|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
24-02-2019, 10:52 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
الخال
الخال
لم يتبق على قيد الحياة من كبار السن في العائلة سوى الخال . مدَّ ألله في عمره فصار الكبير ، كبير العائلة ، الأب الروحي ، العم والخال والجد . كان الأبناء والبنات والأحفاد يتسابقون لإرضائه ويقبلون يده في حِلّهم وإرتحالهم . ذات يوم ، وإذ بنخوة الشمس قد تقهقرت ولبست ثوب الكسوف . نظر حوله ، المسبحة التي كان يتباهى " ويتفشخر " بها أمام الخلق ، ها هي على وشك أن ينقطع حبلها السري الذي يجمع حبيباتها فيتفرق أفراد البيت الواحد كلٌّ في طريق . الأخوة والأخوات متخاصمون إلى حد الإفلاس والعوَز ونفاد الإتفاق في أبسط الأمور ؟ طبقة السكن التي تغطي الأحفاد وتستر عوراتهم ، سرعان ما تطير في الهواء مع أول نسمة ريح ، فينكشف الجمر عن حقيقته المحتدمة . الأقارب والأنسباء يجلسون على مقاعد النظارة يتفرجون ويصفقون للمؤدي صاحب الحجة المزورة والصوت العالي. محاولاته للتقريب بينهم والحث على طي صفحة الخلافات بائت جميعها بالفشل الشنيع . لا بل اتهمه كل طرف بالإنحياز للطرف الآخر . وبذلك صار عدواً للجميع ، للماضي والحاضر والآتي من قِبل أفراد العائلة المُبَجَّلين . ومضى في قصته التي أصبحت قضيته ، يبحث عن طاقة نور علَّ وعسى أن يصادفها ويعثر عليها . لكن القدر كان قد سبقه باستخلاص النتيجة ، فهزَّ منكبيه ثم ودعه وغادر ! وعقب مرور الوقت الذي كان يمر بطيئا كالسلاحف ، استدعته فكرة لاحت بمخيلته كطوق نجاة . لاحظ من خلالها أنها قد تكون الطعم المناسب لإصطياد الطرائد الضالّة . فعاد إليه شيء من الأمل في صورة ابتسامة متفائلة . إنها المصالح الإقتصادية . نعم أنها تبعثر وتشتّت وتُفَرّق لكنها بالمقابل تجمع وتحشد . والدليل هو ما نراه في عالم السياسة نجد الأعداء يجتمعون حول سدر الكنافة وقت توزيع التركة . عندما يتم الحوار حول القسمة والنصيب ، وحول الحصص فإن الجدران تنهار والجليد يذوب وهذا هو ما يسعى إليه الخال .( نظره فابتسامه فسلام فكلام فموعد فلقاء ) . اسمعوني جيدا .. قالها محتدا : لا وقت للشك أو الظن بعدم الفهم . الوقت قصير جدا . عليكم أن تحضروا جميعكم إلى بيتي لتوزيع حصصكم من ثروتي التي قمت بتقسيمها بالعدل والتساوي على الجميع . شرطي الوحيد هو نزع الخصومة وغرس المحبة عوضا وبديلا . لكن اعلموا أن (الغائب ليس له نائب ) ، و(اللي يحضر السوق يتسوق) . من أين له هذه الثروة ؟ نحن نعرف عن الخال ( البير وغطاه ) ، وهو يعلم أيضا أننا ( دافنينه سوا ) . راتبه التقاعدي لا يكفيه حتى لشراء الخبز بعد دفع فواتير الماء والكهرباء وكروت شحن التلفون وتعبئة بنزين سيارته الخردة ورسوم ترخيصها وتأمينها ، ودفع المخالفات التي تهبط عليه كالقضاء المستعجل . والهدايا التي كان يقدمها لنا وللجيران في المناسبات ... كثيرة هي المصاريف المطلوبة بحق الخال ، لا تعد ولا تحصى . نعرف أنه أقلع عن التدخين الذي كان يحبه ويعشقه مجبرا بسبب تكلفته وليس لأسباب أخرى . ونعرف أيضا أنه قد عادى اللحوم وحقد عليها وهاجر ألى الأصناف النباتية فصار زبونا دائما في مطاعم الدرجة الثالثة التي تقدم الفول والحمص والفلافل . فخدع الناس وخدعنا نحن الأقرب إليه عندما داهمه " مرض الملوك النقرس " . المرض الذي يصيب الأغنياء بسبب كثرة تناول اللحوم الحمراء . لكن عندما علمنا أن البقوليات أيضا تساهم بالإصابة وربما بصورة أقوى وأشد ، أشفقنا عليه . كان من نشطاء " هبة نيسان " والهبّات الأخرى ، لقد قصمت الحكومة ظهر الإنسان البسيط حين تم " تعديل "الأسعار . لم يبق له وللشريحة من المواطنين أمثاله سوى الخبز المُحلى بالسكر البني والشاي لسد الرمق عندما تنبت للجوع أنياب . كان يوعز لأصدقائه ومعارفه أن يشتروا أراض في عبدون والشميساني وجبل عمان وفي طريق المطار عندما كانت أسعارها في ذاك الوقت ببلاش . ربما تكون في جعبة الخال عددا من قطع الأراضي هنا وهناك ، فقام ببيعها كي يوزع ثمنها علينا قبل رحيله . إنها خيالات وتهيؤات . يقولون : " إلي على بال أم حسين بتحلم فيه بالليل " ! هكذا صرنا نهمس في سرّنا ، نبيع السمك قبل أن نصطاده ، أما اليقين فعلمه عند الله . تبادلنا النظر طويلا ثم همسنا معا وبرجاء صادق : أين اختفى الخال ؟ باءت محاولاتنا للعثور عليه بالفشل . فعل فعلته واختفى ، فعلها مكرها وليس بإرادته فالخرف لا يستأذن أحدا . قضى على نفسه بحبس شبه انفرادي في بنسيون ومن محبسه كان يتابع أخبارنا بين صحوة وأخرى . وأخيرا عثرنا عليه وتم الالتقاء . ولأول مرة تخلت عن الخال روح الدعابة التي كنا نحبها . تدفّق الكلام من فيه هادرا كالموج تابعناه بأعصاب متوترة ... عيناه مغمضتان سيجارة باليد وكأس في قبضة اليد الأخرى لم يبق بها إلا الثمالة . قمنا بدفنه في مقابر العائلة واتفقنا بعد انتهاء مراسم العزاء أن نلتقي دائما . شكرا يا خال ... علّمتنا أن نهواك وعلّمتنا كيف نحب ... |
|||
|
|
|