العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 22-01-2020, 06:05 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


ثناء حاج صالح غير متواجد حالياً


افتراضي استقراء قصيدة (كم أنت وحدك!) للشاعر رائد عيد / ثناء حاج صالح


كمْ أنتَ وحدكَ!





كمْ أنتَ وحدكَ! لا تصدقْ ماترى
فإذا سألتَ البحرَ ماءً أنكرا

إنْ لمْ تكنْ بالحبِّ زيراً ماجناً
جعلوكَ صُعلوكاً، فكنْ كالشّنفرى

هذي البلادُ حزينةٌ مقهورةٌ،
أوَما رأيتَ الريحَ تمشي القهقرى؟

صرخَ القتيلُ بها حزيناً غاضباً
فعَلامَ نزْجُرُهُ ليُنْكِرَ ماجرى!

كم أنتَ وحدكَ! والسَّماءُ ثقيلةٌ،
وعليكَ دفعُ الموتِ، كي يتأخَّرا!

يتَقاسمُ الأحياءُ قهرَكَ كلَّما
أعلنتَ أنَّكَ لنْ تعيشَ لتُقهَرا

كم أنتَ وحدكَ! والوُجوهُ كثيرةٌ،
لكنَّ وجهَ الحبِّ أصبحَ مُنكَرا

وطنٌ بأرصفةٍ، بلا طرقٍ، فكن
ماشئتَ، مهما كنتَ، لن يتغيَّرا


كامل



أي تصوُّر للوطن خلفته أشلاء الحروب وآثار القتل في رؤيا الشاعر ؟
إن الخيبة والإحباط الناجمين عن فشل الثورات العربية ينعكس عميقاً في عاطفة الشاعر ورؤيته الشعرية الخاصة التي يرسم بها معالم الوطن الحالية كما يقرأ بها مستقبله المنظور.
في هذه القصيدة التي يخوض فيها الشاعر المبدع الأستاذ رائد عيد تجربة الامتلاء بوحشة الاغتراب النفسي للإنسان المهزوم الذي خلفته الحرب خلفها نقرأ مع تكرار عبارة (كم أنت وحدك !) التي احتلت مقام عنوان القصيدة كما احتلت الجو النفسي العام فيها شيئاً عن تلك المجابهات المتعددة التي تعتصر الإنسان وتفصمه عن معنى حضوره بكامل وحدته / اغترابه في الوطن .فكيف وهو في الوطن؟؟
كمْ أنتَ وحدكَ! لا تصدقْ ماترى
فإذا سألتَ البحرَ ماءً أنكرا

كم أنت وحدك ! يبتدئ المطلع بتركيب لغوي ذي صيغة تعجبية يتعجب فيها الشاعر من مقدار أوكمية الوحدة التي يعاني منها المخاطَب ، وعلى الرغم من أن الوحدة لا يمكن أن تقاس بكم لأنها إما أن تكون أو لا تكون ، فإن التعجب يأتي في موقعه ليحقق إثارة ذهنية يتهيَّأ بها القارئ لسلسلة من مثيرات الدهشة تبدأ بالمطلع وتنتهي بآخر بيت في القصيدة .
كم أنت وحدك ! لكن من المقصود بـ( أنت ) ؟ من المحتمل أن الشاعر قد قام بتوجيه هذا الخطاب لنفسه . وستكون القصيدة كلها نوعاً من الحوار الذاتي ( المونولوج ) يحاول فيه الشاعر أن يستجمع قوته كي يتمكن من امتلاك قراره الشخصي كرد فعل على ما يحدث . أو لعله يخاطب شخصا افتراضيا ليتمكن من خلال هذا الخطاب بثَّ ما يكنُّه في نفسه من أفكار ارتدادية عن واقع ستتضح معالمه المتطرفة عبر أبيات القصيدة .
يكمل الشاعر صدر المطلع بالنهي عن تصديق ما يمكن رؤيته "لا تصدق ما ترى " فلمَ ؟ الجواب : في العجز : لأن ما تراه ليس حقيقيا، بل هو ظاهر مفتعل تختبئ وراءه الحقيقة ، والمثال هنا كناية عن الكذب أو المراوغة أو الجحود "فإذا سألتَ البحرَ ماءً أنكرا " ..هل يمكن تصديق إنكار البحر للماء ؟ لا يمكن . إذن عليك أن لا تصدق ما يقال لك . وثق دائما بأن الحقيقة هي الشيء الذي لا يرغب الآخرون بإظهاره .
إنْ لمْ تكنْ بالحبِّ زيراً ماجناً
جعلوكَ صُعلوكاً، فكنْ كالشّنفرى

ذلك لأن المجون قد أصبح في زماننا سببا لاعتلاء المراتب والمناصب ، فإن نأيتَ بنفسك عنهم واجتنبت الخضوع لمعاييرهم . صنفوك صعلوكا مهملا مستضعفا مهمشاً من قبلهم ..فإذا أصبحت صعلوكا فكن كالشنفرى قائداً للصعاليك متمردا تغير على القبيلة التي استعبدتك وأهانتك.
من الواضح هنا أن الشاعر يقتبس قصة الشنفرى والصعاليك ليوظفها من زاوية كونه شاعراً ، فقوله في الصدر "إنْ لمْ تكنْ بالحبِّ زيراً ماجناً" يتعلق بأسلوب الشاعر الماجن زير النساء الذي أصبح مقدَما على سواه وفق معايير بعض القائمين على تقييم الشعراء. لذا فإن رد فعل الشاعر الصعلوك سيتحول إلى حركة ثورية تتمرد على تلك المعايير .

هذي البلادُ حزينةٌ مقهورةٌ،
أوَما رأيتَ الريحَ تمشي القهقرى؟

صرخَ القتيلُ بها حزيناً غاضباً
فعَلامَ نزْجُرُهُ ليُنْكِرَ ماجرى!

إن حزن هذه البلاد وقهرها أصبح أمراً ثابتاً ومعروفا، وفي هذه البيئة لا يمكن للمرء أن يسير قدما ً، فتيار الرياح الذي عهدناه مندفعاً دائماً إلى الأمام أصبح في هذه البلاد يتقهقر ويتجه إلى الخلف . إن حركة الحياة إذن تمضي في التراجع ..لأن الأمور كلها تسير في عكس طريقها الصحيح. ولذلك فإن القتيل الذي كنا لا نأمل منه أن يصرخ أو ينفجر غضبا بعد قتله أصبح من الممكن تحت تأثير تغيير طبائع الأشياء وما يحدث من ضغط الفوضى العارمة أن يصرخ من حدة ألمه معبراً عن حزنه وغضبه ، فإذا فعل ذلك فدعه يصرخ ولا تزجره ليكف عن الصراخ أو لينكر ما حدث وما شهده بنفسه كقتيل .


كم أنتَ وحدكَ! والسَّماءُ ثقيلةٌ،
وعليكَ دفعُ الموتِ، كي يتأخَّرا!

ثم كم أنت وحدك! إنك وحيد جداً إلى درجة إن مقارنة حجم وحدتك بحجم ثقل السماء يجعلنا نتوقع أنك لن تكون قادرا على تحمل ثقل هذه السماء. فكيف إذا كان عليك فوق ذلك أن تدفع عنك الموت المحدق الذي يلاحقك لعله يتأخر عن موعد الوصول إليك !
في هذا البيت كما في البيتين السابقين يميل الشاعر إلى تشكيل صور شعرية أقرب إلى الرسم التجريدي منها إلى التوصيف المألوف ، فالأفكار الفلسفية التي تكمن في معنى مشي الريح القهقرى أو صراخ القتيل والأمر بعدم زجره كونه يمتلك الحق في الصراخ لشدة ما يلقاه في بيئة القتل في البلاد الثابت حزنها وقهرها. ثم ضعف قدرة الفرد على تحمل ثقل السماء ودفع الموت عنه لتأخيره ..كل هذه الأفكار تبدو ذات صلة عميقة وخفية مع عذاب نفسي أو عبء لا يطاق أشبه بما جاء في الأساطير القديمة التي كُلِف فيها الإنسان حمل ما هو فوق طاقته...

يتَقاسمُ الأحياءُ قهرَكَ كلَّما
أعلنتَ أنَّكَ لنْ تعيشَ لتُقهَرا

إذن فالقهر يزيد ويفيض عن قدرتك إلى درجة أن الأحياء تتقاسمه معك في كل مرة تعلن فيها ثورتك على أن تعيش ذلك القهر .
هل يعني هذا أن رفضك للقهر في كل مرة يُعاقب بمزيد من القهر ؟ أم يعني أنك تفشل في الواقع في تحقيق ما أعلنت عنه في الكلام المعلن ؟

كم أنتَ وحدكَ! والوُجوهُ كثيرةٌ،
لكنَّ وجهَ الحبِّ أصبحَ مُنكَرا

كم أنت وحدك ! إلى درجة أنك تبقى وحدك على الرغم من أنك محاط بالكثير من الوجوه من حولك ..! إن هذه الوجود الكثيرة لم تخدش وحدتك ولم تخترقها ، لكن الشيء الوحيد الذي حدث بتأثير كثرة الوجوه هو أنك أصبحت غير قادر على تمييز وجه الحب من بينها ، فوجه الحب أصبح منكرا لأنه قد تم تشويهه بطريقة ما بحيث أنه لا يمكن التعرف عليه ..

وطنٌ بأرصفةٍ، بلا طرقٍ، فكن
ماشئتَ، مهما كنتَ، لن يتغيَّرا


وطن بأرصفة يقف عليها الواقفون ينتظرون أو يسيرون ، غير أنها أرصفة بلا طرق لذا فإن حركة المرور فيها معدومة ، والأرصفة تسمح بقليل من الحركة البطيئة كما تسمح بالانتظار . لكنها لا تسمح باختراق المسافات الطويلة كما هو الحال عند سلوك الطرق حال وجودها ، لذا فكن ماشئت مع الاكتفاء بالأرصفة دون الطرق ..ومهما كنت فإن الوطن سيبقى على حالته الراهنة ولن يتغير مهما حاولت.

ثناء حاج صالح






  رد مع اقتباس
/
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط