الفينيق إيليا أبو ماضي يليق به الضوء*هبه الشايب - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-03-2012, 08:02 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
هبه الشايب
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
تحمل ميدالية الأكاديمية للتميز 2011
الاردن

الصورة الرمزية هبه الشايب

افتراضي الفينيق إيليا أبو ماضي يليق به الضوء*هبه الشايب



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح الفينيق إيليا أبو ماضي
لنضعه تحت الضوء
إذ به يليق الضوء







إيليا أبو ماضي

نبذة عن الشاعر


ولد شاعر المهجر الأكبر في قرية المحيدثة في لبنان سنة 1890
ورحل إلى مصر عام 1902 وعمل في بيع السجائر والدخان. هاجر إلى أمريكا عام 1911 واتخذها مهجراً. ولذلك فهو من شعراء المهجر وهم الشعراء العرب الذين هاجروا إلى أمريكا وكتبوا وألّفوا هناك باللغة العربية، وتوفي عام 1957 في نيويورك..

ويعتبر ايليا أبو ماضي من أهم شعراء المهجر في أمريكا الشمالية. ومن المميزات في أسلوبه الشعري هي وحدة الموضوع وشدة الارتباط بين أجزائها وعناصرها بالإضافة إلى الفكرة الموحدة، لذلك وضع عناوين لقصائده تناسب ما تناولته القصيدة.

أحدث تجديداً في الكلمة الشعرية، وجعلها تتسع لمضامين الحياة الاجتماعية والفكرية والنفسية من غير أن تخرج من إطار البساطة والوضوح.

نشر أبو ماضي في حياته أربعة دواوين وهي" تذكار الماضي " و " ديوان ايليا أبو ماضي " و " الجداول " و " الخمائل "، وأعد للطبع ديوانه الخامس " تبر وتراب ".

اشتهر ايليا أبو ماضي بالتفاؤل وحب الحياة والإيمان بجمالها، ودعا الناس إلى الأمل، كما دعا إلى المساواة بين الغني والفقير. ومن أشهر قصائد ايليا ابو ماضي "قصيدة الطين" و"فلسفة الحياة.



مسيرته الأدبية


في مصر، أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى أمريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916 وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له اربعة أولاد.
تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.

في 15 أبريل 1919، قام إيليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي"مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي. لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى فارق الشاعر الحياة بنوبة قلبية في 13 نوفمبر 1957.



أهم أعماله



تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:

"تذكار الماضي" (الإسكندرية 1911):
تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
"إيليا أبو ماضي" (نيويورك 1918):
كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
"الجداول" (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة.
"الخمائل" (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال.
"تبر وتراب"
"الغابة المفقودة"

" قصص الأغرش ومرأته الهبلة "
"مغامرات خالد سعيد مع الحياه":وكان من اهم الكتب واشهرها لانها تناقش مواضيع مهمه ومفيده.




أهم العوامل المؤثرة في شعر أبي ماضي



أحاطته الطبيعة في طفولته، وكانت قرية المحيدثة تحاصر إيليا أبو ماضي بأشكال الجمال الأخضر والجداول المغردة للجمال، فتعلم حب الطبيعة وتعلق بمناجاتها. الفقر، فنشأته في قسوة الفقر، جعلت منه رسولاً للفقراء، فكتب دوماً عن المساواة الاجتماعية، فكلنا من تراب، لا غني ولا فقير. الهجرة، والاغتراب، كان التشرد في الغربة ثاني مدماك في اتجاه أبي ماضي، ومن التشرد تعلم الوفاء للوطن، فأغزر في الشوق اليه والعناية بطيفه الباق في قلبه. الاختلاط بالنخب، ففي المهجر، كان أبي ماضي منغمساً في علاقته برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري الأدبي، فاستفاد منهم، وبنى منهجه الشعري وأسلوبه الأدبي.




خصائصه الشعرية

إذا أردنا أن نتـتبع خصائص شعر أبي ماضي منذ ارتبط بالرابطة القلمية, فإننا سنجد الكثير من مميزاتها عنده, فهناك الشعر التأملي الروحي الذي يغلب على مقطوعاته في ديوانه الجداول من مثل: الناسكة, نار القرى, الزمان. وغيرها. وأصبحت المادة لا تعني شاعرنا بكثير أو قليل, فهو شاعر يعيش بالروح ويهتم بالنفس:


تقسم مسيرة أبي ماضي الشعرية الى قسمين: قسم ما قبل الهجرة, وفيه لم يكن لشعره خصائص مميزة, والقسم الثاني ما بعد الهجرة, وفيه أظهر شاعريته الناضجة فكرياً, والمتحررة أسلوباً. وأهم ما نلاحظه في شعره هذا, الأسلوب الحواري, إذ نراه يخاطب أناساً يعرفهم ويأخذ منهم ويأخذون منه, كل ذلك في شعر متماسك موسيقي عذب ذي هدف.

جعـل أبو ماضي من شعره منطلقـاً لأفكـاره الفلسفـية التي صاغها ببلاغة وسهولة ومـرونة بيان. فلسفـته في الكـون, وما وراء الطبيعة, وفي الوجـود والعدم, وفي الـروح والحقيقة, اعتمـدت عـلى مبـدأ إعتنـقه عـدد من الفلاسفة الذين رأوا في البحث عن هذه الأمور مسألة عقيمة لا تؤدي بصاحبها الى حل تلك الأسئلة التي راودت المفكرين منذ زمن بعيد جداً, فالفكر في نظرهم لا يستطيع أن يتخطى حدوده المادية ليصل الى اكتشاف حقائق مجهولة تتعدى قواه الفكرية. وكان قد سبق أبي ماضي من الشعراء في هذا المبدأ.



إيليا أبو ماضي شاعر الطبيعة والعذوبة
مجلة الجيش



قل المجيدون وكثر المتشاعرون في زمننا الحاضر. سنّة الطبيعة أن يتوالد البعوض بالملايين, وأن لا تلد الصقور إلا عدداً قليلاً. والشاعر المهجري إيليا أبو ماضي ينتسب الى فصيلة الصقور والى الشعراء المبدعين الكبار.


فلسفة أبي ماضي


جعـل أبو ماضي من شعره منطلقـاً لأفكـاره الفلسفـية التي صاغها ببلاغة وسهولة ومـرونة بيان. فلسفـته في الكـون, وما وراء الطبيعة, وفي الوجـود والعدم, وفي الـروح والحقيقة, اعتمـدت عـلى مبـدأ إعتنـقه عـدد من الفلاسفة الذين رأوا في البحث عن هذه الأمور مسألة عقيمة لا تؤدي بصاحبها الى حل تلك الأسئلة التي راودت المفكرين منذ زمن بعيد جداً, فالفكر في نظرهم لا يستطيع أن يتخطى حدوده المادية ليصل الى اكتشاف حقائق مجهولة تتعدى قواه الفكرية. وكان قد سبق أبي ماضي من الشعراء في هذا المبدأ الشاعر الفارسي عمر الخيام الذي يقول:

"أتى بي لهذا الكون مضطرباً فلم تزد لي إلا حيرة وتعجّب
وعدت على كره ولم أدر إنني لماذا أتيت الكون أو فيم أذهب"

وأبو ماضي يقول في قصيدته الطلاسم:
"جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت وأبغض فيمسي الكون سجناً مظلما
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت والمرء لولا الحب إلا أعظما
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت فتألمت من قبل أن تتألما
كيف جئت, كيف أبصرت طريقي الله لم يخلق لنا غير السم"
لست أدري".
أخذت فكرة عدم تلاشي الإنسان بعد الموت تلاشياً كلياً في التراب, تزداد سنة بعد سنة رسوخاً في رأس أبي ماضي, بحيث نجده ينشر في مجلته "السمير" مقالاً جعل موضوعه الإنسان وما يوجد فيه من غرائب. ورأى أن الإنسان مجمع غرائب, وملتقى الأسرار والأحاجي؛ فيه من الحيوان شيء, ومن النبات شيء, ومن الجماد شيء, وأعظم من هذا كلّه فيه شيء من الإله.
وإيمان أبي ماضي بأن الإنسان بعد موته سوف يعود فيولد من جديد إما حيواناً أو نباتاً تدب فيهما الحياة, هو إيمان استقاه من بعض أقوال الفلاسفة القدماء الذين كانوا يقولون إن الإنسان الفاضل سيتحوّل بعد موته عن طريق التناسخ الى زهرة, فوّاحة العبير, والإنسان الشرير سيتحوّل الى حيوان.
لقد جاء الإنسان الى هذه الدنيا مكرهاً, وسيفارقها مكرهاً, فهو لا يعلم لذهابه موعداً, حياته لغز حيّر عقول العلماء والشعراء والمفكرين, وذهابه لغز أيضاً, لا يعرف كنهه إلا خالقه. فكلما أوهمنا أنفسنا باقترابنا من معرفة الحقيقية, حقيقة الوجود, نكون قد ابتعدنا كل الإبتعاد عن معرفتها الحقّة.


نبذ الطائفية


لقد التفت شاعرنا حوله فإذا الناس على خلاف دائم حول الأديان الكثيرة, وحتى ضمن الدين الواحد, ووجد المذاهب المتعددة والطوائف المختلفة, كل مذهب يمجّد مبادئه ويدحض مبادئ الآخر, والناس في خضم هذه الفوضى الفكرية.
التناحر الطائفي والديني, زرع في أعماق أبي ماضي بذور الشك بالأديان والمتدينين, الأمر الذي جعله يتخطى الطوائف المختلفة فقاده فكره الى الإله الواحد, واجب الوجود؛ آمن بربّ واحد حكيم, خلق هذا العالم, ورتبه, ونظمه, إنه إله المحبة الشامل, الذي من المفترض أن يكون الإنسان على شاكلته, مفعم بالمحبة. فالمحبة تنير وتجمع الشتات الإنساني, في حين ان الكره والبغض يظلم ويمزّق. يقول شاعرنا:
"أحبب فيغدو الكوخ كوناً نيّراً
ما الكأس لولا الخمر إلا زجاجة
كم روّعوا بجهنم أرواحنا
ليست جهنم غير فكرة تاجر
هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والأشواك, بالشك والظنون, ابتعد عنه أبو ماضي وأخذ يسلك دروباً شائكة في الحياة, نظر حوله فإذا العالم كله ينحدر ببطء نحو الزوال, وما الخلود سوى ضرب من الخيال, تراب فتراب, حياة كلها هباء, وجميع العناصر الحية, الى فناء, فإلى أين المفر؟ إنها المأساة والصراع الذي يمزّق رغبات الإنسان المكبل بهواجس القنوط واليأس والشقاء, والعدمية, ويقوده الى التشاؤم المرير.



عشق الطبيعة



لا أظـن أن شاعـراً أحـب الطبيعة أكـثر مما أحبـها أبو ماضي. لقد انعـكس جمالهـا في جمـال نفسـه, وصـفاء سمائـها في صفاء ألحانه, وانعكست عذوبة مائـها في عذوبة ألفـاظه ودقـة نواميسها في دقّـة ملاحظاتـه, وكأن الطبيـعة شعـرت بصدق حبـه لها, فباحـت لـه بأسـرار سحرهـا, وأباحـت له صوغها شعـراً.
كان أبــو ماضـي يرى في كائنـات الطبيعة الأصدقـاء الأوفـياء له. إذ كان كلما بثّهم شكـواه يجد عـندهم آذاناً صاغية, وقلوبـاً مفتوحة واعية, وكثيراً ما كان يلتـقي بأصدقـائه هؤلاء إما في أماكنـهم المعتـادة في البرية, أو في منـزل أحـد الرفـاق والأقربـاء. وقد فُجعت عينـاه ذات يوم برؤية زهـرة مسجونـة في إناء في أحـد الصالونـات الفخـمة, فتألم أشد الألـم لدى رؤيتـها, لأنـه لم يكن باستطاعتـه أن يخلّصها من سجنـها وعذابها. فأنشد:

"لعمرك ما حزني لمال فقدته ولا خان عهدي في الحياة حبيب
ولكنني أبكي وأندب زهرة جناها ولوع بالزهور طروب
رآها يحلّ الفجر عقد جنونها ويلقي عليها تبره فيذوب"

كان يـرى في الروابـي جـمالاً ومهابة, وفي خرير الجدول المنسـاب جذلاً وحبوراً, وفي المرج الخطيـب بشاشة وابتسامـة, وفي الوادي العميـق الأغـوار شعـوراً بالحزن والكآبـة, وكلما أرخـى اللـيل سدوله على الكائـنات, كانت عيـناه تبصـران ما فيها من جمـال. وقـد آل على نفـسه أن يكون رسـول الطبيعـة الى البشـر, ليدلهـم على مواطـن الجمـال فيهـا, وليحبـب إليهـم العيـش في أحضانـها والتـقرّب من كائنـاتها على غـرار ما دعـا إليه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
فشاعرنـا يتأمل الطبيعة, ويـدرس مظاهرهـا, ويتتـبع أسرارهـا, شأنـه شأن كل شعراء الرابطة القلمية, فيخرج من دراسته وتأملاتـه بمقارنـات ومقابـلات وحكـم شتى, أهمـها أن الطبيعة صالحة تنفـع جميع البـشر, وتقدّم النفـع لهـم من دون أن تسأل, وهي لا تفرّق في تقديم نفعها بين إنسـان وآخـر, فيا ليـت الناس يقلدون الطبيعـة في العــطاء. ونجــد عنـد شاعرنــا نزعـة إنسانية خالصة, تسمـو على كل النزعـات, وروحـاً عالياً يفـوق كل الأرواح, إنـه يحـب الناس ويحـب الحياة التي أوجـدت الناس, ويدعوهـم الى محبتـها ففيـها كل الخـيـر والجـمـال.


أبو ماضي والحب

قبل زواجه اجتاز أبو ماضي عدداً من التجارب العاطفية القاسية, حيث كان يخرج منها في كل مرة صحيحاً سليماً, إلا تجربة واحدة فقط من بينها وهي تجربة كادت تصيب منه مقتلاً, جاعلة منه أحد الشعراء العشاق الكبار الباكين على فراق المحبوبة الظالمة, المتألمين من جراء صدّها المتعمد لهم.
وقد ظل شاعرنا فترة غير قصيرة مصدّقاً ما قالته المحبوبة له. وهو يعيش أسعد أيامه, لأنه كان يقضيها بقربها, وفجأة وجدها تتخلى عنه, تاركة إياه يندب فراقها, فيقول:
"إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي
لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي".
محبوبته هذه, جعلها عروسة قصيدته "الداليّة" وهي نفسها محبوبته هند التي جعلها عروسة قصيدته "الغابة المفقودة" حيث يحدثنا عن تلك الأيام العذبة الجميلة, والرحلات الخلوية الممتعة التي قام بها ومحبوبته الى تلك الغابات, قبل أن تصبح "في سوى يده" فيقول:
"يا لهفة النفس على غابة كنت وهنداً نلتقي فيها
أنا كما شاء الهوى والصبا وهي كما شاءت أمانيها
نباغت الأزهار عند الضحى متكآت في نواحيها
لله في الغابة أيامنا ما عابها إلا تلاشيها
طوراً علينا ظل أدواحها وتارة عطف دواليها
وتارة نلهو بأعنابها وتارة نحصي أقاحيها
وإن تضاحكنا سمعنا الصدى يضحك معنا في أقاصيه"






قراءة في قصيدة إيليا أبو ماضي

المساء

مقدمة:


قد يتساءل البعض لماذا هذا الوقوف عند هذه القصيدة بعد مضي ما يزيد عن نصف قرن على إبداعها؟ وهل الأدب العربي يخلو من قصائد مشابهة لهذه القصيدة في مضمونها وشكلها الفني، لتكون هذه القصيدة محطة لقراءة نقدية تذوقية جديدة؟

كل هذه الأسئلة وغيرها مشروعة ، ولكن الأهم من ذلك معرفة أن الناقد انتقائي بطبعه، قد تستولي عليه قصة أو قصيدة أو أي عمل أدبي آخر ليشرع في دراسته، أضف إلى أن هذه القصيدة من بواكير التجديد في الأدب العربي الذي حافظ على مسافة إبداعية بينه وبين القارئ ، لم تغلق القصيدة على قارئها ، ولم تستعص عليه ، فالقصيدة ليست كأغلب شعرنا الحديث الحداثي الذي وصفه أحد الشعراء قائلاً:

تحدثني فلم أفهم عليها كأن حديثَها الشعر الحديثُ

أضف إلى أن القصيدة تمثل النزعة الإنسانية والشعور الإنساني المحض ما يكفل لها الحياة، مادامت الحياة نفسها، وأخيرا تمثل قصيدة المساء مدرسة المهجر خير تمثيل، سواء في المضمون ، أو في السمات الفنية، أو في اللغة المستخدمة، التي تعتمد على علاقات جديدة ، فتكتسب الألفاظ فيها أبعادا نفسية تتعدى أحيانا كثيرة المعنى المعجمي. وسأقف عند هذه القصيدة لأبين من خلال هذه القراءة ما يلي:

1. أفكار القصيدة وكيفية تعبير الشاعر عن هذه الأفكار.

2. التصوير الفني.

3. اللغة والأسلوب.

4.العاطفة.

5.الموسيقى والشكل الفني.

أولاً- أفكار القصيدة وكيفية تعبير الشاعر عن هذه الأفكار:

تقوم القصيدة أساسا على فكرة واحدة ، وهي بذلك تحمل أهم سمة من سمات الشعر الحديث ، وهو الوحدة الموضوعية ، التي أفرغت بقالب أدبي يجعلها بالوحدة العضوية ؛ فقد قسم الشاعر القصيدة إلى عشرة مقاطع، كل مقطع وكأنه يشكل فقرة في مقال يفضي إلى الذي يليه بسلاسة وسهولة، وترابط منطقي يستند إلى فكرة الكاتب الأصلية التي تشكل روح القصيدة/ المقال.

فقد بدأت القصيدة بأجواء من التشاؤم ؛ ليضع القارئ في جو من ترف فيه المشاعر الإنسانية ؛ ليدخل القارئ مع الشاعر في منظومة الفكرة التي يتغيا الكاتب مشاركة القارئ فيها بالإحساس الأولي من وراء تصوير الطبيعة بهذه الصورة القاتمة التي توحي بكل ما هو مأساوي ويائس:

السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفينْ

والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبينْ

والبحر ساجٍ صامت فيه خشوع الزاهدينْ

لكنما عيناك باهتتان في الأفق البعيد.

سلمى بماذا تفْكُرين؟

سلمى بماذا تحلمينْ؟

وهكذا يصل الشاعر في نهاية المقطع إلى نقطة تعد خاتمة لما قبلها ، وبداية لما بعدها ليتابع الشاعر قراءة ما في نفس سلمى وما يدور في ذهنها ، وما يعتمل في مرجل أحلامها من حيرة وقلق لما أصابها؛ ليسألها عن حالتها التي هي عليها، فيأتي تفسير الشاعر أو محاولة التفسير في المقطع الذي يليه؛ فيرى سلمى وكأنها واقفة على مفترق طرق بين طفولتها وشيخوختها، وقد أحست بذلك، فغمرها ذلك الإحساس بالتشاؤم، الذي بدا وضوحه في المقطع الأول ، ولعل الشاعر قد أدرك سر هذا الأمر، فأخذ يخاطبها قائلاً:

أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف التخومْ؟

أم أبصرت عيناك أشباح الكهولة في الغيومْ؟

أم خفت أن يأتي الدجى الجاني ولا تأتي النجومْ؟

أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما

أظلالها في ناظريكِ

تنمُّ يا سلمى عليكِ.

إنه يحاول في هاتيك الأسئلة التي يقذف بها في وجه سلمى أن يجعلها تدرك وحدها أن ما تعانيه من ألم القلق على المستقبل الآتي ، إنما هي مشكلة في داخلها، وهي من صنعت تلك الأوهام، وهي التي تصورتها ، وبالتالي فهي ليست حقيقة واقعة ؛ وليثبت الشاعر ذلك يتابع في المقطع الثالث تأكيد ذلك بأسلوب الخبر مبتعدا هذه المرة عن الأسلوب الإنشائي ، فيقول مؤكداً:

إني أراك كسائح في القفر ضل عن الطريقْ

يرجو صديقا في الفلاة ، وأين في القفر الصديقْ؟

يهوى البروق وضوءها، ويخاف تخدعه البروقْ

بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتامْ

لا يستطيع الانتصارْ

ولا يطيق الانكسارْ

إنه ربط عظيم الدلالة بين شخصية سلمى ، وهذا الفارس الذي خاض عباب معركة قد تورط فيها ، لا يستطيع الانتصار، ومع ذلك لا يطيق الهزيمة، إنهما توحدا في حيرة تجاه معركة المصير ؛ سلمى ومعركة الحياة ، والفارس ومعركة الحرب، ومع كل هذا يرد الشاعر مرة أخرى ما في نفس سلمى من حيرة وقلق المصير إلى نفسها ، ولكن هذه المرة بواقعية شفافة ووضوح ، وذلك في قوله:

هذي الهواجس لم تكن مرسومة في مقلتيكِ

فلقد رأيتك في الضحى ورأيته في وجنتيكِ

لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديكِ

مثل اكتئاب العاشقينْ

سلمى بماذا تفكرينْ؟

وبعد كل هذا ، لا بد أن يقنع الشاعر سلمى بخطأ موقفها من الحياة في نظرتها المتشائمة، فيـعـرض في المقاطع اللاحقة (5-8) مشاهد من الطبيعة ، تتجاور فيها عناصر السعادة وعناصر الشقاء ولكنه يساوي بينها؛ فكأن هذه العناصر المتناقضة في الطبيعة تريد تقديم رسالة لكل ذي لبٍّ؛ فتجاورهما معا لا يؤثر في بهجة الحياة وروعة الطبيعة؛ فترى الشاعر يساوي بين القصر والكوخ المكين، والشوك في نظره كزهر الياسمين، ليبن لسلمى أن دواعي السعادة والشقاء ليست بأسباب خارجية وإنما هي تنبع من الداخل ، ليصرح بذلك عند تساؤله المر المشبع بالأسى على حالتها عندما يخاطبها:

ولكن لماذا تجزعين على النهار، وللدجى

أحلامه ورغائبه

وسماؤه وكواكبهْ

بل عليها أن تتمتع " بالشهب في الأفلاك ما دامت تلوحْ" ، ولتكن حياتها كلها أملا يفوح بالسعادة والتفاؤل، وليملأ الحب قلبها، وتدع التفكير في الحياة وشقائها، ولتسترجع مرح الطفولة ، لتتمتع بهذا المرح في كهولتها وشيخوختها:

فيه البشاشة والبهاءْ

ليكن كذلك في المساءْ

وبعد، فإن الدارس لهذه القصيدة ليدركُ أنها لوحة فنية مرسومة بعناية، لتعبر عن فكرة واحدة ، يصعب – وإن حاولنا- اختصار مضمونها. إنها الوحدة العضوية والموضوعية التي تعبر بكل بساطة عن موضوع إنساني عام، لا يخص سلمى وحدها بل يعم الناس جميعا بغض النظر عن أديانهم ومواطن عيشهم، إنها قطعة فنية من الأدب الإنساني الخالد.




بعد ثمانين عاماً على قصيدة «الطلاسم» لإيليا أبو ماضي ماذا تقول القصيدة؟

يوسف مكي



مضى أكثر من نصف قرن على رحيل الشاعر اللبناني المهجري إيليا أبو ماضي. بينما مر على ميلاده قرابة قرن وربع قرن من الزمن ( ولد في 1890 وتوفي في 1957) .

يعتبر إيليا أبو ماضي بالإضافة إلى كونه أحد شعراء المهجر الشمالي، أنه أيضاً أحد أعضاء الرابطة القلمية التي تأسست في العام 1920 من القرن الماضي وضمت عشرة شعراء وأدباء لبنانيين من بينهم جبران خليل جبران عميد الرابطة، ميخائيل نعيمة، أمين الريحاني، رشيد أيوب، نسيب عريضة وآخرون.

وفيما يتعلق بـ إيليا أبوماضي فإنه لم يكن من مؤسسي الرابطة، لكنه التحق بها لاحقاً كعضو فاعل بحكم كفاءته الشعرية المتميزة من جهة وقدراته الصحفية من جهة ثانية، وهو الذي لم يتجاوز تعليمه المرحلة الابتدائية.

وقد أثار هذا الشاعر جدلاً لم ينقطع لحد الآن على أكثر من صعيد وخاصة على الصعيدين الشعري والفكري / السياسي. فعلى الصعيد الشعري يعتبر أبو ماضي من الشعراء المجددين في العبارة الشعرية ومن المدشنين للحركة الرومانطقية في الشعر العربي الحديث بوجه عام، والشعر اللبناني بوجه خاص. كما يعتبر أحد الرواد الأوائل الذين ضمنوا الشعر كثيراً من الوقائع الاجتماعية، ولكن دون أن يفقد الشعر شعريته أو خصوصيته الجمالية. هذا فضلاً عن بساطته المحببة إلى النفس، ودعوته إلى الحياة والتمتع بمباهجها وإثارة الأسئلة حولها.

أصدر أبو ماضي أربعة دواوين شعرية في حياته هي: (تذكار الماضي-1911) و( ديوان إيليا أبوماضي-1916) و ( الجداول-1927) و ( الخمائل-1935 ) و(تبر وتراب - 1958) بعد مماته.

وإذا كانت كل تجربة أبوماضي جديرة بالاهتمام. فإن أول ما يتبادر إلى قارئه هو تلك القصيدة البسيطة في كلماتها وتعبيراتها وصياغتها ولكن العميقة والإشكالية في معانيها ومدلولاتها وأفكارها والتي تحمل من الأبعاد الفلسفية والوجودية ذات الطابع اللاادري الشيء الكثير والجدير بالاهتمام. أما القصيدة التي نحن بصددها في هذا المقام فهي قصيدة (الطلاسم) هذه القصيدة التي أثارت مداداً كثيراً وحفزت شهية كثير من النقاد والأدباء العرب لتناولها، كما باتت أشبه بالمعلقة الحديثة أو الثامنة التي تضاف إلى المعلقات السبع المعروفة في الشعر العربي القديم من فرط معرفتها من قِبَلِ العامة قَبْلِ الخاصة وبسبب ما تطرحه من رأي ورؤيا.

تعود هذه القصيدة إلى الديوان الثالث (الجداول) أي إلى سنة 1927. وهي بذلك لها من العمر83 عاماً ولاتزال تحظى بحضور واهتمام من قبل الأجيال المتعاقبة.

تعتبر قصيدة الطلاسم من أطول القصائد في الديوان بحيث تشغل مساحة 40 صفحة من الديوان. أما في بنيتها العامة والشكلية فتتكون من نحو 340 بيتاً/ سطراً وتتوزع على 7

أقسام هي:

- المقدمة

- البحر

- في الدير

- بين المقابر

- القصر والكوخ

- الفكر

- صراع وعراك

وكل قسم من هذه الأقسام يتكون من عدد من مقاطع تدور حول فكرة معينة أو مجموعة من الأفكار تتواتر وتتوالد لتنتهي إلى فكرة عامة وهي عدم اليقين فكرياً وفلسفياً.

أما القصيدة بتفاصيلها وبتمامها فتمثل عدداً من الأسئلة الفلسفية حول الوجود وحول الحياة وكيف بدأت وإلى أين تسير وماذا ستكون النهاية ومن أين جاء البشر. وهي أسئلة أنطولوجية محيرة منذ آماد بعيدة، وقد أرقت الفلاسفة والشعراء والمفكرين وهاهي تؤرق شاعرنا الكبير أبو ماضي. لكنه لا يستطيع لها جواباً إلا في اللازمة لست أدري التي ينهي بها تساؤلاته الممضة للعقل والقلب. هذه اللازمة (لست أدري) التي تعني على الصعيد الفلسفي تعليق الجواب أو اللاأدرية الفلسفية.

إنها قصيدة مفعمة بالحيوية والنقد والشك في كل شيء، في مبدأ الوجود، وفي نهاية الوجود، وما بينهما وحتى في الإجابة الدينية.

أما على الصعيد الفني فهي ليست من أقوى القصائد لدى أبو ماضي، ولكن أهميتها تكمن في موضوعها وأسلوبها الحواري الممتع، وكأنه حوار بين الشاعر وطرف آخر، الطبيعة تارة والإله تارة أخرى أو شخص في حالة ثالثة.

إذن ماذا عن موضوع الطلاسم/ القصيدة؟

أول ما يتبادر إلى الذهن هو عنوانها المثير ( الطلاسم) والذي يعني الأحجية أو اللغز المستغلق الذي يصعب فكه أو الإجابة عليه بشكل نهائي وجازم. يلي العنوان مقدمة القصيدة وتتكون من خمسة مقاطع تدور حول عدم معرفتنا من أين جئنا إلى هذه الحياة، إلا أننا جئنا على أية حال، ولكن كيف حدث ذلك/ لست أدري.

«جئت، لا أعلم من أين، ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئتُ؟ كيف أبصرت طريقي؟

لستُ أدري»

بينما يتساءل المقطع الثاني من مقدمة القصيدة حول القدم والحدوث، وحول التسيير والتخيير.

«أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود

هل أنا حر طليق أم أسير في قيود

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود

أتمنى أنني أدري ولكن...

لستُ أدري»

وهكذا تتناسل الأسئلة من أحشاء بعضها بعضاً على هيئة تأمل وحوار، يختم في آخر المقطع بلازمة / لستُ أدري. إذْ الجواب غير معروف بالنسبة للشاعر.

ثم تستمر القصيدة في القسم الثاني وهو بعنوان (البحر) في إعطاء احتمال إجابة وليس إجابة مؤكدة، حيث يتكون هذا القسم أيضاً من اثني عشر مقطعاً تدور كلها حول علاقة الخلق/ الوجود بالبحر الذي قد يكون مصدراً لهذه الحياة برغم اختلاف مظاهر الحياة في علاقتها بالبحر/ الماء، أو اختلاف البحر في تمظهراته الحياتية.

ففي المقطع الأول من هذا القسم نجد أسئلة ومحاولات استنطاق للبحر ولكن لا إجابة وإزاء ذلك يقول:

«قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحرُ منك؟

أصحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟

أم ترى ما زعموا زوراً وبهتاناً وإفكا؟

ضحكت أمواجه مني وقالت:

لستُ أدري»

وفي المقطع الثاني تدور التأملات الحوارية حول عمر البحر وعلاقاته بالشاطئ والأنهار والأمواج وأيّهم البدء وأيّهم النهاية والإجابة بطبيعة الحال لستُ أدري:

«أيها البحر أتدري كم مضت ألف عليكا

وهل الشاطئ يدري أنه جاث لديكا

وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا

ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟

لستُ أدري»

ويستمر الحوار بين الشاعر والبحر في المقطع الثالث حول البحر نفسه بأنه على الرغم من عظمته إلا أنه أسير أسوة بالإنسان. إنهما أسيران وإن حاله كحال الإنسان حيث لا خيار له.

«أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك

أشبهتْ حالك حالي وحكى عذريَ عذرك

فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟

لستُ أدري»

وتأخذ بقية المقاطع في تصوير العلاقة بين السحب والبحر والشجر والثمر والمطر وعن علاقة البحر بما فيه من در وما يدور في أحشائه من حرب لا هوادة فيها بين الكائنات الصغيرة والكائنات الكبيرة وقد جمعتَ بين الحياة والموت في الوقت نفسه:

«قد جمعتَ الموتَ في صدرك والعيشَ الجميلَ

ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟

لستُ ادري»

ولا تقف العلاقة بين الوجود والبحر عند هذا الحد بل تشمل أشياء كثيرة ومن بينها أنه المكان المناسب الذي جمع المحبين وقضوا أجمل الساعات على شواطئه وفي مقدمتهم قيس وليلى. وأيضاً كم من الملوك الذين استمتعوا بمنظرك لكنهم أصبحوا في خبر كان، وأثراً بعد عين.

ولكن الشاعر في حديثه إلى البحر وعلى الرغم من هذه المهابة التي يحظى بها البحر. يأبى إلا أن يوجه أسئلته إليه قائلاً في أحد المقاطع:

«فيك مثلي أيها الجبار أصداف ورملُ

إنما أنت بلا ظلٍ ولي في الأرضِ ظلُ

إنما أنت بلا عقلٍ ولي يا بحر عقلُ

فلماذا يا ترى أمضي وتبقى؟

لستُ أدري»

ومع ذلك فإن الغموض يلفّ علاقة الإنسان بالبحر فكلما ازداد المرء اقتراباً من البحر ازداد الإنسان عنه ابتعاداً:

«ولذا أزداد ابتعاداً كلما ازددت اقترابا

وأراني كلما أوشكت أدري

لستُ أدري»

وفي المقطع الأخير من هذا القسم يصل الشاعر إلى قناعة تتمثل في أنهما كليهما الإنسان والبحر متشابهان من حيث أنهما مؤطران بالزمن ومحكومان به. بالأمس الذي مضى والغد المجهول فكلانا في حال واحدة.

بالنسبة للقسم الثالث من الطلاسم الذي يحمل عنوان (في الدير) ويتكون من تسعة مقاطع تدور كلها حول رجال الدين وإجاباتهم التي لا تشفي العليل ولا تروي الغليل وهو يشير إلى ذلك في المقطع السادس من هذا القسم:

«قد دخلت الدير استنطق فيه الناسكينا

فإذا القومُ من الحيرة مثلي باهتونا

غلب اليأس عليهم فهمُ مستسلمونا

وإذا الباب مكتوب عليه

لستُ أدري»

ثم يتساءل في المقطع السابع عن مدى جدوى إجابات رجل الدين البعيدة عن الحياة والتي هي أشبه بالقفر أو البحث في المكان البلقع:

«عجباً للناسك القانت وهو اللوذعي

هجرَ الناس وفيهم كل حسْنِ المبدع

ومضى يبحثُ عنه في المكان البلقع

أرأى في القفرِ ماءً أم سراباً؟

لستُ أدري»

في القسم الرابع من طلاسم إيليا أبوماضي وهو بعنوان (بين المقابر) يتضمن جملة من الأسئلة المؤرقة المتعلقة بالموت والحياة والثواب والعقاب وجدوى تساوي الكل أمام جبروت الموت، الصالح والطالح وكذلك طبيعة الموت هل هو رقاد طويل يلحقه صحو طويل وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يبقى صحونا الجميل مستمراً ولماذا لا يعرف أحدنا متى ساعة الرحيل. وإذا كان الموت يمثل هجوعاً حقاً فلماذا نعشق النوم نرنو إليه، في حين ننأى بأنفسنا عن الموت. هل من وراء ذلك حكمة، هل هناك عالم آخر، لذلك فهو يتساءل:

«أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور

فحياة فخلود أم فناء فدثور

أكلام الناس صدق أم كلام الناس زور

أصحيح أن بعض الناس يدري؟

لستُ أدري»

وتتوالى الأسئلة في بقية المقاطع حول البعث وحول طبيعته هل هو جسماني أو روحاني أو كلاهما، وهل أبعث طفلاً أم كهلاً؟ لكنه في المقطع الأخير، في النهاية يصل إلى إجابة أشبه بنكران القيامة من خلال قوله:

«يا صديقي لا تعللني بتمزيق الستور

بعدما أقضي، فعقلي لا يبالي بالقشورِ

إنْ أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيري

كيف أدري بعدما أفقد رشدي؟

لستُ أدري»

وتستمر المحاورة في بقية أقسام القصيدة حيث نتعرف في القسم السادس من الطلاسم وهو بعنوان (القصر والكوخ) على النهاية المأساوية سواء شيّدنا قصوراً أو سكنا أكواخاً.

في القسم السابع (الفكر) يتوجه الشاعر إلى الاستفسار عن تلك العلاقة بيننا وبين أفكارنا وهل هي أفكارنا حقاً أم أفكار غيرنا تلبستنا وقد سبق أن تلبست غيرنا ومن سبقنا وستتلبس من بعدنا:

«أتراه سائحاً في الأرض من نفس لأخرى

رابه منيَ أمرٌ فأبى أن يستقرا

أم تراه مرّ في نفسي كما أعبر جسرا

هل رأته قبل نفسي غيرُ نفسي؟

لستُ أدري»

وأخيراً نصل إلى القسم الأخير في القصيدة، والذي يحمل عنواناً ذا دلالة هو(صراع وعراك) وفيه تتبلور رؤية الشاعر من خلال إبراز المتناقضات في النفس الإنسانية وفي الوجود وفيما يحيط بنا من أشياء. ففي المقطع الأول من هذا القسم يصور الصراع والعراك النفسي كالتالي:

«إنني أشهد في نفسي صراعاً وعراكا

وأرى ذاتي شيطاناً وأحياناً ملاكا

هل أنا شخصان يأبى ذاك مع هذا اشتراكا

أم تراني واهماً فيما أراه؟

لستُ أدري»

ويحتدم الصراع بين الغنى والجذب بين ضحكات الطفولة وأحلامها وكيف تبخرت تلك الأحلام عندما نكبر وتصبح وراءنا. كيف تتناوشنا الأمزجة المتناقضة بين صباح ومساء بين حزن وانبساط. كيف نهرب من الأشياء ثم لا نلبث أن نشتهيها عندما تغيب؟

لماذا يتناقض الناس في سلوكهم وفي آرائهم وفي مواقفهم من كل شيء. لماذا قبيح هذا جميل عند ذاك في حين أنه وهم عند الثالث. هل من سبب في ذلك. لماذا نتعب في كثير من الأحيان ويذهب تعبنا أدراج الرياح أو يأخذه من لا يستحقه.

أمور يجهلها إيليا أبوماضي ويجهل الإجابة عليها. يضاف إلى ذلك أنه يجهل لماذا الغابة تورق، كما أنها هي الأخرى تجهل ذلك.

في النهاية يتساءل صاحب الطلاسم: من أنا:

«أتراني كنت يوماً نغماً في وتر

أم تراني كنت قبلاً موجة في نهر

أم تراني كنت في إحدى النجوم الزهر

أم أريجاً أم حفيفاً أم نسيما؟

لستُ أدري»

وبعد مقارنات بينه وبين واقع الموجودات يصل إلى الخاتمة في المقطعين الأخيرين من القصيدة:

«أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الماضية

أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الآتية

ليَ ذاتٌ غير أني لست أدري ماهيه

فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟

لستُ أدري»

«إنني جئت وأمضي ، وأنا لا أعلمُ

أنا لغز، وذهابي كمجيئي طلسمُ

والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهم،

لا تجادل... ذا الحجى من قال إني

لستُ أدري»

هذه مجرد أفكار عابرة عن قصيدة الطلاسم المليئة بالمعاني والتأملات العميقة والتي ربما لم تُستوفَ حقها من الدراسة والتحليل. على الرغم من مرور زمن طويل على ظهورها في سماء الشعر العربي.







من قصائد ايليا
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

كن بلسما

كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدّ الكرامَ المحسنين وقِسْهُمُ بهما تجدْ هذينِ منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذي ، وهذا ما شدا ، عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السّوى وهنائهم إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
***

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
ما الكأس لولا الخمر غير زجاجةٍ والمرءُ لولا الحب إلا أعظُما
كرهَ الدجى فاسودّ إلا شهبُهُ بقيتْ لتضحك منه كيف تجهّما
لو تعشق البيداءُ أصبحَ رملُها زهراً، وصارَ سرابُها الخدّاع ما
لو لم يكن في الأرض إلا مبغضٌ لتبرمتْ بوجودِهِ وتبرّما
لاح الجمالُ لذي نُهى فأحبه ورآه ذو جهلٍ فظنّ ورجما
لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما
وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى
والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما
***

يا من أتانا بالسلام مبشراً هشّ الحمى لما دخلتَ إلى الحمى
وصفوكَ بالتقوى وقالوا جهبذُ علامةُ، ولقد وجدتك مثلما
لفظٌ أرقّ من النسيم إذا سرى سَحَراً، وحلوُ كالكرى إن هوّما
وإذا نطقتَ ففي الجوارحِ نشوةٌ هي نشوةُ الروحِ ارتوتْ بعدَ الظما
وإذا كتبتَ ففي الطروسِ حدائقٌ وشّى حواشيها اليراعُ ونمنما
وإذا وقفتَ على المنابر أوشكتْ أخشابها للزهوِ أن تتكلما
إن كنت قد أخطاكَ سربال الغِنَى عاش ابنْ مريم ليس يملك درهما
وأحبّ حتى من أحب هلاكه وأعان حتى من أساء وأجرما
نام الرعاة عن الخراف ولم تنمْ فإليك نشكو الهاجعين النوّما
عبدوا الإله لمغنمٍ يرجونه وعبدتَ ربّك لست تطلبُ مغنما
كم رَوّعوا بجهنّم أرواحنا فتألمت من قبلُ أن تتألما!
زعموا الإله أعدّها لعذابنا حاشا، وربُّك رحمةٌ، أن يظلما
ما كان من أمر الورى أن يرحموا أعداءهم إلا أرقّ وأرحما
ليست جهنم غير فكرةِ تاجرٍ ألله لم يخلق لنا إلا السما

العيون السود

ليت الذي خلق العــــيون الســــــودا خــلق القلـــوب الخــــافقات حديدا
لولا نواعــســهـــــا ولولا ســـحـــــرها ما ود مـــالك قـــلبه لـــــو صـــــيدا
عَـــــوذْ فــــــؤادك من نبال لحـاظها أو مـتْ كمـــا شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهــــــم كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا
وإذا طــــلبت مع الصـــــــبابة لـــذةً فــلقد طــلبت الضـائع المــوجــودا
يــا ويــح قـــلبي إنـه في جـــــانبي وأظــنه نـــائي المــــــزار بعـيدا
مــســـتوفـــــزٌ شــــوقاً إلى أحـــبابه المـــرء يكره أن يعــــيش وحيدا
بـــــــرأ الإله له الضــــــــــلوع وقايةً وأرتـــــــه شقوته الضلوع قيودا
فإذا هــــــفا بــــــــرق المنى وهفا له هــــــاجــــت دفائنه عليه رعــــودا
جــــشَّــــمتُهُ صــــبراً فـــــلما لم يطقْ جـــشــــمته التصويب والتصعيدا
لــو أســتطيع وقـيته بطش الهوى ولـــو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عَرَضت فصارت في الحشا نــاراً وصــــار لها الفـــؤاد وقودا
والحــبٌ صوتٌ ، فهــــو أنــــــــةُ نائحٍ طـــوراً وآونــــة يكون نشــــيدا
يهــــب البــواغم ألســـــــناً صداحة فــــإذا تجنى أســــــكت الغريدا
ما لي أكــــلف مهـجــتي كتم الأسى إن طــــال عهد الجرح صار صديدا
ويــلذُّ نفــــــسي أن تكون شـــقيةً ويلــذ قلبي أن يكــــــــون عميدا
إن كنت تدري ما الغـرام فداوني أو ، لا فخل العــــــــذل والتفنيدا

السماء


لا تسألني عن السماءفما عندي إلا النعوت والأسماء
هي شيء وبعض شيء وحينا كل شيء وعند قوم هباء
فسماء الراعي كما يتمناها مروج. فسيحة خضراء
تلبس التير مئزرا ووشاحا كلما أشرقت وغابت ذكاء
أبدا في نضارة،لا يجف العشب فيها ؛ولا بعض الماء
وهي عند الأم التي اخترم الموت بنيها، وضلّعنها العزاء
موضع يولد الرّجاء من اليأس إذا مات في القلوب الرجاء
وهي عند الفقير أرض وراء الأفق، فيها ما يشتهي الفقراء
لا يخاف المثري، ولا كلبه الضاري ، ولا لامرىء به استهزاء
وهي عندالمظلوم أرض كهذي الأرض لكن قد شاع فيها الإخاء
يجمع العدل أهلها في نظام مثلما يجمع الخيوط الرداء
لا ضعيف مستعبد، لا قويّ مستبد؛بل كلهم أكفاء
كلّ شيء للكل ملك حلال، كلّ شيء فيها كما الكلّ شاموا
وهي عند الخليع أرض تميس الحور فيها، وتدفق الصهباء
كلّ ما النفس تشتهيه مباح لا صدود، لا جفوة، لا إباء
أكبر الإثم قولة المرء هذا الأمر إثم، وهذه فحشاء
ليس بين الصّلاح والشر حد كالذي شاء وضعه الإنبياء
وإذا لم يكن عفاف وفسق لم تكن حشمة ولا استحياء
...
صور في نفوسنا كائنات ترتديها الأفعال والأشياء
ربّ شيء كالجوهر الفرد فذّ عدّدته الأغراض والإهواء
كلّ ما تقصر المدارك عنه كائن مثلما الظنون تشاء
كلّ ما تقصر المدارك عنه كائن مثلما الظنون تشاء



أنا

حرّ ومذهب كلّ حرّ مذهبي ما كنت بالغاوي ولا المتعصب
أني لأغضب للكريم ينوشه من دونه وألوم من لم يغضب
وأحبّ كلّ مهذب ولو أنّه خصمي، وأرحم كلّ غير مهذب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى حبّ الأذية من طباع العقرب
لي أن أردّ مساءة بمساءة لو انني أرضى ببرق خلب
حسب المسيء شعوره ومقاله في سرّه : يا ليتني لم أذنب
أنا لا تغشّني الطيالس والحلى كم في الطيالس من سقيم أجرب؟
عيناك من أثوابه في جنّة ويداك من أخلاقه في سبسب
وإذا بصرت به بصرت بأشمط وإذا تحدثه تكشّف عن صبي
إني إذا نزل البلاء بصاحبي دافعت عنه بناجذي وبمخلبي
وشددت ساعده الضعيف بساعدي وسترت منكبه العريّ بمنكبي
وأرى مساوئه كأني لا أرى وأرى محاسنه وإن لم تكتب
وألوم نفسي قبله إن أخطأت وإذا أساء إلّي لم أتعتّب
مقترب من صاحبي فإذا مشت في عطفه الغلواء لم أتقرب
أنا من ضميري ساكن في معقل أنا من خلالي سائر موكب
فإذا رآني ذو الغباوة دونه فكما ترى في الماء ظلّ الكواكب

فردوسي

بنيت فردوسي وزخرفته
حتى أذاما تم ضّيعته
أجريت في أنهاره كوثرا
فذاقه الناس وما ذقته

بردي يا سحب


رضيت نفسي بقسمتها فليراود غيري الشّهبا
كلّ نجم لا اهتداء به لا أبالي لاح أو غربا
كلّ نهر لا ارتواء به لا أبالي سال أو نضبا
ما غد ، يا من يصوره لي شيئا رائعا عجبا
ما له عين و ل أثر هو كالأمس الذي ذهبا
أسقني الصهباء إن حضرت ثمّ صف لي الكأس و الحببا
ليس يرويني مقالك لي أنّها العقيان منسكبا
إنّ صدقا لا أحسّ به هو شيء يشبه الكذبا
لا ينجي الشاه من سغب أنّ في أرض السّهى عشبا
ما على من لا يطيق يرى نوّر الوادي أو اكتئبا
ما يفيد الطير في قفص ضاق هذا الجوّ أو رحبا
******
برّدي ، يا سجي ، من ظمأي واهطلي من بعد ذا ذهبا
أو فكوني غير راحمة حمما حمراء لا سحبا
ولأكن وحدي لها هدفا و لتكن نفسي لها حطبا
أنا من قوم إذا حزنوا وجدوا في حزنهم طربا
و إذا ما غاية صعبت هوّنوا بالترك ما صعبا

السر في الأرواح

قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلبل الصّدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدّ قوى وأمضي مخلبا
فعلى م نام النّاس عن تمداحي؟
أمفرق الأحباب عن أحبابهم
ومكدّر اللّذّات واالأفراح
كم في السّوائل من شبيه للطّلا
فعلى م ليس لها مقام الرّاح؟
ليس الحظوظ من الجسوم وشكلها
السرّ كلّ السرّ في الأرواح
والصّوت من نعم السّماء ولم تكن
ترضى السّما إلاّ عن الصّلاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الذبّاح!!!

يا بلادي

مثلما يكمن اللّظى في الرّماد هكذا الحبّ كامن في فؤادي
لست مغرى بشادن أو شاد أنا صبّ متيّم ببلادي
يا بلادي عليك ألف تحيّة
هو حبّ لا ينتهي والمنيّة لا ولا يضمحلّ والأمنيّة
كان قبلي وقبل الشّجيّه كان من قبل في حشا الازليّه
وسيبقى ما دامت الأبديّه!
خلّياني من ذكر ليلى وهند واصرفاني عن كل قدّ وخدّ
كلّ حسناء غير حسناء عندي أو أرى وجدها بقومي كوجدي
لا حياء في الحبّ والوطنيّه
كلّ شيء في هذه الكائنات من جماد وعالم ونبات
وقديم وحاضر أو آت صائر للزوال أو للممات
غير شوقي إليك يا سوريّه
أنت ما دمت في الحياة حياتي فإذا ما رجعت للظلمات
واستحالت جوارحي ذرّات فلتقل كلّ ذرة من رفاتي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ولتقل كلّ نفحة من ندّ ولتقل كلّ دمعة في خدّ
ولتّقل كلّ غرسة فوق لحدي وليقل كلّ شاعر من بعدي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ربّ ليل سهرته للصبّاح حائرا بين عسكر الأشباح
ليس لي مؤنس سوى مصباحي ونداء الملاّح للملاّح
وصراخ الزّوارق اللّيليّة
تتهادى في السّير كالملكات أو كسرب النّعام في الفلوات
مقبلات في النّهر أو رائحات تحت ضوء الكواكب الزّاهرات
فوق ماء كالبردة اليمنيّه
تتمشّى في صفحتيه النّسائم فترى الموج فيه مثل الأراقم
يتلوّى ،وتارة كالمعاصم كلف الماء بالنّسيم الهائم
ليتني كنت نسمة شرقيّه
هجع النّاس كلهم في المدينه وتولّت على ((نويورك))السّكينة
وجفوني، بغمضها، مستهينه لا ترى غير طيف تلك الحزينه
لست أعني بها سوى سوريّه
ذاك ليل قطعته أتأمّل رسمها الصّامت الذي ليس يعقل
وبناني مع خاطري تتنقل بين هذا الحمى وذاك المنزل
والرّبى والخمائل السّندسيّه
ههنا رسم منزل اشتهيه ههنا مربع أحبّ ذويه
ههنا رسم معهد كنت فيه مع رفاقي أجرّ ذيل التّيه
في الضّحى ، في الأصيل، بعد العشيّه
كم تطلعت في الخطوط الدّقيقه ولثمت الطّرائق المنسوقه
قنعت بالخيال نفسي المشوقه ليت هذا الخيال كان حقيقه
فعذابي في لذّتي الوهميّه
يا رسوما قد هيّجت اشواقي طال ، لو تعلمين، عهد الفراق
أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟ أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟
أيا أحلامي الحسان البهيّه؟
يارسوم الرّبوع والأصحاب بحياتي عليك بالأحباب
أخبرني فقد عرفت مصابي أترى عائد زمان التّصابي
أم طوته عنّا الأبديّه؟
سبقتني دنيا أرادت لحافي فأنا الآن آخر في السّباق
نصف عمري نصفي الباقي كرثاء الأوراق للأوراق
يبس الأصل والفروع نديّه
ما تراني إذا تغنّى الشّادي ومضى في الغناء والإنشاد
فأطار الأسى عن الأكباد أحسب العود في يديه ينادي
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما جلست تحت الظّلام أرقب البدر من وراء الغمام
رنّ في مسمعي فهزّ عظامي شبه صوت يقول للنوّام
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذو ما ذهبت في البستان بين زهر الخزام والأقحوان
أسمع الهاتفات في الأفنان قائلات وللكلام معان
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما وقفت عند الغدير حيث تمشي الطّيور خلف الطّيور
خلت أنّ الأمواه ذات الخرير قائلات معي لأهل الشّعور
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
ما لقومي وقد دهتها الدّواهي بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي
ويثير (الحماس) في الأمواه قعدوا بين ذاهل أو لاه
أين أين الحفيظة العربيّه؟
هي أمّ لكم وأنتم بنوها حفظت عهدكم فلا تنكروها
أنتم أهلها وأنتم ذووها لا تعينوا بالصّمت من ظلموها
ذاك علم على النّفوس الأبيّه
كن نبيا يستنزل الإلهاما كن مليكا يصدر الأحكاما
كن غنيا ، كن قائدا ، كن إماما كن حياة،كن غبطة، كن سلاما
لست مني أو تعشق الحريّه!!!
شوق يروح مع الزّمان ويغتدي والشّوق ، إن جدّدته يتجدّد
دع عنك نصحي بالتّبلّد ساعة يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلّدي
ما زاد في أسف الحزين وشجوه شيء كقولك للحزين تجلّد
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني ذكر الحمى فعصيت كلّ منفّد
وأطار عن جفني الكرى وأطارني عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي
في جنح ليل مثل حظّي حالك كالبحر ساج ... مقفر كالفدفد
أقبلت أنظر في النّجوم مصعدا عيني بين مصوب ومصعد
أو واجف أو راجف مترجرج أو ظافر أو حائر متردّد
يمشين في هذا الفضاء وفوقه وكأنّما يمشين فوق الأكبد
والبدر منبعث الشّعاع لطيفه صاف كذهن الشّاعرالمتوقّد
ما زال ينفذ في الدّجى حتّى استوى فيه ، فيا لك أبيضا في أسود
والشهب تلمع في الرّفيع كأنّها أحلام أرواح الصّغار الهجّد
ينظرون عن كثب إليه خلسة نظر الملاح إلى الغرير الأمرد
فعجبت مّمن نام ملء جفونه والكون يشهد مثل هذا المشهد
ورأيتني فوق الغمام محلقا في الأفق ما بين السّهاوالفرقد
فسمعت صوتا من بعيد قائلا يا أيّها السّاري مكانك تحمد
ما دمت في الدّنيا فلا تزهد بها فأخو الزّهادة ميت لم يلحد
لا تقنطنّ من النّجاح لعثرة ما لا ينال اليوم يدرك في غد
كم آكل ثمرا سقاه غيره دمه ، وكم من زارع لم يحصد
لو كان يحصد زرعه كلّ امرىء لم تخلق الدّنيا ولم تتجدّد
بالذكر يحيا المرء بعد مماته فانهض إلى الذكر الجميل وخلّد
فلئن ولدت ومتّ غير مخلّد أثرا فأنت كأنّما لم تولد
حتّى م في لا شيء يقتتل الورى إنّ الحمام على الجميع بمرصد
طاشت حلوم المالكين ، فذاهل لا يستفيق وحائرلا يهتدى
وأفقت ، إذ قطع الكلام مكلّمي فنظرتني فإذا أنا لم أصعد
ما للكواكب لا تنام ولا تني قد طال سهدك يا كوكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى واشتدّ دائي نام عني عوّدي
حتّى لقد كاد القريض يعقّني ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري فكأنّما أنا ماتح من جلمد
لا تسألني لم سهدت فإنّني لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي ومشت إلى كبدي ولّما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي
ومليحة لا هند من أسمائها كلاّ، وليست كالحسان الخرّد
نشز الجواري والإماء تمردّدت وونت فلم تنشز ولم تتمرّد
في النّفس منها ما بها من دهرها أزكى السّلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي
ليس الذي لاقته هينا إنّما حمل الأذى هين على المتعوّد!

إيليا أبو ماضي .. أنشودة التفاؤل!

بقلم: أشرف السيد سالم


عالمٌ جديدٌ فسيح للثقافة العربية، أنشأه الأدباء المهاجرون في موطنهم الجديد البعيد .. لذا نقابل اليوم فارسًا من أدباء المهجر، وشاعرًا ممن تربعوا على قمة الشعر العربي في هذه البلاد .. إنه شاعر الأمل والتفاؤل "إيليا أبي ماضي".. هذا الشاعر الكبير الذي حملت قصائده روح الشرق وهمومه، وهو في أقصى الغرب، وكأنه شجرة أرزٍ لبنانية غُرست على ضفاف الميسيسيبي.

إيليا أبي ماضي هذا الشاعر الغزير الإنتاج، الذي خلَّف لنا عدة دواوين شعر تذخر بالمشاعر الوجدانية، وتفيض بالأحاسيس الرقيقة الراقية.. وأهم هذه الدواوين "تذكار الماضي"، و"الجداول"، و"الخمائل" .. و"تبرٌ وتراب".. كانت هذه الإبداعات نتاج فتراتٍ زمانية متعاقبة .. ومحطاتٍ مكانية متنوعة في حياة شاعرنا، من جبال لبنان إلى شواطئ الإسكندرية، إلى طرقات نيويورك.. ولكنه لم يَنْسَ قط الشرق العزيز، ولبنان الحبيب الذي قال عنه أبو ماضي:

لُبنانُ والأمــلُ الذي لذويــهِ **** والشِّعرُ قال بنيتُ عرشــي فيهِ
وتحبُّهُ والثلجُ فــي واديـــهِ**** بقــلائد العقيان تستغويـــهِ
بالأنجم الزهـــراءِ تسترضيهِ **** حتـــى أعودَ إليه أرضَ التيهِ
اثنـــان أعيا الدهرَ أن يُبليهما**** سألوا الجمـالَ فقال هذا هيكلي
تشتاقُهُ والصــيفُ فوق هضابه**** وإذا تمدُّ له ذُكــاء حبالــها
وإذا تُنَقِّطُهُ السمـــاءُ عشيـةً **** وطني ستبقى الأرضُ عندي كلها

وكما غنَّى أبي ماضي لوطنه الأول لبنان، فقد غنى لوطنه الثاني مصر التي كان لها في نفسه أثرٌ كبير .. فقد وجد فيها الرزق والعلم.. وخطت فيها أولى خطواته على طريق الأدب.. لذلك قال في حبها:
بروحــي وما ملكته يدي**** ويمشي الفناءُ إلـى الجلمدِ
فكم بي في الناس من مُقتدِ****أيا مصــرُ أفديك بالأنفسين
أحبك حتى تجف البحـــار**** وما أنا وحدي المحبُ الأمينُ

وشعر أبي ماضي يزخر بالأمل والتفاؤل، ويرد على من يدعي أن ظروف الحياة حولنا قد تدعو للتشاؤم؛ إذ يقول:

قلتُ ابتسم يكفي التجهمُ في السما**** قال السمــــاءُ كئيبةٌ وتجهمـا
لن يُرجع الأسف الصبا المتصرما**** قال الصبا ولَّـــى فقلتُ له ابتسم
صارت لنفسـي في الغرام جهنما****قال التي كانت سمــائي في الهوى
قلبي فكيف أُطيقُ أن أتبسمــا؟**** خــــانت عهودي بعد ما ملَّكْتُها
قضَّيتَ عمـــركَ كلــه متألما**** قلتُ ابتسم واطـــرب فلو قارنتها
يأتي إلــى الدنيا ويذهبُ مرغما****قال البشـــاشةُ ليس تُسعد كائنًا
شبرٌ فإنك بعــدُ لــن تتبسمـا****قلت ابتســم ما دام بينك والـردى
متلاطــمٌ ولذا نُحــبُّ الأنجما**** فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى

وأبي ماضي عاشق للحياة وجمالها رافض للشكوى والتبرم من عنائها، يقول لمن يضيق بهذا العناء المتجاهل للجمال من حوله:

كيف تغــدو إذا غدوت عليلا****أيا هذا الشــاكي وما بك داءٌ
تتوقــى قبل الرحيل الرحيلا****إن شر الجُناة في الأرضِ نفسٌ
أن تــرى فوقها الندى إكليلا ****وترى الشوك في الورود وتعمى
من يظــن الحياة عبئًا ثقيلا****هو عبءٌ علـــى الحياة ثقيلٌ
لا يرى في الوجود شيئًا جميلا****والذي نفســـه بغير جمـالٍ
لا تخـف أن يزول حتى تزولا****فتمتع بالصبــح مـا دمتَ فيهِ

كما أنه عاشق متيم للطبيعة، ولعل هذا العشق هو سر تفاؤله فهاهو يتحدث عن الطبيعة حديث الصب المدله :

سرَّ اللطافة في النسيم الساري**** يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى
في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري****وأَجسَّ مؤتلق الجمـالِ بأصبعي
والسرَّ في جذلِ الغدير الجاري**** ويبين لـي كنهَ المهابة في الربى
الـوادي الكئيبِ وصولة التيارِ****وبشاشة المرجِ الخصيبِ ووحشة

ويرافقه حب الطبيعة إلى مهجره في أمريكا، فيرسم صورةً بديعة لشلال ميلفيرد الشهير لا تخلو من شوق وتحنان لبلاده؛ إذ يقول في أبيات يذكرنا نظمها بالشعراء العباسيين:
وأنا لشــوقي لا يقر قراري **** شـلال "ميلفيرد" لا يقر قرارُهُ
وله ضجيــج الجحفل الجرارِ**** فيه من السيف الصقيل بريقه
أتراه يغسلها مـــن الأوزارِ****أبداً يرشُ صخـوره بدموعه
أبصرتَ حول السفح شبه غُبارِ ****فإذا تطـاير مـــاؤه متناثرًا
ويصولُ كالضرغامِ ذي الأظفارِ **** ذي التيارِ يدفعُ بعضهُ

ولكن هذا العاشق للطبيعة والجمال والأمل .. يبدو أنه لاقى العناء في الحب .. إذ يصفه بقوله:

فقلتُ الردى والخوفَ في البعدِ والقربِ** وقائلةٍ ماذا لقيتَ مـــن الحُبِّ
شمـــائلَ غُرًا لا تُنال بلا حـــبِ ** فقالت عهدت الحـبَّ يكسب ربَّه
نفــور المها راءً فأمسيتُ فيحربِ ** فقلت لها قد كــان حبًّا فزاده
فلما عرفتُ الحــبَ صـرتُ بلا قلبِ** وقد كان لي قلبٌ وكنت بلا هوى
وإذا كان شاعرنا قد وجد الشقاء في الحب، فأين يجد السعادة إذن؟
كالفلك في النهر هاج النوءُ مجراهُ** مرت ليالٍ وقلبي حــائرٌ قلقٌ
أضنــى المسيرُ مطاياهُ وأضناهُ ** أو كالمسافر في قفرٍ على ظمأٍ
وأبلغُ الأمــرَ نفسي ليس تهواهُ ** لا أدرك الأمر أهـواهُ وأطلبه
عانٍ فأنت امرؤٌ في قلبــك الله ما دام قلبُــك فيه رحمةٌ لأخٍ

ولكن موقف أبي ماضي من الغرام وتباريحه لا ينعكس على رؤياه للحب بمعناه الرحيب الذي يحرص على إشاعته بين البشر، فيقول :

وابغض فيمسي الكونُ سجنًا مُظلما ** أحبب فيغدو الكــوخُ لونًا نيرًا
والمرءُ لــولا الحــبُ إلا أعظما ** ما الكأسُ لولا الخمرُ غير زجاجةٍ
زهرًا وصــار سرابُها الخداعُ ما ** لو تعشـقُ البيداءُ أصبح رملها
ورآهُ ذو جهــلٍ فظــنَّ ورَجَّما ** لاح الجمالُ لذي نهــى فأحبه
المــرءُ ليس يُحبُّ حتـى يفهما ** لا تطلبــن محبةً مـن جاهلٍ

ولا يعني ما سقناه من أشعار أن إيليا كان بمعزلٍ عن قضايا أمته السياسية والاجتماعية، فعندما كان في مصر وجد فيها مُستعمرا غاشما وحُكاما طغاة، يواجههم شعبٌ مطحون وثوارٌ مخلصون .. فوجد لزامًا عليه أن ينخرط في صفوفهم ويسهم بشعره في نضالهم.. فقال:

أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما ** خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما
هاجـه العابثُ بالحـق فلاما ** لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً
نقـرئ النيل التحايا والسلاما ** وقفا في شاطـئ النيل معي
منعوهـا مــاءَهُ إلا لمامـا** وأناجيه أمانــي أمــةٍ
بيننا تجمــع مصرًا والشآما ** لستُ مصـريًا ولكن نسبةً
مثلما يرتقبُ الصادي الغماما ** أمـةٌ ترتقـبُ استقـلالها

وعندما وجد الظلم الاجتماعي يسحق ملايين الكادحين البسطاء ليثري طبقة مسيطرة تحميها السلطة الظالمة، صرخ بوجههم قائلا:

وإن ملأ السكك الجائعونْ**** كلوا واشربوا أيها الأغنياء
تُعلمهم كيف فتك المنونْ****مُروا فتصولُ الجنودُ عليهم
سُراةُ البلاد فمن يحرسونْ****إذا الجند لم يحرسوكم وأنتم
فيا ليت شعريَ من يقتلونْ **** وإن هم لم يقتلـوا الأشقياء
فإنهمُ للـردى يولــدونْ*** ولا يحــزننكمُ مــوتُهمْ
وإن قـدر الله شيئًا يكونْ*** وقولوا كذا قــد أراد الإله

ولكن مهما تلبدت السماء بالغيوم التي تحيل ضوءها ظلامًا، تعود أبيات قصائده لتحوم في رحاب الأمل الفسيح والأحلام الوردية:

وابسمي كالنجمِ إن جنَّ المساءْ****ابسمي كالورد في فجر الصباء
وإذا ما تسترُ الغيــمُ السماءْ**** وإذا ما كفـــن الثلجُ الثرى
وتوارى النورُ في كهفِ الشتاءْ**** وتعـرى الروضُ من أزهاره
تخلقــي حولك زهرًا وشذاءْ****فاحلمـي بالصيفِ ثم ابتسمي

فهو هكذا دائمًا يجد في الطبيعة كنزًا شائع الملكية ومنجمًا للأمل والتفاؤل وبلسمًا لجراح المعذبين الذين يعاتبهم بقوله:

والأرضُ ملكُكَ والسما والأنجمُ****كــم تشتكي وتقــول إنك معدمٌ
ونسيمــها والبلبلُ المُتـرنمُ**** ولــك الحقـول وزهرُها وأريجها
دورًا مزخــرفةً وحينًا يهدمُ ****والنور يبني في السفوح وفي الذرى
آياتــه قُدَّام مــن يتعلـمُ****فكأنه الفنــنُ يعرض عــــابثًا
بحرٌ تعومُ به الطيورُ الحوَّمُ**** وكأنــه لِصفائــِهِ وسنـــائِهِ
وتبسمـــت فعلام لا تتبسمُ **** هشــت لك الدنيا فمـا لك واجمًا

لقد كان إيليا أبي ماضي شاعرًا صاحب رسالة يقول في وصف شعره ورسالته:

مالي وللتشبيبِ بالصهبــاءِ****أنا مـا وقفتُ لكــي أُشبب بالطلا
إني نبذتُ سفاسـف الشعراءِ**** لا تسألوني المدح أو وصف الدُمى
مدحًا وبتُّ أصون ماءَ حيائي****باعـــوا لأجل المالِ ماءَ حيائهم
قـد بات واسطةً إلى الإثراءِ****لم يفهمــوا بالشعــر إلا أنـه

الطلاسم


جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن...
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟
لست أدري!
ليت شعري وأنا عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا
ألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّا
لست أدري... ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
البحر:
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
لست أدري!
أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكا
وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا
ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..
لست أدري!
ترسل السّحب فتسقي أرضنا والشّجرا
قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمرا
وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا
أصواب ما زعمنا أم ضلال؟
لست أدري!
قد سألت السّحب في الآفاق هل تذكر رملك
وسألت الشّجر المورق هل يعرف فضلك
وسألت الدّر في الأعناق هل تذكر أصلك
وكأنّي خلتها قالت جميعا:
لست أدري!
برفض الموج وفي قاعك حرب لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلا
ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..
لست أدري!
كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوح
أنفقا السّاعات في الشّاطىء ، تشكو وهو يشرح
كلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّح
أخفيف الموج سرّ ضيّعاه؟..
لست أدري!
كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القبابا
طلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّبابا
ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مآبا
أم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني...
لست أدري!
فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل
إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ
إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل
فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..
لست أدري!
يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعد
أنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّ
ليس لي قصد فهلل للدهر في سيري قصد
حبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..
لست أدري!
إنّ في صدري، يا بحر ، لأسرار عجابا
نزل السّتر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا أزداد بعدا كلّما أزددت اقترابا
وأراني كلّما أوشكت أدري...
لست أدري!
إنّني ،يا بحر، بحر شاطئاه شاطئاكا
الغد المجهول والأمس اللّذان اكتنفاكا
وكلانا قطرة ، يا بحر، في هذا وذاك
لا تسلني ما غد، ما أمس؟.. إني...
لست أدري!
الدير:
قيل لي في الدّير قوم أدركوا سرّ الحياة
غير أنّي لم أجد غير عقول آسنات
وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات
ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟..
لست أدري!
قيل أدرى النّاس بالأسرار سكّان الصوامع
قلت إن صحّ الذي قالوا فإن السرّ شائع
عجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقع
والتي لم تتبرقع لا تراها؟..
لست أدري!
إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهب
وعرين اللّيث دير حبّه فرض وواجب
ليت شعري أيميت النّسك أم يحيي المواهب
كيف يمحو النّسك إثما وهو إثم؟..
لست أدري!
أنني أبصرت فيّ الدّير ورودا في سياج
قنعت بعد النّدى الطّاهر بالماء الأجاج
حولها النّور الذي يحي ، وترضى بالديّاجي
أمن الحكمة قتل القلب صبرا؟..
لست أدري!
قد دخلت الدّير عند الفجر كالفجر الطّروب
وتركت الدّير عند اللّيل كاللّيل الغضوب
كان في نفسي كرب، صار في نفسي كروب
أمن الدّير أم اللّيل اكتئابي؟
لست أدري!
قد دخلت الدّير استنطق فيه الناسكينا
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم ، فهم مستسلمونا
وإذا بالباب مكتوب عليه...
لست أدري!
عجبا للنّاسك القانت وهو اللّوذعي
هجر النّاس وفيهم كلّ حسن المبدع
وغدا يبحث عنه المكان البلقع
أرأى في القفر ماء أم سرابا؟..
لست أدري!
كم تمارى ، أيّها النّاسك، في الحق الصّريح
لو أراد اللّه أن لا تعشق الشّيء المليح
كان إذ سوّاك بلا عقل وروح
فالّذي تفعل إثم ... قال إني ...
لست أدري!
أيّها الهارب إنّ العار في هذا الفرار
لا صلاح في الّذي تفعل حتّى للقفار
أنت جان أيّ جان ، قاتل في غير ثار
أفيرضى اللّه عن هذا ويعفو ؟..
لست أدري!
بين المقابر:
ولقد قلت لنفسي، وأنا بين المقابر
هل رأيت الأمن والرّاحة إلاّ في الحفائر؟
فأشارت : فإذا للدّود عيث في المحاجر
ثم قالت :أيّها السّائل إني...
لست أدري!
أنظري كيف تساوى الكلّ في هذا المكان
وتلاشى في بقايا العبد ربّ الصّولجان
والتقى العاشق والقالي فما يفترقان
أفبذا منتهى العدل؟ فقالت ...
لست أدري!
إنّ يك الموت قصاصا، أيّ ذنب للطّهاره
وإذا كان ثوابا، أيّ فضل للدعاره
وإذا كان يوما وما فيه جزاء أو جساره
فلم الأسماء إثم أو صلاح؟..
لست أدري!
أيّها القبر تكلّم، واخبرني يا رمام
هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام
من هو المائت من عام ومن مليون عام
أبصير الوقت في الأرماس محوا؟..
لست أدري!
إن يك الموت رقادا بعده صحو طويل
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرّحيل؟
ومتى ينكشف السّرّ فيدري؟..
لست أدري!
إن يك الموت هجوعا يملأ النّفس سلاما
وانعتاقا لا اعتقالا وابتداء لا ختاما
فلماذا أعشق النّوم ولا أهوى الحماما
ولماذا تجزع الأرواح منه؟..
لست أدري!
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
فحياة فخلود أم فتاء ودثور
أكلام النّاس صدق أم كلام الناس زور
أصحيح أنّ بعض الناس يدري؟..
لست أدري!
إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقلا
أترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كلاّ
أترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلا
ثمّ هل أعرف بعد الموت ذاتي؟..
لست أدري!
يا صديقي، لا تعللّني بتمزيق السّتور
بعدما أقضي فعقلي لا يبالي بالقشور
إن أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيري
كيف أدري بعدما أفقد رشدي...
لست أدري!
القصر والكوخ:
ولقد أبصرت قصرا شاهقا عالي القباب
قلت ما شادك من شادك إلاّ للخراب
أنت جزء منه لكن لست تدري كيف غاب
وهو لا يعلم ما تحوي؛ أيدري؟..
لست أدري!
يا مثالا كان وهما قبلما شاء البناة
أنت فكر من دماغ غيّبته الظلمات
أنت أمنية قلب أكلته الحشرات
أنت بانيك الّذي شادك لا ... لا...
لست أدري!
كم قصور خالها الباني ستبقى وتدوم
ثابتات كالرّواسي خالدات كالنّجوم
سحب الدّهر عليها ذيله فهي رسوم
مالنا نبني وما نبني لهدم؟..
لست أدري!
لم أجد في القصر شيئا ليس في الكوخ المهين
أنا في هذا وهذا عبد شك ويقين
وسجين الخالدين اللّيل والصّبح المبين
هل أنا في القصر أم في الكوخ أرقى؟
لست أدري!
ليس في الكوخ ولا في القصر من نفسي مهرب
أنّني أرجو وأخشى، إنّني أرضى وأغضب
كان ثوبي من حرير مذهب أو كان قنّب
فلماذا يتمنّى الثوب عاري؟..
لست أدري!
سائل الفجر: أعند الفجر طين ورخام؟
واسأل القصر ألا يخفيه، كالكوخ، الظّلام
واسأل الأنجم والرّيح وسل صوب الغمام
أترى الشّيء كما نحن نراه؟..
لست أدري!
الفكر:
ربّ فكر لاح في لوحة نفسي وتجلّى
خلته منّي ولكن لم يقم حتّى تولّى
مثل طيف لاح في بئر قليلا واضمحّلا
كيف وافى ولماذا فرّ منّي؟
لست أدري!
أتراه سابحا في الأرض من نفس لأخرى
رابه مني أمر فأبى أن يستقرّا
أم تراه سرّ في نفسي كما أعبر جسرا
هل رأته قبل نفسي غير نفسي؟
لست أدري!
أم تراه بارقا حينا وتوارى
أم تراه كان مثل الطير في سجن فطارا
أم تراه انحلّ كالموجة في نفسي وغارا
فأنا أبحث عنه وهو فيها،
لست أدري!
صراع وعراك:
إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكا
وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا
هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا
أم تراني واهما فيما أراه؟
لست أدري!
بينما قلبي يحكي في الضّحى إحدى الخمائل
فيه أزهار وأطيار تغني وجداول
أقبل العصر فأسى موحشا كالقفر قاحل
كيف صار القلب روضا ثمّ قفرا؟
لست أدري!
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير
أين جهلي ومراحي وأنا غضّ غرير
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير
كلّها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟
لست أدري!
لي إيمان ولكن لا كأيماني ونسكي
إنّني أبكي ولكن لا كما قد كنت أبكي
وأنا أضحك أحيانا ولكن أيّ ضحك
ليت شعري ما الذي بدّل أمري؟
لست أدري!
كلّ يوم لي شأن ، كلّ حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
كلّما ساءلت نفسي جاوبتني:
لست أدري!
ربّ أمر كنت لّما كان عندي أتّقيه
بتّ لّما غاب عنّي وتوارى أشتهيه
ما الّذي حبّبه عندي وما بغّضنيه
أأنا الشّخص الّذي أعرض عنه؟
لست أدري!
ربّ شخص عشت معه زمناألهو وأمرح
أو مكان مرّ دهر لي مسرى ومسرح
لاح لي في البعد أجلى منه في القرب وأوضح
كيف يبقى رسم شيء قد توارى؟
لست أدري!
ربّ بستان قضيت العمر أحمي شجره
ومنعت النّاس أن تقطف منه زهره
جاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمره
ألأطيار السّما البستان أم لي؟
لست أدري!
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
فهما ضدّان فيه وهو وهم عند عمرو
فمن الصّادق فيما يدّعيه ، ليت شعري
ولماذا ليس للحسن قياس؟
لست أدري!
قد رأيت الحسن ينسى مثلما تنسى العيوب
وطلوع الشّمس يرجى مثلما يرجى الغروب
ورأيت الشّر مثل الخير يمضي ويؤوب
فلماذا أحسب الشرّ دخيلا؟
لست أدري!
إنّ هذا الغيث يهمي حين يهمي مكرها
وزهور الأرض تفشي مجبرات عطرها
لا تطيق الأرض تخفي شوكها أو زهرها
لا تسل : أيّهما أشهى وأبهى؟
لست أدري!
قد يصير الشوك إكليلا لملك أو نبّي
ويصير الورد في عروة لص أو بغيّ
أيغار الشّوك في الحقل من الزّهر الجنّي
أم ترى يحسبه أحقر منه؟
لست أدري!
قد يقيني الخطر الشّوك الذي يجرح كفّي
ويكون السّمّ في العطر الّذي يملأ أنفي
إنّما الورد هو الأفضل في شرعي وعرفي
وهو شرع كلّه ظلم ولكن ...
لست أدري!
قد رأيت الشّهب لا تدري لماذا تشرق
ورأيت السّحب لا تدري لماذا تغدق
ورأيت الغاب لا تدري لماذا تورق
فلماذا كلّها في الجهل مثلي ؟
لست أدري!
كلّما أيقنت أني قد أمطت السّتر عني
وبلغت السّر سرّي ضحكت نفسي مني
قد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدني
فهل الجهل نعيم أم جحيم؟
لست أدري!
لذة عندي أن أسمع تغريد البلابل
وحفيف الورق الأخضر أو همس الجداول
وأرى الأنجم في الظلّماء تبدو كالمشاعل
أترى منها أم اللّذة منّي...
لست أدري!
أتراني كنت يوما نغما في وتر
أم تراني كنت قبلا موجة في نهر
أم تراني كنت في إحدى النّجوم الزّهر
أم أريجا ، أم حفيفا ، أم نسما؟
لست أدري!
فيّ مثل البحر أصداف ورمل ولآل
في كالأرض مروج وسفوح وجبال
فيّ كالجو نجوم وغيوم وظلال
هل أنا بحر وأرض وسماء؟
لست أدري!
من شرابي الشّهد والخمرة والماء الزّلال
من طعامي البقل والأثمارواللّحم الحلال
كم كيان قد تلاشى في كياني واستحال
كم كيان فيه شيء من كياني؟
لست أدري!
أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب؟
ومن الزّهرة أشهى ؟ وشذى الزّهرة أطيب؟
ومن الحيّة أدهى ؟ ومن النّملة أغرب؟
أم أنا أوضع من هذي وأدنى؟
لست أدري!
كلّها مثلي تحيا، كلّها مثلي تموت
ولها مثلي شراب ، ولها مثلي قوت
وانتباه ورقاد، وحديث وسكوت
فيما أمتاز عنها ليت شعري
لست أدري!
قد رأيت النّمل يسعى مثلما أسعى لرزقي
وله في العيش أوطار وحق مثل حقي
قد تساوى صمته في نظر الدّهر ونطقي
فكلانا صائر يوما إلى ما ...
لست أدري!
أنا كالصّهباء ، لكن أنا صهباي ودّني
أصلها خاف كأصلي ، سجنها طين كسجني
ويزاح الختم عنها مثلما ينشّق عني
وهي لا تفقه معناها، وإني...
لست أدري!
غلط القائل إنّ الخمر بنت الخابيه
فهي قبل الزق كانت في عروق الدّاليه
وحواها قبل رحن الكرم رحم الغاديه
إنّما من قبل هذا أين كانت؟
لست أدري!
هي في رأي فكر ، وهي في عينّي نور
وهي في صدري آمال ، وفي قلبي شعور
وهي في جسمي دم يسري فيه ويمور
إنّما من قبل هذا كيف كانت؟
لست أدري!
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئا من حياتي الآتيه
لي ذات غير أني لست لأدري ماهيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟
لست أدري!
إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
أنا لغز ... وذهابي كمجيتي طلسم
والّذي أوجد هذا اللّغز لغز أعظم
لا تجادل ذا الحجا من قال إنّي ...
لست أدري!




عطش الارواح

زحزحت عن صدرها الغيم السماء وأطلّ النور من كهف الشتاء
فالروابي حلل من سندس والسواقي ثرثرات وغناء
رجع الصيف ابتساما وشذّى فمتى يرجع للدنيا الصفاء؟
فأرى الفردوس في كلّ حمى ورأى الناس جميعا سعداء
زالت الحرب وولت إنما ليس للذعر من الحرب انقضاء
إن صحونا فأحاديث الوغى في الحمى الآهل والأرض العراء
وإذا نمنا تراءت في الكرى صور الهول وأشباح الفناء
فهي في الأوراق حبر هائج وعلى ((الراديو)) فحيح الكهرباء
نتقي في يومنا شرّ غد وإذا الصبح انطوى خفنا المساء
عجبا ! والحرب باب للردى وطريق لدمار وعفاء
كيف يهواها بنو الناس فهل كرهوا في هذه الدنيا البقاء؟
إن يكن علم الورى يشقيهم يا إآلهي ردّ للناس الغباء
وليجىء طوفان نوح قبلما تغرق الأرض بطوفان الدماء
واعصم الأسرار واحجب كنهها عن ذوي العلم وأرباب الذكاء
فلقد أكثرت أسباب الأذى عندما أكثرت فينا العلماء
كم وجدنا آفة مهلكة كلما زحزحت عن سر غطاء؟
قد ترقى الخلق لكن لم تزل شرعة الغابة شرع الأقوياء
حرم القتل، ولكن عندهم أهون الأشياء قتل الضعفاء
لا تقل لي هكذا اللّه قضى أنت لا تعرف أسرار القضاء
جاءني بالماء أروي ظمأي صاحب لي من صحابي الأوفياء
يا صديقي جنّب الماء فمي عطش الأرواح لا يروي بماء
أنا لا أشتاق كاسات الطّلالا، ولا أطلب مجدا أو ثراء
إنما شوقي إلى دنيا رضى وإلى عصر سلام وإخاء
لا تعدني بالسما ، يا صاحبي ألسما عندي قرب الأصدقاء
وأراني الآن في أكفانهم فأنا الآن كأني في السماء!

رؤيا


رؤيا منام ...ربّ حلم في الكرى فيه تلوح حقائق الأشياء
أني حلمت كأنما أنا سائر في روضة خلابة غنّاء
النور مفروش على طرقاتها والعطر في النسمات والأفياء
والعشب فيها سندس متموّج والجوّ أضواء على أضواء
وإذا بصوت كالهرير يطنّ في أذني، وأنياب تصر ورائي
فأدرت طرفي باحثا متعجبا مما سمعت ،ولست في بيداء
فأذا ورائي في الحديقة نابح ضاري المحاجر ضامر الأحشاء
كادت تطلّ عروقه من جلده وتطلّ معها شهوة لدمائي
أشفقت يعلق نابه بردائي فرفسته غضبا فطار حذائي
فطوى نواجذه عليه كأنما عضّت نواجذه على العنقاء
ومضى به لرفاقه فتهلّلوا وتقاسموه ،فكان خير عشاء
لا يعجبن أحد رآني حافيا أبلت نعالي ألسن السفهاء ...



ما للكواكب لا تنام ولا تني

ما للكواكب لا تنام ولا تني=قد طال سهدك يا كوكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق=ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى=واشتدّ دائي نام عني عوّدي
حتّى لقد كاد القريض يعقّني=ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري=فكأنّما أنا ماتح من جلمد
لا تسألني لم سهدت فإنّني=لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها=ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي=ومشت إلى كبدي ولّما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها=وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي

العنقاء



أنا لست بالحسناء أول مولع=هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي
فاقصص علّي إذا عرفت حديثها=واسكن إذا حدّثت عنها واخشع
ألمحتها في صورة ؟أشهدتها=في حالة؟ أرايتها في موضع؟
إني لذو نفس تهيم وإنها=لجميلة فوق الجمال الأبدع
ويزيد في شوقي إليها أنها=كالصّوت لم يسفر ولم يتقنّع
فتّشت جيب الفجر عنها والدّجى=ومددت حتى للكواكب إصبعي
فاذا هما متحيران كالاهما=في عاشق متحير متضعضع
وإذا النجوم لعلمها أو جهلها=مترجرجات في الفضاء الأوسع
رقصت أشعتها على سطح الدجى=وعلى رجاء فيّ غير مشعشع
والبحر... كم سائلته فتضاحكت=أمواجه من صوتي المتقطّع
فرجعت مرتعش الخواطر والمنى=كحمامة محمولة في زعزع
وكأنّ أشباح الدهور تألبت=في الشطّ تضحك كلّها من مرجعي
ولكم دخلت إلى القصور مفتشا=عنها ، وعجت بدراسات الأربع
إن لاح طيف قلت: يا عين انظري،=أو رنّ صوت قلت: يا أذن اسمعي
فإذا الذي في القصر مثلي حائر=وإذا الذي في القفر مثلي لا يعي
قالوا: تورّع ، إنها محجوبة=إلاّ عن المتزهّد المتورّع
فوأدت أفراحي وطلّلقت المنى=ونسخت آيات الهوى من أضلعي
وحطمت أقداحي ولما أرتو=وعففت عن زتدي ولما أشبع
وحسبتني أدنو إليها مسرعا=فوجدت أني قد دنوت لمصرعي
ما كان أجهل نصّحي وأضلّني=لما أطعتهم ولم أتمنّع
فكأنني البستان جرّد نفسه=من زهرة المتنوّع المتضوّع
ليحس نور الشمس في ذرّاته=ويقابل النسمات غير مقنّع
فمشى عليه من الخريف سرادق=كالليل خيّم في المكان البلقع
وكأنني العصفور عرّى جسمه=من ريشه المتناسق المتلمّع
ليخفّ محمله، فخرّ إلى الثرى=وسطا عليه النمل غير مروّع
وهجعت أحسب أنها بنت الروءى=فصحوت أسخر بالنيام الهجّع
ليست حبورا كلها دنيا الكرى=كم مؤلم فيها بجانب مفزع
تخفي أمانّي الفتى كهمومه=عنه ، وتحجب ذاته في برقع
ولربما التبست حوادث يومه=بالغابر الماضي وبالمتوقّع
يا حبّذا شطط الخيال وإنما=تمحي مشاهده كأن لم تطبع
لما حلمت بها حلمت بزهرة=لا تجتنىء، وبنجمة لم تطلع
ثم انتبهت فلم أجد في مخدعي=إلا ضلالي والفراش ومخدعي
من كان يشرب من جداول وهمه=قطع الحياة بغلة لم تنقع
ذهب الربيع فلم تكن في الجدول=الشادي، ولا الروض الأغنّ الممرع
وأتى الشتاء فلم تكن في غيمه=الباكي، ولا في رعده المتفجع
ولمحت وامضة البروق فخلتها=فيها، فلم تك في البروق اللمّع
صفرت يدي منها وبي طيش الفتى=وأضلني عنها ذكاء الألمعي
حتى إذا نشر القنوط ضبابه=فوقي ، فغيّبني وغيّب موضعي
وتقطّعت أمراس آمالي بها=وهي التي من قبل لم تتقطّع
عصر الأسى روحي فسالت أدمعا=فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى=أنّ التي ضيّعتها كانت معي!

قنبلة الفناء

إذا سحقت أرضنا القنبلة=كما يسحق الحجر الخردله
وقوّض مفعولها الراسيات=فصارت غبارا له جلجه
ودبّ الفنا في ذوات الجناح=وغلغل في النّبت فاستاصله
وفي الماشيات وفي الزاحفات=عليها إلى آخر السلسه
فلا زهر يأرج في روضة=ولا ديك يصدح في مزبله
وضاع الزمان ومقياسه=وأشبه آخره أوله
ولم يبق حيّ على سطحها=وأصبح عزريل لا شغل له
فذلك خطب يهول النفوس=تصوره قبل أن تحمله
ولكنّ أمرا يعزي الجميع=إذا سحقت أرضنا القنبلة
فلن يدع الموت حيا=يلوم سواه على هذه المقتله!

أبي

طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني=وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت=مقاصير أحلامي كبيت من التّين
وكانت رياضي حاليات ضواحكا=فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة=فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي،=وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظري وقلّما=فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء ، بعدك غيرها=ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكي تبر الضحى وعقيقه=وقلبي في نار ، وعيناي في دجن
أبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي=وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي=كمستنكر في عاصف رعشة الغضن
يقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى=وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا=إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها=فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني في القوم عندما=نظلرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها=فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها=وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب=وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني!
أقول : لي اني... كي أبرّد لو عتي=فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني!
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟=أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن!
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني=أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى=فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا=ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى=ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة=كأرض بلا مناء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها=وضحكك والإيناس للبحار والخدن
جريء على الباغي، عيوف عن الخنا،=سريع إلى الداعي ، كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر=لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة=ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع ىوإذا=على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا=من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها=وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه=كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى=فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معلرفة به=كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده=وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض=على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة=وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلذة=أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها=وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره=أريج بهنفسي عن العطر تستغني

ذكرى

ولقد ذكرتك بعد يأس قاتل=في ضحوة كثرت بها الأنواء
فوددت أني غرسة أو زهرة=ووددت أنك عاصف أو ماء

المرأة والمرآة

أقامت لدى مرآتها تتأمّل=على غفلة مّمن يلوم ويعدل
وبين يديها كلّما ينبغي لمن=يصوّر أشباح الورى ويمثّل
من الغيد تقلي كلّ ذات ملاحة=كما بات يقلي صاحب المال مرمل
تغار إذا ما قيل تلك مليحة=يطيب بها للعاشقين التغزّل
فتحمرّ غيظا ثمّ تحمرّ غيرة=كأنّ بها حّمى تجيء وتقفل
وتضمر حقدا للمحدّث لو درى=به ذلك المسكين ما كاد يهزل
أثار عليه حقدها غير عامد=وحقد الغواني صارم لا يفلل
فلو وجدت يوما على الدّهر غادة=لأوشك من غلوائه يتحوّل
فتاة هي الطاووس عجبا وذيلها ،=ولم يك ذيلا ، شعرها المتهدّل
سعت لاحتكار الحسن فيها بأسره=وكم حاولت حسناء ما لا يؤمّل
وتجهل أنّ الحسن ليس بدائم=وإن هو إلاّ زهرة سوف تذبل
وأنّ حكيم القوم يأنف أن يرى=أسير طلاء بعد حين سينصل
وكلّ فتّى يرضى بوجه منمّق=من الناعمات البيض فهو مغفّل
إذا كان حسن الوجه يدعى فضيلة=فإنّ جمال النّفس أسمى وأفضل
ولكنّما أسماء بالغيد تقتدي=وكلّ الغواني فعل أسماء تفعل
فلو أمنت سخط الرّجال وأيقنت=بسخط الغواني أوشكت تترّجل
قد اتخذت مرآتها مرشدا لها=إذا عنّ أمر أو تعرّض مشكل
وما ثمّ من أمر عويص وإنّما=ضعيف النّهى في وهمه السهل معضل
تكتّم عمّن يعقل الأمر سرّها=ولكنّها تفشيه ما ليس يعقل
فلو كانت المرآة تحفظ ظلّها=رأيت بعينيك الذي كنت تجهل
وزاد بها حبّ التبّرج أنّه=حبيبّ إلى فتيان ذا العصر أوّل
ألمّوا به حتى لقد أشبهوا الدّمى=فما فاتهم،واللّه ، إلا التكحّل
فتى العصر أضحى في تطّريه حجة=تقاتلنا فيها النساء فتقتل
إذا ابتذلت حسناء ثمّ عذلتها=تولّت وقالت كلّكم متبذّل

مصرع حبيبين


في ذلك الرّوض الأغنّ بدى فتى
قد يبلغ العشرين عاما ذو نهى
كالبدر ألا أنه متكتّم
والغصن ألاّ أنه غصن ذوى
كتب الضّنى في وجهه هذا الذي
كاد الغرام به يؤول إلى الفنا
دَنِف تروّعه الغصون اذا انثنت
طربا، ويقلقه النسيم اذا جرى
حيران يُقعِده الهوى ويقيمه
فكأنه علم يداعبه الهوا
فأذا رنا للأفق ظنّ نجومه
عقدُ التي من رامها رام السّما
وتوهّم القمر المحلّق وجهَ من
ضنّت وجادت باللّقاء وبالنّوى
حجب الغمامُ البدرَ عند مسيره
فكأنه (أسماء) تسري في الدّجى
حسناء قد عشق المحب عفافها
وتعشّقت آدابه فهما سوا
كالغصن قامتها اذا الغصن انثنى
وجبينها يحكي الصباح اذا انجلى
وقعت غدائرها على أقدامها
فكأنها قد عضّها ناب الهوى
خَودٌ أذا نطقت حَسِبْتَ حديثها
درّا، ولكن ليس مما يشترى
وقفت تحيط بها الزهور كأنها
قمر تحيط به الكواكب في الفضا
ومشت تحف بها الغصون كأنها
ملك تحف به الجنود إذا مشى
للّه زورتها و قد قنط الفتى
فكأنها روح جرى فيمن توى
هيهات ما ظفر المؤمّل بالغنى
بألذّ من ظفر المتيّم باللّقا
فدنا يطارحها تحيّة عاشق
ويقول أهلا بالحبيب الذي أتى
بينا تصافح من يصافحها إذا
بدموعها سحّت فصافحت الثرى
"ما للعيون تحدّرت عبراتها
وعلام هذا الحزن يا ذات البهاء"؟
قالت حبيبي لو ترى ما قد جرى
في ربعنا شاركتني فيما ترى
جار القضاء عليّ في أحكامه
ما حيلة الأنسان إن جار القضا؟
فابك معي، فلربمّا نفع البكا
إن الليالي لا تدوم على الصفا
قال الفتى، والدمع منتثر على
خدّيه، يا أسماء قولي ما جرى
فتلفّتت في الرّوض خيفة سامع
فكأنها الظبي الغرير إذا رنا
وترددت بكلامها فكأنما
تبغي ولا تبغي التفوّه بالنبا
قالت ودمع الحزن يخنق صوتها:
وشت الحواسد عند من نخشى بنا
وغداً يعود الشّمل منفصم العرى
هذا هو الخبر اليقين بلا خفا
قد أنبأته بالفراق وما درت
أن الفراق حمام من عرف الهوى
فكأنما سهم أصاب فؤاده
وكأنه لما ارتمى طود هوى
أما الفتاة فراعها ما صار في
محبوبها وكأنها ندمت على...
جعلت تناديه بصوت محزن
فيجيبها كندائها رجع الصدى
حتى إذا قنطت دنت منه كما
يدنو أخو الدّاء العضال من الدوا
وحنت فحرّكت الفتى وإذا به
جسم ولكن لا حياة به ولا...
قد فارق الدنيا ففارقها الرّجا
وهوت تعانقه ففارقت الورى
قمران ضمّهما التّراب و ما عرفــ
ــت سواهما قمرين ضمّهما الثّرى





إيليا أبو ماضي في مكتبة الفينيق عمون:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــ

1.ديوان إيليا الجزء الأول

تحميــــــــل

2.ديوان إيليا الجزء الثاني

تحميــــــــل

3.ديوان إيليا الجزءالثالث

تحميــــــــل

4.من أعمال إيليا أبي ماضي:الجداول،الخمائل،تبر وتراب

تحميــــــــل




اعداد
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

هبة الشايب / الأردن
عبير محمد / مصر
سلطان الزيادنة / الأردن
زياد السعودي / الأردن











  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط