|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
06-07-2020, 08:10 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
[IMG]مركز الخليج[/IMG] اِفْتَرَشَ الصَّعيدَ لَيَأْخُذَ قِسْطًا مِنَ النَّوْمِ.. لكِنَّ النَّوْمَ لَيْسَ لَهُ، فَقَدْ أَخْبَرَهُ حَكيمُ الزَّمانِ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِنَوْمٍ وَسُكونٍ.. بَلْ لِجَرِّ الـمُسْتَقْبَلِ مِنْ حَوْضِ الغِيابِ إِلى حِياضِ حُضورِهِ في الزَّمَنِ.. لَمْ يُخْلَقْ لِلْهَوامِشِ وَالحَواشي.. كَالعابِرينَ مِنَ نَخيلِ القَصائِدِ إِلى بَسْطاتِ الكَلامِ.. عَلى أَرْصِفَةِ الحَيارى اللَّاهثينَ خَلْفَ قِطْعَةِ صُبْحٍ يُطارِدُها لَيْلُ القُرونِ.. فَلا هِيَ تَحُطُّ الرِّحالَ عَلى أَرْضِهِمْ وَلا يَكُفُّونَ عَنِ اللُّهاثِ وَالرَّكْضِ.. قالَ لَهُ: خُلِقْتَ جامِعًا وَجَماعَةً وَحْدَكَ.. فَمَكانُكَ الرِّيحُ لا الخَرابُ وَلا السَّرابُ.. أَعْدَدْناكَ لِلْمَهَمَّةِ الكُبْرى.. لِإِعادَةِ القُطْعانِ إِلى حِظارِ الكَيْنونَةِ.. خُلِقْتَ لِتَكونَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ بَعْدَكَ لِلْعِمارَةِ.. لكِنَّ الأَرْضَ مُثْقَلَةٌ بِالجُثَثِ وَالجِيَفِ بَعْدَ الطُّوفانِ الأَخيرِ.. وَعَلَيْكَ انْتِظارُ جَفافِها سَبْعًا عِجافًا.. غِلالُها سَنابِلُ هِجاءٍ وَحَبُّها كَلامٌ مُرٌّ.. بَعْدَها تَكونُ رُقْعَةُ نَسْلِكَ اتَّسَعَتْ، وَجَفَّتِ الجُثَثُ في هذا العَراءِ الـمُشْمِسِ وَذَرَتْها رِياحُ العَدَمِ.. وَانْقَرَضَتِ الهَمَجِيَّةُ لِتَبْدَأَ الإِعْمارَ. تَذَكَّرَ وَصايا الحَكيمِ، وَراحَ يَتَأَمَّلُ النُّجومَ قَليلًا.. رَآها تَتَداخَلُ في بَعْضِها وَتَتَقاطَعُ أَنْوارُها كَسِهامٍ في بَهيمِ اللَّيْلِ.. وَيَرى انْفِجاراتٍ تُضيءُ اللَّيْلَ تَأْتي مِنَ سَحيقِ الأَزَلَ.. لِتَرْسُمَ وُرودًا تَتَفَتَّحُ فَجْأَةً ثُمَّ تَخْبو وَتَخْتَفي.. وَراحَ يَتَساءَلُ عَنْ زَمَنِ حُدوثِ الاِنْفِجاراتِ.. فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الفارِقَ الزَّمَنِيَّ بَيْنَ حُدوثِ الاِنْفِجارِ وَرُؤْيَتِهِ كَبيرٌ جِدًّا وَلا يُقاسُ بِعِدَّةِ قَطَراتٍ بِدائِيَّةٍ مِنْ بَحْرِ النُّورِ.. وَلَـمَّا يَئِسَ مِنَ الوُصولِ إِلى جَوابٍ.. بَدَأَ يُفَكِّرُ في أَناهُ.. يَذْكُرُ أَنَّهُ يَوْمَ رَحيلِهِ أَقْفَلَ البابَ خَلْفَهُ حَتَّى لا يُصيبَهُ الصُّداعُ كُلَّما هَبَّتِ الرِّيحُ في فِنائِها، وَعَجِزَ عَنْ صَدِّها لِأَنَّ أَناهُ سَمَحَتْ لِلرِّيحِ بِالهُبوبِ وَمَنَعَتْهُ مِنْ صَدِّها.. وَغابَ عامَ كَلامٍ وَغَضَبٍ اسْتَأْثَرَا بِروحِهِ وَغَيَّبَا عَنْهُ طَريقَ الرُّجوعِ.. وَلَمْ يَفْتُرْ حَنينُهُ لِأَناهُ رَغْمَ بُعْدِهِ.. وَساحَ في بِلادِ القَصيدِ أَميرًا عَرَبِيًّا كَعادَتِهِ مَعَ الزَّمَنِ الخاضِعِ لِتَأْويلِهِ الـمُحْكَمِ.. فَلا مَقولَ بَعْدَ مَقولِهِ وَلا اسْتِئْنافَ عَلَيْهِ.. لكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدْرِكُ أَنَّ أَناهُ لَمْ تَتْرُكْهُ لَحْظَةً حَتَّى يَوْمَ رَحَلَ.. فَذاكِرَتُهَ كانَتْ مَهْدَها وَمَسْرَحَها.. وَغالَبَ النُّعاسَ طَويلًا.. وَلكِنْ لِشِدَّةِ إِعْيائِهِ غَلَبَهُ النُّعاسُ فَغابَ في سُباتٍ عَلى الصَّعيدِ بِلا فِراشٍ وَلا غِطاءٍ.. وَمِنْ وَراءِ حِجابِ الغَيْبِ هَبَّتْ نَسَماتٌ عَلى حُلُمِهِ لِتُنْعِشَهُ وَتوقِظَهُ مِنْ سُباتٍ طالَ.. مَزيجُ حُضورٍ مِنْ وَجَعٍ دَخيلٍ.. مَسارُ رُقى عُيونٍ يَكونُ.. كانَ الجَسَدُ ساكِنًا مُسَجًّى عَلى الصَّعيدِ.. بِذاكِرَةٍ حَيَّةٍ، تَدورُ فيها مَعارِكُ الزَّمانِ.. وَسطورُ التَّاريخِ حَوادِثُ وَأَحْداثٌ تَدورُ الآنَ فيها.. رَأى نوحًا في السَّفينَةِ وَالأَمْواجُ كَالجِبالِ تَتَقاذَفُها.. وَقالَ لَهُ راكِبٌ إِنَّهُمْ بَقِيَّةُ سُكَّانِ الأَرْضِ.. وَظَلَّ يُراقِبُ السَّفينَةَ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ عَلى الجودِيِّ.. رَأَى عادًا وَثَمودَ.. وَعَجِبَ مِنْ حَضارَتِهِمْ عَلى الجَزيرَةِ.. وَتَعَجَّبَ أَكْثَرَ مِنْ بَأْسِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ وَغَطْرَسَتِهِمْ.. وَضَحِكَ ساخِرًا حينَ أَخْبَرَهُ أَحَدُهُمْ أَنَّ انْشِغالَهُمْ بِالبَقاءِ حَرَمَهُمُ البَقاءَ وَحالوا رَمْلًا مِنْ رِمالِ الجَزيرَةِ تَطَأُهُ الرُّكْبانُ.. وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ آثارٍ تَرَكوها.. كَأَنَّ جَزاءَ الغَطْرَسَةِ أَنْ يُداسوا بِالنِّعالِ وَخِفافِ الإِبِلِ أَبَدَ الدَّهْرِ.. رَأَى إِبْراهيمَ يُصارِعُ القابِضينَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُلْقونَهُ في النَّارِ وَيَخْرُجُ مِنْها سالِـمًا دونَ أَنْ تَمَسَّهُ.. فَيَعُمُّ الصَّمْتُ وَيُبْهَتُ الجَميعُ.. رَأَى بابِلَ وَحَدائِقَها وَالـمَدائِنَ وَكِسْرى عَلى عَرْشِهِ في القَصْرِ وَانْطِفاءَ نارِهِ.. عَرَّجَ عَلى أَثينا وَروما وَقُرْطُبَةَ وَغِرْناطَةَ.. رَأَى امْرَأَ القَيْسِ في نَزَواتِهِ مَعَ فاطِمَةَ وَعُنَيْزَةَ.. وَعُرْوَةَ الصَّعاليكِ يُفارِقُ سَلْماهُ في سَكْرَتِهِ.. رَأَى الجَرادَتيْنِ تُغَنِّيانِ في البَلَدِ الحَرامِ.. وَكَيْفَ نَسَيَ الرَّكْبُ أَنَّهُمْ جاؤُوا لِلْاِسْتِسْقاءِ.. وَما كَانَ في يَوْمِ الظُّلَّةِ مِنَ العَذابِ.. رَأَى الدَّارِمِيَّ يُنْشِدُ ذاتَ الخِمارِ الأَسْوَدِ فَتَخْرُجُ عَذارى بَغْدادَ بِالخُمُرِ السُّودِ.. رَأَى شَهْرَيارَ مُنْشَغِلًا بِتَقْطيعِ رُؤوسِ مَحْظِيَّاتِهِ ثُمَّ، جالِسًا كَطِفْلٍ تَحْتَ أَقْدامِ شَهْرَزادَ تَقُصُّ عَلى طُفولَتِهِ ما يُسَكِّنُ جوعَها وَشَهْوَتَها لِلْقَتْلِ.. رَأَى رومْيو تَحْتَ شُبَّاكِ جولْييتَ يُنْشِدُها وِيَبُثُّها شَوْقَهُ.. رَأَى أَهْلَهُ يَنْتَظِرونَ جودو الَّذي لا يَأْتي.. وَرَأَى الغولَ تَلْتَهِمُ أَبْناءَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَيَنْدُبونَ حَظَّهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ وَلا يَسْمَعونَ غَيْرَ صَدى قَهْقَهَةٍ.. وَعَجِبَ مِنْ إِصْرارِهِمْ عَلى النَّدْبِ وَتَحْييدِ الفِعْلِ..فَالتَّاريخُ في ذاكِرَتِهِ سِفْرٌ مُصَوَّرٌ بِأَرْضِهِ وَشُخوصِهِ.. سَكَنْتْ ذاكِرَتُهُ سِوى وَميضٍ يَنْبَعِثُ مِنْها.. وَكانَ لِهُبوبِ النَّسائِمِ عَلى حُلُمِهِ وَتَنْشيطِهِ وَإِيقاظِهِ أَثَرٌ كَبيرٌ في كُمونِ الذَّاكِرَةِ وَتَغْييبِها.. لِيَسْطَعَ الحُلُمُ بِكامِلِ زِينَتِهِ وَسِحْرِهِ وَحُضورِ أَناهُ عَروسًا فِرْدَوْسِيَّةَ الـمَنْشَإِ وَالطِّيبِ وَالحُبِّ. (يَتْبَعُ) [IMG]مركز الخليج[/IMG]
|
|||
06-07-2020, 01:04 PM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
الله الله. أنا هنا أمام لوحة فنية رسمت بخيوط ذهبية ،تكاد تنطق لجمال ألوانها وبلاغة وصفها الدقيق
وشاعريتها سرد يشدك ويأسرك إلى آخر حرف لتقف بعدها مشدوها ،ومشدودا إلى هذا النص الأدبي بامتياز سعيدة أنني أول المصافحين لهذا الألق دام الإبداع وشكرا للحفاوة الإمتاع |
|||
06-07-2020, 06:47 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
قراءة أولى ولنا عودة بإذن الله تعالى
أديبنا القديرمحمود مرعي بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
||||
06-07-2020, 06:50 PM | رقم المشاركة : 4 | |||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
اقتباس:
الفاضلة حنان عبدالله
|
|||||
15-07-2020, 04:29 AM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
اقتباس:
ودامت الفينيق عامرة بكم وبالجميع أشكرك |
||||
15-07-2020, 04:30 AM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
اقتباس:
لنتقدَّم ونتطوَّر إلى الأجمل والأنفع إن شاء الله |
||||
15-07-2020, 04:31 AM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (6)
اقتباس:
أشكركم جميعًا |
||||
|
|
|