|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-09-2018, 12:03 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
راقِمى الحَرون
" رَاقِمي الْحَرُوْنُ " بَدا لِي إِرْهاصُ حِرانِهِ ماثلاً منذ مدة ؛ بيد أَنني واثقٌ كذَّبتُ حَدْسِي ، و ما خلتُه يُمسِك عن رقْمِهِ فلا ينفحُني من حرْثِهِ إلا صِفْراً ، و ما ظننتُه يَغْوِى فيَمُجُّ حانِقاً مِدادَهُ ليُغرِقَ القِرطاس حِبْراً ، و الآن يَجْفُلُ فازَّاً كجَوَادٍ نَافِرٍ ، فأخذتُهُ تارةً باللين و تارةً بالشِّدة ، و احتلتُ عليه ترغيباً و ترهيباً ، فما انصاعَ قِيْدَ شَعْرة . لا يروقُني أَنْ أُنَحْيَهُ تُرَاثاً هَمَلاً عَطَلاً و هو ما يزالُ مُفعماً بالحياة ، تأْبَى علىَّ نَفْسى أَنْ أُرْدِيَهُ في خِزَانَةِ موْرُوثاتي القديمة وما زالَ شَحِيْذَ السِّنِ ، فَتِيَّ الرُّوح نابضَ المِداد . أَمَا و إِنَّهُ قَلَمِي ، و إلى العهْدِ اللَّصيقِ كان رفيْقَ دَرْبي ، و مِغْرَفَ فِكْرِى ، و آلةَ رَقْمِي ، فلا شك لدَىَّ أَنَّه يعْمدُ إلى حَرْفِ انْتباهي إلى أَمرٍ يُكِنُّهُ ، و غرضٍ يظنُّهُ ، و سأَعْمَدُ أيضاً إلى تضْييقِ خِناقِي عليه ، و إِبْدَالِ غيرِه بهِ مستعيضاً عنه ، لعلَّه يُذِيعُ ما يُكِنُّ ، و يفضحُ من أمرِهِ ما يَعِنُّ . نحيْتُهُ جانباً عن وُريْقاتي مُستعيْضاً عنْهُ بِمُسَجِّلَتِي و جعلتُ أَنْطِق كلماتي بإلقاءٍ مُتَمعِنٍ ، و أَدَاءٍ مُتثَاقِلٍ وئِيدٍ كنَصْلٍ ثَلِمٍ يَحُزُّ روحَه حزَّاً ، و هو طَرِيحُ مَكْرِهِ يتململُ غيظاً و مهانةً ، و إِذْ أُغْرِقُ عامداً في نَكْئِهِ تنَاهَى إليَّ أنينُهُ بدايةً ثُمَّ ما لبثَ أَن اسْتحالَ عويْلاً و نحيْباً حتى إذا لم يبْقَ في قوسِ الصبرِ مِنْزَعٌ صاحَ على نغَمَاتِ نشِيْجِهِ المُتوَاصِل : • ما أَهونَنِي عليك يا صاحبي ! لم أَنْبِسْ ، و إن أخذتْنِي به رأفةٌ لكنَّني كتمْتُها فاسْتَدْرك : • ما صَحِبَ رُوحَك ، ولا جاسَ في رأْسِك ، و لا نَظَم حرْفَك ، مِثْلِى ، و ها أنتَ ذا تُلقيْني غيرَ مأسوفٍ عليَّ إلى قارعةِ التَّجاهُلِ و بِئْرِ الإِهمالِ ، أَهانَ عليك نزيفُ مِدَادِي ، حرثُ الأيامِ ، و سُهْدُ الليالي ؟ أدْمَتْ فُؤادِي الكلماتُ و أَوجَعتْ رُوحي فبادرتُهُ : _ لا تُعْمِلْ مِبْضَعَكَ في جُرحي مستدراً وُدَّ الأيامِ الخَوَالِي ، إنَّما عليْكَ التَّبِعةُ ، و مِنكَ الزَّلَّةُ ، أطلقتَ سهمَكَ فارْتدَّ إِلى نَحْرِكَ ، أنتَ مَنْ حَرَنَ و بَكَمَ . • و ما كانتْ حِيْلَتِي و قد أعيَانِي جذْبَ انتباهِك بعدما أَوْصَدتَ بِوجْهي أبوابَ البثِّ و الشَّكوى. _ أيُ بثٍ و أيةُ شكْوَى ؟ • إنكَ لا تُعِيرُ ذائقتِي اهتماماً ، و لا تأْبَهُ لِرأييِّ فيما تكتبُ ، تَلِجُ حَازماً نَافِذاً إلى ما تهْوَى مِنْ معانٍ و مبانٍ ، دونَ اعتبارٍ لما أقْبلُ و أزْهدُ . _ بَخٍ بَخٍ يا قَلمِي ! أَو لَكَ ذائقةٌ و رأىٌ ؟ أتقبلُ و تزهدُ ؟ • لا أَدْرى ما عَنيْتَ بما قُلتَ ؟ آسْتِنْكاراً ؟ أم اسْتِكْثاراً ؟ _ هَبْنِي عَنيْتُهُما معاً فأَرِنِى دَفْعَكَ ؟ • أما استنكارُكَ لِذائِقتِي فلا محلَّ لهُ وقد أكْسَبَتْنِيهَا الدُّرْبَةُ ، و أمّا استِكْثارُكَ لِقَبُولِي و زُهْدِي فقد أَنْمتْهُ و أَرْبَتْهُ الصُّحبةُ . فابتسمتُ مأْخُوذَ الُّلبِ بِفَذاذَةِ مَنْطِقِهِ قائِلاً : _ هَا أنْتَ ذَا حُزْتَ فلسفةً ، و نطقْتَ فصَاحةً ، فَمَا حاجتُك إليَّ إذاً ؟ • كَحاجَتِكَ إلىَّ ، أحفظُ العهدَ ، و أَرْعَى الوُّدَ ؛ فضْلاً عن نفْعٍ متبادَلٍ ، و هَمٍّ متعادِلٍ . _ نفعٍ متبادل ، و همٍّ متعادل ! تُطَاوِلُنِي إذاً رأساً بِرأسٍ ؟ ! • هَذِه حقيْقةٌ أَرْبأُ بكَ أَنْ تُنْكرَها ، أَوْ تُؤْذِيَكَ فَتَجْحَفَها . _ فَلْتحذرْ أيُّها الغِرُّ مِنْ جُرْأَةٍ نَدَّتْ عنكَ ماثِلةٍ ، و ثِقةٍ بَدَتْ فِيكَ قاتِلةً ، فمَا أنتَ إلا قلمٌ لكَ أَضْرابٌ و تنُوبُ عنكَ بدائِلُ ، و لعلَّكَ عايَنْتَ المُسَجِّلةَ ! فقالَ و الغيْظُ يهْصِرُهُ : • لَنْ أَرُدَّها عليْكَ أَدَباً و فضْلاً ، لكنْ دعْنِي أُذَكِّرُكَ قَدْرِي لعلَّك قَدْ نَسيْتَ و أُنْسِيتَ ، و انْبَرَى يقولُ واثِقاً : _ أنا يا صَاحِبِي في المَلأِ الأَعْلَى قَسَمُ اللهِ فِي سُورَةِ القَلَمِ ، و أَوَّلُ خَلْقِهِ ، كاتِبُ المَقَادِيرِ و راصِدُ العمَلِ ، و فِي المَلَأِ الأَرْضِيِّ ، اكْتِشَافُ نَبِيٍّ ، وَ وِعَاءُ حَضَارَةٍ ، و خَازِنُ الإِرْثِ الإِنْسانِيِّ . • أُوْمِنُ بِذَا و لا أَجْحَدُهُ ، و أُقِرُّهُ و لا اُنْكِرُهُ ، لكنَّكَ لَسْتَ أَكثرَ مِنْ وَسيْلةٍ صمَّاءَ ، و أَدَاةٍ بَكْمَاءَ ، أمَّا أنَا فَسَيِّدُ أَرْضِ اللهِ المُكَرَّمُ ، ظِلُّهُ و خَلِيْفَتُهُ ، مَلَّكَنِي زِمَامَ أَرْضِهِ لأَقودَ بِعينِ رِعايَتِهِ ، و مَقَاديْرِ أُلُوهِيَّتِهِ ، وَ جَعَلَكَ وَ أَضْرَابَكَ لِي سِخْرِيَّا وَ تَبَعَاً ، و لسْتُ لَكُمْ تَبَعَاً . _ التَّابِعُ ظَهِيْرُ مَتْبُوْعِهِ وعِمَادُهُ ، و الوَسِيْلَةُ مَطِيَّةُ الُغَايَةِ و سَبِيْلُهَا. • وَ إِنْ يَكُنْ ، فَلَا يَزَالُ التّابِعُ حَشْوَاً لا مَتْنَاً ، و لَا تَزَالُ الغَايَةُ فَرِيْدةً وَحِيْدَةً ، أمّا الوَسِيْلةُ فَيُنَابُ عنْها ، وَ يُسْتَبْدَلُ بِهَا . _ زَهِدْتَنِي إِذاً ، و نَحَيْتَنِي عنْكَ دونَما رَجْعةٍ ؟! • بل أَكْبَرْتُكَ و ثَمَّنْتُكَ بعدما أَريْتنِي مِنْكَ نَبَاهَةً تَسُرُّ ، و وقفْتُ مِنْكَ على وَفَاءٍ و بِرٍّ ، و هَا أنتَ ذَا أُشْرِبْتَ مِنْ قَرَاحِ ما كتَبْتَ ، و اكتَسَبْتَ مِن الحِكْمَةِ بِقَدْرِ مَا أَكْسَبْتَ. هَشَّ القلمُ و بَشَّ و صَاحَ خَاضِعَاً قَانِعَاً : _ الأَمْرُ و الرَّأْيُ لَكَ صَاحِبِي ، حَسْبِي مِنْكَ أَنْ أَكُوْنَ مِغْرَافَ عِلْمِكَ ، رَفِيْقَ دَرْبِكَ ، و رَاقِمَ فِكْرِكَ . • وَ قَدْ أَوْلَيْتُكَ مَنْزِلَةً تُسَاوِينِي ، و رُتْبَةً تُضَاهِيْنِي ، حتَّى إِذا ذَيَّلْتُ المَرْقُومَ بِوَسْمِي ؛ حُزْتَ فِيْهِ الصَّدْرَ ، و أَمَّا ذَاكَ الْعَجُزُ فَيُرْضِيْنِي . _ حَسْبِي شَرَفَاً صَاحبي ، حَسْبِي ! بقلمي / محمد عبد الغفار صيام . |
|||
06-09-2018, 01:13 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: راقِمى الحَرون
نص بديع , رائع و بالغ العمق على أكثر من مستوى وجداني , ديني و فلسفي ...
لغته مميزة غني بمفردات أثرت زادي المعرفي و أشجت ذائقتي الأدبية أبدعتم أستاذي الكريم محمد عبد الغفار صيام سلمتم و سلم نبض حروفكم الراقي تقديري الجم ... دمتم بخير |
|||
06-09-2018, 10:27 AM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: راقِمى الحَرون
نص جميل
أعجبتني اللغة وأعججبني الحوار وأنسنة ملكت زمامها حتي آخر سطر وحكمة قد يضل البعض عنها غبي من لا يعتقد أن لا قيمة للأشياء..هكذا تعلمنا الحياة ودي وتحياتي أستاذنا محمد صيام |
|||
06-09-2018, 04:24 PM | رقم المشاركة : 4 | |||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
لك كل الصلاحية في تثبيت النصوص الأمر ليس منوطا بي بل لجميع كادر الإشراف وتلبية لرغبتك ورؤيتك سأقوم بثبيت النص ولي عودة للنص بإذن الله تعالى كل التقدير
|
|||||
08-09-2018, 12:57 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
أسعدني حضورك المميز أولاً ، لما لا و قد صار ذلك ديدنك ؛ مما يستوجب شكرك و تقديرك ، فما أجود ان تكون دوما بالجوار مِقْيالاً للعثرة ، مُجيباً عند الهيعة . أخجلني رأيك راجيا أن يرقى النص لمحل الظن به. خالص و دى و تقديري . |
||||
08-09-2018, 01:09 PM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
تقديري لذائقتك ، و جودة فهمك ، و نقاء روحك ، و قد أسعدني رأيك ، و غمرني جودك . دمت راقية مهذبة. |
||||
10-09-2018, 07:13 AM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
أشجتني رؤيتك ...بوركت ذائقتك ، و إنه لشرف أن ننال إعجابكم . دام نقاء روحكم . لك كل الود. |
||||
12-09-2018, 02:01 AM | رقم المشاركة : 8 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
الملفت في النص لغته المتينة
وقوة الحوار والمفردات الرائعة نص فيه فلسفة جميلة وبيان قيمة الأشياء رغم صغرها في نظر الناس كل التقدير سيدي
|
||||
14-09-2018, 08:05 AM | رقم المشاركة : 9 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
دام يراعكم نابضا |
||||
14-09-2018, 11:04 AM | رقم المشاركة : 10 | |||
|
رد: راقِمى الحَرون
لي قصيدة تحمل نفس النظرة الفلسفية سميتها يراعي مطلعها يقول
أتيت الى مكتبي في اشتياق لأكتب بعض رؤى الأمنيات أحدث نفسي بأني سأغـني غـريرا ينقب في المكتبات تخيلته كيف عـانى ليلقـى تجارب أنـداده في الصفات يسائل عن حادثـات الزمان صحـائف تحـفظ للحادثات ينقب عن كل معـنى طريف ويسـبر أسراره الطارفات لـعـل لـه من لدني حياة تـرد إلـي إذا قيـل مات و القصيدة طويلة بها نفس هذا الحوارو لكنها تنتهي بخاتمة أقسى من خاتمك التصالحية الجميلة وأعلم كم ساق قـبلي يراع رؤوس عـظام إلى الشانـقات تبسم مما ذكـرت يـراعي وكم غاظني منه ما قـد أبات أيسخـر منـي ومني رؤاه وأقـواله الـسـود والنـيرات فلما تملك غيـظي فـؤادي قذفت يراعي في الـمهـمـلات لعلها ترى النور هنا إن كان في العمر و الصحة و العطاء متسع.. لغة بارعة رصينة و قوية و رؤى فلسفية عميقة الأخذ و روح سردي رائع و آلة روائية الية الكفاءة. شكرا لك |
|||
23-09-2018, 06:53 PM | رقم المشاركة : 11 | |||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
وما أرقى هذا القلم الذي نثر من مداد النور هنا .. وما أجمل اللغة التي تفتحت عناقيدها وتنمق نبضها لا أدري حين قرأت النص الذي أشجتني لغته ترآى لي مبدعنا أنك تميل إلى فن المقامة وتحبذها ربما النص ليس فيه سمة المقامة مكتملة لكنه أعطاني هذا الانطباع كذلك ورغم أن النص قائم على الحوار الجلي وهذا من أسس النصوص السردية ولا شك في حضوره القوي إلا أن روح الخاطرة حلقت بقوة أيضا حوله وأخرجت أجمل ما يحمل مبدع تجاه قلمه مبدعنا الراقي القدير محمد عبد الغفار صيام نص له خصوصية وله ملمح وحده يخطف بريق النور ليهبه لقارئه تحية ترقى لرقي روحك وحرفك وقلمك المتألق مودتي وتقديري عايده |
|||||
28-09-2018, 07:49 PM | رقم المشاركة : 12 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
مرورك شرف لنا ... شوقتنا إلى قريضك ، و في انتظار قصيدك حتى يكتمل المشهد ، و تكتحل العين بالجمال ، فلا يزال الشعر سيد الأجناس الأدبية ، و لا يزال الشعراء أولي وحي و إلهام لا يطاولهم فيه أديب ، و إن اختلف بعض الأحبة معي. دم راقيا . |
||||
28-09-2018, 09:45 PM | رقم المشاركة : 13 | |||
|
رد: راقِمى الحَرون
حوار جميل ومقنع بين مبدع وقلمه كانت نهايته مرضية للطرفين
فلا غنى للمبدع عن قلمه أداته وشريكه في الإبداع دمت برقي فكرك ونبضك كل التقدير أ. محمد وتحياتي |
|||
28-09-2018, 09:45 PM | رقم المشاركة : 14 | ||||
|
رد: راقِمى الحَرون
اقتباس:
أخجلني ثناؤك على النص ، و أكبرت ذائقتك الفذة ، و أفادني ما قرأت لك أيما إفادة ...و أما المقامة بجرسها فقد كان لها في النص حظٌ لم أتكلفه ، و إطلالة لم أسع حثيثاً إليها ، و أما الخاطرة التي سرى بصيصها عبر أجواء النص فمرده لطبيعة المتحاورين ، بطلي القصة أعني الكاتب و راقمه ، و قد استندا في حوارهما إلى الفكر إذ هو مادة عملهما ، و مبتدأ و منتهى ما جبلا له و عليه . أفادني و سرني توجيهك أستاذتنا الفاضلة . دام يراعك بالإفادة نابضا . |
||||
|
|
|