سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية - الصفحة 2 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: طيور في عين العاصفة* (آخر رد :عبدالرحيم التدلاوي)       :: الأصمّ/ إيمان سالم (آخر رد :إيمان سالم)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :أحلام المصري)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: جبلة (آخر رد :أحلام المصري)       :: إخــفاق (آخر رد :أحلام المصري)       :: ثلاثون فجرا 1445ه‍ 🌤🏜 (آخر رد :راحيل الأيسر)       :: الا يا غزّ اشتاقك (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الأزهر يتحدث :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الادب والمجتمع (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: مقدّّس يكنس المدّنس (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-2020, 03:54 PM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : مُخاصَمَتي لحبيبي الشِّعْر
النّاص : ثناء حاج صالح
القراءة : جهاد بدران
..............

النّص :

يسألني :
أَتَتْكِ سُيُوفُ الرِّيحِ تَبْغي المُنازَلَة = فيا نَخْلةً عَزْلاءَ ما أنتِ فاعِلَةْ ؟

فأجيبه :
أَدُورُ على نَفْسِيْ وأَبْتَدِرُ الهَوى = ومِنْ سَعَفِي أَسَتَلَُ سَيفاً مُقابِلَهْ
فلا غَيْرَةً أطفأتُ إن كُنْتُ غِرَّةً = ولا نَزْوَةً في الشَّوْقِ إنْ كُنْتُ جاهِلَة
أَمُرُّ ولا أدْنُو أراه ولا أرى= وَخَلِّ دَبِيبَ العِشْقِ يُدْلِي حَبائِلَهْ
فإنْ شَفَّنِي بِالهَمْسٍ فَالصَّمْتُ حِيلَتِي = ولو حاوَلَ الإِصْغاءَ لَسْتُ بقائِلَة
وما عَجَبٌ أَلْقاهُ بالصَدِّ والنَّوى = وقدْ جاءَ في الألواحِ أن لا أُعامِلَه

ثم أعقِّب:

شَكَوْتُ وكان الشَّكْوُ منِّي خَطِيئَة ً
ومِثْلِيَ لا تَشْكُو مِنَ الدَّهْرِ غائِلَة

أُعَانِقُ صَدْرَ الصَّبْرِ إنْ بِتُّ لَيْلَتي
فَيُصْبِحُ مِنِّي الصَّبْرُ يُمْلِي رَسائِلَه

ومنْ عَجَبٍ غادَرْتُ أسْوارَ قَلْعَةٍ
مُعَلَّقَةِ الأبْراجِ في الغَيْمِ نازِلَة

يُمَيِّلُ عَنْها الطَّيْرُ لو طارَ جُنْحَهُ
وتَجْفُلُ مِنْها الخَيْلُ في الليلِ صاهِلَة

أُضَيّْفُ فيها الشِّعْرَ والشِّعْرُ زائِري
ومَنْ يُكْرِمِ الأضْيافَ يُعْمِرْ مَنازِلَه

فلو عَقَلَ الغِزْلانَ أًطْلَقْتُ مُهْرَتي
ولو أَطلَقَ الأوْزان أمْسَيْتُ عاقِلَة

وما غَلَطاً ماثَلْتُ بالوَجْدِ عالِقاً
وَكَيْفَ أُجاري الشِّعرَ إنْ لمْ أُماثِلَه؟

فَبَعْضِيَ مَمْطورٌ، وبَعْضِيَ مُاطِرٌ
وبَعْضِيَ ماءُ النَّهرِ يُجري جَداوِلَه

أعاقِبُ بين الثلج والجَمْرِ واللَّظَى
عُقوبَةُ ذَنْبِ البرْدِ بالدِّفْءِ عادِلَة!

أبيعه ما أشري وما أشتري الظما
وحَقَّ عَلَيَّ الماءُ أُسقيهِ سائِلَه

وَكانَت لَنا صَحْراءُ نَجتازها مَعاً
نُعَلِّقُ فيها الرَّمْلَ نَبني مَجاهِلَه

فزَوْبَعَةٌ في العِشْق تُغْوِيهِ بالهُدى
وَتَبْعَثُني للصَّحْوِ والوَعي غافِلَة

سَواسِيةً كَالصِّفْرِ صِرْنا بِجَمْعِنا
ويا جامع الضِّدَّيْن أفْنَيْتَ حاصِلَه

فَفِيمَ أخافُ الوَصْلَ إن مَدَّ حَبْلَهُ؟
وَفِيمَ يَخافُ الهَجْرَ إن كانَ واصِلَه؟

وهذا ملحق بالتعقيب:

وقد راعَني أَسْرَعتُ كي أحْصُدَ المُنَى
سَنابِلَ قَمْحِ الصَّيْفِ غَطَّتْ سَنابِلَه

خَسَارَةَ ما شَيَّدْتَ يا شِعْرُ في دَمي
أعالِيهِ تَحْتَ الدَّوْسِ صارَت أسافِلَه

وتَكْتُبُ سَطْرَ العِشْقِ في صَفْحَة الأسى!
وَبَيْن الأسى والعِشْقِ ما ثَّمَّ فاصِلَة!

فَدَعْني على أَشْياءِ حُزْني أسِيفَةً
على وَهْجِ نارٍ في المنازلِ شاعِلَة

على حَلَبٍ والحُزْنُ حَلَّ مَفاصِلي
(ألا لَيْتَها الأحْزانَ حَلَّتْ مَفاصِلَه)*

على قَمَرٍ يا لَيْتَ لم يَدْنُ منْ يَدِي
ولم تَزَلِ الأَقْمارُ لِلْقَطْفِ آيِلَة

على حَجَرٍ أَنْعاهُ في كلِ لَيْلَةٍ
ولن تَقِفَ الجُدْرانُ عُقْباه عازِلَة

فإنْ كُنْتَ لا تُشْجيكَ يا شِعْرُ نُوتَتي
فَلُمَّ زهورَ الرَّوْضِ واصْرِفْ عَنادِلَه

وَنادِ زمانَ الهجرِ يَحْظُرْكَ عنْ دَمِي
وَصَلِّ صَلاةَ المَيْتِ، ما بَيْنَنا صِلَة!


* دعاء على من حرق حلب


الطويل
.........

القراءة :


ماذا أقول وأنا في حضرة هذا الجمال المتفرد، وبين أنامل واحتك الخصبة، وبين أروقة هذا الإبداع الذي حرّك شفاه الذائقة نحو السمو والعلو، وبسط أجنحة الخيال نحو آفاق الشعر النفيس..

الرائعة الراقية شاعرتنا الفذة والناقدة المتمكنة التي لا يُشق لها غبار، الماهرة في اقتناص الجمال من عيون الشعر:
أ.ثناء صالح
لله درك كيف تستولي حروفك على ذائقتنا لترتوي من مزن حرفك البديع..
أية لوحة هذه التي حلقت بنا في مدارات النجوم، وأضاءت على الأقلام نوراً من قنديل حرفك الوضاء..
قرأت هذه الخريدة مرات ومرات ولم تكتف الذائقة بعد..
عن ماذا نتحدث في هذه اللوحة الفريدة..
هل عن تعابيرك الدقيقة للأفكار..
أم عن عوامل التحريك الإبداعي لمفردات اللغة التي وازت الحس الداخلي بترابط مع الحس الخارجي، والذي حمل ترابطاً وإتقاناً مع روح النص، حتى اندمجت الرموز فيه مع ما يحمل النص من تفاعل المشاعر وما احتوته المعاني من عمق وقدرة إبداعية جعلت الشاعرة في دوحة من جمال وحرفية عالية..
النص قيمة إبداعية غنية استطاع أن يستولي على الخيال مع مساحة فكرٍ عبّرت عن قدرة الشاعرة في رسم خطوط الحرف وفق خارطة شعرية مرتبة منسقة بسبك متين أشبع ذائقة المتلقي وتركها تلهج بالجمال والشوق لما بعد ذلك..
فهل نتحدث عن فصاحة هذا اللسان، أم عن ملكة التصوير التي برعت الشاعرة عن طريقها بتغليف أفكارها على هيئة جرعات تلقفها المتلقي بترف وغنى..
أم نتحدث عن شحنها للألفاظ المتينة بالدلالات المعبرة، لتوقظ المشاعر بعذوبة لغتها التصويرية المتقنة..
أم نتحدث عن اتساع اللغة العميقة المتوهجة وما حلقت بالمتلقي عاليا نحو السمو من خلال الصور والمفردات الحية والوعي بقيمة تراكيبها البنائية ..
فقد جمعت بين سطورها معاناة الوطن بذكرها حلب وحرقها، ووجع أهلها
وما لاقوه من حكم الطغاة وصنمية الحكام الذين يتفرجون على احتراق القلوب قبل البيوت، فالشاعر عندما يشعر بوطنه بحرفه المزهر ، يكون قد أدى رسالته بإخلاص ووفّى قلمه حقه في حمل الأمانة، لذلك كان من الشاعرة أن حملت مرآة حرفها من الأعماق لتجبله بنور قلمها كي تنفث الواقع المؤلم بجزالة ألفاظها وحسها الذي ينزّ الألم والدماء..والغيرة على هويتها كان نبعه غذاءها المرير المتراكم من قاع المدن العربية الإسلامية، والذي سفك دم الحروف حرقة ووجعا..
اللهم عليك بالطغاة والحكام والكفرة الذين دمروا البلاد، وأحرقوها بمن فيها دون رحمة أو شفقة، وقد باعوا ترابها للطواغيت الذين يلاعبونهم كالدمى وقد تركوا ضمائرهم في المقبرة.. اللهم لا تجعل منهم أحدا، واجعل ظلمهم ومؤامراتهم في نحرهم..اللهم احفظ بلادنا وأمتنا من هؤلاء الذين لا يخافونك فينا...اللهم آمين يا رب العالمين

ثناء صالح عالم جميل إبداعي يغرس كل أصناف الجمال تحت سقف اللغة الإبداعية المتفردة..حيث تسيطر على اللغة سيطرة شديدة وهي تغذيها بفكرها الخصب وفلسفتها ذات الأبعاد التي تحمل في جيوبها التأمل..

حفظك الله ورعاك أيتها الماجدة المتفردة
وفتح الله عليك من خيره ونوره ورضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 04:02 PM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : ربما ...نلتقي
النّاص : فاطمة الزهراء العلوي
القراءة : جهاد بدران
...............

النّص :
ربما ...نلتقي
هذا الشبح الهائم
في مواخير الزمان
يتعرى في رقعة الشمس
وسـِفر العزلة قربان
على مذبح القصيدة
وظلال الوحشة وشم
عبرته كل الطرق
عبرته
قافلتنا " ربما من صد الكلمات نلتقي "


ربما
في الهزيمة
وانتكاسة الحروف الراعدة في دمي
وعري الظلام
وبصمة الجراح الممزقة فيها أشياؤنا
تهب نسمة رطيبة
تسمعني رنين الكلمات:
" يا غزلية يا ابنة أطلس
من شوا ردي هنا أهيم
أحن إلى حنايا أندلس "

وحيدة
أترصد ُ إشراقة منك ربما..
والحب سراب
يقال : انتحرت الأشواق
رحلت بلا سماء
وأحواض المواسم شاردة
عافت أهل الديار
عافت كل أغاني الهناء...


ربما نلتقي
وتردد منعطفات ُ الماء
أغنيتك وأغنيتي
ربما نلتقي
عند هموم الوطن
ونقيم عزاءنا حبيبي
ونمجد الأطلال بكفن من فوضى الكلام


ربما نلتقي..


ما أجمل ما عزفت من جمال على أوتار الحروف الندية
لوحة لا يشبهها جمال وتفرد
قرأت هنا لغة قوية متينة بارعة البناء ومتقنة الألفاظ..جاءت من كوكب الشمس لتضيء النفس راحة وغبطة وأملاً..تحمل بين أناملها مشاعر نابضة ..جسّدتها الشاعرة وفق قوى روحية تحس بالوجود المطلق بحيث لا يقيدها زمن..وبذلك تكون قد وقفت موقف المصور البارع في تصوير فني رائع..بمعنى أنها مصور حسي يجمع ما بين الإحساس الداخلي والخارجي بتراكيب مذهلة ربطت بين روح النص وإتقان لغته التي جاءت مكملة للمعنى الإشاري وما حمل من رمزية كانت في تفاعل مع الفكر العميق والخيال ضمن الدلالات المختلفة التي تقبع في ذات الشاعرة والبيئة التي تحيط بها..مما نتج عن ذلك لوحة ذات بهاء وسحر بتراكيب لغوية وصور ذهنية بارعة النسج زادت من طاقة التخيل أبعاداً مختلفة وشحنت التصاوير بلغة مؤثرة وألفاظ معبرة..مما أيقظت العواطف في قلب المتلقي ومنحته البحث والتنقيب وكشف الأسرار التي اعتمدتها الشاعرة في نسيج النص..
استطعنا من خلال اللغة العميقة هذه والمتوهجة أن ترسم الجمال بكل أبعاده بسيطرتها على اللغة والعبارات سيطرة شديدة جعلتنا نتذوّق الوعي اللغوي بقيمة التراكيب المنسوجة في مسامات النص العذب والساحر هذا..لنشعر أن الألفاظ أصبحت أداة أداء منقادة لها بعمقها وفلسفتها الذاتية
وما فاضت من أوصاف تدل على براعة الشاعرة وقوة حرفها وموقعها من الأدب..وقدرتها على التلاعب بالمفردات بأساليب لغوية تدهش المتلقي..
..
الشاعرة الأديبة الراقية المبدعة
أ.فاطمة الزهراء العلوي
كنت في حضرة لغتك العذبة المزهرة ..وقد فاض القلب فرحاً وأنا أتذوق رحيق حرفك البارع..
بوركت وما تنسجين من جمال الحرف في سماء الأدب
وفقك الله غاليتي لما يحبه ويرضاه
وزادك بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 04:06 PM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : مرآة
النّاص : فاطمة الزهراء العلوي
القراءة : جهاد بدران
..................

النّص :

وقَفَ طويلا يُحدّق في وجْهِه أمام مِرآة مُتشَققة
لمَحها قادمة ، سَدّد ضَربَة قوية
سَقط وجْهَه شظايا .. و اختفت شُقوق المِرْآة.

.............

القراءة :

مرآة....
عنوان بدون أل التعريف، مما يجعلنا نستنبط من فحواه أوجهاً كثيراً، تحمل دلالات متنوعة ومختلفة التأويل، وهذا يمنح القصة القصيرة جداً منافذ عديدة للدخول تحت مجهر التحليل وبين شيفرة التشريح لأبعاد نخمّنها من باب حكّ الذهن وتحريك معاول الفكر، كي تنتج لدينا وجبات دسمة من بين أوجه هذه اللوحة الفنية.
الجمال يكتمل حين يحركنا الحرف بعملية البحث والتنقيب عن أسراره، كما هو الحال بين طيات هذه الحروف..
لنبدأ من أول الغيث في الفعل الماضي وصفته التي تملي عليه آثاره الواضحة

/ وقف طويلا/

عملية الوقوف طويلاً تملي على المتلقي أنه بين حدث يستحق هذا الوقوف، بمعنى أن هناك أمرٌ يستوجب الوقوف لأهميته ومهابته، الوقوف طويلا، يعني التأمل/ التدبر/ التفكر/ المحاسبة/ الصراع بين جهتين متواجهتين/ التمهل قبل الشروع في العمل/ إعادة تدوير الوضع لإيجاد حيثيات التغيير/إلخ...
من هنا يمكننا مسك طرفيّ المغزى للدخول في قعر المحتوى للوصول لفوهة المراد من المرآة وما حوته من معالم جمة..
/وقف طويلاً/ لهدف ما، لحدثٍ عظيم يمكن أن يكون بداية تغيير وطريق نحو التفرد أو التمرد..
لذلك تأتي أسباب الوقوف طويلاً بتوضيح الكاتبة بقولها:

/يُحدّق في وجْهِه أمام مِرآة مُتشَققة/

كي تعطينا بعضاً من خيوط المغزى، لنجدله بتمعن بين جهات الفكر للوصول نحو الهدف..
تتطرق الكاتبة في عملية الوصف بفعل مضارع اتخذته بدقة، ذريعة إيصال عناقيد الفكرة بفحواها المشبعة، وهو الفعل
/ يحدّق/ فهي لم تقل /ينظر/، بل اختارت فعل يحدق بعناية تامة، لأن النظر يختلف عن مفهوم النظر بإمعان وقوة اختراق المراد من النظر وهو تلك المرآة المتشققة، فالنظر وصف عام يمكن أن يحمل اللامبالاة من رؤية المناظر، كمرور عابر للشيء، لكن التحديق، هو عملية تركيز شديدة للشيء المقابل، وهذا يمنح الكاتبة صفة البراعة في اختيار الألفاظ وصفة العناية في تجميل النص وإغداق الفتن على ملامحه الظاهرة والباطنة..
/يحدّق في وجهه/ من هذه المعالم تتضح لنا صورة المذكر هنا، وهو بدوره يختلف عن المؤنث التي من صفة الأنثى التحديق طويلاً في المرآة لأهداف جمالية أو عتاب للجمال، لذلك لمجرد الحديث بصيغة المذكر، هذا يعطينا مؤشرا نحو الأهمية في الفحوى والمحتوى..
فالمذكر حين يحدق بتمعن في وجهه في مرآة متشققة، لها دلالات عظيمة تومئ بقادم ذي أهمية مختلفة المعهود..
عملية التحديق في الوجه، هي بحد ذاتها بداية الصحوة على النفس وأعماق الذات، بداية التنبّه بآثار النفس الموجعة، لأن التحديق بالنسبة للمذكر هو عملية تركيز شديدة على أعماق الذات وليس على الشكل الخارجي، لذلك جاءت المرآة المشققة وسيلة وأداة لتعين وصف الحالة القائمة من وراء هذا التحديق العميق..
حينما نحدق في الوجه، يعني التحديق في معظم الحواس وما تأخذنا كل حاسة نحو معالم الذات وارتباطها بواقع الحال، فالمرآة المتشققة هي عملية انعكاس ذاتي منبعث من هذه الحواس المرتبطة بالحياة، شروخ كثيرة في الذات انعكست من خلال قلم الكاتبة لتبرز لنا ذلك الوجع المدفون عميقاً والذي ظهر مع عملية المواجهة مع الذات من خلال عملية التحديق هذه..
للمرآة دلالات وتأويلات وإيحاءات فلسفية وجمالية عدة:
فهي تعكس العالم الداخلي للإنسان، من خلال سطحها العاكس، فهي عملية انعكاس للصورة الماثلة أمامها، انعكاس للصورة الأصل، أو أن تكون مرآة كما أرادتها الكاتبة رمزية مجازية، تقوم بتشريح الصورة الأصل، لأبعد من التفسير السطحي..
لذلك المرآة تخدم الأدباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم، كرمز للتحقق من الذات ومعرفتها، وكرمز لعملية التغيير وتصحيح مسار الحياة والذات، من أجل السمو والرفعة والتطهر من علق الأوساخ الراسخة في قعر الحياة..فهو انعكاس للذات وللأنا المتسلطة وأسرارها وأبعادها الجوفية العميقة الداخلية، وأحيانا تكون المرآة كرمز للخداع، إذ تصور الشكل الخارجي دون عمق الشكل الداخلي...

لذلك ربما كان من صورة المرآة المتشققة والتي أظهرتها الكاتبة، حين اصطدم وجه المحدق الداخلي بالحقيقة الظاهرة والتي كانت ترمز لها المرآة، إنما هي عملية وجع الذات المحطمة من أثر الآخر، والذي باغتنا بظهوره على هيئة أنثى ، كانت هي السبب في هذه التشققات والشروخ، والذي يدعم ذلك قول الكاتبة:

/لمَحها قادمة ، سَدّد ضَربَة قوية/

هنا كانت الضربة قوية جدا حين لمحها قادمة، والتي كانت سبباً لهذه التشققات، وكأنه بلمحه إياها أعاد الجرح والذكريات المؤلمة، ليكون للضربة ردة فعل قوية، لتغيير الحال الماضي بحاضر مختلف..
نلاحظ من فحوى الفعل/سدّد/ وكأنه في حلبة صراع، ترتكز على منافسة بين اثنين، وهذا بحد ذاته يعطينا مؤشر التحدي والتنافس، فإما ربح وإما خسارة، وهذا التحدي هو الذي استجمع للضربة القوة، ومن حجم المعاناة ومسّ الحاجة نبعت قوة التحدي، ليكون نتاجاً واضحاً بإحداث تغيير ما، ألا وهو كما قالت الكاتبة:
/سَقط وجْهَه شظايا .. و اختفت شُقوق المِرْآة./
يأتي هنا معاني انعكاس الباطن للخارج، وتبادل انعكاسي بين أعماق النفس وارتباطها بالتصرفات على الشكل الخارجي العملي..
سقوط الوجه هنا جاء بعد لمحه إياها وتسديده الضربة القوية التي تعتبر كناية عن قمة الوجع المغموس في الذات، ليخرج عن طريق تحريك الذات بمعول رؤيتها..
دائما ما نفسر عملية السقوط بمنحى سلبي جدا، بعكس السقوط الذي ظهر هنا..فالسقوط جاء نتيجة لإصلاح النفس والقلب، كأنّ الكاتبة تومئ لنا بأنه مع عملية الانكسار تولد الحياة، وكأنها تريد إيصال عبرة وحكمة وموعظة من أن الانكسار هو محطة لتوليد الحياة والبناء من جديد، ويعطي نافذة الأمل لترميم الذات عن طريق محو شظاياه التي كانت قد تعلقت بوهم ما أو شخص ما، لذلك سقوط الوجه والذي يشير لملامح الشخصية وانفعالها، جاء لينهض الفرد من جديد، بإشارة من الكاتبة بأن شقوق المرآة قد اختفت تماما، أو أن الكاتبة أرادت توضيح العلاقة الصريحة من خلال انكسار الذات وارتباطها بالتصرفات الخارجية التي تتأثر بذلك وتنكسر علاقتها عند الاحتكاك بمن نراهم وجها لوجه...
لذلك كانت الدهشة عظيمة في بناء القفلة، والتي تعتبر فنّا عظيما قد بُني بإتقان وبراعة..
القفلة كانت محطة الإبداع والسحر والجمال، تستحق أن نؤلف عليها كتباً قيمة...
من سقوط الوجه والملامح الموجعة لم تعد المرآة تصوير حاله، وعادت كما كانت من قبل...
الحالة الفنية العجيبة التي استحدثتها الكاتبة هي اقتران المرآة وتشققها بشظايا الوجه، وكأنهما صورتان لعملة واحدة، وهذا دليل على الإتيان بالبراعة والذكاء في تحصين مملكة حروفها بأعمدة من القوة والمتانة والتخطيط في بناء مملكة قصتها القصيرة جدا..
كيف يسقط وجهه شظايا، إلا إذا كان الوجه حساسا شفافا رقيقا يعكس شفافية العواطف ورهافة الحس، ليسقط شظايا كالزجاج كناية عن الرقة والتأثير وزيادة الحساسية من الآخرين.. فتختفي شقوق المرآة حين يستقيم الشخص بتصرفاته وينقي أعماقه وقلبه ونواياه، ويحسن التصرفات مع الغير حينها تتحسن صورته عند الآخرين وتعكس صورة جمالية مختلفة تعبر عن جمال الروح، وكأن المرآة كانت رمزا للآخر أو المجتمع..

الأديبة الكبيرة الراقية البارعة في نسيج فني متين
أ.فاطمة الزهراء العلوي
لقد رسمت لنا لوحة إبداعية متفردة تقبل التأويل بكل السبل، ولا تنقسم ببنائها مع أحد..متفردة في الرسم والبراعة..
معزوفة حروف أطربت الفكر والتفكير والخيال، وهي تعزف على الجمال صورة نفيسة مثمرة..
وفقك الله حبيبتي ورعاك وسدد خطاك لرضاه
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 04:44 PM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : أبتغي تمزيق قبري
النّاص : عبد الحليم الطيطي
القراءة : جهاد بدران
......................

النّص :

أبتغي تمزيق قبري
ضوء عيني فرَّ قَبلي
فرّ ذئبي..من عيوني ..راح يجري
صار يصرخ في الحياة ..فذاك صوتي.......
طار صوتي فوق دربي ..
ألْفُ أَصرخُ ..غايتي تجتاز عمري ...!
غايتي قبلي وبعدي ........
غايتي تمتدّ أميالا ..ولا أمشي كنفسي
لا أُباريها وكُلّي حثّ حسّي ..
كلّ ركضي ....ليس يمشي
ثم فرّت نفسي مِنّي ..فرّ صوتي
فرّ منّي ذئب نفسي
...........

القراءة :

أبتغي تمزيق قبري...
عنوان ضخم مثير للقراءة والتمعن والإبحار بين أسراره...
قرأت هذه اللوحة مرات ومرات..وفي كل مرة كانت تتكشّف جوانب جديدة مع كل قراءة..
عنوان ملفت للسبر بين أغواره..واستخراج درره النفيسة من عمق في الفكر ومن توظيف للفلسفة في حروف هذا الشاعر الكبير...
ما لفت انتباهي في حرف الشاعر المبدع
أ.عبد الحليم الطيطي..
هو استخدامه لكلمات القبر والموت..كثيرا
وهذا مؤشر يضيء لكيانه الذاتي وعمقها واستخراج الدنيا منها وتأنيبها...والعمل على محاسبة الذات لتبقى نقية طاهرة..
فالروح هي محرك الجسد ..حسب ذبذباتها الروحية أو التطلع للدنيا تعمل..
فالشاعر في جميع حروفه يبحث عن تغيير الحياة للأفضل ومحاولة استخراج الفساد والخبث منها لعالم الروح والنقاء...
في هذه اللوحة المذهلة الرائعة عميقة الفكر تشوبها فلسفة الذات التي تحرك معالمها نحو الخلاص من عالم المادة...
أبتغي تمزيق قبري...
هنا من خلال العنوان..الشاعر يريد حياة الكرامة والحق والعدل والنقاء..إذ يرفض مبدأ النفوس الميتة التي ماتت بلا معنى ولا كرامة..
يبتغي تمزيق قبره..لأنه لا يريد عيش الذل والقهر والخنوع..يريد للعودة للحياة للعمل نحو العزة ونحو العدل ورضى الله...
أو ربما أراد الشاعر بتمزيق القبر ..هي عملية التغيير التي يتمنى بها لو عادت به الحياة ليجتث الفساد ورؤوسها..
عملية التمزيق عملية مجبولة مع الوجع والقهر والحركة..بمعنى تقطيع الشيء وتحويله لمادة أخرى تغيرّت معها معالمها ..بمعنى انتقال من شكل لآخر يخدم تلك القوة التي أفرزتها تمزيق الواقع ..
يبدأ الشاعر لوحته الإبداعية بقوله:
(ضوء عيني فرَّ قَبلي
فرّ ذئبي..من عيوني ..راح يجري
صار يصرخ في الحياة ..فذاك صوتي.......
طار صوتي فوق دربي ..
ألْفُ أَصرخُ ..غايتي تجتاز عمري ...!
غايتي قبلي وبعدي) ..
ضوء عيني فرّ قبلي...
الشاعر في هذه اللوحة يتطرق للعمل على الذات..إذ يحرك منابت الذات عن طريق معالم الجسد.. ابتدأ من ضوء العين ..ثم الصوت..ثم المشي الذي يشير للقدمين.. قلبي..الخيال...
وكلها تدور في بوتقة الذات...
وكأنه يريد القول..أن محوار التغيير تتحر من القيود إذا قمنا نحن بتغيير الذات..كل التغييرات تعمل وفق ما تكتنز الذات من قوة ومن تحويل وتغيير...
وهذا هو سر جمال هذه اللوحة البارعة النسج المتقنة الألفاظ بأبعادها التأويلية الواسعة المدى..
فعندما نعمل على تحرير الذات من قيودها لتنطلق نحو السماء والطهر والنقاء ..فإنها ستحدث في عالمها تغييرا جذرياً في البيئة الخارجية ..بالمجتمع وعلى مدى أبعد من ذلك...
وتحضرني الآية العظيمة بقول الحق -تبارك وتعالى- في سورة الرعد:
"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11]...
ومن منطلق هذه الآية العظيمة..التي تعتبر منهاج عمل لتغيير جذور الحياة انطلاقاً من تغيير جذور الذات..
إذ هي دعوة لتصحيح عقيدة الفرد..والوقوف على مواطن الضعف في الذات وتقويتها بتوجيه البوصلة إلى الله سبحانه..لأن عملية التطهير الذاتي تبدأ من قوة الذات للتغيير..والتغيير لن يحصد ثماره الطيبة إلا إذا بدأ بقلع الخبث والحقد واللؤم الذي ينطوي بين جوانبها.. والتغيير يعمل باتجاهين معاكسين..إما تغيير الذات لمعالم النور ..وإنما تغيير الذات لمعالم الضلال..وكل واحدة تعمل وفق قوى التجاذب الذاتية..أي حسب قوة الذات وموقعها من الإيمان..
والمساعدة الحقيقية التي تثمر فعالها حين يبدأ الفرد بمعول التغيير نحو السمو والرفعة وفق منهاج الله حينها تأتي الآية الكريمة ..لا يغير الله بقوم حتى...يغيروا ما بأنفسهم..بمعنى أن الله سيعيننا على ذلك إذا بدأنا بمرحلة التطهير الذاتي وفق شريعة الله وما يرضيه..
وهنا نفهم أن هذه الآية تحمل شمولية كبيرة.. وبتنوع كبير.. وباتجاهين إثنين على صعيد مستوى أمة وعلى مستوى فرد...
لذا نحتاج لمناهج تغيير صحيحة لنهوض الأمة أفراداً ومجتمعات..
ولن نجدها فيما نستورده من مناهج غربية أو شرقية بعيدة عن رسالة السماء...لأنها لن تفلح أبداً ولن تحقق الأهداف...لأنها بالطبع تعمل على التغيير الخارجي فقط...
ويأتي قول الشاعر الذي يحمل مثل هذه المضامين والدلالات المعبرة عن واقعنا المؤلم وعلاقته بتغيير الذات...
حينما قال الشاعر:
(ضوء عيني فرَّ قَبلي
فرّ ذئبي،،من عيوني ،،،راح يجري )..
ضوء العين يفرّ قبل ذات الشاعر وجسده..والضوء هو كناية عن الرؤيا البعيدة والقريبة للبيئة المحيطة للشاعر والتحسس بالكون وأسراره ورؤية كل شيء على حقيقته..والضوء هو نور البصيرة والنظر لما يحيط الذات..
لكن عملية الفرار كناية عن رؤية شيء عظيم لا تحتمله النفس..كما يحدث في عصرنا اليوم من مجازر وحروب وقتل وتهجير وتجويع وتمزيق الأمة ببعضها البعض...
الشاعر هنا بمسحة الفلسفة الراقية يجبلها بحروف عميقة جدا تدل على براعته ومهارته في تعيين المضمون والدلالة لتشريح الواقع المؤلم والنفوس المزيفة بقالب جمالي إبداعي فذ..
وقوله ..فرّ ذئبي..من عيوني..راح يجري..
كلمة الذّئب..توحي للكثير..
فالذئب يوحي للإفتراس..للخبث ..للدهاء..للمكر والخديعة...
والشاعر هنا وظف( من وجهة نظري) الذئب يجري من العيون...لعدة أغراض سنلاحظها من قوله..
(ضوء عيني فرَّ قَبلي
فرّ ذئبي،،من عيوني ،،،راح يجري
صار يصرخ في الحياة ،،فذاك صوتي.......
طار صوتي فوق دربي ،، ،،،
ألْفُ أَصرخُ ،،،غايتي تجتاز عمري ...!
غايتي قبلي وبعدي) ..
راح يجري..صار يصرخ في الحياة..وصوتي فوق دربي...
الله الله على هذا العمق والوصف والصورة المبهرة التي تعلن للصوت الثورة على الباطل..
وكأنه يريد أن صوتي المتمثل بضوء عيوني..والتي تحمل ذلك الذئب على ما يجري من بؤس يقترفه الظالمون في الفساد وتمزيق أواصر هذه الأمة ..
يريد الشاعر أن يتحرك فيه الذات لتمارس حق الدفاع عن الظلم التي تجنيه من ساسة وقادة لا يعرفون الأمن والعدل على الأرض...
يقول الشاعر المبدع الراقي..(ألف ..أصرخ في الحياة..وصوتي فوق دربي..)
أراد هنا من الصوت أعلى من الدرب..فوق دربي...لأن الأنسان لا يملك أدوات الدفاع من عتاد.. للدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه إلا الصوت ويا ليته يعلو...لذلك جعل الصوت فوق الدرب..بحيث الدرب تشير تحقيق النصر والعمل والحراك...
لذا نرى تلك الفلسفة العذبة التي تروي الذائقة وهو يرسمها بريشة جمالية متقنة اندمجت مع عوامل الذات ومشاعرها الجياشة...
وفي قوله غايتي تجتاز عمري)
الغاية هنا ليست كلمة عابرة..ولم أرى كلمات عابرة إلا ووضع الشاعر لها أعمدة وأسس لبناء هذه اللوحة بألوانها الزاهية..
الغاية بمعنى الهدف..الوسيلة ..الطريقة..وربما الأحلام..
بمعنى أن تطلعاتنا في الحياة وأهدافنا ورؤيانا هي أكبر من عمرنا ومن جيلنا وتجتاز العمر...
ولكن الأيدي والأرجل مكبلة...
رائع ما تحمله هذه الصورة والأوصاف البديعة...
يكمل الشاعر قوله:

(أقلعت مني طيوري الجارحات ....وكلّ خيلي
كُلّ نفسي في الحياة تناثرت ،،دوني وخلفي .)..
صورة حياتية واقعية للذات ..إذ متى تخرج من النفس نزعة الشر التي تتمثل في قوله..طيوري الجارحات.. بالرغم من أننا نحتاجها ضد الطغاة والذين يدنسون مقداساتنا وأرضنا..لكن تبقى نزعة الخير هي الأسمى لتكون رفيقة منهاج الحياة مع المجتمع والبيئة ..
عملية تناثر ما في النفس..هي عملية عتاب ومحاسبة للنفس وتغييرها نحو السمو والنقاء..
فالذات حين تتناثر ..تخرج عن قواعدها الآمنة المكبوتة في الذات ..حينها تحتاج لإعادتها بطرق إيمانية تجلي ما علق بها من علق...
يكمل الشاعر خريدته بقوله:
(تلك كُلّ عيون نفسي
تلك اشواقي تجوس الأفق ،، أَتبعُها بحسّي
.......هذا ليلي هذا بَدري ...........في الخيال أشدّ شَعري ..!!
أبتغي تمزيق قبري ....!)
يعود للذات والصراع القائم فيها وتأثير الحياة على سلوكها..صراع الذات هو من أصعب الصراعات وأعنفها لأنه يقرر مصيرها وموقعها من الحياة..
يصف الشاعر هنا موقع الذات من البيئة المحيطة وما فيها من مختلف المشاعر والتناقضات..ليصل لمقولته التي يرددها في هذه اللوحة الباذخة..هي
أريد تمزيق قبري...بمعنى التجديد والتغيير ..لا يريد موت الحياة في ذاته ولا تكميم الأفواه ولا قيود الأيدي وكسر الخطوات..يريد تمزيق موته في الحياة ليكون إنساناً بكل ما تحمل الكلمة من معنى..ليعلو لدرجة النقاء..ليحقق الأمن الذاتي والفكري والإجتماعي..ليكون سعيداً بخطوات السلام نحو الله السلام..
ويختم الشاعر هذه الباذخة التي حملت في طياتها الكثير الكثيييير..بقوله:
(صوت ذئب ،، أوحشته البيْد نفسي
ظِلّ خيْلٍ مع صهيلٍ ....لا عَبَت في الّليل شمعي !
،، سِربُ طير ....مَرّ في آفاق عيني
ألفُ بحر جاز قلبي ،،،،،شِبْرُ عمري هل يسعني .....!)
ويبقى التأويل واسع المدى على كلمات حملت صفحات لا تعد ولا تحصى..
ويبقى للذات مكنوناتها المتعددة وتصاويرها المختلفة..والتي أتقن رسمها الشاعر بحرفية متقنة تدل على براعته ومهنيته العالية في عملية دمج الحروف والمشاعر في قالب واحد نتج عنه لوحة باهرة زاهية الألوان..
إذ رأينا التلاعب بجمل ومفردات اللغة ليوفر بها الشاعر قدرة عالية ترمي إلى دهشة المتلقي..
استطاع الشاعر هنا أن يربط بين الذات وصراعها والفلسفة العميقة ما بين الذات والحياة..بحيث تتلاءم والصور الإبداعية
الحية..
النص استطاع أن يفتح المجال للخيال أن يحلق عالياً في أسرار هذا الحرف..وينسجم مع الفكر العميق الذي حمله الشاعر ضمن الدلالات المختلفة التي تقبع بين جدران الذات والبيئة ..
كما أننا نرى تراكيب اللغة متلائمة مع الغاية الذاتية التي أرادها الشاعر والتي ساهمت بمنح الخيال أبعاداً تتلاءم والحدث والمشاعر والصراع الذاتي المرتبط بالبيئة وتصادمه مع الواقع مما ساهم في تحريك منابت البوح بحيث تتلاءم مع الأزمة والمعاناة الموجودة في المجتمع اليوم..
بورك بهذا المداد وهذا القلم الراقي الذي قدم لوحة مبهرة ما يزال تحتها تأويلات لم تعرض بعد...
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 05:20 PM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : هُوَ وَأَناهُ
النّاص : محمود مرعي
القراءة جهاد بدران
..................

النّص :

قالَ الحَكيمُ رِوايَةً عَنْ سابِقيهِ إِنَّ بَيْنَ السِّياحَةِ وَالسِّباحَةِ عَلاقَةً، بِفارِقٍ بَسيطٍ، وَهُوَ أَنَّ السِّياحَةَ لِلْفِكْرِ وَالسِّباحَةَ لِلْخَيالِ، وَفي السِّياحَةِ وَالسِّباحَةِ يَسْكُنُ هُوَ وَأَناهُ.

سِياحَةٌ:

كانَ يَعيشُ عَلى شَفى حاضِرٍ مُسْتَحْضَرٍ مَجْلوبٍ بِلا تَطْرِيَةٍ.. حاضِرًا في مَتْنٍ مُمْتَدٍّ مِنْ مَطْلِعِ القَوْلٍ إِلى مَغارِبِ الإِفْكِ.. كانَ يَزيدُ خُصوبَةَ اللُّغَةِ كُلَّ آنٍ.. وَيَزْرَعُ تُرْبَتَها شَجَرًا يُؤْتي أُكُلَهُ كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّهِ.. كانَ الضَّميرَ الـمُتَّصِلَ بَيْنَ الأَئِمَّةِ الأُوَلِ وَفُقَراءِ يَقينِ عِلْمِ الأَسْماءِ.. عُراةِ الكَلامِ الـمُتَقَوِّلينَ في حاناتِ الخَطَلِ الحَداثِيِّ.. كانَ دائِمَ قِراعِ اللَّيْلِ الـمُتَرامي.. يَشُدُّ الفَجْرَ إِلى مَطْلَعِهِ وَاللَّيْلُ يَأْبى انْسِلاخَ الفَجْرِ عَنْهُ.. وَلا يَنْفَكُّ يَشُدُّهُ إِلى وَرائِهِ.. كانَتْ حَرْبُهُ أَنْ نَكونَ بِضَميرِ الجَمْعِ.. فَهُوَ الجَمْعُ..

مَدِّدْ حُلْمَكَ مُرْجِئًا وَجَعَكَ دَهْرَيْنِ مائِيَّيْنِ رَوِّضْ عُرْيَكَ يَنْكَشِفْ..

كانَ حَكيمُ الزَّمانُ يَسيرُ بِهِ الهُوَيْنى مِنْ واحِةٍ لِدارَةٍ إِلى دَوْحَةٍ ظَليلَةٍ.. إِلى عَلَمٍ عَلى عَلَمٍ.. وَمِنْ جامِعٍ في مَسْجِدٍ إِلى الـمَسْجِدِ الجامِعِ كُلَّ جامِعٍ.. كانَ حَكيمُ الزَّمانُ يَسْقيهِ كُلَّ ما أَفْرَغَتِ الثُّلَّةُ الأُولى في دِنانِهِ وَيُطْلِقُهُ لِيَبْحَثَ عَنْ مَقيلٍ جَديدٍ خارِجَهُ.. وَكانَ كُلَّ نَفْرَةٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مُعْتَذِرًا عَنِ انْتِفاءِ القَوْلِ خارِجَ مَقولِهِ.. شاكِرًا حامِدًا قَبولَ حَكيمِ الزَّمانِ احْتِواءَهُ مِنْ جَديدٍ..

سِباحَةٌ:

كانَ غَريبَ الـمَقيلِ عَجولَ السُّرى.. كانَ جُنونِيَّ الرَّحيلِ، جَنوبِيَّ الشَّمالِ، شَمالِيَّ الجَنوبِ.. يُوَزِّعُ الجِهاتِ فُضولًا، يُحِلُّ النَّقيضَ في نَقيضِهِ.. وَيَرْكَبُ الرِّيحَ إِلى كُلِّ فَسيحٍ.. كانَتْ أَناهُ غَيْبًا لَمْ يُؤْذَنْ لَها بِالشَّهادَةِ بَعْدُ وَلا يَعْلَمُ عَنْها شَيْئًا.. كانَتْ غِيابًا بِلا حُضورٍ.. كانَتْ سِرًّا في الـمَلَكوتِ الأَعْلى لَمْ يَحِنْ مَوْعِدُ نَشْرِهِ.. وَكانَ يَرى بَيْنَ الحينِ وَالحينِ وَميضًا عَلى الأُفُقِ لا يَدْري عَنْهُ شَيْئًا، وَلَيْسَتْ لَدَيْهِ أَدْنى فِكْرَةٍ عَنْهُ.. وَكانَ مَعَ كُلِّ وَمْضٍ يُحِسُّ بِرَجْفَةٍ في القَلْبِ.. وَيَتَحَسَّسُ ذاتَهُ مُطْمَئِنًّا عَلى نَفْسِهِ ثُمَّ يُتابِعُ.. وَيُتابِعُ الزَّمانُ نَقْلَهُ بَيْنَ السِّياحَةِ وَالسِّباحَةِ إِعْدادًا لَهُ لِيَسْتَحِقَّ أَناهُ وَيَكونَ أَهْلًا لِحَضْرَتِها وَرَحيقِها.. وَما زَالَ الزَّمانُ بِهِ مِنْ رَبْعِ إِلى طَلَلٍ وَمِنْ دَوْحَةٍ إِلى دارَةٍ إِلى واحَةٍ.. وَالوَميضُ يَقْتَرِبُ وَيَكْبُرُ مَعَ كُلِّ مَخاضِ قَصيدَةٍ لِقادِمَةٍ مَنَ العَدَمِ.. وَلَمْ يَكُنْ يُدْرِكُ أَنَّ القادِمَةَ هِيَ الوَميضُ وَهِيَ أَناهُ الَّتي سَتُذْهِلُهُ عَنْ كُلِّ سِواها وَسَيَكونُ حُضورَها في تَفاصيلِ التَّفاصيلِ.. وَسَتَكونُ سَيِّدَةَ الحُضورِ.. سَيِّدَةَ البِداياتِ وَالنِّهاياتِ.. سَيِّدَةَ القَصيدَةِ وَساكِنَتَها الوَحيدَةَ.. وَكَرَّ الزَّمانُ بِنَسائِمِهِ تارَةً وَبِعَواصِفِهِ وَغُبارِهِ تارَةً.. وَخِلالَ ذلِكَ كانَ الوَميضُ يَتَحَوَّلُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَتَجَسَّدُ هَيْكَلًا نورانِيًّا في هَيْئَةِ أُنْثى.. أَشْرَقِتْ مِنْ نورِها روحُهُ وَامْتَلَأ بِها، بَعْدَما تَغَشَّتْهُ وَصارَتْ يَقينَهُ، لِيُدْرِكَ لاحِقًا أَنَّها أَناهُ.. وَسَيَقْضي العُمْرَ مَعَها.. وَقَدْ يَعِزُّ عَلَيْهِ الوُصولُ فَيَموتُ قَبْلَ الـماءِ.. لكِنَّهُ الـمُغامِرُ الَّذي لا يَنْكِصُ عَلى عَقِبَيْهِ.. وَكانَ أَنْ مَضَتْ بِهِما الأَيَّامُ.. وَمَعَ ميلادِ كُلِّ قَصيدَةٍ كانَتْ تَنْمو داخِلَهُ بِكاملِ زِينَتِها وَسِحْرِها.. وَتَزْدادُ في نَفْسِهِ تَقْديسًا يَجْهَلُ سَبَبَهُ.

(يتبع)
.......................

القراءة :

ما لفت نظري ذلك العنوان /هُوَ وَأَناهُ/ والذي أدار اتجاه نظري وفكري نحو أعماقه، لفكّ شيفرة الحروف وما تحمل من ملامح حكيمة وهوية أدبية تشير لصانعه، وتدلّ على القدرة في تحويل العنوان قبلة للقراء، وما أكّد على ذلك هو الغوص بين جذور الحروف واستخراج درر المعاني لاستنباط هوية النص ما بين سياحة الفكر وسباحة الخيال...
العنوان فتح شرايين الفكر لاستحداث ملامح أدبية تشير لوجه الكلمات وهي تعلّق تضاريسها على لوحة إبداعية نادرة المنبت، سحرية الضاد ما بين نسيجها اللامع وبين تحويل الكلام للغة فريدة متينة..
فالعنوان جمع الأنا والأنا الآخر تحت سقف الأنا الأصلية المفكرة المدبرة في رونق فلسفي أضفى الجمال بقوة تدبير الكلمات وتوظيفها بدقة وصياغة متمكنة من أداء السرد..
فاجتماع الأنا مع الأنا الآخر هو بحد ذاته إعلاناً عميقاً لنوعية هذا الفكر وأبعاده التي لا تحدّه حدود للكلمة ولا تقف عنده الحروف مرتجفة..
والتفصيل عن معنى الأنا وذوبانها بالأنا الآخر، لها جلسة فكر مع لمحة خيال تعيد ماء وجه النص لسحره الإبداعي..وهذا يتطلب جلسة عنيقة نفرد من خلالها أغصان الجمال وورق الأدب المختبئ بين ظلالها الوارفة..
لكن سأكتفي ببعض هذه الحروف كتوقيع متواضع لعودة أخرى بإذن الله إن أتاح لي الزمان والوقت الهطول بين روقة هذا النص البديع..
والكاتب هنا بلغته وقوتها منح التحليل والوقوف أمام واجهة هذا السرد الذي ابتدأ بمقدمة مذهلة، أشارت لعملية الربط بين فقرات النص التي حملت أعاجيب الخيال وما ينتج عنه من امتداد لروح الكتابة، وفنون الفكر وفلسفته العميقة في عملية الطرح هذه..
فالفقرة الأولى من سياحة الفكر، كانت ملهمة فعلا للفكر في سياحة خذتنا نحو التدبر والتفكر والتحليل بأبعاد الحروف ومنتوجها المزهر..حيث وظف الفكر بأسلوب ماتع يومئ لأهميته في الحياة، وأنه دستور يبنى بقوامه أسس ومنهج عالم بأسره..
وأما الفقرة الثانية والتي حوت سباحة الخيال، هي منحة عظيمة أدركها الكاتب ليعلن للملأ ما للخيال من امتداد للفكر كي يستقيم وينتج عنه عميات التطوير باختلافها لدعم الفكر كي يكونا ملحمة واحدة في ثوب جمالي يغني عمن سواه، ليكون مدارا متيناً في مباهج الحياة..
فالفكر الواعي والخيال الخصب هما نواة الحياة المستقرة المثمرة..وهما رأس الحكمة والعبرة والموعظة..

الشاعر الكبير والكاتب البارع المتمكن من أدوات الكتابة وقياسها الدقيق في لغة الضاد
أ.محمود مرعي
شكراً لهذا الجمال الرباني الذي منحه الله لكم وعنتم تنسجون السحر على حرير اللغة العذبة..
نصكم هذا يشير إليكم بقوة في كل اتجاهات اللغة..وما فيها من الفصاحة والبلاغة وجمال تكويت الكلام من فوهة قلمكم المتفرد..
لا يسعني هنا إلا الشكر لما تسطرون من جماليات اللغة
ولا أزيد عن قول الشكر...جزاكم الله خيراً
وفقكم الله ورعاكم لما يحبه ويرضاه
.
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 05:34 PM رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : هيّا للعناق
النّاص : محمود قباجة
القراءة : جهاد بدران
.........................

النّص :

هيّا للعناق
في ركن التسبيح
في حلبة النسك
في ظل البرتقال
مُصلٍّ يحمل صبرا
ينحني تحت صخرته
والعكاز تتكئ عليها سنون وأقدار

هيّا للعناق
بات الحِمل يرهق الظنون
يرهق كاحل النسيان
بين تجوال وتجوال
تتعرى الشجيرات من وريقات الظلال
تتعرى السنابل من ألوانها الذهبية
ينادي الحادي نداء خفيا
ينادي والصدح يُمازج الأغلال

هيّا للعناق
في أكناف بيت
تطوف حوله الأطيار
تطوف حوله ذبذبات الحنين والنفحات تلاطف النسمات
تضع الحياة في أعشاش مُكوّرة
وتحنو النوى للرضاب الشّافي

هيّا للعناق
ودولتي في مدى الصيحات لا تنفعل
تنفعل من تأوهات العهر في غرب
وتنهض للثأر إن قذف العار في جوقة الملكات
لا دين تنهض لنصرته
ولا اليتم في البيوت مُنتصَف



هيا للعناق
كلنا عرب
من نسل به المجد يستشهد
الضعيف قوي حتى نستنصر له
والقوي أبلهٌ لا نمازحه
كلنا عرب
من أنواء الأرض ننبت
كالزيتون
لا روم تصهينت ترهبنا
ولا من كان للنار يتقرب

هيّا للعناق
من مشرق ومغرب
لسان البراءة يجمعنا
أحرارا
ومن معين الذل لا نتشرب
.....................

القراءة :

هيّا للعناق....
عنوان يحمل معاني جليلة..ويدعو لمصافحة الأمل والنور والحب..ونبذ الكراهية والبغضاء وترك الضغينة والحقد ..
هيا للعناق..هي دعوة نبيلة مفتوحة لم تحدد جهة الدعوة ..وهذا لتكون أشمل لكل طبقات المجتمع...هي دعوة من عمق الجراح وعمق المأساة التي تتعرض لها الأمة...
وفي العناق معاني أعظم من مجرد المصافحة ..لأن العناق يشمل كل شيء من الجسد والمشاعر والفكر..لتذوب معالم البغضاء بين رمزيتها ومعناها..وهي أكثر عنقا من المصافحة التي تتشابك معها اليد باليد..وبعدها تعود لسابق الجرح والألم...
(في ركن التسبيح
في حلبة النسك
في ظل البرتقال
مُصلٍّ يحمل صبرا
ينحني تحت صخرته
والعكاز تتكئ عليها سنون وأقدار)..
التسبيح ..رمز النقاء واللجوء للجبار من حجم الألم..
النسك ..للعبادة بشكل فعلي أعمق من التسبيح..
فالتسبيح والنسك عاملان أساسيان في عملية التوجه لله للخلاص من حجم المعاناة..وهما وسيلتان لإحياء الروح والفكر لتقويم الإعوجاج..
البرتقال .. رمز حضاري وتراث وجذور الأرض المتينة يدل على بلاد فلسطين الحبيبة..
ليكون بعد ذلك (مصل يحمل صبرا)...هنا وجدت ألفاظا جمالية بارعة..
حين جمع الكاتب بين المصلي والصبر..وكأن الصبر نحمله ونضعه ،،لكن الذي يصلي له القدرة على حمل الصبر بشكل أبلغ وأكثر...فالصبر وكأنه وعاء نحمله متى تمكنا من ممارسة طقوس العبادة ..لأن العبادة لها دور كبير جدا في منح الجسد قوة..وفي منح الفكر ارتقاء وعلوا..وفي منح الجسد صحة ..فهي غذاء كامل متكامل إذا أحسنا منزلة الخشوع والتدبر وإتقان الصلاة..فالصلاة كما قال عنها رب العزة في كتابه العزيز...
": إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"...
لذلك بقدر خشوعه في التوجه لله بقدر ما يحمل من مراتب الصبر..لأن الصبر من أعلى المراتب ومنزلتها عالية جدا عند الله تعالى...
(ينحني تحت صخرته
والعكاز تتكئ عليها سنون وأقدار)..
الإنحناءة هنا كانت تعظيما لقوة الصبر في الصمود أمام نوائب الزمان .ومن قوته نتكئ عليه بعكازنا ..وهي كناية عن ضعفنا وقلة حيلتنا من ضخامة الآلام وعمق الجراح...نتكئ على الصبر لنستطيع أن نتحدى الزمن الموجع بصبرنا وقوة تحملنا..
لذا يوجهنا الكاتب بكلماته المبدعة الراقية العميقة أن ندع ظلام الأيام ونقابلها بعناق العبادة والصلاة والأرض والصلاح...
يكمل الكاتب لوحته الجمالية بقوله:
(هيّا للعناق
بات الحِمل يرهق الظنون
يرهق كاحل النسيان
بين تجوال وتجوال
تتعرى الشجيرات من وريقات الظلال
تتعرى السنابل من ألوانها الذهبية
ينادي الحادي نداء خفيا
ينادي والصدح يُمازج الأغلال)..
الصور هنا غاية في الجمال وتشابيه إبداعية توقف عند أبوابها كثيرا..حتى مكثت بين ظلالها أستجدي الفكر من اتساع الخيال وهو ينقب على معالم وأسرار هذه الحروف المتناسقة المعاني ..تراكيبها وحدة جمالية متقنة...
في هذه الفقرة أيضا دعوة للعناق لتجديد الحياة وتغييرها..
كثرة الهموم والجراح وحملها الثقيل..أرهق دروب الظنون..وهي كناية عن اتساع رقعة الألم ..وحتى أنها ترهق النسيان..وهذا دليل على أن النسيان بحد ذاته لم يسلم من الحمل والجراح...صورة قمة في الإبداع..
(بين تجوال وتجوال
تتعرى الشجيرات من وريقات الظلال
تتعرى السنابل من ألوانها الذهبية)..
التجوال هو البحث عن ركن آمن للعيش فيه..للإستقرار..لكن مع كل عملية بحث تتجدد المتاعب وتجلدنا المصائب وتجرحنا الآلام..
تتعرى الشجيرات من جمال أوراقها التي تعتز بظلالها لتتساقط نن هول الوجع..وحتى السنابل تصبح ناصلة الألوان الذهبية التي تدل على موسم حصاد..لا يكتمل فيها الأمن والآمان والعدل والطمأنينة والعيش الهانئ...
وكل هذه الصور كناية عن قمة المعاناة التي وصلت بها الأمة وما تنزف من جراح...
صورة وتشابيه إبداعية غاية في الجمال...
تراكيب متقنة تدل على براعة الكاتب وحرفه المتقن ونا يحمل من رموز تساهم في لفت نظر المتلقي للبحث عن عمق الحروف وما تخفي من معاني عميقة...
يكمل الكاتب لوحته الجمالية بما يفيض من قلمه المدرار:
(هيّا للعناق
في أكناف بيت
تطوف حوله الأطيار
تطوف حوله ذبذبات الحنين والنفحات تلاطف النسمات
تضع الحياة في أعشاش مُكوّرة
وتحنو النوى للرضاب الشّافي)..
دعوة للعناق وللمصالحة مع الذات في أكناف بيت تطوف حوله الأطيار..كناية عن بيت المقدس..والبقعة التي شرفها الله تعالى..لاستعادة اتزان المرء ومبادئه وجذوره ..
والأطيار رمز القلوب النقية الرقيقة البيضاء التي لا تحمل الغل والحقد والظلم...
فالحنين ونفحاته تصل للبيت عند التوجه السليم وعقد النية في العناق والمصالحة..ليخرج منها ذبذبات وإشارات روحانية عظيمة للمعاني السامية ..لتضع الحياة في أعشاش مكورة...
هذه الصورة من أجمل ما قرأت وبما وصفت بها الحياة ..صورة مبهرة مذهلة..
حيث يضع الحياة في أعشاش...والعش هو مكان المبيت للطير ..وبيت هش رقيق ضعيف..إلا أنه بيت القلوب الرقيقة...وان تكون الحياة في أعشاش وليس عش واحد..كناية على أن الحياة ضعيفة وتسكن في بيوت هشة


وقلوب ضعيفة..وكأن بيتها غير دائم ولا متين ...
الكاتب استطاع أن يدمج بين ثلاث دعائم...تراكيب اللغة الثرية التي يملكها الكاتب..وبين المؤثرات الذاتية..وبين البيئة الخارجية والخيال...حتى كونت حلقة متكاملة الجمال...
وللتشابيه التي نسجها الكاتب ..كان لها دور في إظهار براعته وفصاحته وبلاغته التي لها دور في التأثير في النفوس من سلامة الألفاظ وصحتها وقوتها...
ويكمل الكاتب لوحته الرائعة بقوله:
(هيا للعناق
ودولتي في مدى الصيحات لا تنفعل
تنفعل من تأوهات العهر في غرب
وتنهض للثأر إن قذف العار في جوقة الملكات
لا دين تنهض لنصرته
ولا اليتم في البيوت مُنتصَف)
ما أحوجنا للتصالح والعناق..لدولتنا التي لا تنفعل ولا تهتز لمناصرة الضعيف وإغاثة الملهوف وإزاخة الظلم ..وإن تعالت صيحات النداء لاستغاثتها ..لا يحركها ساكن وولا يهزها وجع المظلومين..بل تنفعل وتستعد للمؤازرة للغرب الدخيل...
لا تهتز إلا للعار عند أصحاب النفوذ...
وحتى دين الله لا تهتز لنصرته ..ولا تعمل لحدوده..بل باعته في مدن الكراسي والمصالح الذاتية والشهوات الدنيئة...
اللغة هنا كانت لها مساحة واسعة ثرية مضيئة لامست مرارة الواقع ..وارتفعت حدة الإنفعال حين لامست الوطن الجريح...عزف متقن وجوقة حروف ..عزفت من القلب الجراح ونزفت تغاريد جمالية رسمتها ريشة هذا الكاتب الراقي المبدع...
ويكمل الكاتب صفحات جمالية أخرى ..تصور وتجسد حال العرب اليوم بقوله:
(هيا للعناق
كلنا عرب
من نسل به المجد يستشهد
الضعيف قوي حتى نستنصر له
والقوي أبلهٌ لا نمازحه
كلنا عرب
من أنواء الأرض ننبت
كالزيتون
لا روم تصهينت ترهبنا
ولا من كان للنار يتقرب)..
يا سلام على ما يمليه هذا القلم من متعة في الغوص بين أعماقه لكشف أسرار جماله...
قال: كلنا عرب...ولا شك في ذلك..لكن قوله كلنا عرب..حتى يشعرنا بهويتنا وأن لا نتغافل عنها وعن قوميتنا أيضا...
عرب من نسل المجد...يستشهد ..هنا التعبير مجازي بليغ...
فالأنسنة للمحد بالشهادة أعطاها ..حياة ومعنى أقوى وأبلغ..حتى نشعر بقيمة المجد وهو يصارع تواجده ليطعنوا به دون مناصرته ..فيلقى به شهيدا وهو يناضل قوى الظلم...
صورة راقية جدا إبداعية ...
ويكمل الكاتب...بأن الضعيف يقوى حين نقدم له المساعدة ونكون نصرة له واليد المقاتلة المدافعة عنه...والقوي يضعف إن لم نؤازره...
كلنا عرب ..من أنواء الأرض ننبت كالزيتون...لا روم تصهينت ترهبنا...ولا التي تعبد النار وتعمل بها وتخرق أمما بدافع الوحشة والظلم وقهر الشعوب الضعيفة...
التشبيه لصاحب الحق وصاحب القضية..متقن جدا إذ شبهه كلزبتون ينمو بقدسيته وعنق جذوره وامتداده وصلابته وما يدل على ملكية الأرض وأنه صاحب حق ووجود رلسخ متين ..
(هيّا للعناق
من مشرق ومغرب
لسان البراءة يجمعنا
أحرارا
ومن معين الذل لا نتشرب)
وفي النهاية حكمة وعبرة نطقها قلم الكاتب ليسكب في النفوس موعظة تردعهم عن الظلم وأهله...
إذ لن يجمعنا وأمتنا وهويتنا العرببة من مشرقها وحتى مغربها إلا الإخلاص والنية الطيبة وبياض القلوب ونقاءها ..ليكون الذل بعيدا عن أن نتشربه من أي ظالم مستبد...
....
الكاتب المبدع الراقي بحرفه وعمق معانيه
الأستاذ محمود قباجة
شكرا لحرفكم الواسع وقلمكم الحكيم الذي أمتع الذائقة وغرس أوتاد الجمال بين السطور...
وفقكم الله ورعاكم لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 05:45 PM رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : بائع الجرائد
النّاص : عادل إبراهيم حجاج
القراءة : جهاد بدران
..........................

النّص :

عراف صغير تمنى
في عامه القادم
أن يرتله موت من سقف السماء
تدثر في عبث الحياة
كوله بين الضلوع
وضع قلبه في دفتر ورق
جناح عصفور ونصف غَرق
كان من حقه أرجوحة
وبالون لا يلقي اللوم عليه
اختار الرحيل
كصرخة بين نبضتين
فلا مكان هنا لغير الموتى
وبقايا طفل رحل
سار بلا أقدام
عشرة أعوام
في قبضته
وردة كجرح غائر
على أكتاف عمر
نهايته رعد وبرق
كيف رحل !!!
حطاب تقوس
دفئاً
على وسادة أبدية
أم كريشة نورس أمطرها
القاتل دماً..........
هراؤه
لا يحصي الموت
كبرياؤه الزائف أجهض المقل
غادرت أنفاسه
لتحلق في نهر فردوس وكوثر
سيفتقدك كفا أمك
على سجادة صلاة
تبسم...
فملح الأرض سيرسم لك أملاً
وحين الموعد
ستبللك مدائن المطر
....
كطهر هاجرت
ببراءتي
إلى منصة القديسين
فلا تخجلوا مني
سأتوقف عن بيع الجرائد
ولكن ....
أوصيكم بأمي
.....
من أي بياض أنا
سأكون من اليوم
أسفل هذا النص بلا لقب
.......................

القراءة :

ما أبلغ هذا العنوان حين اعتلى عرش ذائقتي..أخذته بعين العمق وبنظرة تأويل بعيدة المدى..وبعين أخرى سقطت على مأساة الطفولة حين تشردها غياب الإنسانية من معالمها المزهرة..
في هاتين العينين قرأت نصاً بارعاً يجرجر بأذيال الوجع بين سطوره ..وبأذيال الذل حين تقع معالمه على بيع الجرائد من جهة التجارة في الكلام وبيع الأخبار الكاذبة على منصة عربية هزيلة..
كان همّي من وقع نظرتي على بائع الجرائد أن يكشف ذلك الزيف المتجدد والمتناسل من حكام وساسة يتلاعبون بالحدث وفق مصالحهم المسمومة.. بما يتلاءم لبائع الجرائد من تأويلات عدة تندرج في جارور الوطن الجريح..لتعتلي دروب المصالح الذاتية على رقاب العباد الذين لا حول لهم ولا قوة..
فالعنوان وحده قصيدة..وحده سِفر اللغة المبيوعة بين زيف الأحداث..
عنوان نستطيع أن نفكك شيفرة بلاغته وما يرمي لمعالم المعاني من قوة..تحت ركائز وطنية تحمل أهدافاً عالمية بُغية الإستيلاء على الأرض من خلال واحة الحروف المتجعدة في زمن أغبر..
لذلك كان للعنوان تأويلات عدة تدل على براعة الكاتب وقدرته في استحضار معالم الحقيقة باستنساخ الأحداث وتطويعها في قلب المواطن العربي المقهور المتدفق من يباس الإنسانية ومن تمخض الحروب المكفوفة للإنسانية الحاصدة للأخضر واليابس..
يبدأ الشاعر لوحته الرائعة بقوله:

(عراف صغير تمنى
في عامه القادم )

(عراف صغير تمنى في عامه القادم)..
العراف كما هو معروف هو الذي يقرأ أحداث الغد..
فالعراف كما ورد في معجم اللغة العربية المعاصر هو
" عرَّاف :-
مُنجِّم ، مَن يدَّعي القدرة على كشف المستقبل ، متنبِّئ ، متكهِّن :- لم تتحقّق نبوءَةُ العرَّافين ، - فقلتُ لعرَّاف اليمامة داوني ... فإنّك إن أبرأتني لطبيبُ ، - مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَقْد كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [ حديث ] .
فاستعارة كلمة العراف في موضع هنا كان بُغية استحضار المعنى الذي يرتجف في قلب طفل لم يذق بعد طعم الحياة ولذة الطفولة البريئة..
الكاتب استعان بالكلمات ( تمنى في عامه القادم) لتثبت معالم العراف الذي يقرأ أحداث المستقبل..والتي من صفاته الذكاء والمعرفة والعلوم المختلفة التي يقلبها بين راحتي ذهنه وفكره ليستخلص عصارة التنبؤ للمستقبل بناء على أحداث الواقع..ومن خلال صفحات الحياة التي يعيشها ويحللها بمنطقه القارئ للأرض ومستجدات الوقائع المتقلبة كل حين.. الكاتب استحوذ على كلمة عراف على لسان عراف صغير والذي يدل على الطفولة..حتى يوضح لنا أن الطفل العربي الذي يعيش تحت نصل الحروب والإحتلال إنما هو قد وصل لمرتبة عالية من الفهم لدرجة أنه جعله عرافاً يستطلع الأحداث والسياسة من خلال تجارته ببيع الجرائد ..وهذا كناية على وعي الطفل العربي ونخص بالذكر الفلسطيني الذي ما زال يعاني ذلك الإحتلال البغيض الظالم...
فالذكاء والتوظيف الدقيق للكلمة هنا من قِبَل الكاتب كان متقناً يتوافق مع شخصية طفل اليوم الأسطورة..
هذا الطفل العراف بواسع خبرته الحياتية وقراءته للأحداث التي نبتت من واقعه المؤلم..يتمنى الموت في عامه القادم..

( أن يرتله موت من سقف السماء
تدثر في عبث الحياة)

يا الله كم يستوقفني الوجع هنا..كم تجلدني هذه المعاني التي نمت من اجتثاث الإنسانية..
( أن يرتله موت من سقف السماء) يريد موت رباني من عند الله وليس على أيدي الظلمة والإحتلال..أن يموت طبيعياً بلا وسائل الحرب وإن كان الموت واحد..إلا أن الأسباب تتغير فيه..
الصور التي يرسمها الكاتب بليغة مؤثرة خرجت من عنق الروح وهي ترتل الوجع...
اندماج مطلق بين الألفاظ الدقيقة البارعة وبين المشاعر التي تحترق على جمر الألم..فاللغة تتحرك بانسيابية وعمق وفق سلسلة متدفقة من الجمال والسحر وما تشملها من وصف متقن يدل على حرفية الكاتب..
فالدقة في التعابير يوسع معالم المعاني ويوسع أجنحة الخيال وفق منظومة مدروسة تستجلب لب القارئ..ومن الدقة هنا حين يصف حال هذا العراف الصغير بقوله..( تدثر في عبث الحياة).. ما أبلغها من معاني جرفت معها كل الأحاسيس تحت وقع زخات القهر على هكذا طفولة عاشت تصارع الحياة بين رجفة عمره وسكبة دموعه من وهن..وكأن معالم طفولته فرّت من دفتر عمره والعيش الآمن...
عملية التدثر تعني غطاء الحياة له من بين أنامل العبث القاهرة والتي تعني أنه قد أضاع وقتَه فيما لا فائدةَ فيه..بلا هدف وبلا منهاج حياة آمن وبلا طفولة يعيش مراحلها كأي طفل في الحياة..
المعاني بليغة والعمق يقتص من الكلمات العذوبة..
يكمل الشاعر بقوله:

(كوله بين الضلوع
وضع قلبه في دفتر ورق
جناح عصفور ونصف غَرق)

الأوصاف تتدفق ببلاغتها وسحر ألوانها وألق إبداعها..حين يصف الكاتب هذا الطفل الصغير عمره الكبير فكره..بوضع قلبه في دفتر من ورق..الوصف هنا ينحت صخر القلوب الجافة لتترقرق إحساساً مع هذا الطفل اليتيم من السعادة والأمن الحياتي له..
فالورق قابل للتمزق والإحتراق..إسقاطاً على مشاعر الطفل وما يحمل من هموم ووجع..
(كان من حقه أرجوحة
وبالون لا يلقي اللوم عليه
اختار الرحيل
كصرخة بين نبضتين
فلا مكان هنا لغير الموتى
وبقايا طفل رحل
سار بلا أقدام)

أوصاف مشبعة بالألم..متلاحقة متدفقة متقنة جداً بارعة التشبيه يجسد الشاعر الواقع الملموس بحسه العالي المتدفق المتوافق المندمج ما بين الحس الداخلي والحس الخارجي لنحصل على لوحة فنية مذهلة..تصف ذلك الحرمان الذي يعيشه الطفل العربي اليوم..محروم من طفولته البريئة ..من اللعب في بيئته الآمنة..فلا لعب ولا بيئة آمنة يستطيع التنفيس فيها بمشاعره الطفولية ..حق اللعب الآمن محذوف من عمره..لا يعلق في فكره إلا الرحيل..
لأن حياته المأساوية فرضت عليه التفكير بهذه الطريقة ..

(عشرة أعوام
في قبضته
وردة كجرح غائر
على أكتاف عمر
نهايته رعد وبرق
كيف رحل !!!
حطاب تقوس
دفئاً
على وسادة أبدية
أم كريشة نورس أمطرها
القاتل دماً..........)

هنا اتضح عمر هذا الطفل الغريق بالأسى..عشرة أعوام وما فيها من جرح غائر بين ظلال عمره..كيف يصفه الشاعر من صفات الموت الدنيوي وهو يلتحف بعمر نازف لغبار الليل المعتم...
أوصاف من عيون الأدب الراقي وما أكثر ما حملت هذه الكلمات من وجع..
رحيل/ صرخة/ جرح غائر/ رعد وبرق/ حطاب تقوس/ القاتل دماً....
كلها كلمات موشاة بروح طفل يقتات الألم وهو يبيع الجرائد والأخبار الزائفة لكل الأجيال..كي يحظى ببعض أمل في الحياة..
يا لروعة ما تحت قبة هذه الكلمات البديعة البارعة..

(هراؤه
لا يحصي الموت
كبرياؤه الزائف أجهض المقل
غادرت أنفاسه
لتحلق في نهر فردوس وكوثر
سيفتقدك كفا أمك
على سجادة صلاة
تبسم...
فملح الأرض سيرسم لك أملاً
وحين الموعد
ستبللك مدائن المطر)

لم يتوقف شلال الجمال من حروف الشاعر وهو يصف ذلك الفتى الذي يودع الحياة على منصة القهر والتعب والهموم..
( كبرياؤه الزائف أجهض المقل
غادرت أنفاسه
لتحلق في نهر فردوس وكوثر)
كيف يصف الشاعر تلك القوة الجبارة الملتصقة في ذات هذا الطفل..كيف يصف لنا قوة تحمله وصبره بقوله: (كبرياؤه الزائف أجهض المقل ...غادرت أنفاسه)
قوته وكبرياؤه الزائف تجهض المقل..
كيف اختار الكاتب كلمة كبرياؤه الزائف..وهذا كناية عن قوة التحمل والصبر الذي يرتضعه الطفل من واقع مرير..
حتى أجهض المقل وترك الحياة ببصمة ألم وهو يوصي بأمه..الأم الأصل والأم الوطن..
طفل يوصي بأمه..وهو على موعد مع الفردوس الأعلى بعد أن حُرم من حقه في الحياة أن يكون مطمئناً منعماً ..
يلتقط الشاعر أوصافه من عنق اللغة العظيمة..ويفرشها على ديباجة قلمه الفذ..
لينهي لوحته الباذخة العميقة المعاني المندمجة بروح مشاعره وأوردة لغته العذبة..بقوله:

(كطهر هاجرت
ببراءتي
إلى منصة القديسين
فلا تخجلوا مني
سأتوقف عن بيع الجرائد
ولكن ....
أوصيكم بأمي
.....
من أي بياض أنا
سأكون من اليوم
أسفل هذا النص بلا لقب)

خاتمة بارعة مدهشة مذهلة..والتي جعل التوقيع أسفل النص وبلا لقب..
هذه اللوحة أذهلت الذائقة حيث تحسسنا مدى الصدق فيها ومدى الجمال المرصع على جبينها..
إذ تحمل تأويلات عدة بصور متعددة وأبعاد مختلفة ..كلها تصب في بوتقة هذا النسيج السحري البارع..
فللطفل العربي هنا أبعاداً ذهبت للبراءة والنقاء وقتل معالمه نتيجة تلك الحروب التي ساقها ولاة الأمر..واللعب والتجارة في جيل المستقبل الذي أصبح عمره في جيل الشيخوخة من كثرة ما يحمل من هموم وفكر ووعي..فالزمن والأحداث علمته الرجولة مبكراً ومفكراً عالماً ودرّبته فنون الصبر في فنون المحن وتعددها..
اللوحة تُعرض معالم الطفولة اليوم وأبعادها وطرق تمزقها ..
أما وما تعنيه الجرائد هنا..رسم قوت جيل الطفولة وهو يبحث بعرقه عن لقمة العيش ببيع الجرائد وممارسة العديد من طرق العيش للبقاء في وطن سال دمه وهطل دمعه...
وللجرائد دور في المجتمع ..نظرت إليها من باب السخرية والاستهزاء..بأخبار اليوم والأحداث التي تتم فيها المتاجرة في الحقائق والأحداث..إذ أصبح للأحداث التلاعب فيها والتداول بين أضعف البشر لتفاهتها وسوء ما فيها..واصبحت بين يدي الصغار يتاجرون بها ويبيعونها كناية عن الوعي الموجود بين طبقات المجتمع..وأصبحت الأخبار متناقلة بين جميع الأجيال..فالصغير يقرأها ويعي ما فيها..دليل على أن لعبة الكبار أصبحت ظاهرة للعيان..
....
الشاعر الكبير الراقي المبدع الأديب الفذ
أ.عادل ابراهيم حجاج
حرفكم كان عبارة عن تحفة فنية مورقة ..تدر علينا بالجمال والسحر من براعة قلمكم ومهارة نسجكم..
وفقكم الله لنوره وعلمه ولما يرضيه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 06:28 PM رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : أنّات في صَدر الثرى
النّاص : ناظم الصرخي
القراءة : جهاد بدران
................

النّص :

قَــدْ كــان يـومًــا عـاشِـقًــا طَـــرِبــا
خـاضَ البحـــــارَ وأرخصَ التـعبـــا

مـــرّتْ عــلى أيـامــــــهِ مـحــــــــنٌ
لكنّــه مــا خَــــافَ أو هَـــربَــــــــــا

يـصحـــــو عـلى تَرْنيِــــمِ فاختـــــةٍ
تَحْــــدو بــهِ وتـؤجِّــــج اللَـهَبَــــــا

حتـى أجـيـــجُ المـــــاء يـوقـظـــــهُ
والهمــسُ بلْ ما خُـــطّ أو كُتِـبَــــــا

قَـــدْ كــانَ مَــأســــورًا بطيـبـتـــــهِ
لَـمْ يَرْتَكـــبْ ذنـبًـــــا ولا رَغِـبَــــــا

سـتــون والدُنـيـــا تُمــــــاطلـــــــه
لَـمْ ينــأَ عَـنْ حُــلـمٍ ولا اقْــتَـرَبَـــــا

ســتــــون والبـلـــــوى تحــفّ بــهِ
فـكــأنـــه من ضَرْعِــهــا شَــرِبَــــا

ما فـارَقَــتْـــــــهُ ولا لـثــــانـيـــــــةٍ
حتّى اسـتـشَـاطَـتْ روحُـــهُ عَـطَـبَـا

يَـمْـــشـي عـلى هَـــــمٍّ يُرافِــقَـــــهُ
مُنْـذُ الصِبَــــا للآن مـا غَـــرَبَــــــا

يسْــــعَـى بـدربٍ كـلّـــــه وَجـَــــــعٌ
مسْـتَـبْـــشِـرًا أمــــلًا وما انْـتَحبَـــا

مـا هــــزّه زلْــــزالُ نائِـــبـــــــــــةٍ
لكنّما غــــــدْر الــذي اصْطـحَـبَــــا

أبنــــاء آوى والـهــوى فِـتـــــــــنٌ
نَصَبـوا الشِّــراكَ لطعْــن مَنْ نَجُبَــا

حـاطــوا بـواحَـتِـــهِ التي نَضَـــرَتْ
واسْـتَعـْذَبــوا كيـــــدًا لمِــنْ تعِـبَـــا

هــو نـادمٌ لــو كـــــانَ قــلَّـمَـهَـــــا
(أظفــارهـمْ) مـا صَــارَ مُغْـتَـــرِبَــا

لكنّــــهُ والــرفــــــــقُ حَـــــادَ بـِــهِ
لَمْ يَبْـتـعــــدْ عـنْ كلِّ مـا وَجَـبَــــــا

هيَ طيْــبــــةٌ جُبِـل الشـــقـيُّ على
إروائِهـا وبِـمسْـكِــهـا اخْـتَـضَـبَــــا

مَا كَــانَ يَـحْـسِبُ أنَّ مـنْـقَــلَبـًــــــا
يُـبْــــلي الكُمَــــــاة ويرْفع الذَنَبــــا

حتى رأَى تَحْتَ الثَّـــرى وطنًـــــــا
بيَـدِ الـرعــــاعِ وكــلِّ مَـنْ دَبَـبـــــا

روضُ الأحبَّـــــةِ مُـقْـفِــــرٌ يَـبِــسٌ
حتـى كـــــأنّ الله قَـــدْ غَـضِـبَـــــــا

...............
القراءة :

أنّات في صَدر الثرى...
ما أجمل هذا العنوان الذي يتفتق منه كل أوجاع الأمة، عنوان ممتلئ بأسفار الوجع في كل اتجاهاته، ويوحي للخيال ألف حكاية، ويفرز من الفكر ألف ملامة، ويعتق القلب من كل مسرة..

لله دركم كيف تتقنون فنّ التعايش والتعامل مع الكلمة المؤثرة، وتدركون أبعاد كل لفظة، وهذا يحسب على فطنتكم وذكائكم في تفصيل النسيج الملائم لخيوط حرفكم، مبدعون في كل ألوان الشعر، وتغرسون للعبرة والحكمة منافذ جليلة يتغنى بها الفكر وتُحسب في مراتب الشعر الراقية..

القصيدة بتأويلاتها وأبعادها المتشعبة جاءت كضوء يضيء للنفس إرادتها، ويشحنها بشحنات من وجع، مع نفحات عتاب للأخلاء كي يرجعوا عن مسارهم المتعرج، ويدركون أهمية العلاقات الصالحة والأخوة التي تجمعهم في رباط مقدس لا يدرك قيمته إلا من به خشية الله وورعه..
إلا أن مثل هذه المحن تكون مدرسة للذات، كي تنعم بنعمة الابتلاء والذي يخرج النفس من ضيقها لنور ربها، وذلك من خلال غربلة الأفراد الذين نتعامل معهم، كي نستطيع الوقوف بقوة في معترك الحياة..فلا نأسف على من باع أصحابه ولا أهله، لأنهم ليسوا أهلا بالصحبة والتضحية لأجلهم، ومع ذلك يجب التفاهم قبل إصدار الحكم عليهم خوف التظالم والظلم الذي يفرز الحقد واللؤم..

القصيدة ممتلئة بالصور الجمالية، والبلاغة التي جمعت بين حلاوة المعنى وحرفية التراكيب البنائية المبدعة..
فقد جاءت الحروف جامعة لكل وجع ، جمع بين أنات الأرض الدامية وأنات النفس التي تتنفس من صدر الثرى ليكون الوجع مضاعفاً، وما أكثر الوجع وهو يئنّ في صدر الأمة كلها، فقد تغيرت موازين الحياة وانقلبت خيراتها نقمة على المواطن الفقير من قِبَل قادة لم يرحموا شعوبهم بل وضعوا السكين على رقابهم..فكيف لا يكون في صدر الثرى وجعاً، وكيف ستعيد لنا اخضرارها وقد داسها الأنذال عديمي الضمير والإنسانية...

اللغة جاءت تفتح ذراعيها بألفاظ مؤثرة وصور جمالية بأفكار تحمل العبر بين طياتها لتوقظ المشاعر تدفقاً في قلب المتلقي من خلال تلك الحالة التصويرية التي اتكأ عليها الشاعر كي تهز الضمائر وتصحو القلوب التي تفقه الواقع باتجاهاته المختلفة، من خلال شحنه للكم الهائل من الألفاظ بدلالاته المعبرة في واقع اختلفت قبلة الشرق لتحيك ثوب الغرب والطغاة ثوبا يفخرون به ويزينون أيديهم بالبطش في الإنسانية..
مفردات القصيدة كانت تحمل انسجاما متينا بين الحس الذاتي الداخلي والحس العام الخارجي ليكونوا في بوتقة واحدة تحت سقف الجمال والإبداع، في تفاعل متين مع عناصر النص ومفرداته النابضة..

الشاعر الكبير المبدع
أ.ناظم الصرخي
نسجتم ثوب الجلال والوقار وأنتم تحيكون عرش القصيدة بخيوط من ألق وإبداع..
بورك بكم وبحرفكم المتين، ووفقكم الله لنوره ورضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 06:34 PM رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النٰص : أَبْحَثُ عَنْ قَوْمِي
النّاص : عبد الغني ماضي
القراءة : جهاد بدران
..................

النّص :

( بَعْدَ عَامٍ مِنْ قَصْفِ "بَني خِنزير" لِغَزَّة الْعِزَّة ِوَ الَّنّخْوَةِ والْجِهَادْ... )

إِنِّي لَأَبْحَثُ عَنْ قَوْمِي فَقَدْ ذَهَبُوا
وَمَا بَدَتْ لَهُـمُ نَـــــــارٌ وَلَا حَطَبُ
**
فَلَا مُصَلَّاهُــــــــمُ بَـــادٍ لَـهُ أَثَرٌ
وَلَا مَصَاحِفُهُمْ هَذِي وَلَا الْكُتُبُ
**
عِنْدَ الشِّتَاءِ هُمُ رِيحٌ بِلَا مَطَرٍ
وَهُمْ بِصَيْفٍ سَرَابٌ عَافَهُ الْكَذِبُ!
**
عَامٌ عَلَى دَمِكِ الْـمَسْفُوحِ مَرَّ أَيَا
أَرْضَ الأُبـَــاةِ وَلَا ثَأْرٌ وَلَا غَضَبُ!
**
عَــــــامٌ يَمُرُّ وَبَعْضُ الْعَامِ غَزَّتَنَــــا
وَلَمْ نَزَلْ فِي الْـخُدُورِ الْيَوْمَ نَحْتَجِبُ
**
هُـنَا الضَّلَالَةُ تَشْكُو مِنْ ضَلَالَتِنَا
وَالْـجُبْنُ مِنْ جُبْنِنَا قَدْ صَابَهُ الْعَجَبُ
**
هُــــنَا التَّـفَاهَـةُ أَتْـقَـنَّـا حِيَـاكَـتَها
كَالْعَنْكَبُوتِ وَنَرْعَــــاهَا وَنَرْتَقِبُ
**
هُــــنَا الْـجِهَـــادُ قَلَبْنَا كُنْهَهُ فَغَـــــــدَا
جِهَادُنَا الرَّقْصُ حِينَ الْقُدْسُ تَنْتَحِبُ
**
إِنِّـي لَأَبْحَثُ عَنْ قَوْمِي وَعَنْ وَطَنٍ
لَـمْ تُقْتَطَفْ وَرْدَةٌ مِنْهُ وَلَا رُطَبُ
**
إِنِّـــي لَأَبْحَثُ عَنْ بَيْتٍ بِحَارَتِنَا
مَا هَدَّهُ بَعْدُ سَفَّاحٌ وَمُغْــــتَصِبُ!
**
إِنِّـي لَأَبْحَثُ عَنْ قَوْمِي الَّذِينَ إِذَا
تَوَحَّدُوا تُصْعَقُ الدُّنْيَا وَتَضْطَرِبُ !
**
مَا هَؤُلَاءِ هُمُ قَوْمِي الَّذِينَ هُنَا
وَلَيْسَ لِي وَطَنٌ إِلَّا الَّذِي اغْتَصَبُوا
**
قَدْ كَانَ لِي وَطَنٌ أَهْلُوهُ قَدْ أُسِرُوا
وَبِيعَ يَوْمَ اسْتَوَى الزَّيْتُونُ وَالْعِنَبُ !
**
سَأُكْسِرُ الْقَلَمَ الْـمَخْذُولَ غَـــالِيَتِي
وَأَجْعَلُ الدَّمَ حِبْرِي حِينَ أَخْتَـضِبُ

............

القراءة :

أبحث عن قومي...
الله الله هذا العنوان لوحده قصيدة..لما له أبعاد وعمق يجلد في قلوبنا وفي فكرنا وفي عقيدتنا... قصيدة تنخر عنق من كان السبب..وتشدنا أن نتضرّع ونتأمّل ونتدبّر..كي نجد السّبب..والأسباب تفلّتت من بين أنامل القدرة ومن بين أنياب الزمن...
الشاعر هنا كان حكيماً جداً في توظيف حرفه ذكياً في غرس مقاصده..نبيهاً في ربط حرفه بأوتاد القصيدة...
ففي البيت الأول من القصيدة قال شاعرنا الكبير:
إنِّي لَأَبْحَثُ عَنْ قَومي فَقد ذَهَبُوا
وَما بَدَتْ لَهُــــمُ نَــــارٌ وَلا حَـطَبُ
هذه تعتبر مقدمة لمبتغى الشاعر وهدفه..وعملية البحث عن الوطن..إنما هي التنقيب والتفتيش والقراءة المتفحصة بكل الأسباب التي وصلت فيها عملية البحث..وهذا البحث يستدرج الفكر والبصيرة في التوعية العميقة التي أدت لذلك..وبذلك يفتح الفكر آفاقه في عملية بناء تخطيط شامل لنزع أثر نتيجة هذا البحث عن القوم...ويعمل جدولة عميقة في الأسباب ثم النتائج ثم الحل...
وهذا البيت كناية عن قمة الوجع ونار الألم الذي أصبح النوم فيه محالاً لكثرة ما تتعرض له هذه الأمة من نزف..والضحية التي تصارع الأمكنة والأزمنة هم المستضعفين في الأرض..
قوله..إني أبحث عن قومي..هنا صورة جمالية غاية في الجمال والإبداع..لما احتوت على دلالات كثيرة ..لو نقّبنا بين أوراقها لوجدنا أنفسنا نؤلف كتبا..فقط من الكلمات التي ذكرها الشاعر..إني أبحث عن قومي..فقد جلدتني بسياط من ألم وأنا أغوص بين أعماقها..كلمات كبيرة جداً جداً فيما احتوت...
فهي تبرز عملية الشرود في الصلة بين الفرد والقوم..بقوله..إني أبحث..تدل على التمزيق بين أفراد المجتمع الواحد ..إذ خرجوا من دائرة ..كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. ليصبح الفرد غريبا عن أمته يبحث عنها ليحقق نعمة الأمن والأمان ويرى فيها فضل العدل والإيمان والتي ذكرها الشاعر في البيت الثاني...
الربط الموجود بين ضفائر القصيدة يثبته الشاعر عند ذكر البيت الأول الذي ند منه عملية البحث عن القوم..وربطها بالسبب الذي ذكره الشاعر في آخر بيت..حين قال :
يَخْشى اليَهُودُ فَتًى في كَفِّهِ حجَرٌ
فَكيْفَ مِثْلَهُــــــمُ يَخْشَاهُمُ العَرَبُ ؟ !
هنا تلخيص شامل وعمق رهيب يدلي به الشاعر لتوضيح عملية التمزيق في الأمة من ناحية إجتماعية وسياسية واقتصادية وشعائرية..ليكون اليهود بؤرة الفساد في الأرض وتوزيع الفتن بين صفوف هذه الأمة المكلومة..ورؤساؤها العرب في مرحلة سبات وتخدير كامل ومسح لعقولهم وتغيير لهويتهم..حتى أصبحوا يحكموا بلادنا بلسان وفكر غربي وغريب يطابق أفكار تحمل عقوق الفكر المسلم العربي الأصيل وقد تجرّد منه الدين وأضاعوا شريعة الله...عدا عن موالاتهم لأئمة الكفر وجنود الظلم حتى أصبحوا قادة دمى يتحركون وفق لعبة شطرنج على المسرح العربي الشرقي بخيوط غربية...
والحديث لا نهاية له عندما يتفجّر الوجع في سفوح الفكر وعلى صفحة القلب..
يكمل الشاعر خريدته الموجعة المبهرة..بقوله:
فَلا مُصَلّاهُـــــــمُ بَــــــادٍ لَهُ أَثَـــــرٌ
وَلا مَصَاحِفُهُمْ هذي ولا الكُتُبُ
عِنْدَ الشِّتَـــــــاءِ هُمُ رِيحٌ بِلا مَــطَرٍ
وَهُمْ بِصَيْفٍ سَرَابٌ عَافَهُ الكَذِبُ !
هنا الصور تتهادى بجمالها وإن حملت تاج الوجع ووشم الصبر..
عملية بحث عن أفراد مؤمنين ..بقوله..فلا مصلاّهم باد ولا مصاحفهم ولا الكتب..
أفراد كعنصر من عناصر هذه الأمة الذي يحقق عملية التوازن الإجتماعي وما تحويه من شبكة علاقات وتواصل وقيم تساعد على البقاء في ظل قوة الإيمان.. وإثبات هويته وثقافته بعيداً عن الغزو الفكري وأتباعه...
البيت الثاني هذا ..جاء مطواعاً لتاريخ الإنسان على الأرض الذي يثبت مرضية الأمة وضعفها وانتشار السرطان بين جدرانها عندما يضرب بالإيمان عرض الحائط ويفرش الكفر والفساد في الأرض ليتناسل منه الفتن وخيوط المذاهب المتعددة التي مزقت أركان هذه الأمة..قال تعالى:"إنَّ الإنسانَ لَظَلومٌ كفّار"34 سورة إبراهيم..
عملية التمادي بالكفر تزيد من الضعف ويسود منه الفكر وتحبط الأعمال التي تحقق للإنسان تطوره وارتقاءه...وتنزع عن وجه الحضارة الإسلامية نضارتها...
الشاعر بصوره المبدعة استطاع أن يوظّف الخيال والفكر في السّبح بين أغوارها بعمق.. مما تكشف عنها حقائق موجعة..فهو يلوم كبار هذه الأمة عن التقصير في وضع استراتيجية شافية لعصبها المريض..كما وصفها ..ريح بلا مطر.. بمعنى أقوال وخطط واجتماعات ومنهاج لكن بدون تنفيذ فعلي...يكمل الشاعر لوحته التي تناسلت جمالاً وقوةً في التراكيب والتشابيه والصور المبهرة..التي جسدها بدقة من جسد هذه الأمة التي تشتكي الله من ظلم قادتها..
وما زالت الصور في أوج تناسلها بقوله:
عَــــــــــــامٌ عَلى دَمِكِ المَسْفوحِ مَرَّ أَيَا
أَرْضَ الأُبـَــــــــاةِ وَلا ثَأْرٌ وَلا عَرَبُ !
عَــــامٌ يَمــــــــرُّ وبَعضُ العَامِ غَـــزَّتَنا
ولَم نَزَلْ في الخُدُورِ اليَوْمَ نَحْتَـــجِبُ
هُـــنا الضَّلالَةُ تَشْـكُو مِنْ ضَلالَتِنَا
وَالجُبْنُ مِنْ جُبْنِنا قَدْ صَابَهُ العَجَبُ !
يا لروعة الصور هنا وموسيقاها العذبة التي تصور الواقع وتشرّحه بفنية عالية وجدارة تدل على قدرة الشاعر وبراعته وفصاحته وهو يعرف كيف وأين يغرس زرعه.. هو مرآة الوجع للوطن الذي نسكنه..حروف جمعت العذوبة والجزالة والسهولة برونق جميلٍ إبداعي .اللغة مؤثرة جداً خاصة إذا ما كشفنا عنها الغطاء وتكشفت معالمها ورفع عن ساقيها عمقها وأبعادها والدلالات الكثيرة بين أوراقها..عدا عن الحس الذي يشحنه بالألفاظ البديعة..
ما أبهى التشابيه هنا والصور العميقة..بقوله..بعض العام غزتنا..لم نزل في الخدور نحتجب..
يا لروعتها وجماليتها..صورة جلية للنوم والسبات والأقوال دون الأفعال..
وقوله..الضلالة تشكو ضلالتنا..والجبن من جبننا أصابه العجب..الله الله..أليست هذه الألفاظ قمة في التعبير عن الضلالة التي تعمّنا والجبن الذي يركبنا وكبارنا..كلمات كناية عن قوة ما نحن فيه..وقوة عما ينسجه الشاعر في رصد الآفات التي تجمعنا...
هنا نستطيع أن نفتح مجلدات في خفايا هذه الصور وجماليتها العملاقة..
يكمل الشاعر:
هُــــنَا التَّـفاهَـةُ أَتْقَنَّا حِيَاكَــــــــــتَها
كَالْعَنْكَبوتِ وَنَرْعـــــاهــــا وَنَرْتَقِبُ
هُنَـــا الجِِهــــــــادُ قَلبنا كنهه فَغَدا
جِهَادُنا الرَّقْصُ حِينَ القُدْسُ تنْتحِبُ !
جِهادُنا خَمْرَةٌ تَسْري فَتَصْرَعُنا
أوْجِسمُ فَاتِنَةٍ والمَالُُ والذَّهبُ
الله ما أجمل الصور والتشابيه العميقة هنا..وما أبلغها من رسالة عظيمة في كنف الشاعر..
يصف حالة الأمة وهي تغزل الضعف بأتفه الأمور بعيدا عن عظام الأمور كالجهاد في سبيل الله..الحديث هنا سيطول إذا ما دققنا في أبعاد حرف الشاعر ومعنى رسالة الجهاد في سبيل الله..هذه الرسالة لم يتقنوا فهمها ..من بعض من يعتقدون أنهم في حدودها ..هي ليست جهاداً في مسماها ..حين نتخذ الدين ذرعا لتحقيق مآربنا ونقوم بقتل الأبرياء من أمتنا وأخوتنا تحت لواء الجهاد في سبيل الله..هذا الجهاد موضوع وبحث قائم بذاته لأبعاده المقدسة ومراميه النقية الطاهرة وإلا لما تحقق النصر به ولما كان دعاته وأفراده شهداء ينزف دمهم ليوم القيامة.. ولما كان للشهيد فضل كبير عند الله وأجر عظيم وبأعلى مراتب الجنة.. المؤسف أننا لم نفقه من ديننا وجهادنا إلا مصالحنا وحسب أهوائنا..لذلك ذكر الشاعر كيف قلبوا الموازين في إدراكهم لمعنى الجهاد والشهادة..وإلا لأدركنا الشهادة على أبواب القدس الجريح التي تئن وتتألم وتنادينا صلاة خمس مرات لنصرتها في الأقصى الجريح..دخلت الأقصى الأسبوع الفائت..وجدته يئن من الأفراد الذين منهم من هجروه والمحتل يحفر أركانه..أين نحن من الحفاظ على قدسيته والرباط فيه وأرضنا المباركة..ندخل الأقصى ولا حول لنا ولا قوة إلا أن نزكي حضورنا بالدموع على حاله..لنكن هناك صافين متراصين فالهجمة عليه قادمة..فلا ندع الندم أمام الله وأمام أنفسنا حارقة..
يكمل الشاعر لوحته النفيسة بقوله:
إِنِّـــي لأَبحَثُ عَن قَوْمي وَعَنْ وَطَنٍ
لَم تُقْتَطَـــفْ وَرْدَةٌ مِنْهُ ولا رُطَــبُ
إِنِّي لَأَبْــــحَـــثُ عَنْ بَيْتٍ بِـحَارَتِنَــــا
مَــــا هَدَّهُ بَعْــــدُ سَفَّاحٌ ومُغْتَصِبُ
إِنِّي لأَبْحَثُ عَنْ قَوْمِي الَّذِيــــــــــــنَ إِذَا
تَوَحَّــــــــــدُوا تُصْعَقُ الدُّنْيا وَتَضْطَرِبُ
في حضرة هذه الصور التي جلدت روحي من عمقها ومن الحس العالي بها.. لم تسع عيني الدموع مكانا وللحظة توقفت واعتزلت الكتابة ..إذ أدركت حجم الفاجعة..
هذه هي عملية التنقيب والبحث التي قصدتها سابقا..وطن كلما أردنا قطاف عناقيده المزهرة نهبوها وهدموا ثمارها وقطفوا معها أحلامنا..
أبحث عن ببت بحارتنا ما هده بعد سفاح ومغتصب..أليست هنا كلمات الشاعر تمزق القلب وهو يصف قمة المعاناة التي وصلت أمتنا من دمار وهدم وقتل..
كلمات وأسباب ومسببات يعرضها الشاعر ليصل للنتيجة الحتمية والحل الأمثل في صد هذه الهجمات بقوله: إذا توحدوا تصعق الدنيا وتضطرب..
هذه هي خلاصة الهدف المنشود في عودة العزة والكرامة والقوة لهذه الأمة..
التوحد تحت لواء الحق وشريعة الله فلا نصر إلا من عند الله ..ولن يكون إلا إذا توحد اللواء فكان تحت لواء الله .. والحديث هنا طويل جدا لكن أختصر لضيق الوقت..
يكمل الشاعر خريدته المذهلة:
لا ذُقتُمَا النَّومَ يا جَفْنَيَّ مِنْ تَعَبٍ
وأهلُ غزّةَ مَا نامُـــــــوا إذَا تعِبُوا !
ولا طرِبْتَ بِعَيشٍ يَا فُؤادُ ومَن
نُحِبُّهُمْ ثَمَّ ماعاشوا وما طَرِبُوا !
مَا هَؤُلاءِ هُمُ قَومي الَّذِينَ هُنَا
وليسَ لي وَطَنٌ إلا الّذي اغتَصَبُوا
بَلْ كانَ لي وَطَنٌ،أهْلُوهُ قَدْ أُسِرُوا
وَبيعَ يَومَ اسْتَوى الزَّيتونُ وَالعِنَبُ !
سَأُكسِرُ القَلَمَ المَخْذُولَ غالِيَتِي
ويُصبِحُ الدَمُ صِبْغي حِينَ أَختَضِبُ
يَخْشى اليَهُودُ فَتًى في كَفِّهِ حجَرٌ
فَكيْفَ مِثْلَهُــــــمُ يَخْشَاهُمُ العَرَبُ ؟ !
الله الله على ما نز القلم من وجع وأهل غزة خير مثال للصمود وخير البشر للصبر وما لاقوه من عذاب وضيق..لكن ثمار العبادة وتوحيد الله والسير على نهج كتابه.جعلهم تاريخا للصبر والصمود أمام مرآة العالم أجمع..ومدرسة نتعلم منها أصناف المحن وكيفية مواجهة العالم الذي ما زال يتآمر عليهم بكل القوى.،وهم في عيشهم حامدون صامدون لديهم الأدوات في صد الغرباء..وهذا بحد ذاته إعجاز ومنحة ربانية بحقهم..
الشاعر هنا يصف مشاعره ويدفع بأحاسيسه على منضدة هذه الأمة لعلها بها تستيقظ وتعيد ترتيب أوراقها من جديد..
وطن اغتصبوه على مرأى من رعاته وولاة أمره..
وما أعظم قول الشاعر: بل كان لي وطن.. أهلوه قد أسروا..
يا لروعة هذه التعابير الذي يدل على عجز الشعوب في تحرير بلادها وهي بيد حكامها الظالمين.. لكن الشاعر يعطينا خاتمة قصيدته هدية عظيمة لمن أراد أن يفقه سبب ضياع أمتنا ..ويرمز لنا بذلك.. أننا نملك قوة ونحمل أملا حين نعلم أن اليهود أضعف البشر.. والدليل.. خوفهم من حجر يمسكه طفل.. الجبن والخوف عنوانهم..فلتعوا ولتفهموا يا قادة العرب...
وهنا أنهي قراءتي لهذه اللوحة الباذخة التي نصفق لها عاليا ونعلقها على جبين الأدب لجماليتها ورقيها وصورها وألفاظها ودلالاتها ورمزيتها وفنيتها العالية..
قرأتها ولم أشبع من خفاياها وعمقها الواسع..وكتبت قراءتي لها حسب ذائقتي الأدبية ووفق ما تداركه فكري بين جوانبها وجذورها العميقة...

الشاعر الكبير وحرفه البديع
أ عبد الغني ماضي
شكرا لكم لما أمتعتنا من حروف كانت لوحة ثمينة جدا..وهذا ليس غريباً على أهل الجزائر الأبطال التي خرّجت جيلاً واعياً بروح شهيد..
بارككم الله وأسعدكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
ورزقكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير..ووفقكم لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 06:39 PM رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : إلى رسول الله***صلى الله عليه وسلم
النّاص : عبد الغني ماضي
القراءة : جهاد بدران
.......................

النّص :

يا سيدي مالي سواكَ طبيــــــبُ
أو شافع يَوم الشَّفيعُ يَغيــــبُ

أنتَ الذي أنقدتنا بالوحي
حيــــــــــــــــنََ تمزقت أمَمٌ وقلَّ مُجيـــبُ

وَقُبَيْلَ تولدُ طابَ ذِكرُك في الدُّنى
مِثلَ الوُرودِ بِها المَكانُ يَطيـبُ


القراءة :

اللهم صل على حبيبك المصطفى وسلم عليه أفضل التسليم وعلى آله وصحبه وسلم
بوركت أيها الشاعر الكبير عبد الغني ماضي..
وبورك قلمك الذي يقطر منه شهد المداد ...
وهو يسطر أعذب الكلام لأعظم إنسان يحمل الإنسانية بين جنبيه وفي أقواله وأفعاله...
ومضة فتحت للنفس التوبة وفتحت للفكر أن يعود لينهل من جديد ويغتني بسيرة الحبيب المصطفى..
ومضة حدثتنا بعمق أن لا نغفل أبدا عن عظمة هذا النبي والإسلام الذي حمله بين كفيه.."ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد..ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"..
يا سيدي مالي سواكَ طبيــــــبُ *** أو شافع يَوم الشَّفيعُ يَغيــــبُ
هذا البيت لا تتسعه كتب ولا مجلدات إذا تحدثنا فقط عن عظمة هذا النبي وكيف هو طب القلوب ودواءها...
كلمة طبيب وشفيع...لوحدها سجل في كتاب...
شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم...شخصية قد خصها الله بإعدادها إعدادا يصلح لكل زمان ومكان..
وجبله على الطاعة والفكر والقيادة والحكمة..فهو قائد عظيم ومصلح إجتماعي قدير ومفكر ليس كمثله أحد...
فهو طبيب النفوس التي تتخبط في جاهلية بغيضة.. ليخرجها من وحل الجهل إلى نور الله والعلم بأسراره وكونه الله العظيم ليكون الإنسان أقرب للسماء من الأرض..كلما قرب الإنسان من الله كلما سمت روحه وتنقت سرائره وعلت سماته نحو النور واغتربت عن الطين والأرض التي تعيث بها ما أفسد الإنسان من ظلمه وجبروته...
هو طبيب الفكر حين ينغمس الفكر بوحل الغزو الفكري المتدحرج من الغرب..ويؤثر على قواعده وأسسه وجذوره..
إن عدنا لنفحاته بالإيمان والعمل نكون قد غسلنا الفكر من شوائبه ونزواته الدنية...
لذا في العودة لشريعة الله وسنة نبيه تطهير فكري وذاتي مما يؤدي إلى تحسين سلوك الفرد على صعيد فردي أو جماعي ويؤدي أيضا إلى إصلاح المجتمع للوصول إلى الأمة بأكملها...
فهو النبي الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين..بقوله تعالى:"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"..
أليس هو من أخرج هذه النفس من ظلمها وسواد أعمالها لتكون في موقع القيادة والنصر؟
أليس هو من أخرج الجاهلية البغيضة من قوم كانوا يحتفلون بكفرهم إلى أعلام فكر وقادة فتح لبلاد لم تطلع عليها الشمس؟
ألم يوقف الحروب التي دارت على مدار مئات السنين وجعلها تحويلا لقبلة الله تعالى وإعداد النفوس وتربيتها وصقل شخصياتها تربية نقية لا تنظر لهوام الأرض بل تعلق أهدابها في وجه السماء...
ماذا نقول عن هذا العظيم ورقته وأخلاقه أيضا..لاتنتهي الحروف عنده أبدا...
وقول الشاعر:
أنتَ الذي أنقدتنا بالوحي حيــــــــــــــــنََ تمزقت أمَمٌ وقلَّ مُجيـــبُ
وهذا البيت الرائع الجزل العميق الذي رسمه الشاعر بريشة قلمه الساحرة..ماشاء الله عليك شاعرنا المبدع...
هذا البيت ينطبق على كل زمان ومكان...
عصر التمزق بين أغصان هذه الأمة..وتحويلها لساحات حرب بين أبنائها ...
عندما كان التمزق في أوجه ..زمن بعثة رسول الله..
استطاع هذا النبي أن يخرس الظلم بين العباد بل يجتثه اجتثاثا..
لينعم المجتمع بنعمة التآخي والمساواة والعدل ويحل حينها الأمان والأمن..
واليوم ما نحتاجه عودة لدراسة عقلية هذا النبي العظيم ..
ومدارسة أفعاله والعمل بها وبخصاله والتشبث برسالة السماء ..
لأن ذلك هو سبيل العودة للحياة الآمنة للروح وللمجتمع...
فهذا النبي العظيم يعتبر من وضع أسس العدالة والمساواة الإجتماعية وغرس النظام والطاعة..
فهو صاحب رسالة وباني أمة ومؤسس دولة..فقد تغيرت معالم الجاهلية عند ظهوره تغييرا لفت أنظار العالم بقوة فكره ورسالته..حيث هدم المعتقدات الباطلة ليحل نور الله وتترسخ عبودية العبد لله تعالى..
عكس ما يحدث اليوم إذ يعيدون الجاهلية بطرق ووسائل لا تمت للإسلام بصلة..
وينشرونها بين العباد ..مما أدى لضياع رسالة هذه الأمة..
وحسبنا الله ونعم الوكيل
أكتفي بهذا الحد وإن كان القلم في انسياب وغزارة للحديث عن نبي الرحمة
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
بوركت شاعرنا المبدع الفذ وجعل حرفك هذا في ميزان حسناتك
وفقكم الله لنوره ورضاه وأسعدكم في الدنيا والآخرة
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 06:52 PM رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّاص : محمد خالد النبالي***
النّص : الدائرةُ الْمغلقة
القراءة : جهاد بدران
......................

النّص :
نيسانُ مريضْ

الْـحفّارونَ قرّروا الدَّفْنَ دونَ تَأبين

عَقْلـُكَ ولِسانـُكَ مَريْضانِ

شُروقُ الشَّمْسِ

تحوَّلَ غربًا عنْ أرْض ِ الشّحوبِ

فلا شمسَ فوقَ أشجاري

الْأوراقُ تَتساقَط

جالِسٌ مُتَقوْقِعُ أكوِّمُ أصابِعي

الدِّفءُ مجْرمٌ هارِبْ

والصَّقيعٌ بَيْنَ الْأكُفِّ

أديرُ وجْهي للْبحر ِ

انعكاسُ الْأمواج ِ مرآتـي

تحضُنُني بِحرارة

صَدري مشتاقٌ

والْأمواج ِ ارْتحالٌ لعالم ٍ آخرَ

أرسمُ عَلى الشّاطئ قلْبًا يتهاوى

أينَ الْـحقيقة؟

كلُّ الْأشياء تُعاكسُ النَّبضَ

غموضُ الْـقاع ِ لا يعرِفـُهُ أحد

أسرارُ الْـموتِ والْموج الْأسْود

عَلى شفاهِ الْبـُؤْس ِ مِلحٌ ومنفى

والطريقُ انْتِظارْ

والْأحلامُ مذبوحَةٌ ٌ عَلى مقصلةِ الشّيطانِ

الرَّبيعُ مخطوفٌ جَريحٌ

عَليَّ الْعودة لداخلِ الدَّائرةِ الْـمُغْلقَة

هَلْ سينفجرُ الدُّمَّلُ

ويّذْهَبُ الْخريفْ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

القراءة :

الدائرةُ الْمغلقة
من خلال هذا العنوان، نستطيع رسم أبعاد الكلام وفهم محتوى النص وفق تأويلات متعددة، كلٌّ حسب مدى فكره وخياله، وللمتلقي حرية السبح بين أمواج الكلام.. عندما تكون الدائرة مغلقة، تعني انحصار الشيء في بقعة واحدة، تتجدد وتتسع مع متغيرات خارجية، ولكن ضمن إطار محدد يجمعها، تدور فيه الأحداث من نقطة واحدة لتعود إلى نفس النقطة، ليستمر الحدث وهو يلوك نفس الوقائع ومجريات الحياة، في اتجاهات متساوية، تلتقي في نقطة تجمّع واحدة في رأس الخرطوم
لذلك استخدم الكاتب الدائرة كرمز يوحي لأبعاد متعددة بهدف توصيل فكرته وفق غطاء محكم يجعل المتلقي في إثارة لتحليل هذه المعطيات من الرموز داخل هذا النص المنسوج بحكمة وقوة...
فالرمز في الأدب إيحاء تعبيري غير مباشر، عن معالم النفس المستترة، والرمزية إيحاء لأفكار الشاعر والكاتب، ولعواطفه المدفونة، من خلال توضيح المعنى بتأثير غامض خفيّ، مما يتيح للمعنى الانطلاق في مدى واسع جداً، وغير مباشر للمحتوى المقصود، كي يسمح للمتلقي التغذي عليها بعقله وفكره، والسباحة بين السطور وفق خياله الخصب، مما يثير الصورة المركبة لتكتمل بحد ذاتها، وتعقد سبل التأويل والتحليل وهي تقبع بين يدي المتلقي..
لذلك فالرمز لون مميز وجميل لمجال التعبير الأدبي...
من هنا سننطلق لرمزية الدائرة كشكل من أشكال الهندسة، والتي تحمل قوانين لا تتجزأ أبداً وغير قابلة للمساومة، والتلاعب بثبات قوانينها..
لكل دائرة مركز، وأعلى المركز قمة تعلو بحجم الدائرة لتكوّن مخروطاً، وكلما اقتربنا من المركز فقد تملقكنا العلو للقمة، وليس كل إنسان يستطيع الوصول للمركز ثم الوصول للقمة، وهذا يحتاج طواف كثير تماشياً مع خطوط الدائرة للمس المركز وتحقيق الذات، وهنا يحضرنا الكعبة المشرفة والطواف حولها لنيل السمو والرفعة بالروح نحو خالقنا، ومن خلال لمس المركز والتي تتواجد فيه الكعبة نصل لقمة العبودية والطاعة إذا كانت النية السليمة صحيحة الاتجاه وسليمة التوجه نحو القبلة، وكلما اقتربنا نحو المركز كلما حققنا من طهارة الروح والتحلق نحو أبواب السماء، لذلك من خلال رمزية الدائرة نجد فيها دلالات البحث عن النقاء من خلال اقتراب الذات نحو المركز ونحو قمة المخروط، لأنه من يصل للقمة فقد امتلك زمام الأمور وحلق نحو الشفافية وحقق المن الروحي والفكري..
لذلك من خلال الدائرة، نستطيع أن نُجمل القول، بأن البشر إنما يدورون في دائرة الحياة باختلاف أصنافهم وأجناسهم، وكلٌّ يبحث عن التسامي بالروح لتحقيق الأمن الذاتي ليعيش بسلام روحي وحرية مطلقة، من خلال ما يبذل من حراك وجهد واهتزاز لعملية الفكر بما في ذلك تلك المشاعر التي تحدد المصير، فمنهم من حقق ذلك، ومنهم ما يزال أول الطريق، ومنهم ما يزال في الوسط، وهذا يعتمد على مدى استقلالية الروح ومدى اتساع الإرادة في الجهد للوصول نحو القمة، ومنهم ما يزال يدور في حلقة مفرغة لم يحقق شيئاً ولم يفلح بعد في هذه الحياة من تحقيق أهدافه ومراده..
وبما أننا نتحدث عن الدائرة، فهذا يأخذنا لتأويلات عديدة، ومنها، أننا نعيد ونكرر نفس خطوات دروبنا، إذ نمشي من نقطة واحدة لنعود لها بعد مشوار وجهد كبير، كننا نجترّ نفس المسافة في حلقة مفرغة،، وهذا يعطينا الضوء الأحمر في مسيرتنا الحياتية، بمفهوم اجترار نفس الخطوات ونفس الفكر والتفكير ونفس العمل، لا نحاول التجديد في الكل لنسمو للقمة والرفعة،، وهذا ما يجعل مجتمعاتنا تسير بنفس الدفّة لا تغيير ولا تجديد في حراك أي مجال مما ذكرته.. ونبقى متقوقعين في نفس التبعية ونفس أنفاس الحياة، فلا ننظر للضوء ولا للنور حيث الطاقة والتجديد..
وللدائرة تأويلات ومعالم كثيرة لا حصر لها..

يبدأ الشاعر لوحته المتميزة بكلمتين:

/نيسانُ مريضْ/
الشاعر يبدأ لوحته بجملة إسمية، وهذا ينقلنا للتدبر بأبعاد هذه الجملة الخالية من أي فعل يحرك رواكد الكلمات ويعلن مسير الحدث..
/نيسان/ هو من الأشهر الأكثر استعمالاً واستخداماً للشعراء والكتاب، لما يحمله من معالم كثيرة وأحداث يطويها حدثت فيه إن كانت أحداثاً مفرحة أو أحداثاً مؤلمة، وفي كل حال فهو يعتبر منذ القدم كشهر له طقوسه الخاصة لما يحتويه من مرحلة الإزهار وتفتح كل الورد والزهور في هذا الشهر كربيعاً مخضراً تبتسم فيه الأرض وتزهو بالفرح والنشوة من جمال ما تحصده في هذا الشهر الفاتن المبهر بجمال ما فيه من طبيعة الله الساحرة..
لكن الشاعر هنا جعل نيسان مريضاً، ليعبر عن فترة الإزهار والربيع، أنها قد أصابها الخلل والمرض، وهذا يعود لربط أحداثه بأحداث حصلت مع الشاعر مؤلمة جداً، كناية عن علة تتفاقم في وسط أيامه وسنين عمره، ليعبر لنا عنها بمرض نيسان ، وهذا تعبير مذهل ومتقن جدا يستحضره الشاعر ليُخرج مكنونات أعماقه وما نتج عنها من وجع وحزن..
ووجود الجملة الإسمية في بداية اللوحة الفنية هذه، تعني ركود الوجع والألم بلا حراك لتغييره أو اندفاع لاستبداله..وهذا يعتبر توظيف فيه من الذكاء والفطنة ما يملي اللوحة أكثر بهاء وسحراً..
ويستمر الشاعر في تشريح الحدث عن مرض نيسان، وما فيه من تفصيل يعتمده كي يوضح لنا قيمة هذا الشهر إذا ما اكتمل فيه العلل والمرض..
يقول:

/الْـحفّارونَ قرّروا الدَّفْنَ دونَ تَأبين/
من نيسان المريض تصاعد الحدث، ليصل لدرجات الموت وبعده، من خلال قول الشاعر أن الحفّارون الذين يعدّون حفر القبور لدفن الميت، جعلهم هم من يقرر في عدم قيام حفلة تأبين لروح الميت، وهو ثَناء على المرء بعد موته وتَعداد مآثره ومَناقبه، رثاء.، وكأنه فقد ءهله وأحبته وأصدقاءه، ليكون مصيره بلا ذكر أو ثناء، ويكون مصيره بأيدي الحفارين، كناية عن فقدان الأهل ومن له صلة بهم، كناية عن عدم وجود الأخلاء المخلصين، كناية عن انتهاء الحب والمودة والتقارب بين الناس، كناية عن شدة الوجع الذي يشعر به الشاعر، وكأنه من الظلم قد انقطع عن البشر وتواصلهم المحمود..

/عَقْلـُكَ ولِسانـُكَ مَريْضانِ/

كل ما ذكرته سابقاً كان نتيجة حتمية من علة ومرض في العقل المدبر المفكر ومرض باللسان الناطق بكل اللهجات، كالنطق بالعدل والحق في وجه كل ظالم،
كالتعبير عن مشاعر الذات، كالتنفيس عن مكنونات الذات بحرية وانطلاق دون خوف أو تكميم الأفواه، كقول الحق في وجه كل ظالم، كانتقاد الواقع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو العقل واللسان وهما السلاح الذي يتسلح به كل حر ثائر ، إذا فقدهما فقد فقد طعم الحياة..
لذلك كان توظيف اللسان والعقل في حلية الاتقان وسحر التوظيف...

/شُروقُ الشَّمْسِ

تحوَّلَ غربًا عنْ أرْض ِ الشّحوبِ

فلا شمسَ فوقَ أشجاري

الْأوراقُ تَتساقَط/

هذه الأوصاف جاءت متطابقة لأرض الواقع، تلامس أحداثه بدقة، وتعرّي أحداثه برمز مبطن يكتشفه ويخرج معالمه من يتدبر ويتأمّل بين سطوره، لأننا مع واقع الظلم الذي نعيشه ومع حكم الطغاة الذي يمارسونه مع الشعب المسكين، إنما يعكس غروب الشمس عليه، على النفوس لتضيق بالحياة ذرعاً،
إذ كمّموا خيوط الشمس أن تفرد ضوءها على بلاد الشرق، بعد أن حزموا أمتعتها الغرب واستحلوها مكرهة..فبات عليها الإنسان بلا ظلّ ولا نور ولا فضاء، وهذا وصف دقيق استخدمه الشاعر ليعبّر عن حكم الضائقة التي يمرّ بها في واقعه المؤلم.. وهي تُجزئ عن تأويلات عامة وشخصية، تليق بكل الأبعاد والدلالات، وتصلح لكل ضائقة أو محنة أو ابتلاء..

/جالِسٌ مُتَقوْقِعُ أكوِّمُ أصابِعي

الدِّفءُ مجْرمٌ هارِبْ

والصَّقيعٌ بَيْنَ الْأكُفِّ/

يا لهذا الوصف البارع المتقن بتراكيبه وفنيّته وحرفيّته، فهو يقدّر بألف قصيدة وحكاية..
عملية الجلوس، كناية عن عدم الحراك والتغيير والتجديد، واستحضار لأمور فكرية وخيالية، فالتفكر والتدبر والخيال يحتاج جلوساً هادئاً لاستخراج منابته وتحديد معالم هوية التفكير، لكن هذا الجلوس كان من نوع آخر، فقد كان يتقوقع على ذاته وأصابعه قد تكوّمت، وهذا دليل وكناية عن الهمّ الشديد والحزن العظيم الذي ألمّ بالشاعر.. وعملية التقوقع تعني الاعتكاف في الذات، وهذا الاعتكاف عبارة عن تقليب مواطن الذات وبسط ما فيها من آلام وقهر ومحاسبتها على ما وصلت إليه، لكن مع تكويم الأصابع، هذا دليل على عدم القدرة على عمل أي شيء أو تغيير
دفة الحياة، وكأنه فقد الأمل من كل شيء، وهذا ما يثبت القول حين عبّر عن ذلك بالصقيع بين الأكفّ، برودة شديدة، وهي كناية عن فقدان الدفء والحنان والفرح، ربما من خلال فقد أحد المقربين للشاعر الذي كان له بصمة مؤثرة فيه وكان كل حياته وقطعة من قلبه..
الأوصاف جاءت بتدبير مطلق وحكمة وفطنة من لدن هذا الفكر والخيال المشبع بتلاوين البلاغة والفصاحة..

/أديرُ وجْهي للْبحر ِ***

انعكاسُ الْأمواج ِ مرآتـي

تحضُنُني بِحرارة

صَدري مشتاقٌ***

والْأمواج ِ ارْتحالٌ لعالم ٍ آخرَ

أرسمُ عَلى الشّاطئ قلْبًا يتهاوى/

تتلاحق الصور الإبداعية والتي حيكت بأثواب البلاغة المطرز بخيوط من حرير، وقد قيلت بمشاعر الصدق بعد أن امتلأت كل الحواس نطقاً بالوجع، وقد رسم الشاعر الصورة في جميع حيثياتها بطريقة متقنة أنطقت الواقع وأخرجت جُلّ المضامين وزفرات الذات بذبذبات رحيل ما حدث في واقع الشاعر مما دفعه لاستخراج نبضات حسه بقوة الحرف والبيان..

/أديرُ وجْهي للْبحر ِ***

انعكاسُ الْأمواج ِ مرآتـي/

عملية توجيه الوجه للبحر، هي بحد ذاتها الوقوف والصمود أمام عظمة أمواجه، وهذه نقطة تدلنا على قمة الصبر والتحدي والصمود رغم ما حمله من وجع، ثم اتخذ من المرآة كسلاح لانعكاس الذات وتموجاتها وتقلبات الألم فيها كشدة ثوان الأمواج وغضبتها، وهذا كناية عن توهج وارتطام الذات بتقلبات الحياة الموجعة.
المرآة رمز لها دلالات عدة، تعتبر من عناصر الخيال، يأخذها حيث يحلق فيها لبعاد النفس وقراءة الذات كصورة الأنا وما تحملها من مزايا مختلفة، يتحدث المرء عبرها ما في داخله من ثرثرات ومشاعر، تدخل معه من خلال ذاكرة الوعي التي تقلبه وفق الأحداث، وكإسقاط لأفكاره وواقعه المعاش، حيث القسوة التي يعيشها وحيث الآلام من خلال صمت المرايا الذي يعكس كل ما في الذات الشاعرة ما بين الواقع والحلم، وما بين المرارة والظلم والفرح.

/انعكاسُ الْأمواج ِ مرآتـي/

فالداخل النفسي وما نتج عنه قد أوضحه الشاعر كالأمواج، تتلاطم فيه ثورة الحياة وتخبطاتها بكل المعايير..

/أينَ الْـحقيقة؟

كلُّ الْأشياء تُعاكسُ النَّبضَ

غموضُ الْـقاع ِ لا يعرِفـُهُ أحد/

وهنا نجتمع مع الشاعر في أجمل الصور والأوصاف، وهو يصف تلك الظلمة التي عبّر عنها في /القاع/ حيث تعاند وتعاكس النبض الذي من الممكن أن تنبض الحياة بطبيعتها وبلا عوائق، وهذا الغموض وما يكتنفه السواد لا يعرفه أحد، وكنه استحضر المرآة لتعكس دواخله ومشاعره الموجعة، بحيث لا يشعر به ولا يعرفه أحد.. وكأنه يريد القول أنه يعيش الوجع لوحده لا يشاطره أحد كي يخفف عنه ثقل الهموم وجلدها...

/أسرارُ الْـموتِ والْموج الْأسْود

عَلى شفاهِ الْبـُؤْس ِ مِلحٌ ومنفى

والطريقُ انْتِظارْ/

وهنا تتضح معالم الطريق وهوية النص حين يستعير الموت ليكون معجم دربه وسِفر روحه وهو يسير على ضفاف هذه الحياة..الشاعر استعمل الأنسنة كثيراً وهذا يخدم المحسنات البلاغية والتي تدعم ألفاظ الشاعر بالمتانة والقوة وجمالية التراكيب...


/والْأحلامُ مذبوحَةٌ ٌ عَلى مقصلةِ الشّيطانِ

الرَّبيعُ مخطوفٌ جَريحٌ***

عَليَّ الْعودة لداخلِ الدَّائرةِ الْـمُغْلقَة***

هَلْ سينفجرُ الدُّمَّلُ

ويّذْهَبُ الْخريفْ؟/

يا لروعة هذه الصور المذهلة، والتي لخصت كل ذات الشاعر من آلام وجروح،وما حملت أعماقه من طفح الانفجار وما امتلأ من رواكد الحياة المثخنة بالجراح، فالربيع الذي يدل ازدهار ورغد وفرح الشاعر قد ظهر ذبولاً امتصه الخريف من الحياة، وهنا يريد العودة لداخل الدائرة والتي قصد بها دوران الوجع وعودته من حيث ابتدأ، فالدائرة كانت رمز الوجع والألم المتكرر الذي يلوك بعضه بعضاً، وأنه داخلها لم يخرج لربيع الحياة بل بات مع الخريف خريفاً آخر أذبل عمره من كثرة السياط..
وهنا تنعس الدائرة على أوطاننا التي باتت في بؤرة وجع واحدة تتكرر في كل البلاد...

العنوان: الدائرة المغلقة
لي ملاحظة على العنوان..
صفة المغلقة هي صفة مرافقة للدائرة، لأن الدائرة بحد ذاتها مغلقة، وهي خط منحني مغلق، ولو فتح هذا الخط لما اعتبرت بمعناها وخطوطها دائرة...
لذلك لو استخدم الشاعر صفة أخرى لها كان أفضل..
وهذا من زاوية نظري ووجهتها المتواضعة، ولكل شاعر له رؤيته الخاصة وينظر بمنظار حرفه وأبعاده، وأنا أحترم كل رؤية تتماشى مع نظرة الحرف الملائمة لهدف الشاعر ...

الشاعر الكبير البارع المتألق حرفه وقلمه
أ.محمد خالد النبالي
قدمتم نصاً بارعاً حد الدهشة.. الدهشة تكمن بين أضلع هذه اللوحة المميزة وما حملت بين عروقها من جمال وبراعة ورموز اجتمعت كلها تحت نبض هذا القلم الرائع الفاخر..
من أجمل ما قرأت، من بلاغة وتراكيب إبداعية متفردة، وما تسلحت الحروف من معالم مختلفة على الصعيد التشجر المعنوي والبنائي والرمزي..
حفظ الله لكم قلمكم المتميز المتفرد والذي يدل على حرفيتكم ومهارتكم في توظيف الحرف ليصل لقمة السمو والجمال..
رضي الله عنكم وأرضاكم
ووفقكم لحبه ونوره وزادكم علماً كثيراً
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 09:17 PM رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : أذى
النٰاص : ناظم العربي
القراءة : جهاد بدران
................

النّص :

بهيبة جنرال منتصر نزل من سيارته الفارهة باتجاه متسولة تفترش الرصيف..
وأخرج بتبختر محفظته المنتفخة..
وحين عاد الى سيارته فاجئه شرطي يحرر له مخالفة..
ممتعضا أشار الى المتسولة بسبباته ...
أنت السبب!
...................................

القراءة :

صورة واقعية لمجتمع يتخبط في إصلاح الذات..في تحرير النوايا..في فهم منظومات العطاء والتصدق..
صورة لذلك الإنسان الذي يريد أن يحقق لذاته النصر والتعالي على الآخرين..للإنسان الذي يريد أن يتملك الفقراء ويعاملهم كالضعفاء..
صورة إجتماعية توضح طبقات المجتمع اليوم..وحال الوضع الراهن بعد ما أفرزته الحروب من انعكاسات سلبية على الفرد وتوجهه للتسول لنيل لقمة العيش..
الكاتب يضع صورة متسولة وليس متسول حتى ندرك ذلك الخلل العظيم الذي يجعل من النرأة ين تتعرض للكثير من الإهانات مقابل لقمة العيش..وحين تصل المرأة لهذه الدرجة من التسول..يعطينا هذا مؤشر خطر لما وصل إليه المجتمع اليوم..حالة يرثى لها أن تتعرض نساءنا لهذه المهانة..وهذا أيضاً يأخذنا للسؤال عن دور حكامنا في هذه الظاهرة وعدم إشباع الشعوب في إيجاد طرق ووسائل تشغيلهم بما يكفّ حاجتهم عن السؤال..
ظاهرة منتشرة جداا مما تعكس فشل المسؤولين العرب الحاكمين في دولهم على القضاء على مثل هذه الظاهرة..بالرغم أنهم باستطاعتهم إشباع أضعاف أضعاف البشر الذين يعيشون في دولتهم..والدليل أنهم يدخرون الأموال التي لا تستوعبها العقول من كثرتها والتي نكتشفها في خزائنهم وبنوكهم التي يوفرونها في بنوك الغرب...هؤلاء ليسوا قادة ولا حكام ولا ولاة أمر..هؤلاء لا يهمهم إلا تعبئة بطونهم وعقولهم خاوية..هؤلاء في مزابل التاريخ مستقرهم..
لنبدأ من عنوان هذه القصة القصيرة جداً
/ أذى/
بعد قراءة القصة وجدنا ذلك الرابط المتين الذي يربط العنوان بمحتوى النص..إذ هو يشير لتناص قرآني الذي يتحدث في سورة البقرة عن هؤلاء الذبن يتصدقون بأموالهم رياءً وتصنّع..ليقال عنهم أنهم أصحاب خير وهم بريئون من حلة الصدقة النقية..فما عملهم إلا أذى للفقراء الذين يتقبلون الإهانة من هؤلاء على أساس وصف بين حاكم ومحكوم..لننظر بتدبر ماذا يقول الله تعالى عن هؤلاء الذين يتبخترون بأنفسهم وأموالهم كما وصفه الكاتب بدقة:
قال تعالى:
" مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)سورة البقرة...

/ بهيبة جنرال منتصر نزل من سيارته الفارهة/

الكاتب هنا وضح صورة طبقتين من المجتمع..
طبقة الأغنياء والتي هي الطبقة الغنية الحاكمة..والذي يظهر ذلك من خلال ما وصف الشاعر ذلك الرجل بالجنرال الذي يمتلك سيارة فارهة..

/ متسولة تفترش الرصيف../

ثم طبقة الفقراء المعدومين من المال..والذي صوٌرها الكاتب بدقة حين قال أنها تفترش الرصيف..بمعنى أن الرصيف مأواها وفراشها ومسكنها ..وهذا كناية عن شدة العوز والفقر الذي يجلدها والذي يجعلها تتعرض لمثل هؤلاء الحثالة من البشر الذين باعوا ضمائرهم لأموالهم ومراكزهم وكراسيهم..

/ وحين عاد الى سيارته فاجأه شرطي يحرر له مخالفة../

هذه الصورة افتعلها الكاتب لتوضيح التناقضات الموجودة في مجتمعاتنا..وجعلها عاملاً مساعداً لخلق صورة الأذى التي يمارسها الإنسان في حق الإنسان الآخر..وللفت نظرنا لمعالم ومعاني الصدقة الحقيقية التي تعلمناها في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم..
فالشرطي يقوم بدوره كالعادة في لملمة المخالفات لملء خزينة الدولة..تاركاً حقوق الفقراء جانباً بلا اكتراث..أليس من الأولى لفت نظر القانون لهؤلاء الذين تدوسهم أرجل الأغنياء وإكرامهم من أموال الزكاة والضرائب..
كما كان الإسلام يقوم بتوزيع مثل هذه الأموال على الفقراء..ونحن نعرف من سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين كيف كانوا يقسمون الأموال على الفقراء والمحتاجين حتى أننا لن نقرأ عن تاريخ خلافة عمر بن الخطاب أنه كان في زمنه متسول واحد...
هنا الكاتب أراد أن يوضح أنه مع وجود جباية الأموال لا وجود للمناصب والمحسوبيات..الهدف من الشرطة جمع الأموال لأهداف غير اجتماعية..
هذا هو حال مجتمعاتنا ..
كان الهدف الرئيسي الواضح جدا من هذه القصة هو تلك القيمة الإيمانية التي نحتاجها اليوم بالذات لسد رمق الجائع والقضاء على منابع الفقر والتسول..
لننظر ونتدارس قيمة الصدقة الحقيقية لنكسب منها الإجر والثواب وتكون كالماء تطفئ الخطيئة من النفوس..
الصدقة الطيبة منبعها الإخلاص في النية وتحرير النفس من الرياء لتكون خالصة لوجه الله..عقد النية لله هو الأصل قبل انطلاقة الصدقة..
ما إعظم الصدقة حين تخرج بيضاء من القلب لقلب من هو أحوج بها..
.
.
الكاتب الأديب الكبير البارع حرفه
أ.ناظم العربي
ومضة غنية بارعة ممتلئة بالقيم الاجتماعية والعادات التي نحتاجها كي نصلح أنفسنا ومجتمعاتنا..
دائما تتحفنا بصور اجتماعية مختلفة هدفها إصلاح الذات إولاً ثم المجتمع لنكون في مجتمع يستحق التضحية بدمائنا..
بوركتم وهذا الحرف المبارك وما ترسمون به كل سبل الجمال والأدب السامي الراقي..
وفقكم الله لنوره ورضاه
وأسعدكم في الدنيا والآخرة
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 09:30 PM رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : دعاية
النّاص : ناظم العربي
القراءة : جهاد بدران
-------

النّص :

في مهرجان خطابي
تحدث عن الفساد الذي يجب أن يُستأصل....
فاجأهم باستقالته
تاركا ألف قدمٍ هناك!

القراءة :

العنوان /دعاية/ وهذا يأخذنا لعملية نشر الكلام، الذي يكون إما قولاً شفوياً، وإما تكون الدعاية ورقياً أو قراءة ومشاهدة عن طريق أجهزة التواصل الاجتماعية..

الدعاية هنا نفترضها، أنها دعاية انتخابية، يدعو صاحب المنصب شعبه لترشيحه لهذه المهمة، ليكون خادما لهم تحت كنف المسؤولية والأمانة لإصلاح ما استطاع من أمورهم، وتلبية لرغباتهم، ونشر الوعي لرفع مستوى ثقافتهم بالأساليب التي يمكنها التخلص من بؤرة الفساد الموجودة في مجتمعاتنا المختلفة الأجناس..

فالدعاية الانتخابية، تبقى وهْم ونظرية غير قابلة للحكم عليها والتحقق من صحتها، إلا بعد أن يتم فيها العمل بجدية وصدق وفاعلية وتكون مجسّدة على أرض الواقع، وهذا لن يحدث إلا بعد فوز المرشح الذي عرض نفسه وقدراته أمام جمهوره ومجتمعه..
العنوان هنا هو المحطة الأولى للنص، وهو الجسر الذي يوصل النص للمحتوى والمعنى الذكي الذي يستخرجه الكاتب من قنديل ذهنه كي يقدمه للمتلقي عبر البحث والتنقيب وربطه بكامل النص، وهنا سنرى عملية الربط التي تمت ما بين العنوان والنص إن كانت تٰحقق المبنى الواعي والمتكامل بناء وشكلاً ثم ما يحمل النص في جعبته بما يتوافق مع العنوان..
نبدأ من أول النص بما يقوله الكاتب:

/في مهرجان خطابي/

بما أنه مهرجان انتخابي، فقد اتضحت صورة الدعاية الخطابية الشفوية أمام حضور جماهيري كبير، والدليل على حجمه بقول الكاتب /مهرجان/ لأن المهرجان يكون متسع للحضور أكثر من مجرد دعوة لحضور برنامج انتخابي عادي أو مصغر. وهذا يدعو لحضور أكبر عدد ممكن للمرشح حتى يتم انتخابه للمركز الأول، وحتى يكون هذا العدد شاهداً على برنامجه الانتخابي الذي يريد تحقيقه مستقبلاً. في مثل هذه المهرجانات الانتخابية، يحضر الغث والسمين من فئات المجتمع، منهم المخلصون الذين يبحثون عن مرشح يغير لهم الواقع للأفضل، ومنهم مستمعون وجنود السياسة التي تخضغ للحكام وأتباعهم وأذنابهم، وهؤلاء واجبهم رصد تحركات المرشحين ومراقبتهم بدقة، لأصحاب المراكز السياسية الحساسة في الدولة. وهؤلاء لهم دور كبير في الدعاية، يقيلون من هو حجر عثرة إمامهم، أو يسندون الذي يقربهم لأطماعهم ومناصبهم وسياستهم البغيضة..

/تحدث عن الفساد الذي يجب أن يُستأصل..../

هذه الجملة هي محرك وبؤرة الحدث والتي كانت المركز الرئيسي في القصة.
التحدث عن الفساد واستئصاله، هو قضية وظاهرة اجتماعية منغرزة بأنيابها الحادة في مجتمعاتنا العربية، والمقلقة التي تهدم بناء الإنسان والثقافة والحضارة، وتعكس تاريخاً مهمشاً وعشوائيا فاسداً، لم يخضع لأسس ومناهج حضارية بنائية يقوم على أساس متين من الرعاية والدراسة أو أساس يقوم على حرية التعبير وإبداء الرأي بكامل الحرية .
وبما أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تخضع للسيطرة والحكم من سلطات غربية وعقول هدامة تعمل لمصالحها ومناصبها تحت رعاية أجنبية غربية صهيونية، فيكون الإصلاح فيها عقيماً يُخربون سبله ودروبه ويكسرون كل خطوة نحوه بل يقلعون جذور أي قنديل يمكن أن يضيء أملا وحياة في بلادنا المجروحة، ويعيقون كل مواطن الجمال والتقدم والتطور، بالرغم من أنّ الشعوب في صحوة وقد عبرت عن صوتها ومتطلباتها بالثورات المتجددة المتحررة من قيود الساسة الطغاة، والتي يكممون أفواهها كي تبقى ترزخ تحت أنيابهم.

وبما أن المرشح يتحدث عن الفساد واستئصاله، يعني أن هذا اقتراف فظيع وذنب عظيم بالنسبة لهؤلاء الكبار الذين يتحركون كالدمى بين أنياب الغرب الفاسدين، خوفاً من تحرك الشعوب العربية التي تحمل الطاقات العظيمة في تحويل البلاد لكيان قوي لن تستطيع السيطرة عليه الدول العظمى، لأن الشعوب تشتاق وتتوق للأمن والأمان والعدالة والحق بعد سنوات الحرمان الطويلة التي تذوقتها، بسبب حكامهم الأموات الأصنام الذين لا يتحركون في بلادهم إلا بعد التوقيع على طلب مسبق من الطغاة.
وإذا تم استئصال الفساد، يعني انتهى دور هؤلاء الفاسدين وقضي عليهم بحذف أدوارهم من البلاد، وتنتهي صلاحياتهم بانتهاء أذرع الفساد الذين يمثلونها..

هذه مشكلات قادة البلاد وحكامها إلا من رحم ربي، الذين لا يقومون على نهضة الأمة وإيقاظها من السبات وشفائها من الضعف والمرض، لأنهم غير أكفاء ويحملون جرثومة الفساد التي تتناقل عبرهم في كل البلاد العربية..
أما وأن يتحدث أحد المرشحين عن الفساد حتى ولو نظرياً، هذا يعتبر بالنسبة لهم جريمة لا يغتفر عليها، حتى ولو كان الخطاب كذباً ورياء، لأنهم يريدون من العقول أن تبقى مخدرة في سبات وفي صناديق معلبة لا تتجدد ولا تتفاعل للصالح العام.
لكن الكاتب يفاجئنا باستقالة المرشح، بقوله:

/فاجأهم باستقالته
تاركا ألف قدمٍ هناك!/

هذه الاستقالة عملية متوقعة عندما يدركنا الكاتب برأيه من خلفية هذه القصة، والذي أرادنا أن نطلع على خلفيات حرية الرأي وأبعاد التعبير وما ينتج عنه في ظل أزمة حقيقية يعيشها المواطن العربي داخل بلاده، وهذه الأزمة ليست حكرا على مكان، بل تمت العدوى في كل أرجاء هذه الأمة، فالكلمة الحق ترهب عدو الله، وترهب كل فاسد، وتعرقل مسارات التطور والإنجاز، في الحفاظ على ماء وجه التاريخ العظيم لها من زمن بداية الدعوة إلى الله.

القضية اللاذعة في هذه القصة، هو حرية التعبير وتكميم الأفواه..
فالكلمة الحرة الصادقة اليوم في حكم هؤلاء الطغاة، يعني الإعدام أو السجن لقائلها، وهذا بحد ذاته جاء من قمة ضعف الحكام وزعزعة حكمهم وقلة نجاحهم، وإلا لما الخوف من قوة الحق، يخافون من النجاح والتقدم، وممن يفوقهم قدرة في تحريك الشعوب نحو العدالة، فلو أنهم يملكون الحق والعدالة لما كان ذلك محل رعب لهم أو خوف..
لكن وإن أقالوه من ترشيحه للمنصب، فهو قد ترك خلفه ألف قدم تكمل عنه مسيرة الحق لإعادة الحياة في البلاد.
لو أنهم قتّلوا أو صلبوا أو كمّموا الأفواه، فلن تنقطع سبل الحق ولن تموت الحرية والله موجود وهو الحق العدل..
لن يستطيعوا إخماد الأصوات، ولن يستطيعوا تغيير العقول النيرة بعلم الله، ولن يقتلوا ولن يطعنوا العقول الحرة المفكرة، ولن يطعنوا ما في الصدور من أفواه ما زالت في رحم الكلام..
هذه البلاد تحتاج منا التضحية، إن كان بالأصوات الحرة، أو ما ينتج عن قول الحق من دماء، ستبقى أمة العرب والإسلام ولّادة تنجب كل عهد أحرارا، يعيدون للأرض الاتزان..

الأديب الكبير البارع الماهر في اصطياد إلوان القضايا الاجتماعية والمصيرية التي تحاكي واقعنا المرير
أ.ناظم العربي
لقد أتحفتنا بقصة قصيرة جداً، تحمل في رحمها ولادات جديدة لواقع مأزوم، يتخبط ويصارع أنياب الظلام وعقول العتمة..
بارع في اصطياد الواقع المؤلم، وماهر في تجسيده عبر ريشة قلمكم المحترف..
بورك بكم وحروفكم الوضاءة..
حفظكم الله ورعاكم
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 09:36 PM رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : غزة لاتبكي...لن تبكي
النّاص : ناظم العربي
القراءة : جهاد بدران
......................

النّص :

غزة لاتبكي
لن تبكي
هي توزع المناديل للبكائين خارج الحدود
..........
الصاروخ يعرف مستقره
لاتحاولوا منعه
للفقراء حصتهم من الجنة
.........
تقول له تعال حبيبي لهذا الحي
سقط صاروخ
يقول لها حبيبتي
تعالي لهذا الشارع سقطت قذيفة
كانا يمدان يد العون للجرحى
في المساء كان الجسدان يغادران غزة
صوب السماء
لم يسعفهما أحد
.........
لسنا بحاجة لأكياسكم النتنة
إغاثاتكم لاتعنينا
تصريحاتكم لانفقهها
قال الرجل المسن للكامرا
ثم أردف
قدر الفلسطيني أن ينوء بالقضية لوحده
................
للغادرين والمرجفين:
أزفت ساعة الشهادة
لاتلوموا القاتل
أزفت ساعة الانتصار
لاتلوموا الفصائل

القراءة :

غزة لا تبكي... لن نبكي
يد الشرفاء من كل أحضان الوطن تربت على قلب غزة الصمود.. يد الأبطال المخلصين تقف مع غزة بكل ما تستطيع.. هذه الشعوب تنبض قلوبها من نبض وشريان غزة البطلة المقاومة..
لذا ابتدأ الكاتب القدير بلوحته هذه .. غزة لا تبكي.. أي أن غزة لن تبكي ولا تبكي على ما أصابها وما سيصيبها .. لأنها مصدر القوة ولأنها مصدر الإرادة ولأنها مصدر الصمود .. ولأنها مصدر التخطيط والتدبير لكل ما يحاك حولها..
غزة الإيمان .. غزة العقل المدبر .. غزة السلاح بكل قطرة دم تملكها..
توزع قوة وصبر وصمود على كل أنحاء العالم.. تعلم كل مدارس الأنظمة كيف تنشئ بنود المقاومة وكيف ترتب جنودها في سياق الإعداد المنظم وفق منهاج قويم ومعد من خبرائها..
هذا ما نلمسه من خلال صمودها أثناء مهاجمة الأعداء عليها..
غزة لا تبكي أبدا .. غزة تبكّي أعداءها وهي في جبهة الصمود..
لن يقدر عليها عدو.. ولن تطالها يد الغدر.. لأنها باختصار تحمل أكبر سلاح وأقوى قذيفة .. لأنها باختصار تحمل كتاب الله بصدرها.. وليس حملاً خفيفاً.. بل تطبيقاً .. عملاً وايماناً..
بالعقيدة السمحة المنيرة تقاوم.. بالعقيدة والشريعة الإسلامية تتكاتف القلوب ثم العقول ثم الأنفس.. بهذا السلاح تجتمع معها السماء وطيور السماء وملائكة السماء بإذن رب السماء..
عنوانهم الإخلاص لله .. عنوانهم الجهاد في سبيل الله.. فكيف لا يكون حقا على الله أن لا ينصرهم.. . قال تعالى في محكم كتابه:
" يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت
أقدامكم" سورة محمد آية7...
غزة لن تحتاج نفطكم ولا مساعداتكم .. فقد نصرها الله من قبل وهي في حصار محكم من كل شيء.. حاصروها بالاقتصاد .. فأرسل الله لها الأسماك تقفز برا لإطعامهم.. حاصروها بالخوف فأخافتهم.. حاصروها بالهدم فأراهم الله الصبر بجنات وجزاء موفورا.. لن تخضع للذل ولا للهوان ولا للخنوع.. والله لو حاصرتم حتى الطير وحتى الحجر .. إلا أن يحق الله الحق وينصرهم من حيث لا يعلمون..
أيها الجبابرة من المستوطنين ومن أبناء جلدتنا العملاء والجواسيس.. نقول لكم إستريحوا في قبوركم.. لن تهزموا شعباً زرعوا حب الله والإيمان في قلوبهم.. فهم يقاتلوا بأرواحهم وأنتم تقاتلون بأسلحتكم.. فلمن الغلبة .. وهل تغلب المادة على الروح ..

القدير الأديب الكبير والمفكر الراقي أستاذنا الكبير القدير ناظم العربي..
لك كل التحايا والتصفيق على هذا الحس الوطني لحب فلسطين وكل البلاد العربية.. إن عطس مسلم في الشرق قال له الآخر في الغرب يرحمك الله.. هذا هو الإحساس بالوطن .. إحساس المسلم لأخيه المسلم..
لقد أتحفتنا بلوحة ماسية الأعماق لغة ومعنى وحرفاً.. لوحة تنطق من عمق الجراح والآلام على أمة الإسلام والأمة العربية جمعاء .. على ما يحيكونه من مؤامرات لخلع دين الله.. وأنى لهم ذلك والله لهم بالمرصاد..
خاطرة قالت الكثير وحملت في طياتها أكثر من بعد وأكثر من هدف..
هدف .. لتجميع الأمةوتوحيدها.. هدف لمعرفة من هو عدو الله.. هدف لمعرفة من هو هذا الشعب الفلسطيني وقوته بعقيدته.. هدف لتحريك الشعوب وصحوتها من الغفلة.. هدف لتمويل شعوبنا بالكنوز التي نملكها لتكون لهم حصناً ودفاعاً.. وأهدافاً لا تعد.. قد كانت بين ثنايا هذا النص المغرد أملاً وقوة وربيعاً قادماً لنصرة الله له..
أستاذي الكبير الراقي المبدع
أ.ناظم العربي
ألف تحية لجلال حروفكم وماسية لوحتكم الرائعة..
شكراً لكم ولقلمكم الذي لا يفيض إلا إبداعاً وسحراً..
جزاكم الله كل الخير والنور .. ووفقكم لما يحبه ويرضاه..

جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 09:48 PM رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص :***خيام
النّاص : ناظم العربي
القراءة : جهاد بدران
.....................

النّص :

الشيخ الوقور
القادم من خيام النفط
جاء بحمل ألف بعير
لمساعدة اللاجئين
وفي قلبه المتصابي صورة صبية جائعة


القراءة :

ما أجمل ما تحمل هذه القصة القصيرة جدا من معالم الذات ومراحل تغييرها وافتتانها حين تبلغ نصاب الغنى والثروة التي تعمي الأبصار ..
وتعمي القلوب التي في الصدور..
الكاتب هنا استطاع من خلال العنوان ( خيام) أن يضرب عصفورين بحجر واحد..بمعنى أن هذا المعنى جسّد حالتين متناقضتين عبّرت عن واقع الإنسان ما بين غناه وفقره..
خيام..استخدمها الكاتب للشيخ الوقور مع النفط..حين استحوذوا على ثروات النفط وهم يخيمون لحين جمعها..
ثم استخدامها بطريقة الإشارة والتلميح لخيام اللاجئين..وما أبعد المعاني بينهما..وما أبعد المقارنة بين نقيضين يحملان بين طياتهما إنسانية تخدم قيماً نحتاجها لنعبر مراحل الجوع والفتن والقضاء على الفساد الناتج من جوع المال..
لكن يفاجئنا الكاتب في مرحلة جديدة النقاش والوقوف بين ظلالها هي المقارنة بين جوع فيه النفس من ناحية جسدية ..جوع البطن..وبين الجوع الفاسد للأخلاق جوع الشهوة..
الكاتب يبدأ قصته هذه بقوله:

(الشيخ الوقور
القادم من خيام النفط)

عملية الوصف متقنة جداا للشيخ بأنه وقور..لأنه في عمره المفروض أن يكون قد تطهر من مفاسد الحياة بعد أن ذاق من أصنافها وأنواعها الكثير..وتعلم أن العمر ما بين دنو الموت واقتراب الأجل قد أثّر فيه وتعلم الوقار..لذلك من الطبيعي أن نلصق للشيخ صفة الوقار لرجاحة عقله وضبط مشاعره وشهواته..
يخبرنا الكاتب التغييرات التي حلّت به بعد مرحلة معينة سأتطرق لها مع مرور الخروف ومعانيها..
التغييرات بدأت حين عاد الشيخ من خيام النفط..والتي أثرته وأغنته بثروة عظيمة ليصبح من الأغنياء..
في مثل سنه وجيله المتراخي نحو الأجل ..من الطبيعي أن يفكر في التبرع للاجئين ..
ولكن تغيرت النية عندما احتلت الشهوة قلبه من خلال استغلال الفقر والجوع عند اللاجئين..هنا تجلّت وانحدرت شهوته باستغلاله التبرع وسيلة للجاه والمنصب وليقال متبرع سخي..ومن ناحية أخرى يريد الكاتب وضع الثروة في محل انحطاط الأخلاق..وانزياح عن وقاره وشرفه ..وكيف للمال يفرض سلطانه على النفس الطماعة بالسوء والرذيلة..
وهنا يأتي المال فتنة لصاحبه يغويه ويستغله في منافع ذاته وإشباع رغباته..
وفي هذا المقال قال تعالى :
" إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" (15) من سورة التغابن..
الله سبحانه في هذه الآية قدّم فتنة المال على فتنة الأولاد لأنها أشد وأقرب للفتنة..
سبحان الله كيف يحذرنا الله ونتجاهل عبره ومنهاجه..
لذلك حين جمع ثروته ..فتح الشيطان أبوابه ليغويه ويزيحه عن طريق الحق..
فلا صلحت نيته نحو الصدقة للاجئين..ولا صلحت نحو شهوته فلم يلجمها عن أبوابها ..
لقول الكاتب:

( وفي قلبه المتصابي صورة صبية جائعة)

إذ كان الشيطان يسيطر على قلبه المتصابي ليفعل فعلته الدنيئة...
.
الكاتب الأديب الراقي المبدع
أ.ناظم العربي
قدمت لنا لوحة تحمل من المعاني والعبر والمواعظ لمن يريد الاعتبار ..لتكون درساً لأصحاب النفط الذين يملكون قلوب الشعوب الضعيفة الفقيرة..وهذا كناية عن واقع من يملكون النفط وذخائره ويلعبون في قلوب الأمة ببيع شرفها وأراضيها مع بيع ضمائرهم وكرامتهم..إسقاط مؤلم لواقع يحمل مأساة الكبار ممن يملكون الثروات ويستغلونها فيما يبغض الله وفيما يحرمه الله بعيدا عن الأخلاق والدين..
قصة قصيرة لها تأويلات عدة ..حملت عبرا كثيرة وقيماً عديدة تدل على براعة الكاتب وقدرته على صياغة وتراكيب حرفه المتين في بضع حروف حملت الكثير من السحر والجمال...
دام الجمال والتألق في بستانكم المزهر
وفقكم الله لنوره ورضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 11:22 PM رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : أريجٰ الهجرة
النّاص : صبري الصبري
القراءة : جهاد بدران
.......................

النّص :

عام أتى بالخير والبركاتِ
بأريج هجرة سيد الساداتِ

خير الأنام المصطفى نور الهدى
مبعوث رب العرش ذي النفحاتِ

عام جديد في مسيرة عمرنا
بتفضل من واهب الأوقاتِ

ندعوه دوما أن تكون حياتنا
مملوءة بذخائر الطاعاتِ

وجوامع الأذكار والخير الذي
ينمو نموا يانع الروضاتِ

ومكارم الأخلاق نهنى بالتقى
والبر والزكوات والصلواتِ

ومحبة الهادي البشير المجتبى
حبا صدوقا راسخا بثباتِ

بعبير هجرته نسائمُ بهجة
وسعادة معلومة الغاياتِ

بمناسبات الذكريات تتابعت
بضيائها بتلهف الخلجاتِ

تروي لنا ما كان من أخباره
وجهاده في الله بالغزواتِ

ميلاده إسراؤه معراجه
وبيان هجرة (أحمد) الخيراتِ

كانت قريشٌ قد أفاضت شرها
يجري بظلم دامس الظلماتِ

تأبى الضياء الحق هلَّ بشرعة
لله ذي الآلاء والآياتِ

وطغت بأصنام الهوى طغيانها
وجثت بوحل الكفر والسوءاتِ

ظنت رسول الله دون حماية
من ربه المعبود ذي الرحماتِ

ضل الذين تعبدوا أوثانهم
جهرا وسرا في ضلال بغاةِ

إبليس زَيَّن للئام وسيلة
لحصار (أحمد) من جميع جهاتِ

بفراشه نام الشجاع بعزمه
فاشخص (عليَّ) البأس والصولاتِ

أدَّى الأمانات التي كانت لدى
خير البرايا صادق النيَّاتِ

وحبيبنا المختار يخرج آمنا
يمضي لغار واثق الخطواتِ

والكافرون المعتدون بإثره
يبغون بغي الشر بالحسراتِ

وقفوا أمام الغار حيَّر فكرهم
عش الحمامة واهن المشكاةِ

والعنكبوت أمامه في بيته
بين الخيوط بواثق النظراتِ

وحبيبنا طه يطمئن صاحبا
ببلوغ أمنا وارفا بنجاةِ

ما ظنك اثنين الإله المرتجى
ثالثهما في تلكمُ الحالاتِ ؟!

وإليك طيبةُ سار (أحمد) ثابتا
وصديقه الصديق باللفتاتِ

يخشى على خير الأنام المجتبى
مما يكون بشاسع الساحاتِ

و(سراقة ) لما أراد ثراءه
تبع الحبيب بمكر فكر عاتي

فاختل في جوف الرمال مجندلا
يجني بوار الذل بالخيباتِ

وبوعد طه نال أثمن منحة
بكنوز (كسرى) في زمان آتِ

حاز ابنُ (مالك) مستطابا ناصعا
فيه ابنُ (جعشم) في سرور حياةِ

ومضى الحبيب (محمد) بطريقه
نحو المدينة في أجَل سماتِ

وصفته وصفا متقنا بفصاحة
وبلاغة ممشوقةُ الكلماتِ

ببيان (عاتكة) الجميل جواهرٌ
من (أم معبد) في جليل صفاتِ

والشاة لما أُقْعِدَتْ بهزالها
عادت تدر غزارة المسقاةِ

بركات طه أزهرت أزهارها
بربيعها في أسعد الخيماتِ

أهل المدينة بابتهاج قلوبهم
صدحوا بحب أعذب الأبياتِ

يا هجرة المحمود أنت منارنا
للخير والنفحات والبركاتِ

للعز والأمجاد أنت مسارنا
للمنجزات على مدى السنواتِ

فاجعل لأمة (أحمد) يا ربنا
نصرا مبينا خافق الراياتِ

وارحم لنا أمواتنا يا بارئي
بنعيم خلد مواهب الجناتِ

صلى الإله على النبي وآله
ما الطيب صاحب رقة النسماتِ !


القراءة :

أريج الهجرة...
عنوان يفوح عطراً لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام..
عنوان جلب ذلك الأريج من هجرته عليه السلام وما حملت في طياتها من دروس وعبر جاءت تحاكي هذا العصر وما آلت إليه المآسي ونزفت من أذياله الحسرات والوجع..
حروف لخصت تلك الذكرى وتلك الحادثة لتكون لنا مدرسة في التخطيط وبرمجة حياتنا لما فيه رضى الله..لنزداد إيماناً وقوة في العقيدة وتمسكاً بشريعة الله...
نفحات الهجرة مدرسة كاملة متكاملة ..نحتاج أن ندرسها ونتدارسها على الصعيد الإجتماعي والأمة بأكملها ..لما فيها من نفحات وهالات نور تبعث الضياء وتزيد الوعي لما يتخللها من وعي فكري ويمدنا بذخيرة لخارطة التحدي في وجه الظلم وأباطرة الكفر ...
دروس وعبر وحكم تجلت في هذه الهجرة التي أفادت أمتنا بالأساليب والطرق والكيفية في مواجهة عمالقة الكفر وتحديهم بطريقة ترضي الله.. لا بطريقة القتل العمياء وتمزيق هذه الأمة ونهش لحم أبنائها فيما بينهم كما أراده وخطط له غرب نفض العرب من فكره ويديه وأشغلهم بأنفسهم...
من الهجرة نهاجر المعاصي والذنوب ونفرّ بدين الله لنحفظه ونكون أمناء عليه برسالة حملناها يوم أن كلفنا الله بها كأمانة ثقيلة ندافع عنها بالروح والنفس لإعلاء كلمة الله وكلمة الذين كفروا هي السفلى...
الهجرة وعي وفكر مجدد لكل عصر ..ودلالاتها تصلح لكل عصر.. ونجد النفحات الإلهية تصاحبها لكل من اتخذها دليلاً لإعمار بيته وبلاده وأمته...
الهجرة ثقافة العصر للواعين لأهميتها ..وهي ليست كأي حدث مرّ عليه الزمن وعاث عليه الغبار..
إنما هي تصلح لكل مكان وزمان قياساً مع التطورات والتغييرات التي تحاكي كل عصر...
لتكن الهجرة متأصلة في أرواحنا ودافع لتغيير أوضاع أمتنا ..لنهجر القتل بين بعضنا ونتلاحم ضد المتآمرين علينا..لنهجر أماكن الكفر ونفرّ لأركان العبادة التي تربطنا تحت لواء واحد تحت شريعة الله والعمل بمنهاج السماء...
لنكون وحدة واحدة نتعاضد ونتكاتف ضد أخطبوط الكفر لندحر ظلمه بتقوى الله...وما الهجرة إلا منفذاً لتحقيق الأمن والعدل والأمان على الأرض التي سخرها الله لنا لنجعلها جنته على الأرض لا أن نروي دماء بعضنا فيها...
الهجرة تمنحنا الفكر التربوي لتحقيق الأهداف التربوية وترسيخها في جيل غابت عنه دروب الله ومخافته والخشية منه...أهداف تهتم بإخراج الفرد المسلم ليقوم بالعمل الصالح الذي يتفاعل فيه مع عناصر البيئة التي يحياها بين أنظمة الكفر وكثرة المذاهب التي انزاحت عن الحق وعملت وفق أهدافها الدنيئة ومصالحها الذاتية بما يتلاءم مع مطامعها وكراسيها الفانية...

الشاعر المبدع الكبير
أ.صبري الصبري
كم لحرفكم عبق تعطر من أريج الهجرة فانسابت حروفه برداً وسلاماً في النفوس والعقول والقلوب ومتعتنا بجمال سبكها وبلاغتها وصورها الشعرية النفيسة التي نزلت بلسماً للفكر وفتحت آفاقاً متعددة للخيال سبحنا عبرها في ظلال وارفتكم النفيسة ولوحتكم البديعة هذه..
جعلها الله لكم ذخراً يوم الحساب وجعلها وقاية لكم يوم العرض على رب العباد..
شكراً وجزاكم الله كل الخير على هذه اللوحة النفيسة
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه وزادكم نوراً وعلماً وخيراً كثيراً
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 02-09-2020, 11:34 PM رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : مرتفعات الجولان
النّاص : صبري الصبري
القراءة : جهاد بدران
......................

النّص :

مرتفعات الجولان

هل (الجولان) قد أضحى مشاعا
لمن رام اقتساما واقتطاعا؟!

(ترامبٍ) ظنها نهبا وسلبا
تحقق للصهاينة اتساعا

فأعطاها اليهود بصك منح
ووقع في بشاشته الرقاعا

حلالا آل (صهيون) عليكم
خذوها واسكنوا فيها االبقاعا

وكونوا في أعاليها ببأس
شديد إن تباريتم سراعا

ومدوا في نواحيها دروبا
أعدوا في بحيرتها الشراعا

فأنتم في علوكم بقدر
رفيع ينزع الأرض انتزاعا

ولايتنا بشرق قد بلغتم
بقوتكم وقوتنا ارتفاعا

بحبل الناس قد صرتم أماما
وخلفكمُ أعاديكم تباعا

وأمريكا حليفتكم بصدق
وأمكمُ خذوا منها الرضاعا

ولا تعطوا لغيركمُ اهتماما
كفيناكم بقوتنا الصداعا

قرارات توالت من عقود
تعرقل في مسيرتنا انتفاعا

فضموا أرضهم ضما سريعا
جهارا في نوادينا مذاعا

أمانيكم نحققها سويا
ونغتنم الأراضي والضياعا

فقد صاروا بتفتيت وقهر
سرى فيهم يعانون النزاعا

بشجب عارم قد لاح فيهم
وتنديد مهابتهم أضاعا

بقصعتنا لقيمات لدينا
وقد نظروا بعجزهم الجياعا

ضممنا قدسهم قبلا ومرت
قرارات وشيدنا القلاعا

فماذا كان من قوم نيام
أرادوا في المتاهات اجتماعا ؟!

و(بنيامين) في شوق لضم
لمرتفعات سوريَّا تباعا

فأعطيناه ميثاقا غليظا
وأتحفناه بالحب اليراعا

أمانيهم أمانينا بعشق
لـ(إسرائيل) تندفع اندفاعا

رويدا نجم أمريكا رويدا
ثرى (الجولان) يمتنع امتناعا

ويأبى في جسارته قيودا
فلن يبقى بناديكم مُباعا

أراضينا وقد راقت للص
ولص قسموا الدنيا مشاعا

(نتنياهو) (ترامب) في عماهم
لهم وهمٌ سرى فيهم وشاعا

شتاتكمُ تلاقى بائتلاف
هنا تلقون للحق انصياعا

ومهما كان من فخر وزهو
فإنكمُ ستجنون التياعا

لفيفا قد جُمِعتم حسب أمر
لرب العرش فارتقبوا اقتلاعا

لنا الرحمن بارينا نصيرا
بقدرته فلا نخشى الضياعا

أعدوا يا بني قومي رجالا
لصوت الحق قد وافوا استماعا

ليوم قادم لا ريب يأتي
وقد لاقت أعادينا انمياعا !

هي (الإسراء) سورتنا فاصغوا
لها تروي بمطلعها الصراعا !


القراءة :

يا لجمال ما نحته هذا القلم البارع من تجاويف حسية وطنية
لا يتقنها إلا بارع متمكن من تذويت الواقع على هيئة عزف شعري متقن التراكيب والبناء اللغوي الذي يشير على قدرة الشاعر في تحويل الواقع لمنظومة شعرية مترابطة بشكل سلس عميق يقتنص الأحداث ويذيبها في صور شعرية مبهرة..
قصيدة ألهبت الحس الوطني للمتلقي ..وأشعلت فيه روح المقاومة والدفاع عن أرض اغتصبت من قبل الطغاة وأهل الظلم..لتصبح كرة بين أيدي ملوثة اجتمعت في ضربها وتلقفها أخطبوط الغرب ترامب..وبتوقيع قلم تصبح الأراضي المغتصبة ملكهم..
أية قوانين هذه..وأية أحكام دولية توقع على ذلك..أليس هذا هو الاضطهاد الحقيقي والتلاعب بقادة العرب وكبارهم..أين هم من مما يجري ..هذا دليل على موت ضمائرهم وموت إنسانيتهم..أين صوتهم ..
هؤلاء لمزبلة التاريخ ذكراهم..لذلك على الشعوب التحرك وقد نفضت من أيديها تلك القادة الذين هم في الحروب نعامة..ومواقفهم مذلة لاسم العرب..بئس على هؤلاء الحكام التي انتُزعت منهم الغيرة والحمية..وقد جُبلوا من ماء الخديعة والمكر والضعف..وقد ترعرعوا في بيت التبعية في حضن الغرب والصهاينة..
قصيدة عبّرت عن حالة مأساوية ومعاناة كبيرة تمر بها الأمة في أوسع حالات الضعف والذلة..
لن يعيد لهذه الأمة مجدها إلا بجيل يحمل كتاب الله في صدره ويمشي كمصاحف في الأرض..
ورضي الله عن عمر بن الخطاب حين قال: " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"...
وهذه خلاصة ما وصلت إليه أمتنا اليوم..وهذا هو دليل ضعفنا وذلنا..
.
.
الشاعر الراقي المبدع الذي يحمل من الحس الوطني والغيرة على أوضاع هذه الأمة النازفة ما لا يحصى قدره
أ.صبري الصبري
تبارك الله رب العالمين في قلمكم الثائر وحرفكم المناضل ورسالتكم العظيمة في تحويل قبلتها نحو الوطن والحق ورضا الله تعالى
أحسنتم في تدوير الحدث ليكون انطلاقة لإحياء النفوس والضمائر العربية لعلها تصحو ولا نراهن على قادتها..
قصيدة قالت الكثير في أهداف لتعزيز قيمة الأرض في النفوس لنضع الوطن تاجا على الرؤوس..
بوركتم شاعرنا الكبير وبورك قلمكم المحترف البارع
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم نوراً وعلماً وخيراً كثيراً
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 12:20 AM رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : إنّما شعري رساله
النّاص : محمد تمار
القراءة : جهاد بدران
.................

النّص :

إنّما شعري رساله ْ
قال لي صاحِ تعالَ..
إِِمدحِ الوالي بشيءٍ
من جميلِ الشعرِ
يُمطِرْكَ بصكٍّ أو حَوالهْ..
قلتُ عفواً..
ليس في الدّيوان ما يُرمَى
بصُندوقِ الزّبالهْ..
إنّما شِعري رسالهْ..
قال لي دَعنا من المدحِ
وصِفْ حَسْناءنَا تلكَ
مِنَ الرّأسِ الى الكشحِ
وأمنحْكَ الإمارهْ..
قلتُ عذراً..
أنا لا أستعملُ الشعرَ
لِترويجِ الدّعارهْ
إنّما شِعري طهارهْ..
قال صفْ لي هذهِ الأنهارَ
والغابَ الجميلهْ..
وخَريرَ الماءِ
بين الصّخرِ والزّهرِ***
وأسْوارِ الخميلهْ..
أم هي الأخرَى جريمهْ..
قلتُ كلاّ..
إنّما تُشغلنِي عنهَا جرَاحاتٌ أليمهْ..

القراءة :

إنما شعري رسالة...
يا لهذه الرسالة العظيمة التي منحتنا التأمل بين جوانبها الصادقة..وبين زواياها المنفرجة.. وأكرمتنا بمعانيها الساحرة..وأعادت لنا بوصلة التوجه نحو المسار الصحيح ونفحاته العبقة..والتي أدت بنا أن نهبط من الكبرياء هبوطا اضطراريا لنعانق رسالة حرفنا ورسالة وجودنا لإكمال منهج حياتنا وفق سمو النوايا وعفة القضايا...
الشاعر هنا استحضر لنا من عالم مضى لعالم اليوم ليجمع بالمقارنة بين أهداف كل رسالة ونمط الفكر فيها ليحيي فينا تلك الروح النقية التقية التي تضع الخشية من الله نصب أعيننا ..فلا نقع فريسة الملذات وشهوات النفس تاركين الأمة بجراحها تنزف..ونلهو عن قدسيتها ومناداتها التي تتطلب التضحية بكل شيء ..من قلم وعلم وعمل..
وقصيدة الشاعر هنا كانت مثالا للرسالة الصادقة والهدف النبيل..
فقد عرضها بطريقة ذكية متغيرة في الأسلوب والبناء والتراكيب..عدا عن جمالية النسق الإبداعي الذي جاء بطريقة ملفتة للنظر..مما أدت لشد المتلقي بالوقوف بين جماليتها وبين ظلالها الوارفة..وهذا النوع من التغيير في طريقة العرض هو مدعاة للتأمل ومجلبة للتدبر والغوص بين أركانها والبحث عن جذورها العنيقة لقطف ثمار هذا النسج على طبق الأمانة الأدبية والرسالة الأدبية التي هي من المفروض أن تكون قد نقشت على صفحة كل حرف وفيةكل صدر وعلى جبين كل من يتنفس الأدب عشقا وحبا للأهداف النبيلة..
وهذه القصيدة تعتبر عملية كشف لسوءة الواقع وتعريته من الحقيقة التي يلامسها ..
فمن التاريخ الماضي استحضر الشاعر الحياة وطرق التعامل مع الشعر والغزل والأوصاف التي كانت تبذل بها الأموال وتدفع لمن يقدم الغزل على طبق المداعبة والتلذذ بجسد المرأة أوصافا تعريها من العفة والكل يمضغ بخلاياها.. يجتمعون عليها طربا في مجالسهم .. وللهو في أشعارهم..
وهذا ينعكس على واقعنا اليوم والتمسك بالتفاهات والصغائر من الأمور ويجتمعون عليها.ويتشاورون ويهدرون لها من الوقت الكثير...والكبائر على الرف بلا علاج وبلا تضميد..وهذه الصور التي يتطرق لها الشاعر هي صور الواقع المر ولكن باختلاف الصور والقصد..والنوايا التي انغمست بسواد الليل..
الشاعر هنا يمثل ذلك الشعب النزيه النظيف والإنسان الإنسان الذي يحمل معاني الإنسانية من ناحية والخوف من ربه والعقيدة من ناخية أخرى ..ويعرض رفضه للتلاعب بما حرم الله ويشغل نفسه وهمه الأكبر بما هو أكبر وهو نزف هذه الأمة وجراحها المؤلمة.. بقوله:

كيف تحيَا أمّتي دونَ الورَى
كلمَى ذليلهْ..
تحتسِي الموتَ
وتجترُّ الهزيمهْ..
ثمّ ترجُو المدحَ منّي..
كيف يَجتاحُ حِمَى القدسِ
زنيمٌ شبَّ في حِضنِ الرّذيلهْ..
يزدَرِي المرأةَ والبنتَ
ويُردِي طفلهَا ثمَّ قتيلاَ..
ثمّ ترجُو الوصفَ منّي..
لعنةُ اللهِ على الشّعرِ
إذا لمْ يُلبسِ الأمّةَ أثوابَ الفضيلهْ..
صور فنية ولوحات جمالية غاية في الإبداع إذ عمقها ونظمها ينحت القلب وجعا على أمتنا المكلومة..
استطاع الشاعر بحرفيته وقدراته الفذة أن يدمج صورا متعددة من مجتمعات مختلفة لخدمة المعالجة ..وليلفت القلوب إلى حمل الأمانة ورسالة السماء لنراعيها بالتضحية وايقاظ الضمير للعمل بشكل جماعي على إعادة ماء وجه هذة الأمة التي يعلو صراخها كل يوم لتضميدها وإنقاذها من أنياب قادتها وكبرائها ..وهي تتمرغ بين الدماء البريئة وبين الهدم والقصف والشعب بيد واحدة والأخرى مبتورة... والقدس بين أنياب الطغاة يدنسون أرضها ويستبيحون حرمتها..
تعددت الصور الجميلة المتقنة الثائرة على واقع تلطخ بالدم وانتقل عدوى بين المجتمعات المختلفة...
تشريح للواقع من ريشة فنان يرسم للجرح نوافذه ويفتح للحزن أبوابه..
ويختم الشاعر العبر والمواعظ والحكم والتوجيهات الاي يجب أن يحملها كل شاعر وكل إنسان يعيش في الأمة..وما أجمل الصور هذه التي تتفلت من بين أنامل هذا القلم العملاق الصادق الغيور على أمتنا ويحمل في صدره هموم الوطن..
ويقول في آخر خريدته الباذخة الرائعة:
قال لي من بعدِ يأسٍ وعناءِ..
أيُّ بَحرٍ تؤثرُ النّظمَ عليهِ..
أيَّ نهجٍ رُمتَ بين الشّعراءِ..
قلتُ أعلنْ للورَى
في كلِّ أرضٍ
وعلى كلِّ سماءِ..
أنّني أوثرُ أن أحيا
قعيدَ البيتِ
مشلولاً..
على العيشِ كبعضِ النّاسِ
سلطاناً..
سليبَ الرّأيِ
منزوعَ الإباءِ..
أسْمِعِ الدّنيا جميعاً
أنّ لي قلباً كقلبِ اللّيثِ
لا يُطربُهُ بحرٌ
سوَى بَحر الدّماءِ..
طالمَا يُهتكُ عِرضِي..
وعدُوّي جاثمٌ يحتلُّ أرضي..
كيفَ أختارُ سبيلاً
غيرَ نهجِ الشّهداءِ..
هنا يقدم لنا مبادئه التي يقتنع بها ويؤمن بنزاهتها..بقصد توعية العربي وتفقيهه على مستوى التضحية لأجل أهداف سامية نبيلة لا بهدف دنيا نصيبها أو ملذات تنكبنا وتهوي بنا لسبعين خريفا من السقوط والإنحراف والفساد..
وهذه الأبيات الأخيرة تعرض شرائع الناس واختلاف مبادئهم المعاصرين اليوم..والذين هم مسلوبي الرأي وينجرون خلف المقاعد والكراسي وبعض الدراهم ..
يبيعون ضمائرهم ويغمرون رسالتهم الثقيلة في وحل العار الذي خلفوه من بيع كرامتهم وبلادهم ...
وهكذا يقدم لنا الشاعر لوحته الفنية هذه والوجع يعتصر القلب والألم يجلد الضمير والفكر..
لوحة تستخق أن نعلقها على جبين الأدب لجماليتها وبراعة الشاعر في جدل ضفائرها وقدرته على صياغتها بطريقة رائعة تدل على حذقه في صناعتها..لما تحوي على دلالات تشير لهذه الأمة المكلومة..
لقد جسد لنا الشاعر صورة الواقع بلغة مؤثرة جدا..توقظ العواطف بلغتها التصويرية..
واستطاع ربط الماضي بالحاضر وكشف عوراتهما على طبق الجرح النازف من هذه الأمة...
أستاذنا الكبير وشاعرنا المتألق أ.محمد تمار
شكرا لقلمكم الوارف الوارق ولإبداعكم اللا نهاية لجماله
وجزاكم الله كل الخير على قلم أنتم حاملوه بضمير رسالتكم وحياة حرفكم
نعتز بكم ونفخر ونتشرف بما تنثرون من ألق وعبق
لوحة تستحق التصفيق لها بلا حدود وتستحق أن نثبتها على جببن الأدب لجمالبتها ومعانيها النقية ولغتها القوية
وفقكم الله وأسعدكم وزادكم بسطة من العلم والأدب والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 12:37 AM رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : شهاده
النّاص : محمد تمار
القراءة : جهاد بدران
...................


النّص :

سألتني في حياءٍ وارتباكْ..
ما الذي منّا سباكْ ؟؟
أحديثٌ دسّهُ الواشونَ..
أم لحظُ غزالٍ خلسةً منّا رماكْ ؟؟!!
قلتُ مهلًا
لا تُسيئي الظنَّ بي..
لو عادَ قلبي للهوى يومًا
فلن أهوَى سواكْ..
أنا يا عَاذلتي
أخمدتُ نارَ الحبِّ في صَدري
وأوقدتُ مصَابيح العبادَه..
ليس في قلبي مكانٌ
لهوَى أيّةِ حسناءٍ وغادَه..
غيرَ حسناءِ الشهادَه..


القراءة :


ما أرقى هذه الروح التي تُعِد لنفسها أعلى منازل العبادة..ومستقرها جنة عرضها السموات والأرض..
بحنكة الشاعر وذكائه استطاع أن يرسم لنا معالم الشهادة ونيل رضى الله تعالى بمقارنة بين طريقين ..طريق الدنيا وأهواءها وما فيها من لذات وهوى وشهوات تُبقينا في عنق الأرض لا نعلو منزلة ولا مكانة عند الله..وطريق الآخرة الدار البقاء..الذي يبقى حظه في السماء وبين الأنوار الرحمانية..
فالشاعر هنا من ذكائه وحسن توظيف حرفه..استطاع أن يضع إصبع حرفه على مواطن الضعف عند الإنسان وهو الهوى واتباع الشهوات بما يغضب الله..لأن اتباع الهوى يلصق الإنسان بالشهوات ويمنعه من دخول الله لقلبه ..لأن الشهادة في سبيل الله أعظم منزلة عند الله..ومعناها تخليص الذات من أي هوى أو حب دنيوي وتجريده من أية نية أخرى غير رضى الله ..فاندفاع النفس نحو تسليم الروح والجسد فقط لله هي ليست بالمهمة السهلة ..وليست عقد النية شيئا هينا..لأن تحرير النية يتطلب جهدا عظيما حتى تتركز في نية خالصة لوجه الله..لأن انزياح النية عن مصدرها الرباني يبطلها ويقلل من منزلتها..
الشاعر هنا أعطانا السبيل الصحيح للوصول لدرجة الشهادة وهي تخليص القلب من شوائب الدنيا وما يعلق فيه من علق الشهوات ..
بوركت شاعرنا الكبير المبدع وأستاذنا الراقي بحرفه
أ.محمد تمار
على هذه التحفة الفنية والعبر المختزنة بين ضلوعها..وما بعثتم في الروح من محاسبة الذات والوقوف على مواطنها المختلفة لتقويمها وتصحيح مسارها..
جزاكم الله كل الخير وجعلها منارة في صفحاتكم عند الله تعالى
دمتم والنقاء والصدق والنور يضيء المكان ودام عطر قلمكم ينثر الفينيق جلالا وجمالاً وقوة برائحته العبقة..
وفقكم الله وزادكم علماً ونوراً وخيراً كثيراً
ودعاءنا لكم بالصحة والعافية
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 12:53 AM رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : سَألونِي مَا السِّيَاسَه
النّاص : محمد تمار
القراءة : جهاد بدران
........................


النّص :

سَألونِي مَا السِّيَاسَه
قُلتُ حَسنَاءٌ تُصَلِّي بِوضُوءٍ
في الطُّفُولَه
ثُمَّ تَعتَاضُ عَنِ المَاءِ
بِرَملٍ في الكُهُولَه
فَإِذَا شَاخَتْ
بَنتْ مِحرَابَهَا فَوقَ النَّجَاسَه


القراءة :

سألوني ما السياسة...
عنوان حكيم جدا ممتليء بأفكار ودلالات متعددة تسقط على واقع قد تبعثرت فيه المفاهيم
واكتظ الفساد وزادت الفتنة..
قكلمة .." سألوني " تدل على حيادية الكاتب منها لأنه خبير بتجاويفها ويحمل منها دروع الفقه
في تأويلها وإظهار خصالها ووصفها بدقة... وقيمة السؤال تأتي ممن لا يدرك بعد معانيها أو أنه قد وقع وانغمس في وحلها ويريد المعرفة عنها بالسؤال...وهذه التسمية لهذا العنوان ..تدل على قدرة الكاتب في اختيار ألفاظه بدقة ليترك المتلقي في وضعية البحث والإسترشاد بالآخرين ... وهنا تكمن قوة الومضة في جلب الفكر والإنغماس بين جدرانها وأوراقها الوارفة...
نأتي لعملية الوصف البارعة المتقنة والتي جسدها على هيئة حسناء تجذب إليها كل عين وتهفو إليها الأجساد بالتلذذ بمحاسنها..
عملية التشبيه لها بحسناء تصلي بوضوء... لجمالها ومبادئها واغتسالها من البشر ..والصلاة إنما جاءت لتنهى عن الفحشاء والمنكر.. وتصلي بوضوء ..بمعنى السياسة الحقة العادلة النقية التي تمارس عملها بنزاهة بدون خيانة للضمير وتلويث للأيدي بسفك الدماء.. هذه السياسة تكون عند ولادتها غضة جميلة تزرع أهدافها ومقاصدها على الأرض التي تؤكد حصدها فيها حتى تنمو وتتجذر مخالبها وتكبر أنيابها بعد أن توفر طاقات كثيرة حولها ..لتبدأ بحصد نواياها الخبيثة لتجتث رؤوس الفكر المنير وتغسله بأفكار مميتة للحق والعدل بماء الغرب والتصهين بالأفكار المسمومة ونشر غسيلها العام على الجميع لوأد الأمة التي تسمى عربية وإسلامية...
ثُمَّ تَعتَاضُ عَنِ المَاءِ
بِرَملٍ في الكُهُولَه
فَإِذَا شَاخَتْ
بَنتْ مِحرَابَهَا فَوقَ النَّجَاسَه
وبعد أن يشتد عودها وتكبر أنيابها تغير من مبادئها بالإغتسال بالرمل عوضا عن الماء الطاهر ليكون المصير
التلوث والنجاسة في أنظمتها وقوانينها والتلاعب بالقذارة مع من يتداول جداولها...
فبئس للسياسة هذه التي لا سياسة اليوم نزيهة وقد خلت من الضمير واحتقنت بالوحل والقذارة..
أي سياسة تحمل النقاء وتبعث على الطمأنينة والأمن والأمان والعدل..وقد خلت من الإنسانية ..وتجردت من شريعة الله..
لا سياسة تساوي عدلا في أيامنا هذه..بعد أن غابت عنها شمس السماء ..
الشاعر الكبير والأديب المبدع الرائع محمد تمار
لهذه الومضة جمالية متقنة وأبعاد متنوعة وأوصاف ساحرة بلغة عذبة..تناسلت من أطرافها العبر والحكم وقدمت مدرسة تعليمية لكيفية غرس الجمال في منابته السليمة ونظم الحروف في سلسلة متعاقبة السحر والذهول..
ومضة قوية البناء حكيمة الغرسحاكت واقعا مهزوما من سياسة العماء التي تسود وتحكم الأرض برمتها..
شكرا لهذا الحرف المبدع الجميل.. وجزاكم الله كل الخير لقلم يرسم حدود قلمه بإتقان..
.

.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 01:00 AM رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : نشيد الكائنات.
النّاص : محمد تمار
القراءة : جهاد بدران
.........................


النّص :

نشيد الكائنات...

تعلّمْ منَ النّسرِ حُبَّ الجبالِ
ومنْ مِخلبِ اللّيثِ حُبَّ الظّفرْ
ومنْ مَكمَنِ الفَهدِ فنَّ القِتالِ
ومنْ خِفّةِ الطيرِ دَفعَ الخَطرْ
وحطّم بعَزمِك صخرَ المُحالِ
فرُبَّ طَموحٍ ثناهُ الخَورْ
وعانِقْ إباءكَ إن شئتَ عزّاً
فمَا سادَ مَنْ للإباءِ افتَقرْ
وأنجِزْ وُعودكَ لاَ تخلِفنْهاَ
فمَا أبعدَ الأمنَ عمّنْ غَدرْ
وإمّا تخافنَّ نفثَ لئيمٍ
دسائسَهُ فتوَخَّ الحَذرْ
ولا يخدَعنّكَ حُسنُ الثناءِ
فأهلُ المَديحِ نِفاقاً كُثرْ
وإنْ سَامكَ الدّهرُ سُوءَ العذابِ
وَمسّك منهُ لهيبُ الشّررْ
فصَبراً جميلاً فمَا النّائباتُ
سِوَى منْ لطائفِ حُكمِ القدرْ
ومَا لمْ يدنّسْكَ خُلْقٌ ذميمٌ
فبعضُ الطّباعِ إذاً مُغتفرْ
فعوّدْ لسانكَ صِدقَ الحديثِ
فكمْ جلبَ الشرَّ نقلُ الخبرْ
وعلِّم فُؤادكَ حُبَّ الجمالِ
فمنْ أنكرَ الحُسنَ عابَ القمرْ
وآلِفْ منَ العَيشِ إِقْلالهُ
فكمْ طابَ عيشٌ وولّى الدّبُرْ
ولا تحْرصنَّ على رغْدهِ
فمَا لرَفاهٍ بهِ مُستقَرْ
وثِقْ بالذي فَطرَ الكائناتِ
وقدّرَ أقواتَها والسِّيرْ
فمَنْ سَكنتهُ هُمومُ الحياةِ
بنَى بيتهُ في مُحيطِ القذَرْ
ومنْ عاشَ يُؤثِرُ دُنيَا الفنَاءِ
ثوَى بمزَابِلهَا واندَثرْ
فقلّلْ منَ الحِرصِ واقنعْ بمَا
حَباكَ من الرّزقِ ربُّ البشرْ
وصلِّ لربّك في ذلّةٍ
وسلهُ الرِّضَا في سُكونِ السّحرْ
فمنْ رامَ وَكرَ الخنَا والفسادِ
قَلتْهُ مَعانِي الفِدَا والفِكرْ
ومنْ جفَّ مَنبعُ إيمانهِ
قضَى حرَقًا في جحيمِ الضّجرْ


القراءة :

قصيدة عميقة الفكر كثيرة الحكم مثقلة بالفهم والإدراك لعالم يحمل المتناقضات ..
قصيدة حوت بين طياتها مواعظ لهذا الإنسان الذي أصبح عنوان الفساد على هذه الأرض.. وعليه أن يتعلم كيف يسير وفق منهاج قويم وبناء متين
ليعمر الأرض ويخلفها في حكمة ودراية باستخدام عناصر الفكر المتزن ويمسك بتلابيب الإنحراف عن مسار الحق..
قصيدة .. نشيد الكائنات.. بدأها الشاعر بكلمة تعلّم..فعل مضمونه الأمر والحث على قطف ثمار العلم..وختمها بكلمة الضجر.. والربط بين الكلمتين هو خلاصة ما أراده الشاعر من إيحاءات لمضمون القصيدة..
فكلما أمسكنا بأبواب التعلم والعلم والمعرفة كلما ابتعدنا عن سبل الضجر والملل والغواية والفساد .. ونحن أمة إقرأ.. تلك الكلمة .. إقرأ.. كانت الرابط الأساسي للأرض ومن عليها بالسماء..وكلما استقينا من جداول المعرفة والعلم كلما وأدنا منافذ الجهل.. وهذه الخلاصة للوصول للهدف المبتغى من وراء هذه الحكم التي غرست في ظل هذه الألحان المستقاة التي نقشتها ريشة هذا الفنان المبدع من وحي العلم والتعلم لقذف جذور الضجر والملل وكسر عنق الظلم الذي يتناسل من بوتقة هذا الجهل البغيض.. دون النيل من الإكتشاف والإستكشاف لعالم هذا الكون وما يحمل من أسرار وما زلنا لا نفقه منها الكثير..
قصيدة تغلفت بأنسجة إبداعية يضيؤها نور الإيمان والعقيدة.. ومن قول الشاعر:
ومنْ جفَّ مَنبعُ إيمانهِ
قضَى حرَقًا في جحيمِ الضّجرْ
لأن حلاوة الطاعة في محراب الله.. وحلاوة الإيمان في القلب لهي كفيلة أن تنير الدرب والفكر وتمحو غياهب الظلام من نسيج العقل ..
فالعلم نور والله نور السموات والأرض..
فأي علم أعظم من ذلك العلم الذي يوجههنا الله إليه في التفكر والتدبر والخشوع والتذلل إليه..
وكلما ازداد التفكر في آلاء الله وما خلق في الكون " وفي أنفسكم أفلا تبصرون"
كلما ارتقى الفكر وأنار طرق التوجه والتدبر في هذه الحياة وسدّ سبل التخبط والعشوائية والتبعية العمياء..
لنفتح خزائن العلم من محراب الله ولتكن تقوى القلوب من تقوى الله..
........
شاعرنا الكبير المبدع
أ.محمد تمار
لقد نقشت خيوط الإبداع على لوحة الأدب الراقي لتكون قصيدتكم منبع التعلم والحكم والعبر المكتنزة بالكثير من الفكر والعلم الراقي.. كل بيت من هذه القصيدة نستطيع أن نفرد لها صفحات وارقة من العلم والنضوج الفكري الذي نحتاجه في عصر عادت له الجاهلية الأولى ولكن بلباس جديد منمق..
بورك بكم وبقلمكم الباذخ وحرفكم المدرار بالفكر والعلم والأدب..
وفقكم الله وأسعدكم لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 01:14 AM رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : حرّية
النّاص : خالد يوسف أبو طماعة
القراءة : جهاد بدران
..................

النّص :

أوقفوه على الحدود

وبعد طول انتظار...

قالوا له...

اخلع جناحيك وتفضل بالدخول!


القراءة :

حرية...

يا لروعة هذه الومضة المتقنة في رمزيتها ودلالاتها التي تسقط على واقع العربي المسلوب من حقوقه الأساسية ومن حريته في أرضه التي ولد فيها...
ومضة نُسجت بماء الوجع ..وتخضبت حروفها بالقهر والقيد..
أدركنا من خلالها تلك الأبعاد الثاقبة التي يشير إليها الكاتب تحت ظل العبودية والذل..وفتحت مدارك الخيال للمتلقي أن ينسج لنفسه سربال الوجع ويعيد للذاكرة وحل الإحتلال وعتمة الظلم الذي نتوارثه جيلاً بعد جيل...
ومضة جعلتنا ندخل لذواتنا ونتحقق من ماضي هو حاضرنا المؤبد...
الومضة صيغت بلغة يعيش تحتها ألف قصة وألف ذاكرة وألف لون من العذاب والحزن..
لمجرد الإبحار في عنوانها جعلنا في حلم آسر لنفحاتها وحلم ربما نحققه وربما نكتب به وصية لأبنائنا بالأخذ بها..ألا وهي الحرية
تلك المعزوفة والأنشودة التي ننسجها عبر ألسنتنا وندرّب أبنائنا على نفحاتها لعلها تتحقق يوماً ما..وأنّى لنا ذلك؟؟
من خلال عنوان ( حرية) خاصة وأنها قد خلعت ثوب أل التعريف..يعني أنها أصبحت متعددة المجالات..وتخطت حدود النوعية لوجه واحد..وجودها نكرة تعني أنها عامة وليست خاصة تخص فئة معينة أو نوع واحد منها..بل تعدت حرية الذات وحرية الوطن وحرية المجتمع..وأخذت تطرق أذيال الهزيمة بمحو معالمها وانعدام الحس بتواجدها..
فالحرية كانت أساساً متيناً..لها معناها الحقيقي حين خرج الإنسان في زمن رسالة الإسلام
من عبادة الأوثان والأفراد إلى عبادة الله الواحد الجبار..
لذا فالحرية من فم قلم الكاتب تعني التخلص من عبودية الطواغيت البشرية وفك قيودها ..لتستقيم لعبودية الله وحده..
في مثل هذه الحرية التي تجمع كل المعاني النزيهة من حرية العقيدة وحرية التفكير والرأي والحرية السياسية والحرية الدينية..
عن طريق العقل الذي هو بؤرة الوصول للإيمان..لبناء مجتمع إنساني سليم..
لا عن طريق الأهواء ونزعات النفس العوجاء..
وعن طريق التبعية والطائفية...
حرية بمعناها الصحيح الذي يثمر الوصول لرضى الله وتحقيق بناء الأمة من جديد...
...
يبدأ الكاتب ومضته المدهشة المتقنة نسجاً وتعبيراً وعمقاً..بقوله:

أوقفوه على الحدود

وبعد طول انتظار...

هنا عملية الوقوف على الحدود..تعني وصوله لحدود بلاده من سفر ويريد الدخول إلى وطنه..والذي يدل على أنه وطنه الأصلي بقول الكاتب كلمة( الحدود) بأل التعريف..والتي كان لها الدور في تحديد ملكيته لوطنه الأم..فلو كانت نكرة لاعتبرنا وجوده في بلاد غير معروفة له ولنا...
وعملية إيقافه تعني أن هناك غرباء واحتلال نزعوا من الوطن قدسيته وخلعوا منه أبواب الأمن والأمان ليتحكموا بمصير أهله وأفراده الأصليين..فالإيقاف تعني عملية التعذيب والممطالة والإهانة والإذلال لشعب تركوا بلادهم للمحتل واغتربوا وقد أضاعوا مفتاح وطنهم وفقدوا هويته..
لذلك أصبحوا في ذل وانكسار..واستبدال المواطن الأصلي بالمواطن المغتصب للأرض وقدسيتها...
وبعد طول انتظار ..ماذا يتمخض من مرحلة التعذيب هذه إلا إهانة أعظم وهي قص جناحيه بعدم التحليق في الوطن وعدم استرداد حريته..بقول الكاتب:

قالوا له...

اخلع جناحيك وتفضل بالدخول!

( اخلع).. فعل أمر..وهذا فعل مقصود من الكاتب..لأن المحتل فقط عليه إلقاء الأوامر دون وجه حق في الديموقراطية وتحت نصل الإهانة والذل..
وما نريد من محتل اغتصب طهر الأرض وبات عرياناً من ثراها وقد خلعت أثوابها للغرباء...
فعل الأمر..اخلع..إنما جاء ليظهر قسوة وسياط المحتل حين تنتزع منه معالم حرية الفرد وتنتهك حرماته..
عملية الأمر والإجبار والضغط..هي عملية توضيحية لأساليب المحتل التي يمارسها مع أبناء الوطن الأصليين..
اخلع جناحيك...
الجناحين إنما هما تعبير يدل على الكثير من الدلالات والمفاهيم وما يحمل من رموز الحرية والتعبير عن الرأي والتفكير وممارسة حقهم الوطني بكل حرية ..
الجناحين ..هما الحرية بكل أنواعها مع ما تحمل من معالم الأمن والأمان..
ولكن أن ينتزعها المحتل ..فهذا يعني كل معالم العبودية والقهر والظلم...

اخلع جناحيك وتفضل بالدخول!

بعد أن ينتزع المواطن الأصلي من حقوقه وحريته داخل وطنه فإنه يعيش معيشة الإذلال والوجع والظلم..
حينها يستقبلونه بلا رأي ولا تعبير ولا قيمة لوجوده على أرضه...
هذه الومضة تصلح لكل زمان ومكان يعيش فيه احتلال..ومكان قادة عرب وحكام وولاة أمر قد قامروا وشربوا نخب الخيانة وأصبحوا عملاء للغرباء..
فالومضة هذه ليست حكراً على محتل اغتصب الأرض..بل تمتد أذرعها لعرب قادوا أمتهم بالخيانة والولاء التام لأطماع الغرباء وشهواتهم التي نصّبوها على الكراسي والمصالح الدنيئة على حساب رقاب شعوبهم الفقراء...
.
.
الشاعر الكبير والكاتب الراقي المبدع
أ.خالد يوسف أبو طماعة
كتبتم ومضة حملت كل معالم الجمال في النسج والعمق لأبعادها التأويلية التي أتقن نسجها قلمكم المبدع ورسم حدودها مدادكم
الذي حمل الفكر الواعي الناضج ..
ومضة قالت الكثير وحملت بين أضلعها معالم وطنية مجروحة بلغة متينة حلقت معها القلوب والأفكار وسبح بين أجنحتها الخيال على أوسع مدى..
بورك مدادكم النقي وما أتقنتم من رسومات الوطن تحت سياط الألم...
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 01:18 AM رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : سجين
النّاص : خالد يوسف أبو طماعة
القراءة : جهاد بدران
.....................


النّص :


جلس في عربته وقد أزاح عن ظهره حملا ثقيلا،
نظر في المرآة، وهو يتحسس ملامح وجهه
لمح عارضا يستقبله، أيقن أنه مكبل في قيده!


القراءة :

ما أبهى هذا النسيج الذي يعكس خيال الكاتب وقدرته على بناء الفكرة بطريقة بارعة تمكننا من استحضار أدوات البحث والتنقيب على ما وراء الكلمات وما تحت السطور من معاني تفكك شيفرة النص بطريقة عميقة جداً..
من خلال العنوان/ سجين/ أدركنا أن السجن له أنواعا مختلفة وألواناً لا تتقيد بين الحديد..بل يجعلنا في سجن الذات ..وهذا أصعب حالاً من السجن الذي يقبع بين الجدران خلف القضبان..
سجن الذات لها نصل حاد وسكين يذبح النفس كلما حدق فاعلها في المرآة التي تذكره بنفسه وتعكس شياطين عمقه وما اقترفته يداه...
الومضة هذه لها تأويلات عدة في نماذج مختلفة من مجريات الحياة والحوادث التي يصنعها الإنسان خفية بحيث لا يدركها أحد إلا ذاته ..ليقع رهينتها كلما نظر لنفسه وتحسس بها من خلال النظر للمرآة..
وسجن النفس من أصعب أنواع العذاب للروح..لأن من يقترف مصيبة أو فاحشة أو جريمة أو إخفاء فواحشه عن الآخرين بالسر..لا بد وأن يبقى يحوم حول جريمته ويحرك فيه الضمير للتذكر بمواقع ما ارتكبه من شيء هو خارج عن الفعل الآمن والسليم..
لذلك عملية السجن للذات يبقى الإنسان في دائرتها يذوق مرارتها وتدوسه بالتأنيب ولو في الأحلام ..وهذه تنزع حالات الأمن والأمان مع نفسه ومع الواقع الذي يعيشه..
العنوان محكم البناء والإتقان مع المضمون الذي أراده الكاتب..وسنوضح ذلك من خلال البناء المنسوج في لب النص..
يقول الكاتب في بداية ومضته والتي تعتبر مقدمة للوصول لمعنى السجن الذاتي:

/جلس في عربته وقد أزاح عن ظهره حملا ثقيلا/

عملية الجلوس في عربته وقد أزاح عن ظهره ذلك الحمل الثقيل الذي يعانيه من فترة..يدل على أنه له فترة طويلة يعاني مع هذا الحمل ..وإلا لما انزاح ثقله عن كاهله..ويدل الحمل أيضاً على أنه كان بمكان ما خارج حدود عربته..أنهى ما عليه من تخفيف الحمل ليعود لعربته مطمئنا وهو لا يدري أن للجريمة مهما كان نوعها تبقى في النفس تؤنبها وتحرك المواجع فيها..

/ نظر في المرآة، وهو يتحسس ملامح وجهه/

عملية النظر في المرآة هي عملية انعكاسية لعمق الذات ..والوجه هنا كان تواجده في الومضة ببراعة مذهلة..لأن الوجه مركز الحواس وهو كاشف حالات الحواس من خوف واضطراب وحزن وفرح وغضب وحياء وغلظة النفس..
عملية النظر في المرآة والتحسس للوجه هو براعة محكمة من الكاتب لفك طلاسم وشيفرة الومضة بطريقة لا يتقنها إلا بارع مدهش..
إن أي عمل كان يتصرفه الإنسان خاصة إذا كان فيه مخالفة للنفس وللواقع
لا يكشف حقيقته إلا الذات في مركز الحواس الذي هو الوجه..وكثير من علماء النفس يميزون أنواع البشر من خلال قراءتهم للوجه وما يحدث فيه من تلوّن وخدوش نتيجة الحواس الداخلية والتي تظهر كالمرآة في الوجه..
ثم نأتي لعملية التحسس..وتدل على ارتكاب فعل مشين لا يريد ظهوره أمام الآخرين والذي به يستقبل من حوله..وذلك خوف انكشاف حقيقته ومعرفة ما ارتكبه..

/ لمح عارضا يستقبله، أيقن أنه مكبل في قيده!/

عملية اللمح تكون بسرعة فائقة يكون نتيجتها خوف واضطراب للذات..
العارض الذي يستقبله..هو ذلك الذي جعله سجين ذاته وأنه سيبقى رهينة هذا العارض الذي كشف أمره..وأنه سيكون فعلاً مقيداً طوال عمره..
عملية كشف حقيقته وكشف السر الذي يحمله يجعله رهينة هذا العارض ورهينة ضميره ونفسه..
.
.
أستاذنا الراقي المبدع الأديب والناقد الشاعر البارع
أ.خالد يوسف أبو طماعة
ما نسجته من حروف في هذه الومضة هو لوحة بارعة البناء عميقة المعاني لها دلالات عدة وتأويلات مفتوحة الخيال ..تدهش من يتعمق في سطورها وما تحت الكلمات من جمال..
وعي كامل بقيمة التراكيب البنائية للكلمة وتعبير دقيق للأفكار التي تغلفها مع الترابط المتين بين مفرداتها والعنوان المحكم التصوير
.
بورك مدادكم وحرفكم البارع
ووفقكم الله لنوره ورضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 01:22 AM رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : زهايمر أدبي
النّاص : خالد يوسف أبو طماعة
القراءة : جهاد بدران
..........................


النّص :


نفخته الإعجابات حتى صغر السرير
واستطال بالمديح حتى جاوز رأسه السقف
حمل جهازه وسار في الشوارع يبحث عن الأقزام
انتظروا شروق الشمس
ثم حملوه إلى دار العجزة.


القراءة :




ما أبلغ حجم ما حمل العنوان وما حوته الومضة من أبعاد عميقة ودلالات متجددة فيه نوع من التفرد في الصياغة والدمج بين العنوان ومداخله المتعددة وتجاويفه البليغة..
الكاتب جمع عنوان ومضته في كلمتين في داخل قالب يخص فئة معينة فقط..هم أهل الأدب..حصره في معالم الأدب وما طرأ عليه من تغييرات جعلته في محطة وقوف وتأمل بين دفات الأدب الزائف وتجاعيده التي أثّر فيه الزيف والخداع ..
كلمة زهايمر استعارها الكاتب لتكون العصا التي يضرب بها الكاتب عنق هؤلاء الذين يكبرون من نفخ الأقزام الذين لا يعون للمفهوم الأدبي الصحيح..
لم يكن يقصد بزهايمر المرض نفسه..وإنما بذكائه اخترق مفهومه ووظّفه في جيل متكامل يتماشى ويكبر زيفا من خلال التصفيق الكاذب..فالزهايمر الذي أراده الكاتب هو ذلك العقل والفكر المتقطع المشوش والذي لا يدرك ما يفعله..ينسى مكانته الأصلية وهو لا يدرك خطورة ما يفعله..والمهم عنده الاستطالة من تصفيق الآخر..ويصبح في تخبطاتٍ لا يعرف حدوده ولا يرتدع من عودة لعقله وفكره..
لذلك ومن خلال معالم مفهوم الزهايمر جاءت الإستعارة متقنة لأدباء يعملون بتقطيع أدبهم نتيجة جهلهم ونتيجة رفع الأقزام لهم..
يشوهون الأدب ويتخطّون ذلك بتناسيهم ما فعلوا في حق كسرهم لمبادى الأدب ومنهاجه السامي..
...
(نفخته الإعجابات حتى صغر السرير
واستطال بالمديح حتى جاوز رأسه السقف)

هذه الكلمات هي عملية تمهيد وشرح للوصول لذلك الزهايمر الأدبي والذي يفيض من خلال عدم إدراك الأديب (والذي يسمي نفسه أديب) ..بما يفعله من ترقيع للحروف وتمزيق لأواصر الأدب..أي لا يدرك خطورة ما يفعله في حق الأدب الحقيقي وقواعده المتينة..يمشي بعشوائية وراء مادحيه..
ثم يكمل الكاتب بقوله:

(حمل جهازه وسار في الشوارع يبحث عن الأقزام)

هنا تتجلى معالم الزهايمر الحقة.. حيث أن مريض الزهايمر ..لا يدرك خطواته وأين يسير ..وينسى نفسه أين تبيت وأين تسير
وهكذا يبقى في تسارع وملاحقة لحصد كمٍّ هائل من الإعجابات..ليسد ثغرات الضعف التي يملكها..وجوعه الكبير نحو الشهرة..
من خلال حمله للجهاز وسيره في الشوارع..كناية عن العمومية في تلقي ما يريد..فالشارع يعني عامة فئات المجتمع..منها الغث والسمين..منها الأمي والمتعلم والعالم والجاهل..دون إعطاء صاحب الإختصاص دوره في عمله الخاص..بمعنى أنه لا يتواجد في المكان الأدبي الصحيح المرموق الذي يتم فيه مدارسة الأدب وتعليمه وتلقيه..يتلقفه من الشارع بلا حصانة لأهمية القلم والأدب..
ثم يتوجّه في الشوارع يبحث عن الأقزام..كناية عن هؤلاء الذين لا قيمة لهم في عالم الأدب والذين لم يدركوا منازله بعد..بمعنى هم من الذين يتخبطون في أروقته دون الاستناد على جدار أدبي متين..لم يبلغوا مكانة الأدب بعد..
يكمل الكاتب قوله:

(انتظروا شروق الشمس
ثم حملوه إلى دار العجزة)..

في هذه الكلمات فن قائم بحد ذاته..وبراعة في التخطيط والتنفيذ في ترتيب الحروف..فالبراعة تكمن في كل كلمة هنا..إذ ترمز على معاني عديدة تخدم الموضوع المطروح..فقوله ( انتظروا) فيها ذكاء خاصة إذا كان التحري عن الخطأ بعملية التروي والتحري عن الصواب واكتشاف التلاعب في قوانين الأدب وأساليبه..لأن الحكم على الآخرين لا تصلح إلا بالتأني والانتظار حتى تتم عملية الكشف عن الحقيقة..لذلك من الجمال توظيف هذا الفعل..انتظروا..حتى تتم أسس العدل وتتماشى سبل الحق قبل الحكم على الآخر..
في عملية الانتظار كانت ترافق شروق الشمس..وشروق الشمس كناية عن وضوح الحقيقة وإظهاره أمام العيان..فالشمس هي بمثابة الرمز للحقيقة والحق..
بعدها مباشرة يستعمل الكاتب حرف ( ثم) التي تشير إلى الترتيب مع التراخي..بمعنى وجود مهلة زمنية جاءت بعد شروق الشمس أي بعد كشفهم حقيقته وهي عملية (حمله إلى دار العجزة).. فالترتيب في الحدث والزمن متقناً جداً يتلاءم وضعية الزهايمر ووضعية الذين يتسلقون على سلالم الأدب بغير وجه حق ومع بصمة الغاوين ..
تأتي جملة ( دار العجزة) لتكون كناية عن هؤلاء المرضى الذين لا يقوون على مجابهة الحياة لوحدهم ويحتاجون لمساعدة الغير لتخطي الصعاب وعدم فهم الحياة وما يحيطهم من معالم مبهمة..
دار العجزة هي ملجأ لمن لا يقوى على الاستمرار وحده في الحياة..تشبيهاً بذلك الذي يحمل الأدب على كاهله وهو يتخبط به لا يدرك معانيه ولا يسير على نهجه..يحتاج لمعالجة فكره وأدبه من قبل أخصائيين يمسكون بيديه لتخطي الصعوبات في ممارسته وفهمه..
دار العجزة يستحقها لمن لا يقوى على الصمود مع شرايين الواقع وجذوره الأدبية..حين يعجز المرء عن إتيان قواعد الأدب ولا يستطيع المثول بين أسسه فهو يستحق أن يحملوه لدار خاصة به بعيداً عن نخيل الأدب ورطبه المثمرة..
الكاتب هنا استطاع أن يوظف ومضته في دائرة متماثلة في صفاتها ومعانيها ما بين زهايمر أدبي وبين من يتخذ الأدب سلماً لكسب الإعجاب من نفوس لا تتعرف على أثواب الأدب السامي ولا تتدارسه إطلاقاً..
صور رائعة وعمق متقن في شرايين الواقع اليوم..مع غياب الهيئات الأدبية المختصة ورقابتها للنصوص وعقاب من لا يستحق ارتداء هذا الثوب الأدبي الراقي..
أستاذنا الكبير الأديب الراقي البارع قلمه
أ.خالد يوسف أبو طماعه
شكراً لهذا الألق والجمال وقوة التوظيف تحت راية فئة خاصة من مجتمعنا وواقعنا المؤلم الذي أصبح بؤرة للفساد بتعدد أشكاله..
وفقكم الله ورعاكم وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 12:07 PM رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : شلل دماغي
النّاص : أحمد الحماد
القراءة : جهاد بدران
.........................


النّص :

سألوه : إلى أي الأحزابِ تنتمي ؟
قال : الله
فقتلوه
وأقاموا الصلاة ..!



القراءة :


التقاطة مذهلة وومضة مشرقة للفكر وآفاقه وللذهن ونشاطه..وللقوة في العمق..
من هذه الومضة تفتحت شرفات التأمل والتدبر بين أبعادها المختلفة ..
طريقة حياكتها كانت مذهلة..إذ تفوّقت على السياسة في نظمها..وعلى المجتمع في تفككه ونزعاته..
فالكاتب عندما بدأ ومضته هذه بدأها بصيغة الجمع وليس المفرد..حينما قال:
( سألوه)..
وهذا يدل على جماعة أكثر من ثلاثة لا يتحدد العدد إلا بحجم عملهم..وسؤالهم:

(إلى أي الأحزابِ تنتمي ؟)

يعني له اعتبارات كثيرة وأبعاداً سياسية عظيمة..
ولمجرد استجوابهم بهذا السؤال يعني نزع حرية الفكر والإنتماء من ذهن كل إنسان وزعزعة الأمن والأمان ..والذي يثبت الإضطهاد والتسلط والظلم فيما بعد ..
والسؤال لأي حزب تنتمي..دليل على وجود كثرة الأحزاب والتمزق بينهم بلا مراعاة لحق العيش الآمن وحرية العبادة أو ممارسة الحرية بما يليق لحرية الفرد دون قهر أو تسلط..
لكن مع هذا السؤال يوحي لنا بالظلم والدكتاتورية التي يعيشها الفرد في ظل حكم مستبد ظالم لا يبحث عن الحرية والعدل والحق الذي يرضي بنود السياسة أو يرضي بنود الشريعة السماوية في كل الديانات..
والسؤال هذا يدل على التمزق الإجتماعي على الصعيد الجماعي والفردي داخل المجتمع الواحد وعلى الصعيد العام في ظل الحكم القائم...
ويكمل الكاتب ومضته بقوله:

(قال : الله )

هنا يتجلى ذكاء وفطنة الكاتب في تحديد حروفه وفق منظومة عادلة له لئلا يجلب الفتن للآخرين من خلال تحديد الإحابة..ولا يفتح أفواه المغرضين لدسّ سموم الحوار كي لا يتم التعدي على دين أو شريعة معينة..
فقول ..الله..كلمة عامة للجميع لا تظهر انتماء لأحد ولا لديانة معينة ولا لحزب واحد بالذات..بل جعلها مفتوحة التأويل كي تلائم جميع الأطراف ليقف كل واحد عند حده الخاص..
فكلمة ..الله..فيها من الحكمة والعبرة والوعظ ما يحملنا للبحث بشل عقلاني لا طائفي ولا حزبي لأية فية..
فكل البشر في الكون تتلفظ بهذه الكلمة مناجاة أو دعاء أو منهاج حياة..
أو عبادة..تليق بكل فرد في الوجود..
والأجابة ب..الله..تدل على عدم الأنتماء لحزب أو مذهب معين..جعلها الكاتب عامة حتى يظهر العنف والفساد المستشري في مجتمعاتنا العربية وما فعلته الأحزاب المتسلطة الشاذة عن الحق والعدل وما يرضي الله..
لكن ما نتج من جواب الفرد هو عملية الإستبداد بالقتل دون أن يتحروا انتماء هذا الفرد..وهذا بحد ذاته ظلم فظيع تمارسه الدكتاتورية في الحكم على الآخرين..إذ كان نتاج فعلتهم القتل..بقول الكاتب:

(فقتلوه
وأقاموا الصلاة)

وهذا يدل على عدم حرية الفكر والإيمان وحرية الرأي..استبداد بكل معنى الكلمة..قتلوه لأنه تلفظ بكلمة الله..وهذا يدل على أحزاب الكفر وممارسة التعذيب من خلال فرض الحياة للحياة على طريقتهم الخاصة وتحت سيطرتهم المستبدة..
فلا يحق لأي إنسان في الكون قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..
فحرمة الإنسان ودمه بانتهاكها ظلما أعظم من عبادات كثيرة ..وهي من الكبائر العظيمة التي لا يغفرها الله لعبده إن كانت ظلماً..
لذلك نفهم أن الذي قتلوه هم من فئة تصلي لله..والدليل قول الكاتب
( وأقاموا الصلاة)
إقامة الصلاة بعد القتل..لا تدل على أنهم صلوا عليه..بل إقامة صلاتهم الخاصة بعد ممارسة الذبح والقتل بطريقتهم الخاصة أو صلاة معروفة كصلاتنا إلا أنهم من الظالمين المستبدين..وكأنهم يفرحوا بصيدهم قربانا لربهم..
..
الكاتب الكبير الأديب المبدع
أ.أحمد الحماد
بوركتم وحرفكم المتقن وومضتكم العميقة التي حملت من الدلالات الكثير والتأويلات المختلفة التي تدل على براعتكم وإبداعكم
بوركتم ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:56 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط