سلسلة ضوء ضياء البرغوثي على نصوص فينيقية "زياد السعودي" - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-01-2010, 07:39 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي سلسلة ضوء ضياء البرغوثي على نصوص فينيقية "زياد السعودي"



قراءات سجلها الأديب ضياء البرغوثي

1
النص : في بيت أمي محمود درويش / فلسطين
------------------------------------------------


في بيت أمي

في بيت أُمِّي صورتي ترنو إليّ
ولاتكفُّ عن السؤالِ:

أأنت، يا ضيفي، أنا؟
هل كنتَ في العشرين من عُمري،
بلانظَّارةٍ طبيةٍ،
وبلا حقائب؟
كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي
كي تعلِّمكالنجومُ هواية التحديق
في الأبديِّ...

(ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطباً نفسي)
ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟
فمَن منا تنصَّل منملامحِهِ؟

أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ
أم مسحت الجُرحَبالمكياج كي تبدو
وسيمَ الشكل في الكاميرا؟
أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَالمثقوبَ
بالناي القديم وريشة العنقاء؟
أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَدَربَكَ؟
قلت: يا هذا، أنا هو أنت
لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى
ماذاسيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ
من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَباحترامً...
ربّما ألقى السلام، وقال لي:
عُدْ سالماً...
وقفزت عن هذاالجدار لكي أرى
ما لا يُرى
وأقيسَ عُمْقَ الهاويةْ






يفتتح المشهد في هذه القصيدة في بيت أم الشاعر ، حيث يلتقي الشاعر هناك بـ ( أناه ) ، يقوم هذا المشهد على حوار يدور بين الشاعر وذاته ، الممثلة بصورة قديمة للشاعر معلقة على حائط البيت .

دلالة العنوان :

يحمل العنوان - الذي هو عتبة النص الأولى - في هذه القصيدة الكثير من المعاني ، ومنها : مشاعر الحنين التي تمتلئ بها نفس الشاعر ، الحنين إلى وطنه ، الحنين إلى الأم ، الحنين إلى مرابع الصِّبا والطفولة . فالعنوان يهيئ القارئ لما يريد الشاعر قوله في هذا النص .

النص :

يبدأ الشاعر قصيدته بشبه الجملة " في بيت أمي " ، وتقديم شبه الجملة على المبتدأ يدل على أن بيت الأم هو النقطة المركزية في هذه الجملة .
أول ما يقابل الشاعر في بيت أمه هو صورة قديمة له معلقة على الحائط ، فالصورة هنا تمثل ماضي الشاعر ، الذي تركه خلفه بعد سفره من بلده . ومن هذه الصورة يبدأ الحوار ، فالصورة ترنو إلى الشاعر ، وتتلقفه بمجموعة من الأسئلة .


أأنت، يا ضيفي، أنا؟

الصورة تعتبر الشاعر ضيفا على بيت أمه ، ونلمح من هذا الوصف إشارة عتاب وملام على الغياب الطويل . ولا تكتفي الصورة بوصف الشاعر بالضيف ، بل تتساءل : هل أنت ما زلت أنت ؟ أم تغيرت ؟ أما زلت أنت ذات الشخص الذي أنا صورته ؟
يدل هذا السؤال على الحيرة التي تكتنف الشاعر ، فشعوره بالغربة عن بيت أمه ، الذي يمثل الوطن ، يدل على هذه الحيرة التي جعلته يبحث عن ذاته القديمة ممثلة بالصورة ، كي يجد إجابات عن هذه الأسئلة التي تدور في نفسه .


هل كنتَ في العشرين من عُمري،
بلانظَّارةٍ طبيةٍ،
وبلا حقائب؟


سؤال آخر ينهال على وجع الشاعر ، حيث يعيدنا هذا السؤال إلى شباب الشاعر ، حيث كان يضجّ بالحياة والشباب ، في ذلك العمر لم يكن الشاعر بحاجة إلى نظارة طبية ، فالنظارة هنا ترمز إلى تقدم الشاعر في العمر ، يصطدم الشاعر بهذه الفجوة التي تضعها الصورة أمامه ، بين ما كان عليه ، وما أصبح عليه بعد هذا العمر الطويل . هذه المساحة الزمنية الملأى بالألم والغربة ، التي تتمثل في قوله " بلا حقائب " ، فالحقيبة رمز للسفر والهجر والبعد والغربة ، في ذلك العمر لم تكن الحقائب في حسابات الشاعر ، لم تكن الغربة قد بدأت تشده .
نرى في هذا المقطع عتاب الذات للذات ، شعور بالشوق لتلك الأيام .


كان ثُقبٌ في جدار السور يكفي
كي تعلِّمكالنجومُ هواية التحديق
في الأبديِّ...


تتضح في هذا المقطع لهجة العتاب ، ويزداد صخبها ، حيث تلوم الصورة الشاعر على الرحيل ، تعاتبه على الاستعجال في السفر ، كان هناك مساحة من أمل تكفي كي يبقى الشاعر صامداً في وطنه ، وأن يرى المستقبل من وطنه . فالشاعر كما يتضح استعجل السفر ، دون البقاء ، والبحث عن بقعة ضوء " أمل " ، يخطو من خلالها إلى عالمه ، إلى أحلامه .


ما الأبديُّ؟ قُلتُ مخاطبا ًنفسي

يتساءل الشاعر في نفسه : ما الأبدي ؟ سؤال يثير الدهشة في نفسه ، سؤال يأخذه إلى متاهات الحيرة .
ويا ضيفي... أأنتَ أنا كما كنا؟
تكرار للسؤال الأول ، تأكيد على بحث الشاعر عن ذاته التي تركها خلفه .


فمَن منا تنصَّل منملامحِهِ؟

يأتي هذا السؤال زيادة في العتاب واللوم ، يدل على تنكّر ذاته القديمة لهذا الغريب الضيف . سؤال يبحث عمن انسلخ من جلده ، وترك وراءه ماضياً مليء بالذكريات .

أتذكُرُ حافرَ الفَرَس الحرونِ على جبينكَ
أم مسحت الجُرحَبالمكياج كي تبدو
وسيمَ الشكل في الكاميرا؟


تنبش الصورة ماضي الشاعر ، تذكره بذكريات لا يمكن أن تُنسى ، كي تساعده في تذكر بعضا من ملامحه التي محتها رياح الغربة . فأثر الحافر في جبين الشاعر ذكرى من هذه الذكريات ، تتساءل : هل بقي هذا الأثر أم مسحته كي تظهر وسيما أمام الكاميرات وأمام الناس . قسوة في اللوم والعتاب ، تتهمه الصورة بأنه هو المسئول عن انسلاخه عن ماضيه .

أأنت أنا؟ أتذكُرُ قلبَكَالمثقوبَ
بالناي القديم وريشة العنقاء؟


ذكرى أخرى أعمق أثراُ من الأولى ، تثيرها هذه الصورة الغاضبة من الشاعر ، فإن كان الشاعر قد مسح أثر حافر الفرس ، فإن ثقب القلب لا ينمحي ، هذا الثقب في القلب أحدثه الناي القديم ، وريشة العنقاء . توظيف لأسطورة الناي والعنقاء ، فالشاعر يشحن هذا المقطع برمزين دالين على مدلولات مختلفة ، إذ أن الناي يرمز إلى الألم ، والعنقاء أو طائر الفينيق كما يعرف عند اليونانيين، يرمز إلى التجدد والانبعاث من الذات ، يدل على تجدد الحياة وعدم فنائها . فالشاعر في النص يبحث عن ذاته ، تزدحم نفسه بمشاعر الألم والحزن . تلومه الصورة على انسلاخه من ذاته ، لم يكن مثل تلك العنقاء التي ثقبت قلبه بريشتها ، مستسلما إلى الألم ، ألم الغربة في الوطن ، التي اختار الغربة عن الوطن بديلا لها .

أم غيّرتَ قلبك عندما غيّرتَدَربَكَ؟

يصل الحوار إلى ذروة اللوم والعتاب ، ذروة التنكّر لهذا الضيف الغريب .

قلت: يا هذا، أنا هو أنت

يرد الشاعر على هذه الاتهامات ، ويؤكد انتماءه لذاته .

لكني قفزتُ عن الجدار لكي أرى
ماذاسيحدث لو رآني الغيبُ أقطِفُ
من حدائقِهِ المُعلَّقة البنفسجَ باحترامً...


يقول الشاعر أنه قفز عن جدار الواقع الأليم الذي كان يحياه ، لكي يرى ماذا يخبئ له الغيب خلف هذا الجدار ، لكي يطعم طعم الحرية ، فالبنفسج زهرة تحوي لونا متماوجا يشي بالأمل والحياة .
يدافع الشاعر عن هذه الرحلة التي قام بها بحثاً عن الحرية والأمل والحياة ، بعيداً عن الألم والحزن والغربة داخل جدران الوطن . ولم تكن انسلاخا عن الذات .

لغة القصيدة :

جاءت لغة القصيدة بسيطة سلسة ، مكثفة تحمل الكثير من الدلالات . معجم القصيدة جاء سهلا ، لا غموض فيه ولا تعقيد ، ولكن الشاعر حمَّل لغته الكثير من الرموز التي خدمت النص والفكرة التي يريد الشاعر إيصالها إلى المتلقي . كما رأينا خلال حديثنا السابق .

الإنزياح :

نجد في القصيدة الكثير من الإنزياحات الدلالية ذات الأثر الفني الكبير . فنرى كيف شخّص الأبدية ، حيث أصبح بالإمكان التحديق بها بواسطة النجوم ، التي جاءت أيضا مشخَّصة في النص ، حيث النجوم تعلم الناس كيفية التحديق في الأبدية .
كذلك نرى الغيب له حدائق معلقة متشحة بالبنفسج ، ويتحدث ، حيث يرد السلام ويحاول الشاعر .





2
النص : شتات على رصيف الوطن للشاعرة سلام الباسل / فلسطين



أبكي
أضحك
لا حزناً
ولا فرحاً
أركضُ بسخطِ وإصرارِ قطار هارب
أنثرُ دخان دَمعي على الأرصفة
وأشي للمارّة بسر الشرود
فقد أرهقنا إستجداء الجسور
و"راجعين يا هوى"
في بلدنا العتيق تُصادَر الأحلام
وتُترَك لنا الأوهام تدفعنا للجنون!!
غثيان يُرهق المكان
والروح تتساقط قطرة قطرة
كيف لي أن أمرّ ببيتي
واستنشقه مسكوناً بأنفاس
غير أنفاسي؟!
أما زالت عقارب الساعة تتثاءَب وتتعرقل
في سيرها؟!
أتراها "ضجرِت مني الحيطان ومستحيّة تقول؟!"
أتشبث
وأُلملِم ما بقي من حكايا المواسم
لوطنٍ يرضع ترابه دفء الأرض
ويثمل بخمر ندى العشب
وحنين يتدفق من طينهِ
وينسكب على عتبات بابهِ
لأتحايل على دمعي بدندنة"
خذوني إلى بيسان..إلى ضيعتي الشتائية
هناك يشيع الحنان ..على الحوافي الرماديّة"
أنا وظلي وهمس وثيقة
رفقاء درب لا ينتهي..
وبعض من البرتقال الحزين
الغافي في جيوب مساءاتي الباردة
أدمنا الترحال بأدغال الغربة..
تركنا للريح مهمة نثر أوجاعنا
تحملنا على صهوتها لنعانق المدى
بغربة الخريف
وحزن الشتاء..
من لي بمعطف أحاسيس دافئة
يلحف بنفسي عيون الغربة؟!
من لي بقلب كالمحارة
أحتمي بصدفته عند السفر؟!
آيا طيور الحنين
النافضة عن حيرتها ترف الكلام
حلّقي فوق رؤوسنا
لنلثم من ريشك دمع الحقيقة الخرساء
ولتغنّي بوجع حنجرة الأرض
ونبض المستحيل في صدر السماء
غاب نهار آخر ..غربتنا زادت نهار"
وظلال تئنّ منتحبة في الخواء تردد
غاب
نهار
آخر"!!

..........................





أبكي
أضحك
لا حزناً
ولا فرحاً



افتتاحية تحكي واقع الإنسان الفلسطيني الذي يحيا حياته بين هاتين اللازمتين ، الضحك والبكاء ، فليس ضحك الفلسطيني كضحك غيره ، ممكن أن يكون ضحكه من هول ما أصابه من هتك مستمر لإنسانيته وكرامته ، وبكاؤه لا يكون من شدة أحزانه وإنما لأنه لا يستطيع أن يبكي ، لأن قدره أن يعيش في قلب المحنة وعينه على الحرية .

أركضُ بسخطِ وإصرارِ قطار هارب
أنثرُ دخان دَمعي على الأرصفة
وأشي للمارّة بسر الشرود
فقد أرهقنا إستجداء الجسور
و"راجعين يا هوى"


استخدام الفعل المضارع في القصيدة يفي بالغرض وقد جاء موفقا ، متناغما مع حركة القصيدة . فالفعل المضارع يدل على الحركة والتجدد وعدم الثبات ، وهنا المعنى يتطلب الحركة والتجدد . فالركض المستمر من أجل الحياة والحفاظ على ما تبقى من كرامة هو ديدن الإنسان الفلسطيني . كذلك نثر الدمع على الأرصفة حتى لا يعيق الطريق ، ولا يؤثر في الحركة الدؤوبة نحو العودة إلى أرض الوطن ، هنا استظهار لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ، الذين رغم مرور السنين ما زالوا متمسكين بأقل القليل وهو الحلم بالعودة ، ولسان حالهم يردد (( وراجعين يا هوى )).

في بلدنا العتيق تُصادَر الأحلام
وتُترَك لنا الأوهام تدفعنا للجنون!!
غثيان يُرهق المكان
والروح تتساقط قطرة قطرة
كيف لي أن أمرّ ببيتي
واستنشقه مسكوناً بأنفاس
غير أنفاسي؟!


تستمر الحكاية ، حكاية اللاجئ الفلسطيني الذي يرى بيته مسكونا بالأشباح ، أشباح قوم جاءوا من أقاصي العالم كي يسرقوا منا لحظة عشق كانت تتعلق بأهداب الوطن.
رمونا على قارعة طريق الغربة ، ونعموا بخيرات بلادنا الجميلة .
تدخل بنا سلام في ثنايا روح هذا الفلسطيني ، التي تتناثر في جنبات الوطن السليب ، تغوص في بحر الأسى والحزن ، كيف لا وهي ترى البيت الذي يحمل في ثناياه كل جميل . وجاء الأغراب ليدنسوه بقبح جرائمهم ، ودنس قلوبهم النتنة .


أما زالت عقارب الساعة تتثاءَب وتتعرقل
في سيرها؟!
أتراها "ضجرِت مني الحيطان ومستحيّة تقول؟!"


أسئلة بعمر هذه المأساة ، مازالت تدور في رأس الفلسطيني ، تنفذ في أعماق النفس ، تصور ثقل الزمن الذي يخطو بثقله على خيوط القلب . متى سنرى بزوغ فجر جديد؟

أتشبث
وأُلملِم ما بقي من حكايا المواسم
لوطنٍ يرضع ترابه دفء الأرض
ويثمل بخمر ندى العشب
وحنين يتدفق من طينهِ
وينسكب على عتبات بابهِ
لأتحايل على دمعي بدندنة"



أتشبث ، هذه المفردة التي تفجر كل المؤامرات وتحطمها ، قصة الصمود الأسطورية التي أتقنها الفلسطيني بكل جدارة . لم يستطيعوا أن يمسحوا ذاكرته ، ولا أن يعملوا له غسيل ذاكرة ، فذاكرته عصية على كل المحاولات الدنيئة . ينسكب الدمع ليغني موالا جميلا ، يحكي قصة وطن سليب :

خذوني إلى بيسان..إلى ضيعتي الشتائية
هناك يشيع الحنان ..على الحوافي الرماديّة"
أنا وظلي وهمس وثيقة
رفقاء درب لا ينتهي..
وبعض من البرتقال الحزين
الغافي في جيوب مساءاتي الباردة
أدمنا الترحال بأدغال الغربة..


بيسان الجريحة ، يا وجع البرتقال الذي سرقوا بسمة نواره ، ورحيق أزهاره . برتقالك يا بيسان يعزف أغاني العودة ، ويقرأ الفاتحة على روح الغربة ، التي وإن طال أجلها سيأتي يوم وتدفن ، ويذهب الأغراب إلى مزبلة التاريخ ، حيث مكانهم الأصلي ، وموطن قبحهم .

تركنا للريح مهمة نثر أوجاعنا
تحملنا على صهوتها لنعانق المدى
بغربة الخريف
وحزن الشتاء..



صورة ذكية للواقع المرير ، كيف لا، والأوجاع تتراكم في أرواحنا حتى ازدحمت بها.

من لي بمعطف أحاسيس دافئة
يلحف بنفسي عيون الغربة؟!
من لي بقلب كالمحارة
أحتمي بصدفته عند السفر؟!


تعود بنا الحكاية إلى وجع الأسئلة ، تتجلى هنا سلام في وصف الغربة ، والسفر الطويل ، الذي أثقل كاهل الفلسطيني وأتعب روحه . أما آن لهذا الطير المهاجر أن يعود ليعزف أجمل الألحان على روابي وطنه السليب . فيستجيب هذا الطائر لنداء روح مثقلة بالأحزان :

آيا طيور الحنين
النافضة عن حيرتها ترف الكلام
حلّقي فوق رؤوسنا
لنلثم من ريشك دمع الحقيقة الخرساء



نداء لهذه الطيور ، طيور الحنين والشوق لمصافحة نسيم الوطن وصباحاته المثقلة بالمحبة والهناءة . تعالي أيتها الطيور لتغني معنا أهزوجة الوطن :


غاب
نهار
آخر"!!





3
النص : أنا وسُعاد / عرَّافة الأقْدار زياد عمار
-----------------------------------------------


قهراً أتيتُ وَجَعْبتي حُبلى بآهاتي الحزينة أشتكي من بعضِ همّي ما تصدَّع تحت وطأته الفؤاد.

يبدأ الشاعر القصيدة بكلمة "قهرا" التي تدل على حال الشاعر وهو آتٍ ، وهذه البداية تدل على أن الشاعر يريد أن يتحدث عن حالته الشعورية التي يئن تحت سطوتها . فهذا المقطع يحتوي على دوالّ كثير تحمل معنى القهر الذي بدأ الشاعر به هذا المقطع ، فمجيئه قهرا ، والجعبة حبْلى بالآهات الحزينة ، وكلمة حبلى لها دلالات كثير تتصل بالمعنى هنا ، فالحبل أو الحمل يدل على طول فترة الاحتضان للجنين ، وتتراوح هذه الفترة بين مختلف الكائنات ، إذا كلمة حبلى تدل على أن الشاعر يحمل هذه الآهات منذ زمن طويل . والهموم كثيرة ملازمة له ، إلى حد جعلته هذه الهموم يشتكي من بعضها ، فإذا كان بعض هذه الهموم تصدع لها الفؤاد ، فكيف هو حال الشاعر تحت وطأة كل الهموم لا بعضها .
يكثر الشاعر في هذا المقطع من استخدام الفعل الماضي الذي يدل على الاستمرارية ، فالإتيان مستمر وكذلك تصدع الفؤاد ، وذلك لملازمة هذه الهموم له .


يا وجدُ، رِفْقَاً بالنَّوى هدّئْ سياطكَ؛ خافقي يهوي صريعاً تحت مَنْجلِ هَجْرها والقهرُ يكلمُ أبهري أهوي أرفرفُ كالقطا مذبوح همٍّ لا سِهامَ تطولني أبداً ولا سيفاً مضى من فوقِ نَحْري يا سُعادْ.

يخاطب الشاعر هنا وجده ، مستخدما تقنية التشخيص ، وكأن الوجد شخص بعيد عن الشاعر ، لا يستمع إلى نداءاته . يطلب الشاعر الترفق به وبحاله ، فالنّوى سياط تهوي على جسد الشاعر ، فأثخنته بالجراح ، خافق الشاعر يخر صريعا ، ما الذي جعله يخر صريعا ؟ إنه منجل هجرها . صورة تحثنا على الوقوف على جمالياتها ، يصور الشاعر هجر الحبيبة بالمنجل الذي يحصد الزرع ، فكلما طالما الهجر كلما خف الزرع في بستان الشاعر، ولا يقف الشاعر هنا ، بل يزيد في وصف حالته التي تزداد سوءا بفعل القهر الذي يكْلِمُ أبهر الشاعر ، يرفرق كالقطا ، هذا الطائر الذي يحترف الهداية ، ولكنه في حالة الشاعر يطير مذبوحا بفعل الهموم التي تكومت في نفس الشاعر ، هذا الذبح لم يكن بفعل سهام ، فهو بعيد عن مرمى السهام ، وليس بفعل السيف ، فنحره لم يذبح بالسيف ، وإنما هذا الذبح بفعل بعد سعاد .

عرَّافةٌ أنتِ الْكذوبُ لسانها والرّمْلُ يشهدُ بين أيديها وَتَضْرِبُ بالْحَصى تَهْتَـزُّ ذُعراً من جوى يبدوُ جليَّاً في مآقيَّ الحزينة ثمَّ يُنذرُ بالرَّماد

سعاد هذه عرافة تحترف الكذب ، فالكذب هو مهنة العرَّافين ، وهذا الرمل الذي تضرب به لمعرفة الغيب ، يشهد بكذبها ، وكذلك الحصى ، سعاد يهزها الذعر بسبب الحب ، التي تراه وتبدو معالمه في مآقي الشاعر الحزينة ، ثم ينذر بالرماد ، رماد الحب ، الذي يدل على نهاية الاشتعال، أي أن هذا الحب لن يستمر طويلاً .

يا بائِسَ الحظّ الشَّقيَ تمخَّضت رؤيايَ عنْ وَلَهٍ بها يمضي بكلّكَ للهوى... تهوي ويَنْبُذُكَ السُّهادْ.

تحدث سعاد الشاعر عن حبه ومستقبل هذا العشق ، تصف الشاعر بأنه بائس الحظ شقي ، وتقول له أنها ترى أن حبا وولها يجره نحو الهوى ، فيسقط في قعر سحيق ، حتى السهاد ينبذه ولا يقبل به .

فنْجَانُكَ المأفون يخنقهُ اضْطِرابٌ لا أرى إلا أفاعيَ في حقيبة غرّةٍ بالعشقِ لا تقوى على تمييزِ حبٍّ أو صديقٍ أو مُعادْ.

فنجان الشاعر يحكي الكثير ، فيه اضطراب ، فيه مصيبة تقترب من الشاعر ، هذه المصيبة هي حب يقترب من الشاعر ، يحب فتاة صغيرة جاهلة ، هذا الحب أخطر من الأفاعي .

قولي سُعادْ...!
ذاكَ الذي يكوي فؤادك (غيرةٌ) تقتات منكَ سعادةً... تستنزفُ الآهاتَ منكَ صبابةً وتَجِئُّ في عُمْقِ السّباتِ نصالها حتى ليبدوَ صُبحك المقتولُ قبل ولادة النّور الْعَمِيِّ مُكفَّناً بالويلِ يَغمرهُ الْفسادْ.


تستفيض سعاد العرَّافة في الحديث ، تحدث عن سبب اكتواء فؤاد الشاعر ، فالغيرة تأكله ، والآهات لها نصال تنكب على صبح الشاعر ، تقتله في ريعان طفولته ، قبل ولادة النور ، ويظهر الصبح في صورة الميت يتزيّا بالكفن ، ولكن كفنه يختلف ، فكفنه رداء أسود مصبوغ بالويل والفساد .

هاتي سُعادْ...!

يطلب الشاعر معرفة المزيد من أخبار عشقه المجهولة .

ليلاكَ يا ولدي تقرُّ جفونها ليلاً وتهنأ يومها مع بعضِ صَحْبٍ يَمرحون ويضحكون على الملا ملء الثّغور يَلُفّهمْ حبْلُ الْوداد.

تقول سعاد له أن حبيبته ( ليلاه ) تخونه مع بعض الرفقة ، الذي يجتمعون في الليل ، وتعلو ضحكاتهم في جو من الحب والوداد .

رِفقاً سعاد...!


هذا الكلام يستفز الشاعر ، الذي يطلب منها الترفق به والتوقف عن هذا الكلام .

فلسانُكِ الْمَسْمُوْم قرَّح مَسْمَعي والقلبُ يَحْتَرِقُ اتِّقاداً مِنْ جوى هَجْرٍ ولا يقوى على رَشْفِ السّموم بكأْسِكِ الْغَجَرِيِّ يُتْرَعُ بالأكَاذيب القبيحة باطِّرادْ .

هنا ينتفض الشاعر ، يصرخ في هذه العرّافة الكاذبة ، التي تعجن سمومها في كلامها المعسول ، فقلبه يحترق من لظى الهجر ، ولكنه مع ذلك لا يقوى على تحمل هذا الكلام المسموم الكاذب .

يَكْفي سُعاد...!

يطلب منها التوقف عن هذا الكذب .

أشْعَلْتِ ذي الدُّنيا لهيباً في عيونٍ غابَ عنها طيفُ مَنْ أهواهُ شوقاً يا سُعاد.

كلامها أشعل في نفسه الظنون ، واستوقد في عينيه نارا ، هذه العيون التي غاب عنها الحبيب الذي يتشوق الشاعر لرؤيته .

والطّرْفُ أطْبَقَ ضِفّتيهِ عن المدى حزناً يُلملمُ نورهُ المكسور يسْأله السّهادْ.

وطرف الشاعر يغمض جفنيه ، كي لا يرى المزيد من الأحزان ، يلم شعث نوره الذي تكسر بعد هجران الحبيب ، يحتاج إلى بعض السهاد كي يستريح .


لكنّني عبثاً أناشدُ خافقي... فالْهمُّ قيّدَهُ احْتضاراً في الدُّجى والْوجْدُ يَسْلبني الرّقادْ.


ولكن هذه المحاولات تبوء بالفشل ، فالهموم التي تلبدّت بها سماء الشاعر ، وهذا الوجد الذي يسكنه يمنعه من الركون إلى الراحة بعض الوقت .

يَكْفي سُعَادْ...! يَكْفي سُعَادْ...!

تأتي القفلة محملة بالأسى والحزن الذي يعتري الشاعر ، كلام سعاد العرَّافة يهزه ، الأمر الذي جعله يصرخ بأعلى صوته مهموما ( يكفي سعاد يكفي سعاد ) ، حيث التكرار يدل على تأكيد الشاعر على مدى الحالة الشعورية التي آل إليها بسبب ما تتخطفه به عواصف الشوق ، وبسبب كلام سعاد المسموم .

* القصيدة جاءت محملة بمشاعر الحزن والأسى التي يعاني منها الشاعر بسبب هجران الحبيب .
* توظيف الشاعر لرمز العرافة ، يأتي ليدل على حالة اليأس التي استولت على الشاعر ، اليأس من عودة الحبيب ، فلجأ الشاعر إلى هذه العرّافة التي زادت الحالة سوءا وهموما .

* لغة القصيدة يغلب عليها التكثيف والترميز ، كذلك يستخدم الشاعر الإنزياح بكثافة في نصه ، وهذا ما أضفى على النص جماليات كثيرة .






 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط