العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ المدينة الحالمة ⊰

⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 25-05-2015, 08:14 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
هدير الجميلي
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل وسام الأكاديمية للعطاء
الأردن

الصورة الرمزية هدير الجميلي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


هدير الجميلي غير متواجد حالياً


افتراضي هستيريا

هستيريا


• جنباً إلى جنب تقف أشجار النخيل شامخة بهاماتها العالية، تتراقص سعفاتها كجدائل عذراء بابلية، برعونة تعبث الريح بالمكان، حرارة الشمس تحاكي نار جهنم وعظمتها في العاشر من تموز، متثاقلا ضجرا يمشي الرجل الأربعيني، يبحث عن لاشيء، ينظر في وجوه العابرين، كل يوم يرى ذلك الطفل الذي يضع قطعة قماش مبللة بالماء فوق رأسه، لفت نظره هذه المرة، كالعادة يحمل بيده خطافاً وتحت قدميه تصطف قوالب الثلج الصلبة، يحميها من الذوبان بقطعة خيش ممزقة.. يتأمل ذوبانها منكراً ذلك في نفسه، ربما يتمنى أن يغدو ما يدور في بلده كقوالب الثلج هذه، وألا تذيب الأحداث مستقبله فيسيل في جرف الحياة ولا يستطيع له وصولا.
ارتجف حين سمع صوت طائرات عسكرية تحوم في الأفق الكئيب، لعله تذكر تلك الغارة التي خلفت في حياته دمارا لا يمكن ترميمه، نظر إلى الأفق الذي فارقته الحمائم القليلة التي كانت تزين كبد السماء، وتلاشت منه زقزقة العصافير تاركة المجال لأصوات نشاز، نقاط التفتيش الأمني والحواجز الخرسانية التي كتب عليها (انتبه سيطرة!) منتشرة ككابوس متمرد في كل مكان، كل السجلات تكاد تكون فارغة إلا سجل المطلوبين فهو طافح بالأسماء، يحاول الابتعاد عن أماكن تدقيق الهويات الشخصية وهيئته الرثة تشفع لسيره ملتصقا بالحيطان، ما زال يتذكر اليوم الذي كان فيه أمثال هؤلاء يؤدون له التحية ويتسابقون لخدمته، لكنه الزمن حين يبيعه الناس للغرباء لا يعود ملكهم...
اضطرب الناس وهاج البعض بجنون حين بدأت الطائرات ترمي حممها بعشوائية، رأى أما تلقي بأبنائها من سيارة قتل سائقها، عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه، تركض بهم حافية القدمين، تجرهم بهلع وعيناها تبحثان عن مخبأ، هم بمساعدتها لكن وابلا من الرصاص جعله يتسمر في مكانه، يفور كبركان في داخله يود لو يساعدها، ولكن موته قبل أن يصلها لن يساعدها ولا أطفالها، التفت لعجوز تلتحف عباءة سوداء تقي رأسها الحر وتواري جسدها المرهق وتخفي تجاعيد وجهها الموشوم بنقشٍ أخضر دل على حسنها المأكول، تحمل على ظهرها قصعة من بقايا خضار جادت بها الحاوية تحاول التخلص من عبئها كي تنجو لكن قدميها التصقتا بالأرض وانحلت مرابطها، كجندي من قوات الصاعقة هرع إليها وسحبها من أمام الرتل العسكري المتقدم باتجاهها، تركها في مكان آمن، ثم عاد وانسل إلى الأم وأطفالها الثلاثة، كانت تغطيهم بجسدها ونهر من الدماء يروي كومة التراب الأحمر المتمترسة خلفها، حتى تراب الوطن لم يحمينا قال وغرق في بكاء مرير، إن خسر الثالثة فلن يستحق العيش على هذا التراب
ما زال الرتل العسكري يتقدم ويفتش كل شيء في الشارع الطويل الذي امتلأ بضجيجه، يطحن تحت عجلاته ملامح الأرض، والمارة يبحثون برعب عن مخابيء، ما عدا شاب ضرير تاه في الهرج والمرج، وكلما صدمه أحدهم وقع على الأرض ثم قام تهذي أقدامه بخطوات ركيكة لا تستقيم على خط، حتى صار في منتصف الطريق في مواجهة الرتل، أسرع إليه وأمسك بيده ليجلبه إلى الرصيف، ارتبك الاثنان، كل واحد منهما يريد السير في اتجاه، بدأت بعض ذكرياته تفتح أبوابها، بصدمته الأولى وصور زوجته وأطفاله ووالديه الذين ذبُحوا في منزله، كثيراً ما فارق النوم عينه خوفاً على أسرته، ولشهور يبقى قلبه مستيقظاً شوقاً لرؤيتهم، مرت كل الذكريات كشريط سينمائي ناصع وهو يجر الضرير بقوة إلى الرصيف، وكان صوت همس في أذنه (عليك الذهاب فهم بانتظارك)... وسقط جاثياً على ركبتيه بعد أن شق الرصاص صدره، ثم مال إلى الأرض العطشى ليسقيها من دمه احتمى الضرير لا شعوريا بجثة من حاول إنقاذه، وقف يتحسسها، دار حوله وحاول جره ولكن أين اتجاه الرصيف! وقف يبحث في السواد عله يهتدي.. عل صوتاً يساعده، ,لكن ضجيج الرصاص وزعيق الجنود كانا أعلى من أي صوت، نادى الحياة فأجابه الموت بصوت مجلجل...وداستهما العجلات
رجل يراقب من أعلى غرفة في بناية محمية بشبك حديدي راق له المشهد فقد وشحت ابتسامته النافذة بالسواد.






_أمي منكِ تعلمت أن أقصقص أجنحة وجعي حتى لا أُحسن الطيران إلى وطنِ أحزانك.
في حضرة جلالتها _هدير الجميلي
  رد مع اقتباس
/
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:35 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط