العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-06-2010, 10:18 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد عزوز
عضو أكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / أرام
سوريا

الصورة الرمزية محمد عزوز

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمد عزوز غير متواجد حالياً


افتراضي وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

( حروف الدمع ) للقاص محمد عزوز
تفضح الشخصية الرابعة





هذه المجموعة القصصية كما يقول الأديب محمد عزوز , عبارة عن صور ومشاهد يومية لأناس عاديين هم في حقيقة الأمر ضحايا , التقطها لهم عفواً بكاميرته الأدبية الخاصة . ونحن نعلم أنه صوّر الشخصيات كما هي وصوّر الأحداث كما وقعت , دون تدخّل منه , وبغير علم الشخصيات ذاتها , ونعلم أيضاً أنه لو فعل ونبّههم قبل التصوير , لكانوا مَسَحوا دموعهم وأصلحوا هيئتهم وابتسموا !
القيام بتصوير مسرح الجريمة , أمر بحد ذاته ليس مشوّقاً بالمرّة , فلا السكين ولا الطعنة ولا خطوط
الدم كانت في يوم من الأيام من العناصر الجمالية , لكن الجزء المشوّق والمهم في العملية برمّتها هو
أننا عندما نصوّر القتيل في مسرح الجريمة , نكون وبكل بساطة قد صوّرنا القاتل .
مجموعة / حروف الدمع / ليست قصص بوليسية , لكنها بالمقابل تصرخ في وجوهنا بغضب . . .
/ لماذا لا تريدون التصديق بأن القاتل يمكن أيضاً ألاَّ يكون بشرياً , وأنه يستطيع أن يكون مجرد فكرة
أو ثقافة أو حتى عصر بأكمله / .
في قصة / صفقة / يصوّر لنا الكاتب إمرأة تبوح أخيراً لزميلها في العمل بمأساتها . لقد أمضت خمسة وعشرين عاماً من حياتها في الدراسة , وثلاث سنوات في البحث عن عمل , لتكتشف في النهاية
أنها قد تجاوزت الأربعين وأنها أصبحت وحيدة . خسرت جمالها وسحر أنوثتها وحقّها المشروع في أن تُحِب
ومُنحت عوضاً عن ذلك على لقب نهائي مؤلف من ثلاثة أحرف قاسية , وهو / عانس / وصار لِزاماً
عليها من الآن فصاعداً أن تعقد الصفقات ..... / سأنهي عنوستك / .... يقول الخاطب الذي طلق زوجته
/ سأنهي عنوستك مقابل أن ترعي أولادي وتسلّميني راتبك ِ /
هذه الصورة أو هذه القصة , ليست مجرّد حديث مصطبة كما يُخيّل للوهلة الأولى , لقد ضمّنها الكاتب كل العناصر التي تؤهلها لتكون مشكلة إنسانية كبرى . أحد ما / ليس الخاطب طبعاً / سَخِر من أحلام تلك
المرأة , سَخِر من حياتها وحتى من جسدها .
القصة مؤلفة من ثلاث شخصيات فقط , لكننا نتساءل , من هي الشخصية الرابعة والغير مرئية في الصورة
التي كانت السبب في ضياع حياة تلك المرأة . خمسة وعشرون عاماً تمضيها بطلة القصة في الدراسة .
لاحظوا أننا نتحدث عن ربع قرن ! , لأنه مقارنةً بالإنسان تعتبر حياة الحشرة لاشيء . ومقارنة بعمر الأرض يصبح عمر الإنسان تماماً كعمر الحشرة , وهذا ما يوافق عليه الجميع .
منذ أن قررت البشرية التخلّي عن مجتمعها الزراعي , والدخول مرةً واحدة في الثورة الصناعية الكبرى
ثم عصر المعلومات . وجدت نفسها فجأة , داخل صفقة ضارية , شرطها النهائي , / إحصل على المعلومة لنعترف بك / .
مشكلة هذه الصفقة , أن المعلومة لا تنتهي , لكن الجسد الإنساني ينتهي ويزول . صفقة تشبه تماماً صفقة الدكتور فاوست , إنها صفقة مع الشيطان / سأريك العالم لكني أريد حياتك / حتى كلمة ( صفقة ) خرجت ثم تدحرجت ككرة الثلج من قاموس الثورة الصناعية .
احتاجت تلك المرأة الأربعينية إلى أنوثتها فلم تعثر عليها , فتّشت عن حقّها بالحب ولم تجده , لأنه
وبكل بساطة كان قد ضاع تحت عجلة الحياة الجديدة والمعلومة اللاّمنتهية بغزارتها . فحتى تكون مؤهلاَ للعيش في هذا العصر , يجب أن تُمضي أكثر من ربع قرن في البحث عن المعلومة , بعدها لا أحد يعنيه ماذا حلَّ بجسدك المنبوذ وصاحب السمعة السيئة عند أغلب الأديان والثقافات .
الشعوب التي انتقلت إلى العصر الصناعي الحديث , عرفت أن هذا العصر , مُعادٍ للطبيعة البشرية
بل إنه معادٍ للطبيعة ككل . واكتشفت أيضاً أن الصراع مع الطبيعة لا يوجد فيه منتصر , لذلك قررّوا أنهم
لن يصارعوا الطبيعة , هم فقط سيعملون معها , فعندما تبني سدّاً أمام النهر , لا يعني هذا أنك انتصرت
عليه , لأن النهر في الواقعً لم يمت .
بناء عليه رأت تلك الشعوب أنه من الضروري جداً الإنتقال إلى أخلاقيات أخرى تنسجم مع العصر الصناعي والحياة الجديدة وتتماشى معهما . ثقافتنا العربية التي تنتمي لها بطلة القصة , مازلت حتى الآن مترددة في الإنتقال إلى أخلاقيات جديدة . إنها تعيش في عصر صناعي لكن بأخلاقيات المجتمع الزراعي القديم .
وهنا تكمن مأساة تلك المرأة التي لم يأخذ ( آدم سمث ) رأيها في تلك الثورة , وهي بالمقابل لم تشارك في تدشين صامولة واحدة في آلاته .
هل العصر الصناعي هو الشخصية الرابعة والغير مرئية التي أرادنا الكاتب أن نكتشفها في هذه القصة ؟
أم أنها ثقافة عجزت عن تطوير أخلاقياتها وحوّلتها عوضاً عن ذلك إلى أصنام ؟
المرأة العانس وبعد صراع أخلاقي مع نفسها , حزمت أمرها وقررت أن تدخل أخيراً وبكل جرأة إلى مكتب زميلها في العمل في محاولة ضمنية يائسة لبناء علاقة إنسانية من نوع ما , لكن الزميل الطيب ينهض
وهو يقول : / عذراً آنستي .... المدير العام ينتظرني !! /
وفي قصته البسيطة التي عنوانها / بإنتظار قرار / نتلمّس وجه آخر من العنف تمارسه ثقافتنا يومياً
على الفرد , عندما يهرع الزوج نحو زوجته المريضة , فيقول / عليّ أن أفعل شيئاً وإلاّ اتهمتني بالتقصير /
لديه إحساس دائم بالخطيئة , وبأنه منذ الولادة مذنب ومدان حتى يُثبت العكس , فالمجتمع يتعامل معه منذ البداية مفترضاً سوء النية , وسيظل الزوج حتى النهاية مشغول بالبرهنة على نواياه الطيبة , في البيت والشارع وحتى بينه وبين نفسه , ليتحول أخيراً إلى إنسان غير منتبه إطلاقاً إلى حاجته الماسّة للشعور بالخير , لأن يتصرف مع من يحب بعفوية , إنه مُراقََََب من قبل المجتمع , إنه مُحاصَر بما يريدونه هم أن يكون عليه . مُحاصر بكلمة واحدة متوحشة هي كلمة / الواجب / , تنين نيتشه الضخم ذو الأصداف ,
والذي على كل صدفة مكتوب / يجب عليك / فبمجرد الوقوف أمام ذلك التنين ستشعر كم أنت ضئيل وقزم .
حينما تموت الزوجة في اليوم التالي يقول الزوج :
/ في العناية المشددة استغرب المعنيون سؤالي ولم يستغربوا لهفتي /
/ كانت تصلني همسات الناس ... يا أخي الجلطة ما بتخبي حالها ... كيف تركها وهي على هالحال /
/ قال جاب لها مية سخنة وبعدين غطاها وتركها /
/ والله لو أسعفها من وقتها كان الله نجاها /
/ أي بيكون حاطط عينو على شي وحدة تانية /
مجتمع يفتقد إلى الثقافة الطبية , يلوم أفراده على جهلهم بها , إنه مجتمع لم يختبر معنى الثقة , لا أحد يثق بأحد . الفعل الشرير يجب تصديقه فوراً , أما الخير فهو مُستبعد .
تلك الطريقة بالتعاطي أي عدم الثقة الدائم , هي التي تسرق فرصة الفرد في أن يكون حُرّاً , إنها لا تتركه حتى ليسترد أنفاسه .
/ يزداد ألمي وأنا أسمع مثل هذه التعليقات /
/ وضٍّحت لبعض المقرٍّبين .. أن الأمر لم يتجاوز التفكير ببعض البرد , وكنت أخمِّن أنه سيزول تدريجياً
بعد أن تتدثر /
/ حمدت الله أن الأولاد لم يستجيبوا لما يقال وإلاّ كنت في موضع إتهام بالتقصير والقتل / .
في قصة / إختلاس / ما يدعم نقاشنا السابق , فالموظف البسيط الذي اتُّهٍم زوراً بالإختلاس ,
وهو برأيي أهم شخصية بالمجموعة كلّها , طلبوا منه أن يكتب كل شيء عن إختلاساته , وهو بدوره
سيُمضي بقية عمره في الإعتراف وبتذكُّر تلك الإختلاسات .
/ ثلاثون ... خمسون ... اعتبروها مئة ماعون من الورق خلال خدمة عشرين سنة /
/ نسيت في بعض الأيام قلمي . أخذته إلى البيت , كتبت به أشياء /
/ مكالمة هاتفية , كنت أضطر لإستخدام خط الهاتف في الحديث مع زوجتي وأولادي للإطمئنان
على مرض أو نتائج إمتحان , هذا فقط منذ عشرة أعوام لا أكثر . دونوا ذلك /
/ ربما نسيت شيئاً ما في جيبي فعبث به الأولاد في البيت ولم تعد تجدي إعادته للعمل /
الموظف البسيط في زنزانته يطلب بأسلوب جعله الكاتب مؤثراً , ورقة من المساجين . لقد تذكر للتو
إختلاسات أخرى لم يذكرها بالاستجواب .

معظم الشخصيات في المجموعة سلبية , تترك نفسها ليجرفها العالم , إنها لا تقاوم أبداً . إنها تبوح فقط ,
لكن حتى في التراجيديات القديمة كان الأبطال وهم يمشون نحو أقدارهم وحتفهم يصارعون .
مجموعة/ حروف الدمع / باعتقادي هي بدايات قصص , إنها قصص غير مكتملة باستثناء قصة
/ لعبة الأمان / والتى أراها مهمة وناضجة , وهذا يحيلني إلى نقاش آخر يتعلق بالأدب , لأن تصوير لحظة من الحياة اليومية لايجعلها تنتمي لفن القصة وإنما للصحافة . فالصحفي كما هو متعارف عليه
/ مؤرّخ اللحظة / , ومهمة الأدب لا يمكن أن تنحصر في التأريخ وأنما هي تسير أبعد من ذلك .
كنت أحب أن يحرّك الكاتب شخصياته , وأن يجعلها تتفاعل مع بعضها البعض .
في قصة / إختلاس / بدأت تتبلور مع الكاتب شخصية غاية في الخطورة والأهمية , وكان من الممكن لهذه الشخصية أن تواجه العالم حتى بسلبيتها , كشخصية / بارتلباي / لهرمان ملفل , وأوفيليا لشكسبير .
لكن الكاتب لسبب غامض شاء أن يبتر القصة من وسطها . وهذا ما جعلنا نصاب بالخيبة .
كُتبت / حروف الدمع / بأسلوب رشيق فكه خالي من أهواء الشعر . وبلغة جميلة مرحة أدخلت القاص
محمد عزوز وبكل ثقة إلى قائمة الكُتّاب الساخرين .

وائل زكي زيدان






  رد مع اقتباس
/
قديم 18-06-2010, 03:19 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زياد السعودي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

الشكر لوائل زكي زيدان
وهو يفتح نافذة
على ابداعكم
والشكر لكم على الرفد
تمنياتنا لكم بالتوفيق الدائم






  رد مع اقتباس
/
قديم 18-06-2010, 04:15 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
آمال رقايق
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
الجزائر
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


آمال رقايق غير متواجد حالياً


افتراضي رد: وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عزوز مشاهدة المشاركة
( حروف الدمع ) للقاص محمد عزوز
تفضح الشخصية الرابعة





هذه المجموعة القصصية كما يقول الأديب محمد عزوز , عبارة عن صور ومشاهد يومية لأناس عاديين هم في حقيقة الأمر ضحايا , التقطها لهم عفواً بكاميرته الأدبية الخاصة . ونحن نعلم أنه صوّر الشخصيات كما هي وصوّر الأحداث كما وقعت , دون تدخّل منه , وبغير علم الشخصيات ذاتها , ونعلم أيضاً أنه لو فعل ونبّههم قبل التصوير , لكانوا مَسَحوا دموعهم وأصلحوا هيئتهم وابتسموا !
القيام بتصوير مسرح الجريمة , أمر بحد ذاته ليس مشوّقاً بالمرّة , فلا السكين ولا الطعنة ولا خطوط
الدم كانت في يوم من الأيام من العناصر الجمالية , لكن الجزء المشوّق والمهم في العملية برمّتها هو
أننا عندما نصوّر القتيل في مسرح الجريمة , نكون وبكل بساطة قد صوّرنا القاتل .
مجموعة / حروف الدمع / ليست قصص بوليسية , لكنها بالمقابل تصرخ في وجوهنا بغضب . . .
/ لماذا لا تريدون التصديق بأن القاتل يمكن أيضاً ألاَّ يكون بشرياً , وأنه يستطيع أن يكون مجرد فكرة
أو ثقافة أو حتى عصر بأكمله / .
في قصة / صفقة / يصوّر لنا الكاتب إمرأة تبوح أخيراً لزميلها في العمل بمأساتها . لقد أمضت خمسة وعشرين عاماً من حياتها في الدراسة , وثلاث سنوات في البحث عن عمل , لتكتشف في النهاية
أنها قد تجاوزت الأربعين وأنها أصبحت وحيدة . خسرت جمالها وسحر أنوثتها وحقّها المشروع في أن تُحِب
ومُنحت عوضاً عن ذلك على لقب نهائي مؤلف من ثلاثة أحرف قاسية , وهو / عانس / وصار لِزاماً
عليها من الآن فصاعداً أن تعقد الصفقات ..... / سأنهي عنوستك / .... يقول الخاطب الذي طلق زوجته
/ سأنهي عنوستك مقابل أن ترعي أولادي وتسلّميني راتبك ِ /
هذه الصورة أو هذه القصة , ليست مجرّد حديث مصطبة كما يُخيّل للوهلة الأولى , لقد ضمّنها الكاتب كل العناصر التي تؤهلها لتكون مشكلة إنسانية كبرى . أحد ما / ليس الخاطب طبعاً / سَخِر من أحلام تلك
المرأة , سَخِر من حياتها وحتى من جسدها .
القصة مؤلفة من ثلاث شخصيات فقط , لكننا نتساءل , من هي الشخصية الرابعة والغير مرئية في الصورة
التي كانت السبب في ضياع حياة تلك المرأة . خمسة وعشرون عاماً تمضيها بطلة القصة في الدراسة .
لاحظوا أننا نتحدث عن ربع قرن ! , لأنه مقارنةً بالإنسان تعتبر حياة الحشرة لاشيء . ومقارنة بعمر الأرض يصبح عمر الإنسان تماماً كعمر الحشرة , وهذا ما يوافق عليه الجميع .
منذ أن قررت البشرية التخلّي عن مجتمعها الزراعي , والدخول مرةً واحدة في الثورة الصناعية الكبرى
ثم عصر المعلومات . وجدت نفسها فجأة , داخل صفقة ضارية , شرطها النهائي , / إحصل على المعلومة لنعترف بك / .
مشكلة هذه الصفقة , أن المعلومة لا تنتهي , لكن الجسد الإنساني ينتهي ويزول . صفقة تشبه تماماً صفقة الدكتور فاوست , إنها صفقة مع الشيطان / سأريك العالم لكني أريد حياتك / حتى كلمة ( صفقة ) خرجت ثم تدحرجت ككرة الثلج من قاموس الثورة الصناعية .
احتاجت تلك المرأة الأربعينية إلى أنوثتها فلم تعثر عليها , فتّشت عن حقّها بالحب ولم تجده , لأنه
وبكل بساطة كان قد ضاع تحت عجلة الحياة الجديدة والمعلومة اللاّمنتهية بغزارتها . فحتى تكون مؤهلاَ للعيش في هذا العصر , يجب أن تُمضي أكثر من ربع قرن في البحث عن المعلومة , بعدها لا أحد يعنيه ماذا حلَّ بجسدك المنبوذ وصاحب السمعة السيئة عند أغلب الأديان والثقافات .
الشعوب التي انتقلت إلى العصر الصناعي الحديث , عرفت أن هذا العصر , مُعادٍ للطبيعة البشرية
بل إنه معادٍ للطبيعة ككل . واكتشفت أيضاً أن الصراع مع الطبيعة لا يوجد فيه منتصر , لذلك قررّوا أنهم
لن يصارعوا الطبيعة , هم فقط سيعملون معها , فعندما تبني سدّاً أمام النهر , لا يعني هذا أنك انتصرت
عليه , لأن النهر في الواقعً لم يمت .
بناء عليه رأت تلك الشعوب أنه من الضروري جداً الإنتقال إلى أخلاقيات أخرى تنسجم مع العصر الصناعي والحياة الجديدة وتتماشى معهما . ثقافتنا العربية التي تنتمي لها بطلة القصة , مازلت حتى الآن مترددة في الإنتقال إلى أخلاقيات جديدة . إنها تعيش في عصر صناعي لكن بأخلاقيات المجتمع الزراعي القديم .
وهنا تكمن مأساة تلك المرأة التي لم يأخذ ( آدم سمث ) رأيها في تلك الثورة , وهي بالمقابل لم تشارك في تدشين صامولة واحدة في آلاته .
هل العصر الصناعي هو الشخصية الرابعة والغير مرئية التي أرادنا الكاتب أن نكتشفها في هذه القصة ؟
أم أنها ثقافة عجزت عن تطوير أخلاقياتها وحوّلتها عوضاً عن ذلك إلى أصنام ؟
المرأة العانس وبعد صراع أخلاقي مع نفسها , حزمت أمرها وقررت أن تدخل أخيراً وبكل جرأة إلى مكتب زميلها في العمل في محاولة ضمنية يائسة لبناء علاقة إنسانية من نوع ما , لكن الزميل الطيب ينهض
وهو يقول : / عذراً آنستي .... المدير العام ينتظرني !! /
وفي قصته البسيطة التي عنوانها / بإنتظار قرار / نتلمّس وجه آخر من العنف تمارسه ثقافتنا يومياً
على الفرد , عندما يهرع الزوج نحو زوجته المريضة , فيقول / عليّ أن أفعل شيئاً وإلاّ اتهمتني بالتقصير /
لديه إحساس دائم بالخطيئة , وبأنه منذ الولادة مذنب ومدان حتى يُثبت العكس , فالمجتمع يتعامل معه منذ البداية مفترضاً سوء النية , وسيظل الزوج حتى النهاية مشغول بالبرهنة على نواياه الطيبة , في البيت والشارع وحتى بينه وبين نفسه , ليتحول أخيراً إلى إنسان غير منتبه إطلاقاً إلى حاجته الماسّة للشعور بالخير , لأن يتصرف مع من يحب بعفوية , إنه مُراقََََب من قبل المجتمع , إنه مُحاصَر بما يريدونه هم أن يكون عليه . مُحاصر بكلمة واحدة متوحشة هي كلمة / الواجب / , تنين نيتشه الضخم ذو الأصداف ,
والذي على كل صدفة مكتوب / يجب عليك / فبمجرد الوقوف أمام ذلك التنين ستشعر كم أنت ضئيل وقزم .
حينما تموت الزوجة في اليوم التالي يقول الزوج :
/ في العناية المشددة استغرب المعنيون سؤالي ولم يستغربوا لهفتي /
/ كانت تصلني همسات الناس ... يا أخي الجلطة ما بتخبي حالها ... كيف تركها وهي على هالحال /
/ قال جاب لها مية سخنة وبعدين غطاها وتركها /
/ والله لو أسعفها من وقتها كان الله نجاها /
/ أي بيكون حاطط عينو على شي وحدة تانية /
مجتمع يفتقد إلى الثقافة الطبية , يلوم أفراده على جهلهم بها , إنه مجتمع لم يختبر معنى الثقة , لا أحد يثق بأحد . الفعل الشرير يجب تصديقه فوراً , أما الخير فهو مُستبعد .
تلك الطريقة بالتعاطي أي عدم الثقة الدائم , هي التي تسرق فرصة الفرد في أن يكون حُرّاً , إنها لا تتركه حتى ليسترد أنفاسه .
/ يزداد ألمي وأنا أسمع مثل هذه التعليقات /
/ وضٍّحت لبعض المقرٍّبين .. أن الأمر لم يتجاوز التفكير ببعض البرد , وكنت أخمِّن أنه سيزول تدريجياً
بعد أن تتدثر /
/ حمدت الله أن الأولاد لم يستجيبوا لما يقال وإلاّ كنت في موضع إتهام بالتقصير والقتل / .
في قصة / إختلاس / ما يدعم نقاشنا السابق , فالموظف البسيط الذي اتُّهٍم زوراً بالإختلاس ,
وهو برأيي أهم شخصية بالمجموعة كلّها , طلبوا منه أن يكتب كل شيء عن إختلاساته , وهو بدوره
سيُمضي بقية عمره في الإعتراف وبتذكُّر تلك الإختلاسات .
/ ثلاثون ... خمسون ... اعتبروها مئة ماعون من الورق خلال خدمة عشرين سنة /
/ نسيت في بعض الأيام قلمي . أخذته إلى البيت , كتبت به أشياء /
/ مكالمة هاتفية , كنت أضطر لإستخدام خط الهاتف في الحديث مع زوجتي وأولادي للإطمئنان
على مرض أو نتائج إمتحان , هذا فقط منذ عشرة أعوام لا أكثر . دونوا ذلك /
/ ربما نسيت شيئاً ما في جيبي فعبث به الأولاد في البيت ولم تعد تجدي إعادته للعمل /
الموظف البسيط في زنزانته يطلب بأسلوب جعله الكاتب مؤثراً , ورقة من المساجين . لقد تذكر للتو
إختلاسات أخرى لم يذكرها بالاستجواب .

معظم الشخصيات في المجموعة سلبية , تترك نفسها ليجرفها العالم , إنها لا تقاوم أبداً . إنها تبوح فقط ,
لكن حتى في التراجيديات القديمة كان الأبطال وهم يمشون نحو أقدارهم وحتفهم يصارعون .
مجموعة/ حروف الدمع / باعتقادي هي بدايات قصص , إنها قصص غير مكتملة باستثناء قصة
/ لعبة الأمان / والتى أراها مهمة وناضجة , وهذا يحيلني إلى نقاش آخر يتعلق بالأدب , لأن تصوير لحظة من الحياة اليومية لايجعلها تنتمي لفن القصة وإنما للصحافة . فالصحفي كما هو متعارف عليه
/ مؤرّخ اللحظة / , ومهمة الأدب لا يمكن أن تنحصر في التأريخ وأنما هي تسير أبعد من ذلك .
كنت أحب أن يحرّك الكاتب شخصياته , وأن يجعلها تتفاعل مع بعضها البعض .
في قصة / إختلاس / بدأت تتبلور مع الكاتب شخصية غاية في الخطورة والأهمية , وكان من الممكن لهذه الشخصية أن تواجه العالم حتى بسلبيتها , كشخصية / بارتلباي / لهرمان ملفل , وأوفيليا لشكسبير .
لكن الكاتب لسبب غامض شاء أن يبتر القصة من وسطها . وهذا ما جعلنا نصاب بالخيبة .
كُتبت / حروف الدمع / بأسلوب رشيق فكه خالي من أهواء الشعر . وبلغة جميلة مرحة أدخلت القاص
محمد عزوز وبكل ثقة إلى قائمة الكُتّاب الساخرين .

وائل زكي زيدان
سأعيش ما بقي من عمري أنتظر عربيا مثقفا يؤمن قبل أن يكتب أن أنوثة المرأة أعلى من ذلك السلم الزمني الباهت الذي ورطوها به..
أحيانا نكتب بنوايا طيبة فنجد أننا بصدد تكريس مفاهيم جئنا لأجل وأدها..
أنتظر أن يصدق مثقفونـا حقيقة أن الأنثى ليست مجرد شمعة تتفاعل إيجابا مع الآخر على حساب قامتها..
أنتظر أن تصدق إناث العروبة هذه الحقيقة البسيطة.. أم أنها كانت بسيطة حد أن كفرنا بها؟؟






فاجئينا يا سماء!
  رد مع اقتباس
/
قديم 18-06-2010, 08:13 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمد عزوز
عضو أكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / أرام
سوريا

الصورة الرمزية محمد عزوز

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمد عزوز غير متواجد حالياً


افتراضي رد: وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعـودي مشاهدة المشاركة
الشكر لوائل زكي زيدان
وهو يفتح نافذة
على ابداعكم
والشكر لكم على الرفد
تمنياتنا لكم بالتوفيق الدائم
صباح الخير
شكراً لكم العميد المكرم زياد السعودي
على هذا الوقوف
أقولها بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن صديقي
كاتب المقال الصديق الشاعر وائل زيدان
مع كل المودة والتقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 18-06-2010, 08:19 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمد عزوز
عضو أكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / أرام
سوريا

الصورة الرمزية محمد عزوز

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمد عزوز غير متواجد حالياً


افتراضي رد: وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعـودي مشاهدة المشاركة
الشكر لوائل زكي زيدان
وهو يفتح نافذة
على ابداعكم
والشكر لكم على الرفد
تمنياتنا لكم بالتوفيق الدائم
العميد المكرم زياد السعودي
صباحك نير على الدوام
حضورك الدائم يسعدنا ويحثنا على الرفد الدائم للفينيق
أشكرك بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن كاتب المقال
الشاعر الصديق وائل زيدان
كل المودة والتقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 19-06-2010, 11:21 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمد عزوز
عضو أكاديميّة الفينيق
رابطة الفينيق / أرام
سوريا

الصورة الرمزية محمد عزوز

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


محمد عزوز غير متواجد حالياً


افتراضي رد: وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع لمحمد عزوز

( سأعيش ما بقي من عمري أنتظر عربيا مثقفا يؤمن قبل أن يكتب أن أنوثة المرأة أعلى من ذلك السلم الزمني الباهت الذي ورطوها به..
أحيانا نكتب بنوايا طيبة فنجد أننا بصدد تكريس مفاهيم جئنا لأجل وأدها..
أنتظر أن يصدق مثقفونـا حقيقة أن الأنثى ليست مجرد شمعة تتفاعل إيجابا مع الآخر على حساب قامتها..
أنتظر أن تصدق إناث العروبة هذه الحقيقة البسيطة.. أم أنها كانت بسيطة حد أن كفرنا بها؟؟ )



الأديبة أمال رقايق
تبدين متحمسة لفكرة أتت عليها إحدى قصص المجموعة
معك حق في حماسك ..
وأنا ككاتب للقصة متحمس أكثر منك للفكرة لتأثري بأكثر من حالة عايشتها
لقد كانت النية طيبة .. ولا أظن أن في القصة أي تكريس لمفاهيم خاطئة
وقد لمست من خلال النهاية استجابة الصديق الذي لم يكمل اندفاعه للتعاطف ..
على كل الأحوال أنت تتحدثين عن قصة من خلال دراسة نقدية
سأنشر القصة في الفينيق .. كي يكتمل الأمر لديك ولدى القراء
أشكر اهتماك بالعمل .. مع المودة والتقدير






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط