قراءة تحليلية لقصة " قفص" للمبدع حسن برطال - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: جرد _قصيدة قصيرة_ (آخر رد :ناظم العربي)       :: بأعلامنا التحفي (آخر رد :ناظم العربي)       :: منكم العنوان (آخر رد :ناظم العربي)       :: وجبة (آخر رد :ناظم العربي)       :: هل تحب الليل؟ (آخر رد :ناظم العربي)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: العاصفة ..!! عبير هلال (آخر رد :عبير هلال)       :: الأصمّ/ إيمان سالم (آخر رد :عبير هلال)       :: أين الحب !!!؟؟؟ (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، قصـــة... // أحلام المصري ،، (آخر رد :هشام نعمار)       :: يا غزة (بالعامية المصرية) (آخر رد :هشام نعمار)       :: معايدة للجميع وغزة في الطليعة (آخر رد :هشام نعمار)       :: إبليس ينشط :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :صبري الصبري)       :: ،، رسالةٌ إلى البحر.. // أحلام المصري ،، (آخر رد :دوريس سمعان)       :: تراتيل عاشـقة .. على رصيف الهذيان (آخر رد :دوريس سمعان)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2020, 07:12 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الفرحان بوعزة
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو








آخر مواضيعي

الفرحان بوعزة غير متواجد حالياً


افتراضي قراءة تحليلية لقصة " قفص" للمبدع حسن برطال

36 ــــ قفص /حسن برطال/المغرب
قراءة تحليلية لقصة " قفص" للمبدع حسن برطال
تحت عنوان: تحرير البعد الإبداعي والفني وإمكانية إنتاجه من خلال التلقي
القصة : قفص
تأسفتُ لها كثيرا بسبب مسكنها الضيق في قلبي..
قالتْ لا تحزن إنها إقامة مؤقتة لا أقل ولا أكثر../
1 ـــ دلالة العنوان
ما معنى كلمة "قفص" لغويا؟
القفص هو مَحْبِس الطَّيْر أو الحيوان، ويكون أعوادًا من جريد أو أسلاكًا معدنيّة متشابكة. وقد تتوسع دلالة "القفص" فتعادل المكان الضيق، الشبيه بالسجن الانفرادي، الذي قد يحرم الإنسان والحيوان والطير من حريته. رغم تلك الفجوات التي تتركها أعواد أو أسلاك القفص، لكي يطلع المسجون على ما يوجد وراء أعواد القفص. ويبقى القفص في دلالته الأصلية هو تجريد الكائن الحي من حريته بكل أشكالها. وقد أخذت كلمة القفص في "العربية المعاصرة" نوعا من الانزياح في المعنى، كالقفص الذَّهَبيّ الذي يعني: بيت الزَّوجيّة، كما يعني القفص، قَفَص الاتِّهام، وهو مكان يقفُ فيه المتّهم أمام هيئة القضاء.
فعنوان القصة جاء مفردا ونكرة، مجردا من "أل" التعريف، فشكل العنوان "قفص" نصا مستقلا بنفسه، لكنه جاء موازيا لمضمون القصة، فأي قفص يعنيه الكاتب؟ فهل يعني به قفص الحياة الزوجية؟ أو قفص الاتهام؟ فهل يعني التجرد من الحرية؟ فهل ندم على زواجه؟
2 ــــ تفكيك الخطاب
أ ـــ تأسفتُ لها كثيرا بسبب مسكنها الضيق في قلبي../
جملة سردية تؤسس لبداية الحدث، فخبر التأسف لم يكن مرة واحدة، بل كان مكررا عبر الأيام. فكلمة "كثيرا" تدل على التكرار والإلحاح، وإعادة التأسف بصيغ مختلفة، وحركات تتناسب مع القول. فجملة " تأسفتُ لها كثيرا". تدل على أن الحدث جرى في الزمن الماضي، دون تحديد الزمان والمكان. فهل أخطأ البطل في أمر ما؟ لمن يتأسف؟ فعندما يخطئ الإنسان في أمر ما ويريد أن يعتذر، فلا يتجرأ على قول كلمة "آسف" دون أن تنتابه حالات كثيرة منها: التردد، والحيرة في كيفية تقديم اعتذاره وندمه. وكلمة "التأسف " تختزل حالات تجري في الشعور والإحساس بالذنب والخطأ في حق الآخر، أسف يتوخى الإنسان منه طلب المسامحة. فهل كان أسف البطل من أجل التواصل من جديد؟ فهل توسل بالأسف لكشف عن حقيقة شعور ما؟ هل كان البطل جريئا وشجاعا لإبداء أسفه؟ فهل يتأسف على الحالة التي أصبح عليها؟ أم يعتذر ويطلب الصفح عنه؟ هل كان قادرا على مواجهة العواقب؟. فالبطل مر بعدة مراحل قبل إخبارها بأسفه، منها: القلق /والحزن / والتوتر/ والتألم المستمر/ والتحسر/ والتوجع/ والتردد، والشكوى/...حالة متأزمة عاشها البطل قبل الإخبار.
فجملة /تأسفت لها كثيرا/
قد تبدو بسيطة في التركيب، ومتداولة كثيرا، لكنها ترسم مشهدا قابلا للتشخيص، يمكن للقارئ أن يتخيله كمقطع أو لقطة منتزعة من فيلم أو مسرحية قصيرة. مشهد ممتلئ بالحركة تهز الفكر وترج القلب، تعبر عن الانفعال الصامت، والتحدث مع النفس أحيانا، والانطلاق من نقطة معينة، والعودة إليها ماشيا وراجعا، والتردد يحاصر قرار الإخبار بما يروج في فكره وقلبه ونفسه. فقرار التأسف لم يأت صدفة، وإنما جاء بعد ما تولد مند زمن في ذهنه، وعاش مدة مع البطل في نومه ويقظته كالكابوس المخيف، كأنه يهيئ نفسه للبوح والتعبير، وتفريغ القلب من ثقل الاعتذار المرتقب، بعدما ساء التواصل بينهما. وتعكر صفاء العيش معا في المكان الواحد.
لم يترك الكاتب القارئ في حيرة، بعدما استعمل كلمة "بسبب" ليبرر موقف البطل، لكنه وضعه في جدلية التأويل الممكن للسبب الذي أخبر به السارد. هل هو سبب مقنع؟ هل هو منطقي، يتماشى مع الواقع؟ هل هذا السبب يدخل في الصراحة؟ أم هو اختبار للبطلة ليعرف حقيقة قلبها نحوه؟... دوافع كثيرة مسكوت عنها في الخبر، فالقصة القصيرة جدا لا تحتمل التفسيرات والشروح التي تضيع على القارئ متعة القراءة، وتحفيزه على متابعة القراءة حتى الوصول إلى الجملة السردية الأخيرة.
تقول الكاتبة ليندا كامل:" والقارئ, بوصفه متلقياً للنص، يسعى جاهداً عبر إجراءات نقدية معينة إلى الكشف عن الأنساق المضمرة تحت البنية الظاهرة للنص وبهذا الفعل القرائي المؤوِّل المصحوب بالوعي النقدي يخرج النص من حدوده الضيقة، ويحرره إلى فضاء أرحب يعيد فيه تشكيله من جديد, لذا يوصف القارئ بأنه منتج ثان للنص غير ملزم باتباع سبل إنتاج المبدع فالذات القارئة تسهم في إخراج النص وإنتاجه حسب تجلياته اللغوية فهي تعمل على فك شيفراته وملء الفجوات فيه. (1)
ب ـــ بسبب مسكنها الضيق في قلبي../
إن التحقق من معنى الكلمة المستعملة هو الذي يحدد توجه المبدع في اختيار كلمة دون غيرها. وكيفية استعمالها في معنى غير حقيقي؟ ولماذا يستبدل المبدع كلمة بأخرى؟ إشكالية قد تجر القارئ للتساؤل: لماذا استعمل الكاتب حسن برطال كلمة "المسكن" بدل البيت؟ فقد جاء في معجم اللغة العربية: "فالمسكن يقسم داخليا إلى حجرات وممرات يحتوي على وسائل راحة ورفاهية وأثاث و طعام و شراب، والسكن: أو المسكن لا يسمى بذلك إلا إذا كانت فيه زوجة، فكل بيت مسكن، ولكن ليس كل مسكن بيت، بينما البيت هو عبارة عن مساحة واحدة مخصصة للعيش، ولا يشترط فيه أن يكون من يبيت في المكان مرتبط بالآخرين. فللنحل وللعناكب بيوت، وللنمل مساكن. والشواهد القرآنية كثيرة دالة على ذلك.
فالمسكن الذي يقصده الكاتب هو مسكن القلب الذي تستقر فيه المشاعر والأحاسيس والعواطف، ومن ضمنها الصدق والوفاء والحب، والعشرة الدائمة....فهل الحب يسكن القلب أم العقل؟ وهل الإنسان الذي تحبه وتحترمه يسكن القلب؟ فالقلب يتسع كلما رأيت أحدا، أو تذكرت حبيبا تحبه، آنذاك يحس الإنسان بالاطمئنان والراحة والسرور. وكلما رأيت شخصا لا تحبه يضيق القلب وتتقلص قيمته في القلب. فينزوي في مكان ضيق من القلب كمكان مهمش ومهمل. وتلك أمارة على موته وفنائه من العقل والقلب والتفكير فيه. فمن تكون التي أصبحت تسكن في مسكن ضيق من قلب البطل؟ سؤال يدفع بالقارئ ليتساءل من جديد: من هي؟ زوجته؟ عشيقته؟ خطيبته؟ أو أحد من أقربائه؟ يبقى السؤال معلقا حتى ندخل عالم النص.
فالمسكن في القلب يجسد حياة متكاملة الجوانب، لكن قلب البطل أصبح يتقلص عبر الأيام، لم يعد يراها، أو يتواصل معها... بعدما انهارت جدران الحب التي كانت تحميه من التدمير. فالبطل كان يعتقد أنه الفائز والمنتصر في القضية لما عبر عن موقفه، كتعبير وبوح ضمنه الأسف الذي لا يقترب من الاعتذار وطلب التسامح، وإنما من أجل توصيل الرسالة إلى البطلة. شخصية متحولة بعدما انتقل البطل من شخصية قوية وجريئة، إلى شخصية منهزمة لما سمع الرد القاسي والصادم في نفس الوقت..
ج ـــ قالتْ: لا تحزن إنها إقامة مؤقتة لا أقل و لا أكثر/
فالكاتب أسند القول للبطلة، بعدما انتهى من سرد الخبر. فكانت الصدمة قوية، لم يكن ينتظرها عندما قالت: لا تحزن/ كأنها كانت تحس بما يدور في خلده، فلم يكن الخبر مفاجئا لها، بل قابلته ببرودة. فجملة "لا تحزن /" قد تتضمن العطف والابتسامة الساخرة في نفس الوقت. فإذا كان البطل يعتقد أن لها مسكنا ضيقا في قلبه، فإنها بدورها تعتبر أنه كان يسكن في مكان ضيق من قلبها. فضيق المسكن يشمل قلب كل منهما
/ قالت:لا تحزن/ جملة خالية من قبول الاعتذار، فهي تحمل في طياتها نوعا من التهكم الخاطف، تتداخل مع إحساس مشترك بينهما، وهو الإقامة المؤقتة. فالإقامة تعني الثبات والاستقرار، ولكن لما ارتبطت الكلمة بتوقيت معين/ الإقامة المؤقتة/ أصبحت الكلمة "الإقامة" مستعملة في معنى مجازي، تتجاوب مع طريقة صياغة المعنى الجديد"الإقامة في القلب" بدل المعنى القديم/ "الإقامة في االمسكن/المنزل/ الوطن كأماكن ندركها..../
فالإقامة المؤقتة سوف تأخذ زمنا معينا يتميز بالقصر، مما يعطي لذة للقارئ بالعمل على حل رمزية "الإقامة المؤقتة".
وقد يظن القارئ أن نهاية القصة قد تتوقف عند الجملة السردية التالية/ قالتْ: لا تحزن إنها إقامة مؤقتة/ دون إضافة جملة /لا أقل ولا أكثر/. يقول الشاعر محمود درويش في قصيدة شعرية تحت عنوان: "لا أقل ولا أكثر"(أَنا اُمرأةٌ. لا أَقلَّ ولا أَكثرَ/ أَعيشُ حياتي كما هِيَ/ خَيْطاً فَخَيْطاً....)
فجملة /لا أقل أو أكثر/ لها معنى يوجد ضمن السياق، ولها أبعاد وامتدادات، فلا نستطيع أن نتخلص من المعنى المراد توصيله للقارئ من خلال،/لا أقل أو أكثر/. أي بلا زيادة في الكلام، فهما متعادلان في السلوك، والإحساس والشعور.فكل واحد سوف يعيش حياته كما يشاء.
فلا نجد مهزوما ولا منتصرا، فالصراع الداخلي الصامت انجلى وتوضح بينهما، فلا جدوى من ملء القلب بالحب الذابل، فراغ قلبه منها يقابله فراغ قلبها منه.. كأن زواجا سريعا جمع بينهما في زمن مضى، ومكان معين. فلما أصبح المسكن ضيقا في القلب لكل منهما، تساقطت الأعواد وتوسعت القضبان، فأصبح كل واحد ينعم بحريته، ويبحث عن إقامة دائمة في مكان آمن.

الشخصية في قصة "قفص"
لا يوجد فن قصصي قصير جدا من دون شخصية. لكن لا مجال للتفريق بين الشخصية وبين الحدث، لأن الحدث هو الشخصية التي تقوم بصنع الحدث وتطويره..
يقول وليد أبو بكر" ويعمد كاتب القصة القصيرة جدا إلى "رسم صور شخصياته وهي تفعل، لا أن يخبرنا عن أفعالها." (2)
والملاحظ، أن الكاتب حسن برطال لم يقدم ملامح شخصية القصة، وأوصاف خاصة بها، فالقصة القصيرة جدا لا تقبل إهدار الكلمات، بل تسعى دوما للوصول إلى هدفها بأقل سرعة ممكنة. ويمكننا تصور شخصية قصة "قفص" من خلال الفعل الذي قام به البطل: السلوك والمزاج، والموقف والعلاقة الاجتماعية والإنسانية، ومن تم يمكن للقارئ أن يتخيل ملامحها من بين شخصيات عديدة تعيش في المجتمع.
يقول الناقد محمد داني" والقصة القصيرة جدا تعتمد على الشخصية في نسيجها القصصي، لكن تتجاوز وصفها وتحديدها، حيث أن القارئ/المتلقي هو الذي من خلال الحدث ومجرياته يقوم بتحديد الشخصية وتمثلها، ووضع حدودها ومواصفاتها.. وهذا يعتبر مشاركة من طرف المتلقي في بناء الشخصية ورسمها"(...) ويضيف قائلا في نفس الصفحة: "والشخصية في كتابات ميمون حرش، وحسن برطال، وعبد الرحيم التدلاوي دون ملامح، أو أوصاف محددة. لكن المتلقي يتمثل ملامحها، وأوصافها من خلال سلوكاتها وأفعالها التي يقدمها الحدث"(3)
أعتقد أن تأسف البطل جاء متأخرا، كان عليه أن يطلعها على مكانتها في قلبه قبل أن تتوتر العلاقة، ويهز رأيها إن كانت تقبل هذا المسكن الضيق أو ترفضه، فلو كان يحبها حقا لجعل لها مساحة في قلبه تليق بها، ولأعد لها إقامة واسعة ودائمة.
بطل فصل جغرافية قلبه على مساكن كلها ضيقة، تساير ذوقه ونمطه في الحياة، فهو لا يحب أن يسكن حبها في قلبه مدة طويلة، مسكن يوسعه متى شاء، ويجعله ضيقا حسب مزاجه. فما هي الأسباب والدواعي؟ هل فقد فيها الثقة؟ هل ضعف حبها له؟ هل لم تعد الحياة بينهما طبيعية؟ هل تغيرت في سلوكها؟ هل شبع منها؟ هل لم تعد تلبي حاجياته النفسية والعاطفية؟ ألم يكن هو المقصر في حقها؟ هل أصبحت لا تملأ عينيه نظرا لبرودة عاطفتها نحوه، وانعدام التواصل، والإحساس بالتنافر والتباعد في الفكر والشعور؟ فجوات سكت عنها الكاتب، ليحفز القارئ على التصور والتخيل لقضية نفسية واجتماعية وإنسانية، تتعلق بالحالة الزوجية وما يعتريها من فتور وبرودة في العواطف. حالة تتكرر في الواقع المعيش بطرق شتى. وقد تتميز بصراع خفي نتيجة أحداث غائبة وسابقة قبل أن تتفجر حالة الوسع والضيق بين قلب الرجل والمرأة.. فتلك الأسئلة تبقى تخمينات وتوقعات من حق القارئ أن يطرحها، لفتح جدال بينه وبين المبدع، سواء اتفق مع المبدع أو عارضه في ذلك. بالإضافة نجد السرد الوجيز لا يحتمل الزوائد اللغوية، وكثرة الشروح والتفاسير.
بناء وتركيب
فالبطل لما شبع منها، وقضى وطره منها، جاء يتأسف لها، ويتحجج بضيق مكانها في القلب. ألم يكن مساهما في تضييق العيش عليها حتى يجبرها على المغادرة،ويطوي بساط إقامتها؟ على ماذا يتأسف ويعتذر لها؟ هل كان صريحا معها؟ هل تعمد اختبار مقدار حبها له؟ هل جاء التأسف كاعتراف واعتذار نتيجة لسوء الحالة الزوجية؟ ماذا يطلب منها؟ الابتعاد، المغادرة، طرح المشكلة على المحكمة، هل ينوي أن يتزوج من جديد؟...فما دامت البطلة أعلنت عن العلاقة التي تربطها بالبطل هي إقامة مؤقتة، فإن القارئ قد يدخله الشك ويتساءل من جديد، أهي زوجته أم عشيقته؟ أم امرأة عابرة في حياته؟ وانطلاقا من التخمين الأخير لا يمكن أن نجزم بأن قلب البطل يتنقل بين محطات موسمية لكل العابرات، وما الضيق الذي أشر عليه السارد في النص إلا رمز للحيز الزمني الذي تأخذه كل امرأة في الحياة الزوجية، فأصبح مسكن قلبه يتميز بالتضاد من حيث التوسع والضيق، وبين تأجج الحب في السابق، وفتوره لاحقا مع امتداد زمن الزواج.
بطلة فطنت لنوعية هذا البطل الذي تحول وتغير، فبدا لها لا يستقر على حال، فهو يعيش اللحظة، دون أن يفكر في تمديد العيش سويا إلى آخر العمر. والواقع هو الذي يتهيأ للإقامة المؤقتة في قلبها، فلم يستطع البقاء في قفص أصبح ضيق المساحة، مساحة المكان، مساحة الحب، مساحة السعادة. فهي نفسها لا تطيق السكن الدائم في قلب رجل خبرته جيدا. فأحست أنها تعيش في قفص بديل غير مصان بأعواد منيعة. لذلك قابلت أسفه بسخرية فيها نوع من التهكم والسخرية الفنية / قالتْ: لا تحزن إنها إقامة مؤقتة لا أقل و لا أكثر../
فقد يبدو للقارئ أن تلك المجابهة بين البطل والبطلة قد أخمدت الصراع القائم بينهما، بعدما عبر كل واحد عن عاطفته وشعوره، ولم يعد أي شيء يجمع بينهما. ومن هذا المنطلق يتخيل القارئ أن الصراع بين البطلة والبطل قد انتهى، وأن كل واحد سوف يختار حياته كما يريدها. والسبيل إلى ذلك الفراق والابتعاد. فهل تعتبر قصة "قفص" من النصوص المغلقة، أم تدخل ضمن النصوص المفتوحة؟ فهل القصة تحتمل تفسيرات عدة للقراء كنص مفتوح؟ أم أن القصة توجه القارئ إلى تفسير واحد؟
فقضية انفتاح النص وانغلاقه متوقفة على القارئ، يقول الدكتور محمد عبد المطلب:" فمعنى هذا، أن انفتاح النص وانغلاقه يكون رهناً بالمتلقي وقدراته الموازية لتقنيات النص ليتمكن من استخلاص الناتج على مستوى الشكل، وعلى مستوى المضمون، تصريحاً أو تأويلاً."(4)
فقصة "قفص" اعتمدت أساسا على التلميح والإيحاء والترميز، مؤشرات تنم أن شيئا غير طبيعي يوجد بين البطل والبطلة، وسوف تتعقد الأمور بينهما مستقبلا. فالكاتب سكت عن العلاقة التي تربط البطل بالبطلة، وإنما رمز لها ب"قفص" بناء على الدلالة الجديدة المتداولة في العربية المعاصرة" القفص الذهبي" أي الزواج. والدخول في حياة محصنة بالتزامات أسرية تحد من تحرك البطل بحرية. فنهاية القصة سوف تبقى مفتوحة على عدة تأويلات محتملة. وكلما تناوب القراء على قراءة القصة، كلما انفتح النص أكثر. فلكل قارئ قراءته، ورؤيته الخاصة وتحليلاته وتأويلاته التي لا تخالف المنطق.
وختاما
فقصة "قفص" تجبر القارئ على اكتشاف المعاني الغائبة تحت المفردات، كمعاني منزاحة عن معانيها الأصلية./الضيق في القلب/ الإقامة المؤقتة/ لا أقل ولا أكثر/. فتعدد المعنى في هذه الجمل يحيل النص إلى قراءة مفتوحة لا تكاد أن تتوقف. فتعداد القراءات المتنوعة والمختلفة تفتح النص، فانغلاق النص يرتبط بغياب المتلقي. فالقارئ "الفائق" كما سماه أحد النقاد هو الذي يفتح النص عن طريق أسئلة منطقية تتماشى مع توجه النص ومضمونه. فهل نجد رد البطلة مقنعا؟ فهل يعتبر ردها مداراة ومداهنة؟ فهل كانت حازمة في ردها؟ فهل بنى قراره على تخطيط لم يكشف عنه؟ فهل سيبحث عن البديل، أم تستمر الوضعية مرتبكة ومضطربة إلى حين رحيل أحدهما؟ هل يتزوج البطل من جديد؟ هل يتجدد الصراع في المستقبل؟ هل تطفو على الحالة سلوكات غير لائقة /الحقد/ الكراهية / الغيرة/ الانتقام/ الإهانة/ التلاسن/ استعمال العنف / التخويف/... سلوكات قد يشترك فيها كل من البطلين قبل انتهاء زمن الإقامة المؤقتة.

.......................................
1 ـــ ليندا كامل/ بين المبدع والمتلقي//الثورة يومية سياسية/تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر/مقال منشور بتاريخ 30/ 11/2018
2 ـــــــ وليد أبو بكر/ القصة القصيرة جداً من التبعيّة نحو الاستقلال//مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين.
3 ــــ محمد داني/حفريات في القصة القصيرة جدا/حسن برطال ـــ عبد الرحيم التدلاوي ـــ ميمون حرش أنموذجا/ ص:130 / الطبعة الأولى 2017
4 ــــ النص المفتوح والنص المغلق ـــ د.محمد عبد المطلب- مصر/منديات ستاير تايمز/ أرشيف: أدباء وشعراء ومطبوعات






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-11-2020, 10:37 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أحلام المصري
الإدارة العليا
شجرة الدرّ
العنقـــاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
عضوة تجمع أدباء الرسالة
تحمل صولجان الومضة الحكائية 2013
تحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية أحلام المصري

افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قفص" للمبدع حسن برطال

مرحبا بالإبداع الجميل متمثلا في مشرط التشريح اللغوي البلاغي المتميز بين أنامل جراح النصوص القدير
أ/ الفرحان بوعزة

شكرا لك على هذه الوجبة الدسمة
و الشكر موصول للمبدع القاص أ/ حسن برطال

كل الاحترام






،، أنـــ الأحلام ـــــا ،،

  رد مع اقتباس
/
قديم 11-11-2020, 03:59 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمد دراري
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد دراري غير متواجد حالياً


افتراضي رد: قراءة تحليلية لقصة " قفص" للمبدع حسن برطال

بوركتم وانتم ترفدون المعرفة
تحاياي






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:31 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط