زاوية : صباحكم أجمل/ بقلم زياد الجيوسي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: رفيف (آخر رد :صبري الصبري)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ عناقيد من بوح الروح ⊰

⊱ عناقيد من بوح الروح ⊰ للنصوص التعاقبية المتسلسلة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-09-2007, 06:59 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي زاوية : صباحكم أجمل/ بقلم زياد الجيوسي

صباحكم أجمل \ رمضان ووحدة وذكرى عمّانية


رمضان كريم.. منذ صلاة الفجر وبعد قراءة القرآن الكريم، أقف لنافذتي أنتظر كالعادة شروق الشمس، لكن هذه المرة بدون كوب الشاي أو فنجان القهوة، هدوء المدينة يأسرني، لا يقطع الصمت إلا هديل الحمائم الجميل، وصوت زقزقة العصافير الموسيقي، أتنشق رائحة الريحان مختلطة بعبق النعناع، أرنو للشرق حيث الأسرة والأبناء، رمضان العاشر بتعداد السنوات الذي أصومه وحدي بعيداً عن جو الأسرة، وبعيداً عن الفرحة بقدوم رمضان وطقوسه والصفاء الروحي فيه، إلا أنه يعيد لروحي دوماً الشعور بالوحدة والاغتراب، فلعل من جماليات رمضان هو الجو الأسري الجميل، وتجمع الأسرة بانتظار الإفطار، وها هي السنوات تمر وأنا أحيا بعيداً وحدي، الابنة تزوجت وأصبح لها بيتها، والابن الكبير ذهب ليعمل ويشق طريقه، ولم يتبقى في البيت إلا الزوجة الصابرة والابنين الأصغر بالسن، فأشعر بشعورهم وهم يفتقدون الجو الأسري الشامل، كما أشعر كم هم يشعرون بألمي في البعد عنهم.
تعيدني الذاكرة إلى فترات زمنية قديمة في طفولتي، كنا نسكن عمّان عاصمة الأردن التي تسكن مني الروح والقلب، حيث كان لرمضان طعم آخر جميل، كنا أطفالاً لم ندخل المدرسة بعد، ننتظر رمضان بشوق ومحبة، فرمضان كان بالنسبة لنا حالة خاصة وتغيير كبير في حياتنا، فمائدة الإفطار كانت متنوعة تعوض لنا ما نفتقده طوال العام، فالحياة كانت صعبة والظروف المعيشية أصعب، فلم نكن نحظى بهذا التنوع في الأطعمة وتذوق الحلويات إلا في رمضان، رغم اقتصار الحلوى على قطايف رمضان والشعيرية بالسكر، إلا أن ذلك كان شيء عظيماً ورائعاً، إضافة لتكرار الفرصة لتناول اللحوم والدواجن، فنخرج من إطار الأطعمة المتكررة طوال العام، لا تقطع برنامجها إلا الأعياد ورمضان، لذا كان لرمضان محبة خاصة في أرواحنا الغضة.
لم أكن أبلغ سن الصيام بعد، ولكنا كنا نصر على الصوم تقليداً للكبار، لذا ابتكر لنا الأهل صياماً خاصاً بنا، كانوا يسمونه صيام "العصفورة"، فنصوم حتى الظهر أو العصر، ثم نتناول شيئاً خفيفاً حتى يتاح لنا أن نأكل مع الكبار في موعد الإفطار، وكنا نلح دوماً على الأهل أن ينهضونا من النوم في موعد السحور، وعادة كان الأهل يتناسون ذلك رحمة بطفولتنا، لكن الحس الطفولي وجلبة إعداد السحور كانت تنهضنا من النوم، فيتاح للواحد منا أن يأكل نصف بيضة مسلوقة، وهذا كان بالنسبة لنا إنجاز كبير، فالحصول على نصف بيضة أو بيضة كاملة في بعض الحالات، يعطينا فرحة كبيرة ونشوة عظيمة، فكنا نتباهى في الحارة مع أقران الطفولة بهذا المكسب الكبير.
الأجمل هو التجمع بوقت الإفطار، فكانت الأسرة تتجمع حول المائدة، مضافاً لها الأقارب القريبون في الحي، وأحيانا الجيران الذين يتشاركون كل بما يحضره معه بمائدة الإفطار، فيزيد هذا من فرحتنا الطفولية، وما أن ننتهي من الإفطار إلا ونخرج للحارة نلعب ونلهو إلى ما بعد صلاة العشاء، نجول ونلهو ونلعب في الأزقة والدروب المظلمة، فلم نكن نعرف الكهرباء بفترتها في البيوت ولا في الشوارع، وكانت "لمبة الجاز" هي أداة الإضاءة الوحيدة، إضافة للفوانيس الجميلة التي ما زلت أحتفظ بأحدها وأعلقه على جدار صومعتي، أما من كانت ظروفهم المادية أفضل فكانوا يشعلون "لوكس الشنبر"، الذي كان يعطي إضاءة كبيرة جميلة، ورائحة متعبة أقل، لذا كان تواجدنا في البيوت من مغيب الشمس مسألة لا بد منها، إلا في رمضان فكان يسمح لنا باللعب واللهو حتى انتهاء صلاة التراويح.
كان انتظار رمضان متعة كبيرة، وليلة الإعلان عنه نخرج للشوارع ونغني وننشد فرحين بقدومه، نتجمع كل أطفال الحارة بفرحنا الطفولي، ولم يكن أحد منا يقر أنه غير صائم، وكلنا كنا نصر أننا صائمون رغم صغرنا بالسن، فقد كنا نشعر بالعيب أن نكون مفطرين، رغم صيام "العصفورة" الذي كنا نعتبره كافياً لاعلان الصيام كالكبار، ولو أخطأ أحد الأطفال وتناول شيئاً أمامنا، فكنا نزفه ونحن نلتف حوله وننشد له هازئين: "يا مفطر رمضان يا قليل دينك، كلبتنا السمرا تقطع مصارينك".
هي الذاكرة تستعيد نفسها والذكريات، وأنا أجول بعض من شوارع رام الله في هذا الهدوء الجميل والصباح المبكر، فلا باعة يحتلون الزوايا ولا مطاعم تفتح أبوابها، أمر من رام الله التحتا فأتذكر شاباً لم يكمل السادسة عشرة من عمره، أطلقت عليه قوات الاحتلال النار في فجر الرابع من رمضان، فسقط شهيداً وهو يقاوم الاقتحام بالحجارة، وشهداء آخرين في مناطق مختلفة من الوطن، وكأن الاحتلال يجدد في رمضان متعته الكبيرة بالقتل والاجتياح والأسر وهدم المنازل، والتشديد على الحواجز لإزعاج الصائمين وتأخيرهم عن بيوتهم وموعد الإفطار، ومنع المصلين من الوصول للقدس الشريف للصلاة، وزرع الحزن في النفوس الفرحة بالشهر الفضيل، ونحن لا نسمع سوى قرقعة ولا نرى طحنا، عن تقدم وتسهيلات ناتجة عن المفاوضات واللقاءات السياسية بين قيادة السُلطة وسُلطات الاحتلال.
رمضان آخر وذكريات وذكريات، اليومين الأولين أفطرت في بيت أخي مستعيضاً عن الوحدة بلقاؤهم، وفي اليوم الثالث كنت قد تمكنت من الوصول لبير زيت في ضواحي رام الله بعد سنوات من الحصار، فأفطرت في بيت صديقي الطيب عيسى خريس، وتلاه إفطار جميل في بيت صاحب "دوثان" صديقي الشاعر الجميل عبد السلام العطاري، لأقضي الوقت بمشاكسة أطفاله الذين تركوا أثار أظافرهم على جلدي، متمتعاً بعصبيته حين ألقى طفله نور فنجان القهوة على وجهه وملابسه، لأعود وأحضر الفطور بنفسي في صومعتي، احتفاءً بعودة صديقي التوأم هاني من سفره الذي طال، لنستعيد ككل رمضان منذ سنوات، الإفطار سوياً ومع من يأتي ليشاركنا الإفطار من أصدقاء الصومعة.
صباح آخر وشوق كبير يجتاحني، يقابله ألم أكبر عما آلت إليه الأمور في وطني بعد صراع دموي مخجل، وبعد استيلاء غير مقبول على قطاع غزة، فمهما كانت المبررات فلا شيء يغفر لأحد إسالة الدماء لأبناء شعبي، من أجل مصالح فئوية وحزبية ضيقة وذاتية، وأستعيد ذكريات مؤلمة من تاريخنا فمنذ أيام مرت ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، وذكريات صراع دموي في أيلول عام 1970، فأتمزق بين الذكرى والشوق والألم والحنين..
فتردني إلى واقعي نسمات صباح رام الله وذكريات عمّان وذكرى طيفي البعيد القريب وشدو فيروز:
"عمان في القلب أنت الجمر والجاه ببالي عودي مري مثلما الآه، لو تعرفين وهل إلاك عارفة هموم قلبي بمن بروا وما باهوا، من السيوف أنا أهوى بنفسجة خفيفة الطول يوم الشعر تياه، سكنت عينيك يا عمان فالتفتت إلي من عطش الصحراء أمواه، وكأس ماء أوان الحر ما فتئت ألذ من قُبلٍ تاهت بمن تاهوا".
صباحكم أجمل..

زياد جيوسي
رام الله المحتلة 19\9\2007
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2007, 08:41 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فراس المعاني
عضو أكاديمية الفينيق
الاردن

الصورة الرمزية فراس المعاني

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


فراس المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي

جميل ما ترسمه ليومك في رمضان

وتزرع لعمان بهجتك الرائعة

دمت يا رفيق

ود يمتد لعينيك






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2007, 08:55 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي

لنرحب بقامة أدبية سامقة
حلّقت بكل طيب
بفضاءات الفينيق
الأديب القدير
زياد جيوسي
أرحب بك أجمل ترحيب
وسأعود لمرافقتك الذكريات الرمضانية
الــ حاملة عبق الطفولة
الى حينه
كل عام وانت بخير
ورمضان كريم

اختك سلام






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-09-2007, 09:40 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي

الآه، لو تعرفين وهل إلاك عارفة

الله

الجيوسي الجميل
مصافحة جليلة من جليل
لاوراق الفينيق

نرحب ببهي بوحك

ولك الود اولا واخيرا






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-09-2007, 03:08 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فراس المعاني مشاهدة المشاركة
جميل ما ترسمه ليومك في رمضان

وتزرع لعمان بهجتك الرائعة

دمت يا رفيق

ود يمتد لعينيك
الصديق فراس
هي عمان كانت ولم تزل
المدينة التي سكنت القلب ولم تفارقه رغم البعد الجغرافي
ورغم حواجز الجند وحرابهم والجدار والأسلاك الشائكة
بقيت عمان وتبقى
الطفولة والشباب
الذكرى وأمل اللقاء
المدينة التي كبرت معنا
وبقيت شابة وستبقى
وستبقى تسكن الحنايا وبين الضلوع
زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-09-2007, 03:10 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام الباسل مشاهدة المشاركة
لنرحب بقامة أدبية سامقة
حلّقت بكل طيب
بفضاءات الفينيق
الأديب القدير
زياد جيوسي
أرحب بك أجمل ترحيب
وسأعود لمرافقتك الذكريات الرمضانية
الــ حاملة عبق الطفولة
الى حينه
كل عام وانت بخير
ورمضان كريم

اختك سلام
الأخت سلام
شكراً لترحيبك الجميل والطيب
ويسرني أن ترافقيني الذكرى والذكريات
فالذاكرة هي ما يجب أن نحافظ عليه
فذاكرتنا الفردية بعض من الذاكرة الجمّعية للوطن
بود واحترام
زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-09-2007, 03:13 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعودي مشاهدة المشاركة
الآه، لو تعرفين وهل إلاك عارفة

الله

الجيوسي الجميل
مصافحة جليلة من جليل
لاوراق الفينيق

نرحب ببهي بوحك

ولك الود اولا واخيرا
أخي زياد
وتلتقي الأسماء
ويتجمع الحب لعماننا نهر ود وحب
من القلب وللقلب عبر فنيق يأبى الا أن ينفض الرماد ويحلق من جديد
شكراً لترحيبك الجميل
ولنا تواصل
زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 25-09-2007, 03:58 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سمية طه
عضو اكاديمية الفينيق
اليمن

الصورة الرمزية سمية طه

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

سمية طه غير متواجد حالياً


افتراضي

رد الله الغائبين ..وأثابهم صبرهم بالأجر العظيم..






أنا جبل الجليد الذي أخفى بقلبه بركان فيزوف
  رد مع اقتباس
/
قديم 27-09-2007, 02:14 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمية طه مشاهدة المشاركة
رد الله الغائبين ..وأثابهم صبرهم بالأجر العظيم..
شكرا لهذه الدعوة الطيبة أخت سمية
دمت بود

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-09-2007, 02:17 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي صباحكم أجمل \ استعادة الروح

صباحكم أجمل \ استعادة الروح

جميلة رام الله في الصباح كعادتها، حيث الهدوء المطبق عليها وهي تنـزع عن كتفيها سدل الليل وعباءته، لتخرج بهية جميلة هادئة، حيث الهواء البكر والنقي مشبعاً بعبق بحر يافا ونسماته، هي رام الله كانت ولم تزل تسكن القلب والروح، أجول معها ومنها في الذاكرة والحاضر والحلم والمستقبل.
أستعيد ذكريات رام الله في طفولتي، حين كانت تطلق كل عام مهرجانها الفني السنوي، فتصبح قبلة للزوار العرب من كل الأقطار، يحضرون مهرجانها ويتمتعون بجوها الجميل صيفاً، فكانت رام الله قبلة الأنظار قبل هزيمة حزيران ووقوعها تحت الاحتلال، وهاهي رام الله تحتفي برمضان كما تحتفي بالضيف والزائر العزيز، فتطلق مهرجانها الرمضاني الأول باسم محافظة رام الله والبيرة، ليكون حدثاً رمضانياً سنوياً، يضم في ثناياه كل ما هو جميل، ففي مساء الأمس وبدعوة من محافظ رام الله والبيرة وعلى خشبة مسرح قصر الثقافة كان البدء والإعلان، بحضور كبير متعطش للفن والموسيقى ودبكات التراث، بعد أن تشوهت ذائقتنا الفنية بأغاني لا علاقة لها لا بالكلمة ولا باللحن ولا بالصوت ولا حتى بالأغاني والطرب، فكان إطلاق المهرجان عودة إلى الأصالة والتراث، فكان البدء بآيات الذكر الحكيم والسلام الوطني، إلى كلمات الإعلان عن بدء المهرجان، إلى موسيقى التراث العربي قدمتها فرقة ادوارد سعيد التابعة للمعهد الوطني للموسيقى، ثم معزوفات أصيلة لفرقة الكمنجاتي، تلاها سهرة جميلة مع الدبكة الفلسطينية والغناء الفلسطيني الأصيل مع فرقة "أصايل" التابعة للمحافظة، فكان جهد جميلاً ومشكوراً للمحافظة والمحافظ الدكتور سعيد أبو علي، حيث سيتواصل المهرجان على فترة زمنية خلال شهر رمضان المبارك، تتراوح أمسياته ما بين الزجل الشعبي والمسرح والشعر والموسيقى وأمسيات شعرية وتكريم لأفراد ومؤسسات وأناشيد دينية.
كانت رام الله قد احتضنت الجولان المحتل من خلال أسبوع الجولان في رام الله، وبجهد مشكور من مركز خليل السكاكيني ومؤسسة عبد المحسن القطان، بدأ الأسبوع بمعرض لأحد عشر فناناً من الجولان المحتل في قاعات السكاكيني وقطان والحلاج، إلى عرض مسرحي لفرقة أطفال الجولان على خشبة القصبة، فقدموا مسرحية تاجر البندقية، بقالب جديد وجميل، فأظهروا النبل مقابل الخسة، والسمو مقابل جشع شايلوك، فأبدعوا وقدموا بمستوى الكبار المحترفين، كما تمت في قاعة السكاكيني قراءات أدبية، وسيتم عرض فيلم وعرض موسيقي أيضاً.
هكذا تكرس رام الله نفسها مدينة الثقافة والفن في الأراضي المحتلة، رغم المعاناة الذي من اجتياحات الاحتلال المتكررة، وتخضيب أرضها بحناء دماء الشهداء، وخطف أبناؤها إلى المعتقلات والأسر، فلا يرضي الاحتلال أن يرى ولو بسمة على وجه طفل، فكيف بمقاومة بالقلم والثقافة والفن والسينما والمسرح، حيث يصر شعبنا أن يقول: نحن شعب حي ومن حقنا أن نستمر في الحياة وأن نتحرر ونبني دولة مستقلة، من حقنا أن نعيش بكرامة بدون احتلال وبدون خفافيش ظلام وفاسدين ومفسدين، من حقنا أن نحيا كالشعوب الأخرى بحرية وكرامة بدون إطلاق رصاص ولا صراعات دموية على مقاعد حكم يحكمها الاحتلال، ومن حقنا أن نختلف مع بعضنا، لكن ليس من حق أحد أن يفرض علينا حل الخلاف بالرصاص، أو بالقمع ومصادرة حرية الآخر وكبت أنفاسه، من حقنا أن نحتكم لصندوق الانتخابات وليس إلى إرادة القائد الملهم والفذ، فقد مضى زمن القائد الزعيم الذي لا يخطئ، والذي يظن أنه قد حباه الله من المواهب ما يؤهله لأن يفكر عنا، ويتصرف عنا، ويقرر لنا حتى حجم الهواء الذي نتنفسه، ومن حقنا أن لا يحد أحد أفكارنا بقناعته الفكرية، أو بمصالحه المالية، وليس من حق أحد أن يحاصر الفكرة في النفوس وأن يحاسبنا على النوايا وما تخفي الأنفس، أو أن يفرط بذرة تراب من ترابنا الطهور تحت بند الواقعية السياسية أو التفويض الإلهي، من حقنا أن نتساوى أمام القانون وفي الحقوق وأن نتنافس في الواجبات، وليس من حق من بيدهم الأمر أن يقسمونا لقلة من أبناء الست، وكثرة من أبناء الجارية، فهو وطننا قدمنا من أجله الغالي والنفيس، الدم والمنفى والمعتقلات والتشرد، فلنا الحق فيه ولنا الحق أن نعيش بكرامة، فيكفينا ذل الاحتلال وقمعه، ولسنا بحاجة إلى قمع آخر من أي كان ممن دار به الزمان فإذا به يملك القرار في رقابنا، ولا يستطيع أن يدافع عنا أمام دورية من دوريات الاحتلال.
هو الصباح بنسماته والذكرى وجو رام الله الهادئ، رمضان الذي استبيح فيه مخيم عين الماء في نابلس، فسقي أهله الدم بدل حسوة الماء في الإفطار، والرصاص بدل التمر، وتدمير البيوت وتخريبها بدلاً من صلاة الجماعة، فقد حوصر المخيم ومنعت عنه كل أسباب الحياة لثلاثة أيام متتالية، وسقط فيه شهيدين ودمرت منازل وبنايات، وقُمع الأهل هناك ومنع عنهم الماء والغذاء والدواء، في ظل صمت مريب، وكأن المخيم في صحراء معزولة لا يدري به أحد، هكذا الاحتلال كان ولم يزل، فمتى سيدرك الساسة والقادة الهانئين بخلافاتهم ذلك.
صباح الخير يا رام الله.. صباح الخير يا وطني.. أجول في بعض من شوارع المدينة وأعود لصومعتي متأبطاً صحيفة الصباح، يلفني الحنين للأهل في المنفى والشتات، وحنين إلى قريتي الصغيرة التي حرمني الاحتلال من رؤيتها وزيارتها، حنين لذكريات في أنحاء الوطن وفي عمّان الطفولة والشباب، ومدن عربية أخرى في فترات الدراسة وما تلاها، حنين لحروف خمسة وطيفي الذي أشتاق إليه كاشتياق الصائم إلى جرعة الماء، فلا أمتلك وأنا أقف إلى نافذتي وحوض نعناعي والزهور، إلا أن أُحمل النسمات أشواقي وآمالي بلقاء ربما يكتب لنا يوماً، أستمع لفيروز كعادتي في الصباح تشدو:
"دخلك يا طير الوروار، رحلك من صوبن مشوار، وسلملي عا الحبايب، وخبرني بحالن شو صار، عا تلال الشمس المندية على ورق التلب الأصفر، وبكروم التين ينده تشرين.. يا حبيبي".
صباحكم أجمل..
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 26\9\2007







  رد مع اقتباس
/
قديم 27-09-2007, 08:43 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي

صباح الخير يا رام الله.. صباح الخير يا وطني.. أجول في بعض من شوارع المدينة وأعود لصومعتي متأبطاً صحيفة الصباح، يلفني الحنين للأهل في المنفى والشتات، وحنين إلى قريتي الصغيرة التي حرمني الاحتلال من رؤيتها وزيارتها، حنين لذكريات في أنحاء الوطن وفي عمّان الطفولة والشباب، ومدن عربية أخرى في فترات الدراسة وما تلاها، حنين لحروف خمسة وطيفي الذي أشتاق إليه كاشتياق الصائم إلى جرعة الماء،

صباح الخير يا وطني
ومساء الخير يا وطني
عندما يتلبس البوح مسام الذاكرة
وخلايا الروح
ويتشبث بتفاصيل الحياة\الشتات
يغادر المعنى نحو آفاق جديدة شاسعة
أسبغت علينا ايها الشاعر زياد
بذكريات تقفز حيوية وحضوراً
مسكوبة في قوالب حنين موجع
الى تلك الايام
السفر في حنايا اوراقك متعة
وصباحك زهر برتقالٍ
يرقص على غصن
يتنفس هواء وطني
لك المجد ايها البهي
وكل عام وانت بخير
أختك سلام






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-09-2007, 10:09 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي

وفي الغناء الموروث
قالو :
وين عا رامالله
وين عا رامالله
ولفي يا مسافر وين عارامالله
ما تخاف من الله
ما تخاف من الله
خذيت قليبي ما تخاف من الله

الجيوسي واطلالة على الامكنة وعبقها
ببهي حرف
ووارف ذهن

كل الود زيادنا






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-09-2007, 01:36 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام الباسل مشاهدة المشاركة
صباح الخير يا رام الله.. صباح الخير يا وطني.. أجول في بعض من شوارع المدينة وأعود لصومعتي متأبطاً صحيفة الصباح، يلفني الحنين للأهل في المنفى والشتات، وحنين إلى قريتي الصغيرة التي حرمني الاحتلال من رؤيتها وزيارتها، حنين لذكريات في أنحاء الوطن وفي عمّان الطفولة والشباب، ومدن عربية أخرى في فترات الدراسة وما تلاها، حنين لحروف خمسة وطيفي الذي أشتاق إليه كاشتياق الصائم إلى جرعة الماء،

صباح الخير يا وطني
ومساء الخير يا وطني
عندما يتلبس البوح مسام الذاكرة
وخلايا الروح
ويتشبث بتفاصيل الحياة\الشتات
يغادر المعنى نحو آفاق جديدة شاسعة
أسبغت علينا ايها الشاعر زياد
بذكريات تقفز حيوية وحضوراً
مسكوبة في قوالب حنين موجع
الى تلك الايام
السفر في حنايا اوراقك متعة
وصباحك زهر برتقالٍ
يرقص على غصن
يتنفس هواء وطني
لك المجد ايها البهي
وكل عام وانت بخير
أختك سلام
الأخت سلام
هي الروح التي اعتادت ان تحلق وتجول
تتحدى قمع الجسد من قبل السجن والسجان
فتوحد الحنين والشوق بالحاضر
فتزاوج عمّان برام الله
والطفولة بالشباب
والماضي بالحاضر
والمحافظة على الذاكرة في مرحلة شطب الذاكرة
انه الحنين يمتزج مع الأمكنة
والوطن الجميل الذي ينثرون الجدري الأسود في وجهه
فيزرع الحب زهر الياسمين
ورغم القهر نزرع الزيتون
فلك الشكر تجوالك مع حروفي والحنين
دمت بود

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-09-2007, 01:40 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعودي مشاهدة المشاركة
وفي الغناء الموروث
قالو :
وين عا رامالله
وين عا رامالله
ولفي يا مسافر وين عارامالله
ما تخاف من الله
ما تخاف من الله
خذيت قليبي ما تخاف من الله

الجيوسي واطلالة على الامكنة وعبقها
ببهي حرف
ووارف ذهن

كل الود زيادنا
أخي زياد
حين اختتمت الامسية الرمضانية الاولى في مهرجان رمضان
انشدت الفرقة ودبكت على انغام أغنية "وين عا رام الله"
فشدني الحنين اليها تلك المحبوبة عمّان
فرأيت نفسي أجلس على ربوة من روابيها
وأغني هذه الأغنية
فالرابط في الذاكرة بين المحبوبتين
كبير لدرجة استيلاءه على تلافيف الذاكرة
دمت بود ومحبة
زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-09-2007, 02:46 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محمد المعاني
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


محمد المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي

وللوطن ننثر

كل الورود

رائعة كلماتك ورائع صدقك

ود يليق لك اخي






~*¤ô§ô¤*~أبـــــــــــــــــــــــو أدهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ~*¤ô§ô¤*~
  رد مع اقتباس
/
قديم 28-09-2007, 06:00 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد المعاني مشاهدة المشاركة
وللوطن ننثر

كل الورود

رائعة كلماتك ورائع صدقك

ود يليق لك اخي
أخي محمد معاني

..فروح الوطن ياسمين
وشرايينه ورود
شكراً لمشاعرك وكلماتك الطيبة

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-09-2007, 01:15 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
هناء الشوافي
عضوة أكاديمية الفينيق
رابطة الفينيق / صنعاء
تحمل وسام الفينيق للابداع والعطاء
اليمن

الصورة الرمزية هناء الشوافي

افتراضي

حنين لحروف خمسة وطيفي الذي أشتاق إليه كاشتياق الصائم إلى جرعة الماء، فلا أمتلك وأنا أقف إلى نافذتي وحوض نعناعي والزهور، إلا أن أُحمل النسمات أشواقي وآمالي بلقاء ربما يكتب لنا يوماً، أستمع لفيروز كعادتي في الصباح تشدو:
"دخلك يا طير الوروار، رحلك من صوبن مشوار، وسلملي عا الحبايب، وخبرني بحالن شو صار، عا تلال الشمس المندية على ورق التلب الأصفر، وبكروم التين ينده تشرين.. يا حبيبي".


اخ زياد

اخذتنا الى قبلة الجمال

بحروفك الانيقه وهمسك الرقراق

ودي لاحساسك النقي






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-09-2007, 04:16 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هناء الشوافي مشاهدة المشاركة
حنين لحروف خمسة وطيفي الذي أشتاق إليه كاشتياق الصائم إلى جرعة الماء، فلا أمتلك وأنا أقف إلى نافذتي وحوض نعناعي والزهور، إلا أن أُحمل النسمات أشواقي وآمالي بلقاء ربما يكتب لنا يوماً، أستمع لفيروز كعادتي في الصباح تشدو:
"دخلك يا طير الوروار، رحلك من صوبن مشوار، وسلملي عا الحبايب، وخبرني بحالن شو صار، عا تلال الشمس المندية على ورق التلب الأصفر، وبكروم التين ينده تشرين.. يا حبيبي".


اخ زياد

اخذتنا الى قبلة الجمال

بحروفك الانيقه وهمسك الرقراق

ودي لاحساسك النقي
الأخت هناء
أشكر لك روحك التي حلقت مع حروفي
أسعدتني زيارتك محراب حروفي
دمت بود

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-10-2007, 09:55 AM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي صباحكم أجمل \ ذهب أيلول والذكريات

صباحكم أجمل \ ذهب أيلول والذكريات

صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا وطن، صباح آخر جميل من صباحات الوطن يبدأ به الثلث الأخير من شهر الرحمة والغفران، شهر يغفر الله فيه للمخطئين والمسيئين من البشر، ولا يتسامح البشر مع بعضهم البعض، ولا يتنازلوا في حل صراع الإخوة، في الوقت الذي ينحنون فيه أمام أعدائهم، هي طبيعة النفس البشرية ودم ذوي القربى، وكما يقول مثلنا الشعبي: "الدم ثقيل على بعضه"، فيا لدمنا حين نحل سفكه بيننا، ولا نسكت عن المطالبة بالثارات ونصمت أمام العدو.
ضباب رام الله المنعش البارد في الصباح الباكر، ينعش ذاكرتي وأنا أجول وحيداً في صمت المدينة وهدوئها، فأعود بالذاكرة للطفولة وجمالها، ولا أعرف ما الذي يشدني للبدايات، ربما هي الوحدة وربما هو الحنين، وربما الألم بما أصبحت عليه الأحوال مقارنة بتلك الأيام التي كانت تفيض بالمحبة والجمال، رغم قسوة العيش والظروف المعيشية الصعبة التي كان الناس يمرون بها، ومع ذلك ومقارنة مع هذه الأيام أشعر بالفرق كم كان كبيراً.
أول ما تستعيده ذاكرتي ويشكل نقطة البدء فيها هو مدينة الكرك في جنوب الأردن، حيث كانت أول نقوش في ذاكرتي، وكنت أبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط حين سكنا الكرك، كان والدي في شرطة السير وكثير التنقل، فقد ولدت في مدينة الزرقاء بينما ولد أخي الأصغر مني بعامين والأقرب لروحي في حي الأشرفية في عمان، حيث روت لنا الوالدة أنها ولدته في "الثلجة الثانية الكبيرة" عام 1957، وقد كان الناس يربطون أحداثهم بأحداث طارئة متميزة، لكني بالتأكيد لا أذكر شيئاً من تلك الفترة، فالكرك هي أول ما أذكره في الطفولة المبكرة، كنا نسكن في حي يسمونه "حي المسنات" وهو اسم عشيرة من عشائر الكرك، وما زال في الذاكرة بعض من تفاصيل البيت وجلسات "الغليون" للسيدات، حيث كانت النساء تتجمع ويدخن التبغ بواسطة "غلايين" طويلة القصبة تمتد لمنتصف الغرفة، وما زالت في ذاكرتي بشكل واضح الكنيسة التي كان القسيس يجمعنا من البيوت ويتركنا تحت الرعاية في باحتها وقاعتها، كان يجمعنا جميعاً بغض النظر عن الديانة، فلم تكن سوسة الطائفية المقيتة لها وجود بين الناس، وكان يضع لنا بعض من الألعاب نلعب بها حتى يحين موعد إعادتنا للبيوت، ويمكنني القول أنها كانت بداية لما عرف بعدها بالحضانات، وكانت تمثل للأمهات فرصة "لضب" الأطفال والتخلص من إزعاجهم، وكان الكنيسة تقوم بهذه المهمة مقابل تبرعات قليلة غير محددة القيمة، لكنها تمثل ربما دخلاً ما لصندوق الكنيسة، وأذكر أنني مرة هربت من الكنيسة عائد للبيت، ولكن ما كدت أبتعد قليلاً حتى رأيت كلباً مربوطاً أمام بيت ونبح عليّ، فارتعبت خوفاَ وتجمدت مكاني وبدأت بالبكاء والصراخ، حتى أتى رجل وأمسكني من يدي وأعادني للكنيسة، حيث كان درسي الأول في الحياة من قبل القسيس حين قال لي وهو يمسح دموعي: هذا جزاء من لا يستأذن الكبار ويهرب، وسلمني للراهبة التي قرصت أذني بنعومة وهي تشرح لي ضرورة أن لا أخرج مرة ثانية بدون مرافقة القسيس والا أكلني الكلب.
في تلك الفترة في الكرك ولد لنا أخ جديد، كان جميل بطريقة غريبة، كان يشبه والدي بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، وما زالت صورته منطبعة في ذاكرتي، وذهبنا وعمره سنة في زيارة لعمان لبيت جدي لأمي، حيث أصابته حمى، وانتقل لرحمته تعالى ودفن بمقبرة "مصدار عيشه"، وما زلت أذكر منظر جدتي ووالدتي وبعض النسوة وهن يبكين عليه، حتى أتى بعض الرجال من أقارب والدتي، ولفوه بالقماش وأخذوه للدفن، ولم أكن أدرك بحكم السن ماذا يحصل، وكل ما فهمته من والدتي أنه ذهب برحلة إلى السماء مع الملائكة، وكنت بعدها دوماً أنظر للسماء على أمل أن أراه يعود، وحين حضر والدي لإعادتنا للكرك فوجئ بوفاة أسامة فبكى، واستغربت لماذا يبكي وأسامة قد ذهب مع الملائكة، ولم يكن بالامكان إخباره قبل الدفن، فلم تكن هناك وسائل اتصال وهواتف كما اليوم.
لم نستمر بالكرك بفترتها فقد نقل والدي إلى عمان، وكان علينا أن نحمل أغراضنا ونرحل، وسكنا في تلك الفترة في بيت صغير في حي من أحياء جبل عمان هو حي "خرفان"، لننتقل منه بعد فترة قصيرة لبيت أكثر اتساعاً في جبل عمان أيضا، في شارع اسمه شارع "الملفوف"، وهناك وضعني أهلي عند سيدة كانت تجمع الأطفال أيضاً في بيتها، تعلمنا بعض الأناشيد وتقص علينا بعض الحكايات، كان نناديها الست ليلى، كانت حسبما انطبعت صورتها في ذاكرتي جميلة بشعرها الأسود المتدلي على كتفيها، وكان أكثر ما يعجبني في بيتها "حوش" البيت"، الذي كان يتيح لي النظر إلى البيوت القليلة المتناثرة في عمان الشرقية، مثل أحياء الأشرفية والجوفة، وكانت معظم البيوت في السفح المطل على "سيل" عمان، أما منظر "سيل" عمان فكان من أجمل ما انطبع في ذهني بتلك الفترة، فقد كان أشبه بنهر صغير تحفه الأشجار والبساتين، وحين كان يفيض في الشتاء فقد كان بجرفه للطين يعطي منظراً ذهبياً جميلاً، وخاصة بعد توقف الأمطار وبزوغ الشمس ولو قليلاً، وفي أوقات الربيع كنا نذهب برفقة الوالدة والجيران لهناك، لتناول الطعام تحت أشجاره وفي البساتين التي كانت تحف جانبيه، من رأس العين حيث كان ينبع، وصولاً لحي المحطة حيث محطة القطار، ومع الزمن بدأت المباني تحتل البساتين ومياه السيل تجف قليلا قليلاً، وآخر عهدي به في بداية سبعينات القرن الماضي، بقايا مياه قذرة تنقل الأوساخ والقاذورات معها، قبل أن يتم سقفه تماما وفتح شارع على السقف الأسمنتي الذي غطاه، وتحول اسمه من "السيل" إلى "سقف السيل"، ولم يتبقى من تلك الأشجار وعيون الماء العذبة شيئاً، فقد اندثرت ولم يبقى منها إلا ما حفظته ذاكرة من عايش تلك الأيام.
تلك الفترة من حياتي كرست محبة متميزة مني لأخي الذي يصغرني، وما زالت هذه المحبة والقرب لأخي جهاد تسكننا الاثنين بشكل متميز عن باقي أشقائنا، فمنذ رحيل أخي أسامة، وأنا وبحس توجس طفولي، كنت أخاف على جهاد أن يذهب مع الملائكة، ويتركني وحدي، بعد أن لم تعيد تلك الملائكة أخي أسامة، قبل أن أكبر في العمر وأدرك ما معنى تلك الرحلة، وأدرك معنى قضاء الله وقدره.
ذكريات تجول الذاكرة في هذا الصباح المبكر، واستعداد لبدء الخريف الذي بدأ جغرافياً منذ أيام، ووداع لشهر أيلول الذي نقش في الذاكرة آلاما كثيرة، فمن صراع دموي بين الأشقاء إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى خلق إقليمية بغيضة فصلت بين أبناء الشعب الواحد، إلى وفاة قائد لم ننساه أبدا فليرحمك الله يا أبا خالد، إلى ذكريات اعتقالات متكررة لي كان لأيلول غالباً موعد معها.
صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا أهلي في عمّان، صباح الخير يا والدتي العظيمة ويا والدي الكبير، كم أشتاق أن التقيكم في عمان أو في الوطن، بعد هذه السنوات العشر العجاف من البعد والفراق، صباح الخير يا أبنائي وزوجتي ويا شقيقتي الوحيدة، صباح الخير يا أصدقائي الذين فرقنا الزمن أغبط عمّان أنها تضمكم بين جنباتها.
أعود لصومعتي متأبطاً صحيفتي، أستحضر طيفي وحروفي الخمسة، أقف لنافذتي أتأمل صحو المدينة، أزيل بعض الأوراق التي بدأت تأخذ اللون الأصفر الخريفي من حوض أزهاري، واستمع لشدو فيروز:
ورقو الأصفر شهر أيلول...تحت الشبابيك، ذكرني ورق ودهب مشغول... ذكرني فيك، رجع أيلول و أنت بعيد.. بغيمة حزينة قمرها وحيد، بصير يبكيني شتي أيلول.. يفيقني عليك يا حبيبي، ليالي شتي أيلول.. بتشبه عينيك، يا ريت الريح.. إذا انتَ نسيت حبيبي.. طول الخريف و ما جيت، ينساها الحور و قمرها يغيب... و ليلها يطول، و نبقى حبيبي.. غريبة و غريب.. أنا و أيلول..
صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 3\10\2007
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-10-2007, 11:33 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي

القدير
زياد جيوسي
وصباح آخر جديد
نلتقي به والذكريات
على صهوة تئن حنيناً لتلك الايام..
وما أجمل الاختلاء بالنفس والجلوس
مع الذات بحضرة الفكر النقي..المستخرج من تجارب ناضجة..
ما أحوجنا الى قراءة مثل هذه الصباحات
الــ مشرقة بخيوط الأمل..
دفقاً من أحاسيس رقراقة هطلت كالغيث
لتغسل أوجاعاً مضت..وتزهر أيماناً بالقادم
وفيروز رفيقتنا هذا الصباح
وهي تشدو:
يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر
الطرقات..البيوت عم تكبر عم تكبر
وتخلص الدني وما في غيرك يا وطني
يا وطني
صباحك حريّة
أخي زياد
ودمتم






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-10-2007, 02:16 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي

زياد الجيوسي
مرحى بك في كل آن
نثمن عاليا ما تنثر
الجمال ديدنك يا سيدي

نتطلع الى مزيد من تواصلك

ولعينيك كل الود






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-10-2007, 03:17 AM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام الباسل مشاهدة المشاركة
القدير
زياد جيوسي
وصباح آخر جديد
نلتقي به والذكريات
على صهوة تئن حنيناً لتلك الايام..
وما أجمل الاختلاء بالنفس والجلوس
مع الذات بحضرة الفكر النقي..المستخرج من تجارب ناضجة..
ما أحوجنا الى قراءة مثل هذه الصباحات
الــ مشرقة بخيوط الأمل..
دفقاً من أحاسيس رقراقة هطلت كالغيث
لتغسل أوجاعاً مضت..وتزهر أيماناً بالقادم
وفيروز رفيقتنا هذا الصباح
وهي تشدو:
يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر
الطرقات..البيوت عم تكبر عم تكبر
وتخلص الدني وما في غيرك يا وطني
يا وطني
صباحك حريّة
أخي زياد
ودمتم
الأخت سلام الباسل
تحية
ما هي الا محاولة لتسجيل بعض من الذاكرة الفردية التي تشكل جزءً
من ذاكرة جماعية.. وفي محصلتها بعض من ذاكرة الوطن
هي كما تفضلتِ بعض من الجلوس مع الذات ومحاولة استعادة الذاكرة
ربط الماضي بالحاضر والحلم بالمستقبل الأجمل والصباح الجمل
هو عملية لتسجيل ذاكرة لجيل قادم لم يعش ما عشناه ولم يعرف ماعرفناه
ارسلت لي مرة دكتورة في الجامعة الاردنية تتسائل عن أسماء أحياء في عمان
كنت قد أوردتها في أحد كتاباتي.. تقول أنها لم تسمع بها !!
وقفت كثيراً أمام هذه الرسالة
قلت لنفسي ان كانت دكتورة في أهم جامعاتنا في الاردن لم تسمع بهذه الاسماء لأحياء قائمة
فكيف بالجيل الجديد ؟؟
لذا رأيت في سلسلة صباحكم أجمل التي واظبت على كتابتها منذ أواخر 2005 أن أسجل
بعض من ملامح الذاكرة من خلال ما عشت ومن خلال تجربة خمسون عاماً أحملها على كاهلي
آمل بتشجيعكم وتشجيع قرائي أن أوفق بتسجيل هذه الذاكرة
لعلها تكون ذاكرة للمستقبل الذي أحلم به
وأن أساهم بأن لا يشطب الأعداء ما تبقى من ذاكرتنا
شكراً لك كلماتك الرائعة في وصف كلماتي المتواضعة
دمت بود

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-10-2007, 03:26 AM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد السعودي مشاهدة المشاركة
زياد الجيوسي
مرحى بك في كل آن
نثمن عاليا ما تنثر
الجمال ديدنك يا سيدي

نتطلع الى مزيد من تواصلك

ولعينيك كل الود
ولك يا صديقي زياد السعودي
أجمل الشكر
وباقة من ياسمين رام الله
ووعد بالتواصل الدائم
دمت بمحبة

زياد






  رد مع اقتباس
/
قديم 11-10-2007, 03:19 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
زياد جيوسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
رابطة الفينيق / القدس
فلسطين

الصورة الرمزية زياد جيوسي

افتراضي صباحكم أجمل / مركب الريح

صباحكم أجمل / مركب الريح
رام الله ترتدي حلة العيد ككل عام، فالازدحام أصبح سمة رئيسة في شوارعها، وككل عام فالأيام الأخيرة من رمضان تشهد حركة للمواطنين في الشوارع مساءً، فما بين متسوق لا يمكنه إلا أن يؤمن ملابس العيد لأطفاله، إلى ضجر يريد أن يقضي وقت في مراقبة الحركة والأسواق، وهذا العام أحسنت الجهات المسئولة صنعاً على غير العادة، فمنذ يومين أغلقت بداية شارع الإذاعة من طرف دوار المنارة إلى مسافة تزيد عن نصف كيلومتر، وأحالتها إلى موقع للبسطات والباعة المتنقلين والمشاة، فرحمونا من البسطات التي كانت تحتل الشوارع والأرصفة ولا تترك لنا مجالاً للسير.
ومن طبيعتي أنني أكره أماكن الازدحام والاكتظاظ، ولذا من عادتي أن أسير في شوارع المدينة التي أحبها في الصباح الباكر أو المساء المتأخر، حيث تخف الحركة وتنعدم في كثير من الأماكن، فأجد الراحة في التجوال والسير، لكني في الليلتين الماضيتين وعلى غير عادتي قمت بالتجوال في شارع الإذاعة، فقد كنت أرافق ولدي الأصغر الذي فاجئني بزيارة منذ أيام، ليقضي معي بعض الأيام من رمضان إضافة لأيام العيد، ثم يسافر للالتحاق بجامعته، فكانت فرصة للتجوال معه حسب رغبته وليس حسب رغبتي، فأتاح لي ذلك أن أتجول بمواقع كنت أتجنبها عادة، وأرقب الازدحام وصراخ الأطفال حين يصرون على لعبة ما يريدونها، ويتمنع الأب أو الأم عن شراءها.
أكثر ما لفت نظري لجوء الأطفال إلى شراء ألعاب على شاكلة البنادق، رغم أن العديد من الأطفال جرى قتلهم من قبل قوات الاحتلال بإطلاق النار عليهم، تحت دعوى أنهم يحملون البنادق ليتبين بعدها أنها ليست أكثر من ألعاب، وفي الوقت الذي يتوجه الأطفال الآخرون في العالم نحو أنماط وأشكال مختلفة من الألعاب، نجد أطفالنا يتجهون لألعاب البنادق وألعاب الجيش والمواطن، وهذه ظاهرة ليست بالسهلة وتدل على تشوه روح الطفولة لدى أطفالنا بسبب الاحتلال وتأثيراته، وانعكاسات الجو العام على نفوس الأطفال.
هذه الأجواء في ليالي رام الله الناعمة والتي كانت دافئة نسبياً خلال الأيام الماضية، أعادت إلى ذاكرتي من جديد ذكريات الطفولة التي تحدثت عنها في الأربعاء الماضي، مضافاً لذلك وجود ولدي الذي تركته طفلا وأصبح رجلاً وأنا بعيد عنه، وأنا أمازحه أثناء سيرنا وأقول له: هل اشتري لك تلك اللعبة أم هذه.. فيضحك مسروراً من مداعبتي إياه، وهو يسير إلى جانبي بحجمه الضخم الذي أكاد أضيع بجانبه، فقد ورث عن والدي طول القامة وضخامة الجسم وصلابته.
في المرة الماضية تحدثت منذ بدء اللحظة الأولى في الذاكرة حتى استقرار أسرتي المؤقت في حي الملفوف في جبل عمان، وحقيقة تلك الفترة تركت أثارها في ذاكرتي، فمن منظر سيل عمان والجمال الذي كان يحف به من بساتين وأشجار وجنائن، إلى شوارع عمان حين كنت أمر فيها ويدي بيد والدتي، حينها كان يتاح لي أن تشتري لي الوالدة أطال الله بعمرها، قطعة من "السمسمية" أو قطعة من حلوى "جوز الهند"، وبالذات في شارع الملك طلال، حيث كانت الحافلات التي تتجه جنوب عمان تنتظر الركاب هناك، ومن هناك كنت أذهب ووالدتي إلى مخيم الوحدات لزيارة بيت جدي رحمه الله، وما زالت صورة تلك الحافلات في ذاكرتي بلونها الأصفر وأسلوب تشغيلها اليدوي، والأهم الذي بقي عالقاً في ذهني هو القطعة المعدنية بجوار السائق والتي كانت على شكل ربطة العنق، والتي كان يستخدمها السائق لإعطاء إشارة انه سيتجه يساراً، بدلا من وجود إشارة كهربائية كما هو الحال لاحقاً، حين أصبح استخدام "الغمازات" الكهربائية لإعطاء إشارة الاتجاه، ولا اعرف ما الذي كان يلفت نظري وأظل أنتظر اللحظة التي يرفع فيها السائق هذه الإشارة وينـزلها، هي بأية حال قضايا طفولية لا تفسير لها وتبقى عالقة في الذاكرة بدون تفسير واضح لها.
كنت اشعر بالرحلة من شارع الملك طلال إلى المخيم طويلة بحكم السن، وكنت استمتع بالنظر إلى منطقة المهاجرين وسيل عمان ومصدار عيشه، وبعد ذلك كانت المباني والبيوت تختفي حتى وصولنا المخيم، فالمباني قليلة ومتناثرة، ومعظم الأراضي كانت أرض زراعية تزرع بالقمح أو القثائيات، وكان منظر مقر شرطة البادية يلفت نظري دوماً وخاصة الطاقات الصغيرة المنتشرة في المبنى، إضافة للبوابة الكبيرة ومنظر الحرس على البوابة بلباسهم المتميز والذي لم يتغير حتى الآن.
ولم تطل الفترة حتى انتقلنا بالسكن من شارع الملفوف، إلى بيت صغير خلف قيادة شرطة البادية تقريباً، بالقرب من مدرسة عبد الرحمن بن عوف، فقد انتقل والدي إلى مدينة أخرى، ورغبت الوالدة أن نبقى في عمان قريباً من بيت أهلها، واسم الحي الذي سكناه كان يطلق عليه اسم هو حي "الشعيلية" ولا اعرف من أين أتاه هذا الاسم، فلا علاقة له بالشعلة إن كان الاسم مشتق منها، ولا تسكنه عشائر تحمل هذا الاسم كما سميت بعض الأحياء والشوارع في عمان على اسم من سكنوها، مثل الشابسوغ والقبرطاي والمصاروة والمعانية والطفايلة والنجادوة والمحاسرة وغيرها كثير، وكان هذا الحي صغيراً ويضم أناس مختلفين في المنبت والأصل، وعملياً كان يقع على حافة الصحراء الجنوبية وبدء العمران باتجاه عمان وعلى مقربة من المخيم، والميزة الوحيدة فيه القرب من بيت جدي، مما يتيح لي زيارتهم واللعب بالحارة بشكل أكثر كثافة وحرية، وما عدا ذلك فلم يرتبط في ذهني ذلك الحي إلا بأحداث قليلة، ففي اليوم الأول الذي سكنا فيه عضني كلب الجيران قبل أن ندخل البيت، وجرى نقلي إلى مستشفى الهلال ونلت نصيبي من الإبر الطبية، وفي مرحلة لاحقة احتاجت والدتي أن تأخذني إلى مستشفى حكومي حيث كان خال لي يعمل فيه، ولم يكن لدي حذاء ألبسه، فاستعرنا حذاء من ابن الجيران لألبسه في قدمي طوال المشوار، وطبعاً طوال الطريق كانت الوالدة توصيني أن لا يرتطم الحذاء بالحجارة، فعرفت مرارة الفقر الذي يدفع الإنسان لاستعارة حذاء ليلبسه بدل "القبقاب" الخشبي"، وأجمل ما أذكر المدرسة التي كانت تقع مقابل البيت فكنت أتمنى اللحظة التي أكبر فيها لأدخل المدرسة، وكنت كل صباح أنظر إلى أولاد المدرسة وهم يرتدون لباسهم ذو اللون "الكاكي" المشابه للباس الجيش ويحلقون شعورهم على "الصفر"، ويصطفون في الطوابير كل صباح وهم ينشدون نشيد العلم، حتى أني تمكنت من حفظه وأنا أقف غير بعيد عنهم، "يا علمي يا علم، يا نسيج الأمهات في الليالي الحالكات، لبنيهن الأباة"، وينشدون لمليك البلاد "دمت يا شبل الحسين قائد الجيش الأبي، وارثاً للنهضتين دمت جيش يعربِ"، وكالعادة لم يطل بنا المقام في هذا الحي المسمى الشعيلية، فانتقلنا إلى أطراف جبل الاشرفية في الحي المقابل لقيادة شرطة البادية، وفي هذا الحي كانت بداية الوعي في الذاكرة وذكريات لعبت دورها في مسيرة حياتي، قد يكون لها في لقاء قادم بعض من التذكر.
أعود من جولتي الصباحية التي تأخرت اليوم عن باقي الأيام، فقد كنت أشعر ببعض الضيق النفسي، وتكتمل المسألة بتعطل خط الانترنت مما عزلني عن المتابعة لبريدي، ونشر صباحي في وقته المحدد، ولم يخفف من ضيقي إلا شعوري باحاطة طيفي لي، وسهرة مسائية في كافتيريا صغيرة وجميلة، قريبة مني في شارع يافا وأشعر فيها بالجو العائلي الهادئ واللطيف، حيث صاحب المحل وزوجته يمتلكون لطفاً هائلاً في التعامل، حيث جلست مع ابني وابنتي جلسة لطيفة امتدت إلى منتصف الليل تقريباً، لأعود بنفسية مرتاحة مؤجلاً نشر صباحي المعتاد كل أربعاء إلى صبيحة الخميس، وذلك لأول مرة منذ بدأت كتابة هذه السلسة من صباحكم أجمل، أستحضر طيفي الجميل الرقيق كعود نعناع، نستمع سوياً إلى فيروز تشدو:
يا مركب الريح خلي البحر وانزل عِبر، من طول فرقه دمعي فوق خدي عَبر، حبيت والدهر علمني بحبه عِبر، شرع شراع السفر عا الهجر قلبه نوى، عهد الهوى يا خلق ما عاد منه نوى، نحنا قضينا العمر صد وحنين ونوى، ولما التقينا لقينا العمر ولى وعَبر.
صباحكم أجمل..
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 10/10/2007






  رد مع اقتباس
/
قديم 11-10-2007, 10:13 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي

المبدع
زياد الجيوسي
مرحى ببهي بوحك
نتمنى عليكم
ان تساهموا معنا في اقامة
علاقة تشاركية
بين ما تنشرون
وما ينشر باقي الادباء
هي دعوة لتصفح ما تزخر به مضارب الفينيق
فماذا ترون ادام الله فضلكم ؟

تواجدكم اثراء
وثمة فائدة ترجى
كل الود






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط