العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-11-2009, 12:37 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ريم العيساوي
عضو أكاديميّة الفينيق
تونس

الصورة الرمزية ريم العيساوي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ريم العيساوي غير متواجد حالياً


افتراضي الجزء (2) من الشعرية في رواية كريم معتوق - حدث في إسطنبول - ريم العيساوي

شعرية الحكاية:
إن موضوع الحب من مواضيع الشعر الأثيرة عبر العصور واستقر هذا الموضوع مع الغزل مع شعراء التجديد في القرن الثاني هجري ورغم التحولات في العصر الحديث وخاصة التي طرأت على القصيدة العربية والاتجاه نحو مواضيع جديدة فقد ظل موضوع الحب من المضامين المفضلة و رواية "حدث في إسطنبول" للشاعر كريم معتوق تقوم حكايتها على علاقة حب تجمع بين مرزوق ونيفرا ثم تجمعه بليلى وحكايات حب أخرى تجمع بين عدّة شخصيات. وقد صرح كريم معتوق من البداية بمضمون الرواية بقوله وهو في الطائرة " إلى أن التقى بسلوى و أحبّ مثلهم الحب العذري وعرف شعورهم وتمنى أن يعود إلى الجامعة ليضيف معلومات جديدة عن الحب العذري ... " ص 10
وفي وصفه للحب مع الشاب العربي شمس :" الحب هو الشيء الوحيد الذي يهم كل الناس وهي الكتابة الوحيدة التي تهذّب الكاتب وترقّق كلماته وتجعله أكثر قدره على العطاء _ ويعرّفه بقوله _ "الحب هو احتوائية الإنسان لإنسان آخر بأجمل وأرق وأعذب احتوائية وهو أعزّ إذلال بل هو الإذلال الوحيد المحبّب وأفسح قيد يقيّد به المحبّ محبو بته. إنّه امتزاج كالكهرباء سالبٌ بموجب وهو مزيج من علاقة عاطفية وجنسية وإذا اكتفى بالعاطفية فقد أصبح حبا مريضا، ونزل إلى مرتبة الصداقة والزمالة "(ص 71
حكاية الحب القصيرة بين مرزوق ونيفرا والتي تكاد تخلو من الأحداث تمتد عبر الرواية وتنفتح عليها وعليها أيضا تنغلق وكأنّها المحور والجوهر ولمّا كان موضوع الحبّ أكثر المواضيع ارتباطا بالذّات فهو موضوع شعريّ بامتياز .
والشعرية لا تكمن في موضوع الحبّ في حدّ ذاته فحسب بل إنّ الشعرية تكمن في طبيعة حكاية الحب
حضور الأنا الغنائي في الرواية
إنّ الحضور المكثّف للشعر قوّى وجود الأنا الغنائي بصورة واضحة ، فالسارد في الرواية قائم بذاته في النص، مضطلع بوظائفه السردية ولكنّه يتحول من حين إلى حين وخاصة في المقاطع الشعرية إلى صوت آخر، فهو يظهر ليقطع خيط الحكي ويبوح بعواطفه وانفعالاته ويتغنّى بالحبيبة أو بجمال الطبيعة أو المكان وأحيانا يكشف عن رأيه ونقده لبعض المسائل والقضايا العربية أو الإنسانية ، إنّ هذا الصوت ليس صوت السارد الموضوعي بل هو صوت الأنا الغنائي الذي يكسب الرواية دفقاً شعريا ، بتواري الأنا السارد بحلول الأنا الغنائيّ وهذا يقويّ الشّعري في نسيج النصّ، فكما نلاحظ فالأنا الغنائي يعبّر عن الذات والوجدان في نفسه أو في نفس حبيبته أو في نفس أصدقائه ويصعّد الانفعالية في النصّ للتغنّي بعاطفة الحبّ.
كما أسهم حضور الأنا الغنائيّ في إبطاء حركة السّرد والحدّ من تقدّم الحكاية كما يعود هذا إلى قلة الأحداث في هذه الرواية وقد أسهمت هذه الوقفات الغنائية في إغناء الرواية عن شح الأحداث وحققت جماليتها وانسيابيتها .
شعرية الشخوص:
يمثل مرزوق الشخصية الرئيسة في الرواية وينهض بوظيفة السارد الموضوعي للأحداث وبوظيفة الأنا الغنائية وهو شاعرٌ قرر الرحيل لهدف الراحة والاستجمام في إسطنبول بعد فترة قصيرة من طلاقه الذي جاء بعد خمس سنوات من الزواج.وهو المساهم في تحريك الأحداث وتسيير عملية القص التي استهلها وهو في طائرة العودة من إسطنبول استناداً على أسلوب الاسترجاع والتذكر، فيبدو متشائماً في أسبوعه الأول في إسطنبول من أبو حسن "قارط" الذي لازمه كظله وحدّ من حريته إلى حد التضجر "حصار قارط له كبير ومعاملته تضايقه" ، مرزوق جاء هارباً من همومه إلى ملاذ يصلح نفسيته التي شوهتها الأحزان فيتعرف على الفتاة الرائعة نيفرا فتأسست بينهما علاقة حب، عبر الكاتب عن سرعتها على لسان مرزوق " إنه مرزوقاً أسرع رجل في العالم يقع في الحب وقد عبر الكاتب عن هذا النوع من الحب الصاعقة بقوله "أحس مرزوق بان العلاقة مع نيفرا والتي لم تمض عليها 24 ساعة أخذت بعداً آخرا، حب من نوع خاص بل هو الحب الذي يؤمن به مرزوق ويأتي على غفلة وبسرعة، لا الحب الذي يتربى ويكبر مع الأيام كالعشرة ص 112)" كأن نفسه مهيأة لهذا الشعور لعله فراغ الحياة" (ص 62
وإذا كان مرزوق سرعان ما يقع في عاطفة الحب فهو سرعان ما يقع تحت الإحساس بالذنب : " لقد كان كل ما يقدم على معصية ، أحس أن الله يراه" وهذا الشعور يلازمه منذ الصغر.
مرزوق يبدو في الرواية رجلاً مدمناً السفر فهو يتذكر لبنان وألمانيا ...
مرزوق في بحث دائم عن الهروب يهرب من ذكرياته ويهرب لينسى هويته العربية وانتماءه يقول للفتاة ليلى :" أنا ما جئت يا ليلى هنا إلاّ لكي أنسى بعض انتمائي فاتركيني فأنا في حالة نسيان " له نظرة دقيقة للمرآة يرى أنها كل ذاته فهو شبيه البطل الإشكالي ورمز المثقف الواعي بواقعه وبقضايا حاضره ومستقبله وذو قدرة على نقد الأشياء وهو الشاعر العربي الواعي بقضايا الإنسان العربي والعروبة وبطبيعة المجتمعات التي انعكست من خلال ثقافته. وهو ذو شخصية ملولة لا يحب الاستقرار على شيء ، محب التغير وله عين نافذة لنقد الأشياء، يميل إلى الكذب أحيانا لتقوية علاقته بالمرأة.
أوقعته الظروف في إسطنبول أن يتعرف على ليلى فيخون نيفرا التي أحبها في نفس اليوم فيعتذر محدثاً نفسه " اسمحي لي يا نيفرا أن أمارس معك أول خيانة وأسرع خيانة في العالم لحب كبير كالذي بيننا" (ص 124
وأهم ما يقدم عليه مرزوق إرجاع الشقة التي استحوذت عليها نيفرا خيانة لزوجها يوسف وكتبته باسمه حبا ، تنازل لها لقارط صاحب الحق وأبو الزوج المحدوع ، ومن هنا تبرز بطولته في تمسكه بالقيم وتخليص نيفرا الحبيبة الجميلة من كلّ ذنب ، فهو مطهر الذنوب .
استطاع كريم معتوق أن يرسم حالة التذبذب والضياع التي عليها المثقف العربي بسبب الانكسارات المحيطة به وبسبب تدهور القيم وجعل مرزوق يقرّ :" اختلطت عليه الأوراق بين الحب والوفاء والعدل والمبادئ وهو في حيرة من أمره ، وهنا تبرز رمزيته إلى الفئة الواعية بقضاياها لكنّها عاجزة للوصول إلى التغيير ، و كلّ ما استطاع فعله إرجاع الملكية المسروقة لأصحابها وجعل الرسامة ليلى ترسم الخيول بدلا من رسم النساء العاريات .
بو حسن قارط
تحتل هذه الشخصية الحضور الواسع في الرواية فهو رجل عربي في الستين من قرية اسكندرون بأنطاكيا تعرف عليه مرزوق في إسطنبول فقام بدور الدليل السياحي له، كان يصاحب الحجاج الأتراك لكنه غرر بالحجاج فأطرده صاحب الحملة ثم سجن ثلاث سنوات بتهمة تهريب البضائع، التصق بمرزوق إلى حد الإزعاج إذ يثقله بنصائحه ورعايته الزائدة يحمل نظرة دونية للشباب العرب له تاريخ حافل بالصدمات والأحزان، مستمع غير جيد كثير الكلام شبهه مرزوق بالليل الذي يريد أن يتخلص منه جسده الكاتب في صورة رجل محدودب الظهر ممسك بيديه سبحة صغيرة وسيجارة صغيرة ، كثير التجسس على مرزوق وهو في عين الشاب سلامة الجفالي من مخلفات الحرب العالمية الأولى ، وانتهت صلاحيته من زمان، لا يتعاطف مع الآخرين لكثرة مآسيه .
نيفرا: هي ابنة أخت بو حسن قارط ، فتاة رائعة الجمال عيونها خضر تشبه الغابة فارعة الطول توطدت العلاقة بينها وبين مرزوق تبدو فتاة تركية لكنها تحن إلى جذورها العربية، فهي رمز الفئة الاجتماعية التي فقدت جذورها العربية بتغريبها وهي التي تبحث عن هويتها وأصولها فهي تقول لمرزوق :
"لماذا لم تأت أيام الطفولة .. إنني كنت أبحث عنك ... "وقالت : بل كنت تشبثت هناك (أنطاكيا) وأعلنت أنني عربية حتى وإن تبرأ أهلي مني.. لم أجد نفسي من ذلك الزمن أضعت أشياء كثيرة وضعت أنا من بينها ولم أجد نفسي من ذلك الزمن "
تبدو نيفرا رمز العربي المغترب الذي يحس بالضياع صوّرها الكاتب في الرواية ذات وعي وموقف من جدلية الإنسان مع الزمن.. " تقول : يأسف الإنسان على كل لحظة مرت في حياته دون تحقيق ذاته "
وصفها الكاتب على لسان مرزوق " نيفرا اسم على مسمى فهي نافرة النهد والشعر وأشياء أخرى وأن لجسدها لغة خاصة وثقافة خاصة. ومن ملامحها الجرأة والتحرر وخاصة في بناء علاقتها بمرزوق ومبادرتها السريعة للانصياع، وصف الكاتب على لسانها : "كنت أتمنى أن أحضنك وأقبلك، كم كانت ملامحك رائعة وأنت تتكلم، وكم كانت ابتسامتك مثيرة" (ص 111
ونيفرا دفعت بها جرأتها أن تدعو مرزوق إلى الحمامات المعدنية للالتقاء به، ووصف الكاتب تحررها المفرط حين "التف ذراعها على رقبة مرزوق وهي شبه عارية" (ص117)"واستدارت لتلتوي عليه وهي تهذي أحبك، أموت فيك" (ص 118 )
وإن كانت نيفرا عربية الأصل لكنّها ذات طبيعة إفرنجية لما فيها من جرأة وتحرّر فقد كتبت لمرزوق شقتها التي ابتزّتها من زوجها ظلما هياما بمرزوق وحاولت شراء الحب بالمال مما لا يتوافق وقناعات مرزوق الشاعر العربي الواعي وعبّر كريم معتوق عن صدق إحساس الشاعر مرزوق بقوله :" أحسّ مرزوق أنّ نيفرا بكلّ ما فيها من جمال وأنوثة تفتقر إلى المشاعر الإنسانية النبيلة ، وإلى العدالة الاجتماعية والحقّ، إنّها بلا أيّ مبدأ في هذه الحياة " ( ص 191
"ولنيفرا طبيعة حب الانتصار والرغبة الكبيرة في أن يسود رأيها وفيها حب التملك تفرضه بطريقة مثيرة فلا يشعر الإنسان أنّها تفرض رأيها"(ص 158
ليلى :الفتاة التي تعرف عليها مرزوق في الباخرة وهو عائد من قرية كوك شدرة
وهي رسامة ، تعلقت بمرزوق وعاشت معه مغامرة جريئة وهي شخصية رمزية تساهم في تقوية الشعرية في الرواية ، ذات جرأة غير عادية فهي مطلقة بدعوى الزواج لا يساعدها على الإبداع .
رمز لحاضر الأمة العربية الضائعة ، وفي تعريتها نفسها دلالة قوية على مسؤوليتها في فعل التعري ، وهي مخلوق ضعيف يبحث عن منقذ :" بدأت تبكي على صدره ومرزوق لم يكن يعرف مصيرها " وهي لا تتدخل في شؤون أمّها بمعنى غائبة عن قضايا أمّتها وتاريخها :" حاول مرزوق أن يفتح معها موضوع أمّها ولكنّها لا تعطيه الفرصة ,هي في حالة ذهول :" ألقت القصيدة وهي في حالة ذهول لم يصل لها فيها شيء " ( ص 100 ) وليلى لاتعي الهم الوطني ، إذ يقدم لها مرزوق قصيدة حزينة في واقع الأمة العربية فتقول له قصيدة رائعة .
وشخصية ليلى شخصية نامية فهي تحوّلت من سطحية الرسم لصور نساء عاريات إلى رسم لوحات فيها فرسان .
أما أمّها المسنّة والثرية ( رمز الأمة العربية )فهي محل طمع للطامعين يمثلهم الفتى رامي الذي يرمي إلى المادة ولا يرمي إلى الحبّ ، أم ليلى هي الأمة العربية الذاهلة عن مصيرها :" رغم أنّها لا تملك من الأنوثة دليلا غير كلمة أنثى في شهادة ميلادها ، لديها شاب وسيم "
الشخصيات الثانوية :- الجدة- الشبان العرب- السيد رحمي - زوجته
- مصطفى ابن السيد رحمي - زوجة مصطفى- عثمان البودر-الدكتور محمود الخرداوي- يوسف- سلوى- هدى _
سلامة الجفالي
شاب فلسطيني أنهى دراسته الثانوية في غزة ثم هرب منها لسوء المعاملة في عهد جمال عبدا لناصر الذي كان يعطي امتيازات لطلبة غزة في تلك الفترة بعد حصوله على منحة دراسية تابع دراسة الطيران في باكستان وانتمى فيها بالجماعات الإسلامية وتعرف على جماعة الدعوة وطوائف أخرى، اضطر إلى تعاطي الحشيش وطبعت شخصيته بتناقضات مدينة لاهور، تضامن مع حزب العمال الكردستاني وخلال تدربه على الطيران أصيب بحادث كسرت فيه رجله، منتم إلى عديد من الجمعيات العربية والدولية بالتعاطف مع المؤسسات الإنسانية ، خسر خطيبته بعد كسر رجله، ومنذ ذلك الوقت وهو فاقد للأمل يحس أن الدنيا خالية مما يستحق أن يعيش من أجله. وهو في عين مرزوق مراهق سياسي متأخر مختلف عنه في التفكير وفي مفهوم الإنسانية .
الدكتور محمود الخرداوي
من لواء الاسكندرون بأنطاكيا طبيب عمل في ألمانيا وأخذ الجنسية الألمانية تاجر بالأجهزة الطبية وتلاعب بأوراق التصدير فاكتشف أمره ، واتهم بالتهرب من الضرائب والتحايل والتزوير فأوقف عن ممارسة مهنته، ثم فتح مكتب للسياحة وعمل في تزويج الشباب العرب من ألمانيات كي يحصلوا على الإقامة والجنسية الألمانية مقابل مبلغ من المال. يصف الكاتب هذا الدكتور أنه زوج زوجته لأكثر من شاب عربي ولما أراد الفرار من القانون أصيب بحادث ماتت فيه زوجته وابنه وفقد هو الذاكرة التي عادت له بعد ثلاثة أشهر استرجع اللغة التركية والألمانية أما اللغة العربية قد ظل لا يتذكّرها. دافعت عنه نقابة الأطباء وأسقطت عنه كل التهم وخصصت له راتب شهري. رمز به الكاتب بالإنسان العربي المنبتّ الفاقد للذاكرة العربية.
ما الذي يجعل من شخصيات الرواية شخصيات شعرية ؟ فالروائي وإن رسم شخصياته من الواقع فهي تبقى رموزاً ، وإن جعلها تحيل على نماذج بشرية بعينها فهي تبقى دالة على فئات.
تقوم رواية " حدث في إسطنبول" على عدد كبير من الشخصيات، منها الرئيسة ومنها الثانوية، فالسارد مرزوق شاعرٌ ولكن ملامحه تبقى غائمة غير واضحة لأنه يمثل رمزاً للمثقف العربي الذي يعيش الضياع. لا نرى إشارة إلى ملامحه الفسيولوجية ، ماعدا ما جاء على لسان ليلى ونيفرا وما بدا منهما من إعجاب وعشقٍ.
فمرزوق المثقف الواعي في أعماقه شيء من حزن بو حسن قارط وفي أعماقه شيء من جنون ليلى ، وهو مثال للمؤمن بالقيم، وعندما نجمع كل القرائن المتعلقة بشخصية مرزوق تظهر لنا صورة البطل المثالي ، الذي ضحى في سبيل رد الحق لأصحابه، وهو المثقف ثقافة عالية ، ثقافة سياسية وثقافة أدبية وثقافة اجتماعية وخبرة في نفسية الناس، ومرزوق هو الحب الرومانسي وهو الكريم بماله فهو صورة الرجل كما تحلم به كل امرأة
ونيفرا رمز الإنسان الذي فقد هويته وقيمه وليلى رمز المرأة العربية التي تبحث عن جذورها وهدى هي رمز الإنسان الذي يجهل جذوره وأم ليلى هي الأم العربية في فترة ازدهارها الحضاري، والشبان العرب مختلفي الجنسيات كل واحد منهم يمثل رمزاً لجيلٍ ولفئةٍ.
فالشخصيات كلها رموزٌ للمجتمع العربي الذي يعيش حالةً من اليأس والضياع والعجز.
الشخصيات الثانوية كثيرة



شعرية المكان والزمان :
إن مبحث الزمكان مبحث سردي بالأساس يصعب بروز المستوى الشعري فيهما، كيف يصير هذان العنصران مولدين للشعرية؟
المكان في الرواية مرجع يوهم بواقعية الأحداث ووظيفة المكان في الرواية تحدد إطار تحرك الشخصيات وتوثق علاقتها بمرجعها وخاصة في الرواية الواقعية. أما المكان في الشعر فصورته من خلال ذات الشخصية إذ يتوارى الوجود الفيزيائي المرجعي للمكان ليحل محله الوجود اللغوي المتلبس بأحوال الذات، في ذلك فالمكان يرتبط بالوظيفة الانفعالية ويشحن بطاقة من الذاتية والمشاعر.
والمكان في رواية "حدث في إسطنبول" لكريم معتوق جاء مرجعاً موضوعياً (إسطنبول ، بيروت ، غزة، ألمانيا، باكستان، لبنان، تونس ....الخ ، كما جاء المكان مكتسباً أبعاداً ذاتية موسوماً بسمات شعرية، تتوزع الأحداث في الرواية بين مكانين رئيسيين هما مدينة إسطنبول وقرية كوك شدرا. والمتأمل في حضور هذين المكانين في الرواية يلاحظ أن تحديدهما لم يكن تحديداً موضوعياً غايته تحديد إطار الأحداث والحكاية بل كان في أغلب الأحيان تحديداً ذاتياً مرتبطا أشد الارتباط بحالة الذات، ذات الشاعر مرزوق، ومدينة إسطنبول ذات حضور مكثف في الرواية، هي المكان التي لاذ إليه منصور هروباً من حزنه وهروباً من انتمائه. وإسطنبول هي المدينة التي رجع منها يحملها في أعماقه يقول في طائرة العودة .. " ما زلت في أجوائها ورائحتها، لقد ترك فيها ذكريات حبه ومن شباك الطائرة يرى بقلبه نيفرا وليلى وبوحسن ويرى ويرى .... "
اسطنبول مدينة الذكريات الجميلة، ذكراها تثير فيه الحزن الشديد عبر عنه مرزوق شعراً في قصيدته التي مطلعها " تبناني بكاءٌ وحنينٌ وكدر" (ص 7
اسطنبول دخلها ودفتره أبيض الصفحات وعاد منها ودفتره يفيض قصائد عاطفية كما هو فؤاده مشحون بكتلة من الأحاسيس.
إسطنبول بمفاهيمها، ملتقى كل الفئات الممثلة لكل الشرائح الاجتماعية وكل الجنسيات والكاشفة لكل السلوكيات.
مدينة يلوا وقرية كوك شدرا، هو المكان الذي فرّ إليه مرزوق هروباً من صخب المدينة، وجد فيها الطبيعة الرائعة ، قرية كوك شدرا كثيرة الأشجار ذات الخضرة ممتدة خلف الفندق الذي استراح فيه مرزوق وجدها ملاذاً يصلح نفسيته التي شوهتها الأحزان.. " إن لم يحتم بغابات كوك شدرا وأنسامها الصيفية الباردة ليلاً ، هذه القرية على موعد معه إنها أكبر من أن تناصفه حزنه، إنها أكبر فالتدخل موسيقى المساء بزوايا صدره المكتظ بالحزن وبالليل الخرافي الطويل" (ص 52
وجد فيها مرزوق ألفة كبيرة مع الأشخاص والأمكنة.
لا تخلو الرواية من صور للمكان الموضوعي مثل صورة إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية ذات الملامح الشرقية وكثيرة المساجد والانتماء الإسلامي.
بيروت هي ذكرى حبٍ عذريٍ في حياة مرزوق، يتذكر سلوى حبيبته تتأبط يده في الساحة الحمراء ويرسم مدينة حمدون الموحشة.. " مدينة تتحول في الليل أشباح بعد هجر أهلها "
لواء الإسكندرون بأنطاكيا بلد بوحسن، ذلك الركن المنسي في الخارطة العربية، كأن التاريخ الحديث قد أسقطه من دفاتره. يصف مرزوق أرضها وصفاً مشحوناً بالعواطف .. " فالأرض كالإنسان يعرف أصحابها وتبدع لمحبيها من خيراتها وإن خانوا يحاصرها الوفاء فلا تخون، وإن غابوا فإنها تتقن فن الانتظار" (ص 14
تبرز شعرية المكان في إحساس مرزوق كونه مليونيراً في اسطنبول أو في بيروت.
للمكان مفهوم نسبي ، يقصر عند إحساس الشخصية بالقرب، ويطول عند إحساسها بالبعد، يصف الكاتب مرزوق في اقتران ذاته بالمكان .. " لأول مرة في حياته يكتشف مرزوق أن مسافة المئة متر يمكن أن تقطع في ثوان مشياً ... ولم يكن يشعر بما حوله من أشجار كثيفة، إنه في غيبوبة دفء يدها" (ص 63،64)، فالمكان المؤنس صحبة نيفرا يتحول إلى مكان موحش بفراقها.. " بدأ يشعر بوحشة المكان وأصوات الحشرات في الغابة المحيطة، بدأ يعلو في سمعه وأحس أنه في حاجة لمن يوصله إلى الفندق" ص65
لقد اعترت مرزوق مشاعر الخوف والرعب من وجود الجن وهرع نحو الفندق جرياً هروباً من مخاوفه.
صورة المكان تبرز من خلال إحساس مرزوق ، كصورة المقهى .. " بعد الرجفة الأولى من الفنجان والنفس الأول من السيجارة الأولى أحس بجمال كل شي حوله، فكان كل من حوله آثر أن يفشي له سراً هذا الصباح" (ص 68
شعرية الزمان
الزمان مقوم من مقومات الرواية، فما من حكاية إلا وهي أحداث متعاقبة في الزمن، وهذا ما يجعل البناء الزمني في الرواية بناء متماسكاً يخضع لمنطق السببية. أما الزمان في الشعر فيقوم على التداعي وتوارد الخواطر والانفعالات مما يجعله موسوماً بالتفتت. فالزمن في الخطاب الروائي يخضع لبناء محكم يجسد الوعي بتراتبيته.
ينطلق الزمن في الرواية بصورة دائرية في طائرة العودة من إسطنبول التي عاد فيها وفؤاده ممتلئ بالعواطف والذكريات مثل دفتره المليء بالقصائد الوجدانية ويرحل مرزوق بذاكرته إلى طائرة الذهاب إلى اسطنبول، يرحل عبر جملة من الذكريات جيئةً وذهاباً مثل أمواج البحر مداً وجزراً. في طائرة الذهاب إلى إسطنبول كان خالي البال مثل دفتره الصغير الأحمر أبيض الصفحات، الذي يقلب أوراقه ليقرأ ما كتبه في الأيام الماضية ويسترجع الأحداث التي مرت في اسطنبول. في طائرة الذهاب .." لم يكن إلا عاشقاً يبحث عن أيامٍ يبتعد عنها عن كل الانتماءات المتعبة" (ص 8)
في اسطنبول يتذكر كل العواصم التي زارها وخاصة بيروت وحبه العذري لسلوى ويتذكر حياته في الجامعة وامتحان الثانوية في الحب العذري. يعمد الكاتب إلى أسلوب الاسترجاع وتداخل الأزمنة فهو يتنقل من منطقة "اللاللي" بإسطنبول المنطقة التجارية التي تعرف فيها على الرجل الستيني بوحسن قارط الذي يحمله هو بذكرياته إلى إسكندرون بأنطاكيا فيدفعه إلى ذكرى له في تونس.
ويغوص مرزوق بذكريات بعيدة تعود إلى طفولته مع جده المزواج وفترة زواجه وعمره 24 سنة.
ورغم شاعرية الزمان فالرواية لا تخلو من إشارات عديدة إلى الزمن التاريخي الواقعي تعود إلى عهد جمال عبد الناصر، وقضية فلسطين ويربط بأحداق قريبة لها علاقة بمفهوم الإرهاب ووضع الشبان العرب المهاجرين .. " سلامة الجفالي على صلة بانفجار قنبلة قبل أسبوع في إحدى الشركات السياحية كان وراءها حزب العمال الكردستاني " (ص 42)، وأحداث أخرى لها علاقة بعالم المخدرات.

خلاصة :
وإن استندت رواية حدث في إسطنبول لكريم معتوق على إمكانات اللغة فقد بوأت المضمون الشعري والموضوع الوجداني في الرتبة المركزية فكانت الرواية شبيهة بقصيدة مكتوبة على إيقاعين رئيسيين، إيقاع السرد وإيقاع الشعر، اللذان تتفرع عنهما إيقاعات الحب والسياسية والمجتمع ...مما يؤكد القول بالمصالحة بين الشعر والسرد في علاقة تفاعل وانسجام.






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-03-2012, 03:47 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


زياد السعودي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الجزء (2) من الشعرية في رواية كريم معتوق - حدث في إسطنبول - ريم العيساوي

كثير فائدة
وكثير ضوء
وفرادة في الطرح

ميمون منجزكم
وكل التقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 12-09-2012, 01:45 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ريم العيساوي
عضو أكاديميّة الفينيق
تونس

الصورة الرمزية ريم العيساوي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ريم العيساوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الجزء (2) من الشعرية في رواية كريم معتوق - حدث في إسطنبول - ريم العيساوي

أبارك جهودك من أجل إبداع متميز وأبارك متابعاتك الرافدة للموقع ، خالص تحياتي .






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط