لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
24-06-2020, 04:46 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
[IMG]مركز الخليج[/IMG] اِرْتَفَعَتِ الطَّبيعَةُ أَمامَهُ مَسْرَحًا مُكْتَمِلَ الشُّخوصِ وَالنُّصوصِ، وَالدِّيكورُ عَلى طَبيعَتِهِ.. أَجْمَلُ مِنْ أَيِّ مُحاكاةٍ تُحاوِلُ أَنْ تُقَلِّدَهُ.. وَكانَ يَرى نَفْسَهُ يَنْظُرُ مِنْ عَلٍ.. هُنا حَواضِرُ واسِعَةٌ وَمَمالِكُ حاضِرَةٌ تَقومُ عَلى أَنْقاضِ بائِدَةٍ.. هُنا بيدٌ وَكُثْبانٌ.. هُنا مُروجٌ خَضْراءُ.. وَتِلْكَ قُرًى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِها وَأُخْرى تَدْخُلُ في سُباتٍ.. وَتِلْكَ بَساتِينُ خَضْراءُ وَارفَةُ الظِّلالِ يَعْدو العُشَّاقُ فيها مُطارِدينَ بَعْضَهُمْ.. وَذاكَ نَخيلٌ حانَ قِطافُهُ.. وَتِلْكَ أَشْجارٌ طابَ ثَمَرُها، مَلْآى بِأَطْفالِ التَّاريخِ يَجْنونَ الثَّمَرَ.. رَأَى الفُصولَ مُجْتَمِعَةً تَتَعاقَبُ.. وَكانَ كُلٌّ مِنْها يَهيجُ وَيَفْرِضُ رَوْنَقَهُ وَطَقْسَهُ وَحُضورَهُ.. رَأَى الحَياةَ بِأَكْمَلِها فَوْقَ الـمَسْرَحِ.. ثُمَّ بَدَأَ صَوْتٌ مِنْ داخِلِهِ يَعْلو رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى صارَ مَسْموعًا.. يَنْهاهُ عَنِ البَقاءِ في هذا الجَوِّ، فَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْبَقاءِ فيهِ، كَما يَزْعُمُ.. • وَطَنُكَ لَيْسَ هُنا.. وَلا مُقامَ لَكَ هُنا.. هُنا الحَقيقَةُ عارِيَةٌ وَأَنْتَ ابْنُ الظِّلالِ.. أَنْتَ ابْنُ ماضٍ قَتَلْناهُ تَغْييبًا.. اِرْجِعْ إِلى ظِلالِكَ وَأَشْباهِكَ في القَديمِ السَّحيقِ.. هُناكَ أَنْتَ وَهُنا لا أَنْتَ.. فَلا تُجْهِدْ نَفْسَكَ بِالأَسْئِلَةِ.. لا شَمْسَ لَكَ، لا قَمَرَ وَلا نُجومَ.. لا أَنا لَكَ، وَلا تاريخَ لَكَ، وَلا أَنْتَ لَكَ.. أَنْتَ لَسْتَ غَيْرَ نَسيجٍ مِنْ لُحونٍ رَعَوِيَّةٍ.. فَاغْرُبْ لا أُمَّ لَكْ.. - مَنْ أَنْتَ يا هذا؟ وَكَيْفَ تُخاطِبُني بِهذِهِ النَّبْرَةِ الوَقِحَةِ؟ فَاعْلَمْ أَنَّني أَنا ابْنُ كُلِّ الأَزْمِنَةِ الـمُشْرَعَةِ عَلى نَفْسِها وَعَلى الأَمْكِنَةِ.. هَضَمْتُ الـماضي وَحاضِري وَما سَيَأْتي، فَلْتَقْتُلْ حَيِّزَ الـماضي فَلْنْ أَخْسَرَ.. وَلَنْ تَقْتُلَ سِوى ظِلالٍ غارِبَةٍ.. ماضِيَّ فيَّ.. أَنا لي وَأَنايَ لي.. تَرَكْتُها في هَزيعِ الخِطابِ الأَخيرِ تُرَتِّبُ جنازَة ظِلالِ الـماضي.. وَتُعِدُّ مَهْدَ القادِمِ الـموشِكِ عَلى الوِلادَةِ مِنْها.. لَقَدْ أَفْرَغْتُ ذاتي فيها وَشَهْوَةَ الشَّبَقِ الأَزَلِيِّ مِنِّي.. حَتَّى نَكونَ.. فَمُتْ أَنْتَ يا ابْنَ الـمَجاهيلَ فَلا تَعْريفَ لَكَ في حياةِ العُبورِ مِنَ مَوْتِ الحَياةِ إِلى الحَياةِ بِلا مَوْتٍ.. فَاحْمِلْ عُيونَ لَيْلِكَ وَاغْرُبْ بِهِمْ عَنْ فَراشِ أَنايَ وَعَنْ فِراشِها الـمُعَدِّ لي وَحْدي.. فَلا وَحْدي سِوى وَحْدي.. • أَنا فيكَ.. أَنا تَرَدُّدُكَ وَهَجْمَةُ الإِحْباطِ.. أَنْتَ بِجُبْنِكَ نَمَّيْتَني حَتَّى لَمْ تَعُدْ تَحْتَويني.. فَارْكَنْ إِلى السُّكونِ وَاخْرُجْ مِنْ نَشاطِ الفِكْرِ فَلَنْ تَصِلَ وَلَنْ تَحْظى بِها.. لِأَنَّكَ لَسْتَ غَيْرَ شَهْوَةِ الدُّروبِ لِلْعابِرينَ إِلى مَكانٍ ما.. مَكانٍ مَجْهولٍ.. لَسْتَ إِلَّا شَهْوَةَ السُّطورِ لِحِبْرِ الأَسْئِلَةِ.. وَقَدْ ماتَتِ الأَسْئِلَةُ وَآنَ أَنْ تَموتَ.. قُمْ إِلى مَوْتِكَ فَقَدْ أَعْدَدْنا لَكَ الوَليمَةَ الأَخيرَةَ قَبْلَ الاِحْتِضارِ.. وَلا تَجْزَعْ إِنْ لَمْ تَجِدْ عَلى الـمائِدَةِ خَمْرَ تاريخِ حُدوثِكَ الـمُقَدَّسِ.. وَلا كانَتْ سَاكِنَتُكَ الأَبَدِيَّةُ بَيْنَ الحُضورِ.. فَقَدْ فَرَغْنا مِنْ طُقوسِ قَتْلِها فيكَ.. مُحالٌ حَياةُ مَوْتِ وَجْهِ دَهْرٍ مُجانِبٍ رُقودَ عَيْنٍ يابِسَةٍ.. اِرْتَعَدَ وَانْتَفَضَ كَعُصْفورٍ بَلَّلَهُ القَطْرُ.. وَأَحَسَّ كَأَنَّ كابوسًا جَثَمَ عَلى صَدْرِهِ.. ضَرَبَ صَدْرَهُ بِقَبْضَتِهِ.. فَأَحَسَّ بِخُمودِ الصَّوْتِ داخِلَهُ.. وَوَقَفَ مُنْتَصِبًا.. أَنا لا أَموتُ أَيُّها الإِحْباطُ.. فَاخْرُجْ إِلى العَدَمْ.. وَكَما نَمَّيْتُكَ سَتَعودُ لا شَيْءَ.. لِأَنَّني اسْتَيْقَظْتُ.. كانَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ مَوْتِ أَناهُ كَفيلًا بِحَمْلِهِ وَإِلْقائِهِ عَلى سَطْحٍ شَوْكِيٍّ.. وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ شِدَّةِ وَخْزِهِ بِقَفْزَةٍ واحِدَةٍ تَنْقُلُهُ إِلى جِوارِ السَّطْحِ.. فَكُلُّ ما يُمْكِنُ تَخَيُّلُهُ قابِلٌ عِنْدَهُ لِاحْتِمالِ الحُدوثِ.. سِوى مَوْتِ أَناهُ.. فَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ قابِلٍ حَتَّى لِـمُجَرَّدِ أَنْ يَخْطُرَ عَلى بالِهِ.. فَأَناهُ لا تَموتُ.. خُلِقَتَ لِلْخُلودِ فيهِ.. وَمَوْتُها يَعْني مَوْتُهُ.. عاوَدَ الإِطْلالَةَ عَلى الـمَسْرَحِ.. كانَتْ شُخوصُهُ تَتَحَرَّكُ حَياةً وَلا تَني تَتَقَلَّبُ عَلى ذاتِها.. وَراحَ يَتَفَحَّصُ ما يَكْشِفُهُ الضَّوْءُ وَيَبْتَسِمُ: - هذا آخَري.. هذا والِدي الـمَيِّتُ قَبْلَ الحُدوثِ.. وَتِلْكَ أُمِّي الـمُتَوَفَّاةُ قَبْلَ الحَديثِ.. وَذاكَ القَطيعُ الغَريبُ الزَّاحِفُ عَلى الواحاتِ.. يا إِلهي سَيَأْتي عَلى الواحاتِ.. حَرَّكَ إِصْبَعَهُ مُشيرًا بِاتِّجاهِ القَطيعِ فَتَداخَلَ القَطيعُ بِذاتِهِ.. وَغَدا كَوْمَةً مِنْ جِيَفٍ عَلى صَعيدِ قارِعَةِ الكَلامِ.. تابَعَ التَّحْديقَ.. - تِلْكَ أَنايَ.. إِنَّها هِيَ لا سِواها.. فَلِماذا لا أَشْعُرُ بِالشَّوْقِ القَديمِ إِلَيْها؟ لِـماذا أَراها عادِيَّةً كَغَيْرِها؟ أِيْنَ هالَةُ القَداسَةِ الَّتي أَحاطَتْها؟ وَمَنْ هؤُلاءِ الَّذينَ يَطوفونَ بِها وَلِـماذا يَطوفونَ؟ وَمَنْ تِلْكَ النِّساءُ الـمُقْبِلاتُ إِلَيْها يَحْمِلْنَ نُجومًا؟ لا، إِنَّها لَيْسَتْ أَنايَ.. رُبَّما هِيَ أَنا غَيْري.. وَرُبَّما هِيَ مُجَرَّدٌ شَبَحٍ وَسَطَ أَشْباحٍ.. فَقَدْ كَثُرَ الأَشْباحُ بَعْدَ الخَرابِ الأَخيرِ.. نَتيجَةَ الطُّوفانِ.. وَصِرْتَ تَرى شَبيهَكَ تَظُنُّهُ نَفْسَكَ.. فَتَبْدَأُ الحَديثَ وَيَخْتَفي تارِكًا إِيَّاكَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ.. لَقَدْ أَتى الطُّوفانُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.. وَلَمْ يَنْجُ حَتَّى مَنْ ظَنَّ في الجِبالِ مُنْقِذًا وَمَأْوى، كَما ظَنَّ ابْنُ نوحٍ مِنْ قَبْلُ.. صَعَدَ الطُّوفانُ إِلَيْهِمْ وَأَمْواجُهُ كَالأَكُفِّ تَسْبِقُهُ.. وَالْتَهَمَهُمْ وَجْبَةً وَاحِدَةً، قَبْلَ أَنْ يَنْحَسِرَ وَتُعودَ الجِبالُ لِلظُّهورِ.. حَدَّقَ أَكْثَرَ في هَيْكَلِ أَناهُ وَرَآها تَنْظُرُ صَوْبَهُ.. فَظَنَّها تَراهُ، وَراحَ يُنادي عَلَيْها.. لكِنَّ حاجِزَ الزَّمَنْ كانَ حائِلًا يَمْنَعُ الصَّوْتَ.. (يتبع) [IMG]مركز الخليج[/IMG]
|
|||
28-06-2020, 11:25 AM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
تجلّى
كل من مرّ بهكذا تجليات من لدن المرعي نتابعكم وننهل من معين فرادتككم وكامل الود |
||||
30-06-2020, 07:40 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
اقتباس:
الخامسة ..وما أجملها حين لا تقسم على اثنين ..الإصرار على القسمة سترك واحدة في وسط الفراغ لا تملك خيارات لتلحق بأي قسمة معقولة
الخامسة ,,كأنها الأجمل في سطوع صور المشاهد النابعة من ظلها الخامس
ولن يحررني مني ومن هواجسي إلا قطعة جديدة قابلة للقسمة دون تقطيع دون انفصال ..وسأرجع إلى هنا ..إلى هذه الفيض الجميل ..وما أحلى الرجوع أديبنا المبدع محمود مرعي هنا ارتفعت وتيرة الموسيقى ..وهمت مع هذا التجلي الفريد الماتع البديع بوركتم وبورك هذا المداد المنيع ..ونبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
||||||
15-07-2020, 04:26 AM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
اقتباس:
وما أجمل التَّجلِّي حين يقبض عليك ويسيح بك في الملكوت وتطلُّ على عوالم ما كنت لتعرفها لولاه أشكرك أستاذنا الحبيب |
||||
15-07-2020, 04:27 AM | رقم المشاركة : 5 | |||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
اقتباس:
للموسيقى إثارة كبيرة وسترافقنا على طول الرِّواية نسأل الله العون على تقديم المفيد والجديد |
|||||
16-07-2020, 08:34 AM | رقم المشاركة : 6 | |||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (5)
اقتباس:
أنا على يقين أنكم قادرون على ذلك..ومن الجميل أنك تعدنا بمزيد من الموسيقى
معكم نسأل الله تعالى أن يعينكم على هذا الانجاز الذي سيكون مختلفا,,سأخبرك بأمر.. مهما بلغ الإنسان من قدرات وثقة يظل دائم السؤال لله تعالى بأن يقدره على ما في قلبه ..شئ آخر كلما كتبت تحسس وجود من يرافقك مع كل حرف ..
|
|||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|