العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-2015, 02:57 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

مدخل


[justify]يعتمد الشاعر عادة في بنائه للصورة الشعرية الاستعارية على دعامتين رئيستين هما:التشخيص والتجسيم.
والتشخيص أكثر الصور قدرة على التعبير عن المشاعر الداخلية، وأكثر قدرة على تحقيق الإسقاط، إذ يسقط الشاعر ذاته على مظاهر الطبيعة من حوله، ويخلع الحياة الإنسانية والشعورية والحركة على ما لايعقل، وينقل الصورة من مجرد الإخبار الذي يمثل الصدق والكذب إلى تخيل مشاهدة أحداثها ووقائعها، مما يوهم القارئ أن المبني على الظن أصبح حقيقة، وذلك كقوله تعالى: "والصبح إذا تنفس".

والتشخيص ذو قدرة على التكثيف والإيجاز، وهذا أمر يتناسب مع ذاتية المبدع الرومانسي وتجاربه الخاصة، وهذا يفسر بروز هذه الظاهرة في العصر الحديث بعد ثورة الرومانسيين على الأسس الجمالية للتفكير التقليدي.
ولا شك أن بروز هذه الظاهرة عند الشابي خاصة، وفي الاتجاه الرومانسي بصفة عامة، وإيثار الشعراء الرومانسيين لهذا النوع، لا يعني أن هذه الظاهرة جديدة على الشعراء، وإنما يعني ارتفاع نسبة تكرار هذه الظاهرة الأسلوبية عند الرومانسيين أكثر من سابقيهم.

وقد أشار عبد القاهر الجرجاني إلى التشخيص وأهميته، لذا يعلق على بيت المتنبي لما جعل الجوزاء تسمع على عادتهم في جعل النجوم تعقل ووصفهم لها بما يوصف به الأناسي.
كما أشار عبد القاهر إلى هذه الظاهرة وأهميتها في تشكيل الاستعارة.. فبالاستعارة ترى الجماد حياً ناطقاً، والأعجم فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية.
وهذا يدل على أهمية التشخيص باعتباره ظاهرة فنية وسمة أسلوبية توافرت في الأدب العربي قديمه وحديثه، كما شاعت في الآداب الأخرى قديماً وحديثاً.

وأما التجسيم فهو إيصال المعنى المجرد إلى مرتبة الإنسان، أو تصوير المعنوي بالحسي. وهو ما أشار إليه عبد القاهر الجرجاني في حديثه عن الاستعارة إذ يقول: إنها تريك المعاني اللطيفة كأنها جسمت حتى تراها العيون. وتركز معظم الدراسات التي تعرضت للتجسيم على قدرته وفاعليته في استيعاب المعنويات والمجردات، فالتجسيم هو تجسيم المعنويات وإبرازها أجساماً أو محسوسات على العموم
.[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 08-04-2015, 03:11 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]وقد اعتمد أبو القاسم الشابي في تشكيل موقفه ورؤيته التي تصور الصراع والآلام بداخله على التشخيص الذي ينتشر في شعره انتشاراً واسعاً، والذي كان وسيلته للكشف عن انفعالاته وآلامه الداخلية وصراعه مع مجتمعه، فالتشخيص ذو قدرة كبيرة على التكثيف العاطفي، وعلى الإيجاز والإيحاء، وهذا أمر يسعى إليه شعراء الرومانسية ومنهم الشابي بصفة خاصة.[/justify]
[justify][justify]كما قد نرى في شعره كذلك صوراً شعرية تعتمد على التجسيم تعبر عن شوقه إلى ما هو غائب، والقبض على عوالم ورؤى تعذب خياله، فيحاول اقتناصها ووضعها في أقفاص المادة المحسوسة.
وإذا ما ذهبنا نستعرض كيف استطاع الشابي أن يخلق عوالمه الشعرية الخاصة من خلال تمكنه من استعمال الصورة الشعرية الاستعارية، فسوف نجد عالماً خصباً في ديوانه (أغاني الحياة) لهذه الصور.
[/justify]


[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 08-04-2015, 03:21 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]في قصيدة (مأتم الحب) من ديوانه (أغاني الحياة)، يبدو التشخيص واضحاً منذ عنوان القصيدة، وهو أهم محاور التشخيص فيها، فهو يصور الحب كائناً حياً قد مات وهو يقيم له مأتماً، ثم يبدأ في إسباغ الصفات الإنسانية على المعنويات حيث يقول:[/justify]

ليت شعري !
أي طير ٍ
يسمع الأحزان تبكي بين أعماق القلوب
ثم لا يهتف في الفجرِ، برنّات النحيب
بخشوع واكتئاب؟


فهو يجعل الأحزان (تبكي) وكأنها إنسان، ثم يعجب من طير يسمعها تبكي، ولا يتأثر ببكائها كما لو كان إنساناً هو الآخر، فـ (يهتف برنات النحيب) مشاركاً إيــاه حزنه على (الحب) الذي (مات).








أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 08-04-2015, 03:26 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]ويستمر:[/justify]

لستُ أدري
أيُّ أمرٍ
أخرس العصفورَ عنّي أترى مات الشعور
في جميع الكون حتى في حشاشات الطيور ؟
أم بكى خلف السحاب ؟

[justify]
يتساءل في مرارة واضحة، وقد أصمّه الحزن على (موت الحب)، فما عاد يسمع تغريد العصفور: أترى مات الشعور في جميع الكون حتى في حشاشات الطيور؟ وكأن الطيور بشر تشعر كما يشعر البشر، فلما لم تشاركه حزنه، وصفها بـ (موت الشعور)، ومرة أخرى، يجعل (الشعور) يموت كما يموت البشر أو الكائن الحي في استعمال مغرق للتشخيص.
ويكثف الاستعارة بالتساؤل: أم بكى [أي الشعور] خلف السحاب؟ فهو لا يدرك من وقع المصاب ما إذا كان الشعور قد (مات) أم (بكى) ولكن دون أن يراه أو يسمعه، (لاختفائه خلف السحاب).
وفي تصويره لغربته في الكون، نراه يناجي (مسمع القبر)، جاعلاً للقبر قدرة على السمع كالإنسان، في صورة استعارية تعتمد التشخيص كذلك، يقول:
[/justify]

في الدياجي
كم أناجي
مسمع القبر، بغصات نحيبي، وشجوني
ثم أصغي، علني أسمع ترديد أنيني
فأرى صوتي فريد!


[justify]وفي المقطع التالي يجعل من فؤاده شخصاً يناديه:[/justify]

فأنادي:
"يا فؤادي"
"مات من تهوى! وهذا اللحد قد ضم الحبيب"
"فابك يا قلب بما فيك من الحزن المذيب"
"إنك يا قلب، وحيد!"

[justify]
ويدعوه للبكاء كما يبكي الإنسان حبيبه، في صورة تشخيصية مكثفة للقلب.
[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 08-04-2015, 04:03 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]
ومن الأمثلة الأخرى على استعمال الشابي للتشخيص في شعره :


أيها الليل ً ! يا أبا البؤس والأهوالِ!
يـا هيكـل الحيـاة الرهـيـبِ!
فيـك تجثـو عـرائـس الأمــل الـعـذبِ،
تصـلّـي بصوتـهـا المـحـبـوبِ


فالليل هنا إنسان وأب والبؤس والأهوال أبناؤه، و الأمل له (عرائس) تجثو في هيكل الحياة الرهيب و(تصلي) بـ (صوتها) المحبوب.

وفي هذه المفارقة التي يبرزها تشخيص الشاعر لليل والأمل تصوير رائع للصراع الذي يريد الشاعر إبرازه بين قسوة الحياة وما يتمتع به الإنسان من أمل يكمن بين جوانحه في قدرته على مجابهة هذه القسوة والتغلب عليها. فالليل في آن واحد موئل للقسوة ومهد للأمل . ويتجلى ذلك في معالجة الشاعر لهذين الضدين من خلال مخاطبته لليل
على مدار القصيدة ذات الأبيات الستة والخمسين والمعنونة (أيها الليل).

ومن الصور التشخيصية الأخرى التي يبرز الشاعر من خلالها هذا الصراع في هذه القصيدة:



أيهـا اللـيـل! أنــت نـغْـمٌ شـجـيٌّ
في شفـاه الدهـور، بيـن النحيـبِ
إن أنشودة السكون، التي ترتـجُّ
فـي صـدرك الـرَّكـودِ، الرحـيـبِ
تُسمعُ النفسَ، في هدوء الأماني
رنَّةَ الحـقِّ، والجمـال الخلـوبِ
فتصـوغ القـلـوبُ منـهـا أغـاريـداً
تـهـزُّ الحـيـاةَ هــزَّ الـخـطـوبِ


فهاهنا للدهور (شفاه)، ولليل (صدر ركود، رحيب) وللحق(رنّة)، والقلوب تصوغ أغاريد (تهز) الحياة.

تتلوّى الحيـاةُ، مـن ألـم البـؤسِ
فـتـبــكــي بــلــوعــةٍ ونـحـيــــبِ
وعـلـى مِسمعـيـكَ، تـنـهـل نـوحــاً
وعويـلاً مـرّاً، شجـونُ القـلـوبِ
فـــأرى بـرقـعـاً شفـيـفـاً، مــــن الأوجاعِ،
يُلقي عليكَ شجوَ الكئيبِ
وأرى فــي السـكـون أجنـحـة الــجبّــارِ،
مخضـلّـةً بـدمـع الـقـلـوبِ



الحياة (تتلوى) كأنها إنسان يتألم من البؤس، وهي (تبكي بلوعة ونحيب) كذلك، و(تنهل) شجون القلوب على (مسمعيْ) الليل نوحاً وعويلاً مراً، مثل مخلوقات بشرية تئن من وقع الألم فتبكي ويسمعها الليل الجبار الذي يؤلمها، فيرقُّ قلبه لها، في لفتة من الشاعر إلى تفاعل هذا (المخلوق) الذي شخّصه لنا مع المخلوقات التي تتألم بسببه ومنه، تصويراً للصراع الذي يعالجه الشاعر هنا بين السالب (الليل) والموجب (الأمل) وما يحدثه هذا الصراع من أثر يرمي الشاعر إلى الوصول إليه، وهو تغلب الجانب المضيئ على الجانب المعتم في الحياة، وبذلك يصور الليل وقد أثر فيه توجع الحياة وهي تتلوى، وبكاء شجون القلوب، فرأى الشاعر بسبب ذلك برقعاً شفيفاً من الأوجاع (صورة تجسيمية هنا) يلقي على الليل شجوَ الكئيب(صورة تجسيمية أخرى)، وبذلك اخضلت أجنحة الليل الجبار في سكونه بدمع القلوب، في صورة تشخيصية أخرى مكثفة، تصور لنا الليل كائناً جباراً ذا أجنحة هائلة يفردها على الكون والبشر، لكنها لرقة انتابته من حزن الناس والقلوب اخضلت بدموعهم فأكسبته نوعاً من اللين.
[/justify]


(يتبع)







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 12:40 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي
قراءة أولية للترحيب بالوجه النقدي للشعراء
نزار ناقدا..
لي عودة
مودتي



أخي عوض،،،

مرحباً بك في كل مكان وحين،
بانتظار عودتك الميمونة إن شاء الله!

محبتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 01:02 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]
وفي مكان آخر من الديوان ، نرى في قصيدة (الزنبقة الذاوية) اتحاده مع عنصر من عناصر الطبيعة، هو الزنبقة في حالة من حالاتها التي يشي بها عنوان القصيدة، وهي حالة الذبول. فهو يتماهى معها من خلال مقارنة ما بين ما صارت إليه من الذبول بسبب عوامل الطبيعة التي يشخصها الشاعر ككائنات حية تسبب للزنبقة ما يؤدي بها إلى الموت، وما صار إليه هو بسبب عوامل مشابهة معنوية يشخصها الشاعر كذلك ككائنات حية تسبب له ما يؤدي إلى المصير نفسه .
وهو يخاطب الزنبقة كمخلوق حي يحس ويشعر ويتألم ويعاني يقول:
[/justify]

أزنبـقـةَ السـفـحِ؟ مـالــي أراكِ
تـعـانـقـك الـلــوعــة الـقـاسـيــة؟
أفي قلبك الغضِّ صوتُ اللهيبِ
يــرتـــل أنـــشـــودة الــهــاويــة؟
أأسمعَـكِ اللـيـلُ نــدبَ القـلـوبِ
أأرشـفـكِ الفـجـرُ كــأس الأســى؟
أصـب َّ عليـك ِ شعـاع ُ الـغـروبِ
نجيـعَ الحـيـاةِ، ودمــع المـسـا؟
أأوقــفــك الــدهــرُ حــيــث يُــفَــجِّر
نوْحُ الحيـاة صُـدوعَ الصـدورْ؟
وينبـثـق ُ الـلـيـل ُ طـيـفـاً، كئـيـبـاً
رهيبـاً، ويخفـق حـزن الدهـورْ؟


[justify][/justify][justify][/justify][justify]
في مجموع هذه الصور التشخيصية المكثفة، يعرض الشاعر بأسلوب السؤال الاستنكاري، وبرنة من الحزن تمزق القلب، ما آل إليه حال الزنبقة بسبب تآزر عوامل الطبيعة عليها،
وكأنه يخاطب إنساناً يتعذب ، كما لو أنه يخاطب ذاته من خلالها.
فاللوعة القاسية (تعانق) الزنبقة، ولنا أن نتصور اللوعة مخلوقاً حياً بكل ما تحمله اللوعة من معان قاسية، ثم هي (تعانق) الزنبقة، بكل ما يحمله معنى العناق من الالتصاق والضم والاحتواء. ثم يتابع، فيمنح اللهيب صوتاً، ويجعله (يرتل) بـ (صوته) ذاك في قلبها الغض أنشودة الهاوية: أنشودة القبر / الموت. واللهيب هنا كناية عن العطش، ربما بسبب قلة الري.
ويصعّد الشاعر تكثيف صورة المعاناة بتشخيص الليل كإنسان يتكلم فيسمع الزنبقة ندب القلوب، وكأن القلوب كذلك أناس تندب، ويجعل الفجر إنساناً آخر يرشفـــها كأس الأسى
(مجسماً ها هنا الأسى بنوع من شراب)، ثم يستمر في تصعيد التكثيف بتشخيص شعاع الغروب كإنسان آخر يتآزر مع السابقين عليها بصب نجيع الحياة (الدم) ودمع المسا، كناية عن لون أشعة الشمس عند الغروب (الأحمر)، ولا يتوقف حتى يجعل الدهر جلاداً يوقفها حيث تتلقى حكمه النهائي بالقضاء المبرم على ما تبقى فيها من الحياة: حيث يفجّر نوح الحياة صدوع الصدور، فكان نوحُ الحياة تشخيصاً آخر مضافاً إلى كل ما سبق،
وكأنه هو الذي ينفذ الحكم بالموت، فيفجر صدع صدرها، يقتل الحياة فيها، لينبثق الليلُ (الموت) طيفاً كئيباً رهيباً، ومن ثم، يخفق حزن الدهور، فللدهور أيضاً هنا صورة تشخيصية بجعلها ذات حزن كما البشر.
وإذ ينتهي الشاعر من تصوير حال الزنبقة وما آلت إليه من نهاية بائسة، فإنه يهيئنا بذلك إلى مقابلة ما هو عليه بما هي عليه في المقطع التالي من القصيدة، وذلك عبر مجموعة أخرى من الصور الاستعارية التشخيصية:
[/justify]

إذا أضجرتـكِ أغـانـي الـظـلامِ
فقـد عذبتـنـي أغـانـي الجحـيـمْ
وإن هجـرتـكِ بـنـاتُ الغـيـومِ
فـقـد عانقتـنـي بـنـات الجحـيـمْ
وإن سكب الدهرُ في مسمعيكِ
نحيـبَ الدجـى، وأنيـن الأمــلْ
فقـد أجـج الـدهـر فــي مهجـتـي
شواظـاً مـن الحـزَنِ المشتعـلْ
وإن أرشفـتـك ِ شـفـاهُ الـحـيـاةِ
رضابَ الأسـى، ورحيـق الألـمْ
فـإنــي تـجـرّعـتُ مــــن كـفـهــا
كـؤوسـاً مؤجـجـةً، تـضـطـرمْ


[justify]إذن حال الشاعر كحال الزنبقة الذاوية:
فللظلام أغانٍ أضجرت الزنبقة، وللجحيم أغانٍ عذبت الشاعر. وبنات الغيوم (قطرات المطر) هجرت الزنبقة، في تعزيز للصورة في المقطع الأول (أفي قلبك الغض صوت اللهيب)، وبنات الجحيم (جمراتها / شعلاتها) عانقت الشاعر، وكما كان عناق اللوعة القاسية للزنبقة في المقطع الأول، سيكون عناق بنات الجحيم للشاعر هنا، بما فيه من معاني الالتصاق والضم والاحتواء.
والدهر قد (سكب) في مسمعيها نحيب الدجى وأنين الأمل، كما فعل الليل بها في المقطع الأول، أو هي صورة تكثيفية للصورة في المقطع الأول، حيث الليل هناك أسمعها ندب القلوب والدهر أجّج في مهجة الشاعر شواظ الحزن المشتعل، كشخص قاس يشعل كتل الحزن كما يشعل كتل الخشب فتغدو شواظاً في مهجته.
و(شفاه) الحياة أرشفت الزنبقة رضاب الأسى (صورة تجسيمية للأسى كما في المقطع السابق)، ورحيق الألم (صورة تجسيمية أخرى)، كأنها تقبّلها كما يفعل البشر، فتُرشفها بقبلتها رضاب الأسى ورحيق الألم، وهذه الحياة نفسها تجرّع الشاعر من (كفها) كؤوساً مؤججة تضطرم، ولكن كؤوس ماذا؟ كؤوس همّ، وحزن وألم!
صور تشخيصية متراكمة متتابعة، يهتم الشاعر من خلال إيرادها هنا بتكثيف المعنى المراد إيصاله للمتلقي، حيث يماهي الشاعر ما بين ذاته ومابين الزنبقة الذاوية وصولاً إلى تصوير ما ألم به من ذبول وهمود حياة كما هي الزنبقة، فهو يعكس ما في الطبيعة من مظاهر تشي بالحزن والألم والنهايات على نفسه توحداً معها، شأنه في ذلك شأن شعراء الرومانسية جميعاً.
[/justify]
[justify][/justify]
[justify][/justify]
[justify][/justify]
[justify]
ولو مضينا نجمع الأمثلة على توظيف الشابي للصور الاستعارية التشخيصية في شعره لما كفانا، لكن المجال ضيق ولا يستوعب الإحاطة بجميع صوره الاستعارية التشخيصية.
وإذا كانت الوظيفة الأساسية للتشخيص أنها تعين الشاعر على أن يسقط آماله وآلامه على ما حوله من مظاهر الطبيعة، فقد انطلق أبو القاسم الشابي من ذاته وانتقى من بيئته الغنية بالجمال في تونس الخضراء ما عزز ذاته الحزينة المكتئبة، فكانت صوره التشخيصية صورة لآماله ومخاوفه وأحزانه منعكسة على كل ما حوله من الأشياء والأحياء
.
[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 01:29 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

التجسيم في شعر أبي القاسم الشابي


[justify]وأما في الحديث عن الاستعارة بصورتها التجسيمية في شعر أبي القاسم الشابي، فقد يقل الكلام فيها عن ما مر بنا عن الاستعارة بصورتها التشخيصية.
ويتسع التجسيم لأكثر من
حلول المعنويات في إهاب المحسوسات من الكائنات الحية غير العاقلة والجمادات، فقد يشمل نقل المحسوس من دائرته إلى دائرة محسوس آخر يغنيه ويوضحه ويوسع دلالاته، فيكون الطرف الأول المستعار له من المحسوسات (الأحياء غير العاقلة والجمادات) ويكون الطرف الآخر المستعار منه من المحسوسات (الأحياء غير العاقلة والجمادات) كذلك، وعند انصهار الطرفين في بوتقة الاستعارة ينجم عن اتحادهما دلالة جديدة هي مزيج من الطرفين.
لكن التجسيم في شعر أبي القاسم
أقل استعمالاً من التشخيص، ولعل مرد ذلك إلى غرامه بالتماهي مع معطيات الطبيعة حوله، وعكس ما في نفسه من عذاب ومعاناة على مظاهرها أكثر من التعامل معها كثوابت يجسمها محسوساتٍ مادية.[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 01:45 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

فمن تجسيمه للمعنويات :
(ضعف العزيمة لحدٌ) في سكينتـهِ
تقضي الحياةُ ، بناه اليأس والوجل ُ
جعل ضعف العزيمة وهي صفة معنوية قبراً، وهو شيء محسوس. ففيها تنتهي الحياة وتدفن.
أأسمعَكِ الليلُ نـدبَ القلـوبِ
أأرشفكِ الفجرُ(كأس الأسى؟)
جعل الأسى وهو معنى شعوري شيئاً يُشرب، يسكبه الفجر في كأس ويسقيه إياه، ولننظر إلى المفارقة المؤلمة في كون الفجر بما يحمله من معاني التفاؤل في طبيعته، يسقيه كأساً من الأسى.

وإن أرشـفـتـكِ شـفــاهُ الـحـيــاةِ
(رضابَ الأسى)، و(رحيق الألمْ)
الرضاب محسوس والأسى معنوي، وكذلك الرحيق محسوس والألم معنوي، وجعلهما معاً كأنهما شيئان محسوسان باستعمال خاصية التجسيم من باب الاستعارة ليجعل الحياة ترشفه إياهما، إمعاناً في تكثيف صورة المعاناة.

فــــأرى (بـرقـعــاً شـفـيـفـاً، مـــــن الأوجاعِ)،
يُلقي عليكَ (شجوَ الكئيبِ)
جسّم من الأوجاع وهي مشاعر معنوية برقعاً شفيفاً وهو شيئ مادي، وجسّم من الشجو شيئاً يُلقى على الوجه، ربما، وجعل هذا البرقع يلقي بالشجو عليه، في تكثيف للمعاناة التي يتعرض لها.

أنت يا( شعر) (كأس خمرٍ) عجيبٍ
أتـلـهّــى بــــه خـــــلال الـلــحــودِ ..!
جعل الشعر وهو في حقيقته معنى، وقولاً، كأسَ خمرٍ وهي شيء مادي محسوس، ليرسم لنا صورة استعارية تجسيمية للشعر المعنوي وما قد يتركه من أثر في نفس الشاعر كما
تترك الخمر في نفس شاربها من أثر، ينسى به أوجاعه، كما هو متعارف عليه .

ومن تجسيمه للمحسوسات :
( فإن قلبيَ قبرٌ) مظلمٌ قُبـرتْ
فيه الأماني، فما عادت تناغيني
جعل قلبه وهو شيء مادي محسوس، قبراً، وهو كذلك شيء مادي محسوس، ليصور لنا مدى ما وصل إليه من البؤس، فمن كان قلبه قبراً للأماني ماذا تبقى له في الحياة لينتظره؟؟

(أنـت يـا قلبـيَ عــشٌّ) نـفــرت عــنــه الـقـطــاةْ
فـأطـارتــه إلــــى الــنــهــرِ الــريـــاح الـعـاتـيــاتْ
فـهــو فـــي الـتـيــار أوراقٌ، وأعــــواد عـــــراةْ
أنــت حـقـل مـجـدبٌ قــدهـزئــت مـنــه الــرعــاةْ
أنــت كـهـف مظـلـمٌ تــأْوي إلـــيـــه الـبـائــســاتْ
أنت صرحٌ، شاده الْحُبُّ عـلــى نـهــر الـحـيـاةْ
لِبَـنـاتِ الشـعـرِ.. لـكـنْ قــوّضــتــه الــحــادثـــاتْ
أنــت قـبـرٌ فـيـه مــن أيْــامــيَ الأولـــى رفــــاتْ
أنــت عــودٌ، مـزقـت أوْتــــارَه كـــــف الـحــيــاةْ

في هذه الأبيات من قصيدة (إلى قلبي التائه)، نرى أبا القاسم يستعير لقلبه من معطيات الحياة وأشيائها المادية المحسوسة عدة أشياء يكثف من خلالها سوء الحال التي وصل إليها قلبه في تعامله مع الحياة ومصائبها:
فقلبه:
عش نفرت من القطاة .. أصبح خالياً من معنى الحياة ومبرراتها
وهو حقل مجدب، ما عاد ينتفع به الآخرون
وهو كهف مظلم، لا يأوي إليه غير البائسات هرباً من الحياة
وقد كان صرحاً بني لبنات الشعر، لكنه تقوض وانهار،
وهو – مرة أخرى – قبر لم يتبق فيه إلا الرفات
وهو عودٌ، لكنه ممزق الأوتار لا عزفَ يجدي عليه.


وهكذا يستمر شاعرنا في استعارة محسوسات الأشياء حوله ليبني من خلالها صوره الاستعارية المعبرة عن معاناته وعذابه.
ولا يتسع المقام لإحصاء هذه الصور هنا.

(يتبع إن شاء الله)







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 09:33 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


فاطمة الزهراء العلوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

قراءة نقدية عارفة بأدواتها وأكاديمية ممنهجة عميقة
تقول النقد بخير
شكرا على توسيع حقل الدال من خلال دلالة الرؤية
قرانا كثيرا الشابي واليوم نقف عند تصوراته من خلال شاعر متمرس وعميق

شكرا كبيرا شاع رنا نزار
وتحية لروح الشابي






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2015, 10:04 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


فاطمة الزهراء العلوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

بالاضافة إلى ما رأى أخي عوض
أتمنى أن تثبت هذه الدارسة لانها أنموذج






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 12:42 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

تراسل الحواس في شعر أبي القاسم الشابي




[justify]يدخل في باب الاستعارة مفهوم (تراسل الحواس)، إذ لا يصح الوقوف عند التشابه الحسي بين المرئيات أو المسموعات وسواهما دون ربط ذلك بالشعور الذي
يسيطر على الشاعر في نقل تجربته. وهذا المفهوم يدخل في صميم فنية الاستعارة ودورها في الإيحاء والتأثير، لأن من شأن لون معين، أو صوت أو عطر أو ملمس أو مذاق أن يثير ذكريات وتجارب تؤدي إلى صياغة صورة شعرية خاصة في ذهن المبدع. ودوائر الحواس المختلفة عند الإنسان مفتوحة على بعضها بعضاً، وتكتسب من بعضها بعضاً بعض لوازمها ومعطياتها في إطار ما يسمى (تراسل الحواس). وهو يعني أن تعطي المسموعات ألواناً، وتصير المشمومات أنغاماً، وتصبح المرئيات عطرة.
فكيف ينطبق ذلك على شاعرية أبي القاسم الشابي؟
[/justify]







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 12:43 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي
تميزت هذه الدراسة :
بتفكيك بناء الصورة وتشريحها في أولياتها ؛
زاوية هامة في النقد
وتميزت هذه الزاوية بجديد :
كشف الأفق الشعري عند الشاعر ؛
من الدراسات النادرة المائزة في الشعرية ودراسة الخطاب الشعري ..
ولي عودة أخرى لأضيف توضيحا بسيطا حول
المجال الشعري إن أذنت
مودتي


أخي عوض،،

شكراً لمتابعتك واهتمامك، ولك الإذن بما شئت كما شئت،،

محبتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 12:46 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي
قراءة نقدية عارفة بأدواتها وأكاديمية ممنهجة عميقة
تقول النقد بخير
شكرا على توسيع حقل الدال من خلال دلالة الرؤية
قرانا كثيرا الشابي واليوم نقف عند تصوراته من خلال شاعر متمرس وعميق

شكرا كبيرا شاعرنا نزار
وتحية لروح الشابي


الزهراء فاطمة،،

شكراً لهذه الشهادة التي أفخر بها،
هي محاولة مقاربة في عجالة،
إحياء لذكرى ذلك الشاعر الجميل،

وتحية لك أيضاً،
ولأخي عوض،

وكما ترون،،

مودتي واحترامي..








أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 01:22 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

[justify]تتواشج حاستا السمع والشم من جهة والسمع واللمس من جهة أخرى في صورتين استعاريتين معبرتين عنده إذ يقول :
[/justify]
يا صاح ِ إن الحيـاة قفـرٌ
مـروّعٌ، مــاؤه ســرابْ

لا يجتني الطـرف منـه إلا
عواطف الشوك والتراب ْ

هم يسخرون بهمس الزهور، وهو بديع
وينصتون لصوت الأشواك وهو مريع

[justify]
[justify]
ففي الاستعارتين المكنيتين التشخيصيتين: (همس الزهور) و(صوت الأشواك) نرى الهمس والصوت وهما متعلقان بحاسة السمع يحلان محل العطر في الزهور وهو خاص بحاسة الشم، ومحل الوخز في الشوك وهو خاص بحاسة اللمس ، ليتسع مجال الصورة ويعطي ظلالاً أكثر تعبيراً عما يريد الشاعر إيصاله لنا، فعطر الزهور حين يصبح همساً لها يمنح العطر نفاذاً أكثر في النفوس، ووخز الأشواك حين يصبح صوتاً لها يغدو أكثر تعبيراً عن مدى تأثيرها. أضف إلى ذلك أن الشاعر يصور الناس وهم يسخرون بهمس الزهور وهو اللطيف الناعم المعبر عن المشاعر الطيبة، في حين أنهم ينصتون (والإنصات دليل الاهتمام) لصوت الأشواك، وفي ذلك مفارقة واضحة يبين الشاعر من خلالها في سياق الأبيات التي وردت فيها الصورتان قسوة الحياة، والأبيات من قصيدة
بعنوان (في فجاج الآلام) وهي عبارة عن مقاطع يصور الشاعر في كل مقطع منها موقفاً من الحياة مؤلماً، يقول في الأبيات محل البحث:
[/justify]
[/justify]
[justify][/justify]
[justify][/justify]
[justify]
يا زهرةً سامها العابرون خسفاً وهونا
لو كنت شوكاً عضوضاً ما داسك العابرونا
لأنهم يجهلون الوحي الذي تضمرينا
هم يسخرون بهمس الزهور، وهو بديعُ
وينصتون لصوت الأشواك، وهو مريعُ
فلا تبالي بقومٍ الحقُّ فيهم صريعُ

و[justify]بذلك يأتي تراسل الحواس في الصورتين المذكورتين هنا ليزيد من تكثيف الصورة الإجمالية في الأبيات ، محققاً بذلك ما يهدف له الشعر عادة من استعماله لهذه السمة الفنية في التصوير الاستعاري.
[/justify]
وفي صورة استعارية مكنية تشخيصية أخرى من قصيدة (إلى عازف أعمى)، يخاطب الشاعر العازف الأعمى معزياً إياه عن فقده لبصره فيقول:

[/justify]

يا صاحِ إن الحيـاة قفـرٌمـروّعٌ، مــاؤه ســرابْ

لا يجتني الطـرف منـه إلاعواطف الشوك والترابْ


فيصور الطرف هنا بشخص يجتني ثمراً من الحياة القفر، وهذا الثمر ليس إلا عواطف الشوك والتراب.
والطرف له حاسة البصر، وللشوك والتراب حاسة اللمس، ويوحد الشاعر هنا بين حاستي البصر واللمس، موسعاً بذلك مجال الصورة لإعطائها دلالات جديدة موحية بمدى ما يلاقيه الإنسان المبصر من عنت في الحياة، أضف إلى ذلك ما أسبغه الشاعر على الشوك والتراب من ظلال أخرى بمنحها سمة العواطف، في مفارقة هنا كذلك مؤلمة، ولنا أن نتصور كيف يمكن أن تكون العواطف من هذا النوع: عواطف شوك وعواطف تراب!!


ومن قصيدة (الساحرة) أبيات يقول فيها:

فـرمـاهـا بـنـظــرة ٍ، غشـيـتـهـا
سكرةُ الحبِّ، والأسى وغيومُهْ

وتــلاهــا بـبـسـمـةٍ، رشـفـتْـهـا
منـه سكرانـةُ الشبـاب، رؤومـهْ

والتقـت عندهـا الشـفـاهُ وغـنـت
قُـبَـلٌ، أجفـلـت لديـهـا همـومـهْ

ما تريد الهموم من عالم ضاءت
مـسـرّاتـه، وغـنّــتْ نـجـومـهْ؟
يستعير للبسمة صورة سائل يُرشف، والرشف لحاسة الذوق والبسمة لحاسة البصر، فكأن مشاهدتها لبسمته لها ماء هي ظمأى له فرشفتها بأشواقها، فاشتركت حاستا الذوق والبصر في توسيع دلالة الصورة وما يعبر عنه الشاعر من مشاعر متقدة بينه وبين من يحب. كما يشخّص القبل بإنسان يغني، والغناء لحاسة السمع والقبل لحاسة اللمس، فتبادلت حاستا السمع واللمس الموقع في الصورة، ليجعل الشفاه حين تلتقي في القبلة كأنها تتغنى بفيض المشاعر المتبادلة بين المحبين. مما يوسع كذلك الدلالة في الصورة على مدى عمق المشاعر المتبادلة.








أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 01:26 AM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

الخلاصة:


[justify]
إن أبا القاسم الشابي، شأنه شأن جميع الشعراء الرومانسيين في رمزيتهم المعتمدة على استعمال مظاهر الطبيعة اتحاداً بها وتماهياً معها، لم ينِ في إغراق شعره بالصور الاستعارية، تشخيصية وتجسيمية، وكان له مع ظاهرة تراسل الحواس وقفات عدة، وإن لم تكن بتلك الكثافة، وقد بدا من استعراض ديوانه أن اعتماده على الاستعارة أكثر بكثير من اعتماده على التشبيه، بل إن مواضع الصورة المعتمدة على التشبيه عنده تكاد تكون محصورة في عدد قليل من الأبيات، وإن كانت في مواضعها لا تقل طرافة وفاعلية عن طرافة استعاراته.
[/justify]
______________________________



مراجع البحث:

1.الصور الاستعارية في الشعر العربي، د.وجدان الصائغ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2003.
2. ديوان (أغاني الحياة) لأبي القاسم الشابي، منشورات دار الكتب الشرقية، تونس، 1955.







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 12:50 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
منوبية الغضباني
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تونس

الصورة الرمزية منوبية الغضباني

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


منوبية الغضباني غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

النّاقد المتميّز نزار عوني اللبدي
يستمرّ أبو القاسم الشابي في حضوره الإبداعي على مرور العقود حاضرا ومتألّقا بفضل وقوفك سيدي الكريم على خصائص شعره الفنيّة والجماليّة بهذه الرّوعة والإقتدار
فقد لمست في قراءتك النّقدية المتبصّرة تحريكا لأدوات النّقد الحديث وخبراته ...
فشكرا لجهدك الرّائع ومازال إهتمامنا ومتابعتنا لهذه القراءة النقدية في شعر الشابي لصيقا ومشوّقا ...
وهنيئا للنّقد بكم وبكفاءتكم المتميّزة...






لِنَذْهَبَ كما نَحْنُ:

سيِّدةً حُرَّةً

وصديقاً وفيّاً’

لنذهبْ معاً في طريقَيْنِ مُخْتَلِفَيْن

لنذهَبْ كما نحنُ مُتَّحِدَيْن

ومُنْفَصِلَيْن’

ولا شيءَ يُوجِعُنا
درويش
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-04-2015, 05:58 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


فاطمة الزهراء العلوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

رجاء من استاذي الزياد أو من مديرنا العدنان
ان تلملم هذي الدراسة في الصفحة الاولى ثم تاتي التعليقات بعد ذلك ، حتى لا ينقطع خيط الدارسة وحتى لا تتشتت لدى المتلقي
واعتذر من شاعرنا نزار وكل الاحبة






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 11-04-2015, 02:01 AM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي
الأخ مشرف الركن تحية ،
كرما لا أمرا نقل هذه الدراسة مع التثبيت ليتسنى للدارسين و لطلبتنا من رواد الأكاديمية الإفادة منها
شكرا للنزار
مودتي


شكراً لك يا عوض للمتابعة والاهتمام،،

محبتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 11-04-2015, 02:04 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دعد كامل
النّاقد المتميّز نزار عوني اللبدي
يستمرّ أبو القاسم الشابي في حضوره الإبداعي على مرور العقود حاضرا ومتألّقا بفضل وقوفك سيدي الكريم على خصائص شعره الفنيّة والجماليّة بهذه الرّوعة والإقتدار
فقد لمست في قراءتك النّقدية المتبصّرة تحريكا لأدوات النّقد الحديث وخبراته ...
فشكرا لجهدك الرّائع ومازال إهتمامنا ومتابعتنا لهذه القراءة النقدية في شعر الشابي لصيقا ومشوّقا ...
وهنيئا للنّقد بكم وبكفاءتكم المتميّزة...


الأخت دعد،،

ما نفعله لمثل أبي القاسم الشابي هو بعضٌ من ديْن له في أعناقنا،
فقد نشأنا على مثل إبداع هذا الشاعر القدير،
واكتسبنا منه حبنا للشعر واللغة العربية،

ومهما فعلنا نبقى مقصرين،

رحم الله الشابي،
وشكراً لحضورك الوارف،
وتعليقك الجميل،

بكل الاحترام والتقدير







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 11-04-2015, 02:06 AM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي
رجاء من استاذي الزياد أو من مديرنا العدنان
ان تلملم هذي الدراسة في الصفحة الاولى ثم تاتي التعليقات بعد ذلك ، حتى لا ينقطع خيط الدارسة وحتى لا تتشتت لدى المتلقي
واعتذر من شاعرنا نزار وكل الاحبة


الزهراء فاطمة،

شكراً للمتابعة والاهتمام،
غير أن هذا ليس بجديد عليكم،
فدوماً كنتم قلب هذه الأكاديمية النابض،

بكل الاحترام والتقدير







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 13-04-2015, 01:17 AM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي
أظن لك دراسة طيبة في شعر أدونيس
أذكر أيام الصقر زمن الماجستير
مودتي



أخي عوض،،

هي دراسة فنية في قصيدة أيام الصقر لأدونيس، صدرت مؤخراً على شكل كتاب عن دار دجلة ناشرون وموزعون، بعنوان ( رحلة البحث عن عالم جديد).

غير أنني سأتشرف بنشر مجموعة دراسات أخرى في الأكاديمية عسى أن يكون فيها الفائدة لمن يريد.

شكراً لمتابعتك واهتمامك.

محبتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 16-04-2015, 12:00 AM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوض بديوي
آمل أن أحصل على نسخة من هذه الدراسة وما تيسر لك من منشورات لأبدأ مكتبتي الجديدة بعد سرقة منزلي كاملا في سفري بيروت في المدة الأخيرة على موعدنا يوم الخميس بحوله تعالى إن أمكنك ذلك...
مودتي



تكرم أخي عوض،،
إن شاء الله،،
محبتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
قديم 27-08-2015, 12:56 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
سعيد معتوق
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية سعيد معتوق

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


سعيد معتوق غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

سلمت يدك ، قراءة نقدية مؤنسة و مفيدة






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-08-2015, 01:13 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
نزار عوني اللبدي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية نزار عوني اللبدي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نزار عوني اللبدي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الاستعارة في شعر أبي القاسم الشابي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد معتوق
سلمت يدك ، قراءة نقدية مؤنسة و مفيدة


أخي سعيد،
شكراً لك على تكريمك لي.
مودتي







أيها الشعرُ،
ما أجملك!


  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط