منير بولعيش يليق به الضوء ،،، / زياد السعودي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-05-2012, 12:17 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي منير بولعيش يليق به الضوء ،،، / زياد السعودي



نستميح روح الراحل
الشاعر منير بولعيش
لنسلط على تجربته الضوء
فمثله يليق الضوء





الشاعر منير بولعيش.. جرح غائر في الذاكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فاطمة المرابط

سيداتي سادتي..
هذه كلماتنا الأخيرة..
كلماتنا الأولى والأخيرة..

قالها ورحل.. بدون حقائب أو عدة سفر.. حتى أنه لم يقل وداعا.. مخلفا وراءه صمتا.. جرحا غائرا في أعماق القلب والذاكرة.. وحتى لا تبقى القصيدة.. يتيمة.. وحيدة.. اجتمع ثلة من الشعراء والنقاد والأصدقاء والمهتمين بالشأن الأدبي للاحتفاء بالشاعر الراحل منير بولعيش في الذكرى الثانية لرحيله.. بفضاء ثانوية أبي بكر الرازي التي نظمت "الملتقى الشعري الأول"، مساء يوم السبت 24 مارس 2010 .
وفاءً منا للقصيدة.. ووعينا الشعري.. وعلاقتنا بالذات والأجيال والقراءة والتجربة.. وحاجتنا للكتابة.. ووفاءً منا للشاعر الراحل منير بولعيش وديوانه: "لن أصدقك أيتها المدينة"، تورطت رفقة القاص رشيد شباري في تقديم فقرات هذا الملتقى الذي كان حافلا بالقراءات النقدية والشعرية والمفاجآت الجميلة. وبعد كلمة الأستاذة فتيحة المغلغل (مديرة المؤسسة)، ورئيس جمعية الآباء وأولياء أمور التلاميذ، والتلميذة مروة (كلمة باسم التلاميذ)، والتلميذة شيماء (رسالة اليونيسكو في اليوم العالمي للشعر)، أعطيت الكلمة للأستاذ النفس الزكية بن صبيح (صديق الشاعر الراحل) الذي تفضل بشهادة جميلة في حق صديقه الراحل، وعرض شريطا حول حياة الشاعر منير بولعيش وقراءات شعرية بصوته.
وقد شهد هذا الملتقى مشاركة الناقدين: محمد الكلاف (طنجة) الذي عنون مداخلته بـ:"منير ... ذاكرة الاغتراب" ومحمد الأزرق (طنجة) الذي حملت مداخلته عنوان:"قراءة في تجربة الشاعر الراحل منير بولعيش"، وتناولت المداخلتين قراءة في ديوان "لن أصدقك أيتها المدينة" للشاعر الراحل منير بولعيش، الصادر سنة 2010، (الخصوصية، فرادة التجربة، الإيجاز والكثافة، متانة الاستعارة والتخييل، أسلوب الرفض والاحتجاج ...).
وفي جو شعري تناوب على منصة الإلقاء شعراء أتحفوا عشاق القصيدة بنصوصهم الجميلة: محمد المسعودي (طنجة)، محمد أحمد بنيس (طنجة)، عبد القادر الدحمني (سوق الأربعاء)، محمد البقاش (طنجة)، فتيحة أولاد بنعلي (القصر الكبير)، حسن وسيني (أصيلة)، أحمد لحريشي (طنجة)، أحمد فرج الروماني (طنجة)، إسماعيل الطاهري (أصيلة)، تلتها قراءات تلاميذية: مريم مارصو، نهيلة أجمعن، جابر احجيوج السحلي، بن طالب مروة، نرجس الدبدوبي، حمزة ناصر، خولة الطرشي، عماد الخمال، ورافقت هذه القراءات الشعرية معزوفات موسيقية بمشاركة: الفنان عبد اللطيف كوريش على آلة العود والفنانة الواعدة هدى العمراني على آلة الأورك.
واختتمت فعاليات الملتقى الشعري الأول بهدية الفنان الكاريكاتوريست عبد الغني الدهدوه (بورتريه للشاعر الراحل منير بولعيش) الذي عبر من خلالها عن وفاءه لصديقه الشاعر منير بولعيش وتسلمها نيابة عن أسرة الراحل الأستاذ النفس الزكية بن صبيح، وأيضا تكريم بعض الأساتذة بثانوية أبي بكر الرازي. وإذا كان الستار قد أسدل على فعاليات الملتقى الشعري الأول الذي حظي باحتفاء كبير من طرف الأدباء المشاركين وكذا التلاميذ والأساتذة والأصدقاء والمهتمين بالشأن الأدبي.. وسيظل الاحتفاء بالشاعر المغربي منير بولعيش ذكرى جميلة في السجل الإبداعي والثقافي لثانوية أبي بكر الرازي...



منير بولعيش.. عراب طنجة الشاعرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد السلام دخان

يتزامن شهر مارس بالاحتفال باليوم العالمي للشعر(21 مارس) ، وهي مناسبة لنتذكر الشاعر الكبير الذي رحل عنا في 22 مارس 2010 تاركا قصائد بحجم الكون. الصديق الفقيد منير بولعيش لم ينصف في حياته كشاعر استثنائي عرفته مدينة طنجة التي تتنكر لأبنائها باستمرار. وأكيد أنه أصدقاءه الخلص يتذكرونه في سدته بمقهى باريس. واليوم ينبغي أن نجعل من اليوم العالمي للشعر فرصة لنتذكر هذا الرائع ونتذكر وفاءه للشعر. رغم ما كان يشعر به من جحود من قبل القائمين على الشأن الثقافي وطنيا وجهويا ومحليا وللتذكير فقد رحل منير بولعيش عن عالمنا بعد معاناة مع المرض، وكان واحداً من أشهر شعراء قصيدة النثر بالمغرب وكانت أخر مشاركة ثقافية له بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان في المبادرة الثقافية المحمودة التي أطلقها الأديب عبد الرحيم جيران تحت عنوان “تجارب إبداعية” والتي خصصت للكاتب المسرحي والشاعر العراقي فاضل السوداني وقد تكفل الراحل منير بولعيش بتقديم صديقه فاضل بأسلوبه الشعري المخلص لجماليات قصيدة النثر وهو ما يمكن تلمسه بشكل واضح في عمله الوحيد التي تكفل بإصداره على نفقته الخاصة والمعنون بـ”لن أصدقك أيتها المدينة” قبل فترة قصيرة من وفاته والصادرة عن مطبعة سليكي – إخوان بطنجة، وتتسم هذه المجموعة المكونة من 66 صفحة من القطع المتوسط والمقسمة إلى محورين يضم المحور الأول القصائد التالية: حكمة، نوستالجيا، تعاسة، الرجيم، عولمة، غرق، هكذا إذن، الكيخوطي، شهادة إثبات، ريح الشرقي، الرافظة، إقامة جبرية، هيراقليطس، ذكرى، نخبك أيها الرجيم، أما المحور الثاني فيتكون من القصائد: الشاعر، مفتاح المدينة، خروب المدينة، لم أكن رائيا كما اليوم، عميل مزدوج، قبلة سوداء، طنجافوبيا، حكاية الأميرة التي لا تبدأ بـ…، القصيدة خرجت إلى الشارع. وتعكس هذه العناوين الدالة طبيعة المتن الشعري لتجربة منير بولعيش المتسمة بالقطع مع الذاكرة الإيقاعية الكلاسيكية القائمة على شعرية السطر الشعري لصالح شعرية التكثيف والإيجاز وقوة الاستعارة.



من شعره نقرأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ


أتدخر
ما يكفي من الصفاقة؟؟
كي تجلس وجها لوجه
أمام كأس الشاي وقطعة المدلين
وتشرع كمثل الروائي
في افتعال النكوص
معبأ بالتداعي النوستالجي
وقناع ميثولوجي
أتقن مثلك لعبة القفز
فوق السياج…
تتقمصه/ يتقمصك
كيما لا تعرف أيكما أنت
(القناع أم أنت؟!)
وأيكما
يمنح للآخر ذاكرة؟
كي يعيش في الزمن الضائع
بسلطة الذكريات
أعرف: التنفس في الأسطورة
أقدر على الخلود
فلتتأسطر…
ولتتذرع بنشيدك الطفولي: قافلة تمر
لست قافلة
أنا آدم كائنا من كان…
آدم ليس إلا…



منير بولعيش .. آخر الشعراء البوهيمين
محمد الأزرق / طنجة

الى روحك هناك

الشعر بناء لا نعرف من وضع أول لبناته ورغم كل التأويلات المتاحة، بدءا من رثاء آدم لمقتل ابنه فإننا لا نستطيع ختم هذا البناء بشاعر دون غيره ما دامت أرض الشعر تتيح لكل الشجر أن يكبر بغض النظر عن طبيعة الثمار التي تطرحها كل شجرة عن حدة وهذا هو سر بقاء الشعر.
عندما أقرأ ديوان الشاعر منير بولعيش يتهيأ لي أن هناك ذات تصرخ بين دفتي الديوان أو تهمس بكلمات غير مألوفة، تتدفق على رسلها فتدهشني فأقول هذا شعر وأعيد النظر في ما ألفته من تعريف سابق للشعر ويقدر ما يتعرض هذا المفهوم للتعديل مع كل نص لا عهد لي به بقدر ما يتطور الشعر ويتجدد.
ديوان «لن أصدقك أيتها المدينة»1 ، متفرد في عمارته البنائية الخاصة (الموسيقية، والإيقاعية والاستعارية)، التي تتجاذب الاستقبال وتغريه وتحل ارتباطه بالماضي وتعدد تركيب منطق ذلك الارتباط ليكون الحاضر في قلب السيرورة بأسرها.
يطرح ديوان منير بولعيش تعاقدا جديدا بين القارئ والشاعر، يمكن أن نفهم طبيعة هذا التعاقد إلا إذا شاهدنا رائعة المخرج الأسترالي بيتر وير فيلم «حلقة الشعراء المفقودين» (1989): الذي يحكي قصة أستاذ لمادة الشعر (روبين ويليامز) يعلم طلابه كيفية اكتناه الشعر من الحياة، فالشعر لا يعيش فقط بين أسوار اللغة بل هو متناثر ومنثال انثيالا في كل مناحي الحياة، تلك اللحظة التي مزق فيها الدكتور كيتين مقدمة طويلة مستبدة تفرض مسالك محددة معينة في فهم الشعر، تشبه إلى حد بعيد لحظات المحو المتناثرة في ديوان «لن أصدقك أيتها المدينة»، المحو ليس من أجل المحو وحده ومن أجل كتابة جديدة أيضا.
واكبت الشاعر وهو يكتب قصيدته، وأجد صعوبة بالغة في فصل قصيدة منير كممارسة نصية عن سياق صاحبها، فتلك الرؤية البوهيمية التي اتسم بها طيلة قصيدته هي نفسها التي وسمت حياته، إذ لا يعد الشعر ترفا يمارسه منير خارج أوقات العمل، بل هو العمل نفسه، من أجل إحلال الحب والسلام.
ينزع الشاعر نحو شعرية مفتوحة، متحررة من المماثلة، بل تنحو نحو تخوم المغايرة، فالشاعر بفرادة يولف بين مقهى مدام بورت والكولا ومجنون الورد وزمن الأخطاء وأنشودة المطر كيما لاعب سكرابل، وفي المحصلة نجد قصيدة في ظاهرها متعة خفيفة لكن في باطنها رؤية عميقة للعالم والأشياء، ويبقي منير بولعيش في مغامرته الشعرية الأولى المأسوف على عدم استمرارها، يمارس استكشافا شعريا ويستمتع بكلمات وهي تنذر بتعايشات لا متوقعة ولتجاورات لا تخطر على البال.
قصيدة منير لا تنزع إلى الخروج إلى المحال في لغتها الشعرية، هذا الخروج الذي يعد ديدن القصيدة الحديثة في المغرب، بل تنزع قصائد «لن أصدقك أيتها المدينة» نحو الممكن المتاح في اللغة الشعرية، قصائد منفتحة على الكلما ت المتداولة، على العناوين الرائجة المستثيرة لذاكرتنا، معمار هذه القصائد قوامه الأشياء والرؤى والعالم بمفارقاته،لا يستقي الشاعر من اللغة أمشاج قصيدته بل يمتاح من طنجته الفريدة مخصبات قصيدته، فديوان «لن أصدقك أيتها المدينة»، قصيدة طويلة (بمفاصل/قصائد متعددة).
يتفاعل فيها الحقل الدلالي لطنجة وفيما يلي جرد لعناصره: مقهى مدام بورط، مجنون الورد، زمن الأخطاء ، ألن كنسبرغ، جيل البتنكس ، دولاكروا، زنقة الشياطين، الحافة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ابن بطوطة، مقهى Petit Berlin، Teatro Cervantes، الطين جاء، رياح الشرقي، ساحة الأمم، مدافع سور المعكازين، طنجيس، وادي اليهود، قوافل الهيبيين، بار البريد، Le journal de Tanger، الجبل الكبير، القديس سيدي المصمودي، بحر اشقار، حدائق المندوبية، سيدي بوعراقية، مقهى باريس، السوق الداخل، الخبز الحافي، رأس المصلى، Tanjaz، دينزبار، Librairie des colomes.
أي أن منير لجأ إلىحيلة فنية مقنعة، وهل ثمة أفضل من هذه العناوين الدالة لبناء طنجة الافتراضية أو طنجة الهاربة مثل ضوء، أو طنجة الوجه البوهيمي الجميل الذي عزته الخدوش، يختلط الحقل الدلالي لطنجة بحقل دلالي آخر يعنى بالإنسانية ومعالمها وحركاتها الكبرى فنجد كلمان من قبيل: الهيبيين، سجائر جيتان، آلهة الأولمب، الإلياذة، أنشودة المطر، الغجر، ربيع براغ، 1968...
ومن تم تصير طنجة الهاربة أو الافتراضية جسر عبور إلى العالم والإنسانية جمعاء، ليبقى الديوان ورشة شعرية مفتوحة على أفق عدة وإمكانات عدة لصياغة طنجة لا كما هي، بل كما يحلم بها منير، وهذا ينسجم مع ما يذهب إليه عنوان العتبة الأولى للولوج إلى ديوان «لن أصدقك أيتها المدينة».
في قصيدة حكمة (ص7-8-9)
يقول الشاعر:
حسنا...
منذ البداية
وبالضبط: بعد أن أرسم
على كفك قبلة الحبيب
سأختار نهج الوضوح
حسنا...
قبل أن يوافينا نادل Madame porte
بالكولا
سأهمس لك بهكذا حكمة:
هذا العالم يقتسمه رجلان:
مجرم حرب وغنيها
لا تتوقعي من الشعراء
ومني بالخصوص
سوى أنشودة المطر
أنشدها لك كلما
دمرك الشتاء:
مطر...
مطر...
مطر...
إسوة بشعراء كثيرون أنتجوا خطابات نقدية موازية لنصوصهم الشعرية(أدونيس، بنيس)، أطلق الشاعر منير بولعيش بيانه2، استهله بعبارتين:
عمتم نشيدا أيها الأصدقاء
عمتم أحلاما أيها الشعراء
واختتمه بكلام بالغ في الفردانية:
لهم مركزهم ولنا هامشنا...
لهم تكتلهم ولنا حريتنا...
لهم تراتبيتهم ولنا تشاركنا...
لهم قممهم ولنا هاويتنا...
وبين المستهل والمختتم أطلق الشاعر العنان لتصوره حول الشعر تصورا لم يكن يختلف كثيرا عن تصور الدكتور كيتين حلقةالشعراء المفقودين)، دعا في هذا البيان إلى التجديد وتدمير سلطة قادة الشعر التاريخيين. «اليوم وأكثر من أي وقت سابق نحن هنا كي نركض جميعا ضد رغباتنا الخاصة، ضد رغباتنا السرية في أن نتصنم أو نتوثن.. في أن نتشبه بقادة الشعر التاريخيين، وننتج سلطتهم التي تمارس غالبا ضدنا في أن ننجر إلى أفخاخهم ونحول الحرف/الشعر/الحلم... إلى ماركات إشهارية مسجلة ومكرسة لا بفعل الإبداع وحده، بل أيضا ببطريركية الممارسة وسلطة الإقصاء...».
مقتنعا أيما اقتناع بمقولة فولتير المأثورة: «كن رجلا ولا تتبع خطواتي»، وهي مقولة يظل الشعراء أحوج ما يكونون إلى تمثلها والعمل بها، لكي يتحرروا بشكل نهائي من التأثيرات الأبوية ودعاة الوقوف عند شكل من الأشكال اليابسة، سلفية كانت أو معاصرة

بقلم محمد الازرق


طنجة.. مدينة لا يصدقها الشعراء
منير بولعيش يسافر في غياهب طنجة

د. فاضل سوداني*


تبدو مدينة الشاعر المغربي منير بولعيش حلما كابوسيا له لأن فضاء طنجة مؤثث دائما بالشعر، ولذلك كان الإنسان يبحر باعتبارها أمل ناء بالرغم من أنهاكانت ملتبسة ثقافيا في الماضي وظلت هكذا حتى اللحظة، وهذا واضح من ديوان الشاعر الأول: "لن أصدقك أيتها المدينة"**.

وطنجة عصية على الاستحواذ فهي لا تغفر لمن يسكنها أو يمر بها عابرا البحر، إلا أن تجعله إما سمسارا سعيدا أو إنسانا كئيبا وواعيا يضل يبحث عن معنى لحياته فيها حتى الموت، وخاصة أولئك الذين سكنوها لتحقيق مشروعهم الذاتي مثل الكتّاب والشعراء والفنانين العالمين: بول بولز وجين بولز ودولاكروا وماتيس وصموئيل بيكيت وجان جينيه وجون هوبكنز وتنسي وليامز وغيرهم، فكل الذين جاؤوا إلى طنجة كانوا يبحثون عن ذواتهم فيها، وحتى سكنتها الذين بحثوا عنها حتى آخر العمر مثل الكاتب الكبير محمد شكري أو الذين مازالوا من سكنتها، فهم يحملون حبهم وكرههم لها في آن واحد. وبالرغم من هذا فإنهم يرددون ما قاله كفافي عن إيثاكا وهم يعنون طنجة بالتأكيد: "عندما تتهيأ للرحيل إلى ايثاكا /تمن أن يكون الطريق طويلا /حافلا بالمغامرات، عامرا بالمعرفة" فالذي يبحث عنها إما أن يلعنها ويهرب منها إلى الأبد أو يضل ساكنا فيها حتى الرمق الأخير حيث تأسره بفضائها الأسطوري.

وبما أن منير بولعيش يعي جيدا ما كتبه الشاعر كونستانتين كفافي عن ارتباط الإنسان بالمدينة ويعي سبب ارتباط هؤلاء الكتاب والفنانين جميعا بطنجة، ويعي جيداُ أيضا ما كان يضمره ابن مدينته محمد شكري الذي يحب أن يدعوه بـ"الكاتب الرجيم" من حب وكره في آن واحد لطنجة، لهذا فإن منير بولعيش لا يمكن أن يصدق مدينة مثلها:
مَهمَا صفَـت
طَوَايَاكِ
لَن أُصَدّقَكِ
أَيّـتهاَ المَدِينَة!

إن الشاعر لا يمكنه أن يرى مدينته إلا كماض إبداعي تَشكّلَ القسم الأكبر منه كحلم حققه بعض من شعراء الحياة المتمردين من الهيبيين وجيل البيتنكس ومن الكتاب والشعراء الذين سكنوها واعتبروها واحدة من ثلاث عواصم مستقبلية لتمردهم الحياتي.

وهو كشاعر يرى فيها أيضا حاضرا حلميا وأسطوريا وفضاء ضروريا لشعرية القصيدة حيث مازالت طنجة تحلم من خلال شعراءها بماضيها بالرغم من حداثتها، ومن خلال لقاء البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي بعد أن يكونا قد انسابا عبر شواطئ العالم لتتنفس طنجة حريتها المستلبة دائما والتي كانت تزهو بها في الماضي عندما كانت مدينة دولية، ولهذا فإنها تسلب حرية الكتاب والشعراء الذين سكنوها أو يزورونها الآن حالمين بماض يبدو حلما، ولكنها تأسرهم وتجعلهم يكتبون عنها فقط أو يرسمونها كما فعل دولاكروا وماتيس ومحمد شكري وبولز ومع هذا فهي مدينة لا يصدقها الشعراء.

ومن أجل إثبات هذا فان منير بولعيش قسم ديوانه إلى قسمين:
1ـ طنجة المدينة... "كارت بوستال".
2ـ القصيدة خرجت للشارع.

فإذا كان القسم الأول من الديوان عن المدينة التي لا تعني سوى "كارت بوستال" لأي عابر يمر في ليلها، فإنها تعني المدينة ـ القصيدة في القسم الثاني، لكنها قصيدة خرجت للشارع بكل حريتها، خرجت منذ زمن الحرية وبعد ذلك الزمن الإستثنائي الذي حلم به الهيبيين والثوريين المتمردين في الستينات. فهي مدينة وقصيدة ودخان وشعر وموج عاصف ورياح شرقية ونساء جميلات في أزقة أسطورية وآثار قديمة وشعراء وكتاب وفنانين، لا يمكن أن يقبضوا على أزمنتهم إلا في طنجة الخيانة كما يسميها جان جينيه.

وعندما تفلت المدينة من ذاتها وزمنها ومن شعراء الحياة الذين مجدوا عنفوانها مثل بول بولز وشكري وألن غيسبرغ والعربي اليعقوبي وغيرهم من الذين تحولوا إلى صور للحالمين ألصقها الشاعر على جدران غرفته المعلقة فوق السطح والمبعثرة والمملوءة بأشيائه الشعرية، تلك الكوة التي يطل منها على مدينته فلا يرى البحر فيها وإنما كتل حجرية وصفيح وصور السماسرة معلقة على جدران عماراتهم الشاهقة التي تمنع أن يتنفس الناس هواء نقيا. عندها لا يصبح هنالك أي أهمية لأي شيء سوى لفستان قرمزي رمزا للحبيبة المتخيلة أو لأشيائها الثمينة، أو الثرثرة والضحك الصاخب رمزا للإنسان المتشيء. هكذا يختزل بولعيش الحلم ويتحول لديه إلى رموز مؤسلبة.

ففي قصيدة نوستولجيا وهي تسمية تحمل نقيضها، إذ يؤكد الشاعر فيها على غياب المدينة في وعيه بعد أن انشغل بأشيائه، عندها لا يصبح للنوستولجيا أي معنى، فلم يعد الحلم هو الذي يؤسس فضاءه في مدينة ملعونة، ولم يعد رفاق الحلم ذاك من الذين ذكرهم الشاعر يحرسون أسوار طنجة البالية ولم يعد شعرهم يوقظ المشردين من نومهم، لم يعودوا هم المدينة، لذا على الشاعر وحبيبته أن يدعا هذه النوستولجيا لأنها لم تعد حدثا مهما كما كان في الماضي، بل الإلتفات لفستان الحبيبة القرمزي والضحكة البيضاء الباردة لأنهما الأكثر أهمية وهما كل ما تبقى رمزا للإنسان وأشياءه.

وكل ما كان يشكل حلما اندثر منذ عصور بائدة وطنجة لا تدمن الدمع على ماضيها ولا تنشغل بالحنين الذي يثيره ألبوم الذكريات لأن غريزة الشاعر الذئبية هي الأكثر توهجا الآن مادام الفستان القرمزي أهم حدث في هذا اليوم /العصر، فالحياة هي الأكثر متعة مادمنا نعرف كيف نتذوقها.
"وَطَنجَة ـ عَلَى العُمُومِ ـ لا تُدمِنُ الدّمعَ عَلَى الأَطلالِ
ولا الحَنِينَ أَمَامَ أُلبُومِ الذّكرَيَات
فَكفّي عَن هَذَا الكلامِ المُكرّرِ
إنّهُ يُعَمّقُ وَجَعِي
واحتَرِمِي صَرخَةَ الذئبِ
فِي جَسَدِي ...
وَ تَيقـنِي: فُـسـتَانُكِ القُرمُزِيّ أهَمّ حَدَثٍ فِي هَذَا اليَوم!"

والذي يملك مفتاح هذه المدينة هو الشاعر المتمرد فقط الذي لا يصدق المدينة وفي ذات الوقت لا أحد يصدقه، بالرغم من أنه وحده رأى المدينة كما لم يرها أحد من قبله لأنه الرائي الذي رمى بالأبدية في بحر أشقار في طنجة، وهو الذي جعل السماء واطئة حتى يوقف الدم في الساحة العمومية وغنى قصيدته لدرجة أنها هددت أسوار طنجة وماضيها، لذا فإن الشاعر الذي وجد مشنوقا على بوابات المدينة وحده يملك مفتاحها ومع هذا لم يصدقه أحد.

وعندما يكتب بولعيش عن اليومي في مدينة البحر الأسطورية، يرى بأن العالم يتقاسمه رجلان مجرم حرب وغنيّها، أما شاعرها فهو الذي يمتلك مفتاح المدينة بالرغم من أنه لا يصدقها/لا تصدقه، فيفضل أن يمنحها أنشودة المطر ليجعلها أكثر خصبا. فإذا كان الشتاء يُغرق المدينة بألاعيب السماسرة والخرافة مما يجعلها قاحلة فتفقد بكارتها، فإن أنشودة المطر تجعل من حاضرها ومستقبلها أكثر غنى بل تعيد لها مجدها، والشاعر الهيبي ـ والرجيم أو الملعون ـ الرائي ـ الذي شنق نفسه أمام البوابات المشرعة، كان يخفي مفتاح المدينة وبحرها في قلبه. ففي زمن القحط وزمن الأخطاء نست المدينة مجانينها من الشعراء الذين مروا بذاكرتها كعشاق للورود، ولكن الشاعر الذي راهن أمام البحر على أن مطر السياب هو أكثر خصبا، سيصرخ في وسط المدينة بأن العالم يقتسمه رجلان هكذا منذ الأزل. ولهذا فإن المدينة سيتقاسمها الظلام والضوء الأسطوري الساطع الذي دفع بالفنانين دولاكروا وماتيس أن يبحثا عنه.
"دولاكُوروَا
أيّهَا التـّعِــسُ
أَجِئتَ تَـبحَثُ عَنِ الضّوءِ
فِي مَدِينَةٍ
كُلّ مَا فِيهَا
يُهَدّدُ بِِالسّوَاد"!!

فالشاعر الذي لا يصدقه أحد لا يرى سوى كثافة الظلام فقط في السوق الداخلي في طنجة، لذا يترك جثته في أحد الأزقة ويغيب في ظلام الهاوية، فمدينة الشاعر تتزاحم دائما بين الممسوسين والسماسرة وأدعياء الوعي مما يشكل قلقا دائما له.

وإذا تقاسم العالم من قبل مجرم حرب وغنيها أو من الظلام والضوء، فإن المدينة يتقاسمها أيضا الملاك والشيطان، والشاعر فيها لابد أن يكون هو الرجيم حتى وإن رفضها:
"أَنتِ فِي الوَاقِعِ
لَستِ الملاكَ الّذِي
يَحِقّ لَهُ أَن يُوبِّخَ
الأَبَالِسَةَ
وَأَناَ لَستُ ذَاكَ الرّجِيمَ مَن تَشتمِين
رُغمَ زَنقةِ الشّيَاطِين...
وَرُغمَ أنّ قَصَائِدِي
لا تُبَارِكُ سِوَى المُنشقـينَ....
وَمَن تَخَطّى الأَسيِجَةَ
بِنَصّ جَدِيد"!!
فالشاعر بولعيش يعي بأن الشعر ملعون والشاعر رجيم وعندما مات شاعر مدينته الذي كان يخبأ مفتاحها قال له نخبك أيها الرجيم لآن القصيدة خرجت إلى الشارع:
"رِيحُ الشّرقِي...
قَوَافِلُ الهَيبِيّينَ...
أََسرَابُ البيتـنِكس...
الغَجَرُ...القراصنة
الجَوَاسِيسُ...
كُلّ السّفُنِ...
كُلّ السّنَنِ...
مَرّت مِن هُنَا
ذَاتَ صَيفٍ عَابِرٍ
وَأَنتَ
بِبَارِ البَرِيدِ ثَابِتٌ
وَكَأسُكَ فِي المُحَال
ــ شُكرِي نَخبُكَ أَيّهَا الرّجِيم "!!

في قصيدة "الشاعر" في القسم الثاني من الديوان يحدد منير بولعيش موقفه كشاعر معاصر من المدينة والشعر خاصة عندما تكون المدينة هي منفاه، ويشكل الشاعر منفى لمدينته وشعره في ذات الوقت:

1ـ "الشّاعر الذي أنفق ثلاثين سنة و هو يصرخ بالسّفن من فوق رصيف الميناء: "أريد أن أخرج من هذا الغيتو"، تفاجأ أنّ "le journal de tanger" لم يتحدّث عنه هذا الأسبوع، لكنّه فرح ـ كالعادة ـ بصفحة الأبراج "برج الحريّة تحديدا" الذي ظلّ لعُمرٍ كاملٍ يهمسُ له:" إنـّـك... في صُـلب المغامرة هذا اليوم!!"".
2ـ "الشّاعر /الذي أدركَ /قمّة الجَبل الكبِير /أَدركَـــــــتــــــــهُ
ال
هَـ
ا
ِو
يَ
ة!!"

3ـ "الشّاعر الذي انتهى تمثالا في متحف الشّّمع، خذلته قرون الإستشعار في الاهتداء إلى الرّباط السّحريّ الذي يصل الزّنقات بالزّنقات، الشّوارع بالشّوارع، الحانات بالشّعراء، المقاهي بالكسالى، و الأمّهات بمزار القدّيس سيدي المَصمُودِي، حيث أُشعلُ الشّموع ـ كلّ يوم ـ و أُصلّي لأجـل الشّاعر الذي انتهى... /انتهى تِمثالَ شمعٍ"!!

وحقا فإن هذا الشاعر الذي يبحث في الأبراج عن حريته لابد أن ينتهي إلى تمثال من الشمع، وهنا تبرز سخرية الشاعر وقسوته إزاء معاصريه من المثقفين عموما، وخوفا من أن يتقمص الجاهل دور الشاعر وهو يهش الذباب في المطعم البلدي. وبالتأكيد فإن هذا هو أحد الأسباب التي تؤدي به للشعور بأنه يغرق في الضفة الأخرى من الحافة بالرغم من أنه المهاجر السري الأخير وأنه الوارث الوحيد لسر الرحيل.

ومرة أخرى يؤكد بولعيش في ديوانه على الشاعر الرجيم وعلى الشعر الذي يؤرخ لمستقبل المدينة أو يعمد إلى إلغائها. والكثير من قصائد الديوان تشير إلى أن القصيدة أحيانا هي تأريخ للمدينة، ولكن هنا يتحول التاريخ إلى حلم مادام الشاعر يكتب عن مدينته ذلك الحلم المتخيل. والشاعر بالنسبة إلى بولعيش لا يؤسس وجوده الشعري إلا إذا كتب مدينته وهام في أدغال المدن "الأحلام " الأخرى وهو يحمل في قلبه القصيدة والأغنية والحبيبة ـ الحلم التي يجب أن يدافع عنها من طواحين الهواء،
فيخاف عليها من أن ترفع ريح الشرقي تنورتها فوق مستوى الرغبات وعلى مرأى المدينة الفضولية.

فالشعر بالنسبة له هو أغنية أو تميمة لا يكشف عن أسرارها لأنه في موطن القلب بالرغم من أن القصيدة قد خرجت لتعانق الشارع . وبالتأكيد فان هذا الخروج يمنح الشاعر رؤى جديدة ويجعله رائيا أكثر من أي وقت آخر، لهذا فانه يرى الأشياء على حقيقتها وتناقضاتها ـ يرى سيدي بوعراقية وفلاسفة برودونيون ويرى من الصعوبة على طنجة أن تدخل العالم الآخر بدون السوق الداخلي الذي أصبح يتنور على صفحات الويب و كيف أصبحت المدينة أكثر حداثة بعد أن تناست ماضيها و أصبح الشاعر فيها يخاف على حلمه من أن يتحول إلى مدينة من صفيح:
"لم أكن رائيا كما اليوم...
استيقظت باكرا و لم أبالِِ...
رأيت:
1 ـ سيّدي بوعرّاقية
يطوف بمبخرة الباروك
على رؤوس الفقراء.
2 ـ برُودُونِيّونَ
يتمترسون
في كومونة مقهى باريس
ويجهزون بالمدفعيّة الثّقيلة على شوارعَ
تتأفّف من قمصان البيتنكس العطنة.
3 ـ طنجة تدخل العالم الحرّ
من الأبواب الخلفيّة وتخسر expo 2012
4 ـ السّوق الدّاخلي يتـنوّر
على صفحات الويب
ونوافذ الماسنجر.
5 ـ محمّد شكري
يلمّ فتات الخبز الحافي
من مطبخ الماكدونالد.
.......................
.......................
لم أكن رائيا كما اليوم...
لم أكن أعمى كما اليوم...
رأيت الكثير...
الكثير ولم أبال!!"

في مدينة مثل طنجة يمتلك مشرديها ومجانينها عالمهم وهذياناتهم الخاصة وكأنه هذيان الشعراء، والمدينة بالنسبة لهم جميعا تشكل وجودا ديناميكيا في لاوعيهم، بالرغم من أن الشاعر يقيم فيها مغتربا ومنفيا ومجبرا، ومثل هذا الشاعر لابد أن يرى بأن العالم بحاجة إلى فارس يتخيل المثال ويدافع عنه حتى وإن كان وهما وخيال فارس مثل دون كيخوت، والشاعر لابد أن يتمناها معه حتى يستطيعان أن يوقفا "هذا الجنون، طواحين الدم" فهما ليسا شاهدا زور والشاعر بالذات لا يمكن أن يشترك بصنع هذا اليباب الذي تصاب به المدن الخائنة بل العالم أجمع، فهو لا شأن له بهذا الجنون لأنه الشاعر اللاجئ في مدينة الحياد والذي يملك مفاتيح المدن، ولكنه مازال ينتظر الحمامة التي أطلقها نوح للبحث عن الإنسان الإنسان وعن الأرض الأرض حتى يمكن له أن يعيش الحياة ويتذوقها، ولكنه الآن كالغريق يرقب أيضا سواحل الخلاص من بعيد. وعندما تعود الحمامة التي انتظرها طويلا وهي تحمل عشبة الحياة سيتفجر سؤال في داخله:
" ضَائعٌ مُِنذُ سُيولٍ
فَوقَ سَواحِل الغَرقِ
أَرقبُ برق الخَلاصِ
وَأفجّرُ هَذَا السّؤال: طَنجَة...
أ مِن هُنا الطّينُ جَاءَ...
أم مِن هُنَا ابتَدأ الطّوفَان؟".

وبالرغم من أن بولعيش في ديوانه هذا يرفض المدينة المزيفة والشاعر المزيف إلا أنه يماهي بين المدينة الحلم وبين الحبيبة التي تزوره في أحلامه، وبالرغم من أنه غير متيقن من الحب إلا أن وجهها يشكل قمرا يضيء أسوار طنجة ولياليها في السوق البراني فتمتزج المدينة برائحة بحرها، لكن القمر المدمى هذا سرعان ما ينزوي فجرا في كهف هرقل الذي قالت الأسطورة بأنه استراح مرة في شواطئ طنجة، و بالرغم من أن طنجة محفل للغبار إلا أن حاناتها معطرة بالعنبر.
"الرَّافِضَةُ...
مَن تَسكُنُ حَلَقَاتِ المَارِيجوَانَا...
تغَنّي مَعَ البِـيـتِـلز...
وَتَخرُجُ إِلَى سَاحَةِ الأمم
في مُظَاهَرَاتِ ATTACK
ضِدَّ العَولمَةِ و حَربِ العِرَاق..
مَن تَعقِصُ شَعرَهَا
ذَيلَ طَاوُوسٍ
وَتَزعُمُ الإِنتِسَابَ الأَبَدِيّ
إِلَى جِيلِ 68
ـ هَل تُحِبّنِي... !؟
الرَّافِضَةُ..."

وفي شعر بولعيش ليس في هذا الديوان فحسب نلمس روح الستينات ومظاهرات 68 لأنه لا يصدق المدينة إلا إذا تمردت على زمنها وأجيالها، حيث يتراءى له أؤلئك الرافضون من الكتاب والشعراء العالميين الذين مروا بها كملائكة يحلمون بتغيير العالم. لذا لا يمل منير بولعيش وهو جالس يدخن ويحتسي قهوته في مقهى السنترال في السوق الداخلي من انتظار إطلالة ذلك الشاعر ـ الهيبي المتمرد من شرفة فندقه الرخيص وغليونه بين شفتيه، يطل بلحيته الكثة وملابسه المهترئة، أو على الأقل لابد أن يتراءى له أمام مدافع سور المعكازين أو وهو يترنح في زنقة الشياطين، غير أن الشاعر يعلم جيدا بأن مثل هذا الشاعر قد شنق نفسه منذ زمن سحيق أمام بحر أشقار وهو الآن يرقد في مقبرة بوعّراقية ملوحا بمفتاح طنجة. وبالرغم من هذا فإن شاعرنا يبحث عن حلمه في المدينة ـ المنفى الكبير التي استراح أو نفي فيها هيراقليس عاكفا في مغارته حالما بتغيير العالم وسط العاصفة الليلية وفي غياهب منفى الطنجاوي المؤبّد:
"طَنجيس: منفى كبير
وهذا البحر جبانة
فلنسترح من الإلياذة هيراقليس
ولنلعب الورق:
العالم يغير سلمه الطبقي
وأنت من هذه المغارة
تحلم بتغيير العالم!"
وأي مدينة تنفي الشاعر تتحول إلى غيتو مرعب.

وفي القسم الثاني من الديوان ـ القصيدة خرجت للشارع ـ يرى الشاعر منير بولعيش واقع الحال الذي كان يحلم به وأمل أن يغيره بالقصيدة والأغنية والحب والأحلام، يراه على حقيقته وهو في محاولة للدخول إلى الحداثة الصفيحية، فيصبح كل شئ تقليدا مزيفا،لأنه واقع يتميز بكل زيفه وأقنعته، فالطريق إلى الحقيقة لا يشبه الفج السالك إلى قاع المدينة، لأنه طريق مفخخ باليقين، ولا يشبه حتى الطريق المؤدي إلى مابين فخذي امرأة مزيفة تبهر العالم بخصيتين نحاسيتين وشعر مستعار.

وهاهو الشاعر يسخر بمرارة من عالم الحقيقة المزيفة، وبما أن كل الأشياء مزيفة فهو عالم من رمل، وما يصدمه وأحلامه ورؤاه هو أن الشاعر المتمرد ذلك الصديق القديم الذي حلم بتغيير العالم، قد غيره العالم بروية وهدوء فأفسده وهاهو ساكن بكل خذلان: "في الطابور الرابع /عند الأسوار العالية للقنصلية الأسبانية" طامعا في الحصول على تأشيرة الخروج، فيرثي حاله ولا يعرف بماذا يحلم من جديد، لأن حلمه الذي أيقظ الشرارة الأولى في داخله انطفأ، وحتى وإن حلم من جديد فإنه هو بالذات لا يصدق حلمه لأن شمس الحقيقة عمودية والعالم سفينة مثقوبة سرعان ما تغرق، وكأنه يردد مع كفافي:
"سترجع إلى هذه المدينة
فطلق حلم الذهاب إلى مكان آخر
ما من سفينة تقلك.
ما من سبيل.
فإذا كنت قد خربت حياتك
في هذا الركن الصغير من العالم
فهي خراب لك أينما حللت".

ولكن مازال الحلم يؤشر إلى الشاعر أن يكشف المدينة لأنه يحمل طنجة كدملة في قلبه، فيأمره للوقوف في موقف الحق بمزار بوعراقية وفي موقف الحافلات الخضراء وموقف الخادمات في شارع فاس وموقف البغايا المقدسات في بورديل المدينة، ولكن بما أن هذه المواقف مازالت من معالم المدينة القديمة لأن طنجة الحاضرة تغيرت لأسباب تجارية، فجميع معالمها التي ارتبطت بأهم الأحداث الحياتية والثقافية كمقاهيها وحاناتها والكثير من أزقتها امحت تقريبا أو خضعت للتحديث، وأصبحت معالم مزيفة الآن لذا لا تستحق سوى قبلة سوداء من لدن الشاعر، والعالم أصبح هواءه فاسدا وكل هذا يمنعه من أن يكتب قصيدة الحرية من أجل أن تخرج إلى الشارع لتهدر كصرخة غضب.

وبما أن القصيدة تعني الشاعر المتمرد ـ الغاضب لهذا فإنها تتحول إلى طوفان، لكنها قصيدة يفهمها بائع الملابس الرثة من المهمشين وبائع التبغ المهرب الذي يقف دائما أمام مقهى باريس في طنجة ساخرا من السماسرة، ويفهمها نادل المقهى، وسكان زنقة الشياطين وبائعوا الزيتون والخضروات والخبز الساخن في السوق البراني، فهل يتحقق حلم الشاعر وتمرده وثورته بالشعر والقصيدة التي ينشدها فقط؟:
"القصيدة قد خرجت إلى الشارع
فمن سيوقف هذا الطوفان!؟
من يوقفني!؟
القصيدة التي خرجت إلى شارع باستور
كم تشبهني
أنا الذئب
الذي يقتات على الجثث المتحلّلة.
...............................................
...............................................
القصيدة التي تشبهني…
القصيدة التي تشبه محراث جوزي بوفيه
القصيدة التي تخرج إلى الشارع...
القصيدة التي تسكن في الشارع...
القصيدة التي...
القصيدة التي خرجت إلى شارع الحرية
خرجت ولم تعد!"

فالقصيدة البصرية تتحول إلى حرية وتخرج من سجنها لتهدر في فضائها الواسع.

إن منير بولعيش مقل في كتابة الشعر لأنه يشكل لديه عذابا حقيقيا، فهو يتأمل ويهم أن يبدأ القصيدة ولكن... يهم أن تلهمه المدينة ولكن... يهم ولكن... وعندما يكتب قصيدته يعرف كيف ينتقي مفرداتها.

ويعمد دائما إلى تناول اليومي في مدينته الحلم ـ الكابوس، لكن هذا الواقع اليومي مؤول بالماضي ـ والحلم والشعر الذي تكمن الأسطورة بين ثناياه، إنه يومي لكنه أسطورة تتحرك في أزقة طنجة والمدن المغربية الأخرى.

ونستطيع أن نستنتج بأن قصيدة الشاعر منير بولعيش تتمي بكثافتها وأسلبة مفرداتها بالرغم من أنها توحي بتأويل ومعنى غني فيه الكثير من الشمولية، ولكن أحيانا تفقد بعض القصائد تأويلها عندما يستخدم الكلمات المباشرة متعمدا مثل "السياسة، مابعد الحداثة، السلم الطبقي، العام والخاص" وتسميات أخرى، وبالرغم من هذا فإن منير بولعيش يعتبر شاعرا في طليعة جيل الشعراء المغاربة الشباب.

بقلم د.فاضل السوداني


القصيدة خرجت إلى الشارع

منير بولعيش
(المغرب)

منير بولعيشالقصيدة قد خرجت إلى الشارع
فمن سيوقف هذا الطوفان !؟/ من يوقفني !؟
القصيدة التي خرجت إلى شارع باستور
كم تشبهني
أنا الذئب الذي يقتات على الجثث المتحلّلة.
القصيدة التي خرجت إلى بار البريد
غافلتني
و عانقت بائع الملابس الدّاخلية الرّثّة
و قبّلت بائع التبغ الذي يسرح شعره
بعناية
و يبيعني السّجائر المهرّبة
بالتقسيط المريح
القصيدة التي خرجت إلى البولفار
لم تجد امرأة تتغزّل بها
فارتمت في حضني و نامت
القصيدة التي خرجت إلى زنقة الشياطين
تضمر بروقا نائمة
و ثورة بركان يأخذ قيلولته في ساحة الأمم
القصيدة التي خرجت إلى الشوارع الخلفية
لوحت بشارة النصر إلى هيراقليس
الذي كان يقرأ دوره فـي الإلياذة
و يصرخ: (هل هذا أنا ؟ !)
القصيدة التي خرجت إلى الشارع
أخلفت موعدها مع العربي اليعقوبي
القصيدة التي تشبهني…
القصيدة التي تشبه محراث (جوزي بوفيه)
القصيدة التي تخرج إلى الشارع...
القصيدة التي تسكن في الشارع...
القصيدة التي...
القصيدة التي خرجت إلى شارع الحرية
خرجت و لم تعد !!

حكاية الأميرة التي لا تبدأُ بـ...

لا...لن أطيل الحديث عن سالومي، عن الهرّة القمحيّة اللّون، الشّقراء الرّوح كرغوة البيرة المهرّبة من سبتة، المسافرة كبطاقات الميلاد إلى خراب سدوم، حيث انقطعت أخبارها و ضاع أثرها كمصباح علاء الدين، كقافلة علي بابا، كقصيدتي التي تتردّد في الدّخول إلى فردوس الميديا حيث تسريحة الشّعراء لا تختلف كثيرا عن ابتسامة نجوم الأغلفة يغنّون لمراهقات الصّف الثّاني في مدرسة:American Beauty، سالومي: جبل الشهوة المتمدّد على كتل الإسمنت، على إسفلت طنجة الصّلب الصّلب الصّلب كذاكرتي... تعرف... الحديث عن النّساء دائما مكرّر لكنه ضروريّ كحقن المورفين، كأغنية Joaquin Sabina الأخيرة(هل سمعتها !؟)، كديوان بابلو نيرودا الذي بحثنا عنه معا في:

Librairie des Colonneدونما جدوى، لأن طنجة كانت دائما ما تعاند سالومي في قراءة قصيدة حـبّ لبابلو نيرودا، تعاند سالومي في الحبّ، تولم ليلها رجالا عابرين تخونهم عند الصّباح، و تترك أسرّتـهـم فارغة إلاّ من هبوب عطرها الرخيص و رائحة إبطيها القويّة، كان عليك أن ترى سالومي، أن تحبّها ببنطال الرّعاة الممزّق عند الرّكب، بذيل الفرس الجامح كريح الشرقيّ، كان عليك أن تحبّها مثل مردة القصيدة الذين يخطؤون في تقدير قيمة ملابس ال hip hop المقدسة... و لا يميزون بين فصول السنة، لا يحفظون أسماء الشوارع... و يضلّون الطريق دائما إلى café de paris حيث يشربون قهوة الصّباح كلّ يوم !! نعم...الحديث عن سالو... يؤشّر على الجراحات الطازجة... على ندب الحـبّ... على اللّحم الحـيّ لكارلو جولياني، على الرّصاص الحيّ المشحون في جمجمة كارلو جولياني، على البلدوزر الذي محق فراشات راشيل كوري البلّورية، (هل خرجت عن الموضوع؟) لا... لم أبتعد كثيرا، لأن سالومي (أقصد المرأة الحديدية) كانت تحبّ كارلو جولياني، ملامحها تشبه روح راشيل كوري الناضجة كالخريف، لا...أنا لن أتوقف... لأني لم أحدثك بعد عن سالومي، لم أحك لك كيف كانت تصنع لفائف الحشيش، كيف كانت تشرب البيرة و تحكي عن ثورة ماي 68 بدون ملل أو أمل.دعني أحكي لك كيف كنت أحبّها في السّر، كيف كانت تحبّني في السّر، كيف كانت تسألني عن حبيباتي، و كيف لم أسألها عن عُنّـة الرّجال العابرين الذين تتقن خيانتهم عند الصباح و تورثهم أسرّة فارغة إلا من المحارم الورقيّة و الواقي الذّكريّ المتقطّر كدموعها، لم أحكي لك بعد عن سالو...، عن الشفاه المحروقة بتبغ gitanes، عن الشعارات المرفوعة في مظاهرات الأناركيين في برشلونة، عن وقفات الإحتجاج مع الحركات النّسوية، لم أحكي بعد عن...، عن سمكة القرش الفالتة، عن الكوكب الغاضب على المنظومة الشّمسية، عن لفائف الماريجوانا في مقهى الحافة، لم أحك بعد حكاية الأميرة التي لا تبدأ أبداً ب (كان يا ما كان...).


عضة هرقل


قراءة في ديوان "لن أصدقك أيتها المدينة" للشاعر الراحل منير بولعيش



صديقي المبدع حرضني في فلق الخمرة ونحن أكثر وضاءة من قمر عتيد يجاهد الغبش :اكتب عن هذا الرجل لم يداك مشلولتان أيها المتنكر في زي الدراويش ؟

كان لسؤله وقع الصدمة في قلبي وكان منير بولعيش واحدا من أولئك الذين عبروا الضفة الأخري منتشين بأغنية الحياة إلى جانب الذين هزمهم الموت فاستسلموا له منتصبين وهم في عز تشييد الرؤى وسمفونيات الأثر,,,وكنت أخشى أن أباشر إسقاطاتي دونما وازع من نقد ،وأحمل النص فوق ما يحتمله من دلالات غير أني كنت حريصا أن أنسج بيني وبين النصوص القليلة للشاعر الراحل منير بولعيش تلك العلاقة الغامضة التي عادة ما يجد الشاعر نفسه مقحما فيها "مثل قدر" ،قدر لا فكاك منه،سوى ب"المزيد من المعاناة " ، والمزيد من ا جتراح الجميل على قدر طاقة المبدع وتجربته إن على مستوى اللغة أو الصياغات التي يبا شرها إياها أثناء عملية تركيب الصور والمعاني وفق إيقاع نفسي معين .

قل يا صديقي من يقدر على الشعر ونحن المبتلون بآخر الأغنية ؟

قل لي كيف الكتابة؟

ومع ذا وضد ذا سأكتب متحديا طواحيني البائسة وبؤس العادة واليومي, اللذان كانا مذبحا لكل من اجترأ على طرح الأسئلة المستفزة لمصير الفرد في إطار مدن أدمنت تهميش وقتل أزهارها ببطء شديد وبإمعان أشد . بهكذا صوغ نلج النص وليس عبر أي طريق ملتف آخر. الرجل هكذا ،بين المدينة التي تشع بكبريائها الحامض وبين تأريخ من عبروا .هل يريد الشاعر هوية أرقى بالإصرارعلى ارتكاب الحياة حتى تخوم الموت؟

من سيقول ما يقوله الشاعر وهو يحضن الوقت في عينيه وفي شفتيه وفي سكرته ؟

المدينة مرة أخرى وعاء مكاني لذاكرة تتأصل في اللحظة ،لحظة تدركها كلمة الشاعر هاربة مثل غبار، غبار الطلح ، هل يمكن للشاعر فقط وفقط أن يجوس عوالم ذاكرة القراءة بين تلافيف حياة تتبدد؟من يعترف بأن ذاكرة الشعوب تختزنها حيوات الشعراء القصيرة؟رويدك أيها الشعر أيها المبتلى لماذا تريد أن يكون الشاعر أضحية مطلق الفكرة؟ لا بأس لا يشتكي الشاعر طالما أغنيته سائلة عبر لوح الزمان ،طالما أن طرفه لا يني يبصر الظن ، والظن ما يعني ليس سوى اختراق حجب الحقيقة المتوارية باستمرار.وأنا أجوس عوالم منير بولعيش القليلة ،ليخيل لي أني أرى طنجة مثلما رآها ،مدينة في ضباب المتوسط ،ذاكرة للرحيل شامخة بالتعدد والفتنة والاختلاف والترحال من ابن رشد و ابن بطوطة حتى جينيه ودولاكروا,,,,البحر ملهم الشعراء في كل الأزمنة من أوديسا إلى أغنية النيل .هذا الرجل كان شاعرا بحرقة، وهو ينتظرمني أ و من أشباهي ربما ،أن أعانق كلمته الجمر،التي لم يكتب لها أسفا الشعشعة المرجوة - دونما تشاعر لايليق بهامشيتي المضيئة -وأقول حييت في قبرك أيها الشاعر طالما أنه يجب أن نفكر بالموت في كل وقت وحين وحين يُفْجِئُنَا فإنه ليس بالفظاعة التي نتصورها .حللت بالغياب بكلمتك وليس يهمك إرثك القليل فقد قلت الكثير مثلما قاله قبلك بركات وحوماري وهويتعثر في قلق الوجود ولعنته:

"أنا لاجئ في طنجة-1-

(مدينة الحياد)

حيث لا حالمين في مستواي

لذا لا دخل لي بهذا الدم...

لا شأن لي بهذا الجنون ..."

لنعد الى المدينة أنت لاتصدقها أيها الشاعر لم ؟

فلنجترئ على غورك وللكلمات التي دبجها حلمك/خافيتك ،وأنت تخاتل أغنية الرحيل ،كنت تدرك أنك تترك الوصية للبحر ولأمواجه المتنافية إلى الأبد .كنت تدرك هذا وأنت تشهد المدينة عبر فتنة الأنوثة ، أو ليست طنجة امرأتك الحرون العاهر المتجلية في تعدد الصور ؟

من يخاطب مدينة تختزن ذاكرتها ذواكر من نهبتهم فتنتها؟

إلا أن يكون شاعرا أو مجنونا أو قديسا " لم يفه بعد بآية ؟" (الشاعر الأردني الراحل إبراهيم زاير)

ولكني لحد البرهة لم أسائل الشاعر لم كل هذا الوضوح الحداثي في زمن يعيرنا قفاه ويبعدنا عن يقين الحياة؟

تبا للغة لا تقيم في عصر التحولات؟ ولكن الشعر أقوى إنه النفس الحي القائم في روح الإنسان .

هكذا دائما وأبدا......

الثيمات الاساسية االمهيمنة في الديوان تنطلق من بؤرة واحدة مركزية هي طنجة بينما تتفرع من جذعها ما يربوعن حوالي ستة وعشرين قصيدة بالإمكان توصيفها مؤقتا على الشكل التالي :

- طنجة المدينة /الذاكرة

- طنجة المرأة

- طنجة القصيدة.

علما أن هذه المستويات تتداخل فيما بينها بشكل يصعب التمييز بينها، وذلك لأن بؤرة طنجة كما تمت الإشارة إليها ،تظل حاضرة بين تلا فيف النصوص بشكل أو بآخر.....

*1- منذ بداية الرؤية كانت طنجة وحتى ختم نفس القصيدة، المدينة التي :

" لا تدمن الدمع على الأطلال

ولا الحنين أمام ألبوم الذكريات "(2)

لذا فإن الشاعر يعلن مقدما عن وضعية الهامش وبأنه لايمارس أي ترف لغوي خاص .

"هذا العالم يقتسمه رجلان (3)

مجرم حرب وغنيها"

بالتالي لامكان لشاعر يحاول أن يستعيد بهاء الصورة المنذورة للمحو بأنشودة مطر السياب ، هو يعرف أن المدينة التي تسكنه لا تبالي بالقادمين من مناطق بعيدة ،أقاموا بها العمر كله أو بعضه ،ولا تبالي بالعابرين الذين يلفظ أجساد بعضهم البحر،والسياح والمجانين والفنانين ،والمثليين ،والمنتحرين ألخ..،إنها أدمنت رياح الأزمنة حتى لكأنها جوهرة مرصعة في الأعالي تطل دائمة السطوع رغم :

"دولاكروا (4)

أيها التعس

أجئت تبحث عن الضوء

في مدينة

كل مافيها

يهدد بالسواد !! "

وعليه ،لم يتبقى أمام الشاعر سوى الارتماء في حضن القصيدة "المحلوم بها" لأن تحققها في بدء الرحلة أمر غيرمؤكد بل مؤذ وهكذا :

"الشاعر (5)

الذي أدرك

قمة الجبل الكبير أدركته

ال

ه

ا

و

ي

ة !!"

صحيح إذا كان يومىء إلى رامبو وهمنغواي أو إدغار ألان بو ...ف "كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" بحسب ابن عربي وطنجة التي تحرض على الترحال على هدي بحرها المشرئب شمالا ،ذلك الذي شق عبابه رحالة كبار كابن بطوطة لابد أن يورث جيناته لرحالة أوغل في الغرق !! يقول منير:

"كنت المهاجر السري الوحيد (6)

من يدمن عن ظهر بحر

(تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)

لكنني كنت أغرق ....

أنا الوارث الأخير

لسر الرحيل....

الوحيد

من يحفر على ذراعه

هذا الإسم :ابن بطٌوطةَ

لكنني كنت :أغرق....."

نجد في قصائد منير بولعيش اشتغالا على الذاكرة الثقافية لطنجة بوصفها شكلت محطة وربما مقاما للباحثين عن أفق ثقافي تقاطعي لثقافات البحر المتوسط وهو أمر ملحوظ فهاهو يشير إلى إشبيليات المغني joaquin sabina ولوحات دولاكروا ودون كيشوت سيرفانتس،مرات يبدو كأن الشاعر يريد أن ينضو عن طنجة رداءها لتظهر فتنتها الامتدادية من الأندلس وإلى ماشاء البحر. يقول الشاعر :

طنجيس : "منفى كبير -7-

وهذا البحر جبانة

فلنسترح من الإلياذة هيراقليس

ولنلعب الورق:

(العالم يغير سلمه الطبقي

وأنت من هذه المغارة

تحلم بتغيير العالم !!)"

بولعيش لم يخرج من بيضة طنجة طيلة عمره، حتى إذاهمَ بمعانقة رحاب القصيدة ،تضاءل لديه الأوكسيجين وخانته القدرة ،فسقط

على الإسفلت البارد القاسي .....

*2- وإذ تظل طنجة موئل الحلم والمعشوقة الأولى فإن تماهيها بامرأة أناركية التوجه ،يكون أقرب إلى حقيقة الأشياء:

"فستانك القرمزي: - 8-

أهم حدث في هذا اليوم[1]

وضحكتك البيضاء:

نقطة ارتكاز هذه الغرفة

لذا دعك من الثرثرة .....

...وطنجة – على العموم-

لاتدمن الدمع على الأطلال ....

....فكفي عن هذا الكلام المكرر

إنه يعمق وجعي

واحترمي صرخة الذئب

في جسدي ....."

المرأة بالنسبة للشاعر ليست أي امرأة ، إنها امرأة رافضة لشرطها الشرقي المخزي ،امرأة حاضرة في الصراعات السياسية والفكرية حاضرة بوجودها الأنثوي الباهر، الضروري ، تلك التي لاتساوم ترسبات اللاشعور البائس الذكوري لدى الرجل الشرقي ،الرافضة ب" البنطال الممزق ...(9)

من تبعثرني تحت تفاحها

شظايا ذئب ...

وشلو شاعر دونما

أغنية ...."

ثم تلك التي :

"تخرج إلى ساحة الأمم

في مظاهرات ATTACK

ضد العولمة وحرب العراق ...

من تعقص شعرها

ذيل طاووس

وتزعم الانتساب الأبدي

إلى جيل 68".

ماذا تبقى حقا من جسد منذور للرغبة في السفر الكبير على أجنحة الحرية ؟ سوى أن يتملى في طلعة القصيدة طالعة من رغوة الأمواج متماهية مع الوقت ؟

*3- ولان للشعراء الفاتنين والمفتونين بعسل حب الحياة ،فإن قدرهم أن يشكلوا تلك الشريحة التي تمزقت عن جسد العالم ، وهبوطهم من الأولمب بحسب " نيكانور بارا" إيذان بالبدء في مغامرة إجلاء الجميل والوعر، الحقائق البداهات والحقائق المتلفعة بالظلال ، كل مابوسعه إضاءة المعتم ، هذا مع المعرفة المسبقة بأن الشعر منذور للقلة ،خصوصا أولئك الذين يقدمون وجه الحياة عاريا على لغو لغة لا تتوسل إلى الحياة بكل تحولاتها كي تحيا وتزدهر، غير أن هذه الطينة من الشعراء ،بما أن مسعاهم في غاية الشدة فسرعان ما يهزمهم الزمن ويتآكلون بشكل أو بآخر كأشرعة مزقتها العاصفة . ولكن ليس الإنتصار في تتويج زائف وفي تضخم لا معنى له ،بل في السعي الصادق رغم الكبوات المتوقعة والخيبات المترصدة ...

يقول منير :"-10-

الشاعر الذي انتهى تمثالا في متحف الشمع ،خذلته قرون الإستشعار في الإهتداء إلى الرابط السحري الذي يصل الزنقات بالزنقات ، الشوارع بالشوارع ،الحانات بالشعراء ، المقاهي بالكسالى ، والأمهات بمزار القديس سيدي المصمودي ، حيث أشعل الشموع – كل يوم – وأصلي لأجل الشاعر الذي انتهى .... انتهى تمثال شمع !! "

ومع أن نصوص منير تفتقد قدرا من نكثار التجربة الشعرية والمغامرة اللغوية الميتافيزيقية لكي تكون مرغوبة أكثر،فإنها مع ذلك تؤشر إلى بدايات قدرة صياغة شعرية غير متكلفة أو متشعلقة بوهم التميز،ومع ملاحظة تأثرها بالعديد من صياغات قصائد لسعدي يوسف وهو يشعرن اليومي والعارض خصوصا قصيدته المطولة"كيف كتب الأخضر بن يوسف قصيدته" إلا أنها تنم وتعد بأفق يتجاوزأحراش اللغة في ذاتها ومايمكن أن تقدمه من هذيانات ذهنية أبعد من لطافة الحياة بما تقدمه من "معاني مطروحة في الطريق" بحسب الجاحظ ،الى الرغبة في توظيفها من أجل إجلاء الشعري الكامن في اليومي والعابر.

يقول :

"القصيدة قد خرجت إلى الشارع- 11-

فمن سيوقف هذا الطوفان !؟/من يوقفني !؟

القصيدة التي خرجت إلى شارع باستور

كم تشبهني

أنا الذئب

الذي يقتات على الجثث المتحللة...."

القصيدة التي خرجت إلى البولفار

لم تجد امرأة

تتغزل بها

فارتمت في حضني ونامت ....

القصيدة التي خرجت إلى الشوارع الخلفية

لوحت بشارة النصر

إلى هيراقليس

الذي كان يقرأ دوره في الإلياذة

ويصرخ هل هذا أنا؟ !)"

ههنا نجد أن القصيدة التي تشكل أولى حروفها الحنجرية انطلقت من الصدر كالزفرة،كالغرغرة المتقطرة من بدن الشاعر ووجوده المترع بالضياع لتجوس المكان ،تتركه بلا حول على قارعة الحلم باردا كسكين على رخام بارد ، ورويدا رويدا تتفلت من قيد حاملها متخللة الشوارع والزنقات ونصوص من عبروا الى فضاء الحرية الرحب .

لعل من المفيد الاعتراف بأن الوقوف المتأني على نصوص الديوان يتطلب جهدا مضاعفا آخر يتمثل في أن الشاعر منير بولعيش قد ألقى بكل مالديه في جب الديوان ، وهومغر بما يكفي للغوص فيه أعمق ،فقد بدا أن الشاعر قد وظف العديد من التقنيات التي تميز قصيدة النثر وإن كانت غير موحدة بشكل قار ،فالكلمة داخل النص تشكل لبنة في بناء الصورة والايقاع الداخلي المتأرجح بين التباطؤوالسرعة ،يجعل القارئ مشدودا الى التداعي الحر لدى الشاعروهو ما أفظى إلى إنتاج نصوص تخاطب وعي القارئ فيما تتلاعب بمخيلته ومخزونه الثقافي ... عل سبيل المثال توظيف بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن موسى والوادي المقدس طوى مع الانزياح الضروري لإنتاج الدلالة المفارقة تماما للمعنى الوارد بالقرآن ،بالإضافة الى الإستحضار المكثف للعديد من الرموز الأدبية والثقافية التي احتضنتها طنجة كالراحل محمد شكري و"خبزه الحافي " والكاتب الأمريكي بول بولزوالمغني البوهيمي أل[2]ان جنسبورغ وغيرهم مما يدل أن الشاعر حاول تكريس المعنى الثقافي لمدينة طنجة بوصفها حلقة من حلقات المدن الكبرى التي شكلت رصيدا مهما حياتيا وإبداعيا لهؤلاء المبدعين .[3]

إحالات :

1- قصيدة :"شهادة إثبات" ص :21

2- قصيدة "حكمة" ص :7/8

3- قصيدة "تعاسة" ص :12

4- قصيدة " الشاعر" ص :38

5- قصيدة "غرق" ص:16/17

6- قصيدة "هيراقليس" ص:28

7- قصيدة "نوستالجيا" ص:10/11

8- قصيدة "الرافضة" ص :25/26

9- قصيدة ""الشاعر "ص :39

10- قصيدة "القصيدة خرجت إلى الشارع" ص:60/61



فاس في :31/01/2012

عبد الرحمن حمومي


قصيدة سياتل و شعرية الإحتجاج...
ل ـــــ منيربولعيش

(هؤلاء الشباب الذين ترونهم أمامكم بسراويلهم الممزقة... بوجوههم التي تتسع للأقراط...
و بأحذيتهم المقطعة... لا تحكموا عليهم، لديهم قلوب واسعة و لديهم أدمغة تفكر )

مقطع من الكلمة التأبينية التي ألقاها
والد: كارلو جولياني (أيقونة الحركات المناهضة للعولمة) في جنازة ولده.





أولا و قبل الإسهاب في الحديث عما أسميه ب(قصيدة سياتل)، لا بد و رفعا للبس و الغموض أن نعطف قليلا و في نفس الإطار للحديث عن السياق الكبير الذي تمخضت عنه هذه القصيدة، و هو ما يعرف في أبجديات المهتمين بشأن الحركات المناهضة للعولمة ب (جيل سياتل )، هذا الإسم الذي صار لصيقا بهذه الحركات في مختلف وسائط الميديا العالمية، بعد المظاهرة التي شارك فيها ما يقارب من 40 ألف رافض ضد إطلاق جولة تفاوض جديدة لمنظمة التجارة العالمية في نونبر 1999 بمدينة سياتل الأمريكية، المظاهرة التي شكلت بحق انعطافة مفصلية في مسار الحركات المناهضة للعولمة، هذه الحركات البكر و المتكونة في مجملها من شباب هامشي حركهم (بالإضافة إلى أفكارهم التي تمتح في الغالب من الفكرين: الأنارشي و الماركسي) إيمانهم العميق بالمصير المشترك للإنسان و بالعدالة الاجتماعية و الديمقراطية...
و برغم كل ما راج عن عفوية هذه الحركات و افتقادها لمشروع نضالي واضح، إلا أنها و مع استمرار معاركها و نجاحاتها بدأت تعزز صفوفها سنة بعد أخرى بأسماء كبيرة من المثقفين و الداعمين، الذين نذكر منهم على سبيل التمثيل لا الحصر: الفلاح و الفيلسوف الفرنسي (جوزي بوفيه ) و المحامي و السياسي الأمريكي (رالف نادر ) و رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك (إيجينيو رامونييه ) الذي أسس حركة (أطاك ) سنة 1988 و عالم اللسانيات (ناعوم تشومسكي ) و الروائي البرتغالي الحائز على جائزة نوبل (خوسي ساراماغو ) و (إيريك توسان) مؤسس لجنة إلغاء ديون العالم الثالث و الأرجنتيني (أدولفو بيريز أسكفيل ) الحائز على نوبل للسلام و البرازيلي (أوديد غراجوف ) مؤسس المنتدى الإجتماعي العالمي ببورتو أليغري، بالإضافة إلى العديد من المثقفين الشرفاء، الذين يحاولون بلورة سياق تنظيمي للحركة و تشكيل تكتل رفض مكون من الحركات السياسية و الإجتماعية التقدمية بهدف خلق عولمة بديلة و إعادة ترسيخ ثقافة الإحتجاج و تقديم بدائل جديدة عوضا عن البديل النيوليبرالي الزائف.

قصيدة سياتل:
الحديث عن الهموم الجمالية لجيل سياتل هو حديث مركب باعتباره أيضا معالجة في المجمل لانعطافة تاريخية استثنائية، بالإضافة إلى أنه لا يمكن مقاربة هذه الحالة دون ربطها ببعض المنعطفات الإنسانية الأساسية المشابهة و ما كانت تفرزه وقتها من حساسيات جديدة و اقتراحات و أشكال فنية تناسب المرحلة (ثورة جيل 68 مثلا و تأثيراتها الجلية آنذاك على مختلف الميادين)، لذا كان من الطبيعي جدا لمرحلة (سياتل ) أن تفرز أيضا قصيدتها المتفردة (يجب الإشارة هنا أن الأمر لا يتعلق بالشعر فقط، بل يتعداه إلى مختلف الأجناس الفنية كالموسيقى و أفلام الفيديو مثلا و الغير فنية كوسائط الإتصال و شبكة الإنترنيت و بروز ما يسمى بالهاكرز)، هذه القصيدة التي لا تخص فقط (جيل سياتل ) وحده، بل إنها تختزل الأرض كلها بدفاعها عن قيمتي الرفض و الإحتجاج و أيضا بالتقاطها لمظاهر الإفلاس في العالم و إصرارها على أن تكون جملة اعتراضية لا علاقة لها بالتصنيفات النقدية و لا بقوالب النظريات الجامدة و لا بالتهويمات الخارجة من الأبراج العاجية، فالشعر الذي ألقي و يلقى في المظاهرات المتعددة هنا و هناك، يظل لحد الآن شعرا عفويا و متفاوتا من الناحية الفنية، لكنه و مع ذلك يعبر عن مرحلة مفصلية يجتازها العالم، مرحلة تزداد نضجا و اتضاح رؤية معركة بعد أخرى، هذا النضج الذي يطال أيضا هذه القصيدة التي قد تكون في أحد جوانبها (الجانب الغائي و المتعدي ) تتقاطع مع قصيدة مرحلة المد الماركسي، لكنها تتمفصل عنها و بشكل مطلق في كونها لا تنطلق من حزب معين و لا تمدح قادة تاريخيين و ليست بوق دعاية لأية نظرية جامدة، (قصيدة سياتل ) قصيدة خاصة تنطلق من الذات لكنها تجتهد كي تتقاسم الكثير مع الحس المشترك، ببلورتها لذائقة شعرية مقاومة لا تلغي فردية الشاعر و خصوصياته و دون أن تسقط في تقريرية سياسية فجة، إنها بتعبير آخر: قصيدة مكتوبة بوعي سياسي لكنها ليست قصيدة سياسية بالمعنى التقليدي المباشر. شعراءها ليسوا نجوم منابر و أغلفة، بل شباب هامشي تضيع أسماءه و أصواته في صخب مظاهرات سياتل و بورتو أليغري و جنوة... ، قصيدة تعبر عن أحلام كبيرة و توق إلى أفق بديل و انزياح كامل عن اللهجة السائدة: لهجة الفراغ و العدم و النهايات التي كرستها بقوة مرحلة ما بعد الحداثة و عرابها (فرانسوا ليوتار ).
إذن و كتلخيص للكلام السابق يمكن لي القول، أن قصيدة سياتل تبدوا اليوم، كمن تحاول تمثيل مرحلة تاريخية جديدة و ذلك بدفاعها عن مبادئ إنسانية شاملة و شجبها انهيار إرادة الأخلاق في العالم و أيضا بوقوفها في صف الرفض و صف من لا صوت لهم، ضد كل الجهات المتحكمة في خيوط اللعب، مما يجعلني وعلى عكس ما قد يعتقد البعض، لا أقارب هذه القصيدة باعتبارها ظاهرة مناسباتية عابرة أو بديل جمالي رومانسي مؤقت يتحرك وفق برنامج دُورِ الأزياء الفصلية: صرعة تفرغ الركح لصرعة أخرى، قصيدة سياتل صرخة احتجاج تستمد ديناميتها من الإيمان اللاّمتناهي لهؤلاء الشباب بالتغيير و بعالم (يوتوبي) خال من كل أشكال الإستغلال البغيضة للإنسان، هذا الإيمان الذي يتجلى و بشكل واضح في هذا المقطع الإستهلالي من البيان الصادر عن المنتدى الإجتماعي العالمي ببورتو أليغري: (احتشدت القوى الإجتماعية من مختلف أنحاء العالم هنا في بورتو أليغري، المنتدى الإجتماعي العالمي، نقابات و حركات و منظمات غير حكومية، مثقفون و فنانون، نقيم معا تحالفا عريضا لخلق مجتمع جديد، مختلفين عن منطق الهيمنة و السيطرة الذي تعتبر فيه السوق الحرة و الأموال المقياس الوحيد للثروة، إذا كانت ديفوس تمثل تمركز الثروة... الفقر... و تدمير الأرض، فإن بورتو أليغري تمثل الأمل في أن بناء عالم جديد أمر ممكن، يكون فيه الوجود الإنساني و الطبيعة مركز اهتمامنا ).

بقلم منير بولعيش


آدم كائنا من كان... آدم ليس إلا...

منير بولعيش
(المغرب)
1..

رقيم القناع:

أتدخر
ما يكفي من الصفاقة ؟؟
كي تجلس وجها لوجه
أمام كأس الشاي و قطعة المدلين
و تشرع ــ كمثل الروائي ــ
في افتعال النكوص
معبأ بالتداعي النوستالجي
و قناع ميثولوجي
أتقن مثلك لعبة القفز
فوق السياج...
تتقمصه / يتقمصك
كيما لا تعرف أيكما أنت
(القناع أم أنت ؟ !)
و أيكما
يمنح للآخر ذاكرة ؟
كي يعيش في الزمن الضائع
بسلطة الذكريات
أعرف: التنفس في الأسطورة
أقدر على الخلود
فلتتأسطر...
و لتتذرع بنشيدك الطفولي: قافلة تمر
ــ لست قافلة
أنا آدم كائنا من كان…
آدم ليس إلا...


.2..
رقيم المقامرة:


1

آدم
شد هذا العالم
من أذنيه
اسحبه سحبا إلى طاولة
القمار
و العب بكل شيء
كي تكسب كل شيء: (اللاّشيء )
إلعب حد إفلاسك
أو إفلاسه

2

أيها العالم
كن مقامرا على مستوى
قصيدتي
على مستوى شاعر
خامل الذكر
لا يدعي النبوة...
و لا يلعب دور الجنرال...


3..
رقيم العزف المنفرد:

مرة أخرى...
أيها المفرد في الكناية
تخطئك الأمكنة / الأزمنة
لا أنت من نسل الشمال
لا أنت من صلب الجنوب
لا و لا أنت بين بين
تذريك رياح الجنون
تلمك رياح الرحيل
و ها أنت: نخلة رفض
لا تعبأ بالسحاب: يمطر
أو لا يمطر
يعمدك نسغ من دماء
الأحبة
هاربين كوكبا... كوكبا...
و سلواك: دُورية هتك
تخدش الغسق صداحا و نشيدا...


4..
رقيم الهوية:


بعيدا عن السرب
ألقن الآخرين أنشودتي
و أقفز على النائمين
دونما حلم
يقض طوطم الخرافة
هكذا أرمي الرسائل
بعيدا
عن المشهد الأجرد
أفك جني الكلمات الرافضة
من القمقم البارد
أحتمي بمعطف الغاضبين
و أصرخ: (أسعفيني يا أبجدية الهتك...
يا مداد الطلائع القادمة...
يا زوابع الكلام...
و لقنيني حكمة الفراشات
حبلى
بربيع يخصب الأرض)


5..
رقيم النكوص:

أتأخذ اسمك مني ؟
و تتركني في مهب رصيف
بارد
أبكيك مرة ومرة...
أنا لم أخنك كثيرا: الطبشور
بيدي
و الحائط الجديد ذات الحائط
القديم: ــ آدم يعشق امرأة
ــ أدم زين البسيطة
ــ آدم يسرق تفاح الحديقة
ــ آدم... آدم... آدم...
الحائط ذات الحائط
و الطبشور يخدش حياء
الجنة
و يمعن في الفضيحة و الهتك


6..
رقيم الرغبة:


و يأتي
بشهوة ذئب يعوي
بين المسافات
لسع الرغبات يتوج جسدين
أنهكتهما الصحراء
تساقط ورقات التوت
و آدم (الاهث خلف التفاصيل )
ي
ن
ز
ف
على بينة من الرخام
و يودع السر في قرار
مكين
الآن تبدأ مواسم المد / الجزر
عواصف الماء
لا عاصم اليوم...
لا عاصم اليوم...
من كل فج عميق: الماء... الماء... الماء...
من كل فج: ــ يتفجر نسغ الخصوبة
ــ تكتب أسفار التكوين
ــ تنشق عن الغيب صومعة الجسد
(آه أيها الجسد...
هش أنت و قاتل كبيت عنكبوت )
قال آدم
و لم يلتفت لثرثرة الغيب
بين الزوايا.


لطنجة ان تفخر بمنير سليل المبدعين الصادقين حبا للبلد
ومازال الضوء ينتمي اليك شاعرنا

رحمك الله
][color=






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط