات على الفرار جنوبا.
- و مادخل البنت في هذا كله
- كيف ما دخلها ؟ كل هؤلاء الذين بالمشفى أليس هي من حرضتهم على ذلك؟
قفز حاج الحسين:
- حرضت من و متى و كيف
- أليست هي التي قالت أن الذي ييريد أن يتزوجني عليه أن ييحضر لي أسدا صفاته كذا و كذا ...
- هذا شرطها لكنها لم تغصب أحدا على أن يتزوجها يا ابني...لم تحمل سيفا أوفأسا على أحد..
سكت الضابط مدة ثم قال وقد بدا عليه شديد التأثر: أعلم أنها لم تفعل ... لكن الحكومة تصر على نقل قريتكم من مكانها للحفاظ على الحيوانات و هي من حرض الناس على قتل الحيوانات ... يا حاج الحسين البلاغ مفتوح عندنا هكذا أنا أنفذ تعليمات الخرطوم سنضطر الى التحفظ على ابنتك الى حين عرضها على القاضي ....

9
الإشاعات التي تكاثرت و تضاربت حول نية السلطان "هاشم" غزو البادية المحاذية للجبال أخذت تتزايد و أنه بدأ فعلا في ترتيب كتيبة من الجيش و أن هذه الكتيبة ستكون و قائدها تحت إمرة الشرتايي "سرور" الخبير بالمنطقة و ذو النفوذ القبلي و الطموح الغير محدود ... لم تكن هذه الأشاعات محض إشاعات ولكن بها شيء من الحقيقة "فسرور" المتحدث اللبق وجد أرضا قابلة للزرع في فؤاد السلطان الشاب "هاشم" الطموح الذي كان من الأساس يخطط لضم هذه المنطقة لصالح نفوذه و توسعه فلما جاءت الفرصة في طبق من ذهب فإن من الغباء أن لا يستغلها الاستغلال الأمثل.. و كان "سرور" ذكيا في طرح الفكرة إذ جعلها فكرة متكاملة الأركان حيث أوعز إليه بغنا المنطقة بالذهب الذي سيمول له حملته هذه على سلطان "دارفور" و ماعليه إلا الإستعجال قبل أن يضع الأخير يده عليها , لكن جمع جيش ليس بالأمر السهل حيث أن جيوشه مستنفرة في الغرب الأقصى في حروب مع ذات السلطان ذي القوة و المملكة العظيمة. فقرر أمرين أن يرسل الى سلطان سنار ملك الفونج مليك شرق بلاد السودان و الحبشة يطلب منه دعما و يعده بأن يظاهره على ابن عمه القريب , و تحت إصرار "سرور" و تبسيطه للأمر اتخذ قرارا آخر بإرسال سرية تفرض الهيمنة و تبسط النفوذ و تعلن الوجود قبل أن يأتي الرد من ملك سنار , فقام بجمع عساكرها من الجيش الموكل به حماية "الأبيض" العاصمة .... و جعل خطة التحرك بيد "سرور" الذي قرر أن يباغت منطقته التي ولد فيها بجيشه الغازي عبر الطريق الغربي البعيد الذي جاء به من قبل و الذي يشق الغابات و لا يسير به الا صاحب غرض لا يريد أن يضطلع على غرضه أحد...
و في ليلة الخميس المظلمة و التي صادفت آخر شهر جمادى الأول و البرد يبسط هيمنته على الوجود تحركت السرية نحو الجبال التي لم تسقط عسكريا في يوم من الأيام لأي غاز أو طامع غير تلك المرأة التي حكمتها قبل نيف و ثلاثة آلاف عام...
قال "حاكم" لصهره الذي ناصره في تثبيت المنطقة من فتنة سرور التي كادت أن تعصف بسلام مكونها الإجتماعي :
- أخشى عليك من تحركات "سرور" المريبة فلربما ستطاع أن يحرك الأطماع في قلب السلطان المتهور "هاشم" ... فلو انتظرت قليلا ريثما تهدأ الأمور قليلا..
قال "مهران" و هو يربط السرج على ظهر الحصان و يرفع مؤونة سفره الى مواقع الذهب حيث يعمل له أناس بإشراف أحد عماله الثقات:
- لقد أطلنا الغياب عن مواقع العمل و هذا عمل لا يتحمل الغياب عنه كثيرا وأخشى أن يجد أحد من العمال ما أبحث عنه فيسرقه أو يخبأه عنا فيضيع جهد سنتين و أمل عمر بأكمله... لا تخش سرور فما أعتقد أن السلطان "هاشم" بهذه الغشامة ليتهور في مغامرة كهذه...
- الأشاعات كثيرة كلها تؤكد و تقول أن "هاشم" سيحرك كتيبة الى هنا لتحتل الوادي و جباله ... و إن كان هذا صعب في ظل الحروب الكثيرة التي تشغله و جيشه لكني أعرف "سرور" و مقدرته على الإقناع و أعرف شباب السلطان "هاشم" و تهوره و نفسه الطماعة التي تزين له ما ليس بحقه.. لو انتظرت قليلا حتى يأتي رد السلطان على رسالتنا ... أو دعني أرسل بعض العيون التي تأتينا بالأخبار قبل أن تتحرك أرى هذا أفضل من الحركة بدون بصيرة...
- سأتحرى اليقظة والإنتباه لا تخف علي ... سأتخذ طريق الغابة الغربي البعيد عن مسار "الأبيض" فلن يتجرء "هاشم" على المهاجمة من خلاله فهو بعيد عن مصادر الإمداد و قطعه سهل...
- إن كان و لا بد فخذ عصاي هذه التي يعرفها أهل البادية جميعا فربما تحتاجها أما أنا فأسلحق بك بعد أن تستتب الأوضاع و تنجلي هذه الغمة...
فلما دخل "مهران" الى "النقو" زوجته قال لها : الخرائط و الورق الذي أريتك إياه لا تفرطي فيه أبدا و إن رابك شيء أو خفت من شيء إدفنيه في طرف هذه الغرفة بعد أن تغطيه بساتر يحميه من التراب و نمله الأبيض.
وصل "مهران" الى ملتقى الطرق الذي يربط بين الطريق المؤدي الى "الأبيض" و بين الطريق الذي ينفذ من خلف القرى متجها الى الجبال...وهو كما ذكر آنفا طريق لا يختاره ذو عقل و لا رأي إلا أن يكون مضطرا كاضطراره .. فلما وقف ليستجم قليلا سمع جلبة تأتي من بعيد من جهة الطريق القادم من "الأبيض" كأصوات الحوافر و صهيل الخيول و أصوات أناس تبين و تضيع بين بقية الأصوات ... فلما أمعن النظر لم ير شيئا لكثافة الأشجار و تعرج الطريق و لكن الصوت ما فتأ يزداد قربا ...لم يكن تخيل و استنتاج أن هذه القوة ما هي الى قوة السلطان هاشم التي أرسلها الى المنطقة بالأمر الصعب بيد أنها مفاجأة عكست التوقعات تماما... كيف يقدم هذا المجنون على مغامرة مثل هذه , و بدأت أسئلة كثيرة تدور في الرأس أولها ما الذي يجب فعله سريعا ... حيث أن المسافة الى أول قرية تبعد مسافة يومين ... أهلها يدينون بالولاء لآل حاكم و لسطان الفاشر ... لكنه قرر أن يقترب أكثر ليستطلع الخبر و يعرف حقيقة هذه القوة و عددها إن أمكن و نيتها الحقيقية قبل أن يخطو أي خطوة.






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-10-2018, 11:45 PM رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
افتراضي رد: الأسد

السلام عليكم
قرأت حتى الآن المقطع الأول والثاني فقط . وسأكمل القراءة حتماً وبإذن الله ، لآتي على كل حرف مما جادت به قريحتكم الخلاَّقة . وقد شدَّتني الأفكار التي نثرتموها وهي ذات بريق وتألق وخصوصية . وجذبني الوصف المبدع الساحر .
وأشهد على تمِيُّز شخصيتكم الأدبية فيما سردتم .
أحييكم وأتمنى لكم المزيد من التألق والإبداع
وكل التقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-10-2018, 06:29 AM رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
أخى طارق
أراك صبورا طويل البال. . تستمر فى مواصلة هذه السردية بروح لا تعرف الكلل وهذه ميزة كبيرة....
قرأت منذ سنوات بعيدة قصة حائزة على جائزة نوبل اسمها( ملحمة أسرة فورسايت ) قرأتها اكثر من عشرين مرة ( أيام الشباب وقوة البصر ) لكنى كل مرة اتوه بعد فصل او فصلين. فأعيد القراءة واعيدها بتركيز أكثر حتى استطيع الإلمام بجوانب ما قرأت .
قصتكم هذه تشبه تلك مع الفارق .. أعيد القراءة واعيدها لاستطيع الربط من جديد بين زخم الأحداث والشخوص والوصف .
لكنى مازلت أتابع وأقرأ ..
اتشعبت وطالت واخشي ان اتوه.
مودتى
تأخذ هذه الرواية جزء مقدرا من وقتي ..مما استفدته منها القراءة و الإطلاع حيث المسؤولية التاريخية في ترتيب الأجداث لأن بعضها له صلة بالوافع ومحاولة ربط الخيال بالواقع تحتاد ما تحتاجه و انت سيد العارفين..
يسمع من بقك ربنا و تفوز بجايزة نوبل ساعتها ليك البشارة.
وددت رايك الفني في الحداث و طريقة السرد و ألات الكتابة القصصية و مدى توفرها و انسجام الأفكار وقدرتها على الإبانة عن مقصودها ..
ربما التقطيع و النشر عير حلقات متفرقة يحدث بعض الارباك كما ان التنقل عبر الحقب التاريخية و الأماكن المتناثرة كذلك..
ممنون لمتابعتك اخي جمال
دم بخير






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-10-2018, 06:33 AM رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثناء حاج صالح مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
قرأت حتى الآن المقطع الأول والثاني فقط . وسأكمل القراءة حتماً وبإذن الله ، لآتي على كل حرف مما جادت به قريحتكم الخلاَّقة . وقد شدَّتني الأفكار التي نثرتموها وهي ذات بريق وتألق وخصوصية . وجذبني الوصف المبدع الساحر .
وأشهد على تمِيُّز شخصيتكم الأدبية فيما سردتم .
أحييكم وأتمنى لكم المزيد من التألق والإبداع
وكل التقدير
سأنسخ هذه الصفحة و أبروزها واضعا لها في مكان مميز في مكتبي هذه شهادة عالية القيمة من أديبة و ناقدة كبيرة بحق شكرا لك يا ثناء






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-10-2018, 09:46 AM رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
أخى طارق
اتابعك كما قلت لك . عن الرأى الفنى وماشابه . فقد قلت فى مداخلتى مع بدايةطرحكم القصة.وسوف أقول مجددا .. القصة عميقة المعانى كثيرة الرسائل مزدحمة بالأحداث والشخوص .. ومتعددة الأهداف تأخذنا بعيدا وتشدناقريبا وبين البعد والاقتراب تظهر دائما هذه المقدرة على امساككم بالنص وتنقلكم بين ألوان المعترك تارة يعلو وتارة يهبط الوتيرة لكنه مدهش فى كل .
السرد قوى ورغم تداخل الزخم وكثرة التنقل واحيانا العودة لجلب صور الماضى والاستشهاد بها والبناء عليها ثم يجرفنا المداد إلى بؤرة الحدث مجددا بين الماضى والحاضر والقفز إلى مابين السطور مستقبلا .
وجدتها قوية متماسكة احسدك على مواصلتك الدؤوب .
مودتى
أنا الحاسد و المحسود على رأيك القيم أخي جمال ليتك ترسل لي في أيميلي الخاص أو لعلك ترسل لي عنوانك البريدي لمزيد من التواصل
tarmam100@gmail.com
مودتي القلبية






  رد مع اقتباس
/
قديم 31-10-2018, 03:15 AM رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة (10)
لذلك ركب حصانه و اتجه جنوبا الى داخل الغابة , مبتعدا عن مدى حركة الفرسان القادمين , فلما أحس بأنه ابتعد بما فيه الكفاية أوقف حصانه و ربطه الى جذع شجرة ثم تركه و تقدم راجلا حتى وصل الى مكان يمكنه فيه سماع صوت الخيل المتحركة , ثم اختار شجرة عالية و صعد فيها حتى و صل الى أعلاها و ضمن أن ألياف أغصانها كثيفة بما فيه الكفاية لتغطيه عن الأعين المتربصة ....و كانت الخيل تتقدم نحوه وهو في أعلى شجرته .... فما كلفه الأمر غير زمن بسيط حتى استطاع أن يرى من على البعد "سرور" يتقدم القوة الى جوار قائدها يضاحكه و يمازحه و عرف من بينهم بعض أناس الوفد الذين ذهبوا معه يسيرون مع الجيش متفرقين و منتشرين بين جنوده...لم يكن الجيش كبيرا فقد استطاع أن يقدر عدده ما بين المئتين و المئتين وخمسون فردا لا غير...توقفت القوة عند مفترق الطرق حيث أشار إليهم قائدهم أن يرتكزوا لأخذ قسط من الراحة بعد أن دخلوا الى داخل الغابة قليلا مبتعدين عن قارعة الطريق..
مازال مهران التونسي ينظر من عل عليهم يحصي أسلحتهم و يقدر قوتهم الضاربة و ينظر الى مراكب أمتعتهم ... فوجد أن القوة تسليحها جيد بما فيه الكفاية لإدخال الرعب في القرى البسيطة التي تقطن هذه المناطق و يبدو أن اختيار أفرادها تم بعناية فأجسام و أحجام الجنود تشي بذلك , و بينما هو كذلك إذ يرى حصانه بين يدي أحد الجنود يقوده الى حيث يوجد القائد , فأسقط في يديه .... و بدأ بالنزول سريعا لعله يدرك مهربا أو ملاذا يلجأ إليه قبل أن يفطن إليه أحد ويعرف حصانه... وحدث ما توقعه فعلا فبمجرد ما وصل الجندي الذي يقود حصان "مهران" الى المعسكر حتى رآه "سرور" فعرفه فجاء يخب الى حيث القائد خبا و يقول و هو متهلل الأسارير .:
- .مهمتنا قضيت قبل أن نبدأها...
وسرعان ما بدأ جنود بالانتشار في الغابة بحثا عنه... سمع أصواتهم تتصايح بعضهم يصيح من هنا والآخر يصيح من هنا ... وحيث أن الحصان كان في اتجاه الجنوب جرى الجميع في ذلك الإتجاه لكن "مهران" اتخذ الإتجاه الشمالي الشرقي مهربا حيث قدر أن الجنود سيتجهون الى حيث اتجاه مربط الحصان , لكن "سرور" الذكي خرج في جماعة أخرى من الجند وقال :
- إذا كان الحصان للتونسي لا غيره فإنه أذكى من أن يختبئ حيث ترك حصانه .
و اتجه بجند الى الشمال الشرقي حاثا الخيل على الإسراع...
جرى مهران كما لم يجر من قبل مسرعا بعد أن رفع ذيل قميصه و ربطه في منتصفه و تحزم بعباءته و أصوات الخيل تصل إليه من بعيد و صوت "سرور" الأجش المميز لا يخفى عليه صائحا في جنوده:
- انتشروا بحيث يرى كل منكم الآخر و لا تقتربوا من بعضكم كثيرا فتضيقون عليكم مساحة البحث..ابحثوا في كل شيء خلف الأشجار و فوقها بين الأعشاب و الحجارة و خلف بيوت النمل انخسوا العشب برماحكم لا تتركوا علوا دون أن تعلوه و لا منخفضا دون أن تطأوه وجب عليكم أن تجدوه و من وجده منكم له جائزة كبيرة.

سكتت "حمانة" كعادتها حين تغضب أو تتألم و اكتفت بنظرة قاسية الى أبيه الذي حذرته من مغبة خروج الولد الصغير برفقة حيوانين مفترسين في رحلة صيد محفوفة بالمخاطر , و تركت لعينيها أن يسيلا بالدموع و يعبرا عن مكنون صدرها ثم أشاحت بوجهها عنه دون كلام في غضبة منها لم يعهدها من قبل... لكنه كان أكثر ندما منها و قلقا على ابنه الذي بدأت ملامح مستقبله الزاهر ترتسم في الأفق القريب , و تبدت له صورته المشرقة و هو يعلو كعبا على من ناددوه يبزهم ذكاء و مقدرة , ظهرت عليه سيماء النجابة منذ نعومة أظافره و تبدت علامات القوة المتكاملة على جسمه و محياه تبرز عضلات صدره و ذراعيه و رجليه بصورة جلية لا تخطؤها عين , غير قوة إرادته و شكيمته و إصراره ... كان سريع التعلم فطنا حتى كاد أن يفهم لغة الأسود أو فهمها كما يقول أهل السوق الذين كانوا ينادونه إن استعصى عليهم قياد سبع أو التعامل معه ,,, كلام ابنه الواثق و ضحكته الفاتنة تفعل به الأفاعيل يطردها بالإستغفار و لكنها تتأبى عليه تمسك بتلابيبه و تحمله المسؤولية الكبيرة على فقدانه...
استنفر "لخضر" حملة كبيرة للخروج بحثا عن ابنه المفقود في الجبال تعاطف معها كثير من تجار السوق و صياديه تضامنا مع أخ طالما وقف مع صغيرهم و كبيرهم بحسن تعامله , و خوفا على ابن رأوا فيه ما كانوا يتمنونه لأبنائهم عوضا عن أنفسهم من كمال رجولة و جمال هيئة و حسن خلق , انطلقت في نفس يوم وصول خبر اختفائه أي بعد يومين من فقدانه يقودها "لخضر" بنفسه...
و قبل هذا بيوم كان "الباهي" المفقود فاقدا للوعي قرب صخرة كبيرة و الأسدان بجواره ينظران في قلق إليه تارة و تارة يتلفتان بصورة غريبة ويدوران حول جسده المسجى ثم لا يلبث أن يتحرك أحدهما مهرولا و صاعدا أعلى الصخرة التي يرقد تحتها " الباهي" ثم يتلفت يمنة و يسرى مرار كاشفا المنطقة بعينيه ثم يعود الى أخيه الذي يقوم بدوره بالصعود أعلى الصخرة مؤديا نفس حركة صاحبه السابقة... لكنهما أخذا يجرانه من ثيابه جرا ليذهبا به خلف صخرة أخرى تجاور الصخرة الكبيرة مشكلة معها نصف كهف صغير...أدت هذه الحركة الى إفاقة "الباهي" متأثرا بالألم الناتج عن جر الأسدين له.. و مع إفاقته سمع زئيرا كبيرا متجها نحوهم لكنه على مسافة ليست بالقريبة....
لم يكن سقوطه من أعلى الصخرة إثر انزلاق قدمه أو فقدانه للأتزان بل نتيجة معركة ضارية بينه و بين أسد ذو عرف كبير كان يتقاتل معه قتالا شرسا لم يترك الإثنان فيه شيئا من فنون القتال إلا و استعملاه و لكن العجيب أن أيا منهما لم يكن يريد قتل الآخر , بدا ذلك في الفرص التي أتيحت للأثنين حيث تمكن "الباهي" أكثر مرة من اعتلاء ظهر الأسد و التمسك برقبته بيد و كانت اليد الأخرى حرة بحيث تمكنه من حمل سكين أو سيف أو ما شابه أو حبل يربط به فمه أو يلفه حول عنقه و رجليه كما كان يفعل مع أسود أخر حين يريدها حية مما كان متاحا يحمله بين ملابسه أو بالقرب منه ليجهز على فريسته و لكنه لم يفعل , و بدا أن الأسد نفسه لا يريد الإجهاز على غريمه فقد علاه أكثر من مرة و خصمه ملقى إما على ظهره أو على بطنه غير أن الأسد لم يفعل سوى أن قفز من فوقه متهيأ لجولة عراك أخرى , و كان سقوط "الباهي" نتيجة انهيار حجر من تحت قدمه أثناء العراك جعلته يهوي من عل على أرض صلبة فاصطدم رأسه بالأرض فأغمي عليه... لكن العجيب في الأمر أن الأسدين لم يشتركا في القتال بل جلسا مقعيين خاشعين ينظران الى العراك بدون تدخل لصالح أي الخصمين و يدوران حولهما في قلق كأنهما حكمان في مبارزة شريفة شرسة بين فارسين شجاعين... فهما من قاد الى هذا القتال فقد أوحيا الى الباهي بما بينهما من تفاهم أن يأتي و راءهما ليرياه شيئا بدا ثمينا من اندفاع الباهي الذي لم يستمع الى محذر من عدم الابتعاد أو الى راج بالتقيد بتعليمات والده من مجموعته المرافقة فوكز حصانه المدرب على صعود الجبال بسرعة اختفى بعدها في غياهب الصخور و الأشجار , فظنه أصحابه لن يبتعد كثيرا ككل مرة و يعود بعد قليل . و لكنه تبع الأسدين الى مسافة بعيدة يجريان أمامه ثم يتوقفان أو يتوقف أحدهما حتى يلحق بهما ثم يواصلان الجري حتى ابتعدا و حينما انتبه الباهي وجد أنه قد صعد الى ارتفاع كبير عبر طريق وعر متعرج , حتى أن حصانه بدت عليه آثار التعب و الإعياء و لكن إصرار أسديه عليه لم يدع له مجالا للتراجع فكان كلما نزل من حصانه و وقف قليلا ليتروى في تفكيره أمسكاه بأسنانهما يجرانه و يحثانه على التقدم ثم يركضا , حتى وصل الى قمة عالية تحتها هضبة كبيرة شاسعة غناء بمنتصفها بحيرة كبيرة بها تجمع كبير للحيوانات من كل الأنواع , فالناظر إليها من عل يرى هذا الجمال الطبيعي البديع و يرى الحيوانات ما وسعه النظر عبر كثافة الأشجار المنتشرة في تناسق كأن يدا تدخلت في تنسيقه فذلك قطيع جواميس برية كبير يمشي بالقرب منه قطيع لحمر وحشية و هنالك في جهة مغايرة تمرح مجموعة غزلان جميلة تأكل و تلعب و تلك طيور جميلة لم ير مثلها من قبل بعضها على حواف البحيرة و بعضها يطير و البعض على غصون الأشجار , و تلتقي السماء في نهاية الهضبة الممتدة الى مدى لا تصل العين الى نهايته تلتقي في منظر بهيج يلتقي فيه اللون الأخضر الجميل مع اللون الرمادي الممزوج بالأبيض الباهت لسحاب خفيف كأنه شعر فوق جبهة الأشجار من فوقه تنجلي زرقة السماء الصافية الجميلة.
شد هذا الجمال انتباه الباهي كثيرا متأملا فيه ممتعا نظره و خياله ببهائه , و قد لفت انتباهه كيف أن من بالوادي في سوق أهراس لم يروا أو يسمعوا بهذه المنطقة الجميلة من قبل فطيلة ما هو بينهم لم يسمع بأحد يتحدث عنها , لعلهم كانوا منشغلين عن قمة الجبل بما هو تحته فقد أغناهم عن الصعود الى أعاليه حيث تكثر الحيوانات التي تكفي حاجتهم فلا يتعبون أنفسهم بحثا عن مزيد.. كان هذا أقرب تبريرغير مقنع يجيب على هذا السؤال و فجأة قطع هذا التأمل اضطراب الأسدين اللذين أخذا في الركض يمنة ويسرى كأنهما يطلبان منه التحرك.. ثم جفل الحصان الذي كان لجامه مرخيا بيد الباهي الذي كان قد نزل منه ناظرا متأملا في بديع خلق الله الذي أمامه, و جرى مذعورا كأن شيئا يجري و راءه حتى انه أسقط بعض المتاع و السلاح المحمول عليه ..ذهل الباهي الذي ترنح قليلا ثم استجمع قواه و وقف في حالة تأهب ينظر في كل الإتجاهات عله يرى ما أصاب حيواناته بالذهول فلم يرى شيئا .. فنادى أسديه صائحا لهم : ماذا هنالك ...
لكن الأسدين استمرا في اضطرابهما الممزوج بالرعب , في أول مرة يراهما على هذه الحالة ..استجمع الولد الفتي بعض قواه و جرى الى حيث المتاع الساقط , فوجد فأسا و سيفا و رمحا و درقته الجلدية التي أعدتها له أمه ليوم كهذا ..حمل الأسلحة الثلاثة مرة واحدة , الفأس و الرمح بيد و السيف باليد الأخرى وجعل الدرقة بين قدميه و هو ينظر في كل الاتجاهات مركزا على عكس الجهة التي جرى نحوها الحصان... ثم سمع صوتا قويا أشبه بصوت الرعد الضخم منه الى صوت الصاعقة الحاد ينتشر في كل مكان ... تحركت أوراق الأشجار في البدأ ببطأ , ثم ازدادت حركتها و بدا كأن الطقس منذر بعاصفة قوية استجمعت قوتها في زمن وجيز .. واستمر صوت الرعد في هزيمه المدوي المتزايد , و السماء التي كانت صافية حشدت سحابها . و الرياح تزداد قوتها حتى أنها صارت تدفعه بقوة نحو هاوية الجبل قاذفة درقته الجلدية من بين رجليه في مهاوي الوادي ... تحرك بصعوبة نحو شجرة كبيرة وقف بقربها مستترا من قوة الرياح بساقها الكبير ... و كما تحرك كل شيء فجاة صمت كل شيء فجأة , عدا الأسدين الذين ما زالا في حالة قلق شديد ... جرى الأسدان باتجاه صخرة كبيرة ناتئة في أعلى الجبل, وهما يطلبان بحركاتهما من الباهي التحرك و راءهما و الذي لبى نداءهما مسرعا مستجيبا لا يلوي على شيء... وكما صمت كل شيء دوى صوت زئير كثيف من كل الاتجاهات يقترب منهم ليس لأسد واحد بل زئير يشي بأن الغابة كلها تحولت الى أسود حتى الأشجار تجاوبت مع هذا الزئير بترجيعها صداه فأصبح الصوت كثيرا كثيفا يأتي من كل مكان ...ما أن وصل الجميع الى صخرة تقفل الصخرة الكبيرة مشكلة معها تجويفا يشبه الكهف حتى ظهرت مجموعة كبيرة من الأسود تملأ أرجاء المكان تتحرك عليه في وتيرة واحدة و بإيقاع واحد كلها يحمل عرفا كبيرا ذو لون أسود قاتم السواد في نهايته لون أبيض يكسو كل نهايات شعر العرف الضخم , تمشي على ثلاثة أقدام و تمس الأرض بالرابعة مسا خفيفا كأنما تطأ بها على شوك... حتى إذا اقتربت منه و هو في تلك الحالة من الذعر و الخوف زأرت كلها في وقت واحد زئيرا ملأ أرجاء المكان جعل كل الطيور التي سمعته تطير مذعورة مرتفعة عن الأرض التي صدر منها هذ الصوت....






  رد مع اقتباس
/
قديم 07-11-2018, 03:39 AM رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة (11)

أوقف جدار الصخرة تقهقر الفتى المرعوب و أسديه بينما الأسود تتقدم , نظر الى الجدار خلفه فوجده خشنا ذا نتوءات , أخذ يتحسسها فوجدها واسعة تسع أرجله , قوية تستطيع حمل وزنه فأسرع بتسلقها صاعدا الى أعلى الصخرة الكبيرة..يضع رجلا على نتوء منها يصعد به و يمسك بيد نتوءا أعلا يتشبث به متسلقا مبدلا ما بين يديه و رجليه , فلما وصل الى منتصف جدار الصخرة أمسك في نتوء و اتكأ عليه فإذا بالنتوء يتلجلج في يده حتى إذا ضغط عليه بثقل جسمه ليصعد وقع منه حجر كبير لولا أنه سبقه بالتشبث بجدار الصخرة الكبيرة لكان سقط من علوه بين يدي الأسود التي اقتربت كثيرا من صخرته و أسديه...فلما وقع الحجر الكبير توقفت الأسود ..نظر الفتى المنهك الخائف ليجد حفرة كبيرة خلفها ذلك الحجر في جدار الصخرة بسقوطه ... فزع منها وأراد أن يسرع بتخطيها صاعدا الى الأعلى فانهدم الجدار من تحت يده العليا التي كان يعتمد عليها في تثبيته على الحائط موسعة ثقب الحفرة لتصبح بئرا كبيرة تخترق الحائط الى داخله فأمسك بيده الأخرى عتبة الحفرة التي انفتحت ثم ألحقها يده الثانية .. ثم وجد نفسه يتكأ على يديه رافعا جسده الى داخل الحفرة المظلمة . كانت الحفرة على ارتفاع سبعة رجال و ما انفتح منها كأنه ردم فوق بئر عميقة تمت إزاحته فانكشفت البئر المستعرضة ليظهر عمق كانت الشمس كافية لتظهر سطحه القريب و الراجح أنه كهف طمرته الأيام .. رفع الباهي رجليه الى أعلى الكهف أو البئر , و الخوف الذي كان واحدا أصبح خوفين خوف من شيء يراه أمامه ساقته إليه قدماه و خوف جديد من شيء فتحته يداه لا يعلم ما كنهه و ما الذي سيخرج منه.

عاد الملك الجديد برفقة حاشيته و سحرته و صالحيه و في معيته ذلك الأسد الذي ملأت سمعته تلك الأرجاء ترافقه زوجته و حاشيته من الأسود يسيرون حوله في اضطراب و توجس تجدهم يتبادلون الأماكن كل مرة و يكثرون التلفت و بعضهم يسبق الركب و بعضهم يتأخر ثم يعودون لينتظموا في الموكب ا لملكي بينما يسير ملكهم "جاري ماتا" في ثقة لا يشوبها اهتزاز و أنفة و اعتزاز , خطواته تزيدها العرجة تبخترا و نظراته خارقة لكل عين وقعت عليها تنفذ الى قلب صاحبها فتصيبه بالرهبة و الخوف.. و قد سبق الوفد رسول يبلغ الناس بقدوم الملك و ضيفه المهيب .. فاستعدت المدينة و تهيأت لمثل هذا الأستقبال الغريب الأول من نوعه يدعو فيه ملك بشري ملكا آخر من غير بني البشر بل من خلق طالما استعلى الأول فيهما على الثاني يحبسه و يذبحه و يقتله بلا وازع و لا رحمة ولا سبب يتخذه خادما له في كل أموره لا يغفر له زلاته و لا يتسامح معه في رغباته يمتلكها و يضن بها عليه..فإذا ما انتفض راغبا في تعديل وضعه انتقم الثاني بلا رحمة و لا ضمير ..و لم يعجبوا من ذلك فهكذا يفعلون هم مع بني جنسهم أنفسهم ... و تفتق ذهن معدي برنامج الاستقبال عن فقرات ذات صلة فقد كان جل ما يشغل بالهم هو كيف يكون جلوس الملكين في مقام واحد فإن عرفت كيفية جلوس أحدهما فإن كيفية جلوس الثاني لهي المعضلة , و قد لاحظوا أن فرش ملكهم الآدمي كلها منسوجة من جلود قبيلة الملك الضيف أسودها و سباعها و نمورها و فهودها و يزينون برؤوسهم جدر قصره و مجلس حكمه فقد كادوا يكنون بها عن العظمة و السؤدد , أما و الأمر قد تغير فقد استنفروا القبيلة في صنع فرش من جلود الأبقار و الماعز و الظباء و الأيائل أخذوا من كلٍّ ثورا أو بقرة أو غيرها مما يصلح أن يكون جلده مفرشا و زينة , و جمعوا رؤوس السباع التي علقت على جدران القصر من داخله و خبؤوها في غرفة الملكة ريثما تنتهي مراسم الإستقبال و يعود الضيف المهيب , و قد أغاظ هذا الأمر الملكة التي لم تستسغ أن تزال صور العظمة و تماثيلها التي كانت للمولك الأوائل من على جدار قصر مليكها الحالي فكأنما أحست بذلك استخفافا و إهانة رغم شرح الشراح و وصفهم.
و جُمِع الراقصون و الجمهور فأفهموا أن لا يلبس أحد منكم رأس أسد أو ما شابه حتى لا تثور ثائرة الملك الضيف , و أن يعمدوا في هذا اليوم الى القماش ليلبسوه إن وجد فإن لم يوجد فلا بأس من أن يأتوا عراة .. وانبرى المؤلفون منهم يصيغون عبارات تمجد ملكهم الذي أتاهم بسلام لم يكونوا يحلمون به و بسيرة ما سبقه عليها أحد من الأولين و تذكروا أن يذكروا محاسن الضيف المهيب في غنائهم و رقصهم... و علموا أن ضيفهم المهيب ربما يقضي معهم أياما يحتاج فيها الى طيب طعام فجمعوا من الأبقار ما يسد نهمته و كلفوا بها أحد أصحاب الملاحم ليكون مسؤولا عن تقديم الطعام للملك الضيف و وفده المرافق و لم ينسوا أن يفصلوا للملك "جاري ماتا" و زوجه مكانا للأكل غير مكان وفده المرافق و حفروا للماء حفرة زينوها بطين لازب يمنع التسرب و يعطي منظرا حسنا جمعوا فيها ماء كثيرا كلف جهدا في نشله من الآبار و ملأ حوضه به..
أثار اصطفاف الناس على جانبي مدخل الملك الى المدينة حفيظة الأسود التي لم تتعود من هذا المخلوق ذي الرجلين غير الأذى و القتل , ولولا مفعول الماء المسحور الذي داوم السحرة على رشها به لحدث ما لا يحمد عقباه .. فقد تحفزت وتهيأت للهجوم .. وكان كلما علا صوت آدمي أو نزا طرق طبل أو عوى صوت آلة موسيقية تقافزت الأسود و كشرت عن أنيابها , و لكن ملكها الأعرج سار بجوار الملك المضيف كأن شيئا لم يطرق بقربه و لا صوتا علا بجانبه , نظره معلق في السماء و رأسه لم تهتز أو تلتفت لا الى اليمين و لا الى اليسار وقد رفع يمناه العرجاء لا يطأ بها الأرض إلا لماما كأنما يرحب بالجموع بيد خفيضة ليست بالعالية ..
و سار ركبه الميمون حتى دخل الى المدينة الملك مترجلا و بجواره الأسد و على شماله لبوته المكرمة ثم يسير و راءهم و بالقرب منهم واحد من السحرة الثلاثة يحمل إناء بيد و باليد الأخرى غصنا صغيرا ذا أوراق كثيرة , يفصل الموكب عن بقي الركب مسافة قصيرة بعدها يسير صف مكون من خمسة أسود و خمسة صيادين بين كل أسدين صياد خالي الوفاض من سلاح يلبس حزاما كان يستخدم في حمل السيوف لا يلبس شيئا غيره , ثم ساحر يحمل نفس ما يحمل الساحر الأول في صف لوحده, و يتكون الصف الثاني كما انتظم الصف الأول و ترك الصف الرابع للساحر الأخير ثم يأتي صف الجنود و الصالحين أرباب المعابد.
و بعد ذلك بمسافة تسير جماهير كثيفة خرجت لاستقبال الملكين يعلو صوت غنائها و ضرب طبولها و خبط أرجلها في الأرض خبطات موقعة تتناغم مع حركات رقصها...
فلما وصل الموكب الى القصر و مكان الاحتفال خرج كبير السحرة و معه بقية السحرة الذين لم يرافقوا الملك و بدأوا بعمل تعاويذهم يضربون الأرض بأرجلهم و ينخفضون ثم يقومون في حركات متتالية و حملوا الماء هذه المرة بأيدهم و بدأوا يرشونه في حواف المكان و حول مقعد الملك و دكة الأسد الملك , ثم اقتربا من الملكين الذين كانا يقفان خارج المبنى المعد للأحتفال طالبين منهما التقدم للجلوس بعد أن ركعوا تحية و إجلالا.
تقدم الملك داعيا ضيفه للجلوس بقربه في دكة أعدت خصيصا له و للبوته التي لم تجد نظيرة ترحب بها فقد خافت الملكة البشرية من الملكة الأخرى بينما هي تصطنع التعالي و التأفف فلم تحضر الإستقبال إلا من شرفتها .. و انسحب البقية على يمين و شمال الملكين في مقاعد و دكك مصفوفة أعدت بعناية لجلوسهم بشرهم و أسودهم...و انطلقت برامج الاحتفال المبتهجة الراقصة , أتى فيها الناس زرافات زرافات كلما أتى فوج قعى كما تقعي الحيوانات و سجد واضعا ظاهر كفيه على الأرض منكفئاً رأسه على راحتي يديه حتى لا تتسخ رأسه بالتراب , ثم يقومون مفسحين الطريق لفوج آخر , و دقت الطبول و رقص الحضور كلهم يتقافزون الى الأعلى كأنما يتبارون أيهم أكثر ارتفاعا في قفزته , أما النساء فقد أظهرن جمالهن بصدورهن العارية يزين ما سفل منها بسيور أعدت من جلد البقر منسوجة في خيط واحد يلفونه حول الخصر لا تحجب منظرا , لبسنها لهذا اليوم البهيج و صرن يتمايلن في حبور يدور نصفهن الأدنى عكس دوران نصفهن الأعلى , و وزعت على الناس كؤوس القرع المليئة بنقيع الذرة المسكر الذي يستنكرون شربه في غير هذه الإحتفالات , و جاء الناس بهدايا قيمة من أبقارهم و ضأنهم و دجاجهم للملك الضيف دون مليكهم -الذي ناله يوم تتويجه حظ عظيم منها - فنظر إليها جلالة المهدى إليه بعين فاحصة كأنما يتأكد من عددها , و هي تساق إلى زرائب أعدت لهذا اليوم , و كانت أهم فقرات الحفل كلمة الملك التي ختم بها الحفل , فرحب فيها بالأسد الأعرج و وفده المرافق شاكرا له على تلبيته هذه الدعوة التي لولاها لما صدقته قبيليته , ثم توجه لشعبه مبينا لهم ما توصل إليه معه من اتفاق سيرون نتائجه مباشرة بعد هذا الحفل البهيج , طالبا من الجميع الإلتزام بشروط هذا العهد وهو يضمن لهم إلتزام ملك الأسود و قبيلته بشروطه , و أبان لهم أن أهم بنود الإتفاق ما يلي : أن الأسود لها حرمتها و مكانتها بين السباع تعزز هذه الحرمة بعدم مسها أو صيدها في خمسة من أيام الأسبوع عدا يومي الأحد و الخميس يجوز صيدها فيهما , و على الأسود توخي الحذر في هذين اليومين إلا في حالات ثلاث أولها إذا قتلت بشرا ثانيها اذا صادت حيوانا مزروبا ثالثها إذا نكصت عن هذا الإتفاق فيسري عليها العرف الذي كان سائدا من هيجة تغتال الكثير منهم و تضر بهم . و للأسود حق عبارة عن ثور كل سبت تتناوب فيه القرى يلقونه لها في مكان معلوم يتم الإتفاق عليه ...و بند مهم آخر أن تحمي القبائل الأسود من شر الصيادين من خارج حدودهم كأولائك الذين يقدمون من الشمال بين حين و آخر و يعطى الأسد عهده و أمانه لكل أفراد قبيلة الماساي حيثما كانوا شريطة أن يلتزموا ببنود هذا العقد كما أن عهده و أمانه سارٍ على كل من أن أراد أن ينضم من بقية القبائل الى شروطه على أن تساعده القبيلة في الوصول الى موطنه الأصلي بسلام حيث تاريخه التليد الذي أبعدته عنه الحروب و الغزوات التي انتظمت تلك المنطقة في عهدها القديم... و أكرم الملك ضيفه المهيب بضم قبيلة الأسود الى قبيلة الماساي ليكونوا من أفرادها كما و أخبرهم بأن ملكه الضيف قد منح جنسية الأسود لكل فرد من قبيلتهم كمكرمة من ملك الأسود الشهير "جاري ماتا" فأصبح كل ماساوي أسدا كما أن كل أسد صار ماساويا , ثم قام و ألبسه عباءة فخمة أعدت من قماش أحمر مرصع بالأسود , إشهارا لهذه النسبة الجديدة و منحه لقب "مورونو ماتابا" تيمنا بالقائد الماساوي العظيم ..






  رد مع اقتباس
/
قديم 08-11-2018, 11:05 PM رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
أخى طارق
اتابعك كما وعدتك .
كثرت الأوصاف فى بعض أجزاء السرد .. كثرت لدرجة تململ القارئ .
لكن على أية حال أخذ النص طابعا سياسيا فى تدرجه حتى وصل حد القمة فى السياسة ..
اسقاطات و( شقلباظات ) و( ألعاب هواء ) و ( ملاعيب شيحة ) .. الى هكذا سياسة يسير النص.
يحلو لى متابعته كاسقاطة سياسية بامتياز.
مودتى
ملاحظة قيمة أخي جمال و قد أحسست بها و أنا أكتب رغم أن القصة تتنقل بين أحداث متباعدة تحتاج الى المرور المقتضب لا الى الوصف التفصيلي و لكنني وجدت في غرابة الحدث ما يحلي الوصف و يجمله لأنه وصف غريب..
من عجب أن السياسة تدخل رأسها في كل شيء ربما لأنها حياة الناس رغم مقتي لها و إن كنت من دهاقنتها..
أحس بروحك صدقني و انا أكتب وكثيرا ما أعدل ما كتبت بناء على ظني أنه لن يروقك...
لهذه القصة أسرار تنشر إن نشرت أعدك بكتابة بعضها إن قدر الله لها ‘ن ترى النور






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-11-2018, 02:46 AM رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة (12)


في مساء هذا اليوم الحزين كانت جدتي سعيدة أيما سعادة بما حدث لبنت "نعمة" , و ككل مغرب أفرش الحصير و أستلقي راقدا أمام البيت جاءت تحمل إناء اللبن و هي تغني على غير عادتها فمنذ أن ولدت لم يحدث أن سمعت صوت جدتي و هي تغني غير قبل أيام طويلة خلت كانت تهدهد بنت خالتي المولودة , تحملها من أمها التي خرجت من نفاسها قريبا , قلت لها :
- البلد كلها حزينة و غاضبة من أجل سعدية و أنت فرحانة ..
طلبت مني أن أقوم بهب النار بغطاء علبة ألقته لي ليزيد اشتعالها تحت اللبن الذي وضعته فوقها. ريثما تعود بالعلبة التي تحمل حب الشاي و علبة السكر و أكواب الشاي ثم قالت لي من داخل بيتها :
- الباقي إثنين.
قلت لها و الدخان يكاد يبتلع وجهي :
- إثنان من ماذا ؟
قالت وهي قادمة تحمل أشياءها في صينية قديمة ..
- حادثان كبيران ربما يأخذان هذه البنت الى الأبد حادثان يشعلان النار في فؤاد نعمة يكون الأخير فيهما أقسى من الأول ...
توقفت من هب النار و ألقيت بغطاء العلبة من يدي ووقفت:
- كيف ذلك يا جدتي ألا ترين أن الله يحب نعمة و بناتها ...كل مصيبة تجعل الناس يزدادون تعلقا بها وتخرج منها سالمة معافاة...
أخذت قسطا من الشاي الأسود في كفها الأيمن و نثرته فوق إناء اللبن الموضوع تحت أثافي ثلاث من الحجارة ثم نفضت يدها فوق الإناء و حركت العود الذي تشتعل فيه النار يمنة و يسرى وقالت وهي تنفخ النار بفمها:
- ليس بعد الآن
و التفتت إلي : ليس بعد الآن

صدم قرار الضابط المدينة كلها إذ أن الحيثيات التي خرجت للناس لم تكن كلها مقنعة بحيث تؤدي الى حبسها ..و كيف تحبس الملائكة ؟؟؟ ... وكان أكثر الناس حزنا بهذا القرار الضابط نفسه... و لكنه كما قال ينفذ أوامرالحكومة التي أمرت بذلك بخطاب مشفوع بختم آمر النيابة .. و لم يشفع للبنت الجميلة بكاء أمها و أخواتها و لا تضرع آبائها أو لجاجة أستاذ آدم الذي لم يدع حجة تقال يعرفها إلا وقالها أو شفاعة شيخ القرية ... الذي جزم بأنهم سيخرجون من قريتهم إن عادت البنت معهم و إلا فلن يخرج أحد و لتذهب الحكومة الى ما وراء الشمس و لتحرق الغابة ولتأت الحكومة لترم بالقرية كلها في غيابة السجن ..و الناس يتابعون في الخارج مجريات الأمور وينظرون الى النقاش الحاد يسمعون بعضه و يكملون الباقي بما ملكوا من مقدرة على الخيال و يتغامزون ناقلين الى من وراءهم ما يدور ... يمنعهم حرس المركز من الدخول لكنه لا يبخل أحيانا بتسريب بعض ما يدور بالداخل يحفظ بها علاقة بينه و بينهم .. و البنت التي يدور حولها الخصام واجمة تنظر الى ما يحدث بعين لا يعرف مراميها إلا من يعرف سعدية لم تنبس ببنت شفة باديا الهم و الخوف و التحدي على محياها ... أمها بين حين و آخر تنظر إليها مطمئنة لها و تنظر مرة أخرى مجزعة لها تقوم وتحتضنها باكية ثم ترجع الى مقعدها ... وتثور في القائد ثورة لا يصدها غير نهر "حاج الحسين" لها : يا مرة خلي الرجال يتكلموا خلينا نشوف المصيبة دي بحلوها كيف...
فتسكت على مضض وهي غير مقتنعة بتعقل الرجال في موقف أكثر ما يحتاجه هو عدم التعقل...
و "القائد" يجادل بالحسنى أحيانا و أحيانا يثور مبررا موقفه و أنه ليس صاحب القرار .. و نفسه تقول له كيف لصاحب قرار أن يحبس مثل هذا الحسن واضعا له بين اللصوص و القتلة و المجرمين ..يؤلمه قلبه حتى يكاد يهصره بيده ليخفف ألمه وهو يسترق النظر في خضم الجدال العنيف الى الملاك الذي قدر الله له أن يكون هو من يحبسه.... قامت "غبيشة" وهي تبكي و تقول لأبيها و للضابط القائد :
- أنا من قال للناس من أراد الزواج من "سعدية" فعليه أن يحضر الأسد و الجفيل ... وليست "سعدية"..
نزلت دمعة من عين "القائد" قاومها فانتصرت عليه :
- لو أن هذا الأمر يحل القضية لقلت أنني من قال هذا و ليست أختك ...
و في خرق واضح للقانون قال لهم :
- سأبقيها في بيتي مع زوجتي و بناتي بدلا من زنزانة المركز و أخصص لها من يحرسها ريثما نعد لها من ينقلها الى السجن فالقضية تستلزم أن تكون في السجن أثناء مجريات المحكمة . و سأكتب طلبا الى رئيس القضاء في "الأبيض" بأن يستثنيها لاعتبارات كثيرة منها انتفاء مسؤوليتها المباشرة في الذي حدث في الغابة ... و أن أهل القرى يربطون خروجهم من قراهم بخروجها على أن توقع لي ذلك يا شيخ و سأذهب للمستشفيات استخرج من الجرحى شهادة بإخلاء مسؤوليتها من التسبب في إحداث الأذى الجسيم لهم ...
حينها استيأس الوفد من محاولات إثناء الضابط من حبسها و ذلك بعد أن قال لهم أستاذ "آدم" بأن هذا هو أفضل ما يمكن أن يتحصل عليه من القائد واقترح أن يكون السعي مع الجهات العليا و أن يذهب وفد الى أعلى جهات الدولة وقد اقترح عليهم هذا الإقتراح القائد الذي أبدا تأثرا واضحا و انفعالا في صالحها لافتا...
و قبل "القائد" أن يستضيف معها أمها في بيته أو من يروه مناسبا و قال لهم إن هذه الإستضافة لن تطول فإجراءات التقاضي تقتضي أن تذهب الى سجن الإنتظار في أقرب وقت ممكن فعليهم الإسراع...
انشغلت المدينة انشغالا كبيرا بهذه القضية و أصبح لا شأن للمدينة غير الحديث عن الحكومة التي ألقت القبض على بنت بتهمة الجمال ... و الذي صار مثار استعاذة منه كمضرب مثل للنعمة التي تتحول الى نقمة , فالنساء اللواتي حركت الغيرة قلوبهن أخذن في الترويج الى مثل هذا القول ليقنعن أصحابهن بأن القليل النافع خير من الكثير الضار فجمال معقول لا يجلب الأذى لصاحبه أفضل من جمال كثير يضر بصاحبه , و اشتهر "القائد" بموقفه النبيل الذي شاطرته معه المدينة كلها فما تكاد تمر ساعة زمن حتى يأتي من يطرق الباب حاملا صينية طعام أو طبق فاكهة أو إناء لبن أما ميسوري الحال فلم يتوانوا في إهداء خروف حنيذ يزيد حجمه مع زيادة مال مهديه و ما لبث بيت "القائد" أن امتلأ بالهدايا من هذه الشاكلة حتى أن "القائد" و أسرته أصبحوا يرفضون استقبال الهدايا لا لشيء غير أن البيت لا مكان به أو متسع لكل هذا الحجم من الهدايا و لكن المهدين يصرون بأن الهدية ليست لهم إنما هي للضيوف ... و انبرى نفر من قادة المدينة بالتقدم بخطاب للمحكمة للإفراج عن البنت بضمان أشخاصهم , و بعضهم عرض فكرة ضمان مالي تقترحه الحكومة سيقومون بتسديده مهما علت قيمته... أما الجرحى فقد أرسلوا موفدا منهم يمثلهم ليعلنوا عفوهم التام و مسؤوليتهم الشخصية عن كل ماجرى لهم و أن لا دخل لهذه البنت بما أصابهم...
لم تنم "سعدية" طيلة الأيام الثلاثة التي قضتها في منزل القائد و لم تتناول طعاما , وقد حاولت معها أمها كثيرا لكي تقنعها بالنوم أو الأكل لكنها كانت تتأبى و ترفض و كانت تهز رأسها رافضة حتى مجرد الكلام ... و قد حاولت زوجة القائد تطييب خاطرها و التسرية عنها بالحديث معها .. لكنها كانت تبتسم ثم تشيح بوجهها عنها ... فشحب وجهها و ذوى ضوؤه و بريقه و هزل جسمها و أصاب قوتها خور و ضعف شديد ...فأمر الطبيب بنقلها الى المستشفى ... فأحضر القائد عربته و حملها هي و أمها و زوجته و حارسها الى هناك..وقد بدا التأثر عليه كثيرا بصورة لا تتناسب مع صرامة وجهه حتى يكاد المتفرس ينظر الى دمعة بعيدة تلمع في قعر عينه تكاد تفضح هذا الجزع ...لكن حالتها لم تتحسن رغم العناية المكثفة التي أولتها لها المستشفى المتواضعة الإمكانيات فازداد شحوب "سعدية" و هزالها و لزمت صمتا طويلا و زهدا في الكلام , حتى الرد بعينيها الذي كانت تتجاوب به مع أمها أحيانا أصبحت لا تفعله ...
و بعد نقاش طويل مع "القائد" قال الطبيب :
- البنت بهذه الطريقة ستموت إن لم تنقل و على وجه السرعة الى الخرطوم... و لكن الخرطوم ليست قريبة كذلك , تحتاج الى يومين أو ثلاثة أيام بالعربة الجيدة أما بالمواصلات فليس أٌقل من خمسة أيام بلياليها وهي عرضة في هذه المدة لمضاعفات تؤذيها إن لم تكن تحت عناية طبية.
و للمرة الأولى ينهار القائد رغم اجتهاده في التجلد:
- لن تموت لا يمكن أن تموت لن أكون سبب موتها ... أنظر يا دكتور أرجو أن تجهز لي من يرافقها الى الخرطوم و سأتدبر أمر العربة..
- كيف ذلك لا يمكن أن تخرج هذه البنت من البلدة فهي رهن الإعتقال و أنت من يناط به حفظ النظام و تطبيق القانون...لن أتحمل مثل هذه المسؤولية..
قال بانفعال و قور...
- لا يمكن أن نسمح للموت أن يختطفها و نحن ننظر ...
ثم خرج و عاد بعد ساعة و قال مخاطبا الطبيب:
- أين المرافق الذي سيذهب معها
و خرج ليحدث أمها بأنه سيأخذها الى الخرطوم فبقاؤها هنا لا معنى له غير أنهم يقتلونها بأيديهم..و أمر بإحضار والدها الذي اتخذ من ظل شجرة أمام باب المستشفى مكانا يجلس فيه في انتظار ما ستسفر عنه الأقدار ... فلما حضر أبوها قال له:
- يا حاج "الحسين" يجب أن نأخذ ابنتك الى الخرطوم لتتعالج فبقاؤها هنا يعرضها لزيادة المرض و خطر الموت و أريدك و زوجتك أن تستعدا لتذهبا معها ...و لا تخبرا أحدا بذلك...
احتج حاج "الحسين" بأن الذين جاؤوا معه لايمكن أن يتركهم دون أن يخبرهم فقد تركوا أشغالهم و أموالهم و أهلهم و راحتهم ليرافقوه كيف يذهب دون أن يخبرهم.
أسر له القائد قائلا:
- إن الذي أفعله مخالف للقانون و سيعرضني ذلك لمساءلة كبيرة و ربما أسجن بسببها ... كل هذا لا يهم كثيرا قدر أن تعود "سعدية" الى سابق عهدها و نضارتها.. ونحن نسابق الزمن فحالتها تزداد سوءا ...
لكن أبا "سعدية" أًصر على إشراك "شيخ القرية" و "أستاذ آدم" في الأمر دون أخوه و أخته فهذان قريبان سيتفهمان الأمر و بقية الذين لحقوا بهم ... و بعد لأي وافق "القائد" على مشاورتهما ... لكنهم رفضوا الفكرة تماما و قالوا لا قبل لهم بالخرطوم ومصاريفها فهم لا يعرفون فيها أحدا و البنت تحت رحمة الله يفعل بها ما يشاء وهم سيسلمون بأمر الله و قضائه و استقر رأي "حاج الحسين" على رأيهم... لم يجادلهم "القائد" طويلا , و خرج , ثم أرسل من يحمل أمر ترحيلها الى السجن و أخذها عنوة , رغم رفض الطبيب و بكاء أهلها و رجائهم , الذين أكثروا الإحتجاج فلم يسمع لهم الجنود , و رفعوها بمغذياتها الوريدية , و ركب معها الطبيب نفسه , بعد أن أخذ بعض الأدوية و المغذيات الوريدية في حقيبته , و حمل كيسا به ملابس تعوّد على إحضارها حين يكون عليه دور المبيت في المشفى , و ذهبوا بها الى مركز الشرطة لتكملة الإجراءت ...فاستقبلهم "القائد" و أمرهم بإنزالها الى عربته , فلما فعلوا , ركب الطبيب معها وهو يحمل أدواته وقام بتعليق المغذي الوريدي في أعلى العربة من الداخل بشريط لاصق , عندها أمر "القائد" السائق بالتحرك الى السجن وسط دهشة صغارالضباط و الجنود فهذه المرة الأولى التي يفعل فيها "القائد" مثل هذا الفعل المخالف للإجراءات القانونية كلها , ثم أمر حارسها و "الطبيب" بالنزول فلبى الأول و رفض الثاني , الذي لم يجادله طويلا , و في الطريق أمر السائق بالنزول فنزل , و ساق هو و تحرك قليلا , ثم توجه بالحديث الى الطبيب :
- أنا ذاهب بها الى الخرطوم هل ستذهب معي؟
ضحك "الطبيب" كمن لم يتفاجأ و قال:
- هل تعلم عواقب ما تقوم به.
تبسم "القائد" و أخذ نفسا عميقا:
- الأمر كله بيد الله..
ضحك "الطبيب" :
- لست وحدك كلنا يقتلنا هواها .... توكل على الله...ما يريده الله سيكون.
و اتجه بالعربة الى الطريق المؤدية الى الخرطوم...






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-12-2018, 11:42 PM رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
نوال البردويل
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع أدب الرسالة
فائزة بالمركز الثالث
مسابقة القصة القصيرة2018
عنقاء العام 2016
تحمل وسام الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية نوال البردويل

افتراضي رد: الأسد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المأمون محمد مشاهدة المشاركة
أختي نوال الكريمة لا تعلمين مدى تأثير هذا الكلمات الرقيقة على صدر أخيك و حماسه ...لئن قدر الله لها الخروج سيكون اسمك ضمن الإهداء انشاء الله..
طيبي في كل اوقاتك اختي

حتماً لي عودة لمواصلة القراءة ولكن بعد أن أقدم لك شكريوتقديري
فأنت تستحق كل الخير
واعذر أختك عن الانقطاع الذي حدث لأسباب خارجة عن إرادتي
تحياتي






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط