سنون العجز

[نوري الوائلي]

سنون العجز


في مطلعِ العمرِ والآمالُ تحتفلُ = والقلبُ جهلًا عن الآجالِ منشغلُ

رأيتُ شيخًا من الآلام منطويًا = والعجزُ يرهقُه والضرّ والمللُ

نادى بنُيّ ألا تُصغي لمرتحلٍ = عاش الثراء ودهرا ريعه العسلُ

إنّ الحياة قطارٌ سيره عجلٌ = يطوي المحطّات والركّابُ قد غفلوا

فيه المسافرُ توّاقٌ إلى هدفٍ = إن نال منه علاه الحرصُ والأملُ

يبني بقاطرةٍ والموتُ سائله = تبغي المكوثَ وعنها أنت مرتحلُ

موتُ الأحبّة والأصحابِ موعظةٌ = للمدركين نذيرٌ للردى رسلُ

فقلت هذا لكم يا شيخُ لا عجبًا = نحن الشبابُ لنا في العمر مقتبلُ

حقًّا أجاب ودمعُ العين منسكبٌ = إنّ الشباب معي في الركب منتقلُ

أنصتْ إليّ وكن بالنصح معتبرًا = فالنصح ينفع من ضاقت به الحيلُ

إن عشت دهرك فرحانًا ومكتفيًا = فالعمُر يجري وأنت الخاسرُ الثملُ

لا تطمعنّ ولا تعبأ بنائبة = فالرزق يُكفلُ والأعمارُ تكتملُ

إنّ الحياة بتقوى الله مزرعةٌ = فيها الثمارُ وفيها للتقى الظللُ

لن يشفي الروح إن خافت وإن جزعت = إلّا الصلاة وفيها تُحفظُ المُثلُ

إذا اليقينُ يقودُ العبد فازَ علاً = والشركُ لو قاده لانتابه الفشلُ

فقلتُ أنّ حياة السعْد مقبلةٌ = فيها أعيشُ ويومًا سوف أعتدلُ

والموتُ عنّي بعيدٌ والحيا أملٌ = والنفسُ تهوى وجسمي ما به عطلُ

لكن أجاب بأنّ الموت يطلبنا = لا يعرف الشيخَ من طفلٍ إذا يصلُ

اليوم أنت قويٌّ حين تحسبها = لكنّ يومًا بك الأوجاعُ تنفعلُ

الدهرُ يومان يومٌ فيه منفرجٌ = وآخرٌ في قيودِ العسر معتقلُ

لكنّ قلبي شبابٌ قلتُ مبتهجًا = والنفسُ يا شيخُ باللذّات تحتفلُ

مهلا رويدك لا تغترَّ يا ولدي = فالدهرُ تيّه مَنْ بانت له السبلُ

عنه ابْتعدت وقلبي بات يوعدني = سأتبعُ النصح في الآتي فما العجلُ

قابلت دهري بزهو لا حدود له = والعزمُ صُلْبٌ كما لم يعرف الجبلُ

رغم العزيمةِ قد مالت به سفني = والبحرُ طينٌ وما دارت به العَجَلُ

قد غاب عنّي بإنّ العمرَ قاطرةٌ = حتّى صحوت وشيبُ الرأس يشتعلُ

ماذا جنيت من الدنيا وربّك لا = مالٌ يواسي ولا الآلامُ تُحتملُ

كاليوم مرّت سنون العمر خاطفةً = والموتُ آتٍ قريب ما له بدلُ

آه تراني جلست اليوم مجلسه = والحزنُ في القلب جرحٌ ما له مثلُ

كالطفل لكنْ يتيمٌ دون والدةٍ = والوهنُ ذلٌّ مع النسيانِ يكتملُ

للغائطِ النتنِ الإدرارُ مغتسلٌ = والجلدُ فيه قروحٌ قدّها الشللُ

ناديت عونًا ألا من منجدٍ ورعٍ = بالعطف يسمعُ آهاتي وينتشلُ

ناديت ألفًا وحالي موحشٌ عَسِرٌ = ملّ اللسانُ فكلّ الأهل قد رحلوا

بين النوائب والأوجاع أيقظني = طيفٌ لشيخ وقد أعيتني العللُ

من أنت؟ شيخ التقى قد جئت ترشدني = فات الأوانُ لمنْ للنصح قد جهلوا

ياليتني كنت أذنًا ما بها صممٌ = للنصح سامعةٌ والعقلُ يمتثلُ

طوبى لمن عاش في الدنيا بلا طمعٍ = والقلبُ بات الى الرحمن يبتهلُ

لم يبقَ غير دعاءٍ للسماءِ به = أرجو الرحيمَ الرضى رفقًا وأرتحلُ

[حسين الأقرع]

سنون العجز

--------------
نوري الوائلي
--------------
فـــي مـطـلـعِ الـعـمـرِ والآمـــالُ تـحـتفلُ ... والـقـلـبُ جـهـلًا عــن الآجــالِ مـنـشغلُ

شــيــخًـا رأيــــتُ مــــع الآلام مـنـطـويًـا ... والــعــجـزُ يــرهــقُـه والـــضــرّ والــمـلـلُ

نـــــادى بــنُــيّ ألا تــسـمـع لـمـرتـحـلٍ ... عـــاش الــثـراء ودهـــرا ريــعـه الـعـسلُ

إنّ الــحــيـاة قـــطــارٌ ســـيــره عـــجــل ... يـطـوي الـمـحطّات والـركّـابُ قــد غـفـلوا

فــيــه الـمـسـافرُ تـــوّاق إلـــى هـــدفٍ ... إن نـــال مــنـه عـــلاه الـحـرصُ والأمــلُ

يــبــنـي بــقــاطـرةٍ والــمــوتُ ســائـلـه ... تـبـغـي الـمـكـوثَ وعـنـها أنــت مـرتـحلُ

مــــوتُ الأحــبّــة والأصــحــابِ مـوعـظـة ... لـلـمـدركـيـن نـــذيــرٌ لـــلــردى رســــلُ

هــذا الـرسـول لـكـم يــا شـيخ لا عـجبًا ... نـحـن الـشـبابُ لـنـا فــي الـعمر مـقتبلُ

حــقًّـا أجـــاب ودمـــعُ الـعـين مـنـسكب ... إنّ الـشـباب مـعـي فــي الـركب مـنتقلُ

أصـــغ إلـــيّ وكـــن لـلـنـصح مـسـتـمعًا ... فـالـنصح يـنـفع مــن ضـاقـت بــه الـحيلُ

إن عــشــت دهـــرك فـرحـانًـا ومـكـتـفيًا ... فـالـعمُر يـجـري وأنــت الـخـاسرُ الـثـملُ

لا تــطــمــعــنّ ولا تـــعـــبــأ بــنــائــبــة ... فـــالــرزق يُــكـفـلُ والأعــمــارُ تـكـتـمـلُ

إنّ الـــحــيــاة بــتــقــوى الله مـــزرعـــة ... فـيـهـا الـثـمـارُ وفـيـهـا لـلـتـقى الـظـلـلُ

لـن يـشفي الـروح إن خافت وإن جزعت ... إلّا الـــصــلاة وفــيــهـا تُــحـفـظُ الــمُـثـلُ

إذا الـيـقـيـنُ يــقــودُ الــعـبـد فـــازَ عـــلاً ... والــشـركُ لـــو قـــاده لانـتـابـه الـفـشلُ

إنْ كـــنــت تــصــدق فــالأيّــام مـقـبـلـة ... فـيـهـا أعــيـشُ ويــومًـا ســـوف أعـتـدلُ

مــــاذا تــقــول وهـــذا الــمـوتُ يـطـلـبنا ... لا يـعـرف الـشـيخ مــن طـفـلٍ إذا يـصـلُ

دع عــنّـي الــمـوت فـالآمـالُ تـشـغلني ... والـنفسُ تـهوى وجـسمي مـا بـه عـطلُ

الــيــوم أنـــت قـــويٌّ حــيـن تـحـسـبها ... لــكــنّ يــومًــا بــــك الأوجــــاعُ تـنـفـعلُ

الــدهــرُ يــومــان يــــومٌ فــيــه مـنـفـرجٌ ... وآخــــرٌ فــــي قــيـودِ الـعـسـر مـعـتـقلُ

لــكــنّ قــلـبـي شــبــابٌ عــمـره مـــددٌ ... والـنـفـسُ يـــا شــيـخ بــالـذات يـحـتفلُ

مــهـلا فـمـهـلا فـــلا تـغـتـرْ أيـــا ولــدي ... فـالـدهـر تــيّـه مَــنْ بـانـت لــه الـسـبلُ

عــنـه ابْـتـعـدت وقـلـبي بــات يـوعـدني ... سـأتـبعُ الـنـصح فـي الآتـي فـما الـعجلُ

قـابـلـت دهـــري بــزهـو لا حـــدود لـــه ... والـعـزمُ صُـلْـبٌ كـمـا لــم يـعـرف الـجبلُ

رغــم الـعـزيمةِ قــد مـالـت بــه سـفني ... والـبـحـرُ طــيـنٌ ومـــا دارت بـــه الـعَـجَلُ

قـــد غـــاب عــنّـي بــإنّ الـعـمر قـاطـرة ... حـتـى صـحـوت وشـيبُ الـرأس يـشتعلُ

مــــاذا جــنـيـت مـــن الـدنـيـا وربّـــك لا ... مــــــال يـــواســي ولا الآلامُ تُــحـتـمـلُ

كـالـيـوم مـــرّت سـنـون الـعـمر خـاطـفة ... والــمــوتُ آتٍ قــريــب مــــا لــــه بـــدلُ

آه تــرانــي جـلـسـت الــيـوم مـجـلـسه ... والـحـزنُ فــي الـقلب جـرح مـا لـه مـثلُ

كــالـطـفـل لـــكــن يــتـيـم دون والــــدة ... والــوهــنُ ذلٌّ مــــع الـنـسـيانِ يـكـتـملُ

حـاجـات جـسـمي لـهـا الإدرار مـغتسل ... والــجـلـدُ فــيـه قـــروحٌ هـــدّه الـشـلـلُ

نـــاديــت عــونًــا ألا مــــن مــنـجـدٍ ورعٍ ... بـالـعـطـف يــسـمـعُ آهــاتـي ويـنـتـشلُ

نــاديـت ألــفـا وحـالـي مـوحـشٌ عَـسِـرٌ ... مــلّ الـلـسانُ فـكـلّ الأهــل قــد رحـلـوا

بــيــن الــنـوائـب والأوجــــاع أيـقـظـنـي ... طــيـفٌ لـشـيـخ وقـــد أعـيـتـني الـعـللُ

من أنت؟ شيخ التقى قد جئت ترشدني ... فـــات الأوان لــمـن لـلـنصح قــد جـهـلوا

يـالـيـتني كــنـت أذنـــا مـــا بـهـا صـمـم ... لــلـنـصـح ســامـعـة والــعـقـل يـمـتـثـلُ

سـعدا لـمن عـاش فـي الـدنيا بـلا طمع ... والـقـلـبُ بـــات الـــى الـرحـمـن يـبـتهلُ

لـــم يــبـقَ غــيـر دعـــاءٍ لـلـسـماءِ بـــه ... أرجـــو الـرحـيـمَ الـرضـى رفـقًـا وأرتـحـلُ

[صبري الصبري]

لامية جزلة وارفة
بارك اللهم فيكم
تحياتي ومحبتي

[محمد تمار]

ما شاء الله تبارك الله
هذا من أجمل ما قرأت لك يا دكتور
بارك الله لنا في قلمك
القصيدة تهدف لتذكرة النّفوس الغافلة عملا بقوله
تعالى " وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين "
دار الحوار بين شيخ خبر من الدّنيا حلوها ومرّها وشابّ
طريّ العود مزهوّ بالصحّة وعنفوان الشّباب تقمّص دوره شاعرنا..
حوار جميل ألبسه الشّاعر ثوبا من الحكم والعبر التي تطمئنّ بها القلوب ..
ولعلّ المشكلة في هكذا نصوص نثريّة كانت أو شعريّة تكمن في التحكّم بإدارة الحوار بحيث يكون الانتقال من طرف إلى آخر سلسا بيّنا لا يكتنفه الغموض وهي في الشّعر أعقد .
وبالتمعّن في هذا القصيد بدا لي أنّ الشّاعر لم يوفّق في إبراز ردود الشّاب على الشّيخ بالسّلاسة والوضوح المطلوبين ..

شيخًا رأيتُ مع الآلام منطويًا = والعجزُ يرهقُه والضرّ والمللُ
قرأت البيت
رأيتُ شيخًا مع الآلام منطويًا = العجزُ يرهقُه والضرّ والمللُ

نادى بنُيّ ألا تسمع لمرتحلٍ = عاش الثراء ودهرا ريعه العسلُ
تسمعُ مرفوع الآخر ولتجنّب تسكينه لضرورة الوزن أقترح عليك /
ألا تُصغي

هذا الرسول لكم يا شيخ لا عجبًا = نحن الشبابُ لنا في العمر مقتبلُ
هنا جاء ردّ الشّابّ على لسان الشّاعر ولتحقيق الوضوح الذي أشرت إليه سابقا أقترح أن تستهلّ البيت ب " فقلت ...ثمّ تجري التّعديل المناسب "..

أصغ إليّ وكن للنصح مستمعًا = فالنصح ينفع من ضاقت به الحيلُ
لتجنّب الطيّ مستعلن في مستهلّ البيت أقترح الصّدر كالتّالي/
أنصت إليّ وكن بالنّصح معتبرًا


إنْ كنت تصدق فالأيّام مقبلة = فيها أعيشُ ويومًا سوف أعتدلُ
حبّذا لو وجدت بديلا أجمل ل " إن كنت تصدق.."


لكنّ قلبي شبابٌ عمره مددٌ = والنفسُ يا شيخ بالذات يحتفلُ
باللذّات تحتفل..

مهلا فمهلا فلا تغترْ أيا ولدي = فالدهر تيّه مَنْ بانت له السبلُ
أقترح عليك/
مهلا رويدك لا تغترَّ يا ولدي

حاجات جسمي لها الإدرار مغتسل = والجلدُ فيه قروحٌ هدّه الشللُ
صدر البيت يكتنفه الغموض ولعلّ سبب ذلك كلمة " الإدرار "..

سعدا لمن عاش في الدنيا بلا طمع = والقلبُ بات الى الرحمن يبتهلُ
لو قلت " طوبى لمن عاش..." أفضل برأيي

بالتّوفيق دكتورنا الغالي
خالص المودّة

[نوري الوائلي]

الاستاذ الجليل والاديب الكبير محمد تمار الفاضل

ما اسعدني والله بمرورك الكريم وملاحظاتك المثرية والقيمة

وبأنّ السطور نالت استحسانك

ان شاء الله تعالى سوف أخذ بكلّ ما اشرتم إليه

عسى الله أن يتقبلها منكم ومني ويجعل فيها الفائدة

مع خالص اعتزازي ومودتي ودعائي

[أحلام المصري]

قصيدة لا تكتفي بقراءة واحدة
عظيمة اللغة، عميقة المعاني

شكرا لك شاعرنا القدير

كل الاحترام

[محمد ذيب سليمان]

ما شاء الله
قصيدة من العيار الجميل بما جملت حين تدثرت ثوب الحكمة وزينتها التجربة الحياتية
نص مبهر اغبطك عليه شاعرنا الاحمل
كل الود

[عبدالعزيز ابراهيم الحموية]

لامية امتلأت حكمة

وحوار يحكي رسالة للمجتمع الغارق والبعيد عن التفكر

قصيدة رائعة واسترسال لإظهار الهدف.

دمت شاعرنا بخير