لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
15-07-2020, 04:37 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (8)
كانَ طَوالَ مُدَّةِ هَذَيانِهِ يَسْمَعُ أَصْواتًا مِنَ الـماضي تُناديهِ.. وَأَصْواتًا مِنَ الـمُسْتَقْبَلِ تَحُثُّهُ عَلى الإِسْراعِ في القُدومِ إِلَيْها.. وَأَصْواتًا قَريبَةً مِنْهُ تُحاوِلُ مَنْعَ وُصولِ بَقِيَّةِ الأَصْواتِ إِلَيْهِ.. تَقْطُعُ الأَصْواتَ موسيقى كونِيَّةُ اللُّغَةِ لا تَحْتاجُ تَرْجَمَةً.. فَهِيَ لُغَةُ الكُلِّ الأَرْضِيِّ.. تَتَسَلَّلُ بِعُذوبَتِها إِلى ثَنايا الرُّوحِ وَخَلايا القَلْبُ فَتَبْسُطُ سَيْطَرَتَها عَلى ما تُلامِسُ مِنْ خَلْقٍ.. كَأَنَّها سُلْطانُ الزَّمانِ الـمُطاعِ.. عَزْفٌ بِإِيقاعٍ خَبَبَيٍّ عَسْكَرِيٍّ كَأَنَّهُ يَسْتَنْهِضُ القُرونَ النَّائِمَةَ في شَخْصِهِ.. أَوْ يُحاوِلُ إِيقاظَهُ مِنْ عَدَمِهِ الَّذي غابَ فيهِ.. وَبَيْنَ كُلِّ ذلِكَ كانَ الجَوُّ يَعْبَقُ بِنَفَحاتٍ عِطْرِيَّةٍ قَريبًا مِنْ أَنْفِهِ.. كَأَنَّها نُشوقٌ تُعيد الـمُخَدَّرَ إِلى حِسِّهِ وَوَعْيِهِ.. وَخِلالَ مَرْحَلَةِ عُبورِهِ مِنَ الهَذَيانِ وَالتَّغْييبِ إِلى الوَعْيِ وَالإِدْراكِ كانَتْ تَتَراءى لَهُ أَناهُ بِرِفْقَةِ حَكيمِ الزَّمانِ في رَوْضٍ فَسيحٍ يُطِلُّ عَلى مُروجٍ مِنْ جَمالٍ وَحَدائِقَ وَرْدٍ جَمَعَتْ كُلَّ أَلْوانِ الطَّيْفِ في أُلْفَةٍ وَإِلْفَةٍ.. يَشْفي العَليلَ عَبيرُها.. وَيَنْشَرِحُ الصَّدْرِ خِلالَ السَّيْرِ فيها.. تَحُفُّها جَوقاتُ طَيْرٍ بِأَلْحانٍ قَديمَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ كَتَرانيمِ الطَّيْرِ كُلَّ صَباحٍ.. تَشْعُرُ كُلَّ يَوْمٍ بِنَشْوَةٍ جَديدَةٍ حينَ تُصْغي لِنُهوضِ الطَّبيعَةِ مِنْ سُباتِها.. رَغْمَ أَنَّ الطَّيْرَ لَمْ تُغَيِّرْ وَلَمْ تُبَدِّلْ أَلْحانَها وَعَزْفَها..
وَتَتَساءَلُ عَنِ السِّرِّ الَّذي يَجْعَلُها كُلَّ فَجْرٍ حَديثَةً تَأْسِرُكَ بِسِحْرِها.. عادَ مِنْ غِيابِهِ إِلى حُضورِهِ.. وَظَلَّ مَنْظَرُ أَناهُ بِرِفْقَةِ حَكيمِ الزَّمانِ يَشْغَلُهُ.. وَيَتَساءَلُ: كَيْفَ اجْتَمَعَتْ أَناهُ بِالحَكيمِ؟ أَوْ مَنِ الَّذي جَمَعَهُما؟ وَهَلْ الحَكيمُ عَلى مَعْرِفَةٍ سابِقَةٍ بِأَناهُ؟ وَهَلْ لِأَناهُ عِلْمٌ بِالحَكيمِ؟ وَكانَ يَأْتيهِ صَوْتٌ مُدَوٍّ مِنْ أَعْماقِهِ مُنْشِدًا: قَلْبي يُحَدِّثُني بِأَنَّكِ يا "أَنا".. في كُرْبَةٍ، أَوْ غُرْبَةٍ، أَوْ في خَطَرْ قَلْبي يَقولُ بِأَنَّنا في ظُلْمَةٍ.. لا فَجْرَ يَطْرُدُها وَلا فيها قَمَرْ وَحينَ اكْتَمَلَ حُضورُهُ وَاعْتَدَلَ إِدْراكُهُ وَوَعِيُهُ.. راحَ يَتَلَفَّتُ حَوْلَهُ عَلَّهُ يَرى أَحَدًا لِيَعْرِفَ مِنْهُ ما يَجْري.. وَها هُوَ يَسْمَعُ وَقْعَ خُطى تَقْتَرِبُ دونَ أَنْ يَرى شُخوصًا.. لكِنَّ وَقْعَ الخُطى يوحي بَكَثْرَةِ القادِمينَ وَالكُرَةُ النُّورانِيَّةُ الَّتي حُبِسَ فيها لَيْسَتْ كَبيرَةً إِلى حَدِّ اسْتيعابِ هذا الكَمِّ مِنَ الشُّخوصِ.. قَطَعَ تَفْكيرَهُ وَهَواجِسَهُ صَوْتٌ بَيْنَ اللِّينِ وَالشِّدَّةِ يُخاطِبُهُ: • مَرْحَبًا بِكَ أَيُّها الرَّائِدُ.. قَدْ طالَتْ غَيْبَتُكَ وَكُلُّ أَهْلِ الواحاتِ بِانْتِظارِكَ.. فَقَدْ ماتَ الشَّيْخُ الحارِسُ ماضيكَ.. وَلا شَيْخَ إِلَّاكَ يُلَقِّنُ السُّكَّانَ هُناكَ لُغَةَ النَّهارِ.. وَيُدَرِّبُهُمْ عَلى الحِرابِ القَدَرِيَّةِ.. في مُواجَهَةِ جُنودِ اللَّيْلِ عَلى الرُّبى الـمُحيطَةِ.. كَالأَكَلَةِ عَلى قَصْعَتِها.. - رائِدٌ! .. شَيْخٌ!.. ما هذا.. مَنْ أَنْتَ وَمَنْ الَّذينَ مَعَكَ؟ لَسْتُ مِنْ تَبْحَثُ عَنْهُ.. وَلَسْتُ أَعْرِفُ غَيْرَ الحَكيمِ وَأَنايَ.. أَيْنَ ذَهَبْتُمْ بِها؟ وَفي أَيِّ جُبٍّ أَلْقَيْتُموها؟ وَهَلْ هِيَ عَلى قَيْدِ الحَياةِ أَمْ أَعْدَمْتُموها؟ مَدى حُضورٍ مُتْخَمٌ وَجَعًا دُنْيَوِيًّا.. مُسَطَّحًا رابِضًا عَلى يَوْمِهِ.. أَصْواتُ ضَحِكٍ تَعُمُّ الـمَكانَ، وَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ صَوْتَ أَناهُ بَيْنَ الأَصْواتِ.. لكِنَّهُ لا يَجْزِمُ فَما زالَتْ بَقايا قَليلَةٌ مِنْ خَدَرِ الغِيابِ تُغَشِّي زاوِيَةَ أَناهُ في ذاكِرَتِهِ.. ثُمَّ يَنْطِقُ الصَّوْتُ.. • هَدِّئْ مِنْ رَوْعِكَ يا أَخا الفَجْرِ القادِمِ وَرَبَّ سَطْوَتِهِ وَوَريثَ عَرْشِهِ.. لا بَأْسَ عَلَيْكَ فَخَوْفُكَ مُبَرَّرٌ.. وَلَمْ نُحْضِرْكَ لِزِيادَةِ غُرْبَتِكَ أَوْ نَفْيِكَ عَنْ أَناكَ.. بَلْ لِنَجْمَعَكُما مَعًا.. فَلَنْ يَتَحَقَّقَ الـمَطْلوبُ إِلَّا بِكُما.. وَهِيَ بِخَيْرٍ في الصَّفِّ الأَخيرِ مِنَ الحُضورِ.. وَلا تَظُنَّ الحُضورَ قِلَّةً.. فَهذِهِ الكُرَةُ لَيْسَتْ سِوى شُرْفَةٍ عَلى الزَّمَنِ لَها امْتِدادٌ لا مُتَناهٍ.. لكِنَّنا نَفْصِلُها عَنْهُ وَنُعيدُها حَسَبَ الحاجَة.. - كَيْفَ أَهْدَأُ وَأَنا حَبيسُ كُرَتِكُمْ هذِهِ؟ كَيْفَ أَهْدَأُ وَأَنا لا أَرى مُخاطِبي وَلا أَعْلَمُ عَدَدَكُمْ؟ وَهَلْ أَنْتُمْ مُسَلَّحونَ أَمْ لا؟ كَيْفَ أَهْدَأُ وَقَدْ فَرَّقْتُمْ بَيْني وَبَيْنَ أَنايَ وَحَرَمْتُموني مِنْها.. • كَما أَخْبَرْتُكَ.. أَناكَ بَيْنَ الحُضورِ سَتَراها بَعْدَ مُوافَقَتِكَ.. وَسَتَجْتَمُعُ بِها وَتَنْعُمانِ بِحُبِّكُما.. أَمَّا نَحْنُ فَلْنْ تَرانا.. لِأَنَّكَ إِن رَأَيْتَنا سَيَذْهَبُ بَصَرُكَ وَتَعيشُ كَظيمًا كَيَعْقوبَ حينَ فَقَدَ يوسُفَهُ.. وَلا يَسُرُّنا أَنْ تَفْقِدَ أَناكَ أَوْ تَضيعَ مِنْكَ.. وَيَكْفي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّنا رُسُلُ النُّورِ إِلَيْكَ مِنْ سُكَّانِ الواحاتِ.. - حَسَنًا.. مُوافِقٌ عَلى طَلَبِكُمْ.. فَأَيْنَ أَنايَ؟ أُريدُها أَمامي الآنَ.. صاحَ الصَّوْتُ: • هاتوا لَهُ عَباءَةَ الـمُلْكِ وَالحِكْمَةِ.. وَتاجَ النُّورِ.. وَاخْلَعوا عَنْهُ هذِهِ الـمَلابِسَ الرَّثَّةَ.. وَاغْسِلوهُ بِماءِ عَيْنِ القادِمِ الـمُشِعِّ.. فَلَيْسَ سِواهُ أَصْلَحُ لِذلِكَ.. سَتَرى أَناكَ حالَ الاِنْتِهاءِ مِمَّا سَمِعْتَ.. شَعَرَ بِأَيْدٍ تَحْمِلُهُ وَلا يَراها.. وَتَمْضي بِهِ في لَـمْحِ البَصَرِ إِلى مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْلوفٍ وَلا رَأَى شَبيهًا لَهُ في حَياتِهِ.. كانَ عِبارَةً عَنْ إِيوانٍ مُذَهَّبِ الجُدْرانِ.. عَلى أَطْرافِهِ طَواويسُ مَنْقوشَةٌ مِنَ الحَجَرِ تَقِفُ عَلى رُؤوسِ غِزْلانٍ حَجَرِيَّةٍ.. وَالـماءُ يَجْري مِنْ خِلالِ الجُدْانِ وَيَصُبُّ في بركَةٍ تَتَوَسَّطُ الإيوانَ كَأَنَّها صَرْحٌ مُمَرَّدٌ.. كان يَرى الـماءَ في جَرَيانِهِ نَحْوَ البِرْكَةِ.. لكِنْ أَيْنَ يَذْهَبُ بَعْدَ انْصِبابِهِ في البِرْكَةِ لا يَعْلَمُ.. وَفَجْأَةً رَأَى نَفْسَهُ عارِيًا كَالحَقيقَةِ وَبَدَأَ يَشْعُرُ أَنَّهُ يَسْتَحِمُّ وَيَسْمَعُ صَوْتَ انْصِبابِ الـماءِ عَلى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ دونَ أَنْ يَرى شَيْئًا.. وَلا يَعْلَمُ إِنْ كانَ قَدْ وَقَفَ تَحْتَ الـماءِ أَمْ هُناكَ مَنْ يَصُبُّهُ عَلَيْهِ.. كانَتْ رائِحَةُ الـماءِ عَطِرَةً نَفَّاذَةً.. يَغيبُ العَقْلُ مِنْها نَشْوَةً لِطيبِها.. تَوَقَّفَ انْصِبابُ الـماءِ وَسَقَطَ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ مِنْ دَيْباجٍ غَليظٍ.. وَأَحَسَّهُ يَعْرُكُ جِسْمَهُ كَأَنَّهُ مِنْشَفَةٌ.. ثُمَّ طارَ البُرْنُسُ عَنْهُ.. وَسَقَطَتْ عَلَيْهِ مَلابِسُهُ سُقوطَ النَّدى عَلى الوَرْدِ وَلَبِسَتْهُ.. ثُمَّ سَقَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ كُوَّةِ الغَيْبِ عَباءَةُ الـمُلْكِ وَالحِكْمَةِ وَلِبِسَ تاجُ النُّورِ رَأْسَهُ فَأَضاءَ الـمَكانُ وَانْقَلَبَ إِلى سَطْحٍ فَسيحٍ تَحْتَ السَّماءِ.. تُطِلُّ النُّجومُ عَلَيْهِ.. وَرَأَى أَمامَ ناظِرَيْهِ شَريطًا يَعْرِضُ لَهُ ما سَيَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ أَحْداثٍ قادِمَةٍ.. ثُمَّ أَحَسَّ بِالأَيْدي تَحْمِلُهُ.. وَفي لَمْحِ البَصَرِ كانَ في الكُرَةِ النُّورانِيَّةِ.. لكِنَّهُ تَفاجَأَ أَنَّهُ يَرى مَنْ كانَ يُحَدِّثُهُ وَمَنْ مَعَهُ.. وَلاحَتْ أَناهُ لِعَيْنِهِ في الصَّفِّ الأَخيرِ.. وَهَمَّ بِالرَّكْضِ إِلَيْها لِيَضُمَّها بَعْدَ فِراقٍ طالَ وَشَوْقٍ مُلْتَهِبٍ.. لكِنَّهُمْ حالوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما يُريدُ.. وَقالَ كَبيرُهُمْ، مُوَضِّحًا وَشارِحًا: • سَتَنْصَهِرُ وَتَذوبُ إِنْ لَـمَسْتَها.. لِأَنَّكَ الآنَ تَمْلِكُ طاقَةً نورانِيَّةً لا تَمَسُّ شَيْئًا إِلَّا صَهَرَتْهُ وَذابَ.. وَهذِهِ الطَّاقَةُ هِيَ الَّتي مَكَّنَتْكَ مِنْ رُؤْيَتِنا.. أَلا تَرى أَنَّنا هَياكِلُ نُورٍ.. إِنَّ عَلَيْكَ انْتِظارَ هِلالِ ضَوْءٍ حَتَّى نُعِدَّها لَكَ.. ثُمَّ بَعْدَها يُمْكِنُكَ لَمْسُها وَضَمُّها.. لكِنْ يُمْكِنُكَ الجُلوسُ بِقُرْبِها وَالحَديثُ إِلَيْها بِشَرْطِ عَدَمِ اللَّمْسِ.. حَتَّى نَرْجَعَ بِثِيابِها الَّتي تَليقُ بِها وَبِحُضورِها فيكَ.. نادى عَلى أَناهُ فَجاءَتْهُ عَلى جَناحِ السُّرْعَةِ.. وَأَوْصاها ما أَوْصاهُ، وَأَخْبَرَهُما أَنَّهُما سَيَظَلَّانِ في الكُرَةِ حَتَّى يَعودوا إِلَيْهِما بِالثِّيابِ.. وَانْطَلَقَ الجَمْعُ سِواهُ وَأَناهُ.. وَهَمَّ وَهَمَّتْ لكِنْ خَوْفُ الفُقْدانِ حالَ دونَ ذلِكَ.. كانَتْ أَناهُ عَروسًا في لَيْلَةِ القَدْرِ لا يُمْكِنُ لِفِكْرٍ شَرْحُ جَمالِها وَلا لِقَلَمٍ رَسْمُ الجَمالِ.. فَقَدْ تَجَلَّى الإِعْجازُ فيها.. (يتبع) |
|||
16-07-2020, 08:22 AM | رقم المشاركة : 2 | |||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (8)
هل تعلم يا سيدي بأن مجموعتي القصصية الأولى والوحيدة حتى اللحظة اسمها (( هذيان من ذاكرة خط الشام)) والمجموعة الثاني وهي جاهزة للنشر ((هذيان من ذاكرة أيلول)) ثم ((هذيان من ذاكرة ليلى )) لا أعرف كيف تعلقت بالهذيان أول مرة لكنني أذكر أن أمرا جلل قد حدث فجذبني الهذيان إلى فضاءه .
بوركت وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
|||||
02-09-2020, 04:58 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (8)
نتابع تدفق المدهش
كامل الود |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|