سلسلة ضوء الشاعرة خولة عبد الكريم على نصوص فينيقية "زياد السعودي" - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-11-2010, 04:21 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي سلسلة ضوء الشاعرة خولة عبد الكريم على نصوص فينيقية "زياد السعودي"


النص رسـائلٌ مطريةٌ لغيمةٍ عاقرٍ
الناص : الشاعر محمد العموش
الضوء : الاديبة حولة عبد الكريم
----------------------------------



ألقى على وجــهِ الحيـاةِ ســؤالـَـهُ=ومضــى يجُـرُّ إلى عمـاهُ ظِـلالـَـهُ
الشَـرقُ مبتــدأُ العـــذابِ ، ومِلحـُهُ=كــم صَـبَّ فوقَ جـراحِـنـا شَـلالـَهُ
والشمسُ ضـاقتْ بالضبــابِ كـآبــةً=كـأبٍ " بغَـزَّةَ " شــيعـوا أطفـالـَهُ
يا مُـرهِـقـَـاً عصَـبَ الطـريقِ بخطوِهِ=آخَــتْ بـها آلامُـــهُ آمـــالـَـهُ
نهـرٌ من الخيبــاتِ يروي حُـلْـمَـهُ=مُـذْ شَــدَّ للتيـهِ / السرابِ رحالـَهُ
"يأوي" إلى عِـللِ الحيـاةِ "كفعلِـــهِ"=فبـأيِّ جُـرحٍ تبتغـي إعــلالـَهُ !!
يمتـدُّ – كالإسفلتِ – عُـمْرٌ موحشٌ=لولا بيــاضُ الأمنيـاتِ خـلالـَهُ
وعلى يمين الـدربِ يابسُ عُمْـرنا=خَـرِفٌ يبشِّـرُ بالخـريفِ شـمالـَهُ
والمـرءُ ينقصُ بالزيـادةِ عُمْـرُهُ=ويـزيـدُ نقصُ سـنينِهِ بلبـالـَهُ
بلـِّـلْ لهـاةَ البحـر شعراً ظامئاً=للمـاءِ واشحنْ بالشـجونِ رمالـَهُ
ما زالَ في غيـمِ الحـروفِ قصيدةٌ=ما كُـلُّ ما في صـدرهِ قد قـالـَهُ
بـوحٌ تجمَّـدَ في الشـفاهِ وربما=سَـطعَ اللهيـبُ بقلبِـهِ فأسـالـَهُ
كـفُّ القصيـدةِ في يدي ، وكأنها=معشـوقةٌ ، كبتـتْ بهِ عُـذَالـَهُ
ما أذنَ الإبـداعُ في فجـرِ الورى=إلا وكـنتُ على الدوامِ "بـلالـَهُ"
عاشَ القصيـدةَ غـازلاً متغـزِلاً=ملأتْ بـهِ كفُّ الحبيـبِ سـلالـَهُ
واليـوم يتركهـا بغيـرِ تغـزُّلٍ=ليصونَ عن عين ِ الفضولِ غزالـَهُ
قمـرٌ يـراودُ روحَـهُ فسـما لهُ=ورمـى إلى صلصالِهِ أسْـمَالـَهُ
كوني بخـاتمةِ الجراحِ حبيبتـي=فلربمـا قهـرَ الجريحُ نصالـَهُ
وإذا على مرمـى اشـتياقٍ وارفٍ=جرحٌ تسـللَ في الظـلامِ فغـالـَهُ
فتبسـمي حتى نغيـظَ ممـاتَـنا=ونعيـدَ للذكـرى / الجنونِ جمالـَهُ
قولي لكلِّ السائلاتِ.... شـماتةً=-وضعي على كتفِ التكَـبُّرِ شالـَهُ-
" عبَـرَ الحياةَ بمـا عليه ، وما لـَهُ=أغلـى قنـاعتَـهُ ، وأرخصَ مالـَهُ "




مع غيمة العموش ...



قبل الدخول إلى حضرة القصيدة ..

التفتُ .. إلى عنوانها الذي يحملُ مغزى يدلل على الواقع الشرقي تماما ..
كما لا أستبعد أن العموش حَمّله مغزى ذاتي شخصي /أقصد ذاته الشاعرة/ التي مثلها في القصيدة خاصة في النصف الثاني منها ..
" رسالةٌ مطرية لغيمة عاقر"
السؤال الذي يفرض نفسه ..
هل الرسالة من الغيمة إلى أحدهم /الشاعر الشرقي ..
أم الرسالة من الشاعر الشرقي الذي يتمثل فيه واقع الشرق ..إلى الغيمة العاقر !
القصد .. لمَ لم يقل الشاعر (رساله مطرية إلى غيمةٍ عاقر، أو رسالة مطرية من غيمةٍ عاقر ) ..! وأرى أن هذين الإحتماتلين أوضح وأقوى لو اختار منهما ..
هذا ما أنتظر التنويه له منه توضيحا ليس إلا !
والرمز بالغيمة إلى الشرق واضح في ما أظن ..أو هي بالنهاية غيمة شرقية !

وعلى أية حالٍ كانها حرف الجر المستخدم ..
فإن (اليأس والأمل ) (والانجاب والعقم ) ( الجفاف والغيث) .. (الكلمة كرسالة .. وعدم الجوى منها )..
كل ذلك يجتمع في تلك الكلمات القليلة التي انتقاها عنوانا ..
"رسالة مطرية لغيمة عاقر" ! هو عنوان مكثف يحمل دلالات كثيرة أشدها /اليأس/.!


** بين يدي غيمة العموش ..

بالنسبة للشاعر لعموش هنا .. فإني أستطيع القول بالإيجاز
أنه قرأ/في الصورة/.. إنسانا شرقيا، شاعرا.. يُحمِّل الطريق ..ذاتهُ وأحلامه ويُيمم سائرا شطر مشرقه الذي يصبوا باحثا عنه /هاربا منه .. قابضا بيده يد أنثاها القصيدة ..!
وإننا خارج هذا التصور للقصيدة لن نستطيع السير مع الشاعر معنويا وجماليا في تتبع مراحل الأبيات / والربط بينها وفهم خفاياها من وجهة نظري .. !

أما عن المعاني التي استخلصها /من وحي الصورة/ فقد بدأت بتوجيه المؤشر الدلالي على واقع ومعاناة الشرقي وحاله كانسان تائه.. ثم الشكوى من الشرق /كواقع/ عموما ..
إنه الإنسان السائر الباحث عن ذلك الشرق .. التائه بسببه ..
ثم بالتخصيص هو الإنسان الشاعر الذي يجد في قصيدته سلوى ومعين .. والتي لم يكن تأنيثها غير مقصدود البته.. بل هو تأنيثٌ مرادٌ بذاته له دلالات معنوية كثيرة في نفس الشاعر .. تشير إلى علاقته بالأنثى ورؤيته لها ..

تمثلت جلية في البيت الأخير/والمهم جدا/ عندما خاطبها بأن تُثبت قولا.. أنه لن يتنازل عن قناعاته، ويشير ضمنا أن في تلك المسيرة نحو/في ذلك الشرق .. ضغوط يأبى على نفسه التنازل عنها، قرر ذلك على لسان محبوبته الأنثى روحيا /القصيدة ..وأرسل عبرها رساله إلى تلك الغيمة العاقر / الشرق /.. من وجهة نظره ..!

وهي الرسالة الماطرة .. /المثالية/ والتي يمكن القول عنها أنها مستحيلة الوصل بالاتكاء على كلمة (عاقر ) في العنوان ..
الرسالة التي في مضمونها مثلت عنصر ايجابي قوي في القصيدة .. ناقض، ووازن .. حال الشرق المؤسف الذي يرفضه الشاعر .. ويصر على التطلع إلى الأفضل وعدم الانصياع ..


ونقطة ساطعة في القصيدة .. أن العموش كشاعر لم يستطع الإنفلات من حضور الـ/أنا/ التي تميز شعره بقوة ..
الذي تمثل بارز في قوله:
ما أذنَ الإبـداعُ في فجـرِ الورى
إلا وكـنتُ على الدوامِ "بـلالـَهُ"

عاشَ القصيـدةَ غـازلاً متغـزِلاً
ملأتْ بـهِ كفُّ الحبيـبِ سـلالـَهُ


تجلى ذلك في الثلث الثالث من القصيدة .. حين أوى الشاعر إلى ذاته بعد تصوير حال الشرق / الشرقي .. وربما هذا سبب الفارق الشعوري الذي يلمسه القارئ عندما ينتقل إلى هذا الجزء .. بعد جو الكآبة في بداية القصيدة .. ثم التأمل في الثلث الثاني ..
حيث يختلف الإحساس وتظهر حماسة الشاعر واندفاع لغته وثقته العالية بنفسه وبقصيدته في ثلث القصيدة الأخير تقريبا كما أشرتُ..

كأني بعموش يرى في خضم هذا الواقع للشرقي التائه ../ذاته/ البطولية في شعره.. وأنها القوة التي لا يستطيع سلبه إياها أحد ..هي سلاحه الذي لا يملك مثلها غيره/ لا أدري أ أسيمه غرور ليس هذا مكانه تماما على ما أرى ، أم ثقة عالية في النفس ايجابية ويحق للشاعر استثمارها في هذا المقام كعامل مضاد للواقع الذي يصف ..!




ألقى على وجــهِ الحيـاةِ ســؤالـَـهُ
ومضــى يجُـرُّ إلى عمـاهُ ظِـلالـَـهُ

ثمة عينٌ خارجية تأخذ لقطة تقريبة للفعل السريع المباغت/في صدارته/، واصفةً للحالة بالفعل (ألقى) فعل إخباري له موسيقى جميلة في النفس لفظا .. وتأثير معنوي الذي يقود لا شعوريا بعد اقترانه بلفظة (الوجه) إلى قصة إلقاء القميص على عينٍ أصابها الضر من قبل .. !
القصة القرانية، تقول بالقاء قميصٍ الذي يحمل الشفاء على عيني النبي الكريم الضريرة ليذهب البلاء ..
لكن الشاعر قال أن بطله ذلك الشرقي الشاعر .. /ذات الشاعر/
ألقى على وجه الحياة سؤالا، وأعتقد أن أهمية السؤال لفظا .. تكمن في دلالته المعنوية على التيه والضياع أي أن المهم هنا .. ليس الإجابة .. إنما إبهام السؤال ..! وهذا ما يستشعره القارئ من الحال ..
ثم مضى ذلك السائر يجر بعد الإلقاء .. ( الذي تسبب إلى إعادة النظر في القصة المشار اليها ) .. مضى سائرا يجر ظلاله .. إلى عماه !
الشاعر قلب الموازين ليدلل على معانٍ كثيرة قرأها في سيره ذلك ..من عدم الجدوى من الالقاء .. سواء في المُلقي أو في الملقى إليه !

الصورة من حيث التشبيه واستغلال العناصر بدا واضحا
معنى البيت يتمحور بالإشارة على حال الإنسان الشرقي المحمل بالأسئلة والتيه واليائس من الإجابه عن أسئلته تلك..والتي هي/الإجابات/ نفسها ما ينشده لتغيير الحال !

فكرة البيت ضمنييا تقول باليأس من الحال المسار إليه وحتى حال السائر.. لكن العملية جارية على جميع الأحوال .. !

الفن الكتابي في الصياغة وصفي تمثيلي .. ويتجلى في استغلال التضاد في المعنى بين الحالتين /القصة القرآنية.. وحال السائر/ ( بين جدوى الإلقاء المفترض من القاء السؤال .. لكنه مضى الى العمى !
تركيب البيت اللفظي سلس منساب/اقرب إلى النثر/ يناسب الوصف الذي بدأ به الشاعر،

البيت مكتفٍ بذاته معنويا وتصويريا ..
يُلخص حالة كاملة وصفيا.. قد يقرأه المرأ ويصمت يتأمل ما حصل فقط، حاصلا على النتيجة مسبقا !
حيث السؤال هناك .. يمكن ان يكون أي سؤال أو أسئلة تراود الشرقي في مثلهُ حالُ ذلك السائر ..
وأرى العملية هنا ذات حدين ..
قد يثير البيت التشويق في نفس القارئ لمتابعة القراءة ..وقد يسلبه بطرفة عين !



الشَـرقُ مبتــدأُ العـــذابِ ، ومِلحـُهُ
كــم صَـبَّ فوقَ جـراحِـنـا شَـلالـَهُ

يتجه الشاعر إلى لب القضية ويوجه السهم نحو الغاية التي يسيرُ إليها/ نحوها الشرقي الشاعر .. الذي يصفه شاعرنا
يُشبه الشاعر الشرقَ بأنه (مبتدأ العذاب/ وملحه) التشبيه بليغ، وفي الملح مجاز لغوي كإشارة على دلالاتِ الملح الكثيرة التي يمكن فهمها .. من إشعال ومفاقمة للألم ..
ثم ضاعف الشاعر ذلك الألم بأن أكمله تمثيليا بعملية صب الملح .. على الجرح كشلال .. الفاعل هو الشرق والمفعول به المجروح تصويريا هو الشاعر الشرقي وما يرمز عن أمته ..
تقنية التمثيل في البيت جميلة
موقع البيت توضيحي .. ليقول ماهيةُ المُسار إليه ..وسببه
وهنا تكمن فكرة البيت ومعناه .. بأن في الشرق لا تشرق الشمس .. بقدر ما أن هذا الشرق سبب للعذاب وأداة لهُ !

أتساءل حول اقحام ضمير الجمع في ( جراحنا ) .. في مسار الحديث عن غائب مفرد ...
اعتقد أنها أربكت الفهم قليلا .. حيث اتجهت بالبيت نحو العمومية .. ونزعته هيكل الصورة الكلية ..!
البيت يقرأ منفردا لوصف حالنا المباشر كشرقيين .. ويعطي معناه بعمق على سبيل الشكوى والألم والتبرم من الواقع ..


والشمسُ ضـاقتْ بالضبــابِ كـآبــةً
كـأبٍ " بغَـزَّةَ " شــيعـوا أطفـالـَهُ

إذا ..
فالشرق.. لم يكن مشرق للشمس كما المعتاد على الأقل لغويا بالنسبة لموقع الشرق الجغرافي ..!
حيث هي ضاقة بالضباب هناك حيث ينظر الشاعر/السائر..
ومثلها كمثل أبٍ بغزة شيعوا أطفاله ../والحقيقة لا يوجد مثل أقوى ولا أشد على النفس من هذا المثل ليضرب عن حال الشرق ..أو لتتمثل به حال الشمس فيها !
أو حتى لتكتئب الشمسُ حقا !

كلمة "الشمس" .. قد تكون حقيقة إشارة لشمس الصورة ..
وقد تكون مجازية .. دلالة على حال النور ومصدره في الشرق ..
وفي الحالين تؤدي معنى قوي في موضعه
حيث يتابع الشاعر حديثه عن ذلك السائر نحو الشرق ، فيصف أن حال الشرق كذا ،
بالموازة .. مع حديثه عن الشرق ذاته حيث يُخبر السامعين عن حالها .
هذا البيت يفقد الكثير إذا انتزع من موقعه في القصيدة في سياق الحديث عن حال الشرق ..
القصد أنه في /رأيي/ غير قابل للقراءة وحده ..
حيث سيكون وجه الشبه بعيد المنال لغير العارف !

بيت شديد الوقع مؤلم .. حرفي التصوير قوي الاستغلال لجميع الأطراف ..
سواء العناصر المعنوية أو المادية .. أو الدلالية البعيدة، والصورة فيه مبتكرة !


يا مُـرهِـقـَـاً عصَـبَ الطـريقِ بخطوِهِ
آخَــتْ بـها آلامُـــهُ آمـــالـَـهُ


ينتقل الشاعر لأسلوب النداء ..بهدف التّحسُر على الحال
وينادي ذلك السائر بهدف الإخبار..
.. /هنا نقطة تحول / تتيح للشاعر الانتقال من حال الوصف الخارجي بعينٍ بعيدة والتي بدأ بها ... إلى أسلوب الخطاب الذي يسمح له اخراج صوت الذات كما فعل حقا بعد بضع أبيات وانتقل من الوصف الخارجي إلى الحديث بلسان الذات /الشرقي الشاعر/ بتلقائية وسلاسة بدون أن يُشعر القارئ .. إلا عندما يتورط القارئ قاطعا أبيات عدة ..ويجد نفسه مع حديث الشاعر بلسان الحال وجها لوجه .. وقد لا يلحظ ذلك الانتقال .. فلا يلمس مَفرقَ التحول هذا فيلقي اللوم على الشاعر ..


نعود للبيت معنى وتصوير
يقول الشاعر من حيث المعنى أن الأمل والألم في حياة الشرقي متآخيان
وأن ذلك الشرقي يكدُ في السير إصرارا درجة أنه يرهقُ عصب الطريق/كمبالغة في التصوير/،
الصورة تتمثل في تشبيه الطريق بالعصب الحي ../كذكر شيءٍ من المشبه به الإنسان / بأنه أُرهق من جراء الخطو ولا شيء حقيقة قد يُرهق العصب الحي .. أكثر من تآخي الأمل والألم في الخطو !

حيث الخطوات هي التي عقدتْ ذلك التآخي على تلك الطريق ..

ما لفت انتبهي .. أن فعل الخطوات شيء ثابت ..وكأنه فعلٌ مُقدرٌ لا سبيل للفكاك منه..وكأن الفاعل /الذي يقوم بالخطو/ مُسيّرٌ تقوده خطوات تحتم تآخي الألم والأمل ..
فهل هذا هو قدر الشرقي حقا ...!

العلاقة بين الشطرين في البيت ليست واضحه، فهل الشطر الثاني إخباري يريد الشاعر به الاخبار بعد النداء الذي بدأ به ..
أم هو استكمال لوصف حال المُندى فقط .. !



نهـرٌ من الخيبــاتِ يروي حُـلْـمَـهُ
مُـذْ شَــدَّ للتيـهِ / السرابِ رحالـَهُ


ترى عن من الوصف هنا .. أو على من يعود الضمير (في حلمه)
الفكر مباشرة يتجه إلى الموصوف حاله وهو ذلك السائر ..
لكني رجحتُ بنسبةٍ ضئيلة أن يكون الشاعر يخبر ذلك السائر بحال الشرق أي أن الضمير في (حلمه/رحاله) ضمير يعود على الشرق كضمير الغائب..
ما دعاني لهذا التفكير هو أسلوب النداء في البيت السابق
وإلا لمَ ناداه في البيت السابق/واصفا حاله على ترجيح أنه وصف وليس اخبار في شطر البيت الثاني / ثم بدأ بجملة اخبارية في هذا البيت "نهرٌ من الخيبات" ..

عموما


أيا كان المخاطب والمتحدّث عنه ..
فإن الوصف والإخبار هنا ينطبقُ على ثلاثتهم في القصيدة " السائر .. الشرق .. والشاعر بذاته "...
حيث هي ثلاثة تدور حول كينونة واحدة وصفها الشاعر من خلال بعضها البعض في بداية القصيدة .. ثم فصل ذاته الشاعر متمردا .. على نحو ايجابي مستعينا بالقيصيدةِ الأنثى ..
لكني رغبة في التفصيل ..لا مانع من سؤال الشاعر عن صاحب ضمير الغائب في (حلمهُ) والذي هو نفسهُ شد للتيه/السراب رحاله.. و
من هو الذي يروي حلمه نهرٌ من الخيبات ؟

سأعتبر بالإعتماد على الظاهر .. أن/المقصود/ ذلك الشرقي .
لأعود إلى فنية البيت ..

وأتأمل .. ذلك النهر الذي يروي عطش الحلم .. خيبات !
والله لا أدري/واقعا/ .. ترى هي من خيبة الحلم نفسهُ بأن ولى وجهه إلى نهر الخيبة .. أم ثمة نهرٌ حقا يسقي الخيبة ولا مفر منه !

بالطبع تركيب " نهرٌ من الخيبات " كناية عن سوء الحال في الواقع ..
والتشبيه كله .. تمثيلي وجه الشبه ينحصرُ في الفشل وعدم تحقق الأحلام ..
الشاعر قدم تركيب " نهرٌ من الخيبات " على تركيب "يروي حلمه" وكان ناجحا حيث الأول تشدُ فيه صورة نهر الخيبات الغير مألوفة ..فيترقب القارئ ما بعدها.

حدث ذلك /الروي من نهر الخيبات / مذ شد هذا الشرقي إلى التيه أو السراب .. رحاله ..
تتمثل فكرة البيت ..
أن ذلك الشرقي في رحلة بحثه عن شرقهِ ..
التي رمزعنها الشاعر بالتيه والسراب مجازا ..
لايزال يروي نهر من الخيبات /كناية عن كثرتها وغزارتها / أحلامه .. والمقصود حصوله على خيبة الأحلام بالنهاية .


هنا -أعود إلى تساؤلي -.. أن فعلا قد يكون المقصود هو الشرق /كأمة/.. حيث ارتوت أحلامها من نهر الخيبات منذ أضاعت خطاها ويممت شطر التيه-أو السراب- في ضلالها وتنازلها..

أو يكون المقصود ذلك الشرقي في ذاته كما أشرنا سابقا .. حيث ما زال يروي نهر من الخيبات أحلامه منذ شد إلى (التيه أو السراب ) أي إلى الشرق المنشود.. رحاله ..!

نقطة أخرى .. أنوه لها في هذا البيت ..
وهي استخدام حرف الجر ( لـ ) في للتيه .. حيث قال الشاعر أن صاحبه المخاطب شد للتيه رحاله .. ولم يقل التركيب المتداول .. "شد إلى التيه رحاله" ..
وأعتقد أنه وفق ليس إرضاءً للوزن .. بل إرضاءً للمعنى حين أعطت الآمُ معنى أقرب وأقوى للشيء السلبي الذي يريده الشاعر ..

بالنسبة لاستخدام ( التيه/السراب) .. كانت واحده منهما تكفي لتغطية المعنى .. فما ضرورة اعطاء البداء اللفظية ؟!


"يأوي" إلى عِـللِ الحيـاةِ "كفعلِـــهِ"
فبـأيِّ جُـرحٍ تبتغـي إعــلالـَهُ !!

من حيث المعنى، الحديث هنا ينطبق كما البيت السابق
إما على الشرقي كشخص
او على الشرق ، والمخاطب قد يكون الشرقي السائر .. أو الشاعر ذاته حيث يخاطب نفسه.
يقول الشاعر .. عن حال الموصوف للمخطاب ..
أن كل حاله يجمع العِلل كما جمع فعل (يأوي ) حروف العلة ..
حيث هو يأوي في طبيعته إلى العلل أو الإعتلال ..!
والعلة حسب السياق هي المرض او العائق ..
إذا فالفكرة تنحصر باعتلال الواقع وعجزه (واقع الشرق)... وفقدان الأمل أو اليأس من الشفاء
حيث يتساءل الشاعر في الشطر الثاني (بأي جرح تبتغي اعلاله) والقصد التساؤل حول أي جرح ستذكر لتبرر الواقع السيء الذي يعيشه الشرق .. إشارة إلى كثرتها كناية في الشطر الأول .
حركة البيت لفظيا جميلة .. مختلفة
فضلا عن الجناس وتوظيف كلمة (عِلل، إعلال) في مكان مناسب تماما حيث يشعر القارئ بمناسبة الكلمة ومساواتها لمكانها في الشطر دون تكلف.


يمتـدُّ – كالإسفلتِ – عُـمْرٌ موحشٌ
لولا بيــاضُ الأمنيـاتِ خـلالـَهُ


أرجح أن الشاعر هنا يتحدث عموما حول السائر .. ويدخل مرحلة تأمل للحال ككُل.
المعنى واضح ..يريد أن يشير إلى تعب ومشقة ووحشة العمر/الحياة لذلك السائر
الذي تمثل حياته على هذا النحو حياة أمة .. أو حياة الشاعر بذاته..لولا وجود الأمنيات التي تهون من مشقة ووحشة هذا العمر/المسير.
الصورة تشبيه تمثيلي حيث العمر يمضي كالطريق المعبدة بالاسفلت .. موحش أسود اللون كلون ذلك الاسفلت .. تتخلله الأمينات بيضاء.. كما بعض البياض كاختلاف لوني قد يتواجد في سواد الاسفلت ..

اللفظ ..(يمتد) هو الطريق .. وهو العمر مجازا ..

البيت مبتكر الصورة .. جميل التركيب بدا الخيال فيه واضح الاختلاف.



وعلى يمين الـدربِ يابسُ عُمْـرنا
خَـرِفٌ يبشِّـرُ بالخـريفِ شـمالـَهُ

يتابع الحديث استكمال للصورة في البيت السابق ..
حيث يتمثل على يمين درب العمر الموصوف سابقا.. خرفٌ كإشارى على أمراض وعلل كبر السن ..وقرب النهاية في ذهن الشاعر ..
هذا الخرف وتأكيدا على معناه في الاشارة إلى النهاية .. "يبشر بالخريف القادم" والخريف أيضا دلالة على حالة السقوط قبل الموت والفناء ..
استخدم الشاعر كلمة يبشر ساخرا ..
والجناس بين ( الخريف والخرف ) جميل غريب التوضيف ..
استخدام الاتجاهات هنا .. كعوامل مساعدة للزمن .. أعطى بعد كامل للتصوير الحي المعاش حقا .. وكان ملفتا
رغم أني أرى أن "شمال الدرب" ناقضة اتجاه السائر نحو الشرق !
عموما يصلح أن يكون الاستخدام مجازي .. لكلمة الشمال في البيت...حيث هي جهة الشمال من درب العمر .
هذا البيت من أقوى الأبيات التي تشير إلى اللوحة وتستغل عناصرها لمصلحة القصيدة بطريقة ذكية ومختلفة تخدم فكرة الشاعر ..
رغم يأس البيت وتشاؤمه !


والمـرءُ ينقصُ بالزيـادةِ عُمْـرُهُ
ويـزيـدُ نقصُ سـنينِهِ بلبـالـَهُ

اتجه الشاعر هنا إلى الحكمة في طريقة التقديم
والمعنى الذي بلوره عبارة عن معضلة البشرية والحديث حولها أزلي ..
والحقيقة أعبجني جدا التركيب والإجاز الجميل في حرفية الكتابة
العمر لازال ينقص ما يتبقى منه .. بزيادة ما يذهب منه
وهذه العملية من زيادة ونقصان .. لطالما أرقت الانسان وقضة مضجعه ..
كلمة بلبال.. جاءت لطيفة ظريفة الإستخدام ..

البيت منفرد .. جميل جدا
لكن حسب تتابع الأبيات السابقة .. أعتقد أن موضعه وترتيبه مناسب
كتغيير في الأسلوب .. وكتسليط الضوء على حكمة عامة .. تنطبق على حال ذلك الشرقي السائر في عمره/بحثه ..
كما موضع البيت مناسب جدا لما سبقهُ من أبيات تصويريا ..

بهذه الحكمة ينتقل الشاعر بطريقة مباشرة إلى محور آخر من محاور القصيدة
وكأنه يواسي بها نفسه ..ويعطي ذاته سبب لينطلق بطريقة ايجابية مختلفة في الأبيات التالية ...!





بلـِّـلْ لهـاةَ البحـر شعراً ظامئاً
للمـاءِ واشحنْ بالشـجونِ رمالـَهُ


الخطاب واضح في البيت لذات الشاعر بطريقة غر مباشرة..
ومن هنا ينتقل الشاعر من العموم (كإنسان شرقي) إلى الشخصية الشاعرة فيه والمتخصصة بقدرتها على التعبير الشعري ..

المعنى .. يتجه مباشرة نحو طلب الشعر لأن الشاعر ظامئ للبوح
الفكرة هي القول بأهمية حضور الشعر في هذا الشطر من القصيدة بالذات .. بعد الذي كان وبدءا لما سيكون ..( باعتقادي )..( القصد منادات الشاعر للروحه الشاعرة أو للشعر ).

الصورة .. تتمثل في تصوير البحر مجازا عن حال ( حال الشاعر أو ذلك السائر أو حتى الشرق ) الذي أصابه العطش وجف حلقه .. ويحتاج للبلل .. بالشعر ..مجازا عن الماء .. كلفظ في الشطر الأول.
والذي بدوره ....(الشعر) ظامئا للماء، مجازا عن البوح كلفظة في الشطر الثاني ..

إذا فالصورة تركيبية تدلل على بعضها ..
حَلقُ البحر عطشٌ للشعر .. والشعر ظامئ للبوح ..

وكل ذلك لا ينفلت من كينونة حال الشاعر أو الثلاثي الحاضر في القصيدة المعبر عن كينونة واحدة في(حال الشرقي ,حال الشرق, او حال الشاعر)..
ثم يتابع الشاعر بـ(فعل الأمر ) اشحن ...وفعل الأمر هنا دليلٌ على العزم والقوة بما أن الشاعر يتجه نحو أداته الفعاله كوسيلة نجاه أو بوح ..
(اشحن بالشجون رماله) أي رمال ذلك البحر استكمال للصورة التمثيلية ..
وتأكيدا على الطلب
حيث الشعر هو القادر على حمل الشجون، وهو الأداة المثلى للشحن بالشجن ..
والحقيقة كان الشاعر موفق باختيار لفظة الرمل كي يُشحن .. كون أصل الرمل معدني قابل للشحن فعليا !
ولفظة الرمل استعارة .. عن متعلق من متعلقات البحر / حال الشاعر التي يصفها .

والجملة كناية على رغبة الشاعر بقول حزنه/شجنه.. شعرا اجمالا
كأنه يريد أن يقول لذلك السائر/ أو لذاته كشاعر شرقي ..أن انتفض شعرا وقل حزنك شعرا ..

هذا البيت جميل جدا ، قوي متقن التصوير واللفظ
وبدا فيه تَغير شعور الإنكسار في الأبيات السابقة .. وبدأت طاقة قوة معنوية تبين.. في عزم فعل الأمر ..


ما زالَ في غيـمِ الحـروفِ قصيدةٌ
ما كُـلُّ ما في صـدرهِ قد قـالـَهُ


يخبر الشاعر عن نفسه من حيث المعنى بأنه لم يقل كل ما في صدره /نفسه
رغم اختلاف شطري البيت تصويريا .. غير أنهما مرتبطان معنويا ويقودان لذات النتيجة
جاء الشطر الثاني كتبرير للشطر الأول .. بأسلوب جميل
على أن لازال في خيال الشاعر قصيدة لأنه لم يقل كل ما في نفسه ..
التشبية جميل يحتمل المقابلة بين (الغيمة والصدر) ( الخيال .. والنفس ) ثمة قصيدة تمثل ما يريد الشاعر أن يبوح به ..
هي القصيدة الحلم التي يضع الشاعر عليها أمله !
البيت هنا أدى معناه بطريقة جميلة مختلفة في شطري البيت



بـوحٌ تجمَّـدَ في الشـفاهِ وربما
سَـطعَ اللهيـبُ بقلبِـهِ فأسـالـَهُ


تقنية التصوير هنا رائعة ..
عند قراءة البيت يتخيل القارئ الصورة ثم المعنى بسلاسة ووضوح !
صورة البوح المتجمد على الشفاه ..
( كناية عن الصمت الذي يتسم به الشرقي عموما في تقديري )!
والذي قد يسيل بسطوع اللهيب ( ولو أن لفظة سطع .. قد لا تحمل حرارة كافية للهيب ) السطوع يجب أن يكون للضوء دلالة على قوته ..
أقدر أن كلمة /فعل وهَجَ قد يكون أكثر مناسبة للتركيب هنا حيث يحمل مدلولا حراريا ..
التركيب ( سطع اللهيب) دلالة على حرارة القلب التي تذيب جليد الشفاه .. وتساعد على النطق ( البوح ) !

أتسأل حول استخدام (ربما) .. للدالة على احتمالية السطوع وفي النهاية احتمالية البوح من حيث المعنى!
أشعر أنها زائدة على المعنى .. حيث الشاعر أصلا في صدره ما يريد أن يقوله (قصيدة).. ثم قاله لاحقا مباشرة في البيت التالي ..فلا مجال للإحتمال لا تقليلا ولا تكثير (حيث تفيد ربما )!!
غير أنها تركيبيا من حيث اللغة جميلة الاستخدام


كـفُّ القصيـدةِ في يدي ، وكأنها
معشـوقةٌ ، كبتـتْ بهِ عُـذَالـَهُ

يبدأ الحديث عن الذات مباشرة بعد التمهيد السابق
ولأول مرة يتحدث الشاعر بضمير الملكية في (يدي) ..
يصف حاله مع القصيدة والتي تمثل حالة البوح المُثلى له ..
يشبه القصيدة بالمعشوقة التي يمسك كفها والتشبيه في الشطر الأول بليغ حيث حذف وجه الشبه وأداته ..(كف القصيدة في يدي)
ثم بتناول البيت بالمجمل يكون تمثيلي حيث صور حال القصيدة بحال المعشوقة التي يمسك كفها وتغيض به (بالحبيب على مافهمت) عذال هذا الحبيب ..

البيت هنا شخصي جدا ( ظهر فيه الوجه العموشي جلي واضح )..على ماظهر لي ونحى الشاعر منحى بعيد قليلا عن التصوير والشعور في الأبيات السابقه عموما ...
البيت جميل بذاته لطيف الشعور ..
ودلالته من حيث المعنى قوية
حيث أراد الشاعر أن يدلل على علاقته بالقصيدة وعلاقتها بها ( على تداول الصورة والمعنى ) لكنه استخدمها بتركيب لفظي خاص ..


ما أذنَ الإبـداعُ في فجـرِ الورى
إلا وكـنتُ على الدوامِ "بـلالـَهُ"


هذا من أقوى الأبيات وأجملها .. ولوأنه أيضا عموشي ساطع جدا ! حيث الأنا .. الأقوى والأعلى
إذا يقول الشاعر أنه أول الأبداع والصادح به على الدوام ...!
باستخدامه كلمة (بلاله) كنسبة عن أول من صدح بالأذان سيدنا بلال رضي الله عنه وأرضاه ..
استخدام النفي كان له أثر جميل قوي
والتصوير رائع حيث يشبه الشاعر الابداع بالمؤذن المعلن عن نفسه /بصوته / المنادي للصلاة
استخدم تركيب (فجر الورى ) كناية على أول الخلق (زمنا وكائنات)..
إذن لم ينادي الاباداع من أو الخلق إلا وكان ذلك النداء بصوت العموش !

بيت جميل قوي بذاته ، ينطبق عليه ما قلناه عن البيت السابق من حيث مناسبته لسياق القصيدة ..
حيث لا أرى مناسبة لذكر الابداع هنا والافتخار به ..
إلا تفوق وثقة الشاعر العالية بذاته .. وهو حق مشروع عموما ..
إلا أن هذه اللهجة القوية جدا تخالف حالة الانكسار للشرقي/الشرق من جراء ما يعناي والتي تمثلت في بداية القصيدة ..
هذا ما بدا لي !


عاشَ القصيـدةَ غـازلاً متغـزِلاً
ملأتْ بـهِ كفُّ الحبيـبِ سـلالـَهُ


الشاعر هو من عاش القصيدة .. على حال الغزْل والغزَل ..
وكانت كف الحبيب السبب بامتلآء السلال شعرا
هذا ما فهمته من معنى وتصوير البيت إجمالا ...ولستُ متأكدةً من صحتة فهمي ..!
حضور كف الحبيب في الشطر الثاني .. أوحى لي أنها من كان يغزل في الأصل وليس الشاعر /ايماءً/.. وهذا ليس بعيدا عن كونها السبب كما قلنا، وجاء في البيت إذا صدق الظن !

ثمة احتمال أن تكون الضمائر في ( به ، وسلاله) تعود على الشاعر ..
وعليه تكون كف الحبيب ملأت بالشاعر وشعره .. سلاله !
النصب على (الكف) يشير أنها قد تكون مفعول به .. والسلال هي الفاعل
وعليه ..
السلال هي التي ملأت كف الحبيب بما قال الشاعر شعرا مغزولا غزلا !

وبالاجمال .. أرى أن تركيب البيت/تقديم وتاخير اللفظ/ في شطره الثاني مربك للفهم ، والضمائر غير واضحة الدلالة !

بالنسبة للمغزى .. فهو حال الشاعر وحياته مع الشعر والمحبوبة ..
والتي هي ذاتها القصيدة .. ( بالاتفات الى سياق القصيدة )..

فنيا.. يصور حاله في العيش على هئية الغزل للشعر .. والغزَل بالشعر أيضا ..(الجناس) بين الفظتين جميل وخدم المعنى
لفظة /الكف / والسلال .. في الشطر الثاني تناسب الغزْل والغزَل أيضا .. /على عدم وضوح الصورة تماما في ذهني ..
وأنتظر الاشارة من الشاعر


واليـوم يتركهـا بغيـرِ تغـزُّلٍ
ليصونَ عن عين ِ الفضولِ غزالـَهُ

ينغمس العموش في حالة استشعار المحبوبة/ القصيدة ..

يقول كما هو واضح في البيت .. انه يقرر ترك الغزل لصون المحبوبة عن عيون الفضوليين ..
البيت تابع بهيئة كاملة لسياق البيت الذي قبله
بل وأعتقد أن الشاعر وجد نفسه وجه لوجه مع هذا البيت بعد البيت السابق بلا مقدمات/ولا شعوريا/ .. !
لا استبعد أبدا أن الجناس في البيت السابق (الغزَ والغزلْ) .. هو ما جر الشاعر إلى توظيف الجناس هنا بين (التغزل، والغزال) ..
البيت جميل المعنى جدا وان كان مطروقا من قبل كفكرة
ونسج البيت سلس منساب كما باقي الأبيات .. من حيث التركيب .. يشعر القارئ أن كل لفظة في مكانها لا يتسع لغيرها ..


قمـرٌ يـراودُ روحَـهُ فسـما لهُ
ورمـى إلى صلصالِهِ أسْـمَالـَهُ


بيت من أكثر أبيات القصيدة سحر ورقي في المعنى والتصوير
المعنى قول الشاعر بأن القصيدة شيء معنوي سامي يراود روح الشاعر .. وأن الشاعر استجاب مُرجعا رميا الى الصلصال مادتهُ الجسدية .,.وسماها الشاعر بالأسمال ..
هذا البيت ما يعيدنا معنويا إلى جو النص أو ما يتعلق به في مسار القصيدة .. إذا نظرنا إلى سبب رمي الأسمال والتخلي عن الجسد ..
وكأنا ضمنا أمام أمنية للشاعر/بالموت بطريقة مختلفة / بالتخلي عن الدنيا ومشاكلها وما يمت لها جسديا .. والسمو بروحه إلى عالم القصيدة التي تراوده
التشبيه تمثيلي .. في لفظة الأسمال مجاز لغوي /استعارة/ ..
ونسج البيت مع التصوير أنيق .. فضلا عن جمال المعنى
بيت رائع حقا ..


كوني بخـاتمةِ الجراحِ حبيبتـي
فلربمـا قهـرَ الجريحُ نصالـَهُ


هو مشوار أو رحلة عبر الجراح إذن .. ويطلب الشاعر من القصيدة المحبوبة أن تنتظره وأن تكون خامة لمشواره /رحلته /سيره .. عبر الجراح
حيث ربما قهر هذا الجريح المطعون النصال ووصل إليها ، الشاعر يضع كل أمله في تلك القصيدة الحبيبة .. لتعينه على قهر جراحه .. لأجلها ..!
هناك نفس تفاؤل جميل في البيت
والمعنى المراد قوي جميل جدا وظفت الألفاظ والصورة لتتناوله بطريقة رائعة
الصورة مستوحاه ومتلائمة مع ما سبقها على نفس الدرب ..
والبيت أيضا يحسب للشاعر



وإذا على مرمـى اشـتياقٍ وارفٍ
جرحٌ تسـللَ في الظـلامِ فغـالـَهُ


بيت عذب اللغة متعلق بما بعده معنويا
يتابع خطابه/طلبه للمحبوبة ..
يقول لها اذا كنا على بعد مسافة من اشتياق يظللنا .. واغتال جرحٌ ذلك المسافر اليك (ويتابع المعنى في البيت اللاحق )
في هذا البيت .. تمت العناية بالألفاظ فيما أحسب على حساب المعنى خاصة في شطره الأول (حيث ما جدوى أن يكون المرء على بعد من الاشتياق .. !
هدف البيت الرأيس هو التمهيد للبيت الذي يليه ..
ومعناه يكمن في شطره الثاني ..


فتبسـمي حتى نغيـظَ ممـاتَـنا
ونعيـدَ للذكـرى / الجنونِ جمالـَهُ

يتابع طلبه من المحبوبة ..
ان حتى جُرح الشاعر أو اغتيل /حسب البيت السابق/ فتبسمي كيما يغيظا الموت
وحتى يعيدا لذكرياتهما او جنونهما معا الجمال ..
ربما يكون قصد بالذكرى والجنون ذاته .. فيكون المعنى انه يطلب منها أن تتبسم حتى تعيد للشاعر نفسه جماله ..!
ما يربك هو تفاوت الضمائر ... حيث كان المغتال في البيت السابق مفردا .. ثم في هذا البيت جاء جمعا .. قاصدا (الشاعر ومحبوبته) ..

البيتين السابقين رائعين لكنهما غر مناسبين لسياق القصيدة .. ولو جربنا قراءة القصيدة بدونهما .. فلن تختل الموازين ولن يحدث غيابهما فارقا .. بل ولربما كان لمصلحة القصيدة !



قولي لكلِّ السائلاتِ.... شـماتةً
-وضعي على كتفِ التكَـبُّرِ شالـَهُ-


أيضا يطلب الشاعر من القصيدة/المحبوبة أن تغطي كتف التكبر خاصتها (أي يطلب منها أن تتكبر) وأن تضع فوق ذلك الكتف شال الشاعر .. كرمز على سبب/مسبب ذلك التكبر..
كأنه يقول لها .. تكبري بسببي وتفاخري بي أمام السائلات الشامتات /ربما يرمز هنا إلى المشاكل الواقعية في حياة الشرقي التي نوه لها /..

كأن الشاعر يصر أن يُلبس قصيدته بأجمل ما ليديه .. ويصر أن تظل في حالة تكبر واختيال ..

البيت جميل النسج ومناسب جدا وداعم للبيت الذي يليه من حيث المعنى


" عبَـرَ الحياةَ بمـا عليه ، وما لـَهُ
أغلـى قنـاعتَـهُ ، وأرخصَ مالـَهُ "

البيت واضح المعنى رائع
الشاعر يُبلغ رسالته عبر قصيدته المتكبرة /به/ بأنه يعبر هذه الحياه بما فيها من جراح .. يغلي قناعاته دلالةً على احترامه الشديد لنفسه ومعتقداته ومبادئه..
ويرخص ماله .. والمال دلالة على كل شيء مادي ..

تكمن في هذا البيت قوة وجمال /الغزل وذكر المحبوبة ومدحها والافتخار بالذات / في الأبيات السابقة ..
حيث يوظف جميل تلك المعاني لمبدأ قوي جدا يعيدنا لما يجب أن يكون عليه الانسان الشرقي من قوة ليستعيد توازنه وهيبته ..

هذا البيت من أقوى أبيات القصيدة .. أحسن به الشاعر الختم حقا تصويريا ومعنويا ..
وأعاد فيه القارئ إلى جو ومضمون القصيدة وهدفها ..
حيث لخص رسالته .. وقال موقفه النهائي كشرقي شاعر أولا وأخيرا ..



* من أجمل المعناني في القصيدة نظرة الشاعر لمرأة حيث
حاورها (المرأة /القصيدة) فكانت بالنسبة له شيء روحاني سامي بحتة ..وأداة إيجابية في حياته .. وصوته الذي يجهر بما يريد ويخرج ما في صدره ..
بالنظر إلى سياق القصيدة الشاكي من الأوضاع في الشرق وحال الانسان الشرقي .. فإن القصيدة الأنثى بالنسبة للشاعر كانت الملاذ والحل !

* تمنيت أن الشاعر
عندما تحدث عن نفسه كشاعر .. أنه لم يركز على قدراته الشعرية ويمدح نفسه ..
بل يتحدث عن هموم الشاعر الشرقي ومشاكله التي يرفضها كشاعر .. وأن الشعر وسيلة لرفض وتغيير الواقع السيئ ..
وأن يذكر نفسه كشاعر شرقي يعاني مشاكل هذا لشرق الواقعية ..
لا أن يمدح قدراته الشعرية الابداعية !

* عموما .. تظل الزاوية التي تناول منها الشاعر الصورة قوية جدا، أحسن التعبير عنها صفا /خاصة في نصف القصيدة الأول/ الذي اتسم بالرؤيا العامة ..
وتقول رسالة رائعة ... عبر الأنثى الروح /القصيدة .. والتي جاء بها من ناحية شخصية بحته كشاعر .. في النصف الثاني وآواخر القصيدة ..


هذا وإنه سلام الله عليك ياعموش : )
هذا ما جنيت علي ولم أجن على أحد !



النص : حكايا الغياب
الشاعر : عبدالله بركات
ضوء : خولة عبد الكريم




مازالَ يحْمِلُ مُثْقَلًا آمالَهُ=ولِمَوْعدٍ في الغيْبِ شدَّ رِحالَهُ
لمْ يأْلفِ التِّرْحالَ .. والرِّيحُ الَّتي=اقْتادَتْ خُطاهُ اسْتَنْكَرَتْ ترْحالَهُ
يَقْتاتُ مِنْ تعبِ الخُطى .. وبدربِهِ=ألقى الوُجوْمُ على الوجوْدِ ظِلالَهُ
مُسْتَوحِشٌ .. والصَّمْتُ صاغَ كلامَهُ=فكأنَّهُ ما قالَ ... مهْما قالَه
يسْتلُّ منْ شَفَةِ الجراحِ نزيفَهُ=ليَخُطَّ في شفقِ المِغيْبِ سؤالَهُ
حتَّامَ يكْتُبُهُ الغيابُ حكايةً=وإلامَ يرسمُ بالسَّرابِ مآلَهُ
مازال يبْحثُ عن مدى لخيالِهِ=منذ اصْطَفى أفُقُ الضَّبابِ خيالَهُ
في فُرْجةٍ في الغَيْمِ أبْصرَ كوكبًا=هُوَ دمْعُهُ .. لمَّا تَرَقْرَقَ .. خَالَه ...
ورأى عِجافَ العمْر تأكْلُ بعْضَها=والسُّنْبلاتِ اليابساتِ حيالَهُ
قد مسَّهُ وَهَنُ الخريْفِ .. ولمْ يَكُنْ=قد صاغَ منْ ألَقِ الرَّبيعِ جمالَهُ
يمْضي بلهْفَةِ عاشقٍ لمصيرِهِ=سلْواهُ أن يُدنِي المَسيْرُ منالَهُ
يَشْتاقُ أمْكِنةَ الوُصولِ وَشَاقَهُ=قَلَقُ الطِّريقِ مُقلْقِلًا أوصالَهُ
يمْشي على حَدِّ الضَّياعِ مُجرَّحًا=بالأمْنِياتِ مُجرْجِرًا أذْيالَهُ
ولديه مِنْ سِفْرِ الخُروجِ نبوْءَةٌ=تصْبو إلى وحْيٍ وما يُوحى لَهُ
يَهْفو إلى وَطَنٍ هُناكَ و رُوحُهُ=يهفو إلى سكنٍ فَهَلْ يُبْدَىَ لَهُ ؟
في غُربتيهِ تعيثُ فيهِ مَواجِدٌ=وتبيتُ في كهف الحنينِ رؤىَ لَهُ
أمْسى كأَرْوِقَةِ الرَّحيْلِ فؤادُهُ=قفْرٌ يهابُ الرَّاحلونَ جَلالَهُ
لاشَيْءَ يسْكُنُهُ برغمِ سُكُونِهِ=إلَّا بقايا العابرينَ خِلالَهُ





حكايا الغياب .. للشاعر عبدالله بركات


هي حكايا إذن وليست حكاية واحدة .. تمتدٌ عبر تفرعات وجدانية /حسية طويلة يريد أن يقولها الشاعر .
العنوان مباشر ..يحاول أن يخبر عن مكنون الأبيات لوهلة القراءة الأولى على ما أرى من حيث القصد ..
والشاعر أشار في البيت الذي حمل تركيب العنوان لفظا .. (حتَّامَ يكْتُبُهُ الغيابُ حكايةً) بأنه هو ذاته/كشخص/ حكاية الغياب بالمجمل.
إذن فالشاعر .. إما أنه قصد وصف حال من يسكن الغياب(بمختلف أبعاده التي قد نتطرق لها) .. أو قصد أن يسمي ذاته بمسمى يدلل على حالهُ في هذا الغياب ..
على أنّ القصيدة لم تحمل حكايا/حدَثيّة/ .. بقدر ما حملت وصفا شعوريا مسترسلا عبر مسيرة /الغياب/..
عندما قرأتُ الأبيات في الحقيقة .. ورجعتُ إلى العنوان .. خالجني شعورٌ أن لفظة الحكايا..لفظة معممة .. تحتمل أي نوع من السرد فيما يخص الغياب حديثا أو شعوريا ...
ولم تكن تماما تناسب النص، هي لفظة تحمل الطابع القصصي أو تحمل وجه /الامتاع/ على نحو ما ...
وتلعب الذائقة دورها الكبير هنا ..!
لفظة (الغياب) لتدلل على غياب الشاعر نفسه بهيئة غير مباشرة .. كانت لفتة جميلة واستعمالها موفق للغاية ..

** بين يدي حكايا بركات

الصورة (جو النص ) الذي نظرَ إليها الشاعر ثم نسج مانسج ..
ماذا قالت للشاعر .. كيف شعرَ بها، ثم قالها حسا وفكرا؟

إنه الغياب الذي يفرض نفسهُ على الشاعر.. ذلك الـ(عمود الفقري) في النص..
والزاوية التي شدتْ الشاعر نحوها بشدة .. فترجمها شعورا وجدانيا عميق ..
(الغياب) وهو ما يشعر به الشاعر الانسان جراء /الغربة/ بما تحمل من معاناة .. وما يعكسُ على حال الإنسان شعوريا وسلوكيا ..
وحتى ذلك الغياب الذي يجعل كل شيء ينطق به سواء في كيان الإنسان أو في محيطه الخارجي ..
هو غياب الحياة على نحو ما ..كوجه آخر لغياب الشاعر عن ذاته ..وآماله .. أو غيابها عنه !

ولم يكن بالضرورة المقصود هو غياب/غربة الشخص عن وطنه رغم أن الشاعر قد أشار إلى هذا المعنى في أحد الأبيات .
إنما يحمل بدرجة أكبر ..وجه الغربة الروحي النفسي ..الذي يعتمل نفسَ الشاعر، بين الشاعر الإنسان والميحط الكامل الذي يوجد فيه ..
بل وأميل إلى أنه غياب استهدف /على نحو ما في القصيدة/ الشعور الإنساني عبر مسير الإنسان/أي انسان/ في رحلة عمره .. التي كثيرا ما يشعر حيالها بالغربة.. فيها/ منها !

تلك كانت الفكرة الرئيسة التي تغذي جسدَ النص ..
والتي قالها الشاعر معاناة واصفا الإحساس البشري بما يحمل من أمل، واحباط ، وغربة، وحنين .. ورغبة في الخلاص أو رغبة بالانتماء والايواء ..
وبما يحمل .. من حسرة وحزن و كد وتعب .. في مسيره (سواء أكانت الغربة فعلية .. أو كانت معنوية ) ..
تلك بالمجمل كانت المشاعر التي تحملها الأفكار في النص

والأبيات بالمجمل إخبارية وصفية .. ركزت على نقل وعكس معاناة الوجدان الإنساني ..
الشاعر استعان بالعناصر المادية في الصورة وقال من خلالها تلك الرؤى..
من جانب آخر هي من فرضت عليه قول تلك الأحاسيس، إذا أردنا أن نتطرق إلى الايحاء الذي منحته عناصر اللوحة للشاعر ..

لم يحضر في النص .. شخوص آخرين , لم تتواجد الانثى ..

بل هي روح/ نفس بشرية واحد كانت تظلل سماء النص وتبوح/تشكو همومها وأوجاعها .. تحاكي المعناة التي تحف بالنفس البشرية اجمالا في رحلة الحياة والغياب أو الغربة ..

ظلل النص شعور الكآبة والحزن .. ولم ألمس بارقة أمل إلى عند الولوج إلى الأبيات الخمسة الأخيرة ..ثمة نقلة طفيفة ..
رغم أن الشاعر عاد في الخاتمة وأقفل بسلبية الشعور أيضا ..

لم يفارق طيف الأسى ../على العمر/ الذي يرحل من دون أن يحقق الآمال ..خلال القصيدة بطولها ..هذه أيضا من الأفكار الرئيسة في النص ..
كما يقرر /بيت الخاتمه/ إحساس الوحدة بعمق موجع...

الأبيات دارت في أغلبها حول نفس المحور الفكري/حتى لكأن القارئ يستشعر تكرار (كأفكار) لكنه قدمها بطريقة مختلفة في كل مرة (بقوالب مختلفة) شعورية ووصفية فنية

والشاعر إجمالا نجح بجمال في ترجمة هذه الأحاسيس والأفكار التي اختارها موضوعا لقصيدته .. بغض النظر عن سلبيتها أو ايجابيتها ..


مازالَ يحْمِلُ مُثْقَلًا آمالَهُ
ولِمَوْعدٍ في الغيْبِ شدَّ رِحالَهُ

يدخل الشاعر بالوصف مباشرة .. بلسان السارد أو الناقل للحالة بعين لغته واصفا ..


البدء (بمازال) كان موفق بالتأكيد .. ففضلا عن الاستمرارية التي يمنحها ويضع من خلالها القارئ في جو الحالةِ مباشرة/شعوريا/ .. فإنها تحمل عامل التشويق بقوة ..
كما أنها تُشعر القارئ بالألفة والقرب مع ما سيقول الشاعر على نحو ما في رأيي..!
معنى البيت .. يقول الشاعر أن ثمة سائرٌ منذ زمن ولا زال يحمل آماله الثقيلة ويمضي لموعد غير محددٍ، حيث هو في الغيب، دلالة على معنى التيه والسير على غير هدى، أو دلالة على التوكل، أو على الآمبالاةِ كاحتمال ثالث ..!

قد شد رحاله .. وشد الرحال بالطبع عمل يقام به عمدا ..
أي أن الشاعر يُقر/وقد يكون ذلك لا شعوريا/ بأن للانسان يدٌ وقرار مسبق فيما يمضي إليه ويعقد العزم على السير فيه.. حتى لو كان تيها أو ضياعا ..!
ولفظة الغيب ../دلالة على الجهل التام بماهية هذا الموعد/..
الفكرة إجمالا .. تقول بالرحيل/لموعد أوهدف غير محدد/ لكن السائر يسير يحمل بالأمل!

البيت فنيا مال للاخبار الواقعي، الخيال فيه لم يخرج عن الإطار المتداول
تركيب (يحمل مثقلا آماله) يحتوي تشبيه الآمالا بما يُحمَل ويثقِل ووجه الشبه الثقل ..وفعل الحمل هنا مجازي.
السؤال يتبادر .. لمَ هو مثقل بآلامه؟ .. ربما لكثرتها .. ربما لتراكما وعدم تحققها.. ربما أيضا ليأس الشاعر من تحققها ! حيث يقرُ أنه يسير مثقلا بها لموعد مجهول في علم الغيب ..

جمال المطلع يكمن في معناه ثم في حالة التشويق التي فيه والتي جرى الإشارة لها ..
والبيت مؤثر جدا شعوريا وجميل، كان مطلع موفق وأدى غرضه



لمْ يأْلفِ التِّرْحالَ .. والرِّيحُ الَّتي
اقْتادَتْ خُطاهُ اسْتَنْكَرَتْ ترْحالَهُ


يتابع الشاعر الإخبار عن حال السائر ..
ويعطي معنى مباشر يقول فيه أن ذلك الشخص لم يعتد الترحال وأنه هو ذاته /نفسيا/ رافضا ومستغربا هذا الترحال بدليل استشعاره هذا الرفض في الكائنات الجامدة حوله /الريح/ ..
الفكرة في البيت .. تقول باختصار بحالة الضياع التي يشعر بها الشاعر.
والريح .. لفظة للدلالة على المغزى المراد من الترحال..، اقتادت خطاه ثم استنكرت هذا الترحال (كونها متقلبة في طبيعتها) ..كالحياة المتقلبة في طبيعتها .. وهنا قد يكون استخدام الشاعر /للريح/.. مجازا لغويا و الصورة بالكل تتمحور حول الريح التي اقتادت تلك الخطى للموعد المشار إليه مع الغيب في البيت السابق ..ثم استنكرت هذا الترحال ! وحالة التصوير في البيت واضحة ..
أقف عند تحميل الريح فعل (الاقتياد) الذي يدلُ على الفعل العمد المُصر.. ثم العودة والاستنكار لذلك الفعل .. لا يوجد مبرر للاستنكار الذي قد يرفضهُ عقل القارئ للوهلة الأولى !
فالسؤال .. لماذا استنكرت /الريح/ بعد أن "اقتادت" هي تلك الخطى ..!
والريح /الحياة / التيه ربما ..الذي قد يكون رمزا ما رمزت له الريح ..وهو ليس ببعيد ..!
أقول أن الريح بجميع ما ترمز إليه هي من اقتاد الخطى ثم مباشرة (بدون الإشارة لأحداث أو نقلة على أي نحو) عادت واستنكرت هذه الخطى ..
ما يُخل بمعنى الكناية عن /اقتياد الريح/ المُسبق بالتيه أو الضياع .. ويوحي أن الفكرة ربما غير واضحة في ذهن الشاعر أو أن الصورة هي من قاده/أغراه فقال البيت !
واذا أراد الشاعر الإجابة نظرا لما أسلفتُ من وجه شبه بين الريح والحياة (التقلب).. فإني أقول لا يوجد في البيت ما يشير إلى تغير الحال (حال المشبه به )وحال المشبه (الحياة) ولا حتى تغير في حال الخطى المقتادة، ما يبرر فعل الاستنكار الذي قام عليه الشطر الثاني !
قد يقصد الشاعر /بالطبع/ ان الريح استنكرت خطاه لأنه بدايةًً لم يألف الترحال .. وهذا وارد بقوة .. لكنه في صدر المطلع .. استهل بصورة الترحال ووضع القارئ في حالة فهم أن هذا السائر .. راحل منذ زمن وهو مستمر على ذلك ..
ما ينافي المعنى الذي جاء به في (لم يألف الترحال) ثم استنكار الريح بعد ذلك !
على العموم .. هذا ما دار في خلدي حول المعنى ..رغبتُ بمشاركة الشاعر إياه..
ولن أجحف حق فكرة الصورة الجميلة حقا بما تحمل من حركة تمثيلية واستغلال ملفت وموحي لعنصر الريح ..
هو بيت مؤثر وجميل .. ويصلح للاستشهاد به في كثير من الحالات التي قد تمر على المرء في الحياة كحالة وصف معبرة عن معناه كبيت مفرد!



يَقْتاتُ مِنْ تعبِ الخُطى .. وبدربِهِ
ألقى الوُجوْمُ على الوجوْدِ ظِلالَهُ


إذا الشاعر في البيت الأول يمضي إلى موعد في الغيب..
تحمل خطاه الريح/برموزها الكثيرة/ إلى ذلك الموعد..
وخلال هذه الرحلة الغريبة .. لا شيء يقتات عليه سوى تعب الخطى ..
في درب يظلله الوجوم ..
المعنى يقول بالتعب والمشقة ..والوحشة التي تقابل الشاعر خلال مسيره .. (سواء هذا المسير حقيقي أو مجازي نفسي).
التصوير في الشطر الأول فيه كناية (يقتاتُ من تعب الخطى) تدلل على عدم وجود الدعم الذي يمكن أن يستعين به الشاعر، فهو لا يمتلك غير التعب!
ويشبه الشاعر الوجوم بصورة الليل/الشيء الذي يلقي ظلاله فيغطي الدرب.. وجه الشبه الاتساع والتظليل .. !
هو سائرٌ في ذلك الدرب رفيقهُ التعب والوجوم .. وهو أيضا في حالة تيه .. حيث يسير إلى موعد في علم الغيب ..
بالطبع كل ذلك .. إنما عَكس نفسي شعوري عام لدواخل الشاعر أو فلسفته حول للحياة /حياة الشاعر/ أو فلسفته لما رأى في مسير ذلك السائر في تلك اللوحة وكما تخيله .. وحملهُ معناني ومشاعر .. خيالية شخصية نفسية وفكرية!
في البيت الوصف عميق والصورة جميلة متكاملة معنويا في الشطرين بتركيب سلس ولفظ متناسق ..


مُسْتَوحِشٌ .. والصَّمْتُ صاغَ كلامَهُ
فكأنَّهُ ما قالَ ... مهْما قالَه

فكرة البيت تدور حول الوحشة و الكلام غير المجدي ..ذلك الذي يساوي الصمت من حيث المعنى..
المعنى ..أن السائر الموصوف يعيش حالة وحشة في مسيره .. ويظلل الصمتُ الحالة.. أو الآجدوى من الكلام فهو (أي الشاعر) كأنه ما قال شيءً مهما تحدث .. كأن الشاعر يقول على نحو ما .. لا فائدة من الكلام كمعنى لا كلفظ، فإنه لا يقوم بدوره لا الشكلي فقط بل المعنوي !... حيث غياب قيمته(لفظيا ومعنويا) تودي إلى الوحشة المذكورة في صدر البيت
فعل الصياغة يدور حول التهيئة والتشكيل ..(من حيث التصوير) الصمت يشكل الكلام .. دلالة على فروغ الكلام من معناه ..فكأن الشاعر ما قال شيء مهما قال .. فيحضر اليأس والإحباط هنا بقوة .. حيث الشاعر يقر ذلك (الياس من الكلام وعدم الجدوى) في الشطر الثاني
وقد يؤشر مؤشر دلالي بسيط هنا على الوحدة ..
ثمة احتمال كبير أن الصمت في الشطر الأول (صمتٌ شامل خارجي مهيمن) أي أنه ليس صمتُ الشاعر ذاته.. بل هو ما يُفرض عليه.. فيصوغ كلامه فلا يجدي الكلام لأن ثمة ما هو أكبر يتحكم به !
تركيب البيت بسيط نثري ..ومعناه في المتناول وفي هاتين النقطتين يكمن جماله حقا !


يسْتلُّ منْ شَفَةِ الجراحِ نزيفَهُ
ليَخُطَّ في شفقِ المِغيْبِ سؤالَهُ

ثمة حيرة وسؤال يراود الشاعر .. والسؤال نابعٌ من وجع جرح .. كتبه على شفق المغيب !
التصوير الجميل في هذا البيت وهو أول ما يتلقى الداخل عليه، فكرة استلال النزف كمداد من فم الجراح ثم الكتابة بها سؤالا على المغيب (الكتابة في شفق المغيب) كناية عن أن هذا السؤال سيغيب بدون إجابة مثلا ... أو كناية على اتساعه مع المغيب وعمقه أو ربما قصد الشاعر التوافق اللوني الدامي لحال السؤال (بين لون النزف ولون الشفق) أيا كان فجميعها احتمالات واردة ،
(شفة الجراح) تشبيه بليغ جميل رغم تداوله ..لكن توظيفه وتأثيره في البيت جميل
والسؤال المقصود /الذي يخطهُ ويختصر به قلقهُ وتبرمهُ ومعضلتهُ في الحياة الشاعر/ يجيء في البيت الاحق ..
الأفعال (يستل و يخط ) جاءا متوائمين في مكانهما على الترتيب.
واستخدام الفعل المضارع يخدم حالة الوصف الحاضرة التي يسردها الشاعر .. وتأثير (لازال) ثم ارفاقه بالفعل المضار في المطلع، لازال يلعب دورا في التأثير على فهم القارئ .. بأن جميع ما يجري حالة مضارعة /بدأت من زمن.. وهي مستمرة /..

الأبيات السابقة كانت جميعها تقديمية وصفية لحال السائر .. تعطي فكرة للقارئ تصويريا ومعنويا حول حالة ما ..
لكنها لا تقدم أسباب لهذه الحالة ..
في الأبيات التالية يدخل الشاعر مرحلة أخرى في وصف الحس/الشعور البشري الذي يعانية.. ويحاول أعطاء أسباب على نحو ما لما يعانيه الشاعر في مسيره ../لكنه يظل أيضا في اطار العمومية وعدم التحديد!
على نفس النمط الاخباري الوصفي ..فيما عدا سؤا الأستفهام التالي :



حتَّامَ يكْتُبُهُ الغيابُ حكايةً
وإلامَ يرسمُ بالسَّرابِ مآلَهُ


يأتي السؤال متبرما شاكيا بصيغة موجعة مؤثرة جدا ..!
حتى متى يظل يكتب الغياب هذا لإنسانُ حكاية فيه
وإلى متى يرسم مآله بالسراب !
"حتامَ" .. تساؤل زمني ..
"وإلامَ" تساؤلٌ مكاني حسب السياق ..وفي الحالتين التساؤل يوحي بالاستمرار !
كناية الشطر الأول عن طول عيش الموصوف في حالة الغياب تلك ..
وكناية الشطر الثانية عن /عدم واقعيّة وبعد أو وهميّة/ المآل أو الغاية المكانية التي يبتغيها الشاعر ويرنو إليها كحالة استقرار أو مأوى، أو تحقيق هدف/أمل !
والتصوير .. ينحصر في تشبيه الغياب بالقادر على الكتابة والرسم، وبصيغة أدق ..(اتخاذ القرار )..
وهنا معنى البيت ..
حيث الشاعر يقر بأن الغياب هو المتحكم في حياة السائر الذي يصف.. وهو صاحب القرار فيها ..
لفظة الغياب .. بهية مباشرة تدل على غياب الشاعر في الغربة !
لكنها ضمنا تحمل وجوه كثيرة .. قد يكون منها (غياب الأحباب) عن الشاعر (غياب الحياة التي يريد ها الشاعر ) وغيره كثير ! هذا للذكر فقط ..
لكن أجملها هو الإيحاء بغياب الشاعر نفسهُ عن نفسه !

رغم أن
التعميم أو التبهيت في لفظة الغياب /معنويا / يبقى القارئ في حالة عدم فهم او تساؤل .. حيث الشاعر لم يحدد لا قبل ولا بعد على مدى الأبيات .. ذلك الغياب عن ماذا ..إلا في بيت واحد في أواخر القصيدة حين ذكر الوطن/السكن.

هنا ..أكثر ما يميز هذا البيت ظهور عاطفة الحزن واليأس بقوة... وـاثيره البالغ في النفس


مازال يبْحثُ عن مدى لخيالِهِ
منذ اصْطَفى أفُقُ الضَّبابِ خيالَهُ


أيضا الاعتماد على التصوير والنجاح فيه.. واضح جلي
فكرة البيت تقول بانحسار أفق الشاعر خيالا..
المعنى أن الضباب (كناية عن عدم الوضوح) قد انتقى خيال الشاعر وغيبه
والشاعر مازال منذ زمنٍ يبحث عن مدى لخياله ليطلقة..(كناية عن انحساره وضيق الأفق حول الشاعر ) ..
نتابع تصويريا ..
الشطر الأول نثري مباشر .. تكتمل جماليته في صورة الشطر الثاني ..
حيث يحدد زمن ذلك البحث من الحين الذي /اصطفى/.. لفظة الاصطفاء مجازا لفظة جميلة جدا وموفقة .. فيها ما يدلل على تميز خيال الشاعر الذي اصطفاه الضباب ..وفيها أيضا .. إشارة إلى قوة الضباب الذي يغيب ذلك الخيال ..

رغم أن الخيال الذي ذكره الشاعر (غير محدد الماهية ) حيث القارئ سيتساءل .. أيُ خيالٍ هذا !
هل هو خيال يخص حلم ما ..، خيال يخص رؤيا ما .. الخيال كخيال الذي يمتلكه الانسان عموما وقد يوظفه في أي شيء، هل هو الأمل والشيء الذي يتطلع الشاعر لتحيقيقه ...!
لفظة الخيال تحمل في مغزاها مفاهيم مختلفة ..
والبيت كان مبهم المغزى
لكنه جميل التصوير .. والتركيب والمعنى /على فرض أخذ معنى الخيال عموما/
هو بيت مختلف في الحقيقة.


في فُرْجةٍ في الغَيْمِ أبْصرَ كوكبًا
هُوَ دمْعُهُ .. لمَّا تَرَقْرَقَ .. خَالَه ...

يشبه الشاعر حال/صورة دمعه عندما ترقرق .. بصورة فرجة في الغيم أبصر من خلالها كوكب ..
وجه الشبه قوة اللمعنان أو الاضاءة .. وربما يكون الشاعر يريد من وجه الشبه أن يكون حضور الدمعة وبروزها في الحال التي يصف .. !
أيضا حضور الخيال هنا قوي والتصوير جميل مميز.
فيه اشارة إلى قصة سيدنا يوسف عليه السلام على نحو ما ... تظهر أوضح فكرتها في البيت اللاحق ..
المعنى هنا يقول بالحزن ، والفكرة اجمالا تدعم الحالة المعنوية العامة للأبيات السابقة.
تركيب البيت في شطره الثاني ببساطة جميل والترتيب اللفظي الذي انتقاه الشاعر جاء تلقائي لا يوحي بتكلف ..



ورأى عِجافَ العمْر تأكْلُ بعْضَها
والسُّنْبلاتِ اليابساتِ حيالَهُ

يتابع الشاعر سرد رؤياه .. (الخيالية, النفسية) .. حيث تتواصل صورة الفرجة في الغيم والكوكب/الدمعة خلالهُ ... يلحقها تصوير يوظف عناصر قصة رؤيا النبي الكريم بطريقة واضحة ..
حيث الشاعر في رؤياه رأى جميع سنوات عمره القادمة أو السابقة .. عجفاء تأكل بعضها (عملية أكل السنوات لبعضها.. أي استهلاكها لانتاج بعضها والاستعانة بالثري منها على الخاوي .. هذا في القصة الأصلية كمعنى للمقصود من أكل السنوات لبعضها ) أما في توظيف الشاعر فان هذا الأكل عديم الجوى كونها جميعا خاوية عجفاء .. تقتات على بعضها وتترك للشاعر السنبلات اليابسات أمامه!
وهنا تكون مبالغة لوصف خواء سنوات عمر الشاعر جميعها ..وكناية عن عدم تحقق الآمال منها ..
أردف الشاعر في الشطر الثاني كإظافة .. أنه يرى إنتاج سنوات عمره/في مسيره أو دربه ما كان ..أو ما يتصور أن يكون /تشاؤما/ ...أنها عبارة عن سنبلات خاويات تترآءى مقابله !
بالملخص .. البيت يقول بعدم تحقق الآمال .. وعدم الجدوى من العمر والمسير..
متشائم .. الرؤيا.. عاطفته يائسة جدا ..!
التصوير جميل والتوضيف لعناصر القصة القرآنية كان متقن وجاذب


قد مسَّهُ وَهَنُ الخريْفِ .. ولمْ يَكُنْ
قد صاغَ منْ ألَقِ الرَّبيعِ جمالَهُ

(مسهُ وهنُ الخريف) التركيب جميل واللفظ سلس رأئع فضلا عن الكناية التي تشير إلى المقاربة على الإنتهاء ..بطريقة فنيه جميلة على تداولها..!
في فعل "مسهُ" ..مجاز لغوي يشير إلى تأثير الوهن ومعنى المشارفة على السقوط .. في العمر !
حصل كل ذلك بينما الشاعر لم يكن بعد قد (صاغ من ألق الربيع جماله) الربيع بالطبع هو ربيع عمره .. الذي لم يتمتع به .. ولم يحقق مراده منه ..
جمال البيت يكمن في توظيفه الجميل لخدمة المعنى ..
حيث أتقن الشاعر فيه توظيف التصوير بدقة لقول ما يريد ..
فكرة البيت إجمالا واضحة .. تقول كما أشرنا بعدم قدرت الشاعر على استثمار ربيع عمره .. أو تحقيق آماله منه .. حيث استدركه الخريف العمر سريعا..
والشاعر يتحسر على ذلك /كعاطفة/.
فعل الصياغة الذي استخدمه الشاعر للمره الثانية يدلل في البيت .. على قدرة أو امكانية الصياغة من قبل .. لكنه لم يفعل أو لم يستطع.. وهذا ما يحز في نفسهُ !
بسبب وهن العمر الذي كنا عنه (بوهن الخريف) والذي فرض عليه فرضا على مايبدو ..مع عدم وجود ما يشير على ذلك ..

أي أن سبب الوهن الذي أصاب مفاجأة ذلك العمر حتى أن الربيع فيه لم يأخذ حقة .. غير واضح ! فقط هي شكوى من الحال ووصف له !
وذلك بالطبع يرجع للشاعر ... لكنها مجرد نقطة للتوضيح !

وهذا البيت من أجمل أبيات القصيدة وأنجحها صياغة وتأثير وتصوير ..




يمْضي بلهْفَةِ عاشقٍ لمصيرِهِ
سلْواهُ أن يُدنِي المَسيْرُ منالَهُ


بيت معناه في متناول الذهن بقالب فني جميل (وهذا من نقاط قوته) .. التركيب بين الشطرين فيه انسجام معنويا وتصويري متقن ..
فكرته تختصر باستعجال الشاعر المصير الآخير (الذي وصفه في البيت السابق) .. حيث على ما يبدو يستعجل النهاية على أي وجه كانت ..
وسلوى الشاعر يكون في سرعة تحقيقها من "المسير" مجازا.. أو "الدرب" أو "العمر" ..(الذي يشكو منه) ..في (يدني المسير) استعارة وجه الشبه فيها هو القدرة على التقريب.
فكرة (السلوى) بدنو المآل الآخير المنشود على سلبيته.. كانت الفكرة الأقوى في البيت تأثيرا شعوريا في النفس .. بل هي سر جماله !
الشطر الأول تركيبه نثيري إخباري بالحال .. ثم يباغت الشطر الثاني بنقلة على المستوى المعنوي .. في المقصد ..
أيضا اليأس يظلل فكرة البيت !



يَشْتاقُ أمْكِنةَ الوُصولِ وَشَاقَهُ
قَلَقُ الطِّريقِ مُقلْقِلًا أوصالَهُ

لازالت روح البيت السابق حاضرة .. لكنها هنا أكثر تحديدا حيث هناك (أمكنة) للوصول..!
يقول الشاعر كمعنى ..أنه يشتاق إلى مكان الوصول / النهاية والتي ربما هي ايجابية في تحقق الآمال .. أو سلبية في غر ذلك / ويزيد في شوقه ما يعناي في الطريق.
الفكرة .. هي التوق للوصول

حيث الشاعر يشتاق إلى الوصل .. ويزيد من رغبته في الوصول ما يعاني في الطريق من قلق، التركيب (قلق الطريق) فيه استعارة مكنية حيث شبه الطريق بالانسان الذي يقلق وحذ المشبه به.. تدل على تفاعل معطيات الطريق/العمر مع الشاعر ..
لكن /حسب البيت.. تأثير هذا التفاعل على الشاعر ليس ايجابي بل سلبي .. أي هو تفاعل ضاغط على الشاعر ..يزيد من حاله سوءا في (مقلقا أوصاله) ..
حول المعنى أدقق في نقطة:
أن قلق الطريق لا يجب أن يُسبب شوق الشاعر للنهاية، بل يجب أن يُخيفهُ ..أو يسبب له الإرتباك ربما! أو أي معنى مناسب لما يسبب القلق في العادة !
لفظة الأمكنة .. كانت جميلة الاستخدام حيث أعطت تعميم مناسب لجو القصيدة
بإعطائها مساحة غير معرفة لتعدد هذه الأمكنة.. وعدم تعريفها ... قد تكون أيَّ أمكنة تحوي ما يناسب آمال الشاعر أو النهاية التي يتطلع إليها !
الألفاظ :
(يشتاق/ شاقه، قلق/ الطريق، مقلقا) جميعها تحتوي حرف القاف واجتمعاها لم يخدم البيت لفظيا .. خاصة في كلمتي ( قلق، مقلقا) في ذات الشطر !
البيت هنا فيه إرباك معنوي ولفظي... لم يكن في مستوى سابقاته من الأبيات لفظا وتصويرا .. في رأيي !



يمْشي على حَدِّ الضَّياعِ مُجرَّحًا
بالأمْنِياتِ مُجرْجِرًا أذْيالَهُ

يصور الشاعر نفسهُ بالماشي على حد الضياع ..(تشبيه الضياع بالشيء الحاد) وجه الشبه هو الجَرح ..
كما يشبه الأمنيات بالذيل الذي يُجر .. الشطر ( بالأمنيات مجرجرا أذياله) كناية عن الإحباط والخيبة في نفس الشاعر من تحقيق الأمنيات.. والهبوط المعنوي في قيمة الأمنيات نفسها..
أيضا الوصف حاضر .. لحال الضياع والخيبة الأمل ..
المعنى يقول بسير الشاعر على حال الضياع ذلك الذي يسبب له الجرح والألم .. ويقول بالهبوط المعنوي الشديد للشاعر بحيث أنه (يُجرجر) هذه الأمنيات واللفظة للمبالغة ..!
البيت جميل الوصف ..
والفكرة فيه لا جديد عليها


ولديه مِنْ سِفْرِ الخُروجِ نبوْءَةٌ
تصْبو إلى وحْيٍ وما يُوحى لَهُ

هنا ثمة تغيير طفيف على المستوى "الفكرة"، وتركيز فيه أكثر على هدف أو فكرة مختلفة نوعا ما .. يخبر بها الشاعر ..
حيث ثمة نبوءة.. تصبو إلى وحي ما (مجازا) ..
الشطر الأول .. كناية عن أن الشاعر موعودٌ من (كتاب الخروج) بالسَفر أو الترحال ..
وسفر الخروج ... كناية عن كتاب /موعِد الخروج المقدر له...على ما أرى !
إذن السائر الموصوف لديه نبؤه أو وعد مسبق من حين /الموعد المحدد/ الذي خرج فيه .. هذه النبوءة تصبوا إلى وحي ما .. أو شيء يوحى للشاعر ..
وأعتقد أن الوحي في الحاتلين هنا مجازا عن تحقق الأمل .. أو النهاية التي ينشدها الشاعر ..

قد يكون الشاعر استخدم لفظة النبوءة .. وقصد بها أمله في الوصول بالضبط، النبوءة هي (الوصول) !
أي انه ينتظر تحقق هذه النبوءة (التي يأمل بها) بمعنا أنه تنبأ بها لنفسه أملا !
ينتظر تحققها وحيا ..أي واقعا !

من حيث المعنى ..فإن التركيب (تصبوا إلى وحي) كان يغني ويعطي نفس النتيجة التي جاء بها التركيب اللاحق في ذات البيت (وما يوحى له) .. !
ونقطة أخرى .. أن النبوءة بذاتها تحمل الخبر ..فلا داعي لأن تصبوا لشيء ما !
هنا أيضا ثمة ما يربك المعنى في التركيب
وعندما قرأت الشطر الأول تساءلتُ لمَ لم يستخدم الشاعر تركيب(سفر الغياب) بدل (سفر الخروج) ..!
والبيت .. تمهيد للبيت الآحق في معناه



يَهْفو إلى وَطَنٍ هُناكَ و رُوحُهُ
يهفو إلى سكنٍ فَهَلْ يُبْدَىَ لَهُ ؟

الوحي الذي قصدهُ الشاعر وانتظره .. هو الوطن والسكن ، هذا إذا أخذنا لفظة الوطن والسكن، كألفاظ حقيقية .. لا مجازية ..!
وعلى هذا الافتراض .. فالبيت واضح وفي المتناول ..من حيث المعنى
فكرة البيت أن تقول بأمل الشاعر /هو يتوق إلى وطن وسكن/ .
الشطر الأول ..
(يهفو إلى وطن هناك وروحهُ) الشاعر قصدَ أن يقول /تقديرا/، يهفو إلى وطنٍ هناك، ويهفوا إلى وروحه هناك .. واختصر اللفظ وعطف (روحه ) على ما قبلها بالواو ..
لكني للحقيقة أرى أن التركيب .. لم يكن بالقوة الكافيه، قد شابه الضعف !
ثم تكرار لفظة (يهفو إلى) للمرة الثانية في عجز البيت لم تخدم البيت كما يجب ..!
في (يُبدى) المبني للمجهول يسند فعل لإظهار إلى غائب .. وفي معناه يوحي أن هذا الغائب ذاتهُ من قام بالإخفاء سابقا .. وهو المتحكم بالإبداء ..
رغم أن الشاعر هو الذي يسير وهو الذي يكابد عناء الرحله ..بحسب السرد في القصيدة إجمالا ...
القصد .. أني أرى أن لو استخدم الشاعر فعلا آخر متعلق به /ذات الشاعر/.. يعني أن يكون التساؤل ..على نحو ..( هل يصل له ) أو هل ينالهُ .. بما يناسب الوزن !
هذا ليدعم المعنى
لكن إذا تعمد الشاعر إسناد (الإبداء) لغائب .. نوعا من التشويق .. أو توظيفا لهالة غموض ما .. ذلك يرجع له .. وهي فكرة لا تخلو من جمال ! إنما هو خاطر راودني بخصوص هذا الفعل !


في غُربتيهِ تعيثُ فيهِ مَواجِدٌ
وتبيتُ في كهف الحنينِ رؤىَ لَهُ

الغربتين .. غربة الروح .. والجسد على ما أرجح !
المعنى في البيت ينحصر في الشاعر يعيش هاتك الغربتين ويعاني فيهما كبد التوجد والحنين الشديد الذي يمتلك عليه أحلامه وتطلعاته !
يقول في الشطر الأول أن المواجد (الاشتياق والحب الشديد) تعيث به بسبب غربتيه .. وبما أن المواجد لا تعيث فعليا .. فالوصف مجازي دلالة على شدة وقوة ما يشعر ويعاني الشاعر .. في الفعل (تعيثُ)..
وفي الشطر الثاني ..
فإن رؤىً للشاعر (تبيتُ في كهف الحنين) كهف الحنين تشبيه بليغ، وجه الشبه هو العمق والظلام في الكهف ..
والتركيب كلهُ كناية عن أن الحنين يستملك على الشاعر رؤاه أو بعضها !
حيث قوله (رؤى له) لا يوحي بجميع رؤى الشاعر .. ! وهذا التركب جاء /بهيئته هذه/ خدمة للوزن على حساب المعنى حيث ظهر فيه بعض التكلف
البيت في صدره جميل التركيب .. وإجمالا التصوير فيه متقن وعميق ..


أمْسى كأَرْوِقَةِ الرَّحيْلِ فؤادُهُ
قفْرٌ يهابُ الرَّاحلونَ جَلالَهُ

على أثر معاناة الشاعر من (المواجد .. والحنين) في البيت السابق فإن الشاعر يصف حال قلبه،
المعنى يقول بأن قلب الشاعر خلا من الحياة وتملأه الوحشة والخواء..
شببه ذلك القلب (بأروقة الرحيل) في شطره الأول حيث تكون خالية حزينة كما هو قلبهُ .. واستخدام لفظة (أمسى) دعمت الصورة بالظرف الزماني المناسب جدا ، كان جميل وله وقعه في النفس .. والشطر الأول إجمالا أنيق ومؤثر المعنى والتصوير .
في الشطر الثاني ... تابع الوصف بدون أداةِ عطف أو تشبيه .. وقال مبتدئا صورة أخرى لقلبه، بأنه (قفرٌ يهاب الراحلون جلاله) التشبيه بالقفر الخالي من الحياة والذي يهاب الراحلون ولوجه لجلالهِ ..
لكني أتساءل .. هل يمكن أن يوصف القفر بالجلال .. إلا في سياق المدح !
ثم .. أنظر إلى علاقة الشطر الأول بالثاني .. وأجد مفردات ( الرحيل، الراحلون ) .. فهل تربط هاتين المفردتين فعليا.. يعني هل الراحلون في الشطر الثاني هم ذاتهم أصحاب الرحيل في الشطر الأول ..
في هذه الحالة .. تكون العلاقة بين الشطرين علاقة تمثيلية من حيث التصوير ../في ظني/ .. وهي جميلة جدا .. حيث يشبه الشاعر حالة الفراغ في قلبه /أو الخلو/ الأروقة المقفرة التي يهابها الراحلون أيضا (لجلالها) ..
والحقيقة هنا أيضا لا أرى لفظة (لجلاله ) مناسبة تماما حي لا تعطي مبرر قوي لعدم ولوج الراحلين ذلك القلب المقفر .. !
وهي وجهة نظر ليس إلا !
ويبقى السؤال في ذهني .. من هم اؤلائك /الراحلون/ ... وما موقعهم في نفس الشاعر مما دعاه إلى ذكرهم ..وذكر مهيبهم في البيت على تلك الحال ..!
واحتمال وارد .. بأن يكونوا أي أناس يمكن ان يمروا في حياة الشاعر/الانسان .. فلا يعنون له شيء ..
هم على قيد رحيل مثله !


لاشَيْءَ يسْكُنُهُ برغمِ سُكُونِهِ
إلَّا بقايا العابرينَ خِلالَهُ


تركيب البيت هنا سلس جدا وجميل يشعر القارئ بانسيابه اللفظي ..
الجناس (يسكنهُ، سكونه) كان ناجحا جميل أيضا، جاء بالمعنى /الذي أراده/ الشاعر بدون تكلف !
من حيث المعنى .. هو ظاهر لا لبس فيه .. حيث يقول الشاعر أن قلبه خالٍ لا شيء فيه إلا ما ترك خلفهم /شعوريا/ من عرف الشاعر من الناس وأحبهم /ربما/ ، هو يدور حول فكرة وحدة القلب .. المطروحة مقدما في البيت السابق ../بالرغم من أنه لم يأتِ على ذكر أحباء خلال القصيدة مما يجعل /العابرين/ يشبهوا في الدلالة .. /الراحلين/ في البيت السابق
أتوقف عند معنى (يسكنهُ برغم سكونه) السكون لا يكون مبررا أو شرطا للسكنى /خاصة في القلب/ ! إنما السكنى في الشيء قد تحتاج أحيانا إلى سكون .. هذا ما يتوقف عنده الذهن برهة
لكن أيضا معنى البيت وارد وجائز .. حيث قد يكون في بعض الحالات سكون الشيء ..شرط للسكنى فيه .. /خاصة أيضا/ إذا كان المعني بهذه السكنى شيء يدلل على الخواء والحزن والفراغ ! وهذا ما يدعم فكرة الصورة في البيت جدا ..

فنيا .. جرى تشبيه القلب بالبيت الملائم للسكن /كونه ساكن/ .. وفي كلمة ساكن مجاز لغوي قد يُريد الملائمة والهدوء .. من ناحية وقد يريد /الخواء/ وهذا بعيد لكنه وارد ..
إذا هذا البيت لا شيء يسكنه /مما يجب أن يسكن القلب الحي في طبيعته/ .. نقول لا شيء يسكن هذا القلب باستثناء بقايا العابرين ..و/ بقايا العابرين/ كناية عن الذكريات ربما أو مشاعر الحزن ..

البيت إجمالا جميل ومؤثر في ذاته..
لكني لا أجده ملائم تماما لأن يكون قفلة تناسب سياق ومطلع القصيدة وفكرتها ..
ليس ببعيد أن يبتعد الشاعر عن فكرة القصيدة التي بدأ بها .. لكن الأفضل أن يختم بما يتلاءم قدر الإمكان،
هنا الشاعر في الخاتمة كرر أسلوب الإخبار حول فكرة فرعية .. من أفكار ومشاعر القصيدة .. والأولى أنه لو استخدم /الغياب/ مثلا ليختم حوله ..أو العمر، أو بخلاصة حكمة ..
والأقوى لو ختم بحدث ما .. لذلك السائر .. يصدم القارئ ..
نقطة مهمة ..أنه قد يكون ثمة ما يريد أن يقوله الشاعر لاحقا /حيث بقي في نفسه شيء/ !
وهذا ما شعرتُ أنه وارد بعد القفله ..


لاحظتُ إجمالا ..

* أن استخدام الأسلوب الوصفي الإخباري على ذات الوتيرة هو المهيمن على الجو العام في كامل القصيدة وبقوة !
وهذا يدل على أن الشاعر كان واقعا في أسر اللقطة /المادية المجسدة/ في اللوحة حيث صورة أحدهم السائر في درب .. وحوله العناصر المختلفة .. والشاعر يستشعر في ذلك حالة انسانية ضمن إطار هذه الصورة شعوريا وخياليا.. ويقوم بالاخبار، لنقل العمق الوجداني، والنفسي.. كما يتصوره أو يعتقده ..
ولم يخرج منها على الاطلاق تلك الحالة او اللقطة /من حيث الحدث، أو الأفكار / ..
المعاني في أغلبها اتسمت بالعمومية ، والمعنى العام الذي أوجد به الزاوية التي ركز عليها الشاعر هي العيش في حالة غربة .. على غير هدى وبلا أمل حتى في الانتماء لوطن ما ..
والشاعر ..لم يعط أسباب مقنعة .. واقعية للحالة التي وصف .. إنما كان يلمح تلميح بعيد جدا /كعدم تحقق الآمال في الحياة/ والغربة على مستوى الحياة .. كاملة ! حتى في البيت الذي خصص فيه لفظة ( الوطن والسكن) كانت الفكرة معومة حيث قال (وطن هناك) ولفظة هناك قد تعني ببساطة آخر الطريق الذي يسير به الشاعر أو تأمل روح بالركون إليه..لا الوطن الذي ينتمي إليها مسبقا بالتحديد وبملامح واضحة.

*وظف العناصر في اللوحة لخدمت التصوير بطريقة رائعة .. وحملها كثير من العمق العاطفي والحسي ...
*الاعتماد الكبيروالجميل على التصوير والخيال كان واضح والعناية به كانت ظاهر في أغلب الأبيات .. بل أنه كان العنصر الأقوى حضورا والأبرز من بين عناصر الافكار والمعاني واللفظ.

العاطفة عميقة .. انحسرت في الاطار السلبي (الحزن، التحسر ، فقد الأمل، الخواء، ..) واتقنت الشاعر نقلها والتأثير بها على القارئ!

*العمق الشعوري في النقل الوصفي .. أوحى للقارئ أن الشاعر يتحدث عن نفسه .. برغم أنه لم يستخدم أي ضمير ملكية .. واعتمد بهيئة كاملة على ضمير الغائب .. وأجاد ذلك جدا فلم يشعر القارئ بتكلف الاخبار عن غائب إلا طفيفا .

*لمستُ فارقا طفيفا في مسوى الأبيات في منتصف القصيدة الثاني وأواخرها بالنسبة لقوة البداية..

*وأقدر أن لو كانت الأبيات التالية (أو أفكارها ) .. قد وردت مع بداية القصيدة لا في آخرها.. لكان ذلك من مصلحة القصيدة ، وأوضح للرؤيا بالنسبة للقارئ..
ولديه مِنْ سِفْرِ الخُروجِ نبوْءَةٌ
تصْبو إلى وحْيٍ وما يُوحى لَهُ

يَهْفو إلى وَطَنٍ هُناكَ و رُوحُهُ
يهفو إلى سكنٍ فَهَلْ يُبْدَىَ لَهُ ؟

في النهاية ..
امتلكت القصيدة على المستوى الفني خيالا وتصويرا مميزا وجاذبا .. وعبرت عن المعاناة الانسانية إجمالا في /غربة الحياة / وخساراتها الكثيرة .. بعمق وتأثير بالغ يحسب لشاعر ..!

هذا ما جنت علي الشاعر بركات .. لا ما جنيتُ عليها !: )
ثم انه
شكرا لك يا شاعر




النص : اختناقات رمادية
النّاص : عماد حداد / سوريا
ضوء : خولة عبد الكريم / الاردن
--------------------------------------

النص :

شمسٌ تصارع في الحياة ظلاله=ويح الظلام وما أشدّ نكاله
ألقى على كتف الصباحِ خيوطَه=يا عنكبوت كفاك تنسج شاله
لو كنتَ تقدرُ أن تقيم دعائمًا=مالي أراك كساكنٍ أطلاله!!
الحبُّ في شرع الوجود حقيقة=مُلئت خيالا ما استطعتُ جداله
خلف العيون رسمتُ ليلا من أسًى=لولا التفكرُ ما رفعتُ هلاله
يبكي بجوف النّاي حسُّ قصائدي=لحنا أُموسق للدّنا موّاله
ذكرى تقطرها القلوب بعبرة=كالبحر يلقي للرمال سؤاله
في مهجتي كل الفصول تعانقت=حتى الشتاء.... فقد ترى إشعاله!!
وتقول ملهمتي وأمسك كفها=هذا السراب أما ينيخُ رحاله؟
قلتُ انظري يا روحُ!! لسنا وحدنا=جمع السراب ظلالنا وظلاله
ووراءنا يمضي بُعَيد تذكُّر=ماضٍ كليثٍ حارسٍ أشباله
كل الحدائق هاجرت من موطني=إلا المواجع عانقت أطلاله
نسي الخريف على الجوانب لونه=ولربما غدر الطبيعة طاله
وتقول لي والحرف أدمى معصمي=والشعر يوقد في الجريح خياله
إنّ السبيل إلى اللقاء طويلة=والأفق يخفي سَرْوُهُ أوصاله
يا ساكنا روحي وحيرة أدمعي=إني دعوتُ من الأسى آماله
شدّ الرحيلُ على القلوب حباله=رغم اختناقات النداء خلاله






"اختناقات رمادية" .. عنوان حداثي جدا ..يحمل أبعاد مختلفة من ناحية التأويل ..
لكنها جميعا تدور في فلك (الاختناق الشعوري) إذا جاز التعبير .. والذي لوّنه الشاعر باللون اللرمادي .. فكساهُ بالحيادية بين الموت والحياه ربما فيما قصد .. /الأسود والابيض/أو بين الراحة والضيق.. أو بين شدة المعاناة وعمقها اختناقا.. و لامبالاة بها،
أو التسليم بكونها أمرا واقعا في خانة (الرمادي).. في النهاية إنه الرمادية وقسوة حالة الضبابية والتيه فيه .. والخطوة التي ليست للأمام ولا للخلف .. والشعور المصلوب بين ما كان وما سيكون!

هذا على مستوى التأويل /في مارأيتُ/ والذي قد نختلف ونتفق في تناوله من زوايا مختلفة حسبما يرنُ تركيب(اختناقات رمادية) في دواخلنا .. لكن الذي لا أعتقد أن اثنين يختلفان فيه .. هو أن اللون الرمادي مستلهم بقوة من اللوحة ومن لون الضباب الطاغي فيها.. و(الاختناقات) هي الرؤيا/الزاوية.. التي مستْ روح الشاعر فاستجاب لها في ذلك المشهد.. (الصورة) ..
بمعنى آخر .. هو تفاعل مباشر واستجابة أو تأثر /كردة فعل/ نفسية .. حدد من خلالها الشاعر الطريق الذي ستسير فيه القصيدة للقارئ ..!

هو عنوان يمزج بين حالة ضيق شعورية أو نفسية حادة .. وبين عنصر لوني له دلالاته الكثيرة والتي تبتعد عن جانبها /الايجابي/ وتدور في فلك ايحائها السلبي .. مما يدلل عليه اللون الرمادي /كما أشرنا/ ..
وهي اختناقاتٌ شخصية .. عرضها الشاعر وترجمها بفلسفة ذاتية .. نتيجة تجربته الحياتية /المحددة/ والتي حركها ذلك المنظر في روحه..
وكان المزج بين اللفظتين موحي ومؤثر
لكن لمستُ عدم ترجمة عميقة لتلك الاختناقات وعدم الايغال فيها كما يجب/على فرض أنه يريد شرح حالة متعددة الأبعاد / .. بمعنى آخر العنوان فضفاضٌ جدا على ما تحوي القصيدة .. لا يعني أنه غير مناسب .. لكن القصيدة لم تخبر بالاختناقات التي يجب عليها قولها -بحسب سياقها- إذا تناولنا معنى الاختناقات بعمومية للتناول مجمل الحالة وتفاصيلها وأبعادها..
رأيت على نحو ما أن الشاعر لم يفصح عن جيمع اختناقاته التي تكون في مثل الحال التي يصف في جو القصيدة معنىً وشعور وفاكرا..هو ربما لم يسهب كما يجب .. !
أما في حال نظرنا بزاوية حادة وافترضنا أنا لشاعر رمز عنها باختناق (الحب) أو (الأمل) أو مجرد (الحزن).. أي ما يدل على فكرة واحدة محددة.. فإن ذلك وارد جدا وكان ظاهرا في الأبيات التي تحمل تلك الأفكار، لكن الشاعر وضع التركيب دالاً على الجمع .. كما أورد أكثر من فكرة في القصيدة تخص الحالة.. !

وهو رأي شخصي /بحت/ لا يقلل أبدا من جمالية العنوان وعمقه.. واحتوائه لمحتوى النص كإطارعام جاذب وناجح ..





** تنفس بين يدي.. اختناقات رمادية..

وذات السؤال يطرح نفسه ؟
كيف شاهد الشاعر اللوحة .. كيف قرأ نفسهُ/حياته/ فيها ؟ وكيف أسقطها على ذاته الشاعرة بما تحمل من حس وفكر ولغة ؟

أستطيع القول أن الأبيات/كما هو ظاهر فيها/ تعرض تجربة شخصية عاطفية .. وأن محورها الأساسي الذي دارت حوله الأفكار والمشاعر الفرعية هو الحب، بصورة أدق محاربة هذا العالم لعاطفة أو تجربة الشاعر..
مما أودى بها للفشل وأودى به للإحباط ثم التأمل والتفكير العميق بمجريات الأمور محاولا استخلاص أسبابها ربما و الشكوى .. و التسليم لها كأمر واقع لا يملك حياله غير ذلك التسليم بحزن !.. على أنه حاول الختام بتأمل.. بنسبة ضئية /حين جاء ذلك على لسان المحبوبة ..

الصورة التي اتصورها حول حال الشاعر .. أو حول رؤيته للوحة ..
بأنها ليست تجسيدا لحال ما .. إنما هي حالة فكرية شعورية عاشها الشاعر أو تخيل ما يخصهُ منها .. واستعان به ليترجمه شعرا.. وكتبها بحال الانسان الشاعر المحب المتوجع !

هو لم يتمثل بحال أحد السائرين في إطار الصورة.. بل سحب من ذلك المنظر ما استشعر علاقته به، أو ما حرك فيه الشعور أو الذكرى ثم ترجمه بلسان المتأمل الشاعر ! ..
حتى حين وصف أن المحبوبة معه ويأخذ بيدها ويحاورها .. وأن ثمة ما هو خلفهما، بدا ذلك كأن الشاعر يتخيل كل تلك التفاصيل أو يأمل بها ..
ويُحملها أفكاره ومشاعره وحزنه .. مستغلا بعض العناصر الطبيعية التي علِقت في ذهنه من اللوحة المعنية وأثرت فيه.. لكنه بقي على مسافة لا بأس بها من اللوحة.. تلك المسافة يكمن فيها البعد الشخصي!

ببساطة شديدة ..كأني أرى "الحداد" يجلس على طرف الطريق في تلك الصورة ساكنا في حالة صمت وتأمل، تخاطره بعض الأبيات فيكتبها .. ويحاكي العناصر من خلال حزنه.. يتخل أن محبوبته حاضرة، وحاله معها على ذلك النحو /في القصيدة/ .. ليس شوقا ولا توجدا ..بقدر ما هي رغبة بأن يتشاركا التفكير في علاقتهما، ومجريات الأمور /لمَ جرت هكذا.. !/ وليحزنا معا ...!

وأقدر ان الشاعر استحضر المحبوبة لتواسية ، وليأمل ويحزن ويتأمل من خلالها .. !


إذن كان المحور الذي اعتمد عليه محور شخصي بحت .. قال من خلاله رؤيا وخلاصة فكر من تجربة حاول تسليط الضوء على بعض جوانبها التي يعاني، ونقل الأفكار والمعاني المتعلقة به..

القصيدة شملت أفكار بدت للوهلة الأولى متباعدة.. لكنها تصب جميعا في قالب واحد /المذكور في الفكرة السابقة/ .. ولم تنفصل عن جسدها الواحد ..

من حيث الأفكار اجمالا ...
الشاعر طرح فكرة غلبةُ الظلام على النور في اعتقاده/وقد يرمز بالنور عن الحب أو الحق/ .. تطرق إلى حال الحب في هذه الحياة، تناول الذكرى وأساه فيها .. تساءل حول زمن زوال السراب /كرمز عن الوهم وعدم تحقق الآمال/.. كان ذلك التساؤل على لسان المحبوبة ..!
وتطرق لملاحقة الماضي للحاضر وعدم قدرة الانسان الخلاص منه، ووصف حاله وتوجعه ويأسه.. ثم طرح فكرة اللقاء والأمل بها في الابيات الأخيرة ..

سبب الاحباط أو الحالة السلبية التي عاشها الشاعر والحبيبة /خلال البعد المفروض عليهما/.. لم يكن لهما دورفيه بل هما طرف متأثر فقط .. أي أن الشاعر لم يُحمل نفسه أو محبوبته مسؤلية ذلك الفشل أو البعد .. إنما حمله لأسباب الحياة الخارجية إجملا والتي أشار الى علاقتها بالماضي والحاضر.. مما أعطاه مساحة للتأمل وتقديم أفكار فلسفية خلال النص .( الشاعر وحبيبته في النص كانا مستقبلان فقط) الشاعر مثل الحالة السلبية الشاكية .. ورأى في الحبيبة الجانب الايجابي /ولو أنه ضعيف جدا/


نمط التقديم أو السرد جاء تبادلي .. على النحو ما..
فتارة يخبر الشاعر عن حاله ...وأخرى يشكو منها ..أو يتأمل فيها .. فضلا عن الحوار الذي أدرج .. وكان الشاعر يضمنهُ بعض أفكاره أو شكواه ..

أي جاءت أبيات المقدمة تأملية ثم دخل من خلالها على نفسه وأخرج صوت الذات ليكتشف للقارئ أنه هو ذاته صاحب الصوت التأملي الوصفي في أول أربعة أبيات حين يفصح الشاعر عن /فعل الذات إخبارا/ في البيت الخامس،
ويستمر ساردا عن نفسه ليعطى بعد ذلك سبب هذا التأمل الحزين ولنقل حالة التذكر التي يعيشها واضعا القارئ في الصورة الشعورية وموضحا جانبا من الحدث والعاطفة.. ثم بدأ حوارا مع محبوبة (تخيل أنه يمسكُ كفها على ما أرجح ويسيران بطريقهما/حياتها .. ) نقل من خلاله بعض الافكار ويأسه ونظرته لتلك التجربة وأسباب حزنه وموقفه منها.. إلى أن تناول نهايتها في تقديره /السلبي جدا/.. على أمل طفيف إيجابي، قاله على لسان المحبوبة !

تلك النقلات فيما بين الأبيات جاءت أحيانا على نحو مباغت، قد يشعر القارئ بفجوة فكرية لا يدرك سببها..كون الخيط بينها لم ينقطع.. (على ما شعرت) لكنه لم يكن واضح أيضا ثمة أفكار جاءت في غير مكانها في رأيي!

دخول (قالت) وتخيل الشاعر ذلك الحوار/وحدث إمساكه بكفها / أحدث تنوعا اخباري من ناحية .. ومن ناحية أخرى كان أسلوب درامي جميل وظفه الشاعر لعرض الأفكار التي يريد أن يقول.. وساعد القارئ على التخيل معه وعيش الحالة والتأثر بها !

والعاطفة حزينة شاكية .. ويائسة في بعض المواطن ... متحسرة في مواطن أخرى ! الخيال كان حاضر بقوة خلال القصيدة .. التأمل والتذكر .. وتقديم الفكرة بقالب فلسفي ...أيضا هي أشياء برزت بقوة..
توظيف العناصر الطبيعية كان ذكيا في أغلب مواطنه وملفت .. خاصة في نصف القصيدة الأول، حركة للعناصر الطبيعة فيها لخدمة حالة التأمل والمعنى كان ناجح جدا .


ثم إنه يتبع ..!


نتابع بين اختناقات رمادية



شمسٌ تصارع في الحياة ظلاله
ويح الظلام وما أشدّ نكاله


مطلع مشهدي جميل
الشطر الأول تقدم على الشطر الثاني في المعنى .. والشاعر آثر التقديم بحركة الشمس، إذ صورها تصارع ظلال الظلام الذي أخبر عنه الشاعر بصيغة التقريع والتعنيف .. تبرما منه !
يريد أن يقول من حيث المعنى المباشر، أن الظلام شديد قوي البأس حتى أن الشمس على قوتها (تصارعه) وفي حال مثل هذه المصارعة .. فلا بد في طبيعة الحال /غالبا/ أن الغلبة للشمس/هذا بالمقارنة الواقعية/ .. لكن الشاعر رجح كفة الظلام قائلا .. "ما أشد نكاله" .. أي عِقاب الظلام لها كأنها اقترفت ذنبا .. وهذا من شدة سطوته /في رؤية الشاعروتصويره .. أو في حسهُ/ .
هناك احتمال ضعيف جدا أن يكون الضمير في (ظلاله) يرجع إلى سائر ما أو الى الشاعر حيث يخبر عن نفسه.. لكنّ هذا مستبعد حسب السياق اللآحق .. وسأعتبر الضمير يعود على الظلام لسبر !
الشاعر وصف حال الشمس والظلام على مستوى الحياة ككل !
وقال فلسفة تمثل رؤيته الخاصة .. أن ثمة تصارع أزلي بين الظلام والنور/هي فكرة البيت/ .. رغم أنه قدم الشمس في اللفظ .. غير أنه أعطى النكال /مجازا / للظلام !
الفكرة السابقة هي نقطة القوة في البيت .. أي تلك الفلسفة المفاجئة التي يبادر القارئ بها .. ويقدمها تمثيليا من خلال عناصر الطبيعة ..
وإذا اعتبرنا أن دلالة العناصر (الشمس، الظلام) هي (النور، وعدم وجوده) .. أو غيرها من المتضادات التي يمكن تذكرها في هذا المقام .. فإن عملية الصراع وعناصرها في البيت كلها مجازا تُمثل حال تلك المتضادات في الواقع إجمالا ..
على هذا .. فإن الشاعر اختصر الكثير في ألفاظ هذا البيت.. ومعناه.
صورة الشمس التي بادر بها الشاعر هي صورة تمهيدية توضيحية جاءت /فيما أحسب/ لخدمة صورة الشطر الثاني الذي جاء كناية عن قوة الظلام وسطوته .. وظيفة الشطر الأول اخبارية للتشويق ..
في الشطر الثاني جائت (الواو) بين ويح الظلام ..ما أشد نكاله .. وعلى مايبدو هي رتقا للوزن حيث لم تضف شيئا للمعنى ..!

البيت ككل يعكس نفسية الشاعر من خلال تصوير تَخيُلي لعناصر الطبيعة المتمثلة بالنور والظلام .. والتي رجح فيها كفة الظلام كما أسلفنا ..
وهو كمطلع قوي جميل .. يحرك الخيال ويعطي صدمة فكرية/خاصة باستخدام أسلوب التقريع / تحفز القارئ وتشوقه بما حملت الصورة من حركة ومعنى مفاجئ عميق..



ألقى على كتف الصباحِ خيوطَه
يا عنكبوت كفاك تنسج شاله


إذن ذلك الظلام ألقى على كتف الصباح خيوطه ..
والطبيعي أن النور هو ما يلقي على كتف الصباح خيوطه !
لكن الشاعر.. يعكس حالة نفسية و ..رؤيا فكرية متشائمة نوعا ما .. كما جاء في المطلع.
معنى البيت يقول بأن الظلام لازال ماثلا رغم حلول الصباح، بل قد حل محل الضوء /في خيال الشاعر/ وألبس الصباح /كظرف زمان/ شاله/ ..والشال هنا استعارة ..
التصوير يشبه الشاعر الظلام بمن يلقي خيوطه/الاقاء مجاز لغوي/ على كتف الصباح .. أيضا مجازا للدلاة على استمرارية انتشار الظلالم...
وجاءت صياغة الشطر الثاني مبتدئة بفعل الأمر (كفاك) كأن الشاعر ينهر الليل/ العنكوبت .. ويضيق بما يفعل..ويردعه عنه بأسلوب نهي غير مباشرة.
أقف عند الشطر الثاني .. ومدلول العنكبوت .. ليخطر في ذهني الاحتمالات التالية :
أن الشاعر رمز بالعنكبوت عن "الليل ".. وهو الذي لا يزال ينسجُ خيوط العمة فيعاتبه الشاعر قائلا .. كفاك تنسج شاله .. أي شال الصباح من الظلام !
أو العنكبوت .. كسبب للظلام والعتمة على أرض الواقع .. هو رمزا للظلام الذي يعيشه الشاعر نفسيا .. ويخاطبه كما سبق .. -وبقول آخر -العنكبوت يمثل شيئا ما في ذهن الشاعر يمت لحياته الشخصية بصلة /ربما أحد ما، حدثا ما/ .. وهو سبب الليل في حياة الشاعر..!
وقد يكون العنكبوت فعلي حقيقي شاهده الشاعر وحاكاه.. وحمله الصورة (بما فيها من نسج خيوط) كما جعله سبب الظلام .. وجعل وجه الشبه (عملية النسج) التي يعرف بها العنكبوت.
جميع الحالات السابقة لم تنفلت من نفس البوتقه ..أن العنكبوت هو من ينسج الظلام بالنسبة للشاعر أي هو رمزٌ لليل أو للشر او للظلم عند الشاعر (سواء حقيقي أم تخيلي) .. لكن الشاعر عاد ونقض هيمنة هذا الرمز في البيت اللاحق وقدرته.. وهذا ما ينافي الفكرة التي بدأ بها لشاعر في المطلع !



لو كنتَ تقدرُ أن تقيم دعائمًا
مالي أراك كساكنٍ أطلاله!!


يستمر الخطاب للعنكبوت ..
الأسلوب إجمالا جاء لتثبيط /الليل، العنكبوت/ ..بصيغة الاستفهام والتعجب..
فكرة البيت.. القول بأن العنكبوت لا يستطيع أن يقيم دعائم ثابته لما ينسج /بيته/..
المعنى إجملا .. يخاطب الشاعر العنكبوت ويقول له أن بيتك أطلال /كما أراك/ .. إذا فانت لا تستطيع أن تُثبّت دعائم بيتك .. وهنا استعانة غير مباشرة وذكية .. بالآية القرءانية التي تقول بوهَن بيت العنكبوت ..
واجمالا الرمز بالعنكبوت لخدمة المعنى في البيتين السابقين كان موفق للغاية ودقيق جدا ..
ويشبه الشاعر في الشطر الثاني حال العنكبوت التي يرى أو يتخيل .. بحال من يسكن الأطلال حسما شبه .
وأشير تارةً أخرى إلى مقصد هذا البيت .. وتناقضه مع ما جاء به الشاعر في المطلع من حيث نكالة وغلبة الظلام ...!
ما أبرره ( إذا صح فهمي) بأن الشاعر غير جازم باعتقاده، متأثر بعاطفته ونفسيته .. يطغى على ذهنه بتأثير نفسي أن الظلام يسود وهو العنصر الأقوى، لكن عقله يرفض هذا لا شعوريا ويقر بما يجيء في هذا البيت .. الذي يثبتُ فيه أن مصدر الظلام /العنكبوت/ ضعيف نوعا ما وغير قادر على إقامة دعائم لما يبني من بيت/ظلام / شر .. إلخ مما يمكن أن نحمل عليه المعنى ..



الحبُّ في شرع الوجود حقيقة
مُلئت خيالا ما استطعتُ جداله


يُقرّ الشاعر .. كما هو واضح .. أن الحب في (شرع الوجود) حقيقة مثبته .. لكنها أيضا ملئت خيلا لم يستطع الشاعر (جدالها) والجدال هنا على قصد إثبات أن الحب حقيقة بالإجمال/هو احتمال من احتمالات المقصودة بمغزى الجدال وقد يقصد غيره كما سنتطرق، لكني أبدأ بظاهر المعنى/.. أي أن الشاعر لم يستطع مجدالة الخيال لإثبات حقيقة الحب الظاهرة .. التي قدمها في الشطر الأول ..(الضمير في جداله قد يكون عائدا على الخيال أو على الحب أو على شرع الوجود ! وكلها في النهاية تعطي ذات المعنى تقريبا ..
الفكرة تقول باعطاء الحب مكانه في الحياة أو تعريفه بالنسبة للشاعر.. حيث هو حقيقة لا يمكن إنكارها .. لكنها أيضا هلامية خيالية لا يمكن لمسها على أرض الواقع أو التعايش معها /في فكر الشاعر/..
طبعا إتجاه الفكرة سلبي فالشاعر وإن كان قد منح الحب شرعية وجودية .. لكنه عاد ونقض إمكانية تطبيقه أو التعامل معه واقعيا.. ووصف ماهيتهُ بالخيال الذي لم يستطع الأخذ والرد فيه (جدالا) وقد يكون قصد بالجدال مجازا عيش حالة الحب والتأقلم معها ..!
الشاعر في هذا البيت يبدأ مرحلة تفسير لحالة التشاؤم التي بدأها في الأبيات الأولى .. هي مرحلة أعمق تناسب التدرج النفسي والمعنوي ..
ويقدم للقارئ إشاره عن سبب ما يعاني ..
(ملئت خيالا) التركيب كناية عن وهمية حقيقة الحب ..(وما استطعتُ جداله) أيضا ينفي الشاعر الجدوى من الحب .. أو جدى تغيير الحال ..
لفظة (ملئت ) مجازية .. لكني لا أراها مناسبة تماما مع (ما هو مشروع كحقيقة) و(ما يمكن أن يجادل) .. لو استخدم الشاعر لفظة كـ (قالت، كتبت) أو ما يمكن ان يحل محلها لمناسبة السياق ..ويمكن مجادلته..
لكن ذلك لا ينفي أن البيت من أروع ما قال "المنطيق" بين عصري التقعر والحداثة !
بيت جميل بناءً .. فلسفي المعنى جاذب مثير الفكرة ..



خلف العيون رسمتُ ليلا من أسًى
لولا التفكرُ ما رفعتُ هلاله


يستمر الشاعر في مرحلة التأمل الفكري في قالب الإخبار، مازجا بين الوصف والتبرير الفلسفي ..
من حيث الفكرة .. هي إشارة لحال الشاعر بين الأسى ومحاولة الخروج منه .
ويشرح ذلك من حيث المعنى بأنه في عالمه الداخلي /وأرجح العقلي/ يرسم حالهُ ويتصور حياته كليل من أسى .. ويقول أنْ لولا قدرته على التفكر لما استطاع أن يرفع في هذا الليل هلالا ...والهلال بالنسبة له بارقة أمل أو اشارة تفاؤل ما ..!
الصورة جميل جدا وملفتة .. تصوير الشاعر ما يعيش، وتفكره فيه، بأنه يرسمه كليل وهذا الليل من أسى .. كمبالغة لإعطاء معنى الحزن والكآبة لليل المظلم في الأصل .. -ثم يتابع تصويرا- كأن العقل يستدرك ذلك الراسم بالتفكر ويفتح بابا ما فـ(يساعد الشاعر على رفع الهلال) أي يساعده على إيجاد فكرة ايجابية .. أو ايجاد حل ربما ..أو طريق للخلاص .. استخدام أو اشارة الشاعر لتلك البارقة بوصف الهلال الذي سينمو ويصير قمرا .. كان حركة جميلة تستحق الوقوف.
إشارة رفع التفكر لهلال.. تدعم الفكرة التي أشرنا لها في البيت السابق بأن الشاعر في دواخله يرفض حاله التشاؤم التي يعيش خلالها .. ويرد الخلاص منها .. لكنه لا يستطيع أن يرسو على أحد الجوانب .. هو تقريبا في حالة تذبذب بين مشاعره وأفكاره .. بين ما يجب أن يكون وماهو كائن ! وفي جميع المعاني التي طرحها للآن هو يُعبر حالة التناقض والارتباك بين الحقائق ظاهرة التي يعيشها أو يستشعرها.. ويحاول أن يصفها وأن يجد لها تفسيرا .. كما أن (ذاتهُ، فكره) تعطي اشارات برفضها وبأملها بالقادم !
وقفتُ عند لفظ فعل الرسم .. المتعمد من قبل الشاعر ..والتي أعتقد لو أنها كانت مبني للمجهول لكانت أكثر واقعية .. حيث لا أجد ما يدفع الشاعر لرسم ليل من أسى /هو قبل ذلك/ يحاول أن يقول أنه يعيشه !
وواردٌ أن الشاعر يريد بنسب الفعل لنفسهُ أن يقر أنه يدرك الحاله التي يعيش فيها .. ويعطي اشاره انه يعيها تماما ويفكر فيها ويرسم معالمها ..!
لكني أميل لجمالية أن تكون مبني للمجهول أكثر !
ثم.. قال الشاعر في بداية الشطر الأول (خلف العيون ) .. السؤال الذي يتبادر.. أي عيون يقصد ! بما أنه هو من رسم بعد ذلك ! ..وإذا كان قاصدا عيون /ذاته/.. لمَ لم ينسبها لنفسه وهنا ليكون التعبير منطيقي أكثر .. فلا جمالية تحسب له فيما إذا قصد عيون أخرى .. حيث سيكون المعنى مرتبك في البيت (فكيف سيرسم ليل من أسى خلف عيون غيره بالحال التي وصف، لم تذكر ولم يشر لها).. ولماذا يفعل والقصيدة تتناوله هو بالذات !
إذا هو بالتالي يقصد نفسه (بحسب السياق ) .. وكان الأولى أن يقول خلف عيوني رسمتُ ليلا من أسى .. لكنهُ الوزن بلا ريب !
وأيضا بيت على ما قلنا فيها كملاحظات لا تخدش جماله .. وتأثيره ومعناه الفريد!


يبكي بجوف النّاي حسُّ قصائدي
لحنا أُموسق للدّنا موّاله


يتابع الشاعر في المحور السابق .. خاصة في البيتين السابقين حين أعطى خلاصة تأمل وحقيقة توجعه وأشار إلى أساه .. هنا يقول عن الطريقة التي يعبر بها عن تلك الأفكار والمشاعر التي يشكو منها ..
كأنه يقول على نحو ما أني أعبر عن تلك الأفكار والمشاعر شعرا وقصائدا حزينة/تبكي بأثر حزني في داخلي وأخرجها/أقولها للدنيا موالا للطرب.. هذا من حيث المعنى ..
وتصويرا.. الشاعر لا يكتب .. الشاعر يعزف قصائده في ناي كلحن فيخرج صوتها كموال تعمد الشاعر أن يموسقهُ بهذا الشكل للدنيا .. لكنها قبل الخروج على هذه الحال تكون باكية في جوف الناي..أو صوتها هو الباكي (كتشبيه) ..
أتصور في هذا البيت مرحلتين في الصورة .. (حس القصائد يبكي في جوف الناي) ثم (يخرجها الشاعر لحنا مموسق للدنيا)..
الصورة على تركيبها لكنها تتلخص بصورة الشاعر الذي الذي يشبه نفسه بالعازف للناي..واللحن هي القصائد /يمكن القول أن (لفظ القصائد) هو وجه الشبه المراد ويمكن اعتبار (حسُ القصائد) هو وجه الشبه.. على أخذ معنى الصوت للفظة الحس الواردة في البيت/.. تلك القصائد التي تكون في داخله باكية حزينة كناية عن شعوره بها .. ثم يخرجها بحالٍ جميل مموسق ليطرب بها الدنيا .. !
الفكرة تقول بأن هذا الشاكي المتأمل.. هو شاعر حزين يقول حزنه فيُمتع به..

لفظة (الحس) تحمل معنى شعور القصيدة، ومعنى صوت القصيدة .. غير أني أفضل تناولها بمعنى الشعور وليس بمعنى الصوت ..حيث بكاء الشعور يكون أجمل .. ثم لا داعي لتكرار خاصية الصوت بما أنها وردت في الشطر الثاني بلفظة اللحن..والموسقة .. والبكاء في البداية!
و أتوقع أن الشاعر أراد منها الصوت وليس الشعور ، بحسب تركيب البيت !
البيت للشكوى بالدرجة الأولى .. التصوير فيه جميل الخيال بارز.. والمعنى المراد منه مناسب لموقعه ..



ذكرى تقطرها القلوب بعبرة
كالبحر يلقي للرمال سؤاله


يعطي الشاعر تفاصيل أكثر .. ولو أن ثمة قفزة من السياق السابق إجمالا إلى سياق /فكرة/ الذكريات.. يشعر القارئ بها ..!
كأن ذكريات محددة تخطر على بال الشاعر فجأة كسبب من الأسباب التي وضعتهُ في هذه الحالة النفسية والشعورية .. والفكرية ..
معنى البيت يكمن في أن ثمة ذكرى حزينة في القلب تسبب التساؤل !
تلك الذكرى تتشبع بها القلوب درجة أنها تقطرها .. وشبه هذا القطر بالدمع أيضا كناية عن الحزن
شبهت تلك القلوب بالبحر الذي يلقي سؤالا (من خلال الموج ربما) إلى الرمال .. وماهية السؤال غير محددة .. مبهمة وهنا لفتة جميلة موفقة ..
التشبيه تمثيلي بين شطري البيت .. وجه الشبه متعدد قد يكون في غزارة ذلك الإلقاء أو عمقة أو حتى حزنه ..أو جميع هذه الاشياء ...

أقف عند استخدام الشاعر للفظة (القلوب) في البيت .. وأعتقد أنها اعطت شعور بالتعميم في غير مكانه وساعدت بالخروج عن السياق السابق.. حيث تعني أي قلوب اجملا ..وليس قلب الشاعر بالتحديد .. والحقيقة أني لا أجد للجمع هنا مبررا (حسب سياق القصيدة) .. فأي قلوب يقصد الشاعر ..وما علاقتها بما هو فيه !
ثمة احتمال وارد أن البيت تابع لما قبله .. حيث قد يعني الشاعر أنه يلقي تلك القصائد مواويل مموسقة في الدنيا فتحرك في القلوب السامعة تلك الذكرى التي وصفها ..
واستبعد هذا الفكرة لعدم الاشارة لها أو وضوحها بين البيتين ..!
تركيب الشطر الثاني بدا سلس منساب على خلاف الشطر الأول .. في رأيي
وأتساءل عن معنى استخدام حرف الجر في (بعبرة).. بما أن المراد هو التشبيه النهاية لم لم يقل (كعبرةٍ مثلا) .. أرى أن حرف الباء لم يساعد المعنى كما يجب .. بل أعطى الصورة عمق آخر لا أجد انه دقيق بما يكفي !
وإجمالا التصوير تخيلي جميل .. قدمَ المعنى المراد من البيت بطريقة تمثيلية ..


في مهجتي كل الفصول تعانقت
حتى الشتاء.... فقد ترى إشعاله!!


يعاود الشاعر وصف أو التعبير عن الحالة التي يعيشها ..
فكرة البيت تدور حول زوال الأحاسيس أو وتداخلها بحيث تفقد ماهيتها../أو الأفكار ..وفقدان خصوصية الأشياء (الفصول المواقيت ، المعاني ..) ... من خلال اكتسابها لخواص نقائضها !
ربما أراد الشاعر القول بـ اللا شعور والاضراب الفكري /أيضا/ تلك التي -ربما- يعيشها..
يقول أن الفصول تعانقت في مهجته (نفسه، قلبه ..أو ما يمت لهما بصلة) .. والفصول هنا دلالة على استشعاره وتذوقه لمعاني المواقيت أو الأحاسيس المختلفة باختلاف الفصول ..
حتى أن الشتاء قد يُرى اشعاله .. كتصوير عن حالة نقيضة ..كناية عن فقد الهوية او المعنى كما أسلفنا..
استخدام لفظة (العناق) للقول بحالة التداخل بين الفصول ..أعطى معنى الحميمية ولا أرى أنها مناسب للسياق أو المعنى المراد !.. وقد يريد الشاعر بها أن يزيد حالة الشوق بين الفصول .. فيكون ذلك للمبالغة في تداخلها / ولعدم معايشته لها أو شعوره بها في النهاية ..
حيث هي في حالة شوق لبعضها من أثر حالة الشاعر .. فتتداخل حد العناق /.. هذا المعنى وارد بقوة .. حيث دعمه الشطر الثاني بتصوير اشتعال الشتاء .. لكني لحقيقة أشعر أنها تكلف في المعنى لا مبرر قوي له !
الخطاب في (ترى) أيضا دخيل على السياق ويوحي بأن ثمة مخاطب محدد (قد يرى حالة الاشعال)!.. لكن لا مخاطب في القصيدة غير العنكوت /من قبل/ وهو ليس في مقام خطاب كهذا ! واذا افترضنا أن الشاعر يخاطب القارئ .. فإن القارئ لم يخاطب سوى في هذا الموقع من القصيدة .. ما يدل على عدم المناسبة ومخالفة جو السرد والتقديم في القصيدة !

وقال الشاعر أن كل الفصول قد تعانقت .. فلا مبرر لذكر الشتاء لوحدة وتخصيصه بـ(حتى ) (كونها تشير إلى الغاية والنهاية).. وأقدر أن الشاعر أراد إظهار حالة الاشتعال /في الشتاء/ .. أو لفت الإنتباه لها بالذات لكنه لم يكن موفق في التركيب او البناء الذي اختاره (في رأيي)، في شطره الثاني بذكر (حتى) ثم اقحام مخاطب في تركيب (فقد ترى) مرفق بـ (فقد..) الذي يوحي بمعنى الاحتمالية تقليلا أو تكثيرا .. اجملا !
شطر البيت الأول كان جميلا لكن الشطر الثاني أضعفه !


وتقول ملهمتي وأمسك كفها
هذا السراب أما ينيخُ رحاله؟


يدخل الشاعر مرحلة جديدة ومختلفة ..
يدرج فيها صوت المحبوبة .. ويصف هيئة مختلفة نوعا ما ... بتقديم درامي حواري ..
البدء بـ واو الاستئناف ثم الفعل (تقول) .. ثم استطرد شارحا أن هذا القول جاء منها وهو يمسك كفها ..دلالة على قربها أو تخيله لهذه الحالة (أو تذكره لهذا الموقف وسرده إياها ) ..
نقول أن البدء بالفعل المضارع (تقول) أدخل القارئ في جو الحدث ومنح البيت تشويق خاصة بعد الشكوى في البيتين السابقين ..
إذن الشاعر يدخل على حوار مباشر بينه وبين ملهمته (وأقف عند مناسبة استخدام لفظة ملهمتي هنا بالتحديد، حيث أن الملهم ليس بالضرورة أن يكون قريب من النفس درجة الحب أو العشق مما ينطبق على شكوى الشاعر في بداية الأبيات، لكن قد نقول أن ليس كل ملهمة حبيبة .. لكن كل حبيبة قد تكون، وعلى هذا من السياق يستنتج أنها الحبيبة .. لكن اللفظة بحد ذاتها لا تُدلل، خاصة في أول موضع ترد فيه في القصيدة ..، في سياق شكوى محاربة هذا الحب أو هذه التجربة) وهنا هي الذائقة ما تفرض نفسها..!
تقول الملهمة .. والشاعر يمسكُ كفها .. بصيغة التساؤل والتبرم ...(هذا السراب أما ينيخُ رحاله ) دلالة الشطر تقول بالتساؤل عن زمن إنتهاء أو زوال الحال التي تعاني منها المحبوبة الملهمة والشاعر .. ووصولهما للأمل الذي يصبوان له ..(وهي فكرة البيت ).
قصد بلفظ السراب .. ذلك الأمل الذي يسعيان خلفه ..
والشطر ككل كناية عن طلب الخلاص والراحة بالوصول والاستقرار.. وبزوال المشاكل..
جرى تشبيه الأمل/الغاية المرادة .. بالسراب المرتحل البعيد .. ووجه الشبه البعد واستحالة الوصول .. استخدمت لفظة /ينيخُ/ مجازا بقصد القعود والراحة..
والتصوير جميل ..كما صيغة التقديم في البيت إجمالا جاءت مناسبة عذبة ..



نتابع ..(قصيرة النفس) ..: )




نتابع مع الاختناقات الرمادية ..


قلتُ انظري يا روحُ!! لسنا وحدنا
جمع السراب ظلالنا وظلاله


في البيت السابق .. تتساءل المحبوبة عن الحين الذي يمكن لهما فيه الوصول لغايتهما والراحة ..
لكنّ الإجابة على لسان الشاعر في هذا لبيت بدت مختلفة لا تناسب سياق السؤال ! من حيث المعنى ..
البيت هنا .. يجري على لسان الشاعر، يخبر حبيبته بعد خطابه إياها (انظري يا روح!! لسنا وحدنا) .. أنهما ليسا وحدهما .. وأن ثمة سراب جمع إلى ظله .. ظلهما !
أعتقد أن السراب هنا اختلف مغزاه عما قُصد به في البيت السابق .. حيث هو في ذهن الشاعر شيء يرمز لمشكلتهما ويلحق بهما ..(كما دلل على هذا البيت التالي ) ..
وهذا السراب جمع إلى ظلهُ ظلال الحبيبين ..
من حيث التصوير.. هذا السراب يجمع إلى ما فيه من ظل (والظل هنا إمعانا في وصف سعة ومدى المشكلة... حيث هو ليس سرابا بل سراب وله ظل من فرط سعته..) وهذا السراب يظلل/يجمع ظل الحبيبين .. كناية عن قربه الشديد منهما ..(فهما ليسا وحدهما ) ..
المعنى باختصار .. أن الهَمّ أو المشكلة التي تواجه الشاعر والمحبوبة ترافقهما كظلهما ..
وفكرة البيت تقول بيأس الشاعر واستشعاره العميق لواقعه الذي يشكو منه ..
هناك ثلاث نقاط أقف عندها ..
التصوير في البيت جميل /الصورة ملفته/ (أقصدُ فكرة التشبيه) لكن الصياغة أربكت الفهم .. حيث أن الشاعر حبك البيت كإجابة مواسية على سؤال /أو/ هذا ما يتوقعه القارئ بناءً على صيغة الشطر الأول من البيت(يقول الشاعر مخاطبا /بود/ المحبوبة ... "انظري يا روح لسنا وحدنا" ) فيتوقع القارئ أن يقول الشاعر ما يخفف عن المحبوبة .. لكن الشاعر جاء في شطره الثاني من البيت بمعنى مغاير تماما ..! وسلبي الفكرة
النقطة الثانية : مغزى كلمة سراب .. حيث صوره الشاعر على لسان المحبوبة في البيت السابق.. على أنه شيء يرتحل وتطلب أن يحط رحاله .. ثم استخدم هنا نفس اللفظة /السراب/ وصوره بأنه قريب ويظللهما في صيغة اجابة على سؤالها المطروح أو استنكارها للحال من قبل.. وهذا تناقض في استخدام اللفظة ..!
أخيرا .. لفظة السراب مناسبة جدا لمعنى الأمل البعيد .. كما شرحنا في البيت السابق.. وغير مناسبة للمغزى الذي جاء به الشاعر هنا .. /إلا إذا قصد بها في البيت السابق ما يماثل القصد هنا، أي أن المحبوبة أرادت بالسراب ما يلحق/يرتحل خلفهما / وتطلب أن ينيخ رحاله عنهما بقصد الخلاص أيضا..! لكن في هذه الحالة .. نقول أن الأولى بالسراب هو البعد والسعي خلفه خاصة في حال وصف الحركة لمراعاة وجه الشبه) !!
وأعتقد أن الأولى استخدام كلمة /الضاب/ للمناسبة ..وليكون دالا على ما يلحق بالشاعر من هموم ومشاكل، ويضم إلى ظله ظلهما !



ووراءنا يمضي بُعَيد تذكُّر
ماضٍ كليثٍ حارسٍ أشباله


يصور الشاعر ذلك السراب بأنه وراءهم ..لكن هو بعيد تذكر، بمعنى أنه لا يسير خلفهم حقا إنما في الذاكرة حيث حدث في وقت ثم ظل يمضي خلفهما /زمنيا/ .. ملازما لهما في الحياة ..
الشاعر يتابع الحديث عن السراب/كناية عن ما يسبب حزنه في الحياة او سبب مشاكله/ .. وشبه سيره خفهما /في الذاكرة/ بسير الليث الحريص على أشباله، من حرصه عليها..إذن فالسراب بما يرمز .. حريص على مرافقة الشاعر والمحبوبة وحراستهما .. دلالة على ملازمة أسباب الحزن الشديدة لهما ..!
الصورة تمثيلية .. جميلة جدا أرى فيها طريقة المنطيق في التصوير جليه (في الشطر الثاني) ..
وجه الشبه المقصود هو الملازمة (ملازمة الليث لأشباله والحرص عليها) ..والصورة قوية جميلة تخدم معناه بدقة .. لكني لا استسيغ أن الموصوف في هذه الحال هو السراب المكنى به عن المشاكل أو الصعاب .. كما في البيت السابق!
وغير ذلك فالبيت جميل جدا .. وقوي وفيه كاد يظهر الوجه السابق لعماد حداد .. ذلك الوجه الذي من الظاهر أنه يحاول جاهدا تقمص غيره ... والحقيقة كان ناجحا في أغلب المواطن في الأبيات السابقة..


كل الحدائق هاجرت من موطني
إلا المواجع عانقت أطلاله


(كل الحدائق هاجرت ) هنا في هذا التركيب .. ابتعد المنطيق عن وجهه مسافة جيدة.. هذا ما شعرت!
يبتعد الشاعر في سياق هذا البيت عن الحوار الذي دخله .. حيث رجع إلى أسلوب الإخبار والوصف بصوت الذات والشكوى .. ويشعر القارئ أن الشاعر عاد لذاته .. وخرج عن جو الحوار مع المحبوبة .. وعن اجابة سؤالها .. حتى خرج عن إطار الصورة التي وصف (تسأله وهو يمسك كفها)..!كأن الشاعر لا يستطيع الانفلات من دواخله .. وليس لديه ما يدفعه لذلك !
يقول البيت .. بمعنى أن مسببات الجمال والفرح والخير/في لفظة الحدائق/ قد هاجرت من موطن الشاعر .. الموطن قد يكون مجازا عن دواخل الشاعر .. وقد يكون حقيقة /يعني به موطنه فعلا/ .. سوى المواجع بقيت معانقة للأطلال ..
والفكرة تدور حول فقد الشاعر لأسباب الحياة الجميلة وتملك الحزن عليه قلبه ..
بناء البيت وتصويره سلس جميل وأنيق .. ينفذ إلى ذهن القارئ حاملا معناه بوضوح على تداول الصورة والتركيب ..



نسي الخريف على الجوانب لونه
ولربما غدر الطبيعة طاله


في اثر هجرة الحدائق .. في صورة البيت السابق ..وفي إثر تماهي الفصول في بعضها في بيتٍ سابق أيضا ..
يمضي الخريف ناسيا لونه على الجوانب( والجوانب .. جوانب طريق مُتخيل .. يدللُ على طريق الحياة ) .. وهذا النيسان بسبب غدر الطبيعة ربما !
البيت بشيرُ ببساطة إلى بقاء الحزن والخواء والموات في دواخل الشاعر .. /هي الفكرة من البيت/.
والمعنى .. أن الخريف بما يشير إلى حياة وحركة من خلال ماهيته وأهميته بين الفصول ودوره الذي يمثل نقلة بين حالة الحياة والموت ..
الخريف بدوره وجماله واهميته في الحياه يمضي .. تاركا خلفه لونه فقط الذي يدلل على النهاية بطريقة أو بأخرى ..!
ومضي الخريف .. ناتج عن غدر الطبيعة له ..
يريد أن يقول الشاعر أن الطبيعة تعادية وتعادي أسباب حياته أيا كان دورها ..
وقد يكون الضمير في (طاله) عائدا على اللون (لون الخريف) ..وهنا يكون معنى الغدر راجع على لون الخريف .. ويكون المراد أن الطبيعة تغتال حتى بقايا الفصول /بما ترمز/ على أثر للحياه في داخل الشاعر..أو في عمره ..!
إجمالا التصوير جميل /تمثيلي/ .. وجه الشبه بين الشطرين هو /أسباب الحياه/ ..
استخدام ربما .. أوحى أن الشاعر لا يدري/متى وأين/ سيأتيه الاغتيال (للألوان.. أو للخريف) .. مما أعطى بعد جميل للمعنى .. كما عززت عاطفة اليأس وأظهرتها بقوة ..
والبيت كما الذي قبله ..أعتقد أنه جاء في موضع غير مناسب من القصيدة ..
كُررت فيه الفكرة .. والمعنى .. على جمال القالب والتصوير


وتقول لي والحرف أدمى معصمي..
-والشعر يوقد في الجريح خياله- :

يرجع الشاعر إلى خط الحوار الذي بدأتهُ المحبوبة معه /المتخيل كما أشرنا أو المُتذكر/ .. حيث يدرج بعض ما جرى فيه حسبما يلحُ عليه المعنى /على ما يبدو/ ..
وكأنه في حالة تذكر لا يستطيع ضبط المجريات بينها وبين المعاني التي تخاطره في لحظة الكتابة ..

يتابع قول المحبوبة..(قولها يأتي في البيت التالي) .. وقبل أن ينقل قولها..
يعطي صورة عن حالته التي تستقبل ذلك القول ..على أنه : شاعر يستمع إلى محبوبته والحروف كأنها تدميه بقيدها حيث لا يستطيع الخلاص منها فهو بسببها جريح.. وخياله متوقد جراء الشعر.. وكان هذا التوقد على الجريح فوق ما به مبالغة في وصف معاناة الشاعر وتوجعهُ نتيجة لإدراكه الكامل لواقع معاناته .. التي يحاول قولها حروفا وشعرا ..(كونه شاعر) وهو لا يستطيع الخلاص حتى من هذا الشعر ..
(هو كالمقيَّد إلى الحرف /الشعر) ويزيد الشعر آلامه بما يمنحه من زيادة في القدرة على التخيل، واجباره على قول معاناته وصياغة معانيها بعمق أكبر حيث يعيشها/يستشعرها أكثر بالشعر..!

ذلك كان من حيث المعنى ..
وفكرة البيت تدور بارتباط الشاعر بحرفه وشعره .. وزيادة هذا الارتباط عليه وجعه وألمه لما يجتره الشعر على الشاعر من تأمل وتفكر وقدرة على قول المعاني وسبرها..!
الشاعر وصف كل ذلك في حالة ( سماع ) لما ستقول المحبوبة .. كأنه يدري بأنه مجبر على الرد بما يوجعه أو بما لا يملك فيه حلا أو خلاصا على هيئة شعر ..!

التصوير ..شبه الشاعر الحرف بالقيد وقال أنه أدمى معصمه (كاستعارة) ترمي للجرح الناتج عن القيد والألم الناتج عن الكتابة (كوجه شبه) ..هذا في لاشطر الأول.
في الشطر الثاني .. أيضا (الشعر يوقد) استعارة مكنية، والشطر كناية عن قدرة الشعر على توسيع وزيادة مساحات الخيال .. واعطائها مدى/حرارة ليس فيها .. في الحال الطبيعية ..
الشطر الثاني من البيت يوحي أن الشاعر سيقول شيئا ما أو سيستخدم ذلك الخيال المشتعل أو الموقَد .. للرد على المحبوبة .. لكن هذا لم يحدث .. وأكمل الحوار على لسان المحبوبة ..!
مما يجعلنا نقف على هذا ونسأل لمَ إذن وصف حاله وخياله وحرفه الذي يقيده .. بما أنه لا يريد أن يرد أو أن يتبعها بقول ما ..!
نقول على ذلك، أن البيت جاء فقط ليخبر أن المحبوبة ستقول شيئا ما .. والباقي فقط وصفي لا مكان له أو لا داعي له (من حيث المعنى والسياق ) .. !
وغير ذلك .. فالبيت بذاتهُ /تصويرا ومعنى مستقل/ جميل ومؤثر ..


إنّ السبيل إلى اللقاء طويلة
والأفق يخفي سَرْوُهُ أوصاله

إذن تقول المحبوبة ..
أن السبيل إلى لقائهما طويلة والأفق/مجازا عن المستقل أو الحياة القادمة/ مخفي بـ (سرو أوصاله) كناية عن ما يُغيب ذلك الأفق ويخفيه خلفه (بأوصاله) .. كلمة (سَرْو) لها عدة معاني في المعاجم(منها المروءة، هي اسم لشجرة ..وغيرها ) ، ووجدتُ بعد الاطلاع أن مقصد الشاعر منها يصبُ في نقطة واحدة، هو في الكناية التي ذكرنا ..و الأوصال مجازا .. عن عمق الليل ..
ولا أرى في تركيب (يخفي سروه أوصاله) تركيب ناجح جدا! خاصة بأخذ معاني (سَرو) الدقيقة بعين الاعتبار! وأعتقد أن الشاعر فكر في استخدام لفظة (سرى) أو ما يمتُ لمعناها بصله، لكنها لم تخدم الوزن فاستعاض بـ (سَروه).
ضمير الغائب المستخدم تباعا في اللفظتين (سروه، اوصاله) أثر على معالم الصورة تقريبا وأربك الفهم.. كان يمكن أن يقول (الأفق يخفي السرو في أوصاله ) على سبيل المثال لا الحصر ..إلا إذا كان القصد معنى لم يخطر لنا !
إجمالا القصد بأن الليل يخفي ما يمكن أن يُعين الشاعر عليه..في أوصاله العميقة ككناية عن صعوبة رؤيتها أو استبيانها أو قد يكون القصد (حرصهُ الشديد عليها حيث ضمها أوصالهُ)..
بما يعني أن الحياة القادمة لا يوجد فيها ما يبشر بالخير أو ما يلوح ببراقة أمل ..
وفكرة البيت تقول بصعوبة اللقاء ..
القول هنا متشائم .. يوحي بالتسليم واليأس .. جرى تلطيف حدته في البيت اللاحق حيث هناك أملٌ ما !



يا ساكنا روحي وحيرة أدمعي
إني دعوتُ من الأسى آماله

تتابع المحبوبة .. في خطاب مباشر للشاعر.. (يا ساكنا روحي) كناية عن قربه الشديد منها أو حبها الشديد له .. (وحيرة أدمعي ) كناية عن أن المخاطب سبب في حيرة الدمع (الحيرة هنا مجاز عن اختلاف /عدم بيان أسباب البكاء) قد تكون تلك الحيرة إما لأجل الشاعر بأسباب خارحية (وهذا المرجح ) وإما بسبب الشاعر نفسهُ ..! واللفظة مع تركيبها جميلة شاعرية مقبولة باختلاف مراميها ..
تتابع المحبوبة في الشطر الثاني بعد الخطاب في الشطر الأول (إني دعوتُ من الأسى آماله) أي تخبر الشاعر بعد تنبيههُ ..أنها تنتظر الأمل الذي (دعتهُ من الأسى) ..!
من حيث المعنى هو ليس دقيق تماما .. حيث أراد الشاعر القول بأمل ما يأتي وتطلبهُ الحبيبة وتدعوه من بين انتشار الأسى ...والحزن ..!
وأن يكون الأمل من الأسى نفسهُ .. هذا ما لا استسيغه في الحقيقة! قد يُطلب الشيء مما يمكن أن يتواجد فيه على أي وجه .. وأعتقد أن المشكلة في استخدام حرف الجر (من) ربما لو قال الشاعر إني دعوت (على) الأسى ربما يكون المعنى أقرب لما أريد له..!

إلا إذا كان المراد هو التثبيط .. كمن يطلب المستحيل من الشيء !
وهنا يختلف المعنى جدا .. لكني أرجح المراد الأول ...أي طلب الأمل وانتظاره ...
إذن البيت إجمالا يقول بانتماء المحبوبة للحبيب الشاعر ..ومثابرتها على طلب الأمل أو انتظاره (أي أمل اللقاء) ..

فكرة البيت (بإعطاء بارقة أمل ) جميلة /كفكرة/ ختم .. غير أنها جاءت خلال حديث (على الأغلب على لسان المحبوبة.. بالنظر إلى سياق البيتين الأخيرين ) والقارئ قد ينتظر ردا ما ..من الشاعر أو قول خلاصة ما .. وعلى هذا البيت غير كافٍ ليكون مخرج بالنظر إلى الأفكار المطروحة خلال القصيدة، خاصة في نصفها الأول وبدايتها ..
القارئ يشعر بارتباك النهاية وعدم ملاءمتها، أو ذلك التباين بين مستوى الأبيات الأولى وقوتها ... وبين ضعف المخرج، بالتحديد من الناحية الفكرية .. ويلمس أيضا خفوت التركيب ..!




إجمالا ..

أغلب النقاط التي أود قولها ..كنت قد قلتها إما في التمهيد أو خلال القراءة ..
لكن يخطر لي الآن أكثر الملاحظات بروزا ..

الفرق الواضح بين أبيات القصيدة في نصفها الأول وبدايتها ..ونصفها الثاني ومخرجها (حيث يكفي فقط قراءة المطلع والمخرج لاستشعار الفارق ) ..وأرجح أن الشاعر لم يعطِ الأبيات الأخيره حقها كاملا .. وعليه كنت أتمنى أن لو أولى الشاعر أهمية أكبر للمخرج /بالنسبة لمتن القصيدة ../حيث يظهر جلي أنه تسرع فيه ..

ثم ثمة تباين واضح في السرد أو مجرى تقديم الأفكار حيث يلمس القارئ الانتقال المفاجئ بين الأفكار.. مما يقطع به حبل الربط بين الأبيات ..
كما تباين ملحوظ من حيث التركيب ..

إجمالا .. القصيدة فيها أبيات متوسطة الأداء وأخرى قوية جميلة من جميع الجوانب تشهد للشاعر جماله ..
وثمة فكرة جميلة/مهمة .. لفتت انتباهي في القصيدة ..

وهي أنه في قصيدة محورها العميق عاطفي شخصي.. مثل هذه بل ومشكلتها التي قامت عليها مشكلة كثيرا ما يتناولها الشعراء ويكتبونها، كالمشاكل أو الصعاب التي تواجه المحبين عادةً ..
أقول كانت الناحية الفكرية في القصيدة هي البارزة العميقة والأكثر تأثيرا..جاء بها الشاعر في إطار تأملي فلسفي تصويري جميل .. أي أن الشاعر لم يترك لعاطفته وانفعاله فرصة التأثير عليه وعلى تأملاته الفكرية .. بل سار في تأمله بعيد عن أي انفعال أو توجد/ توله .. مما يمكن التطرق إليه في هذا السياق /أو هذه الفكرة ... /بعيدا عن سلبية أو ايجابية هذا التأمل كإتجاه/
في ظني هو من تأثير اللوحة المعنية التي غزل حولها أو بأثرها الشاعر هذه القصيدة ..


والحقيقة أجمل ما في القصيدة والأكثر إثارة.. أنها للمنطيق الذي عرفناه،
قد أثبت بها أنه قادر على تقديم أكثر من لون وهيكل للغته ولأفكاره ولبنائه الشعري ..


ثم إنه هذا ما جنيتُ منها ..
وما به جنت علي : )
شكرا لك يا شاعر سلمت القريحة













النص : متى تموت





الناص : الشاعر محمد أمين



الضوء : الاديبة حولة عبد الكريم




----------------------------------








متى تموت





مــاذا إذا تَرَكُوكَ يوماً مِثْلَهُ


طفلاً يُكَسِّرُ في المرايا ظِلَّهُ



طفلاً بطعم الحقدِ دمعةُ يتمه

لم يَنْكَسِــــرْ للموتِ حين أذلَّهُ





بالراحلين توجعاً والعاكفين تَجَلُّداً والمُبْحِرينَ وأهلَه



قالــوا تألَّمَ فانثنتْ أعصابُه

قالوا تحرَّقَ والهجيرُ أظلَّهُ





قالوا بأنَّ الحزن لَوْنُ عيونِه

والتيـــه عربد فيهما فأضلَّهُ





مجــــــنونةٌ تلك العيونُ لعلَّها

والطفل مجنون الجراحِ لَعَلَّهُ





أنا ذلك الطفـــــلُ المُدَمَّى يا أبي

من لي سواكَ ومن لقلبي مَنْ لَهُ





أنا مرهق الأوتار مثل قصيدتي

قد مــــلَّ جرحي من جريحٍ مَلَّهُ





إن الذي كانت يداكَ شِراعَه

أضـحى أسيراً للأسى لِيُقِلَّهُ





خذني إليك ولو بكاءَ قصيدةٍ

وادفـن بِكَفَّيْكَ انكساري كُلَّهُ





قَبِّلْ عيــــوني لن أخبِّئَ أدمعي

دمعي دمي والورد يعشَقُ طَلَّهُ





هذي ذئاب الفَقْدِ تسعلُ في دمي

والرعـبُ ينفخ في اختناقي سُلَّهُ





حتى جناحي قد تهاوى موهنا

إن الــذي قد شلَّ روحي شّلَّهُ





لو كذبةً في الحلمِ خذني مرةً

ما كـــان أصدق حبَّنا وأَجَلَّهُ





ها أنت في قَصْرِ التراب وها أنا

في قبــــرِ فَقْدِكَ أستميحكَ وَصْلَهُ






أبتاه مُتْ "سيزيف" حزني مُرْهَقٌ

مـــــت رحمة بي كي أخفِّفَ ثقْلَهُ





أبــــــــــــــــديَّةُ الآلام روحُ قصائدي

فاقطع غصون الحزن واحرقْ أصْلَهُ





أماه صبراً فالزمان دوائرٌ

"ما كــان أكثره لنا وأقلَّهُ"





************






كنت قد وعدتُ بعودة ..وهأنذا
والكلام المدرجُ هنا هو على أقل تقدير نصفُ ما كان يجب أن يُقال
بما يعني أني حقا أزحتُ كثيرا طلبا للايجاز
تقبلهُ بين يدي حزنك الجميل على قصوره




اقتباس:
مــاذا إذا تَرَكُوكَ يوماً مِثْلَهُ

اقتباس:


طفلاً يُكَسِّرُ في المرايا ظِلَّهُ


السؤال الاستفهامي يباغت في الصدر
والصورة تصفع دهشة في العجز
أي حزنٍ سلب الطفل تلهّي الأطفال بظلالهم في المرايا .. وأبدلهُ تكسيرها!
عمق الصورة وتأثيرها البليغ .. يكمنُ باستمرارية فعل التكسير الذي تُشير لهُ لفظة الظل المفردهُ/ظل الطفل ذاته في كل مرة / .. ولفظة الجمع لـ /المرايا/ .. مما يقول بالتكرار وينبي عن مدى حضور الحالة وعمقها ..
دلالة تكسير الظل أو سببها .. يتجلى لاحقا
لكنها هنا مباشرةً توحي بنزق ما ..
نزق طفولي حادٌ حزين جدا
البيت مطلع ناجح جدا ..
وسبق أن وصفتهُ بلوحة وحده .. وهو كذلك وأكثر



اقتباس:
طفلاً بطعم الحقدِ دمعةُ يتمه

اقتباس:


لم يَنْكَسِــــرْ للموتِ حين أذلَّهُ


دمعةُ اليتم .. بطعم الحقد
التركيبان السالفان كل منهما مدى رحب ..
هي ليست دمعة يتيمٍ واحد .. بل دمعة /يُتم/ كحالة كاملة
ليس للحقد طعما بيد أنّ اللفظة مجازية تقول بكل ما يمكن أن يصف الحقد في روح طفل حين يبثهُ فيها اليتم ..والتركيب واسع شامل الدلالة ..
في الشطر الثاني .. برر ذلك الحقد وسببه
وهو محاولةُ الموت إذلالَ الطفل
الذي لم ينكسر ..
لفظة الكسر تحيلنا مباشرة إلى البيت الأول .. إلى ذات الطفل الذي امتهن كسر ظلهُ في المرايا ..
لكنه هنا لا ينكسر !

ولا نملك غير الموافقة .. فدمعةُ اليتيم/الطفل/ في حلقه حقدا على الموت ..
هذا الشعور منطقي جدا وليس مستبعدا عن وصف احساس أي طفل يتيم في العالم، وجمال الشطر أنهُ خص ذلك الحقد بـ/الطفل/ .. وليس بحالة ناضجة فكريا ..
كنت سأقف ضد لفظة /أذلهُ/ الموجعة لولا أنك يا شاعر نفيتها بعدم الانكسار بها ..


اقتباس:
بالراحلين توجعاً والعاكفين تَجَلُّداً والمُبْحِرينَ وأهلَه


الموت حاول اذلال الطفل بالراحلين وتوجعهُ بهم
والعاكفين وتجلدهُ لهم
والمبحرين وبأهله .. وأعتقد هذا الجزء جاء ليتمم الشطر رغم اشتماله على دلالة اضافية .. لكنها مفهومة ضمنا


اقتباس:
قالــوا تألَّمَ فانثنتْ أعصابُه

اقتباس:


قالوا تحرَّقَ والهجيرُ أظلَّهُ


الفاء سببية بين قالوا تألم و إنثنت أعصابهُ.. لكن السؤال هو ..
هل ردةُ فعل الانثناء في الاعصاب راجعة بسبب الفعل /قالوا/ .. أم الفعل /تألمَ/ ..!
الأقرب للتناول .. هو أن تكون ملحقة كسبب للتألم
ولا يعدم الشطر احتمال الفهم على الوجه الأول ولن أخوض في تأول هذا..
إذن يكون المعنى المراد .. أنهم قالوا عنهُ أنه تألم لدرجة أن أعصابه انثنت..
وأعتقد هنا أن الشاعر متأثر بتخصصه
حيث خلية الأعصاب طولية الشكل غير منثنية/على ما أذكر/ ويكون انثناءها على ذاتها كناية عن شدة الألم
الشطر الثاني خالفَ صيغة السببية الواردة في الشطر الأول
وجاء على صيغة الوصف والاستدراك للواقع حين قالوا أنهُ تحرّق.. لكن في الحقيقة هو لم يتحرّق فقط .. إنما أيضا يظلهُ الهجير ..!
وقد تفهم الصيغة بتتابع القول
أي أنهم قالوا تحرق وقالوا أنّ الهجير أظلهُ لكني أرجح المعنى الأول لقوة تأثره ..
وفي الشطرين الشاعر تفنن في وصف وجعه والاخبار عنه


اقتباس:
قالوا بأنَّ الحزن لَوْنُ عيونِه

اقتباس:


والتيـــه عربد فيهما فأضلَّهُ


الشاعر يقرُ حالا/حالهُ/ ويصفها من خلال .. قالوا ..
أي بطريقة غير مباشرة
الصورة بديعة جدا في هذا البيت ..
استحلّ الحزنُ لون عيونه، والعين عادةًُ لونُها ينطق ويلمع ويُعبر ..
وفي الجهة المقابلة فإن التيه عربدَ فيهما /مجازا/ .. لفظةُ ..فيهما.. فيما يخص العيون فقط .. تقولُ بحالين
الأول أنهُ شيء داخلي /أي أنها تعكس ما بداخلها .. والثاني أنهُ مستقبل من الخارج منعكسٌ فيهما
على هذا يكون الشاعر شمل عالم طفلهِ الحزين داخلا وخارجا .. يعربدُ فيه التيه فيضلهُ..
اختيار فعل /يعربدُ/ واقرانه بالضلاله .. كان ربطا جميلا جدا ومنطقيا جدا ..من حيث انسجام اللفظتين دلاليّا
فالعربده تؤدي للضلاله ..


اقتباس:
مجــــــنونةٌ تلك العيونُ لعلَّها

اقتباس:


والطفل مجنون الجراحِ لَعَلَّهُ


كأنّا بصوتهم الداخلي أولئك الذين قالوا من قبل ..
يعلو بهواجسهم في محاولةٍ لتفسير/تعليل ما..
فخلصوا إلى أنهُ لا بد مجنونة تلك العيون لعلها
ولعلها الجراحُ فيه هي المجنونة ..!
حرف الواو العاطف في أول الشطر الثاني ضبطَ طرفي الاحتمال ووازن بينها بتساوي ..
هذا البيت فاتنُ الصياغة وذكي التركيب ..
خلّص الشاعر نفسه من أن يكرر المعنى ذاتهُ فيما إذا قال بجنون العيون وجنون ما يخصُ صاحبها باختيار لفظة /الجراح/ حيث الجراح هي مما في الطفل لكنها مكتسبة خارجة عن سيطرته.. بالاضافة لما فيها من قوة دلالة على مدى الأثر الناتج عن ذلك الحزن/الفقد..


اقتباس:
أنا ذلك الطفـــــلُ المُدَمَّى يا أبي

اقتباس:


من لي سواكَ ومن لقلبي مَنْ لَهُ


اعتراف سلس بغيتة الشكوى المتوجعة جاء على صيغة الاعتراف ..
يقرأ المرء هذا البيت فيخال الشاعر يكاد يلفظُ أنفاسهُ وهو ينطقه
المبالغة في لفظة /المدمّى/ مبالغة موجعة في مكانها
والتكرار في الشطر الثاني /من لقلبي من لهُ/ .. جاء مؤثرا جدا ..
على بساطة البيت لكنهُ كالوتر الحساس المرهف الذي يقول/ يبوح بوجعه همسا متعبا ..


اقتباس:
أنا مرهق الأوتار مثل قصيدتي

اقتباس:


قد مــــلَّ جرحي من جريحٍ مَلَّهُ


التشبيه مركب جميل في الشطر الأول .. فالشاعر وقصيدته كل منهما آلة عزف مرهقة الأوتار ..
دلالة على الوجع المشترك .. والعزف المشترك
وفي الشطر الثاني يشارك الشاعر جرحهُ المَلل ../كما شارك قصيدته ارهاق اوتارها/..دلالة على طول زمن العراك بينهما ..
أيضا تقنية التركيب حرفية عالية.. خفيفة على السمع، عميقة المعنى رائعة التصوير..


اقتباس:
إن الذي كانت يداكَ شِراعَه

اقتباس:


أضـحى أسيراً للأسى لِيُقِلَّهُ


هذا البيت من الأبيات التي استحوذت على ذهني في أول قراءة
بديع التصوير والبلاغة ..
استعارة لفظة الشراع ليديّ الوالد جدُ جميلة وعميقة المعنى
لله درك يا امير .. والله انّ أيديهم أشرعتنا بحق .. /رحمهُ الله والدك/ ..
إذن ذلك الذي كان حُرا طليقا مشرع الأشرعة
أضحى أسيرا للأسى يُقله ..
الصورة متصلة مكتملة في الشطرين متلاحمة المعنى ..
لن أزيد فيه لكن
هذا البيت درة !


اقتباس:
خذني إليك ولو بكاءَ قصيدةٍ

اقتباس:


وادفـن بِكَفَّيْكَ انكساري كُلَّهُ


تبا لك !
ماذا أقول هنا
الطلب قاتلٌ في فحواه فكيف بهِ وهو موجهٌ لأبٍ قد رحل
لفتني الاعتراف بالانكسار فقط بين يدي الأب ..
في مطلع القصيدة وحين كان الحديث عاما كان الأولى اظهار الانفَة
وكلما اقترب الشاعر /مع التصاعد الشعوري / من نفسهِ ووصل بين يدي والده جاء الاعتراف في مكانهِ الجليل تماما .. حيث العلو والسمو الانساني بين حاجة الوَلَد وكفي الوالِد ..
أيضا هذا من أجمل أبيات القصيدة وأبلغها تأثيرا في نفس القارئ ..


اقتباس:
قَبِّلْ عيــــوني لن أخبِّئَ أدمعي

اقتباس:


دمعي دمي والورد يعشَقُ طَلَّهُ


يتجلى الطلب واللجوء والتمني ذات الوقت في الشطر الأول
دمعي دمي .. تشبيه تام بليغ .. يقول أن العيون تنزف من وجع الشاعر ..والتشبيه بالمجمل متداول .. لكن أن تجتمع ألفاظُ/الدمع والدم والطل / في ذات الشطر وبهذا الانسجام والجمال هو ما ليس متداول ..
فكرتُ في دلالة أن يعشق الوردُ طلّ الدمع المدمي ذلك
وأرجحُ انه مدحٌ ذاتي للحالة ..أراد به الشاعر أن يقول بخير دمعهِ/حزنه وجماله
بمعنى آخر أنهُ حزنٌ /دمعٌ جميل كونهُ لاجل ذلك الاب وبين يديه..


اقتباس:
هذي ذئاب الفَقْدِ تسعلُ في دمي

اقتباس:


والرعـبُ ينفخ في اختناقي سُلَّهُ


ينقلنا الشاعر إلى صورة قاسية في واقعه نسبة للصورة التي رسمها بين يدي والده كتمني وحلم في البيت السابق .. رغبة في المقارنة ..
خاصة وأنه بدأ الشطر .. بالاشارة /هذي/.. وأكمل بالصورة التمثيليّة
ليُمارس خياله الذي عودنا
الفقد في روحه ..ذئابٌ تسعلُ في دمه فتلوثه
والشعور في قلبه .. رعبٌ ينفخُ /مجازا/ حاله المختنق سلهُ
أيضا /الطب/ يظهر جليّ
والانسجام اللفظي في الصورة متقن ..من حيث الدلالات..
السعال،الدم..النفخ الاختناق والسّل ..
الكينونة كلها لصورة مشرّحة بمبعض شاعر متقين ..


اقتباس:
حتى جناحي قد تهاوى موهنا

اقتباس:


إن الــذي قد شلَّ روحي شّلَّهُ


بالاضافة للداء الذي أصاب الدم .. والنّفَس ..
يتابع الشاعر أن جناحهُ قد تهاوى يعتريه الوهن
الجناحُ مجازا عن قدرة الشاعر الحركية ..
والذي شلّ الروح .. ذاتهُ السبب الذي شلّ الجناح ..
وأظن أن ثمة زيادة هنا .. حيث أن شلل الروح وسبب ذلك الشلل
هما بالضرورة .. شللٌ لباقي الجسد ..
البيت جاء دفقة شعورية تلقائية .. ليكمل وصف الحال الذي كان قد بدأ في البيت السابق...


اقتباس:
لو كذبةً في الحلمِ خذني مرةً

اقتباس:


ما كـــان أصدق حبَّنا وأَجَلَّهُ


تمني وعتاب .. وتعجب
البيت شجي جدا .. يخترق النفس
معناه وفكرته مميزة /في خطاب الولد لابيه/..
وقفتُ عند لفظة /حبّنا / .. التي قرأتها /عهدنا/ لا أدري لمَ ..
ربما أني أعتقدُ أن الحب بديهيي في هذه الحالة لكن العهدَ غير بديهي
كما يتوائم مع الطلب في الشطر الأول ..
ويظل الباقي لدى الشاعر ..
والبيت على حاله غاية التأثير


اقتباس:
ها أنت في قَصْرِ التراب وها أنا

اقتباس:


في قبــــرِ فَقْدِكَ أستميحكَ وَصْلَهُ


فنانٌ هذا البيت .. رمية رامٍ قويّة
المقابلة بين قصر التراب/الموت ..وبين قبر الفقد /المعاناة /
والطلب بالوصل بالاستماحة ..وليس بالاستئذان
الشاعر يعرف أن الأب لن يرضى/يسمح/ بهذا النقل ..
رجوع الضمير الغائب في /وصلهُ/ على القصر التراب كانت في محلها تأدبا من الشاعر مع والده ..
والبيت على نسق الوجع العميق والتأثير البالغ ذاته في النفس ..


اقتباس:
أبتاه مُتْ "سيزيف" حزني مُرْهَقٌ

اقتباس:


مـــــت رحمة بي كي أخفِّفَ ثقْلَهُ


الاشارة إلى الاسطورة .. العذاب الأزلي لحامل الصخر كعقاب ..
نسبة الشاعر سيزيف لِحزنهُ .. لفتة ذكية منه
نظرا لصفات هذه الشخصية في الاسطورة ..
كما الطلب بتخفيف الثقل.. اقرارٌ ضمني باستحالة زواله
البيت خياله واسع .. توظيفه للاسطورة دقيق جميل
فكرته تدلل على أن الشاعر قد وصل إلى حالة فوق الادراك والشعور نتيجة للمعاناة أو الحزن ..فجاء الطلب على هذا النسق طلبا للخلاص ..


اقتباس:
أبــــــــــــــــديَّةُ الآلام روحُ قصائدي

اقتباس:


فاقطع غصون الحزن واحرقْ أصْلَهُ


تقرير باستمرار الألم .. نتيجة للفقد الأبدي
وفعل الأمر في الشطر الثاني موجه من الشاعر لذاته ..
وفي الحقيقة هو ليس طلبا بالخلاص من الحزن كما تقول ألفاظهُ ظاهرا ..
بقدر ما هو تسليم للألم الأبدي المذكور في الشطر الأول
البيت جميل جدا فنيا .. خاصة في شطره الثاني
ويساوي أخواته مستوى الوجع العالي المنسوب في القصيدة اجمالا .



اقتباس:
أماه صبراً فالزمان دوائرٌ

اقتباس:


"ما كــان أكثره لنا وأقلَّهُ"


التوجه بالخطاب للأم .. قفلة ناجحة جدا
كون الأم وان كانت لم تُذكر في جو القصيدة منذ البدء لكنها حاضرةً في روحها نظرا لارتباطها الوثيق بالشاعر الطفل .. والأب الراحل
حضورها منطقي ومؤثر في العاطفة جدا
لكن الطلب الموجه لها /بالصبر/ .. جاء صادما نوعا ما
في قصيدةٍ حدّثنا فيها الشاعر عن وجعه وألمه الذي لا ينتهي ..
ثم يختم /هو ذاتهُ / بطلب التصبر من الأم .. وينصحها بأن الزمان دوائر
ثم يتعجب من كثرته/أي الزمان/ بغياب المفتقد .. وقلته في حضوره على ما أرجح كمعنى للشطر المقتبس
كأن الشاعر يخفي عنها وجعهُ ويواسيها ..
فكان ذلك برا جميلا بها ..

أرغب نهاية بالاشارة إلى المراوحة في استخدام اساليب الاخبار ..
والاتيان بها بعدة صيغ وأصوات ..
حتى ان القارئ يكاد يسمع صوت الذين قالوا ..
وصوت الشاعر المحايد واصفا ..وصوت ذات للشاعر مخاطبا سواء ذاته أو والده او والدته..
ثمة درامى متكاملة صوتا وحدث وصورة في اطار القصيدة


القصيدة مدجّجة بالحزن والجمال
والفن والذوق الرفيع

كنت رائعا


ثم إنه صباحك خير : )






 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط