عبد الكريم عبد الرحيم صباح يليق به الضوء * زياد السعودي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-04-2011, 08:10 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي عبد الكريم عبد الرحيم صباح يليق به الضوء * زياد السعودي



سلام الله

الشاعر
عبد الكريم عبد الرحيم صباح
رحمه الله
شاعر يليق به الضوء




ولد أبو مصباح في مدينة صفد عام 1942 ، و شُرِّد مع القافلة الأولى عام 1948 ، فأقام و أسرته في دمشق و مازال فيها .
تكونت لغته في أسرة أزهرية ، فعم أبيه القسامي الشيخ عز الدين الحاج سعيد ، أول من تخرج من الأزهر، دراسات عليا في مدينته ، قرأ الأدب الجاهلي و الإسلامي في سن مبكرة ، وتابع دراسته ، و تخرج في جامعة دمشق ، وعمل مدرساً للغة العربية ، بالإضافة إلى عمله الصحفي . التقى العديد من شعراء سورية و فلسطين و العراق ومصر في رابطة رواد الأدب منذ عام 1959 و حتى عام 1964 ، ومنذ ذلك الحين كتب قصيدة التفعيلة التي وجد نفسه فيها . نشر في معظم الدوريات السورية و اللبنانية ( الآداب – الغربال – المعرفة – الموقف الأدبي – الأسبوع الأدبي – الدوريات العربية و المحلية - وغيرها ) ، ويشارك في مهرجانات الشعر العربي .( مهرجان رابطة الخريجين الجامعيين في حمص – مهرجان أبي العلاء المعري – مهرجان إيبلا – مهرجان أعلام الشعر العربي – مهرجان أبي تمام – مهرجان درعا – مهرجان اتحاد الكتاب و الأدباء العرب 2001 – مهرجان النيلين للشعر العربي الخرطوم - ) و يشارك بأمسيات و نشاطات اتحاد الكتاب العرب في سورية . و هو مسؤول النشاطات و الجمعيات في اتحاد الكتاب و الصحفيين الفلسطينيين فرع سورية .
أصدر مجموعته الشعرية الأولى ( بين موتين و عرس عام 1985 ) عن اتحاد الكتاب و الصحفيين الفلسطينيين ودار الجليل .
ثم : آخر اعترافات الندى عام 1996 عن دار الجمهورية – دمشق - .
صاعداً إلى الطوفان عام 1997 عن وزارة الثقافة السورية .
فضة الروح عام 2001 عن اتحاد الكتاب العرب .
للماء أمنح صوتي عن اتحاد الكتاب العرب 2004 .
كتاب بحثي عن إبداعات أحمد أبي خليل القباني عام 2000 عن وزارة الإعلام السورية .
عضو اتحاد الكتاب العرب – جمعية الشعر – قارئ محكم في الجمعية لسنوات خلت . كما كان قارئاً محكماً في وزارة الثقافة . وفي عدد من المسابقات .
عانى الشاعر الكثير في نضاله من أجل قضية وطنه المحتل ، و استطاع أن يرصد في قصائده هذه المعاناة ، لم يجنح إلى المباشرة ، و أفاد من تجربة طويلة فكتب بخصوصية ميزته .
كُتب عنه الكثير من الدراسات ، منها ما كتبه الناقد المرحوم أحمد المعلم في كتابه " الجذوة " مع أربعة من الشعراء العرب ، منهم خليل حاوي و عبد القادر الحصني . و كذلك ما كتبه الناقد سليمان حسين في كتابه " نكهة الماء . . أنوثة الياقوت " ، والدراسات العديدة في الوطن العرب ، و أقيمت ندوتان حول شعره الأولى عام 2001 في المركز الثقافي العربي في المزة شارك فيها الأديب عدنان كنفاني و د . يوسف حطيني و د . خلدون صبح و الناقد سليمان حسين . و الثانية عام 2004 في المركز الثقافي في العدوي شارك فيها أ. د . حسين جمعة و الشاعر خالد أبو خالد و د . خلدون صبح و الناقد سليمان حسين و الشاعر صالح هواري .
وان ما يعزينا بفقدان هذا الشاعر والاديب هو ما تركه لنا من موروث ثقافي ساهم الى حد كبير في تطوير الحركة الثقافية الفلسطينية ، واننا نطالب وزارة الثقافة الفلسطينية بالحفاظ على هذا الموروث ونقله للاجيال الفلسطينية.



وحدة الموضوع في قصائد عبد الكريم عبد الرحيم
-------------------------------------------------
عدنان كنفاني

"المكان نموذجاً"

مفردات معجونة بماء الروح، يجدل الشاعر عبد الكريم عبد الرحيم من حروف اللغة ضفائر من فضّة تتلظّى في واحات الأسئلة التي ما زالت تتقاطر نازلة بسخرية متوحّشة على أرض لا تشبه الأرض، بين أربعة سواتر من خيش مهترئ، أضلاعه المسكونة ببؤس اللجوء تحجب مساحة، أصبحت تسمى بمفردات الأيام العجاف.. بيتاً، يلتقطها.. ليصنع منها جناحين يحلق بهما عبر ضباب الذاكرة، وبياض المفارق، وسطور الحكايات، وإلماعات الصور، ليدخل إلى المكان.
أيّ مكان ذلك الملوّن بألوان خرجت من حنين الذاكرة عن منظومة الألوان، لترسم صورة لوطن لا يشبه أيّ وطن.! يحمل في تفاصيل المفردات الماضية إليه متاع القداسة، حتى لتحسبه، مع توالي الصور الراجفة بالصدق، قطعة سقطت ذات حب من أسفار الجنّة لتتربع على أرض شكلت جبالها وسهولها وماءها وفضاءها وشماً أزلياً، فكانت فلسطين.!
تُستنفر الحواس، وتُستحضر الصور، وتَفرد الذاكرة شراعها على "تهويمات المكان" ، لتبدو بواكير تضاريس الوطن تحتضن بحيرة "طبرية"، فيشرق الشاعر فرحاً، يكاد يلمس صفحة الماء، ويشمّ روائح الشيح، وخبز الطابون، ويكاد يضع خطواته على أول الطريق الذاهب إلى الجرمق:
هذا إذنْ وطني
حجارتُهُ الأملْ
وإذا يطوّقني ذراعاهُ يعاودُني الغزلْ
وأضيء شمعي
إنْ حبسْتُ نجومَهُ
وتركتُ في لغتي ضبابَ الشوقِ
منْ مثلي على ماءِ البحيرةِ قد مشى
حباً وصلَّى واشتعَلْ!.. "من قصيدة تهويمات المكان" ص 66
إن اللغة الباذخة التي رسم بها الشاعر تلك الصور السابحة في عوالم الرقّة والجمال، والتي تجمّل بها ديوان "وأدخل في مفردات المكان (**)" "للشاعر عبد الكريم عبد الرحيم (*)" لم تُخرج القصائد عن وحدة موضوعاتها، ولم تخلط بين الأفكار إلى درجة الارتباك، "كما نلاحظ عند الكثيرين من الكتاب الذين يحاولون من خلال نصّ واحد زجّ أكبر قدر من الموضوعات والأفكار"، بل تمكن الشاعر أن يفرد من شفافية اللغة فضاءات شكل فيها الصور بالألوان والمعاني التي وهي تأخذنا بسحرها الجميل، تبقى لخدمة النص والموضوع.
هذه اللغة الراقية في الديوان حرضتني، وأنا أمتشق شدو القراءة، أن أدخل إليه من خلال هذه المقدمة، وأبحث بين المفردات التي أرادها الشاعر أن تحمله إلى المكان كيف يشتغل الشاعر على وحدة الموضوع في رؤيته للمكان.
ويبقى المكان، بكل تجلياته وصوره وذكرياته هاجساً يكاد لا يفارق مخيّلة المبدعين الذين تجرّعوا فقد المكان.. الوطن، وهم بطبيعة الحال "والشعراء خاصّة" الأقدر على امتلاك وسائل التعبير عن هذا الفقد المفجع، وأستطيع أن أقول أيضاً بأن شاعرنا عبد الكريم عبد الرحيم في طليعة الذين اشتغلوا بالكلمة والنبض والإحساس على هذا المسار، وأستطاع أن يدخل إلى تهويمات المكان، وأن يرصف في سبيله إلى ذلك طريقاً تتناثر على جنباته الصور والمفردات لتكرس فيما بعد في القصيدة الواحدة شعائر وحدة موضوع المكان.
فالمكان ليس قيمة جغرافية فقط، بل هو إضافة إلى البعد الجغرافي المهم لتأصيل انتماء أفراده إليه بتواجدهم المستديم فيه وعلى أرضه، هو أيضاً قيمة إنسانية وحسيّة تجمع التراث والذكريات وملاعب الطفولة وكل ما يمت وينبع من الوطن، وتصبح بواقع الفقد قِيَماً أكثر حضوراً لتستنهض أفانين الشوق والحنين، ولظى الوحشة والغربة والانتظار، ولا بد من إضاءة شمعة أمل يستحضرها الشاعر من مسالك النضال لتنير صفحات إصرار على الصمود والبقاء:
اعتذرتُ إلى الموتِ، كانتْ تراودني الساقياتُ
ليصعدَ في "اللوحِ" آخرُ ما تشتهيه الوصايا
فأدنو على حجرٍ من رفاتي
ضنيناً شقيّاً أعود البرايا
يضمِّدني الوردُ ينزعُ بعضَ بكائي،
وتعلنُ عطري يدايا.. "ص 97"
وهو صمود واقعي، أرضه إيمان شبه مطلق بأن المكان ملكنا، ومهما تجرّعنا "بسبب فقده" كؤوس المرارة سيعود إلينا ونعود إليه.
ولا تغيب الصور الأخرى التي يحرص الشاعر أن يقول بأنها أقل جمالاً وشفافية التي تصوّر المكان البديل بتداعياته الموشومة بتلك الصفات الحسيّة.
وفي السبيل إلى توضيح ذلك سأحاول أن أتسلق فضاء المفردات في قصيدة من الديوان بعنوان "ظلال المكان":
يستهل الشاعر مفتتح القصيدة باسترجاع دوافعه الخاصّة لركوب المفردات التي أعلن عنها في عنوان الديوان، إيذاناً بدخول تراكيب تحمل هالة نورانية مقدسّة يسجد الشاعر في محرابها الآسر، على عتبة استذكار المكان، ويقدّم نفسه:
تباركَ دمعُكِ يحملُ وجهي
إلى حزنِهِ
تبارك صمتُكِ يهطِلُ فيهِ
كلامي على وهنِهِ
يجمِّعُ فيَّ احتضاري.. "ص97"
ويمضي في ترتيل خشوعه أمام محراب ينضح بالحنين، وهذا يدور في موضوعة المكان، إذ لا اشتياق دون حنين، ولا شعور جارح بالفقد دون غصّة حزن تتسلق أهداب العيون، وتنحدر على إيقاع كلمات تمسّ بشفافية أدواتها الشعرية شغاف القلوب:
فهلْ... في دمائي أراكِ ؟
وهلْ... من دماكِ يهِلُّ النشيدُ؟
"يطولُ الطريقُ يطولُ... يطولُ "
وتكتبُ في الذكرياتِ الطلولُ
وأنى تلفتَّ
ما زالَ فينا مكانٌ
يكادُ من العشقِ شهداً يقولُ.. "ص101"
ولا بد أن تطل الذاكرة، فتتراجع سطوة الحنين ليحتل الدفق الآتي من بطن الضباب ومفردات الصورة، وذاكرة لا تكف عن الطنين، يستلهم منها مشاعر وصورة ذلك المكان:
ما لي نسيتُ
العصافيرَ والبيتَ..
وجهي
وأسماءَ أحفاديَ الطيبينْ
تباركْتِ
دوماً أفتِّشُ عن ذكرياتي أمام حقولِ
الطفولةِ.. "ص98"
ولا بد أن تقفز الأسئلة، مرتبكة وحائرة، فهذه الغرائب التي باعدت بين الشاعر ووطنه وذكرياته، وأرست في صدره خفقات الحنين، وحرّضت الذاكرة على استرجاع حركاتها ومشاهدها، لتقترب من تصوّر الحال الغريب الذي ولّد هذا الألم، فالمرأة وطن، لكنها ظلّ للمكان، ظلّ على إيقاعات قد تواكب في لحظة ما سيرة الوطن، لكنها هي الأخرى مصهورة في دوامات الأسئلة:
يا امرأةً لمْ تمتْ في ظلال المكانِ
كفاكِ الدخولُ إلى حضنِ هذي الحجارةِ
يا وردةً من حنينِ الأسيرِ إلى عشِّهِ الأسريِّ
إذا غابَ فيه الندى.. "ص99"
وفي رحلة الغياب المعفّر بالحيرة والتوهان، يستعر السؤال، فيبحث الشاعر عبر مونولوج قد يكون على درجة من التخيّل عن جواب يمد أمامه سبل الاقتناع، فيخاطب نفسه:
وأسألُ عن عاشقٍ
شفَّهُ الزهدُ ماذا تركتَ
ـ ترابٌ يعانقني كالحبيبِ
فأولدُ بعدَ الرحيلِ
على مزنهِ
ترابٌ تفتَّحَ للعشقِ
ينبتُ في مقلتيه الغزلْ
دفيء عناقُ الكلامِ
ووجهكَ شمسٌ تمدّدَ كالبحرِ
يفرشُ لوني على لونهِ.. "ص99"
ويبرز المكان البديل، أو المؤقت ليعلن أنه في دائرة الحسّ، لكن الشاعر، وهو يقيم حياته في ذلك المكان البديل، يبدو له أقل جمالاً من مكان انتمائه "وطنه" مهما كان يحمل من قيم جمالية "لا يتنكّر لها ولا يلغيها"، لكنه أبداً يضعها في مرتبة أقل جمالاً من المكان الأصيل:
وكيفَ تغامرُ أرضٌ بأحبابها
يا زمانَ المغني أنا السرُّ
يحبسهُ المستحيلْ
ويطلقهُ
مدناً كالسرابِ
وأخرى تردّدُ خيباتها لا تعودُ.. "ص100"
وهنا تنساب تلك المفارقة التي أعتبرها الحاضنة لميزان التمايز بين المكانين من خلال كلمات تمتد بأبعادها المرموزة إلى آفاق البحث عن ذلك الفارق بين المكان الأصيل والمكان البديل:
وهذا المكانُ أيصبحُ وجهي
لأخسرَ صمتي الثقيلْ
وأبدأَ عمري الجميلْ.. "ص100"
ولا بد أن يرسو به مركب المفردات الذي حمل الشاعر مع امرأة يبحث بين عينيها عن وطن بديل على شاطئ المكان، ليكتشف أن كل ما تماهى في خيالاته، وما أتت به مرايا الذاكرة والصور والرؤى الأخرى، أنها ليست أكثر من ظلالٍ للمكان:
يحرجني الحبُّ
فتنةُ عينيكِ ظلُّ مكاني
تمدَّدَ في رئتيَّ يلذُّ الهواءُ
وماء المحيطِ يخالط جلدَ الحكاياتِ.. "ص98"
تتناثر هذه الأقانيم في قصيدة تحمل "ظلال المكان" ولا تخرج عن موضوعة المكان، بل تضيف إليه لواعجه ومعاييره، تجتمع في لحظة الخاتمة لتضع قفلة اكتمال الموضوع.
ولا بد لي أخيراً أن أقول بأن كل قصيدة من الـ 39 قصيدة في ديوان "وأدخل في مفردات المكان"، اعتنت في تكوين الأفكار على وحدة الموضوع، إلى جانب اللغة الباذخة، والصور التي تحلّق بنا إلى فضاءات الإبداع ما يعطي الديوان قيمة جمالية ناجية من الحشو والتكرار، وتضيف إلى الشاعر الكبير "عبد الكريم عبد الرحيم" إنجازاً متقدماً يتجاوز فيه نفسه، ويؤكد، أنه دون أيّ لبس ودون أي شك وبعيداً عن المحسوبيات والشلليات، وعن التسويقات السياسية والروافع المشبوهة، شاعر أصيل يحتل بجدارة موقعه في الصف الأول بين شعراء العربية، ولست أقول ذلك من فراغ، فبين أيدينا أعماله الإبداعية الملتزمة بالثوابت الوطنية والقومية والأخلاقية، والمنتمي بشخصه وروحه إلى فلسطين، ذلك المكان الذي لن يغيب عن ذواكرنا حتى نحقق نصرنا الآتي.
ـ ـ ـ
(*) عبد الكريم عبد الرحيم، شاعر فلسطيني، صدر له خمسة دواوين شعرية، وكتاب بحثي.
(**) وأدخل في مفردات المكان، ديوان شعر صادر عن اتحاد الكتاب العرب، 140 صفحة من القطع المتوسط، 39 قصيدة.



نماذج شعرية
----------------

نقش على أسوار عكا
---------------------

أبحرتُ مذ كبر السنونو‏
واحترقتُ على ضفاف سحابةٍ‏
تعلو من الصدر المتعتعِ‏
بالرصاصةِ‏
والهموم ولقمتي‏
ودمي النزيفْ‏
من (كفر قاسم) قد بدأتُ‏
حملتُ أخشاب الصليبِ‏
مشيتُ من (عكا) إلى (الوحداتِ)‏
من (بيروتَ) من (صيدا)‏
وفي قانا انتميتُ‏
وكان وجهي واضحاً‏
فبنوا على عشب المكان خرافة‏
قد دلسوا فيه‏
وصار نشيدنا الوطنيُّ:‏
كيف نرى الرغيفْ؟!!!‏
ولجوا المخيم بالقصورِ‏
وكان أطفال الحجارة يرسمونَ‏
البرتقالَ‏
وقبة الأقصى‏
وحلماً للفدائي الملوّنِ‏
بالهوية والشجنْ‏
فرموا دمي‏
قالوا: الحكومات الهزائمُ‏
جرح موسكو والزمنْ‏
وبنوا لنا وطناً على بعض الرصيفْ!!‏
المستحيلاتُ:‏
المخيم والحدود المغلقةْ‏
والجوع في سوق العمالةِ‏
والقيود المحرقةْ‏
هلْ يستريح الحلمُ‏
في شفة المغنّي‏
حين يعلو المشنقةْ؟‏
قل: إنني ما زلت في باب العمودِ‏
أمدُّ سعفا ينتمي للشامِ‏
يرسلُ من سماء يا سميناً‏
أرتدي وطناً يحارب موته‏
وأقول لليرموكِ:‏
فاض النهر... فاض النهرُ‏
والأيام تبدأ من دمشقَ‏
وتعتلي ألوان قلبي من صفدْ‏
من يشتهي أنثى‏
ويغمرها بزهر القدسِ‏
يبحث عن حمام الله في غارٍ‏
يخبّئ خيط دفء وردةً‏
ويرشّ ماء الزهرِ‏
في دفلى الجسدْ‏
من يشتهي وطناً‏
يخبئه على نهدين من رمل النساءِ‏
وليس يرسمه بأحلام الأماني‏
يرتدي أشواقه والبحر... مَنْ؟‏
قل: إنني ما زلت أرسل شعرها‏
كالنهرِ‏
أرسل لونها في الماءِ‏
أسمع صوتها حجراً ومقلاعاً‏
أعانق وشمها‏
وأقول: يا أغلى وطنْ!!‏
لي كلّ أوتار الربابِ‏
وللشهيد ممالك الملح الترابِ‏
وليس في ملكوت عكا من كفنْ‏
لا أرفض الفرحَ الغناءَ‏
الرقصَ أنثى‏
إنّما أشتاق أرقد قرب يافا‏
والسنونو والسفنْ‏
لي نخلة ما زال يورق سعفها‏
ويضيء في حيفا‏
ويسرج شوقه‏
ويلمَّ أقمار الجليلْ‏
أنا لا أبيع دفاتري‏
أنا لست أخلع صاحبي‏
لي كامل الكلماتِ‏
لي نصّي الأصيلْ‏
وتركت للعصفور ماء الحبّ‏
قلت: حديقة العشاق طالعةٌ‏
وعكا في مزامير الهوى العذريّ‏
تلبَسُني‏
تمشّط شعريَ المبتلَّ‏
من دميَ القتيلْ‏
وتقول: لا تسقطْ‏
فأمسكَ قامتي والمستحيلْ‏
والنهر كان يعد طمياً‏
من شميم الشمسِ‏
يفرعُ نخلةً‏
ويهزُّ ناقوساً يروّضُ غيمَه للهطلِ‏
يفجؤنا بوعدٍ‏
غير أنّ البحرَ‏
مصطخب مخيفُ‏
والموج ملتطم عنيفُ‏
ماذا يفيد النهر... ناقوسٌ‏
إذا الطاعون أطلق جرذَهُ‏
والأرضُ باسطةٌ عويل الموتِ‏
ترجعه الجروفُ‏
وتساقطت عين.. وقلبٌ‏
وارتمى شجر وأوراق وناسٌ‏
واشرأبَّ على ملامحنا الخريفُ‏
وبكى المؤذّن في دفاترنا‏
ورُوِّض صوتَنا كي لا يؤذّن بالندى‏
ويؤوب يندبنا ويوجعنا‏
السقوط إلى السقوط فلا رفيفُِ‏
(يا دار ميّةَ) كيف تُقتطَف القلوبُ‏
ولا تغيبُ؟‏
يا (دار مية) كيف يهدأُ عاشقاً منك الوجيبُ؟‏
ويعشب الصدر الشريفُ‏
وكان يرعِشه النزيفُ‏
يعيده من موته‏
لا خوف‏
أنْ ذُرّ الرمادُ‏
وجمعته الريح في جسدٍ‏
تؤلِّبُه الحياةُ تقول:‏
يا قمري تعالَ‏
فيومض الصدر الشريفُ‏
تحوطه امرأةٌ‏
وأطفالٌ‏
وزغبٌ من أمانينا تطوفُ‏
وتطرّز الكلمات قامتَه بمسكٍ‏
تحرسُ الأشجار غابتَهُ‏
بعصفور يشقشق في ملامحنا‏
وتهزجُ في مسامعه الدفوفُ‏
هذي عصاي تشقُّ حلمهمُ‏
فما كان الشهودُ‏
غَبَشٌ تزاحَمَ...‏
واليهودُ همُ اليهودُ‏
ما كان يفجؤنا الغناءُ‏
وإنما ذا البحرُ مصطخبٌ مخيفُ‏
وتقولُ: لا‏
وطني عصيٌّ مستحيلُ‏
لو كنتُ نهراً‏
تعشبُ الخطواتُ قبتهُ‏
بقيتُ على سواحِلهِ أسيلُ

تنزيل
----------

تملؤك المسرة.. فتتنزَّلُ مفرداتها
عبد

أتاني روحُهُ، وولجتُ مرتبكاً
فأحياني
ومنْ نسغي ترَوَّى، فانتمى بدمي
وكدتُ بما تبقَّى منهُ أحييــهِ
هنا شرفاتُ نورٍ هلْ ترى فيهِ
قبابَ البحرِ بيضاءَ الأماني
هلْ تؤلّفُ جوهرَ الرؤيا، وتنقذني منَ التيــهِ
تعالَ لننتمي في ظُلَّةٍ وندىً
فما تدريهِ أدريــهِ
تقاربنا ضفافٌ، في مسرّتها صبايا سُنْدُسٍ
يشرَبْنَ منْ كفَيْكَ
ثمَّ يطرْنَ منْ جسدي ويسطعُ دفْؤُهُنَّ
فهلْ تراني؟
هلْ أرودُ بـهنَّ؟
تحملُهنَّ أفلاكٌ ـ حذار الموتِ ـ
تأتي، لا المدى جزرٌ، ولا الميناءُ يدعو القادمَ العاني:
كأنَّ مكانَهُنَّ مكانُ روحي
ودفءُ لقــائِهنَّ خطا زماني
سكبتُ هيامَهنَّ وكأسَ عشقي
وطهرُ الكأس في شفتي بكاني
أنا مأواكَ
فاطرقْ بالندى بابي
تـَلـِفْتُ فهل سآتيــهِ؟
كأني لسْتُ أنتَ
ولا فتحْتُ لنورِ باصرتي عصيَّ الكشفِ
لا جبلٌ سيعصمُني ولا قمرٌ سأهديــهِ
هبطْتَ إليَّ لا ليلٌ ينزُّ دماٌ
على كلماتِ هذا الفصلِ
روحي وحدها فيــهِ
تضيءُ
ابتلَّتِ العينانِ
ماؤكَ موردي
مائي على عينيك تبدؤه وتنهيهِ

توقيعات على ماء المطلق
--------------------------


فلتحاول ذلك المطلقَ
لا أسرَ لعيني،
خارجٌ من زبدٍ أخضرَ ضحلٍ،
لافتتاح الملكوتِ البشريْ:
هامتي تذبل في قاع وجودٍ حجريْ
وبقايايَ دمائي في سرير الخوفِ والجنسِ،
خجولٌ في ارتياد الكونِ،
لا أبرحُ ملهاتي،
وإسرائي رماداً مطفأ العينِ عييْ
وتلفتُّ، وما كان أمامي موردُ الماءِ،
ولا زلزلةُ الأرضِ،
تعلّمتُ شبيهي في مرايا الأرجوانْ
وانتهى في جسد الماءِ ركودي،
واعتلتْ زغبُ الحكايات على بئر المكانْ:
جاحدٌ كفّكَ مثلي،
ما امتدادٌ لمراياكَ إذا غامَ السكونْ
ما امتلاءٌ لكؤوس الصوتِ في العتمةِ،
جفَّت مفردات الصمتوانساب الكلامْ
حينما الماء يخونْ
فاحتمل موتي على الشعرِ
احتملني في احتضاري
يتبدَّى ورقُ الإيقاع جمراً ودخانْ
مونعاً في ثمر الوقتِ،
هنا تمتمة الماءوإسراء البراري
وأنا أحصدُ صبّارَ انتظاري،
متعباً أفتتحُ اللهفةَ أرقى لكيانٍ مرمريْ
لزج ِالعشبِ قصيٍّ،
يتماهى في يدي ما يشبه الشمسَ،
إنِ ارتبتُ بدا الوهمُ بُراقاً وسماواتٍ،
تدانتْ في عناق أبديْ
عالمٍ لا يعرفُ الشكلَ شفيفٍ،
كوكبٍ، دريُّ أحلاميَ فيهِ،
لحظاتُ الكشف تسقيني الذي لا يعرف الثغرُ
توسّلت مراراً في المحطاتِ،
وما كنتُ أراهْ!!
وتمزَّقتُ على نزفِ أياديهِ،
و ما كنت أراهْ!!
غائمٍ في سِدرة للمنتهى،
خلف ضباب الروح وهمٌ مبتداهْ
كِسَفٌ في ظُلّة الرؤيا غمامْ
طبقات من دخانٍ لازورديِّ على عرش كلامْ
يعشق الأرض حصاناً
ثمّ يشتاقُ حكاياتِ الممراتِ،
ولوعاً بابتهاج الغيبِ،
لو أخّرْتُ ميقاتَ سواقيهِ
لَــهَلّ الوجدُ يسقي منتهاهْ
أيّها الغائبُ..
جداتي من القشِّ،
يداعبْنَ عيونَ النوم في الليلِ،
ويغزلْنَ طريقاً للمناماتِ
وألوانُ النهاراتِ حريرٌ وسلامْ
كيف أعطيكَ عصا الجنّةِ تَمْرَ الربِّ ثوبَ الأنسِ؟
كي لا يخرج الأطفالُ في منتصف الجوعِ
دُمى خائفةً،
تكسرُ قِدْرَ الشهدِ،
تُحرقُ أحلامَ المواشي والرعاةْ
كيف يأتون مساكينَ من البرد حفاةْ
ويؤوبونَ على الجمر صلاةْ
ويغنونَ لأجلي: أيها المطلقُ!
عرّيني من اليابسةِ الشؤم ِ لأرقى ندهةَ العلويِّ
في برزخ ذاتي الأبديْ
فلنحاولْ مرّةً
أن تطلق الأرضُ عصافيرَ الأماني
ذلك المطلقُ رحبٌ وعصيْ
هل بدتْ صفحةُ "جلجامشَ"
تختالُ عروساً في الحكايةْ
ترسلُ الماءَ إلى ركبة صلصالٍ بياضاً،
تزرعُ القصّةَ في بؤبؤ غاباتِ الروايةْ
ثمّ تأتينا سبايا الحلم من قارعةِ الكونِ إلى لونٍ عصيْ
حاملاتٍ أصصَ الماضي توابيتَ رغامٍ وانطفاءْ
ويهلِلْنَ إذا طلَّ الوليدْ
منْ سقى الربَّ،؟؟
وأغفى ـ في افتقاد الغيمِ ـ وجهي
واعتلى صهوةَ ميعادٍ تدلّى من بواكير السماءْ
لتكون الأرض ميقاتاً لطيرٍ يتشهّى ما نشاءْ
فلتحاولْ ذلك المطلقََ في الماءِ،
لتبقى في عروق المنتهى نهرَ ضبابْ
هكذا كنتُ لجنيّات أحلامِكَ رُقماَ في دهاليزَ من العجمةِِ
أنحو لنهار يحمل "البرقوق" و"الخبز غزالٍ"® للجبالْ
وتصلي في شفاه الغيم أيقونةُ ديرٍ وضريحٌ لوليْ
كيف أستسقي؟:
أيا أنهارَ قلبي، ياعذاباتِ المحالْ
علّمي الغيمةَ أن تعشقَ أشعاراً ووردا
علّمي الماءَ المودة ْ
لنبوءات عذارى في الملاءات سكبْنَ العاجَ والخمرَ
وأيقظْنَ بخوراً في قواريرَ تضيءْ
وتَقدّمْن قرابينَ إلى الماءِ
نحرْنَ الصبوةَ الحمقاءَ كي يهطلَ
كي يهطلَ..
ـ ياغيم.. أيا أنهارَ قلبي ـ
مطرُ المطلقِ جذلانَ بريءْ
فلتحاولْ مرةً أخرى،
ولا تخرجُ من جنةِ عدْنٍ
فشجيرات الأراكْ
شفّها الوجدُ فهل في حالك الشعر أراكْ؟
أيها المطلقُ أشجارُكَ ناموسُ عذاراكَ
فمن يقبـِسُ من غرّة هذا الملكوتِ الفيضِ بعضاً من دمٍ يقرأ فيه منتهاكْ؟؟
وَهَناً أحملُ موتي أيها المطلقُ
أمشي لولاداتٍ على ماءٍ قصيٍّ.. ووفيْ

®البرقوق زهر بريّ و الخبز غزال نبتة معروفة في جبل الجرمق المطل على مدينة صفد.

غبش اليقظة
---------------
أوّل كل شيء فجر


نزل الفجر إلى الشارعِ:
عشبٌ طازجُ الخضرةِ
يعلوهُ ندىً ماوَجَ بردَ الطقسِ بالألوانِ
أشلاءُ ظلامٍ تتناءى في حضور النورِ
ما شابَ يقيني غبشُ اليـَقْظةِ
إذْ مرَّ على نكهةِ "فنجاني" النسيمُ
كلُّ ليلٍ.. ينتهي:
فاكهةُ الظلمةِ خلخالُ بياضِ
المرأةِ الـ نامتْ على فِتْنَتِها
في زورق ِالشهوةِ تصفو وتغيمُ
خلعتْ رائحةََ النومِ
أتاها سُكَّرُ الصبح ِ بماءٍ كالضحى
يفضحُ نهديها ويخفي ويحومُ
باركتْها فضّةٌ تشربُ ألوانَ محيّاها
وقد غادرها الوقتُ الدميمُ
وولاداتُ هوىً أو زهرةٍ أو دمعةٍ
حلمتُها تبعثُ عمراً من حليبٍ
في سواقي الوقتِ
مِشكاةً تضيءُ
وهواءً من بواكيرِ أمانيها يجيءُ
هكذا تصرخُ أمٌّ لمخاضٍ وتقومُ
كلُّ ليل.. وأنا أنتظرُ.. المولودَ
والوالدَ.. لو شيءٌ جديدٌ
خارجَ الأشياءِ يحيا أو يموتُ
آيةٌ ترتيلها الجمرُ
فلا يأتي ولا يذهبُ تأويلٌ قديمُ
نصفُها من عسلِ اللهِ سلامٌ
وبقاياها عناقُ الحبِّ
ما يدفِىءُ مذْ كانتْ بيوتُ
جنّةٌ تطردُ روحي
أوّلُ الدربِ دمُ الإخوةِ
غاباتٌ على ماء سواقيها القتيلُ
لم تكنْ توقظُكَ العشبةُ
"أنكيدو" رمادُ الروحِ
سِفرُ الطين ملحٌ وذبولُ
جنةٌ تُودِعُني نسلَ هواها
بعدَها الأرضُ أتتني
فلتباركْني يداها
وحدَها الأرضُ، وأولى خطواتي
منجمُ الكشفِ على صدر رؤاها
أوّلُ الفجر حكاياتٌ
مزاميرُ البقاءْ
طلَّةُ الشاعر من شرفة ماءْ
وصعودُ الحيِّ في خيط بكاءْ
ممسكاً ثديَ الحياةْ
أوَّلُ الفجرِ كتومُ
يتراءى كخيوطٍ بثهُنَّ الوجدُ سوداً
ثمّ ألقاهُنَّ بيضاً حينَ أشجاهُ الأفولُ
فاشفِ روحي
بقليل الوصلِ.. يحييني الوصولُ
جسدي ـ شفَّ على مطلعك الآنَ ـ هزيلُ
ما الذي يغسلُ عينيك بماء النورِ
تصحو الشرفاتْ؟
ولماذا الناسُ ألوانٌ كهذا الزهرِ
في جذع الحياةْ؟
أوَّلُ الفجر كتومُ
فمتى ينطقُ بالخير السديمُ؟
بعدما مكّةُ
عانتْ في حياض البيتِ كيْ تدفعَ فيلَ الـْ ..
كان لا بدَّ من النثرِ
ولا بدَّ من التفصيلِ والتفسيرِ والتأويلِ
والنسجِ الجديدِ
كانُ لا بدَّ بلالٌ ـ عبقُ الفجر الوليدِ
ورذاذُ الفجرِ والشعرِ حطامٌ
كلُّ ليلٍ ينتهي.. يغمرني "الرصدُ"
تسابيحَ حزينةْ:
ياسمينٌ ذابلٌ
بعضُ دوالٍ هدّها السقمُ اصفرارُ الورقِ الميْتِ
وجارٌ وخط الكِذْبُ جبينَهْ
واضحٌ الآنَ الطريقُ
كاذبٌ..
خارطة الدربِ نفوقُ
لا تعاني صحف السلطانِ
من سوء العناوينِ..
فقد أعمى دمُ المعنى عيونَهْ
صعدتْ "فيروزُ" نهر الشمسِ
لم تسكت عصافير فؤادي
قمرٌ "غزّةُ" والبحرُ همومُ
جسدي قُبَّرَةُ الكونِ
وما ترسلُ إلا شوكَ حزني
وأنا أعرف كيف اعتَدْت شجو الكلماتْ
كلما فاتنة شفَّتْ
زجاجُ الروحِ في نفسي تكسّرْ
مؤنسٌ هذا التماهي!
شفةُ الذكرِ على نهرينِ:
خمرٍ، عسلٍ
والحور جنانٌ وجحيمُ
أترابٌ يصطفيه النورُ
كي يدخلَ خلقٌ آخرون الطرقاتْ
وطيورٌ أخرجتنا من ضجيج الموتِ
كي تهدأ أو ترفدَ ألوانٌ وموسيقا الحياةْ
ليتها تشعلك الخمرُ
فلا فيءَ لهذا الشجر الواقفِ في الفرحةِ
لا ماءَ لهذا الغيم في تمّوزَ
لا نهرَ.. جفافْ
بكّرَ المعنى..
وما حانَ القطافْ
غبش اليَقْظةِ
نهرُ الكونِ، "والبدءُ كلامْ"
غمرتني ضفةٌ بالمشتهى من كرز الحلمِ
وفاض الماء في صمت الظلامْ
من يعرّي جسد الرؤيةِ من متعته
النورُ على عيني كليمُ
"مدنٌ مالحةُ" الصحوِ أمامي
ومراياها غيومُ
ضللتني سَدَفُ الغيبِ
وأوهى مقلتي الشأوُ السقيمُ

رحيق الماء
---------------

غامضٌ صوت البنفسجْ
كابتهال الماء في عتمة روحي
ومعانيَّ.. عذارى
يرتجلْنَ الغزلَ المنهلَّ
في قبّةِ صحراءٍ وهودجْ
بـِتْنَ ينثرنَ على مائدة القلبِ سماءً
في لياليهنّ من سقط الأماني.. تتوهّجْ
ورقىً.. تشرقُ فيما خبّأ الجيدُ
تدلّتْ صوب جمر الحسِّ تُسْرجْ
ما تبقّى..
غبشُ المرمرِ
حُورٌ ما تراءينَ
ولكنّي تقى الحرمانِ
صوتٌ في نديّ الوصل يأرجْ

-2-
لـهبُ الماءِ.. طواني في مراياهُ
وأنثى من حليب الدمع
إذْ تهبطُ "جوّايَ"
رمادي من دم البهجة شوقاً يتوهّجْ

-3-
غامضٌ يُرْبـِكُ
صوتُ الماءِ
أو حزنُ البنفسجْ

-4-
هل "مَقامٌ" يترع الروعةَ في هذا القليلِ
حينما ينكسرُ القبحُ على المرآةِ
يصحو لؤلؤ المفردة الغيمِ على لوح جميلِ
لا أغطّي برمال المشتهى رملي..
وأغصانَ محاري
قبلة الأزرق.. بعضي.. وصعودي وانكساري
صدفُ "الخمسينَ".. أنهار صفاء الكونِ
ما مرّ على شاطىء ميلادي عجوزُ الصمتِ
مقهوراً.. وبالشوك متوّجْ

-5-
كيفَ أغمضتَ شراع الصوتِ
كي تهربَ صوب الماءِ في داني عناقيدَ
بلا قاربك.. الوهمُ شرابي
ووجيع الجسد المتعبِ نايٌ وقصيدةْ
وعلى رعش ِ قناديل حواسي
أنشر الأشرعة الحمقى إلى البرّ
أُدانــي في غيابي
وأرى في حالق القربِ بعيدَ المشتهى نوراً توهّجْ
كيف لا تحرقني النارُ.. سلامٌ بردُها..
أيقونة الكافِ
وجمرُ النونِ..في معبرها الكونُ تضرّجْ

-6-
كنتُ طفلاً.. حجرَ التيهِ
وياما.. جفَّ صوتي
ودُمى الفرحةِ في سنبل ِ وقتي
أقرأ الوردةَ..
أولى ما قرأتُ المرأةَ الأولى
وكوناً في غموض الماءِ أدلجْ

-7-
لم تكن سيّدةُ الفقهِ تناغي
في وصاياها رموز الصخبِ الهادىءِو العشق ِ
وما..
صار لساني يتلجلجْ
حينما جاءَ أبي
أمسكتُ بعضاً من رداء الدفءِ
وانهلَّ على الخدّينِ مائي والبنفسجْ

محاولة رثاء
---------------

لمْ يبقَ متسعٌ فأبلغَ مابقي
والكائـنـاتُ سوادُها كالمُطلقِ
فأكادُ محتـرقاً بخـوفـي، غـاشياً
رعشَ الضلوعِ على مدايَ الضيّق
أحنو على بعضي ينازعني أسى
مُـرُّ الرحيل، كأنني لم أخلقِ
ما الموت أنْ: خُطّا بأطراف الأسنّةِ..
إنّـما فـوتُ البـقاءِ مــؤرّقي
وأنا يـؤرّقني انتحاري في غبار..
الوقت والوعدُ الذي لـــم يصدقِ
أفل الكلام فلا حروفي جنّتي
نـارُ العـذاب وروده وتمزقّي
شاخا معاً جسدي وزهر قصيدتي
فبأيّ أحزان نضيع ونلتقي؟؟
كنّا إذا سكر الكلامُ بـما نحبّ
نصوغه بعتيـق لـون مورقِ
ونقولُ ما شاء التوحُّدُ إنّنا
جسدان في لغة القصيِّ المُغلقِ
تتشابـه الأشياء إمّا فصّلت
و تجود في تكوينـها إن تُحرقِ
تلك الغلالة فوق عيني مغربٌ
لكنها بدمي انـفلات المشرقِ
يكفي اشتعالي إن أضأتُ وهل أنا
غير انتظاري كي أكون فأبرقي
حلم يزاحم مقلتيّ، سراب رؤْيا، أطفأت لغتي ووهجَ المنطقِ
وهنت خطاي فليس متسع، كسوف المُشتهى وجع احتضار الزنبقِ
وبكاء موسيقا الضلوع على بياض
الشَّعر، رعشات الأسى في مفرقي
وأنا على فقد التوهـج من رمادي
طائر الروح البهيج تشوقي
ضدان يلتقيان فينا، لا أنا
صبح، ولستِ دجى الطريق المغسقِ
يكفي رماد القلب، في نزواته
خلق، وميـلاد الهـوى أن تُخلقي
لكن رمادي نـدهة الحلاج إنْ
أورقت في آلامـه أتألّقِ
كوني مغامرة الوجـود، تمرّدي
في دفء أوردة القصيدة واعشقي
كوني حريرك أو دمي كوني ابتداءكِ
هطلَ قـطر الروح دمعَ تمزّقِ
كوني تُقى الياقوت أو بجعَ الندى
وإذا يبست فحاولي أن تورقي

أحلام ذات امرأة
---------------

تأتين من حلمٍ، ولكنَّ المسافةَ
بين قلبكِ والضريحِ خطا وطنْ!‏
حاولتِ..‏
فانكسر الزمنْ‏

وعلى حفيفِ الجلدِ‏
"والنهوندِ" والجسدِ المطرْ‏
فاض النشيدُ، كأنَّ عصفوراً يلوِّنُ‏
بالغناءِ حديقةَ الأنثى،
فيزهرُ بين إصبعها‏
وخفقِ الروحِ صوتي والوترْ‏

مَنْ ذاتَ أنثى يحتسي حلماً؟‏
ويهطلُ في حرير العشقِ‏
أغنيةً ويدْ‏
ويئنُّ في دفء البراءةِ والجسدْ‏

لا شيءَ غير الحلمِ‏
يُحرِقُ في يديّ قَرَنْفُلَهْ‏
غبشٌ على المرآةِ،‏
ضيَّعني لهاثُ الوقتِ،
حُمَّتْ‏ في دمائي الأسئلةْ‏

قلتِ: السلامةَ حينَ زفَّ البحرُ حوريَّاتِهِ‏
جزرٌ تفيضُ من البياض،
وقاربٌ بالزعفران مزنَّرٌ،‏
يحنو على زفراتِهِ‏
قلتِ استجارَ الماءُ بالحلماتِ نافرةً‏
ليوقظَ جمرةَ العشّاق في نبراتِهِ‏
وعلا ضبابٌ فاستدرتِ إلى ملامحِهِ‏
كأنَّ شفيفَ رؤيا تستحمُّ بذاتِهِ‏

تأتينَ: مئذنةٌ يجلِّلُها اخضرارُ الصوتِ‏
ناقوسٌ يبرعمُ قامةَ الإنشادِ‏
تحملُني سماءُ الشرق‏
منْ نصٍّ إلى أنثى تساقطَ في حبورِ‏
غنائها رُطَبٌ وماءْ‏
وإذا أنار غصونَها المحرابُ‏
أيقظ سعفَها آيٌ تفتَّحَ باشتهاءْ
لا تحرميني مولدَ الأحلام ِما سقطَ النصيفُ‏
وما اتّقتنا.. إنَّما.. عينايَ حاولتا‏
فأيقظَ حسنَها وطنٌ شهيٌّ.. حاولي‏
لتكون أرصفةُ السماء لنا ويمطرَ في مآقينا الغناءْ

صفد.. حضور الغياب
----------------------

لم تكوني غير أمّي
تُسْبلُ الغرّةَ أعلى ما يكونُ "الجبلُ" المرميّ صوبَ القلبِ
حتى" حارة الأكرادِ" قد طارت حمامات البياضِ
حمرةُ الوجنةِ تُملا من ينابيع الرياض ِ
والأباريق شهودُ النور في زاوية" الشيخ ِ"
تُروّي ندهةَ" البرقوق ِ" والصبح ِ
خذيني لذراعين من التين وتوت الحقل صبّي لي نهارَه
قهوة الشوق ِ لنهدين أفاقا مزّقا خوفاً إزارَه
من هنا يبتدئ "السوقُ":
بيوتٌ من دم الرحمة في عرس لياليها المُنارَةْ
لم تكوني غير أمّي
وأنا في حانة العشق ِ أسوّي مرمرَ القلبِ حجارَةْ
مرّةً أقْبـِلُ نحوي،
لأراني، في ملاءات من الصفرة والأسودِ
ألقين مساحاتِ صبايَ،
الفهدُ في نافورة الوجدِ،
وعيناي الطريقْ
هل تعودين هلالَ القوس ِفي العتمةِ
أم تمضين أعلام بشارَةْ
أيّها الحاضرُ ما غاب دمي بعد الحضور
قادماً أبعد وجهي عن مراياك لألقاك وحيداً وجميلاً وطهورْ
حينما ألقيت كفي قرب عينيها تراءى الدرب أعمى
وعلى بُعد هلالين ِ
أرى فاتحة الحبِّ،
وأعلى قامةِ الزنبقِ عصفورُ اشتعالي
لم تكوني غير أمّي ساعةَ انفضّ النَّدامى
وأبي حرّان في الزحمةِ
يسقيني شراب الشعر مسكوناً بمهباج الليالي
وأباح العطرُ من أرجوزةِ الماءِ خيالي
عَبَثَ الوقتُ بزنار الصبايا
مقلتاك الآن في الشارعِ،
كفاك خمير التربة الحمراءِ
هل جاء حديثُ الوردِ
أم ينْفَخُ بالصور ِ
سلاماً يا عصافيرُ من الماءِ إلى الماءِ سلاما
ادخلوا الآن من القلبِ،
وذوقوا في بحيراتٍ من الفضةِ مائي
ادخلوا المحرابَ: لا تمرَ نسوّيهِ إلهاً،
لا فتاةً تدخل الموت على ساقين ِ
من لؤلؤةِ الخمرِ أو الوأدِ،
دعوا فانية الألوانِ للطينِ،
فإنّ الساعةَ البيضاء عرجونُ ضياءِ
لم تكوني امرأةَ السوءِ ولا كنتِ ترابا
كِسَفٌ من حالقِ الخلق ِ،
أراجيحُ من النور على مِشكاةِ قلبي،
فضّ أيقونتها الشعرُ
ففاضت وطناَ كفاه سحْبٌ غارقاتٌ
في دمي تسقي السحابا
وعلى منتصف الفقد عيوني ونساء الأرض أمي
وبقايا ذكريات مزّقت مني الشبابا
خجلاً أخرج طفلاً
أغلقوا أوراقيَ الخضرَ،
امنحوني من حضوري ما تشهيت الغيابا

القنيطرة 1963
---------------

كنّا على بَرْدِ القنيطرةِ *
ارتباكَ العمر
حين يشاغبُ الأطفالُ في صبح القراءةِ
يفتحونَ موائدَ اللغةِ المشجَّرةِ الضمائر والغيومْ
كسَّرْتُ فوقَ صقيعها حطبَ الكتابِ
ألوذُ بالأصحابِ
.."والخبيزة"،
الأسماءُ ملقاةٌ على شمع المرايا والتخومْ
قامتْ أمام "كنيسةِ"
الدربِ المحاذي للعشيّاتِ العجائزُ
آخرُ التلِّ.. الصديقُ يلوكُ أسئلةَ
الصعودِ إلى غدٍ
وعلى اليمين قصاصة الأمسِ.. الكتومْ
قال البكاء: نجرِّبُ المأوى
وجلدُ الدار مدفأةُ الحكاياتِ
الصقيعُ يحكُّ أرنبة الكلامِ
على دفاترهم تهجّى شوكَ أنمُلِهِ وقالْ
تلك الصداقات: العَشاءُ وحلقةُ "الطرنيبِ"
أسرار الصبيّةِ واحمرار الخدّ من وهج الحديثِ
"الرّاتبُ".. الأيّامُ
تزدحمُ المراثي..
خيبة الشعر المهاجر للشمالْ
كنّا على برد القنيطرة انفصامَ الحلم
زقزقةَ البدايات.. الرجيمةِ في دمشقَ
وبعضَ أطلال الحنين.. إلى الجنوبْ
كنّا تضاريسَ الشبابِ
ونكهةََ الشعر الطريّ كوجنة العذراء جمّرها الغزلْ

تلك البداية ُ مهرجانُ طفولةِ الألوان ِ في ورد الأملْ
كالقبلة الأولى إذا ابيضّ الغناء على فرات القلب
أو كالبرتقال احمرّ في كفّ الحبيبِ
وما اشتعلْ
يا أنتَ.. يا سرّ الجنوبْ
يا عشب روحي والقنيطرة احتمتْ بالغيم يندهُ
في براري الشعر..
كنت وراء أسئلتي! وإدمان الطفولة والهوى
شيء كلا شيءٍ أحاديثُ الليالي.. والندى
منْ ظنّ أنّ العمر ينفض عن مراياه الرمادَ
ليحتسي مُرّ الكلام وقهوة الماضي ومفردةً من القاموس
غصّتْ بالبكاءِ وبالسهادِ
ومن يقول لوقته: خذني إلى لون الحدادِ
إذا خرجتُ من الطفولةِ!
وامتشقْ قلبي، فأغلى ما يكون الحبُّ،
وقتٌ في بلادي
أيُّها الوطنُ القنيطرةُ الجنوبُ
ما زال بعض النوم يحرس ظلّنا
ما زال متسعٌ لموتٍ
كي نؤوب إلى ربيع أصابع الكلماتِ
أو ظلّ الغناءْ
مازال شيء كالدعاءِ
إذا التفتّ إلى ارتباك طفولتي
ومحوتُ ذاكرة البكاءْ
شيء كأوردة الكلام تكادُ تقطفها السماءْ
فاكتبْ نحيبَ العشق ِ يا وطن المغني
كلما صلى على العينين في برد القنيطرة الشتاءْ

استدعاءات في حضرة الشيخ
-------------------------------

فارَ الحديدُ، عجينُ اللحم ِ لحمتُهُ
لا طائرٌ بابليٌّ في السما حادي
تَنُّورُه "البقْرة الشهباء" ينحرها
كذْبُ اليهودِ ، جنونُ العالم السادي
إما رميت فما بغداد تطلبها
لكن فلسطين ترمي قبل بغداد
آياته .... قصصٌ نازيّةٌ.. "ودمُ
الفطير "أساطيرُ الردى الصادي
ما بابلٌ خزفُ التاريخ تحطمها
ونزفُ روحي هوى ليلى و ميعادي
تلك الحدائق سعفُ العشق علقها
أطفالها نبضاتُ الدهر أحفادي
فيها ارتشافُ حميّا الرافدين ، ضفافي
وردها و دمي . . لو غاب عوّادي
رصيف حلم تحوط الكرخَ فرحتُهُ
وفي الرُّصافة صلى الحلم و النادي
فيه أبو الطيّب ارتادت مسامعُه
خطوَ الزمان فهلْ عاودتُ إنشادي
يروّض الدهرَ لا شوقاً لمحنته
لينشد الدهرُ آيَ الشاعر الشادي
وفي المعرّة شيخ أبصرت يده
سرَّ الردى وروتْ مكنونَ أضدادِ
تميس في ظلم الأيام طلعته
حتى ترى ما عمى في سجنه الهادي
سموت في "جنّة الغفرانِ"لا فرس
وفي الجحيم كسير دون قصّاد
وعاجلتكَ شهود الخلق، لا مطرٌ
على الصراط و لا غيمٌ بأوراد
خُلِقْتَ بينهما ، في مقلتيكَ صدى
رؤى كأنّ بها في الموت ميلادي
وكدتَ في غسق الرؤيا تمدّ يداً
كليمَ حبًّ لهذا المبهم الهادي
في نبرةٍ قلقُ الولهان مزّقه
أن الجحيم بدا جناتِ إسعاد
تشكُّ حتى ترى الميلاد مقبرة
وتستحيل بكا أفراحُ أعيادِ
أوصدتَ بابَك ، ظلي في غبار ليالٍ
نهرها الموتُ ، هل أوصدتَ إيماني ؟
شقيتَ ما رفعتْ كفاكَ أشرعةً
على نهارٍ ، و لا حطّمتَ أوثاني
تلوبُ بينهما كفرٌ ينزُ تقىً
والشكُّ في قلق الأفكار أعياني
تمرّ جينين تلقيني إلى قمرٍ
يضيء باصرتي في نزفه القاني
أهمُّ أوقدُ نخلي
صوب قبلته
فيطلع الفجرُ من صدري و أرداني
كلاهما سور لو كنتُ نطفتها
آويتُ شمسَ الهدى في دفء ألواني
تلك المواني رفيف الله مطلعُها
تكادُ تحرقني لو شفّ وجداني
وعانقت مهجتي جيكور فانتصبتْ
مآذن العشق ِ نخلاً فوق أوراد
أعانق البصرة الغنّاءَ ما اتّسعتْ
صوبَ الخليج هوىً أو صوب أمجادي
أسائل النحو عن عنوان مسألة
حتى ألوذ بباب النحو والضادِ
ما بي إلى خمرة الأشعار من هرب
أخالها عصبتي أهلي وأولادي
ولي وراء ليالي الجوع قافيةٌ
تكاد توقد كفي بعد إيقادي
حروفها شرف الموتى إذا بعثوا
لم يبخلوا بدم ٍ .. كالنور وقّــادِ
شيخ المعرة هل تمّوزُ في دفتر ِ
الأيام منتحبٌ ..هل طفله العدم
عشتارُ في مقلتيكَ النورُ روَّعني
أني حفيدُكَ أعمى عرشه الظُلَمُ
قد بِنتُ حتى لا أراكَ هنا
"و أنت أعظمُ من تمشي به قدمُ"
ألّفتَ مبصرة الأيام ملحمة ً
أبياتها.... شمعة للدهر تبتسمُ
وطفتَ ، تموزُ طفلٌ في عباءته
عشتار تغفو ، ففيمَ الخصبُ متّهم ؟
لم تأتني بدم ٍ كالليلِ مشتَبهٍ
فاض النهار على عينيك يرتسم
وغالني زمنٌ لا زيته قمر
و ليس يورق فيه الحق و الرحم
كبّلتَ روحي بجدران ٍ مغلفةٍ
بالزيفِ عشتُ بها رهناً بأصفادي
يحوطُ خوفي "هنادي" و هيَ قادمةٌ
حزامها الموتُ كمْ دوّى بأجسادي
و بحرُ حيفا على الشطآن يحرسها
يا طفلة اللهِ أنتِ الحارسُ الهادي
فأخرجيني من الموتى أكنْ قمراً
قلبي الفراتُ و عكا الروح و العصبُ
و لتحرقي رطباً خانتْ ملامحها
ليلى ... وليلى ...وليلى ليس تنتحبُ
لا شاعرٌ جدلتْ أحزانهنَّ حروفاً
في قصيدته .. لم ينجب العتبُ
ماتتْ براءته وهماً بأنّ له
طِباً يداوي و ليلى فيه تُغتصَبُ
للرافدين ضلوع الحب تعرفها
ليلى ، و تعرفُ مَنْ في صدره الخشبُ
في كلّ سبْيٍ يطيع الليلُ ظلمته
و لا نهارَ ، قبوراً تُطْلِعُ الكتبُ

رحلة الخلق
---------------

يشحذ النصلَ
غبارُ الموت في الشارعِ
نامت قصص الحبّ
ونافورة ألوانٍ على نافذة الصبح الجميلْ

ـ " أمّ أحمدْ "..... "أمّ أحمدْ "
أيقظي عيسى فقد بلّله الهمُّ
أعيديه إلى أيقونةٍ تحبسُ غيم المستحيلْ

صامتٌ يوجعه الدربُ وملح الكلماتْ
يوقد الحرب لتختار الأغاني موتَها
أو صوتها حين صبايا "بيت ريما "

عُدْنَ من قافلة اللهِ لينسجْنَ حريرَ الصلواتْ
ـ "أمّ أحمدْ"
ما الذي أخّر عيسى؟
ـ بعضُ صمتٍ ودماءٌ في السريرْ

يشحذ النصل، كثير من كلام اللهِ في الجرح ِ
وعيسى سيد الحبِّ قتيلْ
ـ أمّ أحمدْ.. أمّ أحمدْ
كان عيسى قرب ناقوس من الفجر شجيّا
أخضرَ الحلم صبيّا
شاحباً يشخبُ عمراً دمويّا
حوله إخوته العشرُ فمن يبصرُ نهراً
شجراً في سورة الدمع وما كان بغيّا
كان عيسى يرتدي صمت لياليهِ
ويتلو دمعه الأسودَ في كفّ المصيرْ
حربة في الصدر
قرآنٌ.. ونورْ
ـ أمُّ أحْـ..
ـ ماتَ؟؟
ـ تعاليْ نحرثِ الزيتون هذي سورة الفتح
فهل يسّاقط القمحُ جنيّا؟؟
ـ ما الذي يقطف زهر المستحيلْ
أنّ عيسى يبدأ الدرب إلى البحر جميلاً وشهيّا
ـ ربّما لا نستطيع الموت والحزنَ
كفانا.. كلّما نقتل.. نحيا
حينما نقتل نبدا رحلة الخلق البديلْ

تقرير مقتضب جداً في حضرة أبي تمام
---------------------------------------


أبا تمّام ما اغتصبتْ يداي النارَ في الكتبِ
ولا اتكأتْ على صبح دفوفُ الحرب والغضبِ
ووا عرباه.. ماتت في رماد الصوت بين الصمت والعجب
أبا تمام لا فتح وعمورية انتُهـِكتْ بسيف الروم والعرب
بكت أطلالُها بغدادَ داهمها المغول وصال صهيون بقدس الله كالجربِ
جيوش الفتح ِ لم تذهب إلى جينين..صارت خيلنا لعباً وصار السيف من كذبِ

حجارتنا.. حقول القمح والزيتون.. تُحرَقُ..
يهزأ التاريخ يسخر من ملامحنا
ملايينٌ بلا حولٍ... شهودٌ أننا متنا بلا نسبِ
ولولا طفلنا العربي شق الليل في جينين..أمّ الفحم والنقبِ
وقاوم بالحجارة جيش هولاكو ولم يخبِ
لصرنا أمة من خلّب الفرسان سيّدها أبو جهلٍ
وتحدو ركبَها حمّالةُ الحطبِ
لنا صنع الحياة على مجازرهم..
لنا جينين رغم الصمتِ رغم الموت مفتاح إلى غدنا
لنا جينين أوسمة الشهيد عذابنا فرحٌ دليل الدمع واللهبِ
أبا تمّام إني أحرس الكلماتِ
ما صدق المغني بعد عموريّةٍ
وصحا على حجر الندى
طفلٌ أصابعه نشيد التين والزيتون في قرآنك العربي

جنين في نهارات الردى
------------------------

دخلوا المخيّمَ !!
كمْ ردىً يكفي لنبدأ يومنا دون احتلالْ
كمْ حاجزاً ؟ كمْ طلقةً ؟ و كمِ اغتيالْ
دخلوا المخيّمَ !!
لمْ تكنْ " آياتُ" واقفةً
و "إيمانٌ " تدغدغُ حلمةَ الحجر الـ تمثّلَ شاهدةْ
جسدانِ يحتضنانِ موتَهما على ماء الحياةِ الزاهدةْ
يتململانِِ على نشيج الوقتِ
في لغة تفرُّ من الأصابع كي تشكّلَها الدماءْ
جسدٌ تفجّرَ كيْ يموتَ الموتُ
نحّى في ولادتِِهِ الفناءْ
و طفولةٌ وُلدَتْ على حزنٍ يباغتُ نومَنا
رسمتْ على مهدِ المخيَّم عمرها الكرزيَّ
أقصرَ .... من مخاض الوالدةْ
و ازّينتْ بلفافة الأيامِ
كمْ شهراً ( رقيَّةُ ) في مآقي الآس تبكي كربلاءْ
ما كان سيِّدُنا البكاءْ
ما كانَ.......
جنزيرُ المصفحةِ الأخيرةِ يفطمُ الأطفالَ
و الأولى توسوسُ في مقابرَ تهرسُ الوطنَ الجميلَ
و تكسرُ العشقَ .. الندى .. و صلاةَ جدّي
حينَ تعتعه شذى الزيتونِ في جينينَ
يضحكُ للصبايا
كلما أنثى تشمُ عريسها في الحقل لكنْ .....
طلقةٌ في الرأس ِ
تختزلُ القصيدة َ و الغناءْ
خبّأتَ مهرتَكَ العنيدةَ في حرير الحلم ِ
و استرخى العزاءُ
يطوفُ زهرُ الأبجديّةِ في مخيمِها
تَوضّأُ نخلةٌ في دمع فرحتهِ
و مريمُ و السماءْ
تحكي مآذنُها لغاتٍ من لظى الصحراءِ
فينيقُ الخصوبةُ و البحارُ
أردّ رأسَ التدمريِّ إلى ملوكِ الموتِ
أمنحُهُ لروما ..... آهِ يا زنّوبِيا
قمحٌ على أحلام ( عنترةَ ) الهجين ِ
قبضتُ نثرَ اللهِ من جمر يجاهرُ
في دموع مشردينَ على اشتعالٍ في الصحارى
واشتعال ِ أنامل ( المهدي ِّ ) أتعبهُ البخورُ وما أضاءْ
عُدْ في قيامتهمْ
و شُقَّ البحرَ
ما ( حيفا ) المعلقةُ الضفائرِ
ليسَ مملكةٌ لغزةَ في الخرائبِ
ما سوى عينيكَ تختبئانِ
في عشق البلدْ
هزّي بياضَ الياسمين حبيبتي
ليغادرَ الفحمَ الجسدْ
طوبى لطفل سرّحَ العينين في دمهِ
و عانقَ صبحَهُ
ليجيءَ وقتٌ لا يؤخِّرُنا انفجارُ اللحم ِ عن صحو الطريقِ
فمعبدُ الروح الرمادُ
و كلُّ شوقي يا صفدْ
أني كليمُكِ
يستبدُّ بيَ النشيدُ كما الأبدْ
دقّوا نواقيسَ المباهج ِ :
فالمخيمُ يصطلي مُرَّ الحروبِ لقهوةِ تغلي
و صبح لا تغادره العصافيرُ الطليقةُ
جلده العربيُّ خطّته السياطُ
و لا ذخيرةَ لاقتحام الوردِ
لا ليلى تقصُّ ضفائرَ الإقدام
لا أحدٌ يؤذنُ يا بلالُ و لا أحدْ
عقمُ العواصم في سرير خديعةِ الكلماتِ
ماتَ الشاعرُ البدويُّ في رمز السلافةِ
و انتقاءِ سفينةِ القمح الـ تقاسمها الجنودُ
مع القتيلِ
و كانَ موتاً أنْ تقولَ ................
تعودُ طائرةٌ لتمحوَ آخرَ الأقمارِ
في كتبِ المدارسِ
آخرَ الألوانِ من صبح الشهيدِ
و آخرَ الأكفان من صور النشيدِ
دمٌ على شفتيكَ لا فنجانَ قهوتهم
فلا منديلَ يغسلُ راحتيكَ
دمٌ على حبر الكتابِ
دمٌ يؤلّفُهُ النشيجُ
على ملامح مَن يبيعُ الدمعَ و الصبرَ الطويلَ
و من يهونُ
هذا جنينُ . . . و كمْ يعلّمنا البقاءَ الموتُ
كم يعلو الدمارُ و كم . . و كم يعلو جنينُ
دقوا نواقيس المباهج
- مريم .... في حضنها سرب القصائد و الحجارةْ
أمّ ترتّبُ غرفة الشهداءِ تشعل روحها
و تقوم من زيت الرثاءِ
(فتستحي ) من دمعها
طال الحصار فأحرقت في صمتها المنفى
و أوقدت السنين إلى البشارةْ
خرج المعلم من دفاتره
ومن علم يرفّ على بكاء البحر ِ
أوقد روحه للمشتهى
ومشى إلى دمه
على " باب القيامةِ " و انتهى
خرج المعلم ..... واستدار الحلم من شغف الحنين ِ
و شطَّ في خطواته ِ
وبكى النهارُ على مقاعده
بكى في " سورة الفتح " استدارَ
و مات في كلماته ِ
دقوا نواقيس المباهج
حين تكتملُ الحياةُ
و حين يكتبنا النهارُ
أمٌّ على عرش ابتسامتها تَوَضّأ بالندى والزعفرانْ
كوفيّة في جيد طفلتها و غارُ
زيت يباركُ شمع ليلتها إذا طال الحصارُ
وقفتْ ..................تصلّّي
لا يعود العابرونَ إلى ضفاف اللهِ من ليمونة
سكبتْ نضارتَها على قرآن غزّة قنبلةْ
" آياتُ " مفردة الضفائرِ
يصطفيها كي تكون على دماها سنبلة ْ
صلي لترفع حبها قمحاً لغزةَ ، أو تكونَ جهنما
صلي على أكمام زهوتها ...فترشقَنا دما
أمٌّ تصلي لا يشي بحنانها المذبوح صمت أو هوانْ
هي أوَّلُ الطرقات آخرها وتحرقها مجنزرة و يعلونا الخرابُ
سكت المساءُ و كان آخرَه ........ الذئابُ
موت يعاجلنا على نزف الولادة ِ
طفلة لا تستريح على مخدتها العذوبةُ
والصبيُّّ يمدُُّ إصبعه إلى حجر
تشكّل في ملامحه استوى في عرشهِ
ملح المخيم والعجينُ و صوت جدته و فرسان المنامْ
خرج الفتى من خوفهِ
و رمى على مقلاع عزته السلامْ
دخلوا .....
ليخرج من طفولته إلى جسد المخيم ِ والحسامْ
ليعيد فاتحة الكتابِ إلى مخارجها
فلا كان اليهودُ
لا تسألي حطب المواقد عن مواعيد الرياح
لجلنار الوقت محرقةُ .. الطريق المقبرةْ
وتدافع الأيام لا يغني إذا سكت الشهودُ
و تشققت شفتاي .. أنهكني السرابُ
وللفتى فرس المخيم و الحجارة ،
مقعدٌٌ للدرس ،
حلمٌٌ ليس يأتيه الأفولُ
فكيف ننجو حين يعوزنا البديلُ
وحين يقتلنا الدليلُُُ
وتحتوينا المجزرةْ ؟
و بدأت أقترف الغناء
ردى يوسوس في نيوب الذلّ
مأتمنا يطولُ ولا ختامْ
دخلوا ...........................
وجسر النار يختتم المصافحةَ ....... السلامَ
فلا تعودوا بعد أن فقد المغني كلّ أوتار الكلامْ
هذا المساءَ أطلُّ من جسدي
لتنفجر المسافة قاتلاً عصيان روحي لا قتيلْ
و أردُّ فحم الدربِ
ما "النهوند" يبكي إن يطلْ
ملح القصيدة حين تعتقل المياه أناملي
و يهزُّ نخلَ الليل صبحٌ ليس يعروه الذبولُ
قمرٌ ...على زمن الحدادِ
قمرٌ.......يبدّدُ في أهلته السوادَ
و لن تمروا .. حين يكمل آيه في كل وادي
قمرٌ ........يؤوبُ إلى المخيّم و الخرائبِ و البلادِ
قمرُ الضحيّةِ و المدادِ
زيتونةُ الكلماتِ
يا قمرَ الشهيدِ
تضيءُ غاباتٍ تجلّى الله في أحزانها
وبكى على أشجارها زمنُ الخطايا
فاعتصمْ قلبي بما فاض الغمامْ
نهضَتْْ ..... إليكَ فنَمْ على صدر الوسامْ
هذا انتماؤك .....مقلتاك َ الطهرُ
غُرّّتُكَ النهارُ على متاريس البلادِ
اللهَ يا قمرَ الشهيدِ ممدداً
أجهدتَ قلبي .........حين قبّلك الصغارُ
صحا القرنفلُ و الحمامْ
دخلوا المخيّم
لم يعدْ أحدٌ
تركنا ملصقاً ينعى الوطنْ
وحمامة في كف حكام السلام ِ
وصار موطننا الكفنْ
دخلوا .....................................
رماد كلّ ما في الأرض يعلوه رمادُ
"روم أمامكَ خلف ظهرك" ..............و الحدادُ
فامددْ شرايين الضحى ،
كي لا يمر الوقت أسودَ في دم الكلمات ِ
كم يعلو جنين وليسَ يعلونا النجادُ
خشبٌ جيادُ الميتينَ
دُمى تحركها خيوط ُ مهرجين َ
وقامة الوطن ابتداءٌ .........
من تهجّى نارَه ؟
بأصابع الأطفال تشتعل الزنادُ

لست مقتنعاً
---------------


(الشاعر فواز عيد الذي رحل)‏
أطوّف في امتدادك ما يطولُ‏
ولا أصحو‏
كأن مرارة الأيام في حلقي شمولُ‏
وأهوي مثقلاً، والقيد يُلقى‏
على روحي، كما يتناجز القومُ الـ أحبُّ‏
وليس مهر الدمِّ‏
أقسى من وداعك إذ يسيلُ‏
... ... ... ...‏
خَواء... كلّ ما قلنا‏
وفقدك مثل فقد العيدِ‏
لا فرح يعيد خطاك نحو الدارِ‏
لا أنثى تعيد صباك أخضرَ‏
مثلما غنيتَ (للفلاحة السمراء)‏
لا وجه من الشرفات‏
يسكب صوته في غلّة (السيابِ)‏
لا شعر جميلُ‏
... ... ...‏
تهاوى النجم وافتقدَتْكَ‏
مثلي... حقولٌ‏
كنت تسرح يا سميناً في مداها‏
وترجِعُ من نداها العطر فاضَ‏
فأومأت عشقاً‏
لمهرته الحقولُ‏
... ... ...‏
ثقيلٌ أن تسافر في ضبابٍ‏
ضاق معراجاً‏
لروح كان طائرُها‏
يروِّض جُنحَهُ لسماءِ شعرٍ‏
ينام على هسيس حروفِهِ الأولى... الجليلُ‏
... ... ...‏
نهارُ طفولةٍ في الشمس‏
ناديه ال تجلّى‏
كأنَّ (دواره) حلقٌ‏
تعلَّقَ في المسامع دون أنَّاتِ‏
ولكنْ...‏
رمى في القلب أوجاعاً وولَّى‏
يُغَيِّبُني على نبراتِهِ الرملُ الثقيلُ‏
... ... ... ...‏
أطوّفُ في امتدادِكَ ما يطولُ‏
وقد أقعَتْ ذئابُ الموتِ‏
تلعقُ من دماءٍ‏
كان صاحبُها‏
يغامر بارتياد الموتِ‏
في خفقات قلبٍ‏
وقد ملت خطاه الدرب‏
إذ (سمخ) بلا نهر وشمسٍ‏
تجرجر سحبها السوداءَ‏
لم تزرع لرحلته المناراتِ‏
الـ تهاوى نورها في الدربِ‏
فاحترق الدليل‏
... ... ... ...‏
وما جدوى البقاء‏
ونحن سكرى؟‏
وما جدوى الخمور‏
إذا فقدنا؟‏
وما جدوى الحياة‏
وسقفُ هذا الكون مسدودٌ‏
بِجَدْلِ الليلِ‏
والأيامُ غولُ؟‏
... ...‏
تغادرُ؟‏
لستُ مقتنعاً!!‏
فوجهُكَ لم يزلْ في الماءِ‏
حرفُكَ في هديلِ حمامةٍ‏
حطَّتْ على مهلٍ‏
تنقِّر في سياج القلبِ‏
تبحث عن مسارٍ‏
لا يقصُّ جناحَها في الصبحِ‏
دمعُكَ لم يزل دفئاً‏
على ديوان شعرٍ‏
لستُ مقتنعاً!!‏
قتلتَ خطاك‏
لكن ليس يقتلك الرحيلُ؟!‏

طائر عسقلان
---------------


تجلّدَ خوفُ صوتـِكَ
في تجاعيد القيودِ
وأقفلتِ الحكاياتِ المعاني
وسط ثرثرة الجنودِ
هنا.. في "عسقلانَ"
البحرُ مشدودٌ إلى عينيك مجروحَ القصيدِ
يجمِّرُ أبجديته على فحم التنبؤ
بين عكّا والنجودِ
هنا.. في "عسقلان" الدارُ
ملحُ الخبز،
حين تصرُّ أبواب الحديد يطيِّرُ
العصفورُ أبواب الحديدِ
يفتّحُ للخيال ذرا
إذا رفَّ الجناحُ قبالة النور الشريدِ
كسيزيفٍ يحاول..
كم وكم غنّى لتحمله الرياح بلا شهودِ
لذيذٌ أن تحاول من جديدِ
وأن تتسلق الأحلام ظُهراً
وتفترش الندى رغم القيودِ
ويشغلك الغموض بكنز ليلى
وفي عينيك ماء الحبّ مكتنز الورودِ
وتعشق في فضاء السجن؟
أن أشعلت شمساً للذهاب إلى البعيدِ
ترتّل أبجديات الحميم من التعارفِ
حين ضاق القلب في أسر الوجود
كتبت على بلاط الروح أغنية الجليدِ
ببعض النار فحّمت المراثي كدتَ
تبتكر الكتابةَ ـ يا عصيّ الحزن ـ
مرتبكَ الصعودِ
ومالك بعدُ تفترش الغبار كأنّ
راوية الحديث تؤوب نحوك بالوعودِ
تقول: تعال هذا السجن وهم
وكنت الطائر الحلو البريدِ
هنا وطنٌ ينام على مخدةِ عاشقٍ
وبحجم زنزاناتهم
ليفيقَ مزدحماُ بمهر الصبح أو حلم الشهيدِ
تفرِّخُ في فضاء السجن ورقاء
تجمّل حزنها بأبي فراس وردةِ الزمن الفقيدِ
وطار على ضباب الحسِّ عصفورٌ
وحطَّ قبالةَ الصمتِ البليدِ
حنانَ القلب والكلماتِ
أمّي والعشيّةُ خلف قضبان اليهودِ
وهمَّ الطائر الدوريُّ..!
همّ الحزن يورق في الخدودِ
كلا السمتين حرّ
كانبلاج الصبحِ
ـ كيف تزور حزن مسائنا المغلولَ
تعبر كالشعاع إلى فضاء السجنِ
كيف تجيء من جمر الليالي
تُعْلنُ الفرحَ المعبَّأ في النشيدِ..؟
وهاج الجندُ والحراسُ:
كيف تَنَزَّلُ الآياتُ زقزقةً..؟
وكيف توضّأ الكلماتُ بالخبر السعيدِ..؟
وكاد رصاصهم..
أسلمت للعصفور نافذة الغناء بكى
وهزّ جناحه شوقاً
إلى سعفٍ وراء السجن ممدودِ

حفــيد
------



منصور يستعير بندقية خاله ويشرّق إلى

صفد. غسان كنفاني
على الطريق نفسه بعد أربعة وخمسين
عاماً استشهادي يفجر حافلة ربما كان الحفيد

طوبى لقنديلٍ
أضأتَ على مدى عكا
ليكملَ آيـَـهُ عندَ انعطاف الدربِ في عينيْ صفدْ
نسيَ الرثاءُ دموعَهُ، واعتادَ وَحدتَهُ وأسئلةَ الأبدْ
ماذا توهّمَ في الطريق الشعرُ؟!
ينبضُ في ابيضاض الّشَعْر والصخرِ،
المُحاربُ كالحمامةِ في فضاءات الردى
ظمآن في وعر البدايةِ،
يقطف الأحزان من فرح البلادِ
إلى ترنّح قامة الوطن المعلّق شامة
خذني إليَّ أعُدْ إليك كما يشاء بنفسج الملكوت من سبي الجهاتِ
فأيُّ منفى يا رماد الروح يصلبني على نزف القصيدة والغيابْ
بعض اغتراب كالرياح تهز أوردتي
فأوقَدَ مهجتي وردُ الشبابْ
صدق الزناد، يعيد فاتحة التحوّلِ
كم بكى الليمون تعتعه العذابْ
ورمى الرصاصة والصدى قربان نزوته،
يليقُ بمهرجانِ الموتِ أن تتعانق الألوانُ والأبعادُ
تربكه المغارةُ، بندقية خاله حلم الولادةِ
حين يحرس صاحبي قمري
وشجوَ هديل عمري في ممرات الخرابْ،
وأكاد أهبط: أيُّ جدوى.. أيُّ جدوى؟
أيها الحرس الإلهيُّ، المسافةُ بين عكا والهلاكِ حبيبتي
فأعدْ يديَّ إلى كنوز عناقها
زيتونة جسدي، وتشعلني الدروب ولا أردْ
من قبلُ فاض النثر في شفتيكَ ناراً
مثلما هطل الضياء من الضلوع على وعورة حلمه
فتكشّفَتْ مِزَقُ الرصاصةِ
لستُ أدري أيـُّها سكبَ الدماءَ على الورقْ
وبأيـِّها غسانُ أمعنَ في احتضان المشهدِ الورديّ
مسّ ولادةَ الأشياءِ في زُغْبِ البلادِ
وكان مفتاحٌ لعكا يقرأ المزمورَ
من حزن النوارس.. يحترقْ
طوبى لحافلة يغادرها الكلامُ على لهاث حفيدِهِ:
ـ ما الموت؟
ـ كهف، لوحة سوداء، سهم أحمر،
لي مدخل للحب فيه أربعون حمامة في كل منقار بريدٌ،
فسحة، دربٌ مديدٌ
معبرٌ للأقحوان على مقامات الجسدْ
عينان يشرق فيهما لوز الكروم،

وعاشقان تمزقا كي يستعيدا سرّ موتهما
امتحان العشق، في جسدين من زهر البلد
لي مدخل كي أستظلّ بقامة النوم اللذيذ على ضفاف الأرضِ
أطلقني النشيد ولا يخون حروفه،
هذا نبيذ الصبح أم مسك الشهادة والشهيدْ؟
كيف ارتجلنا موجعَ الميلادِ،
نحيا كالصنوبر مدّ خضرته على مطر النشيدْ؟
أنا لست أدري أينا المهزوم حين تناثرت أشلاؤنا فوق الطريقْ؟؟
لا شيء يخذلنا سوى رمل يشع به السرابُ
وعائدٍ من موته للموت لا حيفا على حلو العناق ولا الرفيق
مرّّ حصاد الوهم في شفتيكَ
لا تأنس لليل الردّةِ
اليوم ابتدأنا صحو أوردة الصبية في حزام الموت
عادت خلف حافلة تورّد عشقها بين الضحايا في انتشار البحر
أو بين الصخور على احتضار الروح من عكا إلى وجد الجليلْ
عبء ثقيلْ
عبءٌ ثقيلْ
مدن مهدّمةٌ
عيونٌ تمضغ الخبر السياسيّ الدماء على زجاج نوافذ الإسمنت ثمّ تقيءُ
يتخمها هواء النفط، أو قشر السياحةِ،
بارد وجه الحبيبةِ، غامض موت النخيلْ
كم مرةٍ حاولتُ.. لكني أحبّ.. ولا أحبّ، أموتُ.. أولدُ،
لا أعود إلى رفاتي
مرة حاولت.. أجهدني الصعود إلى بقية أضلعي
فتركتها.. عند انفجار الحافلةْ
عكا تعاقرُ قهوة المنسيّ من رمان قريتها المطلة مرمراً
وألوب حول التين واللوز المعلق كالقصيدة والنبوءة والبلادِ الراحلةْ
هذا الطريق..
تمر حافلة.. وأشرب من كؤوس الذاكرةْ:
ما لون جملته الأخيرةِ؟

أيّ جدّ كان في هذا الطريق وكان مشتاقاً وغادر خوفه
ومشى إليها في الظهيرةِ
واكتوى بالغشّ منصورُ الصغيرُ
وآبَ من لعب الحروب الخاسرةْ
لي مدخل للحبّ.. لا أنسى على باب الخديعةِ
كيف ألفني الهوى..
طوبى.. ليوم ما انتهى

إيقاع
--------

منْ فُرْجَةٍ بخِمار الشمس مدَّ يداً
طُهْرُ الغمام، فسال الحبُّ والنُّورُ
وهمّ يسقي، وما آنست شرفتَه
يضيء روحي، وفيّ القلب مفطور
أعدْ تفاصيلها جناتها وفمي
والعري آنية، بالورد مضفور
أعد دموعي إلى خدّي فما مطراً
رأيتَ سال دمي والعمر مهدور
وهاج سيناء موسى في متاهته
كأنه صيحة أوتارها الصور
أعادني وجلاً، والكون معتكرٌ
لكنْ جناحي حذار الريح مكسور
توباد مملكتي، في رملها سكبت
حزن المرايا، وغصن الروح مبتور
فاضربْ عصاك يغصّ البحرُ لا أفقٌ
نحو الخلاص وهذا الصوت مأسورُ
من فرجة بخمار الشمس طلّ فتى
حصانه حجر للحب منذور
ألقى فشقّ عباب الماء ساعدُه
لا يستعير يداً.. في صمته الطور
من زينة.. كحلت أشلاءه فله
خمر الحياة دمٌ في العمر معصور
من باغت الموت مسروراً، حجارته
أصابع الشمس، والبشرى أسارير
صاغ الحياة كما تهوى الحياة له
نار توقّد فيه وهو مقرور
تكاد فرحته تحييه وهو فتى
مزنر بحزام الموت مقهور
مهر الأماني عناق المنتهى جسداً
كقبلة الأرض تهليل وتكبير

وداعـــــاً
------------

مَنْ أغلقَ المدن الـ تمضي إلى غدها
وأطفأ الشارع الآتي من الحلم
وعلّق الليلَ في أجفانه، ورماد
الدهر تحت خطاه عتمة العدم
موتٌ إذنْ! ورحيل ما له قدمان
الصمتُ يُدْلِــجُ، والأيام خيط دمِ
وشيعته تفاصيل البكاء وما
يعود غربته إلا أسى الألم
يمضي وراء سراب مبهم.. وغد
ميقاته.. نزوات الشيب والهرم!
عينان أعيتهما الأزمان واهيتان حفرتان بلا ماء ولا حلم
أبلتهما هجرة مذ وُدّعت صفد
وكان قنديلها عينيك في الظلم
رحماك ما زيَّنَ القرميدُ حارتنا
وآبَ طفلُ ليالينا من القمم
ميعادهُ "جرمقٌ" فاضتْ قصائده
على "العيون" يروّي قلب كلِّ ظمي
وينحني سوقها والبرتقالُ صدى
نهارها زفّه في عرسه ألمي
ضاقت به حاملاً ألوانَها بيدٍ
وصوتُها في أذان الروح ذوبُ فم
وفتّحتْ بابَها عدْنٌ وجنّتُها
وعانقتها كنوز المسك والنعم
لم تمّحِ الذكرياتُ الخضرُ.. غادرها
إلى ضباب كثيف الهمِّ مزدحم
كأنه الموت ـ يكفي غربة وشقا ـ
يروح فيه بلا خطو ولا قدم
وكاد في متعة الصوفيّ يشهدها
تلين عاشقة لم تبك أو تلم

جمرة الوقت
-------------

جمرة الوقت مرير حَرُّها
ساعة موت القافلاتْ
وأغاني بابل الخضرُ دمٌ زيتُ حوار القصب العاشقِ
في دجلةَ.. عند السور "وهّاب الحياةْ"
ـ لا تؤاخذني إذا مرَّ على قارعة القصف ورودٌ للنشامى
واعتلى الماءَ شموعٌ
لننقّي مقل الأطفالِ من دمع احتراق الأمّ في الحربِ
غياب الجار والأصحاب في زحمة فوضى الطرقاتْ
ـ لا تؤاخذني إذا ضاق بيَ القولُ
على حضرة ألوان يتامى
ـ ربّما لا تعرف الموصل أو بغدادَ
أو مقهى صحابي في رحاب الكاظميّةْ
ربّما لم تقرأ الشعرَ على حافَة شمس الشرقِ
في "رمْلِ" أغاني الناصريّةْ
مطرٌ يفلقُ صحراء الوجومِ
وندامى الصبح ِ يلقون شغاف القلب في نهريْ همومي
ـ هلْ أكلتَ السمك المشويَ في الكرخِ
وهل ذابت على عينيكَ شمسٌ
تتشهّى رطبَ الله.. بلوغَ المتنبي ثورة الماء على برّ السماوةْ
قمرٌ بين "بويْبَ" العشقُ والنارُ وجيكور وهذا القلق "السيّاب" لا ينزعُ
غير الموت من نخل البداوة ْ
جمرة الوقتِ مرير حرُّها
ساعة ميلادِ العصافير على شوق البلادِ
آهِ.. "أمَّ القصرِ"
كمْ موتاً.. على مائكِ
حتّى يوقدَ الصحبُ نراجيل النوادي؟؟
كمْ عقيقاً يلزم الخائفَ مثلي
لتعود الأمسياتُ الشقرُ
من "بصرة" روحي لضياء الكلماتْ؟؟
متعبٌ "بشرى" حواري الدمويُّ الشوقِ
في وقد المعاني
وزهور الشرفاتْ
كم دماً نسأل حتّى نشرب القهوة
في جينين أو مكّةَ أو شطِّ العربْ؟؟
كمْ كتاباً يقرأ الموتُ على ميناء أشعاركِ قبل الزحفِ
من حبكِ...... خلف الخندق المحروقِ
كيما يتدلّى جسد الشاعرِ سعفاً أو رطبْ؟؟
كمْ تشهينا.. بكاء الدهرِ في "النجْفِ"
شربنا قلقَ الخَلقِ سؤالاً في مآقي كربلاءْ؟؟
ربما لا يعرف الكِذبَ دمُ الخيل ِ
على ساحة حربٍ أوتعبْ
أمهليني بعض وقتٍ
فثيابي رثّةٌ
لا تصدق الآن لعرسٍ
وأغانيّ غبارْ
أمهليني بعضَ.. ليتَ "الخيط" مزهوّاً تبدّى
فنرى أوّل مَنْ يأتي بصوم النارِ؟؟!!
لا أعرف طعم النور مذبوحاً على نطع الندامى
وأنا.. في جمرة الوقتِ أرى
ملجأ صوتي وثياب الذكرياتْ
وأرى البصرة قربي
وأحسُّ الملح في نسمة هذا الصبحِ
كفّ أبرم العشاق ميقاتاً، له الحناء والعرسُ و.. يا.. ما
ربّما كان على الميناء صياد النهارْ
ربما... أشعل قنديلي أذاب النور في الماء
وألقى جسمه المتعب في اليمّ:
قريباً لن تدوّي صافرات الموت
واستلقى على حلم انتصارْ

بشرى البستاني : شاعرة وأستاذة جامعية عراقية
بويب : نهر قرب جيكور قرية الشاعر بدر شاكر السياب جنوب العراق
أم القصر : البصرة: النجف: الناصرية: كربلاء: حيث معارك الشرف ضد الغزاة
الكرخ والكاظمية : في بغداد.

في أوراق أبي فراس الحمداني
--------------------------------


لغتي الأسيرةُ، واليمامُ‏
يهزُّ أشجارَ الكلامْ‏
تلك الحمامة من رحيل مآذنٍ‏
أعيت فألفَّها الضبابُ‏
وغاب صوتي في البكاءْ‏
مطر على صدر الحبيبةِ‏
تشتهي الأنثى معلقة من النثرِ‏
البدائيِّ العواطفِ والحداءْ‏
يا جلدها أشتاقُ ملمسَهُ‏
وقد مرَّتْ على الحنّاء بي شفة‏
فأيقظني الخزامْ‏
هذا بريد الشوق‏
لي لغتي الأسيرةُ‏
لي سماء من حروفٍ‏
أو حروفٌ من سماءْ‏
وأبو فراس بات يحتطب النجومَ‏
يكسّر الألوان في فنجان قهوتهِ‏
ويبتكر الحنينَ:‏
(وكل ما فوق التراب تراب‏
أبنيتي كل الأنام إلى ذهاب)‏
ها دثّريني بالبكاء وبالعذابْ‏
ها دثريني بالحمامة والهديلِ‏
إذا يطول بي الغيابْ‏
(زين الشباب أبو فراس‏
لم يمتّع بالشبابْ)‏
في قمح غرّتِهِ السنابلُ‏
والقصائد والسنون‏
والبحر يرسل في معلقة الحنينْ‏
أشواقه،‏
فيعدُّ أضلاع القصيدةِ‏
ثم أشرعةَ المهاجر والسجونَ‏
ويحتسي أشواق قهوته‏
ونارَ النصِّ‏
والدفء الدمشقي الجسدْ‏
هل في المحطة من أحدْ؟‏
هل شاهد يحكي على أبواب أنطاكيَّةَ‏
الأشعار من نص خرافيّ المسدْ‏
هل من دماء نسيجه‏
يمتدّ نحو عباءة الماضي‏
يدندن ثم يرخي معطفَهْ‏
ويقول في صدر الجريدةِ‏
بعضَ آيات مقدسةٍ‏
ويجمع أحرفَهْ‏
ما زال يتّكئ النشيدُ‏
على جدار الكعبةِ العربيةِ الأستارِ‏
يرسي أنامله على سطر تلظّى في الجحيمِ‏
وينثر الغدران في جناتِهِ‏
ويقول لي:‏
من هاهنا سفر الكتابةِ‏
والحمائمُ لا تنوحْ‏
من هاهنا بوح الحجارةِ‏
والحبيبة والجروحْ‏
......‏
لأبي فراس علّق الزمنُ المصابيحَ‏
استباح الحزنَ‏
ثرثر في المنافي والبعادْ‏
يا صدر أمي!‏
كيف تستلقي القصيدةُ‏
في حليب طفولتي؟‏
وتجمِّعُ القرآنَ أخضرَ‏
من شفاهِ رُواتِهِ؟‏
وتؤوب تحضنُ قدسَهُ وحياتهُ:‏
(لثمودَ) ريحٌ صرصر‏
وبصيحةٍ تنهارُ (عادْ)‏
ما زلتُ أحصدُ سرَّ روميّاتِهِ‏
ما زلت في شفق الكتابةِ‏
أستريحُ على الجوادْ‏
وأقولُ:‏
يا وطني تمدّدْ فوقَ قامتهِ‏
تمدَّدْ في العذابْ‏
للأسر ملحمةٌ‏
وها جلد الحبيبةِ‏
في النصوص وفي الكتابْ‏
......‏
أنا شاهد الميقاتِ‏
يسرج نار ليلته‏
ويخرج من لهبْ‏
أنا بعض ملحمة تكسَّر نصلُها‏
وأنا التعبْ‏
وأنا خرير العذب من أيامها‏
شوق التباريح، الصلاةِ‏
إليك يا كرم الزمانِ‏
إذا تيبَّسَ كالحطبْ‏
ورأيت مقبرةً‏
على صوت العربْ‏
ورأيت قبّرة تنوحُ‏
وكان في عينيّ شيء من سغبْ‏
الله يا لغتي‏
وما جسدي بقية خيلها‏
اللهَ‏
ترفع راية للريحِ‏
أضلاعَ الحنينِ‏
إلى وطنْ‏
ما زلتُ أنتظرُ السماءَ‏
أعصِّبُ العينين بالموتى‏
وأرخي فوق قامتيَ الكفنْ‏
خذني إليك أبا فراسٍ‏
لا أراك عصيَّ دمعٍ‏
حين تنتابُ المحنْ‏
لا بدَّ قافية تموتُ على مآذننا‏
ويسقط شاعر‏
ويغيب في حمّى الشجنْ‏
لتؤوبَ من نوح الحمامةِ‏
مثلما يتوضّأ الصبح الضليلُ‏
على صهيل الجرح فينا‏
أو يلملم خيبة الشعراءِ‏
والفكرَ المكابرْ‏
ما زال في ريش الحمامةِ‏
بعضُ أغنية تكفكف دمعها‏
وتعود مأتمها، وقد سقط الإمامُ‏
تَكَسَّرت راياته‏
وهوت به كل المنابرْ‏
لأبي فراس حشرجات البحر‏
ما ضاق الزمانْ‏
وأنا بقيّةُ نُدبةٍ في صوتِهِ‏
وأنا نزيفُ حروفِهِ في المهرجانْ‏
خذني إليكَ،‏
فليس رومٌ يحرقون الحقَّ في كتبي‏
خذني إليك كبردةٍ عربيةِ النسجِ الجميلِ‏
في النص (ذو سلم) ومن كف الرسولِ‏
حلمٌ جرى‏
فبللتُ من دمِهِ عيوني‏
ورفعت وردته على السحبِ‏
أنا في رسول الله لي‏
أقمار حيفا والجليلِ‏
وحكاية في اللد‏
أو أرض الخليلِ‏
أنا بردة الوجع المقيمِ‏
أكاد أنهج من بروق حروفها‏
دربي إلى الحبِّ الشفاءْ‏
ما زال في شفة الليالي بعضُ مطلعِها‏
وفي ميلادها حناءُ فاطمةٍ،‏
ودمعٌ في مآقي كربلاءْ‏
ماذا تركتَ أبا فراس من بكاءْ‏
ماذا تركت من الأسى‏
لما بكيتَ دم الحسينْ‏
أنا آخرُ القتلى‏
وآخر كربلاءْ‏
لكنّ عمري بينَ بينْ‏
يرفو فتوقَ الجرحِ‏
في ريش البراقِ‏
وقد تجمَّعَ في فضاء الصخرِ‏
أتعبهُ السُّرى‏
أو حين أوغلَ في الظلامْ‏
ألقى جناح حروفِهِ للصمتِ،‏
كسَّرَ مبتدا الأيامِ‏
من خجل الكلامْ‏
ورقى إلى أغصان فضتِهِ‏
مآذنِ صوتِهِ‏
هذا دمي أشعلتُ‏
جمرته بسطتُ يدي‏
أفضّ بكارة العينين‏
أرسل في صحائفه‏
الخليقةَ لونهُ.. الموشومَ بالحقِّ الحرامْ‏

كلمة في التكوين
------------------

إنما المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته

(النساء 171)

سبحانَ.. كم رجع الكلامُ إلى بدايتهِ
هو كلمة تمشي بقامتهِ
سبحانَ ناركَ.. أجهشت جسداً
لمّا حطبتَ نشورَ هامتهِ
جمر الولادةِ صكّ أضلعَهُ
و الحرفُ يألمُ من حفاوتهِ
فتنوعت غصصُ الوصالِ أسىً
فكأنّهُ ألم العناقِ عذابُ آيتهِ
سبحان لونٍ لا يرى أحداً
يتمدّدُ العشاق نحواً من نداوتهِ
هو كلمةٌ
سكبت نقاوتها..
لو كنتُ أشربُ من نقاوتهِ
نامتْ قصيدتُهُ على رطبٍ
في كفِّ مريمَ حين هزَّتْ سعفَ نخلتِهِ
أسرتْ بهِ.. وكأنَّ مِعراجَ الرؤى قمرٌ
فقرأتُ فاتحةَ الخلاص ِ ضُحى قيامتهِ
كسفٌ على نافورة الأشجانِ..نورٌ يَشتهي مشكاةَ طلعتهِ
ورؤىً تطوّفُ في ضبابٍ فوقه سحبٌ تمرّر دمعَها في صمت رؤيتهِ
عدْ بي إلى ملح الكلام دماً
فأنا رذاذُ العشق كلمةُ مائِهِ ونهارُ عودتهِ

عـشق " 1 "
---------------


في مرمر القول احتكمْنا
تحت قوس المغفرةْ
شفتان من طين الهوى
ورؤى كياقوت الضياءِ
على عمى الأيّام ترعشُ مقمرةْ
صنمٌ.. أنا
لو أشعلتني قبلةٌ
لمشيت فوق الماء أنثر جوهرهْ
وشربتُ ماء " فتوحها "
جسدُ الكلام.. أنا
سرير المنتهى
بردانُ في شمس اليقينِ
أهزُّ شوقاً منبرَه

عـشق " 2 "
---------------


أرى بلاداً دمائي في مدامعها
ونبضـيَ الآه أنّتْ في مسامعها
كأنها جسدي من طينها ائتلفا
فلست أدري لماذا من مرابعها
أصوغ وجهي تراباً أو ملائكة
فتُسْمِع الروحُ صوتي حزنَ ساجعها
وحين تهدل خلف اللوز قبرة
أكاد أحسب شعري لونَ مبدعها
إن مرّ كفي على رمل بشاطئها
بكى دمي فيهما من حرّ أدمعها
لتملأنْ رئتي حباً نسائمها
فيصبحَ السهل صدري بين أضلعها
كم راودتني دروب أن أودّعها
وجدت فيّ بلادي قرب موضعها
أرى بلاداً.. وهلْ قلبي يرى أحداً..؟
تجمّع القلب فيها إلفَ موقعها
لي كلمة ما.. نبيٌّ مشرق كلماً
في جوهر الروح ينمو من مواجعها

أجراس القيامة
---------------


أوّل اللوحة وجه الأرض نهر يتفيّا
جسدٌ ينبت موسيقا
ولوعٌ بهديل الماء ما عانق أشجاراً
وأنثى رطب الحلم يداها
وبقايا ما توهمتُ..
قليل من نبيذ الشعرِ
مَيْتٌ فوق سقف النور يحيا
ليلتي في بيتَ لحمٍ
كلماتٌ ـ رغم حزني ـ
مثل قامات من المسك ِ
خدودٍ خجلاتٍ ومحيّا
اصعدي في عربات الحلم ِ
أجراساً وأعياداً ووشيا
كلما أسكرتِ روحي
ضحك الفلُّ ضياءً في دم القول وحيّا
إنه الماءُ.. دفيءٌ
في القياماتِ
كأطفال فلسطينَ.. إذا فُجّر
ينبوعُ حياةٍ جعلوا الموت نديّا

غياب
-------

ها هي الأوقات تبلى
فأعيديني إلى حضنك
ردّي من قماش الطمي ِ لوناً
فوق وجهي لأرى خاتمة النهر..
أنا الينبوعُ مذبوح،
ولا أمَّ تحوط القلب تهديني
وقد تاه المصبّ
ثمرٌ جفّ
عناقيد بلا منقار عصفور على الخدينِ
لا يُجرَح حزنُ الحبّ آبت قصص العشاق من زحمة
أشجار الأغاني
وحدةٌ ترجعك الآن خطا باردةً
والصمت خوفٌ واحتضار يشرئبُّ

زائر الصمت
--------------

دقَّ بابي..
وتهجاني من الفضَّةِ حتَّى آخر الروح وما ملّ القراءةْ
ربّما شاء الإساءةْ
ربّما..!
واستلّ مصباحاً لعينيه وغيثاً من براءة ْ
قال: هلْ تأتي؟
فجمّعتُ بقايا الورق الطيّبِ والشعر وآمال شبابي
ما نسيتُ الفضّةَ الروحَ على الرفِّ وقد حانَ غيابي
دمعة واحدة هلت.. كثيراً ما ترددت ُ
و ناداني.. فأطفأت وجيب العشق.. قهراً وصمتُّ
دقّ بابي
و أنا ملقى على صدر كتابي
يتملى ما تبقى من خرابي
ثمّ ألقاني على الرفِّ.. ولم يحفلْ بما بي

مطلق
------

وفتحتُ بابَ الليل يرشدُني الهوى ويدي ابتهالَ النور شمسٌ تشرقُ
بعضُ الفناءِ يضيءُ كرمَ ملذّتي فأذوبُ في أورادِه وأعــَتــَّقُ
أسـلمْتُ للعشاق أبوابَ الحضور، وما عـرفتُ أنا سـواكَ أأعشقُ؟!
جسدي رهينُ زجاجةٍ نوّرتَها ويــكاد صــدقُ النـور فيها ينطــقُ
خـذني إليَّ بـما تشابهَ بيننا لأكــونَ أنتَ ويحتــوينا المطلـقُ

خمـــــر
---------

نبيذٌ جمرةٌ وفمُ
تحارُ أناملي المبتورةُ
الألوانُ.. كيف تعيد تكويني
وكيف تلمُّ أشلائي..؟
ليكتب قامتي غيم على جدران مقبرة
ويرسم مقلتيَّ دمُ
ـ إذن أرداكَ هذا الخمرُ؟
ـ أبتسمُ..!

زمان
------

أيامنا الراعفةْ
تدور في المكانْ
وحين شاب شعرها
ولم تمت واقفةْ
رأيتها..
مذبوحةَ اليدين واللسانْ

شاعر
-------

على نوافذ الزمان كانْ
مجدّفاً على بريق صوته
يرسم صورة الهواء
على نجيع ثوبه
ويستحي من لونه
ومن تقاسيم البكاء
فيستحيل جنة
ويدخل الكلام والسماء
ويشعل الزمان

المتنبي أمام بوابة فاطمة
------------------------

غريباً أتيتُ‏
المهاجرُ مقبرةٌ‏
والوجوهُ... قبورٌ تجولُ‏
وقامتيَ القهرُ والموتُ‏
صارا رماداً‏
يغرغرُ.. فيه العويلُ‏
فكمْ تتقرّى الخليلَ أكفٌّ‏
إلى الماءِ موردُها والقفولُ!!‏
وفاضَتْ دماءُ قريشٍ..‏
توضَّأَ بالدّمِ محرابُها والقتيلُ‏
وناديْتُ يا كربلاءُ!‏
لطائرِكِ الأبجديةُ‏
جمراً تقولُ‏
ومُرْجِفُكِ الأمسُ‏
من سبأٍ.. واليهودِ‏
فكلُّ الضحايا مثولُ‏
وكيف الصلاةُ؟‏
على عشبِ رأسٍ نديٍّ‏
ويُتْرَكُ ثارٌ نبيلُ‏
ترافِقُكِ.. الأرضُ ثكلى‏
يُسَطِّرُ سِفْرَ رداها يهودٌ‏
مَغُولُ‏
وفيها \"الحسينُ\" الطّريدُ مُسَجّىً‏
تكفكفُ قدسَ رؤاه الخليلُ‏
تنوحُ‏
ومعتصمٌ لا يراها!‏
وحسبُ الإماءِ سكوتٌ ذليلُ‏
ولولا.. على باب فاطمة...؟!‏
كانَ هذا البكاءُ‏
وكنّا نزولُ‏
نقاوِمَ ما هرولَ المقعَدُونَ‏
ونبصرُ بالدمِّ.. روماً تصولُ‏
غريباً...!!‏
ولكنَّ أسطورةً للشهادةِ‏
ينجبها المستحيلُ‏
تفتّح.. حتى الرمادُ اصطفاها‏
لطائرِهِ‏
كي يكونَ الصهيلُ‏

ثوان من نبض آخر
-----------------------

أجاور أفقاً‏
يمدّ جناحي إلى مقلتيهِ‏
ويقطع رأسي الخيالُ‏
فأمشي قتيلا‏
وتزرعُني في الكتاب الظلالُ‏
..........‏
أحقاً توّد الفراشة غسل‏
ثيابي؟‏
فأنجو من الدمع والأسئلةْ‏
وأفقد مفردة من كتابي‏
أزوّر وجه الخليفةِ‏
أحشو جيادي صهيلاً‏
وأركب خوفي إلى المدن المقبلةْ‏
وأدخل مقهىً‏
على شرفة الحلم تغفو‏
أثرثر فيها مع الروح والفقرِ‏
والبسملةْ‏
......‏
أغادر قانا‏
وأقبل أبني رواقاً من الشمسِ‏
حتى جدار المقابرِ‏
أمحو القصائدَ‏
والحزنَ‏
أترك قانا على البحرِ‏
تغسل ثوب الخرابِ‏
كما النار والجوع‏
والموت قهراً‏
يكون انتحابي‏
......‏
أيوسف في الجبِّ‏
وجه جميلُ‏
يوسوس ذئب برأسي‏
يوسوس ذئب...‏
يوسوس... ...‏
في الجبّ وجه جميلُ‏
... ... ... ...‏
تهزُّ سريركَ قنبلةٌ في الصباح‏
تمدُّ الحمامة منقارها وترتّل:‏
آه... ...‏
فينفر من جسد القنبلةْ‏
دماء... ... دماء... ... عويلُ‏
... ... ...‏
تقول الرياحُ:‏
تعال إلى الموتِ‏
-أمضي إلى البيت‏
يرسمني المستحيلُ‏
... ... ...
تعاتبني وردةٌ في الشمالِ‏
وقلبي الجنوبُ‏
فماذا أجيبُ؟‏
إذا اشتعلت في ردائي الأغاني‏
ومات الحبيبُ‏
تعاتبني وردة في الشمالِ‏
ويغتصب الروحَ منّي‏
هوى في الجنوب وجسم
نحيلُ‏
... ... ... ...‏
هو الصمتُ‏
مقبرة لا توسوس فيها‏
الخرائبُ والمئذنةْ‏
هو الصمتُ:‏
أمٌّ تبلِّلُ ثغرَ الرضيعِ‏
ببعض الندى‏
في جفاف الأمانيِّ والأزمنةْ‏
... ... ... ...‏
تحاولُ رسمَ الإمامْ‏
فتفلتُ قطرةُ دمعٍ‏
على معطفي في الزحامْ‏
وتهرب مني السنونو‏
أحقاً... تحاولُ...؟!‏
ينبض بين الأصابع هذا النخيلُ‏

كمال ناصر
-----------

كبرْتُ فجاءةٌ‏
صار السريرُ ضفافَ‏
مملكةٍ‏
وصارَ الناسُ كلُّ الناس... يلفظُ يومَها إِسْمي‏
... ... ... ...‏
جنوبيٌّ‏
على الشفتين أكمامُ الكلامِ‏
وشجْرةُ الفرحِ‏
هنا بيروتُ عاصمتي على جدرانها دمّي‏
هنا إِسْمي‏
ولكن لم أكن يوماً أحسُّ بمثلِ هذا الدفءِ في‏
قلبي‏
هنا بيروتُ‏
نامت في بلاط الأمس‏
تكتب آخر الأشعار‏
في ديوانيَ العربي‏
تخربِشُ في بحور تُسقِط الإملاءَ والهمزةْ‏
وتأخذني‏
إلى الميناء ترجعني‏
أحقّاً إنه موتي؟‏
رضعت العشق من شفتيك يا بيروتُ‏
قلت: حبيبتي الأولى‏
شعرتُ بلذةِ.. الموتِ‏
حملت سلال تفاح وعافيةً‏
وعنواناً قرأت حروفه الحمراءَ‏
وسط جريدة صفراءْ‏
كمال... أنا..؟؟؟؟‏
(كمال صديقنا الراحلْ)‏
أنا..؟ قولي‏
سمعت الناس كل الناس تلفظ يومها إِسْمي‏
كمال... ؟؟؟؟؟؟؟؟؟‏
وكان في رأسي‏
بقيّة‏
طلقة‏
وألمْ‏
وشيء من قوافي (أحمد) البدويِّ‏
من نثر الصحارى‏
شهدِ ما يأتي‏
ولا يأتي إلى... موتي‏

جزائر
----------

بياضَ الجزائرِ‏
لي خوذةُ الزمنِ الشهداءْ‏
تَمَلَّكْتُ حبرَ مراثيكِ‏
أستافُ وعداً‏
وحين يكلِّلُكِ الغارُ‏
يفجؤني في المسافةِ.. بعضي‏
دمٌ طازجٌ في البياضِ‏
كرومٌ تُعلِّقُ ساريةً في الضياءْ‏
لغاتٌ تُجمِّرُ مليونَ... عشقٍ‏
فأيُّ صباياكِ عكّا؟!‏
وأيُّ رمادِكِ... صيدَ الجزائرِ‏
يُزجي إلى ضفتيكِ السماءْ‏

وداع آخر
----------

للمحطات..
اغتصاب الروح
فلتنهضْ من الغربةِ
وامسح خدّك المقرورَ
فالعمر قصيرْ
لوّحَتْ..
بدرٌ يقوم الليلَ في فاجعة القلب منيرْ
وتماسكْتُ وكاد الجسدُ العاجزُ يهوي
مقلتي ترسمُ تلويحَ يدٍ... تختصر العمرَ وداعاً
فتميد الأرض بي
تَنُّورُ شوقٍ في شراييني يفورْ
لم تزلْ واقفةً قربي وعيناها نبيّانِ
أشاعا صلواتٍ وشعورْ
ثوبها.. رائحةُ الدمعِ
حديثٌ مقْفَلُ الأحرفِ من أوجاعه المرَّةِ
ما بين شغاف القلبِ يهمي
عبرتْ طفلةُ روحي
نصفها في الباب مزروعٌ
ونصفٌ عالقٌ في الروح لا يبرحُ
كمْ تقبل نحوي!
ثم كالحلم تطيرْ

جينين
---------

ولدٌ ما زال في الحاجزِ شمساً
تتباهى ببريق الأوسمةْ
ولدٌ ينفخُ بالطين
هلالَ البسملةْ
ويداري موتَهُ القادمَ
ما عادَ قويِّاً ـ مثلما كانَ قديماً ـ
قاتلوه أهله البكمُ
فهلْ حدّثكمْ هدهدُ صمتِ المرحلةْ؟
أمُّه أرملةُ الحزنِ
أبوه الموتُ
والمحزنُ حدُّ المقصلةْ
ولدٌ.. مروانُ.. أو سلمانُ..
أو أحمدُ.. أو.. دمْعُ أسامي الملحمةْ
لم يكنْ عندَ أمانيهِ سماءٌ
خذلته ليلةُ العيدِ
وأشلاء رسومٍ في مآقي حنظلةْ
كان صيّاداً إذا ابتلّتْ شباكُ الموتِ بالقتلى
تنهّدْ
وإذا جاعَ تنهّدْ
يكره القاتلَ والسّجانَ
قالَ الشعرَ مذْ كانَ رضيعاً وفقيراً
وعلى ظلِّ أبي ذرٍّ تمدّدْ
ويحبُّ الخبزَ والسعترَ
والوحلَ على باب المخيمْ
ولدٌ مثلُ بيوتِ اللهِ والناسِ طهورٌ
ولدٌ ذاب حنيناً ليحيينا
ولكنْ صبحهُ فيهِ تكلّمْ
فهوى دون نشيدٍ وتفحّمْ

طوفان الجهات
------------------

إيمان حجّو..‏
طفلة خان يونس‏
وردة أربعة الأشهر‏
شجرة الأرض.. بعد طوفانكم‏
زهرة الحبّ.. بعد صلبكم الحلاّج‏
وابتدى البحرُ‏
تهجّي المقلتينْ‏
قبّل الخدَّ‏
وأطرافَ اليدينْ‏
...........‏
دثِّريني بدمٍ..!!‏
يغزلُ أحلامَ النخيلْ‏
يُطلِعُ الكوفيَّةَ الحمراءَ،‏
من بادية الروحِ‏
إلى زيتونةِ القلبِ،‏
دعي وقتاً...‏
قتيلاً في مرايانا‏
فقد ساومَكِ الليلُ طويلا‏
وتبوَّأْتِ الحكاياتِ‏
وأسرارَ الصهيلْ‏
.........................‏
من زقاقٍ بسط الرملُ‏
إلى الخوفِ نداهْ‏
تسقطُ الشمسُ‏
على طينٍ ووشمٍ‏
تَتَمَلَّى وجهَكَ الدريَّ‏
والموتَ‏
عصيٌّ.. زمنُ الموتِ‏
عصيٌّ منتهاهْ‏
فبأيٍّ من بداياتِكِ‏
أجلو المستحيلْ؟‏
حينما يغفو بحضنِ اللهِ‏
أولادُ الجليلْ‏
ويعودونَ.. على لَيْلَكِ‏
أوراد المساء‏
يبدأ البحرُ تضاريسُ فلسطينَ‏
لتنجو...‏
حدقةُ الماءِ على النَّطْعِ‏
ولا تُغْمِضُ قلبي كربلاءْ‏
..................................‏
هبْ.... أتى الطوفانُ،‏
والنّاسُ سُكارى‏
وطمى النِّفْطُ‏
طمى الصمتُ‏
وفاضَ الموتُ،‏
والنارُ وَطمْيٌ وبكاءْ‏
هَبْ بدا الليلُ نهارا‏
ومشى نوحٌ على الجمرِ‏
وأخشابِ الخلاصْ‏
وتَجَمَّعْنا صغاراً وكبارا‏
ما الذي يحدثُ إنْ \"إيمانُ\"‏
أرستْ حلمنا في القاربِ الملآنِ‏
من كذْبِ الحياةْ؟؟‏
وتدلَّت فوقنا،‏
تحملُ في أرجوحةِ الموتِ النجاةْ‏
ما الذي يحدثُ...‏
إنْ عادتْ من القاربِ‏
واستلقَتْ على عشبِ فلسطينَ‏
وفاضَ الماءُ‏
والأرضُ تُغنِّي‏
في شناشيلَ من الصبحِ‏
وماج النِّيلُ،‏
والشارعُ،‏
ماجَتْ جثثٌ قتلى‏
عصافيرُ‏
قوافٍ‏
مقلُ الأطفالِ في الجولانِ‏
فحمُ اللحمِ في بغدادَ‏
واستلقى على الجوديِّ‏
متراسٌ.. وأشلاءُ السفينةْ‏
ما الذي يحدثُ...؟‏
ما أجملَ \"إيمانَ\"!!‏
وما أقربَ مني كربلاءْ!!‏
.............................‏
أوقفَ الدبّابةَ الزهرُ‏
وأجسادٌ بلا أيدٍ‏
ولحمُ المريميّهْ‏
وغناءُ الماءِ‏
في جبهةِ \"إيمانَ\" الطريّهْ‏
...............................‏
آهِ بغدادُ! وضاق الكونُ‏
ما خزّنْتُ أشواقي إلى النهرِ قتيلا‏
ما اجترحْتُ الموتَ‏
لا بابلُ تأتي‏
في عزاء العامريّه‏
كلُّ ما كانَ...!‏
تأخّرْتُ قليلا!‏
واعتراني...‏
أن ملاحاً على الشاطئ‏
قد شاهد نوحاً... والسفينهْ‏
غير أنّي لم أرَ المشكاةَ في المرفأِ‏
ما كان على البرِّ
حبوبٌ وطحينْ‏
كان قلبي مثخناً بالحبِّ‏
والموتِ وأشجارِ المدينهْ‏
عادَ من دجلةَ‏
ظمآنَ.. حزينْ!!‏
........................‏
كانَ \"نيروزُ\"‏
وكانت \"نَهَوَنْدْ\
يحتويكَ الخَلُّ والمِلْحُ‏
وأُدْمُ الوصلِ‏
فقهُ النارِ‏
في سوقِ \"القطيعةْ\"(1)‏
وتجلّتْ مُقلتانا:‏
شعلةً للروحِ‏
آلامَ الفجيعَةْ‏
وانتهى ما كانَ‏
فارقْتُ اشتعالي‏
دمُنا سالَ من الشَّجْرَةِ‏
\"يا صاحبة الحانِ إلى أين الطريقْ؟\"(2)‏
موغلٌ صوتي على‏
فحمِ.. السؤالِ‏
موغلٌ...‏
حتّى الحريقْ!‏
.........................‏
يبدأ البحرُ:‏
فلسطينُ وإيمانٌ ونوحُ‏
ينتهي الطوفانُ‏
والأرضُ سفوحُ‏
ربّما أملأُ في رحلتيَ النورَ..‏
ولكنْ لا أبوحُ‏
فعلى خدَّيْكِ أهرقْتُ‏
شفيفَ الروحِ‏
أنبا حالَكَ الدمعِ هوانا والجنوحُ(3)‏
وبرى العينَ،‏
فما يدري دمٌ ذلكَ‏
أمْ عشقٌ مسيحُ؟!‏
طاهرٌ نومُكِ..‏
كم أَدْمَنَ أطفالُ فلسطينَ‏
سريرَ القدسِ!‏
ما عَكَّر.. هذا النبويَّ البوحِ‏
أضغاثٌ جروحُ‏
وابتدى البحرُ...‏
تَهجَّتْ قامتي فيه القروحُ‏
هل فلسطينُ... بداياتُ المغنّي؟‏
أم نهاياتُكَ... والعجزَ؟‏
لأيٍّ من جهاتِ الشجرِ المحروقِ‏
نغدو.. ونروحُ؟!‏
أيُّها الطُّوفانُ‏
لا تحملْ رذاذَ الموتِ مُسْوَدّاً‏
فما شعبي الذبيحُ‏
هبْ... بكت \"إيمانُ\"‏
والرحمُ مُدَمّى...‏
بمخاضِ الماءِ‏
مَنْ..‏
بَعْدُ... ينوحُ؟؟‏

بلند الحيدري
------------------

كان في الغربةِ طفلاً‏
صافياً مثل سماء الشرقِ‏
يعدو صوبَ أرضٍ‏
لا يموت الناسُ فيها من بكاءْ‏
يخزنُ الفرحةَ للعيدِ
ويجري مثلَ أيّام الأسى‏
إنْ مرّ في العينِ شتاءْ‏
يضعُ الأيامَ في شرفةِ عينيهِ‏
ويغفو‏
... ... ...‏
من سنينْ‏
من سنينْ‏
أطلقته أمُّهُ السمراءُ‏
عُريانَ حزينْ‏
يفتحُ النافذة.. الحلمَ‏
ويلقي مقلتيه في الشوارعْ‏
يسأل الصبح عن الأهل‏
عن النهر وأطفال الجنوبْ‏
يتقرَّى طيفَ بغدادَ‏
فيسَّاقطُ دمعاً في الأصابعْ‏
... ... ...‏
من سنينْ‏
من سنينْ‏
صيَّرَتْه هيكلاً يعجنُ‏
من أحرفهِ الموتَ‏
ويروي فوقَ قاماتِ النخيلْ‏
وطناً ينزفُ فينا‏
وطناً يُدفَنُ فينا‏
ثم تغرورقُ عيناه على باب الرحيلْ‏
وتزفُّ الريحُ والأمطار أشلاءَ المدينةْ‏
وتناديهِ إلى البحر السكينةْ‏
رأسُهُ المقطوعُ من شجْرة آسيّا حزينْ‏
ويداهُ من بقايا دِجلةٍ كومُ ترابْ‏
سقطَتْ من أفقه النارُ‏
على جسم القصيدةْ‏
واكتوى في دفتر الغربةِ‏
ألقتْهُ المياهُ العربيةْ‏
قربَ شطآن الضبابْ‏
وانطوى المأتم والشعرُ‏
وغابْ‏



رحيل الصباح
---------------

رحل صباح الجمعة 8 نيسان 2011 في دمشق الشاعر الفلسطيني عبد الكريم عبد الرحيم عن عمر يقارب السبعين عاماً .
ولد في مدينة صفد بفلسطين عام 1942 ، وغادر فلسطين عام 1948 وهو في السادسة من عمره ، فأقام و أسرته في دمشق حتى وفاته .
تتلمذ على يد عمه الشيخ عز الدين الحاج سعيد ، وقرأ الأدب الجاهلي و الإسلامي في سن مبكرة ، وتابع دراسته ، و تخرج في جامعة دمشق ، وعمل مدرساً للغة العربية ، بالإضافة إلى عمله الصحفي ، كتب قصيدة التفعيلة . نشر في معظم الدوريات السورية و اللبنانية وشارك في مهرجانات الشعر العربي كما شارك بأمسيات و نشاطات اتحاد الكتاب العرب في سورية . و هو مسؤول النشاطات و الجمعيات في اتحاد الكتاب و الصحفيين الفلسطينيين فرع سورية .
أعماله الشعرية ( بين موتين وعرس عام 1985 - آخر اعترافات الندى عام 1996 - صاعداً إلى الطوفان عام 1997 - فضة الروح عام 2001 - للماء أمنح صوتي عام 2004 ) .
وله كتاب عن إبداعات أبي خليل القباني صادر عام 2000 .




اعداد :
سلطان الزيادنة \ الاردن ... عبير محمد \ مصر
زياد السعودي \ الاردن








 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:12 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط