إسقاط الحاضر في جنح الماضي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ثلاثون فجرا 1445ه‍ 🌤🏜 (آخر رد :راحيل الأيسر)       :: الا يا غزّ اشتاقك (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الأزهر يتحدث :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الادب والمجتمع (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: مقدّّس يكنس المدّنس (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: إخــفاق (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :عبدالماجد موسى)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-06-2014, 12:42 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مالكة عسال
عضو اكاديمية الفينيق
المغرب

الصورة الرمزية مالكة عسال

افتراضي إسقاط الحاضر في جنح الماضي

إسقاط الحاضر في جنح الماضي
قراءة في رواية "لبوءة حاحة "للمبدعة مليكة رتنان
مقدمة
لقد لوحظ أخيرا أن زمرة من النساء ،في العالم العربي أصبحن يقتحمن بوابة التاريخ في الأدب الروائي، بعدما كن يتحاشينه ،باعتباره تجربة معقدة لايمكن خوض غمارها ،لأنها ستواجه مجتمعا بعيدا عن الثبات والرسوخ ،يتطلب صدقية واقعيتها ،كما في نظرهن العودة إلى متون التاريخ وتعقيداته ليس بالأمر الهين .. وكان الاقتصار على السيَر الذاتية كنبْع مثمر يغني الأدب الروائي ..غير أن عناصر الوعي الثقافي ،والجانب الفني ،والخيال المجنح ، كانت الحافز الأقوى المؤثث لصنع روايات تاريخية ،بأسلوب مختلف يستسيغ الزمن الماضي العميق، المحروق بالأزمات المعيشة في ظل الحاضر ،بل وإسقاط الحاضر ،بأوضاعه الجديدة القائمة على سلوك الإنسان وارتباطه بالحياة الاجتماعية في جنح الماضي، بأخيلة تخلط الجانبين لتُخرج من عجْنتها رواية حديثة ،تتلامس فيها الأحداث الماضية بالوقائع الحاضرة ومكوناتها ،بالعبّ من التاريخ ..وروائيتنا مليكة رتنان خلخلت التاريخ ،لتأخذ من عصارته الرحيق الحلو ،وتبلل به المُر الحالي المستفحل بين المواطنين ،في قالب واقعي يلامس نفحة من الخيال ،طعمته بقصة زينة ويحيى كزوجين علاقتهما مبنية على الحب والوفاء ،وتابعت بحذلقة ومتن عميق تسلسل الوقائع تُعَلّب الحاضر في الماضي، ،فوضعت إصبعها بإحكام على المزري والمقهور من الأوضاع ،تراوغ فيها اللغة والأحداث بحبكة فريدة تجعل القارئ ينشَدّ إليها من أسطرها الأولى...
الجانب الاجتماعي
تتوغل المبدعة في حياة الطبقة الاجتماعية المسحوقة حد الجوهر،فتصف لنا بدقة الفقر الذي تعاني منه ،والقحط والنهب المتكرر من قبل الاستعمار ،الذي توطّد بدعم من بعض الخونة العملاء الموالين له ،حيث أصبح الأهالي بين المطرقة والسندان ..الفقر يلوكهم من الداخل ،والمستعمر ينهبهم من الخارج ..بالإضافة إلى ما تتعرض له شريحة واسعة من سكان وأهالي القرية ،من لدغ الأفاعي ولسع الحشرات في وضع مهمل و حقير،وبما أن الإنسان تحت مظلة المستعمر سواء في البادية أو القرية ،فهو يكابد القهر والتهميش والحقارة والدناءة يقف أمام كل هذه الوقائع عاجزا عن تغييرها أو تحسينها .. لقد قدمت الكاتبة تدقيقا كاملا للأوضاع المزرية التي يعيشها المواطنون ،وما يتلقونه من جور وعنف وسبي المستعمر والمعمر على السواء للنساء بشكل وحشي ،وخطفهن من أحضان أزواجهن واغتصابهن ،مشخصة الغل والحقد ،ودواعي الانتقام المستشري في أوساطهم...
وتقف بجرأة حادة ،لتُطلعنا على ظاهرة القحط الغريبة التي اجتاحت البلاد ،حيث تفجّرت عن الجوع القاهر عدةُ رذائل قاتلة ،خلفت جيشا من الضائعين تحولَ فيه الذكور إلى قُطاع الطرق ،والإناث إلى مومسات يعترضن المارة جماعات ... وتواصل الحفر في الجانب الاجتماعي بكل مآسيه فتُعَرج على ظاهرة إنسانية تشمئز منها القلوب ألا وهي : سوق العبيد ،وكيف كان البشر كالحيوانات يباعون ،واصفة بدقة طبقة الأسياد وكيف كانت تمارس كل أنواع التنكيل على طبقة مسحوقة أسمتها العبيد :
((أتذكر ياميمون يوم باعك والدك المسكين بابا بوشعيب الحارثي لوالدي)) ًص:69
كان الأسياد ينتشلونهم من مهودهم ،ويشترونهم دون أدنى اعتبار للعلاقة العاطفية التي تربط الأبناء بالآباء ..وبعد البيع يصبحون منقطعي الصلات مع أسرهم التي أنجبتهم ،ولاتربطهم بها أية صلة وكأنهم لقطاء أو أبناء الشوارع ...:
((مولاتي أنا لاأعرف شيئا عن حياتي الماضية ،منذ وعين وأنا في هذا القصر ،وفي خدمة سيدي القايد موسة )) ص:77
ولايمكنهم أن ينالوا الحرية إلا إذا قاموا بفعل جيد يرضي أسيادهم ، أودفعوا مبلغ من المال، ،أو إذا رقّ أحد الأسياد لحالهم..وتتابع الروائية مليكة رتنان تقليب بستان الجانب الاجتماعي، فتقتحم السجون ،لتصور بعدستها الدقيقة ،وضعية السجناء ومايلاقونه من قسوة السياط على أيدي جلاديهم ،ثم رميِهم في الخلاء فريسة لجراحهم ،ونزف دمائهم ...
العادات والأعراف
تعمقت الكاتبة بعمق في هوية المغاربة ،ولم تستثنِِ بعض الأعراف والعادات التي كانت من شيَمهم ،والعيش على بساطتها بطرق تقليدية غارقة في البداوة والقدم ..فاستنهضت بتعبيرها الصريح بعض طرق العيش كالإنارة بقناديل الزيت ،والشرب في القلال ،والجلوس على الحصير ،والتجارة بالقوافل على الدواب،وما تلبسه النساء من زي للتستر حياءً وحشمةً .. وهو أسلوب مغربي صرف وجدُّ متخلف ..:
((والنساء متسربلات في حياك من الصوف لايظهر منهن إلا العيون المكحلة)) ص:147
كما طرقت باب العرافات والتهجين وما تنثني عليه من طقوس السحر والخرافات والتعاويد ،تقول :
" من كيس أصفر اللون أخرجت يدها الأسرى حفنة بخور ألقت بها في الموقد وشفتاها لاتتوقفان ..."ص:150
الجانب السياسي
طافت الذات الكاتبة بكل الجوانب الاجتماعية ،متخذة مواقف نبيلة ،ولاتني تقتحم الجانب السياسي من بابه الواسع ،لتضع إصبعها على صلب السبب المؤدي إلى تردي الأوضاع ،وتحدد بالضبط مَن وراء هذه الظواهر المدمية للقلوب :أصحاب القرار ،الذين يُحكِمُون القبض على خيوط الهندسات ،والتخطيطات ،وتقصد بذلك المستعمرين ،وأتباعَهم الخونة المنجَرين من رقابهم كالعبيد ، والملتصقين بنعالهم كالحشرات،الذين يساعدونهم على ارتكاب أفحش الجرائم ،بسبي النساء، وتشريد الأبرياء ،وتهجير المواطنين ،حتى أصبح الضحايا يعلقون مآسيهم على مشجب القضاء والقدر ...
"وخلصت إلى أن الله قدر الصور والأرزاق والأعمار لِما في الأرحام "
ص:188
وهذا نداء مباشر من الكاتبة إلى الذين أصابهم الهوان والخنوع لأسيادهم ،أن ينتفضوا ضد المستعمر من أجل العيش بكرامة ،وكافة الحقوق الإنسانية ..دعوة متحمسة ،متشبعة بشحنة نضالية ..ـــ أفرزها الإحساس العميق بالذل والمهانة الحاطّة من عزة النفس، ليدركوا أن ماأصابهم ليس من الله سبحانه،ولا كُتِب على جباههم كما يزعمون ،وإنما هي كوارث من فعل شرور النفس البشرية الأمارة بالسوء ،والتي تركض وراء خلفيات المصالح الشخصية ،والبحث عن الثراء وما جاوز ذلك ..وعليهم الذود عن سيادتهم وكرامتهم وحقوقهم، واستردادها انتزاعا بالجهد ،وليس بالصدقة والتوسل والإحباط،والدفاع عنها حتى لاتغتصب ثانية .. ..كأنها بذلك توقض الكبرياء في نفوس المواطنين ،وتخلخل إحساسهم ..ليقوموا من سباتهم، ويعملوا جاهدين لتغيير المناكر وإصلاح الأوضاع ..
التاريخ
ركضت الكاتبة وراء هواجسها فاقتحمت الرواية التاريخية من من فنائها الفسيح ،وعادة الكتاب الروائيين يمزجون الواقع بالخيال ،حتى لايظلوا ملتصقين بالأحداث الواقعية جملة وتفصيلا ..بينما كاتبتنا ،تشبثت بالخط الروائي الواقعي بلمسة خفيفة من الخيال ،واصفة فيه عهدا دفقت أنهاره ،بجسام الأحداث وضخامة الخطوب ،بأسلوب روائي سائغ ،ترصف الأحداث طوبة طوبة ،متخذة المجتمع كقضية ،تدرس تدرجاته وتُعدد ألوانه ،وإن كان حاله لم يعد ثابتا اليوم ،مسلطة الضوء على شخصيات تاريخية بعينها ،لا لتفسير ما جرى من وجهة القشرة السطحية .وإنما لتقف بعمق على معضلاته ،وعاهاته ،وآفات الهيمنة والطغيان حين استفحلا ،فتُطلعنا بوعيها اليقظ على لحظة مظلمة من التاريخ المغربي ،سادت فيه عوالم الصراع بين المستعمِر والمستعمَر ،ودواعيه ونتائجه ، ومصير المجتمعات التي ترزح تحت ظله ،بعد جَرّ بساط الحرية والاستقلال من تحت أقدامها ،فهي تدس للقراء السم في العسل ،تذكي نار يقظته بالأوضاع الحالية ،في قالب تاريخي متين لتتنفس في روحه بما يجري اليوم من تسلط وهيمنة ،كانا طاحونة سحق للبشر، ساهمت بوضوح في شقاء الفقراء وإسعاد الأغنياء .. وهنا تتقاطع الكاتبة مع الكاتب اللبناني الشهير جرجي زيدان في بعض الروايات ،من حيث تفاصيل الوصف ،واستنهاض شخصيات تاريخية ،وترصيف الأحداث وتلاحقها ،وكأنها سقطت من ضلعه ..
الجانب الجغرافي وأدب الرحلة
يقيناً مِنا مِن كون الرواية تاريخيةً، اقتحمت فيها الروائية جيوب التاريخ ،وغرفت منه الأحداث بالتنوع والتتابع ، لايفوتها أن تنحنيَ نحو فحوى السرد الجغرافي الذي يتحاشاه الروائيون خوفا من الفشل ،حيث وقفت بعمق العين المجهرية في رحلتها الماجلانية على بعض المناطق ،تشُق بنزوة القلم ،مواقعها واصفة وصفا جغرافيا وبأدق التفاصيل ، كل منطقة على حدة ،وما تتوفر عليه من عناصر ومناظر طبيعية ،وتضاريس متتبعة الخط الجغرافي ،بالتنقل من مكان إلى آخر ..تقول:
((بعد الخروج من سلجماسة وتجاوز الآبارالمذكورة ،تدخل مُجابة جبال رملية قاحلة )) ص:130 وبداية الصفحة 131و132 بل وتدقق أحيانا في حدود المنطقة ،وما يحيط بها ،وما تتوفر عليه ،كأنها على علم بها أو زارتها ،أو قامت حولها بدراسات عميقة، ولاتقف عند حدود الرواية الجغرافية ،بل أحيانا ،تنغمس في أدب الرحلة ،فتتعمق في منعرجات بعض الأقطار ،تحذر من خطورتها ،بل وتحث الجميع على الحيطة والحذر من الرهان والمغامرات في خضمها ،تحاشيا للأخطار المُحْدقة بها ..نصائح حكيمة وكأنها رحالة لها باع طويل في كنوز السفر والترحال ...وتتسربل الصفحات مايقرب من عشرة أو أكثر تَهيم الروائية بين الموج الجغرافي تخلخل أطنابه ،وتكشف الغطاء عن خباياه ...
السارد
حولت المؤلفة ساردها إلى شخصية من شخوص الرواية ،لاتفصله عنها أية مسافة، تحركه بوصلة الدهشة في جميع الاتجاهات ،راصدا الأحداث بعدسته الشفافة ،واصفا بالتفاصيل دقائق الأشياء بكل جزئياتها مهما عظم شأنها ،أو قلّ حجمها ..مبتدئا بالجانب السياسي مرورا بالجانب الاجتماعي ،وصولا إلى الجانب الثقافي خاصة التعليم ،مشخصا المعاناة التي يقاسيها المواطنون في كل الجوانب ، ومايلاقونه من تضييق الخناق كلما بادروا للحصول على حقوقهم ،أو قاموا بمحاولات من أجل ذلك ...يروي السارد الأحداث بضمير الغائب ،متخفيا في جلباب خشن يطل من ثقوبه الواسعة ،على الوقائع يترصدها حدثا حدثا ،متسلحا بدهائه ،وحيَله ليُوهم القارئ أنه خارج مدار الرواية ،ولاتعنيه مايدور في خُلدها من مجريات الأمور ،بل مجرد واصف يحكي الأحداث ،ويَنقل كلام الآخرين ويشرح ويعلق، ويقدم الشخصيات ومكان وزمان تحركها ،مسلطا الضوء ،شارحا أسباب نموها واستنباتها واستفحالها ...مسيطرا بأدواته السردية المتقنة ،وصوته المهيمن ...
اللغة
اللغة شفافة ،مسنودة إلى المنطق والموضوعية ،تارة ،وأخرى تتحلى بضروب الأمازيغية ،وثالثة بعبارات الدارجة المغربية ، ورابعة منمقة بالبرتغالية ..ضروب من الألوان المختلفة حاذت فيها الكاتبة العادي المتداول ،والمباشر المألوف ،ليس ضعفا منها في انتقاء اللفظ ،وصياغته ،أو خفيَ عليها أن تزركشها بآهات الإيحاء والرمز والمجاز،وتمنطقها بالتخييلي ..وإنما طبيعة الرواية حتّمت عليها ذلك ، لتنقل إلينا الأحداث الواقعية بموضوعية ومنطق ، كما حدثت بالضبط،وكأنها مُؤرِّخة تؤرخ لفترة عصيبة لتقف على الأوضاع المزرية التي ترزح تحت نيْر الاستعمار ،وكيف كان المواطنون مُجردين من كل أساليب العيش الكريم تحت وطأة التحقير والتهميش ، وسلب خيراتهم ،لتذكيَ حماس القارئ حتى يفطن إلى أن الحرية والحقوق التي ينعم بهما ،لم تهبْ على طبق من فضة، وإنما راحت في سبيلها أرواح ،وعُذبت من أجلها كائنات بشرية شرّ تعذيب ..فكانت اللغة ملك يديها تتلاعب بها كيف شاءت ،وتشكلها كما يحلو لها ..:فتتموج في لحاف من الكلمات العامية المغربية القُحة ،تغرفها من هوية أصحابها ،كما كانوا ينطقون بها ..،
((ارجع إلى مكانك ياالمبراص ص:29))
وقد التقطتْ قراءتي المتواضعة هذه ، العديد من العبارات المتنوعة والممتعة في نفس الوقت : منها المضحكة ،والجارحة ،والساخرة .. كما يتجلى في ما يلي ( زَفّان – الحثالة – أجلاخة – العتروس – الهجالة – أخنشة الشمرتل – أشماتة – راس الكلخ – وغيرها ...وهذه الألفاظ المتناثرة في خضم الرواية ،حركت الرواية من وجهة أمرين اثنين :
أولا بعثتْ في الرواية دبيبا من الحركة والاهتزاز بشكل غريب ومدهش ،وثانيا ،أصبغت على الرواية نوعا من الفكاهة ،بقصد أو بغير قصد من الكاتبة ، نثرتها كمستملحات ساخرة ،تفسح مجالا للاستمتاع ،والشد إليها ،وتجعل القارئ يلتصق بها حتى النهاية..أضف إلى أن الكاتبة تؤثث للحظة تاريخية بأعرافها وتقاليدها ،تلتقط فيها ماهو جوهري وجدلي ويومي ..وله علاقة بالتاريخ ،خاصة اللهجة وطريقة التحدث والحوار ... بالإضافة إلى ذلك طرزت الكاتبة حواشي لغتها بالأمازيغية كمورد ثان تغتني به اللغة ...:
((تنغوبا تودرت إنوس تمتانتن إللي نو )) ص:51
إيمانا منها أن اللغة العربية والأمازيغية توأمان لايفصلهما عن لحمَتِهما فاصل ،تتعانقان على درب الحدث لتكملا بعضيهما البعض، بمصافحة فولاذية لايُحدث السيف في صفحتها شرخا مهما كانت مضاضته ،شأن المغاربة والأمازيغ إبان الاستعمار لما كانا في توحد مطلق ، ولم تبلغ منهما أداة الاستعمار ((فرق تسد)) التي حاول فيها تفريق وحدتهما وتشتيت شملهما ، حتى يستثب له الأمر ،ويحكم قبضة الهيمنة والسيادة عليهما معا ...وفطنة الفريقين كسرت الشوكة في حلق المستعمر ،فنال المرّ والسم منهما معا ... وليس هذا فحسب ،بل وتضرب الكاتبة القارئ بشعاع اللغة البرتغالية أيضا :
((بون ديا سينيور الفاريس ))ص:51 وتعني صباح الخير سيدي الفاريس ...
مما يبين بالمباشر أن الروائية ملمة باللغات آنفة الذكر،ولايمكن أن يكون ذلك قد أتى بمحض الصدفة والتلقائية ،وإنما من محنة ثقافية لملمتها الكاتبة ، بهدف ترصيع اللغة ،حتى تبدو في حلة أجمل وأروع من جهة.. ومن جهة ثانية إثراؤها وجعلها غنية بحمولتها المتعددة ، لتكسير الملل لدى القارئ فيجدد بالتالي إقبالَه على القراءة ،بامتصاص كل مسافة بينها وبينه حتى يستوعب بنفس الشعور ،الأحداث المرة التي مرّ تحت سقيفتها المغاربة ،فيشاركها همّها وإحساسها ،وكأنها بذلك تريد غرس الوطنية واتقاد الغيرة فيه ..ومن هنا يبدو جليا أن الكاتبة وطنية حتى النخاع ،ويتضح ذلك من خلال إلمامها بتفاصيل الاستعمار وممارساته الجائرة
((قرى بأكملها أفرغت من سكانها ودمرت ،حقول محرقة ،دور محطمة ومخربة أصبحت مرتعا للضباع والسباع ))ص:114
الخاتمة
لقد كانت الروائية كالموسى تقطع بجوانبها الحادة المتعددة رؤوس تيمات مختلفة ،تتناولها بمتنها السردي العميق مستندة إلى ثقافة الذكرى ،ونبش ذرائع الأسلاف ،من أجل صيانة التراث الخبري من جهة .ومن جهة أخرى استنهاض بعض القيم المحافظة على الهوية ،وثالثا ، حشر الواقع الأليم الحالي ،وما اعتورته من نكبات في سجل الماضي بدهاء من الكاتبة .. مركزة على الصراع والتفاوت الاجتماعيين ،حيث اختارت أبرز الأحداث في حياة الوطن المغربي ،لتعكسَها كواقع معيش بمختلف تمظهراته التاريخية ،وقد حققت المراد من حيث الرصد والكشف ،رغم أنها لم تستعِن ببعض الوثائق التاريخية ،ولابمقولات تاريخية كاستشهادات ..وهنا أفتح سؤالين مهمين :
ــــ بمَ استعانت الروائية لتأتي بهذا الخلق المتميز ،وكأنها عاينت تلك الفترة الاستعمارية ؟؟؟؟
ـــ لِمَ رَكضت الروائية خلف الماضي واستنساخه ،ولمْ تتوجه نحو قبلة الحاضر ،ورصد الأعطاب الكائنة ،واستشراف الممكن بصريح العبارة ؟؟؟
وحتى أخلص فقد أعترف أن الروائية ،بتتبعها لمسارات اللحظة الاستعمارية ،ومجاراتها لوقائعه المدعومة بمهارتها المتقنة وتسلسلها الحذق عن طريق الإخبار التاريخي ،أقلقتْ وعيي وشوشت معارفي ،وجعلتني أترنح بين التصديق والتكذيب ....
مالكة عسال
بتاريخ 24/10/2013






  رد مع اقتباس
/
قديم 01-01-2017, 08:49 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي رد: إسقاط الحاضر في جنح الماضي

الشكر لكم على الرفد والفائدة
كل الود






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:11 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط