العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-04-2020, 03:30 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حواس محمود
أديب
عضو رابطة الفينيق الأدبية
سوريا
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


حواس محمود غير متواجد حالياً


افتراضي الأمن الثقافي

الأمن الثقافي
حواس محمود
هنالك انطباع يشوبه قدر لا بأس به من الالتباس وعدم الوضوح في مفهوم الأمن الثقافي ناتج عن الجمع بين كلمتين قد تكونان متضادتين في معنيهما :الأمن والثقافة ( الأمن الذي يدل على الدفاع ويجانس الانكماش والتقوقع أما الثقافة فتعني الإبداع والانفتاح والتفاعل ) ولكن الإمعان في تركيب الكلمتين معا وبالارتباط مع مقومات الأمة ووجودها الحضاري نصل إلى أن هذا التركيب يأخذ معنى مفيدا وضروريا وبخاصة في اللحظة التاريخية الراهنة
فمفهوم الأمن الثقافي قد ارتبط استعماله مع بروز ظاهرة العولمة في فجر التسعينيات من القرن المنصرم ، وهو كما أسلفنا اقتران ذو دلالة من وجهين من حيث أن الثقافة ما عانت كثيرا مشكلات أمنها الذاتي ، حيث كان نطاقها القومي مدار اشتغالها وفاعليتها ، ومن حيث أن العولمة نفسها ما صارت كذلك – أي عولمة – إلا حيث حملت على ركاب ثقافي وأنتجت ثقافتها العابرة للحدود
فالأمن الثقافي يعد عنصراً لا غنى عنه من عناصر النهضة الاجتماعية، ومظهرا من مظاهر القدرة على التحرر من المؤثرات الخارجية الوافدة، فهو أعلى مظاهر استرداد الهوية التي سعت قوى الشر والبغي عبر التاريخ إلى إنهاء خطوط الدفاع الفكرية والعقدية كخطوة أولى لعملية الاستيعاب والسيطرة.. ويخطئ من يعتقد بأن الأمن الثقافي، هو عبارة عن غلق الأبواب والانطواء على النفس والتقوقع وسد المنافذ وغلق الأبواب والإكثار من قائمة الممنوعات، والابتعاد عن وسائل الاتصال والإعلام الحديثة.. فالأمن الثقافي لا يشكل حالة سلبية تتجسد في صد الناس عن المخاطر المحتملة

إن الأمن الثقافي يعني توفير الثقافة الصالحة الثقافة المحصنة والمتفاعلة والواثقة والحامية للناس حتى يتمكنوا من خلالها أن يعيشوا حياتهم المعاصرة بشكل سليم وإيجابي.
وهو يعني بناء قوة الوجود الثقافي الذاتية، التي تقوى لا على المقاومة والصمود فحسب، وإنما على الاندفاع والملاحقة والفعل المؤثر.. ولكي تتحقق هذه المقولة نشير إلى أن مفهوم الأمن الثقافي يعتمد على عنصرين أساسيين:
1- الاعتزاز بالذات الثقافية الحضارية:
حيث أن الذات الثقافية بمثابة الإطار أو الوعاء الذي يستوعب منتوج المثقف، لذلك فإن منتوج المثقف ينبغي أن ينطلق من الخطوط العريضة وروح الثقافة الذاتية، بما تمثله هذه الثقافة الذاتية من رموز وأفكار وقيم ومبادئ
ومشكلتنا المعاصرة ليس في الثقافات الأخرى وقدرتها على الوصول إلى مخادع نومنا وتطرق منازلنا في كل وقت وفي كل ساعة، بل في الممارسات التي نمارسها جميعا أفرادا ومؤسسات في خنق الذات الثقافية والتضييق عليها.. لهذا فإن تجاوز الآثار السيئة والخطيرة للثقافات الغازية لمجتمعاتنا وشعوبنا، هو في أن نطلق الحرية لثقافتنا الذاتية بأن تعبر عن نفسها بأي طريقة شاءت.. إن إعطاء المجال للثقافة الذاتية رموزا وأفكارا هو الخيار الاستراتيجي الذي نتمكن من خلاله تحقيق مقولة (الأمن الثقافي).
وبهذا نعطي للثقافة الذاتية المجال الطبيعي والفسحة المريحة للدفاع عن كينونتها الاجتماعية والتاريخية.
2- الانفتاح والحوار مع الثقافات المعاصرة:
وبحسب الدكتور سعد الصويان فإن الثقافة في حقيقتها وفي معناها الشامل أشبه ما تكون بالصرح الشامخ الذي يحتاج إلى صيانة وتشغيل، أو قل هي كائن حيوي معقد يتألف من أجزاء وأوصال يختلف تكوينها باختلاف وظائفها لكنها في نهاية الأمر تتلقى توجيهاتها من مركز عصبي واحد. وقياساً على ذلك فإن فعالية الثقافة تبقى محدودة وحيويتها مفقودة إذا كان الجهاز الثقافي عبارة عن أشلاء مقطعة وأوصال متناثرة لا ينتظمها مركز واحد ولا توجهها رؤية واضحة

وباعتبار أن الثقافة عبارة عن عملية مستمرة لا تتوقف عند حد أدنى تكتفي بتوفيره للناس، وإنما هي تهيئ الأرضية لعملية انطلاق ثقافي، تأخذ من الموروث الثقافي والانفتاح على الثقافة المعاصرة نقطتي انطلاق وارتكاز في جهدها الثقافي الراهن. فالأمن الثقافي لا يعني بأي شكل من الأشكال الاحتماء تحت متاريس الماضي عن الثقافة المعاصرة.. بل يعني الاعتزاز بالذات الحضارية مع هضم معطيات الآخر الحضاري لأن الانطواء والانغلاق والتقوقع وعدم التكيف مع متغيرات العصر ومنجزاته هو بحد ذاته افقار للوجود الذاتي وإضعاف لمكونات الثقافة الغنية الفاعلة والمتفاعلة وبالتالي الثقافة الديناميكية المتطورة بحيث نضحى وكأننا نعيش في القرون الوسطى السالفة ، بعيدين كل البعد كل البعد عن إنجازات الإنسان المعاصر والاكتشافات العلمية وتطبيقاتها المثمرة والمفيدة للإنسان أينما كان
وبالتالي فإن أي مجتمع لا يتمكن من صيانة أمنه الثقافي واستمرارية فعله الجماعي إلا بالثقة بالنفس والتفاعل مع منجزات العصر أو بعبارة مختصرة التفاعل الواعي والتلاؤم المحصن
وكل هذه الأمور تحفزنا للبحث عن الذات الثقافية وإبراز مضامينها وتطلعاتها، وتربية المواطن على ضوئها وهداها. وعن هذا الطريق يمكننا الحصول على الحد الأدنى من الأمن الثقافي المطلوب في عصر تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية .
ولابد لنا من التوضيح بأن هناك فرقا كبيرا بين الأمن الثقافي والثقافة الأمنية، فالأخيرة: هي مجموعة من الأنشطة التي تستهدف خلق الوعي الأمني، أما الأمن الثقافي: فالمقصود به هو بيان الأسس والقواعد المتوفرة في ثقافة ما، التي تمنع حالات الاختراق الثقافي والغزو الفكري
تحديات الأمن الثقافي :
يمكن القول بأن كل تغير في عالم الثقافة يؤدي بالضرورة إلى وعي ثقافي يأخذ شكل أفكار حول الواقع ، والوعي الثقافي يدخل في عملية تناقض أو حتى صراع على الثقافة الموضوعية ، إذا كان واقع الثقافة موضوعيا لم يعد قادرا على الاستجابة لوعي ضرورة التغير والانتقال من حالة إلى أخرى
هنا نحن أمام مسألة لا تندرج في إطار ما نسميه الأمن الثقافي ، نحن نعيش شروطا موضوعية جعلت من الثقافة عنصرا خاضعا لأشكال وعي مختلفة من حيث وجودها ومن حيث وظيفتها
وليس أدل على ذلك من أن هناك جملة من المصطلحات التي انتشرت وذات علاقة بما نحن فيه ، الاختراق الثقافي ، الغزو الثقافي ، الدفاع عن الثقافة الوطنية ، وأخيرا الأمن الثقافي ، بالإضأفة إلى ذلك كله تلك الهوة التي تفصلنا عن التقدم الغربي وعلاقة التبعية التي ترتبط بها الدول العربية مع الغرب ، والتي أنتجت إحساسا بأن الصراع مع الغرب هو صراع ثقافي ، لا سيما وأن الثقافي يتحول إلى سلاح لتأكيد تبعية كهذه وهنا مرة أخرى تنتصب الثقافة كمنقذ ،
إن تدقيقا في مصطلحات ، كهذا الذي نتناوله يفضي إلى أنّ النخبة العربية وبالتالي الخطاب العربي يتجه إلى فض العلاقة التناقضية بين الثقافة العربية والثقافة الغربية وذلك أن ثقافة تقوم بالاختراق وثقافة تقف موقف الدفاع في مواجهة هذا الاختراق ، وتعبير الأمن الثقافي يعد من بين التعابير الأكثر ارتباطا بالمواجهة وهو الذي يرتبط بجملة أشكال من البحث عن الأمن القومي كالأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن العسكري والأمن المائي .. الخ
وفي كل جانب يرد فيه مصطلح الأمن هنا إنما يراد منه تحقيق قدر من المنفعة والقوة لتحقيق نوع من الطمأنينة الدائمة على الوجود الذاتي ، هنا تبدو العلاقة ترابطية بين كل أشكال الأمن المطلوبة الآنفة الذكر
ولا يعني تعبير الأمن الثقافي الاحتفاظ بجميع أشكال القيم السائدة موضوعيا ، ذلك أن عالم القيم عالم متغير متطور وفق تطور المجتمع الكلي ، وذلك لأن كل مرحلة من مراحل التطور الموضوعي للعلاقات الإنتاجية وما يرافقها من تطور كلي ، من شأنها خلق القيم المطابقة لها وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة
الثقافة الاستهلاكية وثقافة الصورة :
وهنالك علاقة وثيقة بين الثقافة الاستهلاكية وثقافة الصورة، إذ أن الصورة أصبحت وسيلة أساسية من وسائل انتشار الثقافة الاستهلاكية، التي غدت - بفعل أساليب البث الفضائي المتنوعة - ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
وأضحت الصورة تمثل سمة بارزة من أهم سمات الثقافة الكونية، وشهدت حضوراً طاغياً، جعلها تستطيع اختراق ملايين العقول، داخل العديد من المجتمعات، في وقت واحد. مهما كان مستوى امتلاك هذه المجتمعات وتلك العقول من الثقافة والمعرفة والتعليم. ذلك لأن استقبال الصور أو التأثر بها لا يحتاج إلى تعلم أبجدية القراءة أو الكتابة، ولا يحتاج إلى خلفية معرفية. وهذا ما دفع ببعض المفكرين إلى القول بأننا أصبحنا نعيش "عصر الصورة" أو عصرالثقافة الشفوية والنتيجة أن هيمنة ثقافة الصورة قد تم على حساب ثقافة الكلمة المكتوبة ، وهذا ما يعزز الأمية الأبجدية لدى قطاع واسع من أبناء المجتمعات العربية بحيث لا يشعر بنقص في المدارك والمعارف التي تكتسب من الثقافة المكتوبة على عكس الثقافة المرئية الاستهلاكية وغير المنتجة لأي قيم تساهم في البناء والتطوير
كما أن ثقافة الصورة لا تملأ علينا دنيانا فقط بل هي تصنعها بشكل متزايد في يسره ونفاذه وشموله ، ولن يمضي وقت طويل قبل أن يلتقط جهاز التلفزيون العادي عدة مئات من البرامج من محطات تبنى كي تبث دفعة واحدة ما يزيد على ألف برنامج من فن ولون وذوق ، إننا بصدد حالة فعلية من إغراق إعلامي يعبر عن مدى تزايد قوة ثقافة الصورة ونفاذها ، كما لن يمضي وقت طويل قبل أن يتحول جهاز التلفزيون في المنزل إلى سوبر ماركت إعلامي لا يلتقط ما تبثه الفضائيات فقط ، بل هو مربوط بقواعد المعلومات التي تختزن مجمل الثروة البشرية من المادة المصورة والمرئية ، ومن هنا ينتشر الحديث عن " إدمان الشاشة " وعن " نساك الشاشة "
وبحسب الباحث المغربي الأستاذ عبد الإله بلقزيز فإن صيرورة الصورة سلطة رمزية على صعيد الإدراك الثقافي العام لا يعني إلا إن النظام السمعي البصري ( نظام ثقافة العولمة )أصبح المصدر الجديد الأقوى لإنتاج القيم والرموز وصناعتها ، وتشكيل الوعي والوجدان والذوق ، ولذلك آثاره الخطيرة على صعيدين : على صعيد مستوى التنمية الثقافية والقيمية التي تقترحها العولمة على البشرية اليوم ، وعلى صعيد درجة التناسب الطبيعي بين الثقافي والاجتماعي في المجتمعات المعاصرة والمستقبلية
تبدو الثقافة على الصعيد الأول – على مستوى من الهزال والفقر والسطحية يثور معه التساؤل المشروع عن مستقبلها الإنساني تشبه ثقافة هذا" النظام الثقافي " سائر مواد الاستهلاك معلبات " ثقافية " تتضمن مواد مسلوقة جاهزة للاستهلاك وشركات إعلامية تتنافس لتقديم سلعها إلى المستهلك في إخراج مثير يضعه تحت وطأة إغراء لا يقاوم لا وقت للتفكير والتمحيص والتردد النقدي ، وسائر ما يمكن أن يحمي الوعي من السقوط في إغراء الخداع ، وبحسب بلقزيز فانه إذا أخذنا في الحسبان أن هجوم ثقافة الصورة على الوعي يجري في امتداد التراجع المروع لمعدلات القراءة في العالم بينت لنا معالم النفق المظلم الذي تدخل إليه الثقافة والوعي في عصر الصورة والإعلام السمعي – البصري : ضمور متزايد لجسم الثقافة والمعرفة وضيق شديد في جغرافيا التكوين بما رحبت من معلومات وتكريس منظومة جديدة من المعايير ترفع من قيمة النفعية والفردانية والأنانية والمنزع المادي – الغرائزي المجرد من أي محتوى إنساني

والأخطر في هذه الثقافة الكونية أنها تعمل على إخضاع كافة الثقافات المحلية لسطوتها المعرفية والقيمية. بغض النظر عن طبيعة التباينات والخصوصيات الثقافية التي تميز الثقافات المحلية، وما تتسم به هذه الثقافات من أصالة، ومن ثراء وتنوع. لذا فإن الثقافة الكونية تمثل تهديداً حقيقياً للخصائص الجوهرية والقيم والعادات والتقاليد التي تجسد هوية المجتمعات وثقافتها الوطنية.
ويفضي ذلك إلى أن تصبح الثقافات المحلية مجرد تابع أو خادم يسير في فلك هذه الثقافة الكونية
وتخضع لشروط إنتاجها المجحفة وتتحول إلى مجرد"مستقبل" أو "مستهلك" سلبي لكل ما تقذف به هذه الثقافة الكونية (ثقافة التنميط ) من قيم وعادات وتقاليد، قد تتعارض مع قيم وعادات وتقاليد هذه الثقافات المحلية
ختاما : فإن تطوير الثقافة العربية بحيث تغدو ثقافة معتزة بالذات ومتفاعلة مع محيطها بكل ديناميكية وحيوية وترفع عن نفسها عقدة النقص والدونية وإذا استطاعت المجتمعات العربية أن تصل إلى هذا المستوى الثقافي الرفيع، هذا الأمن الثقافي، فإن هذه المجتمعات سوف تقف على قدم المساواة مع المجتمعات والأمم المتحضرة تتأثر بها وتتأثر بنا على حد سواء وتربطنا بها علاقات الأخذ والعطاء المتبادل ونكسر طوق الحصار التكنولوجي والهيمنة الثقافية المطلقة والتبعية الفكرية التامة. وبذلك نضيف بعداً آخر لإنجازاتنا المادية ، يخولنا لأخذ مكاننا المناسب في الصفوف الأولى من بين الأمم المتقدمة وننتزع احترام المجموعة الدولية فنكسب مكانة مرموقة في هذا العالم

المراجع :

1- محمد محفوظ " في معنى الأمن الثقافي " جريدة الرياض 12-9-2009
2- شما بنت محمد بن خالد آل نهيان " الأمن الثقافي في عصر الثقافة الكونية – جريدة الاتحاد " 4 -1- 2011
3- د. سعد الصويان " الأمن الثقافي " الموقع الالكتروني الشخصي
4- حواس محمود – التكنولوجيا والعولمة الثقافية – دار المنارة بيروت ط1 2003ص 152
5- عبد الاله بلقزيز " العولمة والهوية الثقافية عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة " مجلة المستقبل العربي – مارس 1998 – ص 96 ص 97
6- مصطفى حجازي – حصار الثقافة – المركز الثقافي العربي – بيروت – لبنان – ط1 1998 ص 27 – ص 32
حواس محمود






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:18 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط