قُبلة وقرنفلة - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: عين الكاميرا (آخر رد :احمد المعطي)       :: جرد _قصيدة قصيرة_ (آخر رد :ناظم العربي)       :: بأعلامنا التحفي (آخر رد :ناظم العربي)       :: منكم العنوان (آخر رد :ناظم العربي)       :: وجبة (آخر رد :ناظم العربي)       :: هل تحب الليل؟ (آخر رد :ناظم العربي)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: العاصفة ..!! عبير هلال (آخر رد :عبير هلال)       :: الأصمّ/ إيمان سالم (آخر رد :عبير هلال)       :: أين الحب !!!؟؟؟ (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، قصـــة... // أحلام المصري ،، (آخر رد :هشام نعمار)       :: يا غزة (بالعامية المصرية) (آخر رد :هشام نعمار)       :: معايدة للجميع وغزة في الطليعة (آخر رد :هشام نعمار)       :: إبليس ينشط :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :صبري الصبري)       :: ،، رسالةٌ إلى البحر.. // أحلام المصري ،، (آخر رد :دوريس سمعان)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ المدينة الحالمة ⊰

⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 30-06-2019, 08:02 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عزالدين نونسي
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو








آخر مواضيعي

عزالدين نونسي غير متواجد حالياً


افتراضي قُبلة وقرنفلة

قــبــلــة وقــرنــفــلــة

قبلة وقرنفلة. أتذكر ذلك جيدا. كنا نسير، أنا وأنت بحواس مخدرة، ملتصقين تحت الأصيل، في ذلك اليوم من شهر مارس. استوقفتك طفلة جميلة شقراء تحمل دميتها. قلت لي: لذيذة هي الحياة أن تتأمل نفسك في وجه طفل غرير! هذه الطفلة، تذكرني بصورتي المعلقة في غرفة والِدَي. طبعتِ على وجنتها قبلة. تمنيت ساعتها، لو كانت لي. خيل إلي، وكأنك تشيعين بها عمرا تفرق بين دروب المدينة القديمة الغارقة في الصمت.
كان منظر المحيط أمامنا رائقا، يلقي على المقهى سكينة بمذاق ربيعي دافئ لذيذ. تناسيتُ للحظة أصابعي وهي تعابث خصلات من شعرك الليلي المجنون الهارب مع الريح. هِمْتُ مع نغمات الدانوب الأزرق لشتراوس. كان لإيقاعاتها المتموجة الراقصة جاذبية السحر. وبين يدي، رعشات راحتك تجاوبت معها في أشد لحظات عشقنا عنفا واحتراقا.
رائعة كنت في فستان الجَّكَدِي الأسود. لم تكوني تبالغين في أناقتك. لكنك دوما تحتفظين بلمسة الإغراء الفاتنة للوقت المناسب، توزعينها بفتنة ودلال: عطر النِّينَارِيتْشِي المفضل لدي.. تسريحة الشعر المائلة بعناية إلى صدغك الأيسر.. أحمر الشفاه الباهت.. نظرتك العسلية الفاترة المتوقدة بإحكام آسر.
لم نكن بالطبع وحدنا بمقهى الأَوْدَايَةِ. في هذا الركن الأثري لمدينة الرباط، كتبنا فصولا من حبنا المجنون. جلس في الزاوية الغربية زوج من السياح الفرنسيين يحتسيان الشاي المنعنع. وبمحاذاتهما، غرق رسام عجوز يلتقط آخر لحظات الغروب. اِختلطت نظراته المتوترة في مخيلتي، بصورة للفنان سالفاتور دالي، لازلت أحتفظ بها في عدد خاص من مجلة فنون، أعادتني إلى أجواء الدراسة. مقعدي إلى جانب رُشْدٍ.. رفوف المكتبة مساء كل خميس.. قصائد رافائيل أَلْبِيرْتـي.. لوحات غويا وبيكاسو .. صوت المدرِّسة الإسبانية ذات الأصل الباسكي، ترسم بكلماتها الثورية لذواتنا الحائرة، طريق استكشاف عالم سخيف رهيب مسيج بالخوف والصمت. اِرتسمت في عيني صورة فاليسا بشاربه الكث الأشهب. وقف صامدا يقاوم دبابات الجنرال يَارُوزِلْسْكِي، ويتحدى تهديدات موسكو بربيع بْرَاغٍ جديد. أتذكر جملة شاردة، أحتفظ بها من شريط العَرَّاب: للإنسان مصير واحد. خرجت من قاعة السينما مشوش الذهن، تتداخل في مسمعي مقاطعها الرنانة، مع موسيقى الشريط الرائعة. قلت مع نفسي: دون كورليوني الإيطالي المغامر، يلقن أبناءه دروس الحكمة على طريقة المافيا الصقلية؟ إذن نيتشه أحمق، حين كان يعلم الشباب فلسفة العقل في عصر مجنون؟ لو عاش جنون الإبادات الجماعية الرهيبة بعده، لأنكرها وفضل أن يمسخ صرصارا بلغة كافكا. ألسنا نمارس الجنون بلغة العقل، ونعيش عصر الكهوف الزجاجية بعقلية رعاة البقر؟
أيقظني من رحلتي الخيالية عرف القرنفلة التي أهديتك. كانت يدك تعابثانها . بالمناسبة، أنا لا أحب القرنفل. لونه يذكرني بلون الدم. أكره هذا اللون اللعين. نقطة واحدة منه تختزل مأساة الإنسانية، منذ أن وقع قابيل أول فصل فيها. إنه كان شريكا في العديد من المؤامرات باسم الحب.
أمسكت بيدك الأخرى. أحسست بدغدغة أصابعك تضغط على يدي. لمسة سحر أخرى منك أبلغ من لغة الشفاه. لماذا نسي كل واحد منا أن يحتفظ بتلك اللحظة قبل انفلاتها؟ وددت لو جريت خلف الزمن، لأمسك بها طرية، وأبقيها بين يديك قصيدة أو لوحة ولو فطرية. بها أوقع شهادة ميلادي، وأعبر المسرب السري من عيونك إلى قلبك.
والدي، رحمه الله، علمني شيئا واحدا: الرسم بالكلمات. ضربني مرة لما ضبطني أرسم امرأة عارية. أتريد أن تكون مثل هؤلاء الحمقى والمجانين؟ تذكرت لماذا قطع فان كوخ أذنه. وتذكرت لماذا كانت تستهويني لوحاته.كنت أجد في بساطتها عفوية فنان عبقري مرهف الحس، متوقد الخيال. يحلقق بك في عالم مدهش يشحن العين بمتعة الألوان والأضواء والأشكال والجمال الفطري، بكل ما يفيض به من حرارة اللذة البدائية.أغرمت بشخصية من تلك اللوحات، أخفيت صورتها عن أعين أبي المتربصة. كنت أتلصص عليه كي أطبع قبلة على نهدها الأسمر النافر بعناد. أقضي وقتا طويلا، أحدق في تفاصيل جسدها المائج باللذة والشبق. استكشف تضاريس جغرافيته الاستوائية الخرافية. أشحن مخيلتي من تفاصيل منعرجاته الثائرة. أتشرب شعريته المتألقة، في تناغم فني بين الأشياءفيها والأصباغ والظلال والضياء. خطرت لي فكرة، وأنا أنبش في هذا الركن المحجوب من مفكرتي: لماذا لا نختصر بالفن الطريق لبناء عالم آخر جديد لا يتكلم لغة الرصاص؟
قد أكون أنانيا إن لم أقل قاسيا، حين اختطفت منك القرنفلة وألقيت بها في البحر. بالفعل كنت هذه المرة أمارس انتقامي منها متسترا بالحب. فقد تخيلت أنها اختطفتك مني وأنت تسحبين عبيرها بلذة أقرب إلى الاشتهاء. ألقيتِ علي نظرة غاضبة، كادت أن تفسد علينا خلوتنا. غير أني تجرأت و اختلست منك قبلة.
ونحن ننزل أدراج الأوداية، أحطت كتفيك بذراعي. بدت السماء كسقف أرجواني ضاحك. وهبت من المحيط نسمة رخوة دبقة، رشح بها ضباب، بدأ يستر المدينة بنقاب رطب شفاف. سرنا مشتعلَين بين الدروب المعتمة. لما اقتحمتنا أضواء السويقة، نشفت الفرحة من عيني. باغتني إحساس قاسم بالوحشة. خُيِّل إلي وكـأنني قد شيعت خلفي الفصل الأخير من أوديسا وجودي معك. اِنتصب بيننا صمت كنسج من حديد. أغلقت على حزني حين تجاسرت وأمسكت بيدك، وكأنني أخشى ضياعك إلى الأبد. عندما توقفنا عند بائع الزهور، أهديتك قرنفلة. ونحن ننتظر سيارة الأجرة، أحسست بحرارة أصابعك تشد على يدي. قبلتك عند الباب. كانت قبلة سريعة برائحة الليل. أجفل لساني بغتة، واستحال في حلقي شوكة مؤلمة. شيعتك بنظرة أطل منها كل ألمي، ثم اختطفك مني الظلام.
وأنت الآن تقتحمين الباب السري للذاكرة، وتلملمين شعت أوراقي، حاولت جاهدا جمع تلك الصور المتشظية. وأنا أستعيدها، أخذت نفس الأماكن في عيني صورة مدينة مهجورة غب طوفان. انحلت رطوبة الليل في صدري ببرودة الصقيع. كنت أحمل وردة. في ذهني، كان يرن صوتك بقصيدة أَبُّولِينِير: جسر ميرابو. وفي عيني طارت، من يدك، قبلة مع الريح.






  رد مع اقتباس
/
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:06 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط