الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: رفيف (آخر رد :صبري الصبري)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-09-2012, 10:01 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اليوم سنكون في حضرة مبدع مغربي أصيل وله ثقله المعرفي والابداعي على الساحة المغربيية / المغربية والعربية ..
مبدع في عوالم السرديات وبالخصوص القصة القصيرة حيث هو * شيخ القصة بامتياز * هكذا يحلو لاحبائه ان يطلقوا عليه

سنكون في ضيافته لنتعرف على جوانب من قلم وشخصية هذا المبدع

حياته


أحمد بوزفور،
قاص وكاتب مغربي يعتبر من أبرز رواد القصة القصيرة الحديثة في المغرب.

ولد أحمد بوزفور في بداية الأربعينات من القرن الماضي بقبيلة البرانس القريبة من مدينة تازة الواقعة في شمالي شرق المغرب. تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب القرآنية ثم التحق بالقرويين بمدينة فاس التي تابع فيها دراسته الابتدائية والثانوية. في سنة 1966 حصل على شهادة الباكلوريا وفي نفس السنة تعرض للاعتقال وأخلي سبيله بعد تلات أشهر بسبب نشاطه السياسي.

التحق بكلية الآداب وحصل بعد ذالك على الإجازة في الأدب العربي. و في سنة 1972 نال شهادة استكمال الدروس في الأدب المغربي الحديث.

نُشرت أول قصة له تحت عنوان: "يسألونك عن القتل" سنة 1971 في جريدة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال المغربي.

في سنة 1977 التحق أحمد بوزفور بكلية الآداب بعاصمة المغرب الرباط كأستاذ للشعر العربي الجاهلي. ثم انتقل بعد ذلك إلى كلية الآداب عين الشق في الدار البيضاء كأستاذ للأدب العربي.

في سنة 1989 نال شهادة دبلوم الدراسات العليا عن رسالته "تأبط شعرا ".

في هذه الفترة توالت أعماله في الظهور على الساحة الأدبية المغربية.

في سنة 2002 رفض أحمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب في صنف الابداع لسنة 2002،التي قدمتها له وزارة الثقافة المغربية (تبلغ قيمة هذه الجائزة المادية 7000 دولار)






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2012, 10:02 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

مؤلفاته

الغابر الظاهر (مجموعة قصصية 1987)

تأبط شعرا
النظر في الوجه العزيز (مجموعة قصصية 1983)
ديوان السندباد
الزرافة المشتعلة (قراءات في القصة المغربية الحديثة)
صياد النعام (مجموعة قصصية 1993)
ققنس






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2012, 10:06 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

شهادة في حق المبدع بوزفور

بقلم المهدي لعرج


أذكرُ أني سمعت باسم أحمد بوزفور لأول مرة خلال فترة دراستي الثانوية أوائل الثمانينات من القرن الماضي ، ربما كان ذلك سنة 1983 أو خلال السنة التي تليها . تم ذلك بالضبط و نحن تلاميذ في ثانوية ابن الياسمين بتازة . كنا مسحورين جداً بدروس الفلسفة و تراث الفكر الإسلامي ، و نتلقى بنهم كتابات حسن حنفي و طيب تيزني و محمد عابد الجابري و حسين مروة و عبد الله العروي و غيرهم . وبحكم انتمائنا إلى جيل الغضب و حساسية الرفض كنا نطالع أيضاً ، خلسة و علناً ما له علاقة بالسياسة والاقتصاد . و لتلك الفترة يرجع تعرفنا أيضاً على كتابات بول باران و أفكار إيف لاغوست ، ناهيك عن الكتب ذات الطابع الأيديولوجي الصرف التي كنا نطالعها تحت قيد الالتزام .

في رحاب ثانوية ابن الياسمين إذن أتيح لي أن أسمع بأحمد بوزفور لأول مرة . كنا ، بطبيعة الحال ، بالنسبة للأدب و بالنظر إلى طبيعة المقررات الدراسية تحت تأثير كبير للثقافة العربية في المشرق . و كنا بصدد تلقي رجات متتالية للحداثة في مختلف تجلياتها . لكننا لم نكن غافلين تماماً عن مستجدات مشهدنا الثقافي . كنا نطالع مختلف الجرائد و المجلات و ملاحقها الثقافية ، متنبهين إلى أهمية و قيمة النصوص الجديدة التي تطالعنا فيها من حين لآخر .

و كان في داخلية الثانوية تلميذ من قبيلة البرانس اسمه بوزفور ، لا أذكر اسمه الشخصيَّ بالضبط ولا ما كان من شأنه بعد ذلك . لا أشك أنه كان من عائلة القاص أحمد بوزفور و أنه يمتُّ إليه بصلة ما. ولعلني عرفتها آنذاك و نسيتُ . المهم أنني رأيته ذات يوم وهو يتأبط المجموعة القصصية " النظرُ في الوجه العزيز " ، لم أكن أدري حقيقة مشاعره . لكن ، بالنسبة إليَ لم يكن ثمة ما يمنع أن يكون في غاية الاعتزاز والسعادة . في مدينة صغيرةٍ مثلِ تازة كان الكِتاب أيضاً عملة صعبة . في كل كتاب بالنسبة إليَّ قبسٌ من الأسطورة . كنا كثيراً ما نتحدث عن المبدعين و الكُتَّاب ، ولم يكن قد حان وقت اللقاء الفعلي بأحدهم . الوجهُ العزيز في الحقيقة كان هو مجموعةُ " النظرُ في الوجهِ العزيز " ، كان هذا الكتابُ نفسهُ هو ذلك الوجهُ الساحر العزيزُ الذي ظللنا نتداوله فيما بيننا في المؤسسة . و قد جاء دوري بالفعل و استعرته من صاحبه بوزفور و نظرت فيه . كان أحمد بوزفور بطبيعة الحال بعيداً عنا ، في المسافة و المقام . الحياةُ الواقعيةُ للكتابِ المبدعينَ ليستْ بالضرورةِ أهمَّ من أبعادهم و اعتباراتِهم الرمزية . في تلك الفترة تحقق اقترابي الأول من القاص أحمد بوزفور . و على الرغم من أننا كنا نحلق في آفاق واسعة من الخيال الناتج عن قراءاتنا المتنوعة في الفكر و الإبداع الإنسانيين ، إلا أنه من الأهمية بمكان أن نعثر في طريق تحصيلنا المضني و طلبنا الحثيث على كاتب ينتمي إلى جغرافية مدينتنا . كنتُ في الحقيقة بصدد اكتشافِ كاتبٍ ينبغي أن يكون قريباً مني ، من هذا الفضاء بكل تداعياته التاريخية و الاجتماعية والأسطورية . و إذا كانت قد بدأت تتحرك في دواخلي نوازع الكتابة فلأنني كنت قد بدأت أدركُ معنى أن يكون المرءُ كاتباً ، أقصدُ التأثيرَ الذي من المفترض أن يمارسَهُ كاتب من طرازٍ خاصٍّ على قارئ مثلي .

و على أية حال ، فلقد كان أحمد بوزفور بارعاً حقاً ، في إيصال صوته و المحافظة على تميز حدود تجربته القصصية بكل جلاء و وضوح . كان " النظر في الوجه العزيز " في واقع الأمر – أو على الأقل من وجهة نظري - رسالةً مبطنةً بكثير من الدلالات و العبر . كانت مرحلة في سياق تجربة بوزفور القصصية الممتدة ، لكنها كانت مرحلة في حياتنا نحن أيضاً . بوزفور ، في واقع الأمر بعث رسالة لا لبس فيها ، ورسالته وصلت . في الرسائل العادية لم يعد النظر في الوجه العزيز الآن مستحيلاً . فما أسرع ما أصبح الناس يتواصلون فيما بينهم بالصوت و الصورة ، و تقلصت مساحة الشوق و الحنين . لكن بوزفور لم يرسل قطُّ رسالةً عادية . لذلك ، يحقُّ لنا أن نسعى دائماً إلى النظر في الوجه العزيز ، في وجههِ العزيزِ . كانت تلك مرحلة.

و ذات يوم اقتنيت إحدى الجرائد ، و بدأت أقرأ . أذكرُ أني كنت ما بين تازة و وادي أمليل في التاكسي رفقة صديق . نسيتُ الآن السنةَ و الشهرَ و اليومَ و لي شكٌّ في اسمِ الجريدة . شيءٌ واحدٌ ما نسيتهُ أبداً ، ذلك هو قصةُ أحمد بوزفور التي عنوانها : " ماذا يشربُ الأطفالُ ؟ " ، قرأتها بنهم و تلذذ . وتمعنتُ فيها ملياً مشدوداً إلى أسلوبها الساحر ، معجباً بفكرتها الطريفة . ثمة عالم الصغار و عالم الكبار ، الجد و الهزل ، الواقعي و العجائبي ، الباديةُ و المدينة ، الحقيقةُ و الوهم ، الحلم و اليقظة . و هناك اللغةُ ، لغةُ أحمد بوزفور و معجمُهُ الأنيقُ الذي أنطقَ أيضاً أحاسيسي . و كانت تلك أيضاً مرحلة .

ثم أصبحت قصصُ بوزفور من جملة النصوص التي تُدرج في المقررات الدراسية . و ذات يومٍ اقترحتُ على بعض الزملاء بإحدى المؤسسات التعليمية الثانوية استضافةَ القاص أحمد بوزفور . أحدهم أبدى معارضةً شديدةً للأمر . قلتُ في نفسي : هذا قاص مغربيٌّ ، نصوصُهُ يدرسها أبناؤنا في المدارس العموميةِ . قاصٌ متواضعٌ ، و أستاذٌ باحثٌ محترمٌ ، صمتُهُ أيضاً حكمةٌ بالغةٌ . رجلٌ ضاجٌّ بالبِشْرِ ، مكتنـزٌ بالمودةِ مفعمٌ بالألم و بسمته ذخيرةٌ ، يجدرُ بنا على الأقل أن نحتفل بلقائه . فلماذا إذن هذا الحقدُ المجاني السخيُّ ، على الرغم من أن وقتَ الكاتبِ قد لا يسمحُ بزيارتنا ؟ كنتُ في الحقيقة أسأل الأشباحَ ، أشباحَ زمنٍ سنراهُ دائماً في نفس الصورة التي بدت لأبي الطيب المتنبي . لا هو بالزمان الذي يُبْلِغُ المُنى ويُرضي ذا العقل ، و لا هو بالذي يَظهر للعيان و يسمحُ بالمبارزة و الطعان . و حاولتُ أن أبحث في سجلِّ الرجل و سمعتهِ فندَّتْ عني الإحاطة بصداقاته و ارتدَّ إلي البصر حسيراً دون مدى مواهبه التي ارتقت إلى كل أفقٍ ، بل صارت أفقاً سامياً ، بل آفاقاً رحبة من الإبداع القصصي الأصيل . و بعد أيام قليلةٍ رفض الكاتبُ أحمد بوزفور جائزةَ المغرب التي تمنحها الدولةُ . قلتُ في نفسي مرةً ثانية : لماذا رفض ذلك الشخصُ القدومَ المفترضَ لأحمد بوزفور علينا ؟ فإذا كانَ يكرهُ الحكومةَ فإن القاص أيضاً لم يأكُلْ من وليمتها . كيف إذن يستقيمُ فهمي ؟ ! أنا أحاول ألا أُكِنَّ الضغينةَ للناسِ ما استطعتُ ، لذلك تدربت من سنواتٍ على التعايشِ السلميِّ مع المفارقة ، تماماً ربما مثلما فعل أحمد بوزفور قبلي . لكن ماذا كان ينبغي أن أفعلَ حتى لا تؤثر فيَّ تلك الإساءةُ ؟ هذا اليومَ فقط قررتُ أن أحكيَ لكم الخبرَ التالي : حكى لي من أثقُ به من الأصدقاء أن ذلك الشخصَ المعترضَ بالذاتِ أتاهُ في أحد الأيام يَنْمي إليه خبراً ما ، فقال له صديقي من أين أتاك ذلكَ ؟ قال : قرأته في الجريدة الرسمية ! تعجبَ صديقي للأمر ، إذ كانتِ الجريدةُ الرسميةُ لا تنقل مثل تلك الأخبارِ ، بل لا تنقل الأخبارَ أصلاً . و لما استقصى الأمر و راجعه فيه طالباً منه إطلاعه على نسخة الجريدة ، أعطاه نسخة من جريدة " الأحداث المغربية " ! نعم ، تخيلوا معي شخصاً يشتغلُ أستاذاً لمادة التاريخ و الجغرافيا في مؤسسة ثانوية و حاصلاً على شهادة الإجازة لا يفرق بين "الجريدة الرسمية" التي تنشر فيها الحكومة مختلفَ نصوصها القانونية منذ أوائل القرن الماضي ، و بين جريدة "الأحداث المغربية" و هي صحيفة مستقلةٌ تنشرُ أشياءَ من قبيلِ : " من القلب إلى القلب " . و لعل ذلكَ كانَ سببَ نقمةِ صاحبنا عليها و على الحكومة معاً ، و اختلطتْ عليهِ الأمورُ إلى الحدِّ الذي ظن معه أنها هيَ المقصودةَ بالجريدة الرسمية ، أي الجريدةُ التي تعبر عن رأيِ الحكومةِ و موقفها . الأمرُ في الحقيقةِ مضحكٌ ، و أنا لا أشك أن ابنَ الجوزي لو قُيض له أن يعيشَ في زماننا لما تردد في ضم هذا الخبر إلى أخبار الحمقى و المغفلينَ ، على شاكلة ما صنع في كتابه المشهور . غير أنه يُعَدُّ أحمقَ مغفلاً أيضاً من يظنُّ أن أحمد بوزفور قد تنكَّبَ الصوابَ في رفضهِ الشهيرِ لجائزة المغرب التي ارتفع حولها اللغطُ مجدداً هذه الأيام . ففي بلدٍ تصل فيه الأميةُ و البلادةُ إلى الدرجة التي وصفتُ من خلال مثال صاحبنا يصعبُ على الإنسان حقاً أن يتسلمَ مقابلاً مادياً على منتوج رمزيٍّ لم يذهب إلى الغاية مما أريدَ له و منه . وكانت تلك أيضاً مرحلة .

ثم هجس لي أن أنشر مجموعتي القصصية الأولى بعدما كنتُ قد بدأتُ أكتبُ القصةَ القصيرةَ وأنشرها في بعضِ الملاحق و المواقع . و عندما فكرتُ في الاتصال بمجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب فإنما تم ذلك استناداً إلى سمعتها الطيبةِ و رصانةِ مشروعها و قيمةِ منشوراتها ، ولكن أيضاً نظراً إلى رمزيةِ دليلِها و دَلاَّلها أحمد بوزفور ، الذي أعدُّهُ بالفعلِ علماً من أعلام القصة و إماماً من أئمتها . و مع ذلك فإنني لم ألتقِ أحمد بوزفور لأول مرة و أصافحه سوى على هامشِ إحدى حلقاتِ الورشة القصصيةِ التي تشرف عليها مجموعةُ البحث المذكورةُ ، في مقرها بكلية آداب بنمسيك . حلقةٌ كانت تتمحورُ بالضبط حول قصة " العازفةُ الزرقاء " لبوزفور . آنذاك أيضاً عبرتُ عن رأيي ، لاسيما في الجانب اللغوي من قصته عموماً . كنتُ آنذاك أستعدُّ لاستقبال مجموعتي " تحديقٌ في الفراغ " ، التي صدرت بالفعل بعد ذلك بقليل . و كانت فرصة هنأني فيها أحمد بوزفور بالحدثِ لعلمه أن ذلكَ هو أبرزُ ما نُعَوِّلُ عليه ، بل غايةُ ما ينبغي أن نعول عليه لنحافظ على الحد الأدنى من الأمل الضروري لاستمرار توقد جذوة الكتابة ومقاومة عوامل الإحباط المتظاهرةِ المتضافرةِ . و بعد ذلك بأيام أيضاً سيشملنا أحمد بوزفور أنا و فاطمة بوزيان و ياسين عدنان و نور الدين محقق بسابغ عطفه و هو يجلس بيننا في مكان متواضع ضيق برواق دار التوحيدي بالمعرض الدار البيضاء للكتاب – دورة 2007 ، حيث كنا بصدد توقيع مجاميعنا القصصية الصادرة حديثاً . و كانت تلك أيضاً مرحلة .

كثيرون يعرفون أن أحمد بوزفور أتى إلى القصة القصيرة من أقاصي ثقافةٍ شعريةٍ عالمةٍ و تكوينٍ أكاديميٍّ رصينٍ . و على جلينا أقصدُ هذا الجيلَ خاصةً أن يعرفَ أن الموهبةَ وحدها لا تصنعُ كاتباً ، الحماسُ و الطموحُ وحدهما أيضاً لا يكفيانِ . و فرقٌ أيضاً شاسعٌ بين الكاتبِ الناجحُ الذي إنما تبوأهُ تلكَ المكانةَ سيرورةُ التلقي و بين الغثاء . ماذا أقولُ ؟ أقولُ : أحمد بوزفور واحدٌ من الذين ارتفعوا بالقصةِ القصيرةِ إلى أسمى مراتبها في الأدب العربي الحديث . حياتُهُ في القصةِ هُوِيَّتُهُ الجوهريةُ .



05/03/2008








الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2012, 10:09 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء





غيابات القلب



أحمد بوزفور




الغيابة الأولى: الحليب

أحسست بطعمه في فمي وأنا أستيقظ هذا الصباح. لم أتذكر الحلم، ولكن طعم الحليب كان في فمي، وسرعان ما عادت إلى ذاكرتي رائحته الفاغمة التي عرفتها في الطفولة وهي تتصاعد مع البخار إلى الأنف، وشرشرته وهو يهبط من الإبريق الأبيض إلى الكأس المزوقة في الصينية الصفراء، حتى لقد أحسست بالشرشرة تغلف ـ بغلاف مخملي ناعم ـ ضجيج السيارات وراء زجاج النافذة المغلقة. وغمرني وأنا بين النوم واليقظة عالم الحليب الطفولي القديم.

ـ حليب الكأس المزوقة والإبريق الأبيض

ـ وقبله حليب المعزة الملتذة بالحلب وهي تجتر ساكنة مستسلمة، ورائحة الضرع المكتتر الأجرد، والخشونة الناعمة لـ (البزولتين) الدافئتين، والحليب وهو يسقط منهما في دفعات موقعة في نغمتين متواليتين: نغمة الخروج من الضرع، ونغمة السقوط في الحلاب الطيني الأحمر المغسول، المسدود فمه بنبات شوكي (لتصفية ما قد يقع في الحلاب من قذى أو غبار).

ـ وقبل هذا حليب الرضاعة، ولم يعد في ذهني منه إلا أطياف حس لا تكاد تبين، ولكني أعاود الإحساس بالرضاع:

*** في غموض كثيف تارة حين أتصور أمي وهي تتزين وتبكي في نفس الوقت، أرفع عيني الطفلتين إليها فأراها تتكحل أمام المرآة المكسورة، وأرى الدمع الأسود ينساب على خديها الجميلين، فأبكي لأنني لا أحتمل جمالها الخارق أو لأني لا أحتمل بكاءها الحزين الصامت أو لأني لا أحتمل اجتماعهما معا: الجمال والبكاء، فتحملني إلى حضنها وتلقمني ثديها الأبيض وهي تطل علي بوجهها الجميل الباكي فأغمض عيني وقد انحفر فيهما إلى الأبد.

*** وفي غموض شفيف تارة أخرى حين أتصور جارتنا (خالتي فاطنة) تلقمني ثديها الأسمر الكبير وهي تغني أو تذكر الله أو تتابع حديثها مع أمي، وأنا أسمع صوتها الحلو المدغدغ، وأتأمل وجهها الموشوم وعينيها البراقتين وأسنان ضحكتها البيضاء قبل أن أغمض عيني لأركز حواسي على طعم الحليب.

هو ذا الطعم الأبيض الحلو يعود إلي الآن بعد هذا العمر الطويل، وأنا الذي لم أذق الحليب منذ سن السابعة، ولكنه يعود ممتزجا بطعم غريب: طعم كطعم التراب.

(وأنا صبي، كنت مولعا بأكل التراب، حتى لقد كانت أمي تسجن كفي الصغيرتين في قفازين مصطنعين من مزق الأثواب البالية، وتضربني حتى يرتفع صراخي حين تجدني مكبا بوجهي على الأرض ألحس ترابها في (نشوة) دونها (نشوة) الرضاع.

أو لعله طعم الصلصال، ذلك النوع الأصفر المتماسك من التراب، الذي كنا –ونحن بعد في الكتاب- نطلي به ألواحنا الخشبية بعد غسلها من محفوظات الأمس لنكتب عليها من جديد. أسترد طعم الصلصال في فمي الآن. طعم مزدهر، مهرجان حواس، أرى صفرة الصلصال الباهتة، وأسمع سن قلم القصب وهو يخط عليها، وأحس بلساني وأسناني نعومتها وهي تتفتت تحت أضراسي كالشوكولاطة. وحينئذ، حينئذ فقط، يأتي الطعم المزدهر، طعم الجنة (كنت أتصور الجنة في الآيات التي أقرؤها جنة من صلصال) هذا الإحساس المزدوج بالحليب وبالصلصال، أو بدقة: هذا الإحساس المركب المتداخل بالحليب/الصلصال، هو ما أحسسته وأنا أستيقظ فزعا من حلم لم أعد أتذكره.

اشتريت نصف لتر من الحليب، ليس عندي إبريق، غليت الحليب في (الكاصرونة)، حليته بالسكر، ثم صببته في فنجان القهوة.

(لا كأس ولا صينية ولا صلصال)، نفخت على الحليب الساخن ليبرد (اللي ينفخ على الحليب يشتاقو) كانت المرحومة تقول. ثم تذوقت الرشفة الأولى. قبل أن أتذوق الثانية، تذكرت الحلم، كاملا، وبوضوح، بوضوح باهر ورهيب.

الغيابة الثانية: الحلم

رأيتني أولد. أخرج إلى الدنيا شيئا فشيئا، أتولد. كنت أحس على زغب رأسي الناعم (أراه زغبا صغيرا ملتصقا بجلدة الرأس الطرية وأحسه ناعما وأنا مغمض العينين بعد) نفحة هواء بارد تعقبها لفحة هواء ساخن، تعقبها؟ بل في نفس الوقت، أحس بالنفحة/اللفحة باردة ساخنة في نفس الوقت، وباليدين، تستقبلانني، يدين صلبتين/مرنتين، يدين خبيرتين، تمسكان جانبي رأسي بحزم ولكن دون ضغط، وتجران، لا تجران فعلا، ولكن تهمان بذلك، أو توحيان به، أو تشجعان/ تساعدان عليه.

رأسي في الخارج أصبح، وسائر جسمي بعد في الداخل، وأنا أولد شيئا فشيئا، وأنا أتولد… لكن دون نهاية. أحس أن هذه الولادة لا نهاية لها، وأنني سأبقى هكذا إلى الأبد، أولد وأولد وأولد، دون أن أولد، أحس أني محكوم بولادة مؤبدة، وأني سوف أعيش أولد حتى أموت.

وداخل هذا الإحساس/ومعه في نفس الوقت، أحس أني أموت، وأن هناك يدا كبيرة من فوق، وليس من تحت، لا تستقبلني بل ترسلني، وكأن هذه اليد الكبيرة سمراء، وكأنها يد عظيمة معروفة لا لحم فيها، يد يابسة باردة تضغط بأصابعها القاسية على كرتي الطينية (ذلك أني أصبحت في هذه اليد كرة طين) وتفتتني. وأنا أتصاغر وأتذارر وأتساقط في الفراغ، (شاعرا بأني أموت) أتساقط بين اليد الكبيرة العالية جدا وبين الأرض البعيدة البعيدة جدا، لا أخرج كليا من اليد ولا أصل نهائيا إلى الأرض. بين بين أحسني أتولد. بين بين أحسني أتلاشى. أتولد أتلاشى… أتو… اشى… أتلا…لد. ولكن أين الحليب/الصلصال؟ الغريب أن الحلم لا حليب فيه ولا تراب، فمن أين جاء هذا الطعم المركب إلى فمي وأنا أستيقظ مرعوبا من الحلم هذا الصباح؟

الغيابة الثالثة: النمر

وحيدا، حرا، عاريا، يسير على حافة الآن. على حافة الآن السائلة من منبع الأمس إلى مصب الغد يسير النمر وحيدا كآدم، حرا كشعاع، عاريا كإمبراطور، وعلى الضفة الأخرى تتجمع قبائل القلب حول النار ترقص وتضرب الطبول، وتصلي:

" يا أطلس

دم دم.. دمْ

يا أرقط

دم دم.. دمْ

يا أجلى من نور الشمس وأخفى من سر الليل الأبكمْ

دم دم.. دمْ

يا الكائن حتى القتل الفاسد حتى النفي الأدنى حتى المثل الأقصى حتى الضد ويا حتى الحتى

دم دم.. دمْ

يا الضارب في نبضات القلب الساري في كريات الوعي الشاخص في لفظ الموت الناشب في حلق الصوت ويا دمدمة الدمْ

دم دم.. دمْ

يا الحطم القطم الخارج م الخارج والداخل في الداخل والناشز والمختلف المنتبذ الملتمْ

دم دم.. دمْ

يا الماء النسغ ويا النار السنيا

يااللايسكن واللايعيا

دعنا نحيا

دم دم.. دمْ

دعنا نحيا

دم دم.. دمْ

دعنا نح






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2012, 10:10 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

قراءة في غيابات القلب
نفس قصصي من مجموعة ققنس
بقلم : حسين سليمان

يتم استشراف الواقع من خلال الحلم. والحلم في المجموعة القصصية (ققنس ) هو حلم لا كما يراه النائم في نومه، ولا كما يراه أيضا الحالم في يقظته. حلمه هو حلم الروح التي لا تقول الليل أو النهار. إنه حلم يذكرنا بالأساطير، بأساطير لا عهد لنا بها. هل صحيح أن الكاتب حلم قصته الأولى أو أحلامه في مجموعته ققنس؟
يأخذ الحلم في قصصه سياقا مختلفا عن أحلام النفس وعن عالم الخفاء الذي يستيقظ بمبادرة من اللاوعي. لذا فالمادة التي تدعي الحلم في قصصه هي مادة غريبة جديدة. لعل فيها إنسان جديد يخرج عن المدار المألوف! إنسان يخلط في ماكنته الفضاء بمختلف عناصره كي يخرج ببضاعة باهرة. حلمه أو أحلامه كأنها مصنوعة في فرن تنصهر فيه حالات الوجود كي تتشكل في مدارها المطمئن، وحيث لا يفتأ القاص يشير به ويقارنه مع مدار عالمنا البائس.
أداته الحس الفلسفي الذي يقاد (بالوعي- الشبيه) الحاد، الماكن. والحس هنا يلعب لعبته الفنية، فمرة يستسلم لرغبة الوعي ومرة ينتفض فيبادر إلى القيادة.
في قصته الرابعة: غيابات القلب. يدخلنا الكاتب إلى ثلاثة غيابات ( الحليب- الحلم- النمر) أما في الغيابة الأولى: الحليب، فيحس الراوي بطعمه حين يستيقظ في الصباح. وهذا الإحساس كان قد تولد، ولم يتولد في الآن ذاته، من الحلم الذي رآه قبل الاستيقاظ ("أحسست بطعمه في فمي وأنا أستيقظ هذا الصباح. لم أتذكر الحلم، ولكن طعم الحليب كان في فمي") ولأنه أستيقظ بهذا الإحساس كان عليه أن يذهب برحلة استسقاء إلى ربوع الطفولة حيث ما كان يدفعه إلى ذكريات الحليب هو الطعم الذي تغلغل في نسغه ولا يدرك سببا لتغلغله. يحس بالحليب ("وشرشرته وهو يهبط من الإبريق الأبيض") ثم يتغلغل أبعد من ذلك نحو حليب المعزة فيتذكر تلك الأيام. ثم يقطع المسافة الكاملة حين يتذكر أطياف عالم الرضاعة. هذا التدرج لذكريات الحليب يخلق فضاء متماسكا واعيا مركزه الإحساس بالحليب مع إغفال عالم الحلم الذي دفع بذلك الإحساس إلى السطح. لكن الفقرة التالية في نفس مقطع الغيابة الأولى تحيلنا نحو انكسار وتشظي لفضاء ذكرى الحليب، ذلك لأن مادة أخرى غريبة قد جاءت وامتزجت بالطعم الأبيض ("وأنا الذي لم أذق الحليب منذ سن السابعة، ولكنه يعود (بعد هذا العمر الطويل) ممتزجا بطعم غريب: طعم كطعم التراب( الصلصال).") إذن تتكثف علامات الغيابة الأولى إلى حليب وصلصال! لا نعرف من أين جاء طعم الصلصال- أظن انه يدمج مادة الرضاعة مع مادة الخلق- أو ما هو مبرراته، يقتحم المبنى العام من دون منطق: لقد جاء متأخرا فالذاكرة بعد أن شحذتها رائحة الحليب ونكهته عادت فتذكرت إحساسا آخر هو طعم الصلصال. هل العمل هنا هو عمل ذاكرة وتذكر أم شجن يدفع الأحاسيس كي تعمل عملها الذكوري؟ والصلصال في فقرة تالية ينفتح عن معنى آخر وهو صلصال لوح الكتّاب، لكتابة المحفوظات عليه ("أسترد طعم الصلصال في فمي الآن، طعم مزدهر، مهرجان حواس. أرى صفرة الصلصال الباهتة، وأسمع سن قلم القصب وهو يخط عليها،") طعم حليب وطعم صلصال ولمس صلصال. لقد استيقظ من نومه مسجونا بين الحليب والصلصال، لا يعرف سببا له. ربما تأثير غير مباشر بالحلم الذي لا يذكره حتى هذه اللحظة أو ربما حالة مزاج لا يدري كيف تركبت. أحاسيس متداخلة تكشفها رويدا رويدا النصوص التي تقتبس شذرات من عالم منطو كي تفتحه مستخدمة الحلم الذي ليس كالحلم ومستخدمة الذكرى التي ليست كالذكرى بقدر ماهي شجن للذكرى.
لسبب أو آخر توقفت عند فقرة الرضاعة التي يكشف عنها الكاتب من أعماق يصعب الوصول إليها عينيا، ويصعب في الوقت نفسه نسيان الأحاسيس التي حفظتها، يقول ("في غموض كثيف حين أتصور أمي وهي تتزين وتبكي في نفس الوقت، أرفع عيني الطفلتين إليها فأراهـا تتكـحل أمام الـمـرآة المكـسورة، وأرى الـدمـع الأسـود ينـساب علـى خـديـها الجميلتين...وتلقمني ثديها الأبيض وهي تطل علي بوجهها الجميل الباكي فأغمض عيني وقد أنحفر فيهما إلى الأبد.") هذه الصورة النمطية موجودة في قاع الواعية، في كل واحد منا، حتى من لم يأخذ الرضاعة من صدر الأم. إنها الصورة تجمع الصور المجزأة الكثيرة في صورة واحدة كبيرة، صـورة حبيبة قهـرها زمـان لا يتصالح أبـدا مع أمـاني الحب. إنه الزمان الذي تذرف فيه دموع مطلية بالسواد، بينما في الجانب الآخر هناك ثدي الحليب أبيض ينقل الحب والحياة إلى كائن الأمل. فيغمض عينيه ليتقبل هدية ربانية، هدية أولى، وجه الأم الذي سيّولد، في كل منا، حاجة البحث عن وجه حبيبة يماثل الوجه المحفور فينا إلى الأبد.
لا احتفالية واضحة حقيقية بالزمان. فالزمان يقف في هذه النصوص على الهامش أو أنه يأتي عالة بل ومهمل أيضا. فهو بالمعنى الحسي غير موجود. وما تقوله الصور إنما تقول الحالة الشعرية مبنية في إطار القص. ليست الكلمة شاعرية بمقدار الصورة التي تنير بقدرتها الغزيرة ضوء الكلمة الشعرية. تنطبع الصور بكليتها بل تشدنا في غمار طوفان من الأحاسيس كي تغرقنا في لذة صوفية تذكرنا بالحالات.
يشتري الراوي الذي نسي الحلم الغريب نصف لتر حليب، ثم يسخنه ويصبه في الفنجان. ينفخ على الحليب كي يبرد ثم يتذوقه. وفي الرشفة الثانية يتذكر بشكل باهر الحلم. يتذكر الحلم بتذوق الحليب! لقد استيقظ مغمورا بإحساس طعم الحليب، بينما ينسى الحلم الغريب الذي أوعز للطعم كي يطفو على سطح الواعية. هذه الدورة الحياتية التي تغلق نفسها بين حالات الروح والمادة، حلول وتصوف يقرن تباين الروح بالمادة. وهي كما يلي: نسيان الحلم بالاستيقاظ- ثم إحساس باهر بطعم الحليب لا يدري من أين جاء- سرحان وتذكر في عالم الحليب الطفولي- تذوق مادي للحليب- تذكر باهر للحلم.
الغيابة الثانية، الحلم: إنها تمثيل الولادة لكن أية ولادة! ("رأيتني أولد، أخرج إلى الدنيا شيئا فشيئا... رأسي في الخارج أصبح، وسائر جسمي بعد في الداخل، وأنا أولد شيئا فشيئا، وأنا أتولد...أحس أن هذه الولادة لا نهاية لها، وأنني سأبقى هكذا إلى الأبد...وأني سوف أعيش أولد حتى أموت...أحس أني أموت، وأن هناك يدا كبيرة من فوق، من فوق وليس من تحت، لا تستقبلني بل ترسلني... يد يابسة باردة تضغط بأصابعها القاسية على كرتي الطينية وتفتتني... ولكن أين الحليبالصلصال؟ الغريب أن الحلم لا حليب فيه ولا تراب...فمن أين جاء هذا الطعم المركب إلى فمي وأنا استيقظ مرعوبا من الحلم هذا الصباح؟") بالفعل هذه الولادة التي لا تريد أن تنتهي، لا تريد الخروج إلى الحياة فهي مستمرة، أو أن هناك العائق ما يمنعها من النجاح والخروج إلى عالم الحياة. يد يابسة تضغط من فوق! يصف مشبها هذه اليد ("وكأن هذه اليد الكبيرة سمراء، وكأنها يد عظمية معروقة لا لحم فيها،") فهي التي تقف في طريقه نحو الحياة، لا تريد له ذلك، سمراء معروقة تمنع حياته من فوق كي تعود وتتلاشى.
تريد له اليد العودةُ والنكوص، وربما من هنا أثُير إحساس باطني بطعم الحليب . وهذا الإحساس يضع الراوي على مهد الحياة الذي من السهل فيه النكوص والتراجع. ليس الحليب فقط بل ممزوجا بطعم الصلصال الذي به كان الراوي في الكتّاب يطلي لوحه الخشبي لكتابة المحفوظات.
إن خيوط البناء تربط مكونات القصة ربطا شفيفا رفيعا، يصعب تتبع مسارها الذي يطبع خطواتها في طرق متغايرة تأخذ أكثر من تفسير واحتمال. فالعبارة التي تقولها الحكاية واسعة وتحتوي الرموز التي تتغير تبعا للموقف. وهنا لا يعرف إن كانت الولادة هي ولادة عن حق أم تحضير للموت! لا يعرف إن كانت رفضا داخليا للخروج أم إعاقة سريرية ومرض.
تستطيع القراءة أن تضع مشارف للغيابة الأولى والثانية، أن تتوقع ما يريده النصان لكن النص الثالث، الغيابة الثالثة- النمر، يحيل النصين السابقين فيفتح فيهما اكثر من نافذة، نافذة على عوالم متداخلة. غيبوبة تحمل الغيابتين الأولى والثانية على ظهر مياه مترجرجة، ضباب وسديم لا تحديد فيهما. إنها الغيابة الصورة التي تصعد إلى مافوق الشعر، إلى ماوراء الشعرانية. تصهر بهذا الصعود الزمان والمادة فتحولهما إلى أحاسيس حرة.
الغيابة الثالثة- النمر: هناك، ربما تفسيران لهذا النص، فإما أن يكون هو الموت والنهاية ("وحيدا، حرا، عاريا، يسير على حافة الآن...يسير النمر وحيدا كآدم، حرا كشعاع، عاريا كإمبراطور.") وإما أن يكون هو غياب نكوص- عدم ولادة أو ولادة ميتة! ("على الضفة الأخرى تتجمع قبائل القلب حول النار ترقص وتضرب الطبول، وتصلي: يا أطلس دم دم ..دم ... يا اللا يسكن واللايعيا دعنا نحيا دم دم... دم...")
لكن الغيابة الثالثة المقطوعة عن الحلم، ليست حلما بل هي فكرة هائمة نفترض بأنها اعترت الراوي. لذلك بعد تجلي الحلم بقوة يتساءل حين لا يجد الحليب والصلصال فيه من أين جاء طعم الحليب والصلصال، هما ليسا في الحلم؟ تجيء الغيابة الثالثة كأنها الجواب!
إنها إذن غيابة موت أو شعور بالموت الناكص. الشعور بالموت مرتبطا بعلاقة الولادة وباليد السمراء المعروقة. هناك التحام يذهب وراء تخوم الحلم والتخيل. التحام صوفي وحلول مع الطفل أول ولادته، كان الحلم قد دفعه إلى السطح. والحلول الموت الذي يريده الراوي هو الإدانة، إدانة حياة كاملة، حياة أرضية يدها كابحة. والراوي كما يبدو يريد الموت لكن قبائل قلبه تعزّم وترقص بسحر غريزة الحياة، تدعوه للحياة، رقص بدائي غرائزي لا يحكمها الإنسان لكنه يحكم اختياره للطريق، فهل يسمع غناءها ودعوتها للحياة أم يبقى حرا شعاعا يسير على حافة "الآن" السائلة؟






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2012, 10:15 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

يتبع......






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 01:53 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

يوم في حياة

أحمد بوزفور

أفيق على رنين منبّه الساعة. أنظر حولي. أتفقد أعضاء جسمي. كل شيء في مكانه. أقف. بعض الحركات و"في غدير الصباح أحرك سرا أخضر، مثل ضفدع، بإصبعي"، كما يقول سركون بولص، فلا يتحرك، ولا ينط، واقفا على حافة غدير القلب لا يتحرك إلى الخارج ولا إلى الداخل، لعله يخاف، كضفادع زهير، "الغم والغرقا". أؤجل المحاولة مع سري الأخضر. أتناول فطوري. واغادر البيت إلى الكلية.
في الكلية، وداخل الورشة الأسبوعية لمجموعة البحث في القصة، يطرح الأستاذ عبد المجيد جحفة للقراءة نصا لمحمد خضير عنوانه "غرفة في درجة 45 مئوي". نص إشكالي: هو من جهة، مقدمة الكاتب لمجموعته القصصية "في درجة 45 مئوي" يطرح فيها خلفيات إبداعه لقصص بعينها مكتملة، وتوجد داخل المجموعة، قصص أخرى لم تكتمل بعد. وهو من جهة أخرى نص إبداعي جميل، يمكن أن يقرأ باستقلال عن كاتبه وقصصه، على اعتبار ان ضمير المتكلم فيه مجرد شخصية خيالية تكتب القصص، ولا تتمها في الغالب.
الورشة تتحرك بالتدريج، وتتصاعد حيويتها. في البداية، استمع أعضاء الورشة إلى النص، ثم انطلقت المناقشة حول مسألة التجنيس. أتدخل في المناقشة. رأيي أن النص يقبل الاحتمالين معا، ولا ضرورة لترجيح أحدهما، حتى لو قال الكاتب نفسه إن النص مقدمة.
يقرأ أحدهم جملة في النص: "وإذ تترى الكلمات، تبنى القصص كما تبنى الجدران، أو تُنحت كما تنحت التماثيل"، ويتساءل: كلمة "تترى" صفة، فلماذا يستعملها الكاتب فعلا مضارعا؟
المناقشة تتطور في الورشة. حين يجدون في النص خروجا على معايير اللغة، لا يصرخون: "خطأ"، بل يتساءلون: لماذا؟ وما هي الوظيفة الفنية لهذا الخروج؟
يختم خضير النص بالإشارة إلى مشروع قصة لم يكتمل، وهو ليس بقادر، يقول، على إنجازه. مشروع قصة عن الغرف: سبع غرف متداخلة بعضها داخل بعض، كالعلب الصينية، او حكايات "ألف ليلة وليلة". وفي كل غرفة شيء بارز كأنه موضوع لوحة تشكيلية: مدفع، مرايا، كرسي، كلب موثق... الخ.
المشروع، كما طرحه خضير، نص جميل، يبدو انه ليس بقادر على إنجازه، لأنه أنجز فعلا. المنجز لا ينجز. أتذكر ما قاله ناظم حكمت عن القصيدة الأجمل، التي لم تكتبها بعد.
تتناول المناقشة بعد ذلك مجمل كتابات خضير: "المملكة السوداء" خصوصا. أطرح للمناقشة فكرة بدت لي فجأة:
كاتب القصة أحد اثنين:

- الكاتب الحمل: كاتب يعاشر ويعاشر، يخرج إلى الناس، ويعيش معهم، ويكتب عنهم، وهم في المقابل، يعتبرونه مرآتهم، يجدونه مستساغا، بل حلوا... في النهاية يأكلونه.
- الكاتب الذئب: كاتب متوحد، يعيش في عزلة، وينفر من الناس والأضواء والشهرة. كأن تأبط شرا يتحدث عنه حين قال:
قليل التشكي للمهم يصيبه/ كثير الهوى شتى النوى والمسالك
يرى الوحشة الانس الانيس ويهتدي/ بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك
والناس في المقابل لا يفهمونه غالبا، ويجدونه غريبا، أو متوحشا، او متكبرا، ولا يستسيغون لحمه إذا ذاقوه، كأن به سما.
يقول تأبط للعقبان التي ستأكل لحمه حين يقتل في عراء الصحراء.
لغة الكاتب الحمل، لغة خارجية بصرية شفافة تقدم العالم الواضح المفهوم. ولغة الكاتب الذئب لغة داخلية رؤيوية حافلة بالكتب لا بالناس، وبالنصوص لا بالمشاهد، وبالشعر لا بالوصف.
محمد خضير كاتب ذئب، يبدو لي.
الفكرة أثارت جدالاً. بعضهم أشار إلى أن الذئب لا يوحي بالوحشة والعزلة فقط، بل يوحي بالمكر والخديعة كذلك، وربما كان عليَّ أن أبحث لهذا النوع من الكتّاب عن رمز آخر. ربما.
بعضهم نوّه بحماستي في الحديث عن الكاتب الذئب، وقال إنني في الحقيقة أتحدث عن نفسي لا عن محمد خضير. ربما لم اكن اتحدث عن نفسي ولا عن خضير. ربما كنت أتحدث عن الكاتب الذي أحلم أن أكونه، ربما.
تنتهي المناقشة. يليها اجتماع لمكتب مجموعة البحث حول مواد العدد السادس من مجلة "قافصاد"، وحول إكراهات التمويل، وضغط اقتراب معرض الكتاب. أتغدى في الخارج، وأعود إلى البيت للقيلولة.
أفيق على هزة الحلم. من قال إننا نعيش أيقاظا؟، إنما العيش الحلم. أنت تعيشه بقوة، بكل وجدانك وحواسك، حتى لتحس وانت تفيق بإحساسين متناقضين، مع أنهما معا فرح عميق.
من جهة: فرح بأنك عشت كل هذا الجمال، وبكل هذا العمق، وهذا التركيز.
ومن جهة أخرى: فرح بأنك، وأنت تفيق، قد نجوت منه، لأنه جمال آسر ضاغط مخيف.
الغريب أني لا أتذكر شيئا من الحلم. في دمي فقط أثره الشامل والعميق. لا بد أنها كانت في الحلم، هي وحدها من يحدث مثل هذا الأثر في دمي.
أحرك مرة أخرى سرّي الأخضر بإصبعي، فلا يتحرك. أتناول مشروع قصة "لوللو" الذي لم يكتمل. في الحقيقة لم يبدأ. هو مجرد سحابة خفيفة مرتفعة تتجول في عنان الخيال. عن قليل قد تقشع. أفكر في أول ضوء رأيته في حياتي. أتذكره الان، ولكني لا أدري ما كان:
ضوء الشمس على حائط بيتنا في الدوار؟ قيل لأعرابية عاشقة: ما مبلغ حبك لصاحبك؟ فقالت أرى الشمس على حائط بيته أجمل منها في أي مكان آخر.
هل كان ضوء مصباح؟ في الليل تحيط به الظلال الموحية والمخيفة أحيانا. في الدوار عين ماء متوحشة لا يرتادها أحد، تسمّى "عين المصباح"، لأن الجن تضيء بها مصباحا صغيرا في منتصف الليل.
كتبت عنها منذ زمان بضعة أسطر في قصة بعنوان "موسيقى" توجد في مجموعة "الغابر الظاهر":
"عين المصباح/ فرح مسروق
عين المصباح/ جسد المعشوق
عين المصباح/ قطرة ماء أخضر والدنيا حبة برقوق".
وسخرت حينئذ من هذه الموسيقى القوقية.
هل كان انعكاس الضوء على صينية أو كأس أو براد؟
ربما. ولكن ذلك الضوء أيا يكن، له اسم. واسمه كان هو "لوللو". هكذا كان الكبار يسمّونه لي.
عن ذلك الضوء البعيد الذي كنت أمدّ يدي الصغيرة إليه ولا أطوله، أريد ان أكتب. لأن يدي التي كبرت وطالت، لا تزال ممدودة إليه حتى الآن. وحتى الان لا تطوله. تغيرت أسماؤه كثيرا. سميته "القرآن" حين كنت أحفظه في الكتاب. وسميته البحر حين كنت أحلم بالبحر قبل أن أراه. سميته زهرة حين أحببت. وسميته الثورة حين ناضلت.
سميته القصة حين بدأت أكتب. لكن المسمّى كان واحدا دائما. وكلما أطلقت عليه اسما ابتعد وارتفع وتناءى. لوللو... يا لوللو... ما أنت؟
يقولون لي: ما أنت في كل بلدة/ وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى.
هل كان المتنبي هو الآخر يبحث عن لوللو؟؟.
في آخر النهار، أحرك سري الأخضر، أمشي الآن أحوى فينط، نطة واحدة، ولكن إلى الداخل لا إلى الخارج.
اقبع هناك إذاً، يا منبع هذه المصائب التي أسميها قصصا وهي "محاين" تعلق على الحافة إذا شئت، كدمع البحتري:

نهته رقبة الواشين حتى/ تعلق، لا يغيض ولا يسيل
ولكن نق على الأقل. أسمعني صوتك الطحلبي المقرور. البرد. اقترب منتصف الليل. أتذكر زهرة، فأرتعش. أهرب إلى دفتر مختاراتي الشعرية، وأستفتح، فتطالعني أسطر الشاعرة الألمانية باولا لودفيغ:

"بزغ نجم منتصف الليل/ الأجرام الأخرى آفلة/ والريح توقفت عن الهبوب/ ما عادت الحيوانات تتنفس/ وجسدي عين فحسب/ تتطلع عبر السماء اللانهائية/ صوب نجمها الأوحد".






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 01:55 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

لقاءات مع احمد بوزفور

بقلم : حسن البقالي


من ذكرى رضعة غابرة/حاضرة إلى الأباجيم يوم الحشر، زمن لا نهائي ذاك الذي يتفلت بين أصابع التخييل مثل شرغوف غير واثق من النجاة، بينما أحمد بوزفور يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ويقول له: كن السمكة، وكن البحر والملح وعوالم المرجان وسبحات الكهرمان، وكن أنا.. فينهض عالم سردي لا يشبه أي عالم آخر. ذلك أن روح بوزفور هي التي تكتب القصص، أما جسمه فبقي –ذات ثغرة في الجدار السيال للزمن- عند الوالدين، أو لعله مات شارقا بالماء لحظة الفطام.

بوزفور
بوزفور
يقول أحد سارديه: ” نظر إلي ونظرت إليه، إلى وجهي في عينيه”.
العين مرآة ومجال لتجاوز تشظي الهوية إلى التعرف عليها ككل، والتعرف من خلالها على الكون. ففي “عين الآخر ينتظم الخواء والليل ويصبحان كوسموسا، عالما”. ومرايا بوزفور متعددة، وإن كان في غير حاجة إلى ذكرها وتسميتها.. فالوحدات السردية –مرقمة أو معنونة- تتمرأى في بعضها.. يتمرأى المسرود في القصيدة والقصيدة في الحكاية الشعبية و(إن) سلمى في (إن) بنات العم وحكاية الأخ في الحكاية الأخرى المطابقة ونور الحال والمقام في نور المعرفة في نور الجسد و”لوللو” الطفولة والقصة/الطفلة، والباب المسدود في الباب المفتوح والمذكرات في المنمنمة.. وتتمرأى اللغة الفصحى في الدارجة..

إنها لعبة المرايا والانشطارات التي تستجمع من خلالها أنفاس القصة كوحدة سردية كبرى حاملة للمعنى بقدر ما هي حاملة للمتعة والفتنة وسر الصنعة.
ومن الصنعة عند بوزفور أن يكتب باللغة التي يشاء ساعة يشاء، فهو لا يريدها سطحا أملس براقا كأنما صيغ بالصقلي والموزون، بينما جمالية الاكتمال تتبدى أساس في الثغر والثلم.. هي لغة ذات ذاكرة، حين تستعيض عن الإحالات بنقط الحذف، كما أنها لغة مجازفة لاحدود لمعجمها، فهي “توجطط” و”تملاس”.. والأكيد أن عوالم وفضاءات دون حدود بحاجة إلى لغة دون حدود أيضا.

سؤال:
أستاذ أحمد
بين محمولات نصوصك إشراقات صوفية لا تخطئها الذائقة.. أكثر من ذلك، يقول الكاتب في تعليقه الذي يختم قصة “لوللو” إنه أداة لمساعدة القارئ على اكتشاف نوره الداخلي الخاص.. هل يمكن النظر إلى القصة بوصفها تجربة صوفية وارتقاء في المسالك، بما يجعل من القاص شيخا والقارئ مريدا، أم أنها ارتقاء مزدوج ينير فيه كل من الكاتب والقارئ طريق بعضهما البعض..هل جوهر القص إذن هو الحدوس والالتماعات الجوانية، أم المباشرة الحسية للموجودات ومعالجتها بمشرط جراح؟ هل هو الكتابة بالروح أو الجسد؟
وهل لي أن أطلب منك، أستاذ أحمد –استثناء- لو تمارس نوعا من الأستاذية، وتوجه من خلال جوابك رسالة إلى كل قاص شاب؟

ورقة الجواب:
التصوف طريق من طرق المعرفة.
وهو أيضا تجربة روحية خاصة لا تتكرر، يعانيها كل متصوف وحده وبطريقته. وهو ثالثا أداة فنية لمقاربة ذلك المجهول الذي ينشده المبدعون في أعمالهم ولا يصلون اليه.
وفي الأدب، أكثر الشعراء من استعماله، وتبعهم بعض الروائيين، أما توظيفه في القصة المغربية والعربية فنادر، والناجح من هذا النادر أندر. بالنسبة لي، -ولا أستطيع أن أتحدث في هذا الموضوع الا عن تجربتي -القصة ليست ارتقاء، القصة نزول. الشعر يسمو… يسمو نحو السماء.. نحو النور.. نحو الجنة.. نحو الله. وهو يسمو بالأمل. والقصة تهبط في فوهة البركان نحو الظلام .. نحو النار.. نحو الجحيم.. نحو الانسان. تتنزل بالألم.

يقولون لابد في القصة من قطرة حكي. ربما.. من حيث التقنية. لكن من حيث كيان القصة وهويتها لابد من قطرة ألم.. ألم خالص يائس سيزيفي لا أمل فيه، لأنه وعي عميق بشروط الوجود الانساني البائس وحدوده. هل يمكن للتصوف ، وهو عنصر ارتقاء وسمو، أن يساعدنا في النزول الحرج الى قاع الوجود الانساني؟ على الأقل، في القاء بصيص من الضوء على تلك الأعماق؟ ذلك هو السؤال الذي دفعني الى تجريب هذه الأداة في ( لوللو )، ثم أخيرا في ( الظل ). أعرف أن هدف الصوفية هو الله الكامل، وأن هدف القصة هو الانسان الأرضي القابل للنقص والنقض والألم والموت، لكن الانسان مجهول غريب، يمشي في الصباح على أربع، وفي وسط النهار على اثنتين، وفي المساء على ثلاث، وحين نعرفه أخيرا -نتخيل أنناعرفناه كما تخيل أوديب -فاننا لا نعرف في الحقيقة الا الألم، ولا نرى الا العمى، ولا نبلغ الا الموت.

ألا يمكن أن يلتقي الهدفان في برزخ ما هناك، خلف أفق اللغة والكتابة؟ ألا يمكن أن نسلك الى الهند طريق أمريكا؟ لا يهم أن نصل، المهم أن نكتشف…. لكنني في أول الطريق الآن، ولم أسبر بعد كل الامكانات التي قد تفتحها التجربة الصوفية للقصة. القصة -أحسب -ليست روحا خالصة. القصة جسد، لكنها جسد انسان وليست جسد حجر. وحتى الحدوس والالتماعات الجوانية ترضع من الحس وتعتمد عليه وتحتاج اليه كي تشب وتتقد وتستمر. جوهر القص ـ-ان كان للقص أو لأي شيء جوهرـ-هو الانسان جسدا وروحا معا. واذا كنا بالشعر نرقى فنحن بالقص نرق. واذا كنا بالتصوف نذوب ونفنى فنحن بالقصة نتسع ونغنى… الأستاذية؟ كلا. أنا أشعر أنني ما أزال في أول الطريق. ولكي أعرف الانسان وأقص عنه، فأنا الذي أحتاج الى الأساتذة، الى كثير من الأساتذة، بما فيهم القصاصون الشبان.

القصة:
الظل
نزلت في مفترق الطرق ( لم أقل : ملتقى، لأننا سننزح عن هذه النقطة فورا: الحافلة عائدة من حيث أتت، فهذه النقطة هي منتهى مسارها، وأنا الى حيث قدر لي, كأنما حدث لي هذا من قبل، منذ زمن طويل ربما, ماذا يسمي علماء النفس هذه الحالة؟ ).

الجو بارد والشمس لم تشرق بعد. الطرق أمامي -اذا استبعدت طريق الحافلة -ثلاث: ” ستنتهي في احداها الى شيخ حكيم ” تقول آية ” لا فائدة من محاولة دفعه الى الكلام، فهو صامت دائما وتلك حكمته، لكنك تستطيع أن تسأله وأن تجيب نفسك بعدة أجوبة، فاذا رأيته يبتسم بعد جواب من أجوبتك، فذلك يعني أنه يـــوافق عليه. اسأله عن الملكة، وسيجيبك بطريقته.

وستنتهي في طريق أخرى الى غانية حسناء. ستحاول أن تغويك بكل الطرق، اذا استجبت لها انتهيت. حاول أن تكون شيخا حكيما لا يزل ولا يهم.اذا انتصرت كشـــــفتها، واذا كشفتها ملكتها، فهي ليست في الحقيقة الا جنيا مرصودا للكاظمين الرغبة والعازفين عن النساء. اسأله عن الملكة، وسيحملك اليها قبل أن يرتد اليك طرفك. وستنتهي في الطريق الثالثة الى صحراء مهلكة غفل لا معلم فيها. لا جبل ولا كثيب ولا شجرة ولا نبتة ولا طائر ولا حتى حشرة. لا فائدة من محاولة الاهتداء. تلفع بعباءتك واجلس على الرمل حتى ياتيك اليقين. سيأتي هذا اليقين بعد سبع. قد تكون دقائق أو ليالي أو أسابيع. لا تخف، لن تموت قبل أن ياتيك اليقين. قد يكون هذا اليقين دليلا بدويا أو سيارة أجرة أو حملا أبيض… لا تخف، أيا كان هذا اليقين ، سيقودك الى الملكة “.

الملكة؟ المرأة التي ظلت تتردد في حلمي أربعين سنة، في كل أسبوع مرة على الأقل. وجهها محفور في كل قطرة من دمي. ألفته حتى لقد أتحدث معه دون أن أراه، وأتقرى ملامحه في وجوه الناس، فاذا وجدتها أو تخيلت أنني وجدتها، صادقت أصحابها وأحببتهم وأدمنت عشرتهم… وبهذه الطريقة لقيت ” آية “، المرأة الشوافة التي وقفت أمامها بساحة جامع الفنا ذات صباح من أصباح الربيع الفائت. ولكي أهرب من ورطة وقوفي أمامها مسمرا كالمسحور، ومن تفرسي ( المزعج؟ الغريب؟ الغبي؟ )في وجهها الذي اكتشفت فيه الكثير من ملامح حلمي، رميت ” بياضي “، وقرفصت أمامها. نشرت على الأرض أوراق اللعب، وبدأت تتفقد صورها بأصابعها المحناة.

” ماعدكش ما خصكش ” قالت لي . هذه هي النتيجة المختصرة لقراءتها في ” مكتوبي “. ” يمكن ما عديش، لكن خاصني شي حاجة ” . ظللت أتردد عليها باستمرار الى أن حدثتها عن حلمي، وعن الشبه الغريب بين الوجه الذي أراه في الحلم، وبين وجهها هي، وهو شبه غريب لأنه ليس كاملا ولا حتى محددا في ملمح بعينه: هل هو الفم أو العينان أو الجبين أو العنق أو ما يبدو من الشعر؟ شبه غامض يقدح الذكرى ويغيب. لماذا؟ وكيف؟ ابتسمت ” آية ” ابتسامة حزينة: افتر فمها عن أسنانها، لكن عينيها كانتا شاردتين…. وقالت أخيرا:

-انها الملكة. وهي تدعوك.
-أية ملكة؟ وتدعوني الى أين؟
-ليس مأذونا لي أن أتحدث عنها. اذهب اليها، وهي ستجيبك عن أسئلتك.
-أذهب اليها فورا. لكن أين؟ وكيف؟
أرشدتني الى موقف الحافلة وساعة خروجها ومكان النزول. وحين سألتها عن الشبه بينها وبين المرأة التي تسميها ” الملكة “، ابتسمت ابتسامتها الحزينة وقالت في شرود:
-سلم لي عليها. قل لها: آية من آيات حضورك في عالم الشهادة.

نزلت من الحافلة في مفترق الطرق… لم أتردد طويلا، اتجهت الى الشرق، أعطيت وجهي للشمس البازغة، وغادرت ورائي العالم والماضي والناس. كانت الشمس تتجه نحوي فيما كنت أتوجه نحوها، وكلما تقاربنا كلما ازدادت حرارة الجو وثقل الملابس وصبيب العرق وتعب المفاصل… فلما انتعلتني الشمس الحافية، وصارت فوق رأسي تماما، لم أعد أستطيع التقدم… فوقفت. تلفت حولي، فلم أر على طول مد البصر بناء ولا شجرة ولا حيوانا ولا حتى طائرا. لم أر غير رمال الصحراء وأشعة الشمس وغمزات السراب. وضعت بعض ثيابي فوق رأسي وتهالكت على الرمل أخط وأمحو الخط ثم أعيده باصبعي على الرمل، وذهني شارد يفكر في الماء…ليس في الماء بالضبط، بل في الكأس.. في زجاج الكأس، أحس ملمسه البارد الندي في مسام كفي، ولا أستعجل الشرب. أريد فقط أن أستديم هذا الملمس وأستشعره بكل حواسي أطول ما يمكن من الزمن… الزمن القديم المستعاد.

المستعذب… المست….عذاب. فذلك العذاب القديم هو الذي أوصلني الى هذا الرمل المحترق الحارق الآن. وفيما أنا أذوب بجسدي تحت وقدة الحر وأشرد بعقلي في الزمن القديم حائرا بين عذوبته وعذابه ، أحسست برطوبة عجيبة تلمسني.. تلمس خدي اللاهب فتشيع في جسمي كله نسمات الغروب.. تلفت حولي فوجدته واقفا بجانبي، ينظر الي ويلامس خدي المخشوشن بشفتيه الرطبتين، كأنما يحاول أن يرعى شعره النابت.

كان حملا أبيض جميلا، كأنه غزال.. كأنه؟ لا كأن له. جميل الى حد يفوق الوصف والتشبيه. تراه ولا تصدق أنك تراه.. كأنه حيوان حلم. خشيت أن أمد يدي اليه فأفيق.ولكنه أعاد حك فمه الرطب بخدي الجاف المخشوشن، فمددت يدي، ولكنه كان قد ابتعد.. كان يسير أمامي على مهل ، فتبعته. وهو يسير، كانت الأرض تنشق أمامه عن سرداب طويل، دخات وراءه السرداب حتى غبنا تحت الأرض، لم أعد أرى شيئا في ظلام النفق الرطب البارد الا لون الحمل الأبيض أمامي، فجأة تكشف الظلام عن ساحة مضيئة واسعة تتوسطها حديقة خضراء، والحمل الصــغـــير الأبيض الذي كان أمامي، أصبح فجأة امرأة جميلة تستريح على أريكة حمراء. هي؟ هي.

مدت يدها الي وبغمت:
-تعال. اقعد بجانبي
هي تماما. ابتسامتها مهيبة. كأنما، وهي تجذب جسد الناظر ( من الجاذبية ) تجذب روحــه (من الجذبة) فيرتبك ولا يدري أهو في حضور الجميل أم في حضرة الجليل
-أنت تبحث عني؟ أنا الملكة
صحوت، ولم أكد، مما بي، وقلت:

-أجل ياسيدتي. لكنني أبحث عنك لأنك تبحثين عني. منذ بلغت الحلم وأنت تنادينني في أحلامي. وسواء كان ما أراه الآن حلما أو حقيقة، فانني ألبي الدعوة، وأضع نفسي تحت تصرفك.

ركعت تحت قدميها شامخ القلب، فخورا بالخضوع للجمال الجليل. كنت مغمض العينين أنظر الى صورتها المنطبعة في وجداني، لكني شعرت بأناملها الناعمة تربت على رأسي… على كتفي… بسبابتها تحت ذقني ، وهي ترفع وجهي القانت الى سدتها… سدرتها.. الى وجهها الحي المختلج المبتسم، وسمعت صوتها القدوس يخاطبني أنا:
هل تعرف من…ما أنا؟
-أنت الملكة
-هذا اسمي الرمزي. اسمي الحقيقي هو ( الظل ). أنا جزؤك الليلي. ( توأمك ) الــــذي ينتظرك بالأفق الأعلى ليتحد بك. ها ترغب في؟ هل تقبل أن تلبسني؟
-كيف؟
-لننه الأمر بسرعة. قبلني
وانحنت علي كما تنحني السماء في الشتاء. أسلمت شفتي العطشاوين عطش المسعور ( يريد، ويخاف الماء )، الى شفتيها الحافتين ( قوسي حياتي ).
وكان ما كان مما لست أذكره، لأني لم أعد أشعر بشيء.

حسن البقالي -






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 01:58 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

السي أحمد بوزفورر بالمقهى الادبي نيس بمراكش

ستجدونه على هذا الرابط







الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 02:01 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

ويستمر الحديث عن ايقونة القصة القصيرة بالمغرب السي احمد
بحول الله...






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 10:30 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

مكامن القوة في قصص أحمد بوزفور

محمد معتصم


لكل كاتب عوالمه التي تلهمه، وتحفزه على الكتابة، وتحثه على التعبير. فلا كتابة بدون هدف أو بدون دوافع. والقصاص أحمد بوزفور يكتب لهدف وبدوافع. وهي ما نعتبره مركز قوة تميل كفة التفرد والخصوصية والتميز عنده.



كتب أحمد بوزفور حول وفي مواضيع عديدة. لكنه كان دائما ينطلق من "حالة" أو يصل إليها. يكتب معتمدا على ثقافته وخبرته في الكتابة القصصية ومعاشرته الحميمة لها؛ إبداعا ونقدا، وتعقيبا، وتشجيعا، وتعليقا، ومحاورة، وقراءة، ومصاحبة لأجيالها وتجاربها.



والحالة المهيمنة على قصص أحمد بوزفور حالة "النزول" نحو عوالم الوحدة. وتبدو الشخصيات القصصية عند الكاتب قليلة الكلام، لا تحب الإطناب والإسهاب والحشو. تقتصد في التعبير عن حاجاتها لفظا، وتسعى إلى ملء الفضاء بالبياض؛ بالجمل المتقطعة، والألفاظ التي لا تحتمل التأويل، ونقط الحذف. والحالة هذه تدفع الشخصية القصصية إلى الشعور بحال من الهبوط والاستسلام. كأنها في غنى حتى عن الدفاع عن نفسها لأن ذاتها أصبحت عبئا ثقيلا عليها. لم تعد شخصيات قصص أحمد بوزفور ترغب من كثرة الإجهاد والبحث عن المعنى، وعن اللفظ، وعن اللغة المعبرة الدقيقة الخالية من الشوائب، في القول. بل أصبحت تنشد المحو.



حالة الهبوط النفسي أو نشدان الوحدة والعزلة؛ عزلة الناسك الذي أنهكه ضجيج العالم، وأرهقه اكتشاف / انكشاف الحقيقة التي لا حقيقة بعدها، وهي الوجود في البحث عن الوجود. والإقامة في البحث عن منفذ وسبيل إلى الإقامة. والبحث في القصة أهم من القصة ذاتها. بل هو القصة في ذاتها.



هكذا تتحول الشخصية القصصية في قصص أحمد بوزفور. تبدأ ضاجة بالحياة، وتنتهي ضجرة بها ومنها. شخصيات لا تحتج على شيء. لا تصرخ كما في كتابات قصصية أخرى. شخصيات تبحث عن الجوهر، عن القيمة الحقيقية للوجود. لكنها في النهاية تكتفي من نتائج البحث، بخطوات الطريق. ولهذا تكتفي قصص أحمد بوزفور بالبحث عن المعنى، عن الحكاية، عن اللفظة الجامعة، عن الجملة الخالية من الشوائب. الجملة الحادة التي تخترق لا الجملة المحلقة الفرحانة المزدهية. يذكرني عمل القصاص أحمد بوزفور دائما بالقول الفرنسي :" ليس الطريق هو الصعب، بل الصعب هو الطريق". وقد اختار أحمد بوزفور الصعب طريقا وطريقة.



والحالة التي تصلها شخصيات أحمد بوزفور القصصية تدخل في زمرة من الكتابات الحديثة عالميا، والتي تمتاح من الفكر الشرقي والصوفي بمعنى من المعاني. فكر يضيق بالوجود المادي للأشياء. ويعتبر الوجود العيني صورة مضللة تحجب الحقيقة. وكذلك يفعل أحمد بوزفور عندما يقوم بفرك جلد القصة، وتفكيك مكوناتها. لا يطمئن أبدا، يفرك اللغة ويقلبها على أحوالها الفصيحة والعامية، يطهرها حينا ويهجنها أحيانا. يعاركها وتعاركه. ويكتفي من ذلك بالاجتهاد كأثر باق تخلفه معركته مع اللغة على جسد القصة الذي يصبح بدوره شفافا. بل أقول يصبح مشدودا لا يمكن اجتزاؤه أو خلخلته.



لا يعارك أحمد بوزفور اللغة بل يعارك البناء القصصي. في قصص يجعل المقدمة وصفية بلزاكية، أو طللية. وفي قصص أخرى نجد اشتغال القصاص أحمد بوزفور يعرك البناء ويقطعه تقطيعا. لكن الغريب أن الكاتب لا يضحي بالحكاية. يقلب الأبنية. يجرب كل الإمكانيات لكنه لا يهدم الحكاية. لا يهدم في الأصل جنس القصة القصيرة. لا يخرج بها إلى الشعر ولا يجنح بها إلى النص السردي المخترق للحدود. وهنا مركز قوة آخر.



البحث الذي يقوم به القاص في اللغة، والبناء ليس بغرض التدمير بل من أجل التطوير. وفي هذا قوة تميز واختلاف. ففي الوقت الذي مال كتاب كثيرون من مجايلي الكاتب وخلفه، إلى التجريب بمعناه التدميري التفكيكي مال أحمد بوزفور إلى التجريب بمعناه التطويري، والتطوري. وهناك فرق بين التحول المسخ الذي يخرج بالجنس إلى آخر، وبين التطور الذي ينمي الجنس دون أن يجرده من حقيقته الوجودية،دون مسخه.



فبحث الكاتب عن لغة محلية، وقصة محلية، وموضوعات محلية ولإنسانية، وشخصيات صوفية كمونية لم يكن سوى ذلك السعي إلى تطوير القصة. حبا في القصة. وإخلاصا لها. ولهذا لم تغر الكاتب أجناس تعبيرية أخرى سوى النقد القصصي الذي يدخل في صلب مشروعه الكتابي القصصي. ويدخل في تجربة البحث عن جوهر القصة القصيرة والمغربية خصوصا.



ويمكن قراءة قصص أحمد بوزفور ( في صياد النعام) من خلال الأفعال التالية، وباقتضاب شديد:





أحكي: عن عالم ضاج ومقرف، وأنا أبحث عن عالم ساكن منسجم. ولو داخل عالم الحكاية وفي فضاء الكتابة. على الصفحة البيضاء. أحكي عن عالمكم وأضمر عالمي.



أتذكر: الماضي، أيام الطفولة والشباب، لأن "الذاكرة هي محبرة القصة" يقول الكاتب. ويقول النص:" ذات ليلة، وكما كانوا ينصحونني، خرجت إلى (مراح) الدار لأبول قبل أن أنام.


وأنا أبول في الظلام والصمت والسكون،وأشباح الحكايات تحيط بي: تدفعني إلى الإسراع في البول لأعود إلى الدفء والأمان، وتزيد من إدرار البول في الوقت نفسه؛ سمعت فجأة صوتا غريبا..كان ينادي عليَّ..كان الصوت ينطق اسمي، ولكن بطريقة خاصة: تفصل بين حروفه وتمططها حتى يصير خيطا، وتصغره في الصيغة حتى يصبح عين إبرة..." ص (9).



أتخيل: الوقائع وأبنيها في مخيلتي. يقول النص:" أما أنا فأركب خيالي، وأسافر إلى كل الساحات والآفاق الفسيحة في العالم، ولكن شريطة أن أكون في مكان ضيق..لماذا أولع بالزوايا والممرات والعلب والصناديق والغرف الضيقة ؟ بينما يولع خيالي بالآفاق والسماوات ؟" ص (91).

أرفض: الكلام الكثير والحركة والضجيج. لأنها تجعلني "مسرنما" أسير على غير هدى. وأنا أبحث عن الجوهر/الجواهر. والكلام الكثير ثرثرة وكذب وحذلقة.



أحفر: سطح الحكاية/ النص بحثا عن المعنى البكر، المعنى الذي يخصني وحدي. وأغوص عليه في عمق اللغة، بفركها وغسلها وتنقيتها من القشور.



أشذر: بناء النص، وأوزعه مشاهد ومقاطع. لأن الواقع مشاهد متفرقة وليس وحدة متناسقة ومنسجمة أبدا. ولأن الذاكرة ليست سوى لحظات استرجاع منتقاة وليست تماما الانسجام والتناغم.



أكسر: اللفظة، وأوزعها إلى أحرف وأصوات متلاشية في الفضاء. ولو كان ممكنا محوها تماما كما ينمحي الوجود الحقيقي ليحل محله الأثر الذهني والنفسي. كما يرحل الإنسان هكذا ولا يبقى منه غير آثار مهشمة كالزجاج مبثوثة في الورق أو في ذكرى الآخرين.



أقطِّعُ: العبارة، والنص إلى فقرات وحدات، وإلى مشاهد. لأن الحياة كذلك مبتورة الأوصال. ولأن استيعاب الحياة لا يمكن أن يكون إلا مشاهد مبتورة. ولأن الكتابة لحظة تكثيف للمعنى، وتكثيف لصور ومشاهد الحياة، ليس الحياة كما هي بل الحياة كما نتخيلها.



ولعل ما يدعو إلى الحديث هنا عن "الكتابة البياض" أو "الكتابة المحو" هو تلك الكلمات التي يقسو عليها أحمد بوزفور فيفركها، بل يغسلها حتى من المعنى، عندما يقطعها إلى حروف وأصوات...وأصوات متلاشية في نقط. هنا يقوم أحمد بوزفور بصراع حقيقي مع اللغة واللفظة المستقلة. وقد يعبر هذا عن حاجة ملحة إلى غسل اللفظة مما علق بها من معاني "البديعيين" الجدد، أولئك الذين يثقلون الكلام بالقشور، ويغلفون الجوهر بالعرض.



تصبح هنا كذلك "الكتابة البياض" و "الكتابة المحو" امتدادا طبيعيا لحالة "الهبوط" التي تحيط بالشخصية القصصية. فكما تقوم الشخصية القصصية بالاستسلام، من الجهد والإجهاد فإن الجملة واللفظة من كثرة التقليب والبحث والفرك والغسل تتلاشي إلى صدى أصوات.



وإذا كانت كتابة البياض قد عبرت عن نفسها من خلال نقاط الحذف، وتقطيع النص إلى مشاهد وفقرات، وإلى تقطيع اللفظة إلى حروف ثم إلى أصوات فإن "كتابة السر" أو "الكتابة السر" قد ظهرت بقوة كحالة مميزة في مجموعة "الغابر الظاهر". أغلب القصص تنبني على "السر". أي أن الحكاية تقوم على شيء غير مفهوم، أو حدوث شيء غير متوقع، أو مفهوم. كما في قصة "ماذا يشرب الأطفال؟" ففعلة الطفل أطاحت بصرح الكبار، وأدخلتهم في دروب أخرى من النقاش غير الذي اجتمعوا من أدجله. وفعلته تلك عقدت لسان المتفوهين فترة من الوقت. لكن الطفل أخذ معه سره، ونام في حضن أمه مع ضحكة مدوية. كذلك في قصة "سبعة رجال". فالحكاية أحداثها تتحرك أمام عيني النادل/السارد. لكن الرجال الذين لم يهبهم الكاتب أسماء بل كنى عنهم بلباسهم ومشروبهم، كما فعل في قصة "الألوان تلعب الورق أو مصطفى وخديجة" من مجموعة "النظر في الوجه العزيز"؛ يدخلون ويجلسون ويأخذون ما يمنحهم الرجل "الفانطا" من هدايا، ثم يتصافحون ويغادرون بالتناوب، ليبقى "الفانطا" وحده كسرٍّ غيرَ معلن.



إن الكتابة كمفهوم وكسؤال هي مركز قوة أحمد بوزفور. ليست اللغة والبناء فحسب يدخلان في عراك مع الكاتب بل الكتابة كمفهوم وكسؤال يجب التفكير فيهما وإعادة طرح السؤال المعرفي والجمالي والنبائي حولهما. وقد عبر أحمد بوزفور في القصة الاستهلال في مجموعة "الغابر الظاهر" عن مفهوم "السر" بلفظ مقابل هو "العطش"؛ العطش الذي لا يمكن أن يُرْتوى. السر الذي لا يكشف عنه الحجاب. إن الكتابة في "الغابر الظاهر" كما يدل ويوحي العنوان، سر. والحكاية تنبني على هذا الشيء الكامن، الهامشي، الذي لا يمكن توقعه، ولا تفسيره. بل فقط يمكننا الوقوف أمامه مشدوهين حيارى بين التصديق والتكذيب. والقصة كذلك. تمنحنا المتعة لكنها في الآن ذاته تؤلمنا بفتح الجروح الغائرة في الذاكرة والحياة والكتابة.



ليست الذاكرة فقط محبرة القصة، بل الحلم والموت. في مجموعته "ققنس" يشتغل أحمد بوزفور على سرين آخرين هما: الحلم والموت. وهنا قوة كتابة أحمد بوزفور، حينما تشتغل على مكونات أسلوبية حينا، وتهتم حينا آخر بموضوعات هامشية أو مهمشة كالأحلام التي تعدها الكثير من الكتاب معادلا للكتابة بينما يجعلها أحمد بوزفور موضع سؤال، ومن ثمة طريقة في الكتابة. وأعني هنا الفرق بين تضمين الحلم في سياق الحكاية المركزية أو الحكايات الصغرى المصاحبة. وبين الحلم كمنطق لترتيب الأحداث، منطق يقوم على أساس كسر الحدود الفاصلة بين المجالات، مجالات الحكي، ومجالات القول، ووقوع الأحداث.



وكذلك نعني الفرق بين الموت كحل يخلص الكاتب من توليد الشخصيات، ومخلص من التوالي السردي. أي عندما لا يكون توظيف الموت في الكتابة خارج حقيقته الظاهرة؛ نهاية الأشياء الموجودة في واقع الحياة. والفرق بين الموت كموضوعة تطرح للتساؤل وتحت التفكير الإبداعي والقصصي. مصدر قوة الكاتب يكمن في استحضار كل أطراف العملية الإبداعية، كذلك الوسائل من لغة وخيال، وأيضا الحلم . ويستحضر الكاتب الموضوعات؛ ففي كل مجموعة موضوعة خالصة.



وأفضل في هذه المقالة الخاصة أن أختم بما سلف وكتبته حول مجموعة "ققنس" وهو ما يمثل بالنسبة لي امتدادا لما وقفت عنده، وتلخيصا لمصدر القوة عند أحمد بوزفور، كالتالي:" يكتب أحمد بوزفور قصصه بوعي المعلم والخبير. يَعْلم أن كتابا آخرين يقرؤونه بل يقتفون خطواته، خاصة الجيل الجديد. لذلك يكتب وفي كتابته يقول: القصة ليست اللغة فحسب، بل تفكير في اللغة باللغة. ويقدم اجتهاداته في نحت اللفظ، وفي توطين الدارج ضمن سياقات محددة، لا تخل بالفصيح، ولا تعتكف في محرابه. ولا ترفض الشعر بل تستوحي روحه وشفافيته. وفي كتابة القصة القصيرة كقصة، لها مضمون، وهدف، ومقصد، ووظيفة اجتماعية وتعليمية وجمالية وترفيهية، ولها مسار تتدرج فيه؛ أي لها حكيها الخاص بها. ينحدر نحو العمق ليحفر مسارا سريا لاكتشاف العوالم البعيدة والخفية. ولها أيضا مسارها الخطي المتمثل في التعاقب، والتطور، والتنامي الحدثي. وقد تستعمل القصة المشاهد المتقطعة لكن المتواشجة. ومن التقطيع القصصي في مجموعته "ققنس"، الهوامش التي وظفها كنصوص موازية، لكن أيضا كامتداد للحكاية الأصلية تفسيرا وتأويلا وتخيلا."






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 10:32 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

المتخيل العجائبي والغرابة.. قراءة في التجربة القصصية لأحمد بوزفور
د. محمد رمصيص

يترجم المتخيل كمنتوج للمخيلة والخيال رغبة دفينة في الانفلات من اكراهات الواقع وترميم انكساراته وسد ثقوبه اللامتناهية .وهو بذلك يؤسس واقعه الخاص على انتهاك الوقائع المتكررة والأحداث المعتادة..فالمتخيل له قدرة هائلة على استدعاء المكبوت والمعطل وتعرية رصانة الواقع المزعومة…ويعد المتخيل العجائبي جزء من هذا الكل،فقط أنه يتسم ببصمات طافحة بترسبات اللاوعي ومشمولاته المفارقة للعقل حيث مملكتي ما فوق الطبيعي واللاعقل تستعيدان عافيتهما الأمر الذي يعني اعطاء الكلمة للانفعال والغرائز والشهواني والأهواء والاندفاع نحو تحقيق الرغبة بغير حساب.مفصل حساس وحساسيته نابعة من اشتغاله على الجنون والأشباح والهذيان والوساوس والسحر وعالم الجن والتحول والمسخ وتحقيق الرغبة والحلم…لكن هل حقا يعد تحقيق هذه الشهوات فوضى وتدمير لصرامة المنطق و البداهة؟وهل يسعفنا العجائبي في الاحتراس من تقديس العقل سبب ازدواجية الإنسان في الكثير من الأحيان؟والى أي حد تستدعي غرابة أحداثه وشخوصه فعل التأويل والتخمين وتستبعد اليقين والقطع في دلالة الخطاب مادام الفنطاستيكي مرتهنا للغموض والالتباس والترميز..جملة من الأسئلة سنعمل على استثمارها في الإنصات لنبض المجاميع القصصية الأربع للقاص أحمد بوزفور.



1 – مفارقات الزمن العجائبي: نشدد بداية في هذا السياق على أننا سنشتغل على زمن وقوع الأحدث كزمن داخلي خاص بمغامرة وقائع النص في بعدها الخارق- ولن نعير الاهتمام للأزمنة الخارجية كزمن التلقي والكتابة – ويتصف هذا الزمن السردي ببعد عجائبي لكونه ملتبسا في الغالب، تتداخل فيه الحياة بالموت ويتشابك فيه حدي الوجود بالعدم.الأمر الذي يجعل منه زمنا صادما ومقلقا في ذات الآن بسبب إعادة طرحه سؤال مصير الإنسان ومآله.. فضلا عن اقتراحه حياة الموتى للتأمل انطلاقا من زمنهم هم المفارق للحياة.مذكرا إيانا أن الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذا الوجود ..لكنه سرعان ما يعود ليسخر منها بقلب تلك المعادلة التي تصور المنية دائما متربصة بالأفراد إلى تربصهم بها !حيث تتحول الموت لحدث فرجوي مسحوبا عنها صفات الرعب والألم وقسوة الانفصال .لنتوقف عند هذه الرسالة الواردة من عزرائيل يرد فيها على سيدة لازالت على قيد الحياة تسأل عن رجل توفي منذ مدة.يقول السارد في ص12/11:”سيدتي.انه عندنا هنا في العالم السفلي،ولكن حالته غريبة تماما،كل الناس هنا أصحاء مستبشرون.أما هو فشاحب اللون دائما مرتجف الأطراف..قلت لنفسي حين رأيته:”سيكون هذا خطر على مجتمع الموتى..قد يكون مريضا،وقد يكون مرضه معديا…وليس من المستبعد أن يموت بين لحظة وأخرى.”1″ترى هل يؤشر مرض هذا الميت بالعالم السفلي على أن الذي مات هو الجسد بخلاف أزلية الروح؟أم أنه يشدد على أن الموت نفسه لا يمكنه أن يحرر الأفراد من الإحساس بالألم حيث ظلت شكوى هذا الميت متواصلة وهو بمنآى عن الحياة.لكن بالمقابل لهذا،إذا اعتبرنا أن زمن الإنسان مرتهن بحيز الحياة على الأرض.فكيف استطاع أحد أفراد مجتمع الموتى الشكوى؟ونحن نعرف أن الموت رهين بارتفاع التفكير واللغة والكلام..إن فرادة الزمن العجائبي تكمن في تكسره ترتيب الزمن الاعتيادي وتوحيده لحظة الماقبل والراهن والمابعد..حيث يقترن زمن الموت بالرغبة والإرادة كما في قصة “عودة تبن أبيض”في مجموعة”ققنس”2″ يقول السارد في ص66:”بقي طعم الويسكي المثلج في فمي منعشا ولذيذا كما كان دائما،والموسيقى الهادئة تعمق السكون…كل ذلك كان في وعيه،ولكنه لم يعد نفس الرجل.أحس بأنه في هذه اللحظة بالذات.مات.ذلك هو الشعور بالضبط:أحس بأنه ميت تماما .ورغم أنه لم يكن قد عرف الموت من قبل إلا في قراءاته وأحاديث الناس عنه،إلا أن ذرة شك لم تخامره في حقيقة موته.كان يسمع ويرى ويتنفس،ولكنه لم يكن من الغباء بحيث تخدعه هذه السخافات لقد أدرك بعمق أنه ميت.وكانت الكلمة الأولى التي رد بها على مضيفيه الكريمين هي قوله:”أريد كفنا حريريا.”إن عجائبية زمن هذا الحدث تأسست على تداخل الموصول بالمنقطع والمنتمي بالمقصي من أحواز الحياة.فبإعلان الميت عن رغبته في كفن حريري يعيد جثته إلى حيز الجسد،الأمر الذي يعني انفصال الموت عن حالة الصمت والبياض والغياب.فإنطاق الموتى هو تفكير في الموت من داخل زمنه..ونوع من ترويض جديته وتقليص من صدمته وقساوة امتداداته ..فالأموات ضمن السرد العجائبي يرفضون تجربة السلب والصمت ..فإذا كان الأفراد لا يستطيعون اختيار شكل موتهم في الواقع الاعتيادي -إذا اسثتينا فعل الانتحار-فإنهم في الزمن العجائبي يختارون العودة إلى الوجود ويستبدلون الغياب بالحضور والنسيان بالتذكر والانفصال بالاتصال ..وعلى حد تعبير فرويد:”يمكننا عالم الأدب من رسم شخصيات لا تخشى الموت،وتعرف كيف تختار المنية التي تناسبها،وأخرى لا تخشى الموت،بل تختاره لغيرها.”3 وبهذا فالعجائبي يؤسطر الواقع ويسخر من المألوف ويلتقط العبثي ويحتفي بالغريب منتجا معرفة مختلفة بالعالم والذات والعلاقة بينهما لأنه:”رؤية مغايرة للأشياء،ولا يمكن أن يتركنا في نفس الحالة التي كنا عليها قبل إن نقرأه.الفانطاستيكي…يحطم تلك الرؤية التبسيطية الفاصلة بين الواقع واللاواقع،بين المرئي واللامرئي…وبذلك تكون الكتابة المشبعة بروح الفانطاستيكي مغامرة واستجلاء للبقايا والهوامش والمقصي من كينونتنا المحاصرة بالقوانين والمحرمات وشتى أنواع الرقابة.”4 إن الدهشة التي ينتجها العجائبي تجد مبررها في قدرته الفائقة على تخلصه من مقولة الصدق والكذب والربط غير السببي بين الأحداث وبسبب ذلك يتوقف في عرض وقائع غير قابلة للوقوع في الحياة الأمر الذي يجعله زمنا مأهولا بالغرابة والالتباس ولذلك فهو يقتضي الشك والارتياب.”:فالعجائبي يضعنا أمام مأزق ذي حدين نصدق أو لا نصدق؟ويحقق هذا الجمع المستحيل ،دافعا القارئ إلى التصديق دون أن يصدق في حقيقة الأمر.”5 ولعل الزمن الأثير في الكتابة الفانطاستكية هو الزمن الموغل في القدم إذ كل ما ابتعدت هذه الكتابة عن الزمن الراهن كل ما ضمنت لنفسها قوة اقناعية خفية، مادامت مرجعية الواقع تظل تراود المتلقي بين الحين والآخر وتجعله يقارن بين المتخيل والواقع.. وان كان منطق الأدب غير مشروط بمنطق الواقع.يقول السارد في ص161:”وكان حتى كان،في قديم الزمان،كانت العرجا تنقز الحيطان،والعورا تخيط الكتان،والطرشا تسمع الخبر فين ما كان…قالت الطرشا:سمعت حس الخيل دازوا،قالت العورا:أنا حسبتهم سبعا،قالت العرجا،تحزموا نلحقوا بهم.”6ان الأوضاع الثلاث الواردة في هذه القرينة النصية الخارقة والمتحدية لمنطق العقل بتفجيرها للمستحيل وترجمة الرغبة الدفينة في محو النقص والعطل تحيل على أن المخرج الوحيد والممكن لهذه الأزمة هو المخرج العجائبي الذي يجمع بين الحاجة للشيء والاستغناء عنه،بين الإعاقة والتفوق عليها.. الأمر الذي يحدث كثافة انفعالية قوية أساسها الحيرة والدهشة ..فمفارقة المواقف القصصية السابقة لا تقف عند عتبة المبالغة بل تتعداها لحيز المستحيل إذ لا يعقل أن تلحق الكسيحة بالخيول وأن تعد البصيرة عددها.غير أن انتساب هذه الأفعال لزمن مضى وانقضى يصبغ عليها سلطة اقناعية على اعتبار أنها وقعت في زمن سالف وكفت عن الوقوع في الزمن الراهن.كما أنها بحكم تقادمها تمنح المتلقي اطمئنانا زائفا على اعتبار أنها لن تعاود الحدوث في الزمن الحاضر .وذات الانفعال والترقب والحيرة تتكرر في قصة “الكأس المكعبة”حيث يقترن زمن الطفولة لدى السارد بزواجه من جنية بمباركة الأم التي تتكسر صورتها الطاهرة على اعتبار أنها مصدر الخير المطلق.وتأخذ صفة المرأة الشريرة التي تتحرق شوقا لتزويج ابنها من جنية خاصة.يقول السارد في ص 96/95:”الشعر؟كلا ليست شعرة شمشون..ولا شعرة معاوية..إنها شعرة جنية..تزوجتني حين كنت صغيرا..زوجتني أمي ضريح سيدي رزوق..فأحرقها السيد..وفي الرماد وجدة الشعرة..فاحتفظت بها سوداء كالرغبة-وطويلة كالزمن.”إن دخول الجن دائرة البشر يثير الدهشة بحكم انتسابه لزمن فوق طبيعي واشتماله على ظواهر خارقة تستبعد التفسير المادي لتعاقب الأحداث ويجعلها خارجة عن المنطق والزمن الإدراك العقلي....
2- الفضاءالعجائبي والمغايرة: يتصف الفضاء العجائبي بكونه مثيرا للدهشة والغرابة بسبب اثيانه بالأشياء المفارقة للواقع وتحويله للمكان الأليف إلى حيز معادي.فإذا كان البيت مثلا يتسم بحميمة أجوائه لكونه يحمي ساكنيه من تقلبات الطبيعة. فانه لهذه الاعتبارات”يحمي أحلام اليقظة والحالم ويتيح للإنسان أن يحلم بهدوء(لكن في غيابه)يصبح الإنسان بدون بيت كائنا مفتتا.انه يحفظه من عواطف السماء وأهوال الأرض(…) فحين نحلم بالبيت الذي ولدنا فيه،وبينما نحن في أعماق الاسترخاء القصوى،ننخرط في ذلك الدفء الأصلي،في تلك المادة لفردوسنا المادي.هذا هو المناخ الذي يعيش الإنسان المحمي فيه.”7 وعلى خلاف هذا التنصيص على البعد الأمومي للبيت المستدعي لزمن الطفولة ولتلك العلاقة الحميمية لقاطنيه،علاقة محرضة للذاكرة باسترجاع الرباط الرمزي الذي ترسب في وجدان الأفراد.. يأتي البيت في قصص أحمد بوزفورمأهولا بالأشباح وأصوات الموتى فيغيب عنه الأمان والاطمئنان وهو لهذا يخلخل ايحالاته المعتادة.كما في القرينة النصية التالية حيث يصاب فيها طفل قصة(نانا)بحالة رعب حقيقية.يقول السارد ص203:”ذات ليلة،وكما ينصحونني،خرجت إلى(مراح) الدار لأبول قبل أن أنام،وأنا أبول في الظلام والصمت والسكون،وأشباح الحكاية تحيط بي:تدفعني إلى الإسراع(…) سمعت فجأة صوتا غريبا..كان ينادي علي..كان الصوت ينطق اسمي،ولكن بطريقة خاصة(…)ارتعدت فزعا وصرخت.وبدل أن أعود هاربا إلى الداخل قفزت إلى الأمام إلى خارج الدار.لأن الصوت المنادي كان صوت(نانا)وسقطت ربما أغمي علي…من يومها تبدلت العلاقة بيني وبين نانا.أصبحت أخافها أكثر مما أحبها…السيدة التي تحدثت عنها فيما سبق،ماتت منذ زمن بعيد.”إن عجائبية الفضاء القصصي عند أحمد بوزفور لا تتوقف عند جعل التواصل ممكنا بين الأموات والأحياء بل يتعداه لاستدعاء رموز من عمق التاريخ الغائر في القدم وجعلها تعيش في الحاضر وتمارس وجودها الاعتيادي كما وقع للسندباد مع سارد قصة”الهندي” في مجموعته”الغابر الظاهر”.والطريف أنهما التقيا في حانة.وهو فضاء له خصوصيته النفسية.فضاء المفارقات المتعددة على اعتبار أنه يجمع بين البوح الجارف والانكفاء على الذات .فضاء التمزقات الخفية وإطلاق العنان للاستهام والحلم..فضاء يجمع بين الاسترخاء واليقظة .. بين الاطمئنان والتوجس .. لأنه مكان مرتهن للمتابعة والتعقب وتوقيع العقاب.فالحانة-في نهاية الأمر-مكان للمتاجرة باللحوم الرخيصة وتصريف الكبت .لنصغي لنبض هذا الفضاء القصصي الذي تتخلق عنه سفريات رمزية مختلفة في ص229:”لقد لقيت السندباد فعلا.ونظر إلى مبتسما:السندباد لا يموت،انه كالخضر،يعيش في كل العصور،مع كل الأجيال:الخضر ينتج العلوم،والسندباد ينتج القصص.-حسنا كيف لقيته؟-لقيته في بار.كنت أيامها مدمنا،وجمعتنا الكأس على طاولة.ولفت نظري أنه كان يكتب بين الحين والآخر في ورقة الكلنيكس،كلما شربنا كأسا كتب سطرا،ثم يطوي الورقة ويضعها في جيبه.قلت له:ماذا تكتب؟قال:إحدى رحلاتي.قلت:خدني معك،قال تعال وأمسك بيد هكذا…” وبالموازاة للبيت كفضاء مفارق لصفاته الأصل نصادف الغابة في مجموعة”الغابر الظاهر”حيث تتخلص من إحالاتها على الطمأنينة والهدوء لتحمل طابعا عدوانيا مستدعية الخوف والارتياب وعذاب العزلة لكونها مرة أخرى مسكونة بالجن الأمر الذي يلون أجوائها بسيكولوجية الرعب.:”فنحن لا نحتاج أن نقضي وقتا طويلا في الغابة لنعيش ذلك الانطباع القلق،إلى حد ما،بأننا سرنا بشكل أعمق وأعمق في العالم غير المتناهي.وبعد قليل ندرك أننا مادمنا لا نعرف أين نتجه فنحن لا نعرف أين نحن.”8ان الغابة في هذا النص جمعت بين عدة صفات مفارقة جعلت بطلة النص السابق مثلا تستشعرالاحساس بالخوف والحب في ذات الآن.بل إن اجتماع النار بالجن المنتسب لعوالم العتمة والغموض ولد دهشة خاصة في تلقي هده القرينة النصية.تقول كوثر طفلة القصة ص114:”لم تر في الليل والغابة إلا تلك النار الصغيرة تغمر بالخوف والحب…قالت الطفلة يانار،إن كنت نار إخوتي فاقتربي اقتربي،إن كنت نار الجن فا بتعدي ابتعدي، وكانت النار تبتعد كلما اقتربت كوثر.فلما أجهدها السير والخوف والوحدة سالت على خديها الدموع الصغيرة المرتعشة وقالت يانار اقتربي حتى لو كنت نار الجن اقتربي…وسارت الطفلة والنار نحو بعضهما.”إن الفضاء القصصي عند أحمد بوزفور يستمد عجائبيته من جمعه للجن بالبشر وتعايش الموتى بالأحياء خالقا واقعا ملغزا يستوجب الاستكشافات مثيرا لمشاعر ملتبسة ومتعارضة محدثا كثافة انفعالية خاصة مصدرها الحيرة والغموض الأمر الذي يسحب صفة”القصة السوداء” على جملة من نصوصه بحكم اشتغاله على عوالم الأشباح والجن والهذيان وبالتالي وضعها للقراء في حيرة من أمرهم مادام ليس” لنا حق التساؤل فيما إذا كان ذلك صحيحا أو زائفا،فسؤال مثل هذا لا معنى له،ذلك أن اللغة الأدبية لغة اتفاقية أو اصطلاحية يستحيل فيها اختيار الحقيقة:والحقيقة هي علاقة بين الكلمات والأشياء التي تدل عليها،بينما لاوجود في الأدب لهذه”الأشياء” 9

3-الشخصية العجائبية بين التحول والمسخ: يتميز هذا النوع من الشخصية بالنمو والتحول وخضوعها لمسار من التطور بخلاف الشخصية الجاهزة التي تبقى تابثة ومتكاملة طيلة أحداث القصة..غير أن تحولات الشخصية العجائبية تمس جوهرها ولا تقيس الأعراض فقط..كما هو شأن بطل رواية”المسخ”لفرانزكافكا والذي تحول إلى حشرة كبيرة تثير الارتياب والرعب..وهو ذات الأمر الذي يقع للشخوص القصصية لأحمد بوزفور..حيث تخبرنا قصة”الغراب”مثلا في المجموعة الأولى أن الغراب في الأصل كان رجلا ومسخ لأنه توضأ باللبن.فضلا عن تحول الطاكسي لبرتقالة تحت ضغط جوع بطل القصة في نص”الرجل الذي وجد البرتقالة” ودونه كثير..علما أن التحولات العجائبية للشخصية القصصية وظفت أحيانا للنقد والسخرية من الفكر الأبيسي الذي يختزل المرأة في بعدي الإنجاب والتنشئة الاجتماعية.لنتوقف عند هذه القرينة النصية من قصة الغراب ص16:”قالوا يا ولدي إن الطيور كلها كانت بني آدم ومسخت،وقالوا إن الله حين أراد أن يمسخ النملة أعطاها جناحين.-كانت امرأة/-كانت امرأة يا ولدي وتزوج عليها رجلها ،فرفعت يديها إلى السماء وقالت:اللهم أعطيني جناحين لأطير بهما من هذه المحنة،فأعطها الله جناحين وطارت، ولأنها سمحت في أولادها وتركتهم ربائب مع الناس مسخها الله نملة.”وذات التحول نصادفه في قصة زروق ضمن مجموعة ققنس.يقول السارد ص50:”حين استدار مقبلا نحوي صار الحصان الأدهم تيسا أسود مربوط في الشجرة من قرنيه،وصرت أنا في الفراش مريضا،والشيخ يتقدم نحو فراشي مبتسما بابتسامته الملغزة.”وبهذا يحقق التحول والمسخ تجاور الواقعي باللاواقعي خالقا أجواء غير مرتقبة يصير فيها المستحيل واقعا .ولهذا فهو يسعف على تقديم جسرا للتواصل مع الماوراء في نفس الوقت الذي يجعل العقل موضع التباس حيث كلام الحيوان ووصال الأحياء بالموتى وزواج الجن بالبشر وأنسنة الجماد..كما في قصة”آخر أيام سقراط”يقول السارد في ص182:”التمثال الطيني أمام الكاميرا يحيا تحت لمسات الضوء،تدريجيا،وتتأنسن بشرته.” إن تحولات الشخصية تصل مداها عندما يصير الجن مدينة بكاملها.ومن ثم منحها إمكانية الاستطراد والامتداد على خلاف القصة التقليدية التي يتوقف السرد بموت البطل فيها. لنتوقف مجددا عند تحول الجن إلى مكان مليء بالفتنة والدهشة في قصة “الهندي”ص227:”كان يقول(الهندي) مثلا فجأة، دون أن يمهد لذلك:”وأكل الجني السندباد”ويسكت.كيف؟وهل انتهت القصة؟ولكنه يتابع شارحا أن الجني كان واسعا من الداخل كمدينة، وأن السندباد بعد أن ابتلعه الجني كان يتجول في شوارع أحشائه كسائح،ويكتشف أصقاعا بكرا حافلة بالفاتن والمدهش والغريب..” نستنتج من هذه المقاربة أن عجائبية الزمن القصصي تكمن في سيره في كل الاتجاهات وكسره لخطية الزمن الواقعي اذ يعود بالأموات لحيز الحياة ويتعايش الشخوص المنتسبة للتاريخ الموغل في القدم مع الأفراد المعاصرة تماما كما هو شأن الفضاء العجائبي الجامع بين عالم الماوراء والكائنات الواقعية مؤسسا نفسه على اللاترابط المنطقي بين مكوناته .. وقس على ذلك مسخ الشخوص وتحولاتها اللامتناهية.وبهذا فالعجائبي يؤسس لكتابة متمردة على الذوق التقليدي بسبب تجاوزه للعقل وأسطرة الواقع واحتفائه بالرعب والأشباح وتمجيد الموت وتوقيعه صك مصالحة بين المنية والحياة.فظلا عن اشتغاله على فضاءات نهائية منتزعا إياها من زمنها المطلق بغاية أنسنتها كما حدث مع فضائي الجنة والجحيم في العديد من القصص ..إن الكتابة العجائبية -لكل هذه الاعتبارات-تتوفق في الجمع المستحيل بين الثنائيات الضدية والتي باتت فارضة وجودها حيث بتنا نصادف شخصية الأحمق/ العاقل والميت/الحي..كما أمسى للتافه والمهمل معنى كهذيان المريض وهلوسات الممسوس.. وبالتالي سحبت صفة الشفافية عن كثير من المفاهيم كالعقل والإرادة والمعنى.بل والذات نفسها التي أضحى مشكوك فيها بحكم تواتر قناعة الإنسان بأن بينه وبين نفسه ألف حجاب!. إن العجائبي- فضلا عن كل هذا-اكتسب بريقا خاصا بسبب تجديد اشتغاله على اللاوعي الذي شكل صدمة عنيفة لليقينيات الكبرى..

————————————–



احالات:
1- ديوان السندباد-أحمد بوزفور-المجموعات الثلاث:النظر في الوجه العزيز/الغابر الظاهر/صياد النعام/منشورات الرابطة-1995

2- ققنس-أحمد بوزفور-منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب-الطبعة الثانية 2007

3- سغموند فرويد:الحرب والحضارة والحب والموت.ترجمة الدكتور عبد المنعم الحنفي-القاهرة-مكتبة مدبولي.ص37.

4- عن تقديم محمد برادة لكتاب”المدخل للأدب العجائبي-تزفتان تدوروف-ترجمة الصديق بوعلام-دار الكلام/1993-ص5

5- نفس المرجع السابق-ص111

6- ديوان السندباد-أحمد بوزفور-ص161

7- جمالية المكان-غاستون باشلار-ترجمة غالبا هلسا.المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر والتوزيع1984.ص3

8- جمالية المكان -م/م.ص171

9- مدخل إلى الأدب العجائبي-م/م.ص110

10- ديوان السندباد-م/م”النظر في الوجه العزيز-ص96






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 10:42 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

شكرا مديرنا الطيب السلطان على اثراء الموضوعة

ونهارك طيب






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 10:44 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

الكتابة وصناعة المعنى
قراءة في مجموعته القصصية * ققنس*
بقلم: صدوق نور الدين


مقدمة

تأتي <<ققنس>> المجموعة الأخيرة ل-(أحمد بوزفور) بعد فترة بياض طويلة, أقول بعد آخر اصدار له: (صياد النعام), هذه المدة الفاصلة قد تكون لها مبرراتها غير الممكن التكهن بأسبابها إلا من طرف المؤلف ذاته. إلا أنه يمكن القول بأن كم النصوص المحتواة داخل المجموعة قليل إذا ما قيس بمدة التوقف.. على ألا يغيب عن تصورنا كون أحمد بوزفور يعد من محككي الكتابة القصصية بالمغرب. إنه يكتب النوعي لا الكمي. وهو ما يبرز على مستوى تشكيل القصة القصيرة, وكيفية بنائها. وهذا يعكس السمة التجريبية التي انطبعت/ تنطبع بها قصص أحمد بوزفور ككل, ومنذ مجموعته الأولى: النظر في الوجه العزيز (1983).. على ان عملية تلقي نصوص هذه المجموعة بالذات, يبين عن تفاوت, سواء من حيث المادة او نمط صوغها.. وهذا في الجوهر يجعل الانسجام بين مكونات المجموعة غير حاصل, وكأن القاص بصدد بحث عن المغاير والمختلف, بعد مرحلة شكلية باتت شبه مستهلكة ان لم نقل متشابهة.

فـي الكتابة القصصية:

يمكن القول بأن البناء الذي خضعت له <<ققنس>> يتأسس على قاعدة التشظي.. أفهم الأخير, وفي هذا المقام, كتداخل.. بيد أن الهدف منه التنويع بين الاجناس.

أ/ المتن والهامش:

يغلب على معظم القصص الواردة في المجموعة, كون بنية تشكلها تتألف من متن وهامش, المتن هو المادة المحتواة والمعبر عنها كمعنى منتج, والهامش يتمثل في التفسيرات التي تصاحب المادة.

ان طبيعة التشكل تراثية, على اساس أن أحمد بوزفور يعمل على تجدير الكتابة القصصية الحديثة في التراث.. وهنا يمثل هاجس الشكل بقوة.. اقول هاجس البحث عن الجديد.

ب/ بين القصة

والمقالة والبحث:

إن ما يقودنا اليه التقسيم: متن وهامش, التداخل بين جنسين شبه متنافرين: القصة كخيال مكتوب, والمقالة ككتابة متخيلة فالمتلقي يتكسر أفق انتظاره في الحالة التي يتولى فيها صناعة التفسير القاص ذاته. إنه يجمع بين الحكي وملء الثقوب او البياض الفارغ, وفي صوغ عملية التفسير نقف على:

1/ الذاتي الخالص.

2/ والأدبي في دقته اللغوية وشرطه العلمي.

هذا ما نعثر عليه مثلا في النصوص:

- تعبير الرؤيا.

- ققنس.

- الصفعة.

إن الكتابة القصصية وفق هذه الصيغة تذكر بما ألفناه في النصوص البورخسية, حيث يبدو التداخل أكيدا, وحيث يصعب رسم الحدود بين الخيالي والواقعي.

ث/ الشاعر القاص:

أعتقد وقد أكون مخطئا, بأن قوة أحمد بوزفور وليدة تلقيه /تدريسه/ تفاعله وجنس الشعر قديمه وحديثه. لذلك تبدو نصوصه ذات بناء موسيقي, إلى كون وحدات قصصية وصفية داخل هذه المجموعة بالذات, تنطبع بسمة التوقيع الى حد الرومانسية:

بم تحلم البالرينا? بأن تكون لها أجنحة? بأن تطير?

ربما تحلم بالحليب: ثوبها الأبيض الحليبي, والضوء السائل

المتخثر الأبيض والموسيقى المهروقة كلا, المسكوبة كالحليب. ربما كانت البارينا تحلم بأن ترضع العالم أو أن ترضعه. ربما كانت تحلم بأنها هو وأنه هي.(ص26)

وحين تدخل ناتاشا, تنفرج لها الجموع المحتشدة ويخلو لها جزء

من حلبة الرقص الواسعة تدور فيه كالفراشة بثوبها الأبيض الناصع

المطرز بالدانتيلا والكاشف في أعلاه الضيق عن عنقها الناحل وأعالي

صدرها الناهد. وفي أسفله الواسع المستدير عن ساقيها العصفورتين

اللتين تنقران خشب الحلبة اللامع نقرات العازف.(ص44)

لا تسكت

ابك

لا تبك الأمس ولا تبك اليوم

ابك الآتي

فالآتي لا دمعة في عينيه

والآتي لن يلقى أحدا يبكيه

والآتي مهجور من أبويه. (ص52-53)

ف-ي صناعة المعنى:

إن البناء متن/ هامش, حكاية/ تفسير, لا يلغي آلية التأويل النقدي, وانما يفعلها, بهدف انتاج المعنى, ويمكن القول بأن القصص الواردة في ققنس تدور حول التالي:

1/ الحلم. 2/ الطفولة. 3/ الموت.

هذه القاعدة تجعل المجموعة, أقرب الى السيرة الذاتية الموزعة عبر قصص. فالحلم يتجسد على امتداد أغلب النصوص ويكفي التمثيل ب--:

- تعبير الرؤيا.

- ققنس.

- غيابات القلب.

ذلك ما يهيمن على هذه النصوص الفعل: رأى, بل إن اسناده لضمير المتكلم يتواتر والصيغة:

رأيتني أعمى. (ص7)

رأيتني أولد. (ص34)

أو على النمط التالي:

لم أتذكر الحلم. (ص31)

جاء في المنام وقال لي. (ص49)

سنة خامرته ولم ينم, كصفعة باب

أو كهبة ريح.. (ص55)

ويحق القول بأن تعبير الرؤيا تبدأ حسب تقسيمها بالحلم, وتنتهي بالهوامش التي هي تفسيرات الحلم, فيما ققنس تستهل بالحلم وتتلوه تعليقات الحالم ثم التفسير, وفي الختام تفسير التفسير. وأما غيابات القلب فتبدأ بالحليب وضمنه <<لم أتذكر الحلم>> ليتلوه الحلم فالنمر.

إن الثابت في الكتابة مادة الحلم.. وهو يقترن بالذاكرة كماض يتشكل من قضايا وحوادث ومن أفكار.. هذه تستدعى لتعبر عن زمن محدود ودقيق هو الطفولة, بما هي أهم مرحلة في حياة الانسان. يرد في ققنس:

إن الطفولة مجرة بعيدة. والضوء الذي يصدر

عن احداثها لا يصلنا إلا بعد زمن طويل من

انقضائها, لذلك لا نرى الطفولة حقا إلا في

الشيخوخة, ولا يحس بالطفولة في كل شيء

إلا الشيوخ. (ص24)

لذلك, فان مادة الاشتغال زمنية استعادية. إنها الكتابة عن الطفولة الهاربة, إذا ما أشرنا الى كون ضمير المتكلم يتكسر أحيانا باللجوء الى الغائب بعيدا عن الموازاة بينه والكاتب نفسه, ولئن كانه. على ان في سياقات أخر يتم التقنع, حيث ان القناع رمز لذات الزمن ونفس المرحلة:

وجه الطفل ينظر الي, يتفرس في, كما لو كان

وجهي مصبوغا بالألوان, أو شاشة تلفزيون, أو

شارعا تحت شرفة, أو ربما مرآة, مرآة سحرية

يرى فيها الطفل وجهه وما وراء المرآة في وقت واحد.(ص57)

وجهي خلف القناع? أم القناع خلف وجهي? كما لو كان

وجهي الظاهر قناعا, والقناع الإفريقي الأسود الكامن هو

وجهي الحقيقي. (ص57)

إن الطفل يتمرأى في آخر ويتجسد من خلاله.

على أن ما يمكن الانتهاء اليه كون التلقي الخيالي وليد لحظة الحلم. وهذه ترتبط اساسا بالطفولة المستعادة زمن الشيخوخة:

أحلم بأنني طفل في المهد وأنني أبكي.(ص52)

إن ما تحيل عليه الشيخوخة الموت. هذه الموضوعة, تبرز بشكل لافت داخل المجموعة, وأرى أن للعنوان دلالته. ذلك ان في رمزية ققنس ما يدل من جهة على الموت, وعلى التميز بحسن الصوت من ثانية.. والحسن قتل للذات كما للآخر. وبالتالي فهو الانمحاء بالاتيان على الموجود.

على ان مظاهر تجليات الموت تتمثل داخل المجموعة في الاحساس بالعزلة, الخواء, المرض, الى الحسرة على ما كان ولم يعد موجودا.

إن الزمن في هذه الحالة يعادل الحنين.. والأخير لا يكتمل إلا باستعادة الزمن الطفولي ضدا على شيخوخة غير مرغوبة.. ويمكن القول بأن المعجم المصاحب لهذه الموضوعة سلبي, حيث يتناسل وبصيغ مختلفة داخل هذه القصص.

هناك في الطرف الآخر للمدينة, ساهرا وحده وبدون

تلفزيون. يخلع نظارتيه ويمسحهما ثم يعيجد المسح. كأن قصر/ سوء

ضعف النظر, كأن الشيخوخة/ المرض/ الوحدة/ انعدام المعنى..

ذرات غبار على زجاج النظارة يمكن مسحها فيعود الزمان الى الوراء

وتعود الفرص التي ضيعها متاحة دانية يمكن رؤيتها بالعين الكليلة

ولمسها بالكف الخشنة وانتهازها بالجسد الهرم. (ص28)

ويتحول استجلاء مظاهر الموت من الذاتي المباشر, الى المجرد الذي يتجسد في نوعية التفكير في الموت, حيث يمثل حس المقارنة بين زمنين: زمن عادي, وآخر عولمي استهلاكي يسهم في قتل الابداع والخلق, وذلك بتوفير كافة المتطلبات.

إن التفكير يتحقق:

1/ بالتفكير عن علاقة الابداع بالموت.

2/ بتقييم المرحلة الراهنة.

3/ بكشف العلاقة بين الموت والأشياء الجميلة.

إن تلقي ققنس في ضوء المنجز السابق, أو في حياد عن ذلك, يوصل الى ان كتابة القصة لدى أحمد بوزفور لا تتم إلا في محيط من المرجعيات, وهو ما يرهنها في دائرة من التجريب الجمالي المتفاوت بين نص وآخر, على أن البارز في هذه المجموعة, طابع التفاوت بين نصوصها علما بتباعد زمن الكتابة. وأعتقد بأن القاص يبحث عن نقلة مغايرة لمسار بات مألوفا عنه/ ولديه..

--------------------------------------

صدرت هذه المجموعة عن حلقة مجموعة البحث في القصة القصيرة بالبيضاء/ المغرب (2002).






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 10:50 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

السي احمد بوزفور

بالمقهى الادبي بمدينة تازة
هنا









الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 11:00 AM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

كتبت لاستاذي *السي احمد * وقد درسني سنوات الجامعة
كتبت لك كثيرا من الورقات وقد ادرجها هنا شهادة مني
وهذه ورقة امضتها عشية الصيف الماضي حيث التقيتك بباحة البيضاء


عمت مساء صديقي
هل انتهت الورقات في سجل الاغترابات الكثيرة والتي منحت الفصول زورقا ابيض؟
ساصنع من شجر الفليين هوائيات تطير الى اقصى ركن منزو في مساحات الاشتياق واودعه بعضا من اسرار..
الساعة العاشرة صباحا
هدوء غريب يكتسح المدينة وانا التي تركتها تضج فوضى عند اول حركة لجسم الديك من سبات بسعة قيد انملة

اخذ طريقي المعتاد الى مقهى الجامعة العربية
je mise sur une tres belle et douce chanson
وتأتيني قهوة سوداء خفيفة كما اعشقها
وابدأ في قراءة كتيب جميل عن العولمة و صناعة الادب في انتظار موعد مع الاستاذ بوزفور في جامعة الحسن الثاني

بقي بضع دقائق وأستقل السيارة لأحضر حلما سكنني منذ عشرين سنة
كان الجو رائعا هادئا وتسللت القاعة ..بهدوء
لكنه رآني ..وسكت احتراما لمجيئي؟ للحظة فوز على الزمان والزمن؟؟

نظرت اليه ..بحنية ومحبة ..ألقى علي بالتحية وغاب في زحامات من فواصل إبداعية كان مستمرا في شرحها قبل حدوث ضجتي بالحضور..اقول ضجة؟ ربما لانها قطعت الانفاس لثواني

ثم ينتهي الجو الأدبي
التقي ببعض الوجوه الجميلة مثل الدكتور رقيد وصفية الانطاقي والاستاذ الشرايبي

انقل لهم فرحتي واضم انسانية بوزفور ورقيد واعود الى مكاني بالمقهى

الساعة تشير الى السادسة
بدات حركة المارة تتنقل فراشات بكل الوان الصيف الجميل رغم الحرارة التي شهدها ذلك اليوم
اركن السيارة وأستقل مركبة استراحة أخرى في انتظار مبسم حضورك
فهل حضرت؟

...بقلم *زهراء*






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-09-2012, 01:35 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

ورقة ثانية من توقيع زهراء

احمد بوزفور

حين ودعت سحب البيضاء المثقلة بلواعج مثل لواعجي ذلك اليوم
وانا احزم حقيبتي لوداع آخر وغياب اخر
احسست بقلبي يتمزق
كانت تسقط افئدتي تباعا والطائرة تحملق في اجواء الفضاء
ترخي جناحيها وتمرر الغمامات صفاء وجذلا..
حبست دمعة حرى ..فجارتي في المقعد ثرثارة جدا..فضولية جدا..وحبوبة جدا
لا تنتهي منها الابتسامة
حدتثني كثيرا عن تفاصيل حياتها..عن هوسها بالمغرب..عن اصدقائها من تونس والمغرب ..وانها مضطرة للعودة الى بلادها
كنت اومىء لها براسي واتنحى بكلي عنها الى تفاصيل ذلك اليوم
حيث كان اللقاء بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء الحبيبة
كنت تلقي محاضرة عن ماهية القصيدة والادب وعن فواصل وبنود وعن تفاصيل اخرى جرت وتجري في أضلعي الان هوسا مستمرا للحرف..
دخلت وقلبي يرتجف بسعة كل المدرجات
وأخذت مقعدي ورحلت في كل تفاصيل سنوات مرت عليها قاطرة العشرين
عشرون سنة مضين..
وياتي الزمان بلحظاته ..بمشاغباته..بابتساماته..بحركته الجميلة
بحضوري الى صفك ودرسك وندوتك
وبحضورك في اعماقي ايها الانسان الطيب حد الدهشة
الادب والابداع ليس قصيدة تقال وحرفا تنصب له أعمدة الخيم
الابداع انسانية ايضا والمبدع الذي تشده وثاقات هذه المفردة فانه الرمز الحقيقي لك ابداع
ولبوزفور اكثر من شاهد على ابداعيته : الدوايين والندوات والحرف والطبع والمكتبات وذاكرة الكتابة
ولاحمد كل الانساية التي تتجرد من كل النفاقات من كل الاقنعة الموشومة بالتباهي
لاحمد الانسان جبة الليل والنهار والقمر والشمس واالارض من تحت ترسي المراكب والسماء شاهدة ترى

احمد وفي المطلق

احبك من كل قلبي استاذي واطبع على جبين حرفك ميثاقا بالوفاء لاستاذي ومعلمي واخي وصديقي الذي اسعدني يوم لقائي النقي به
ويوم اعدتني الى مدراج الكلية لاستعيد صوتي واسمع الجميع حرفي وصداقتي واخوتي لك
وكم كان فرحي كبيرا حين التقت احبتي ووجوها لها في القلب مسارح من اشتياق ومن بينها الدكتور والصديق العزيز محمد رقيد

احمد شكرا كبيرة لك لانك بهذه وبكل هذه الصفات

تلميذتك ..الزهراء..






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 11-09-2012, 09:03 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

قراءة في قصة الغابر الظاهر
بقلم ركاطة حميد

متاهات الحكي بين الرمزي والأسطوري في” قصة الغابر الظاهر“

للأستاذ أحمد بوزفور


لعل القارئ للأستاذ أحمد بوزفور، سيشعر بلذة وانسياب، وبعودة لأزمنة الحكي الحريري بكل دفئها، وتشويقها، وعجائبيتها، وسيلاحظ لا محالة تطريزا ساحرا لقصصه بمحكيات تجمع بين أزمنة أفلت، وبأخرى خيالية تخترق اللا ممكن وتحوله ممكنا، وحقيقيا* ولا غروة أن ذلك الشعور الغريب نابعا من كون زمن الحكي وحلاوته وتشويقه أفل، أو اضمحل بسبب عدم تواجد شروطه الخاصة، بسبب اختراق زمن الصورة الجارف والخادع، وطغيانه وتأثيره الكبير وبقسوة على صفاء اللحظات الجميلة، ودهن المتلقي أو المشاهد الذي أضحى لا يميز بين الغث السمين، الجميل والقبيح، مما سبب استلابا متواصلا وإرهاقا مطلقا.
وبالعودة إلى القصة المراد تحليلها :الغابر الظاهر” نجد أن مبدعها وظف جماليات متعددة، وفضاءات وأشخاص، ومحكيات تظل شذارتها عالقة بالذاكرة وكأنها شجيرات دفلى بورود جميلة وسط صحراء قاحلة تقاوم جفافا متواصلا بمجرد ما تحاول قطف إحدى ورودها تتحول إلى كائن غريب كامل الغرابة ومتحول كل التحول.
وهو ما لاحظناه في هذا النص الدافئ والهادر في نفس الوقت، الذي كتب بأنفاس متعددة وحمل دلالات بليغة، ورسائل ينبغي فك شفرات رموزها بهدوء وروية لفهم أبعادها الحقيقية.
لقد اعتمد في كتابة النص على تقطيع مميز، بالتحديد ثلاثة أجزاء قد تبدو مستقلة عن بعضها البعض، لكنها متكاملة ومرصوصة البناء.
في الجزء الأول يتم تحديد مرجعية إطار القصة - الحكاية - العام “كان حتى كان، في قديم الزمان” ص66، وهو عبارة عن استهلال أو برولوج يستعمل غالبا كتقنية في الكتابة المسرحية، لوضع المتلقي “القارئ” على سكة الحدث من خلال راو قد يكون ظاهرا أو خفيا، وهي نفس التقنية المستعملة في بداية هذا النص لتحديد إطاره الزمني “قديم الزمان” ص 66 وهو توظيف مستمد كذلك من أنفاس “الحلقة الشعبية بنمطها الفرجوي” في الساحات العمومية، وكذلك من خلال الجدات في البيوت قديما، وهن بصدد افتتاح حكايتهن في الأماسي الباردة لأحفادهن المتحلقين حولهن، مما يمنحنا منذ البداية الإحساس أننا بصدد بوح عجيب، وغريب ومشوق، مستمد من أعراف حكائية أصيلة، ومتميزة بخصوصياتها المتفردة داخل حلقة الحكي المغربي الشفيف.

ويستمر السارد في فتح قمقم عجائبه، وصندوق حكاياته العجيبة من خلال تقديم شخوص متفردين بقدرات خارقة، لا يقدر على التميز بها أمثالهم، وهو نوع من التسليم بالمطلق والممكن …

فالعرجاء “تنقز” (تقفز) الحيطان، والعوراء تخيط الكتان، والطرشا (الصماء) تسمع الخبر فين ما كان ص 66، وهو ما يتنافى في عرف المألوف والسائد. وهذا الإخبار هو بمثابة تحذير، وتقديم لأبجديات الحكاية الأساسية، ومفاهيم جديدة لتفسير مضامينها، باعتبارها تبعد من حساباتها التفسير المنطقي والعادي جدا للظواهر وخفاياها وغموضها … وعالم الحكي من هذا المنظور هو عالم كل الممكنات.




.

“فالطرشا” سمعت حس الخيل قد مرت، والعورى استطاعت عدهم بالتحديد، أما العرجاء، فقد استفزت الجميع بقدرها الخارقة على اللحاق بهم.

ولم يكن حياد السارد مطلقا، فسرعان ما تحول إلى شاهد عيان ومشارك بقوله “حين لحقناهم لم نجد خيلا… لم نجد غير ثلاثة أطفال صغار في طرف الغابة يقفقفون من البرد ويمدون أبصارهم المتوجسة إلى الغابة في الظلام” ص66، ليصبح عدد الشخوص متعدد، وضمير الحكي متفرد، ويقين الخبر مفند، ومختلف عن الطرح الأصلي، لأنه حسب قول السارد “لم نجد خيلا” ص 66 وهو تصحيح ضمني لافتراضية الخبر السابق الذي بني على اليقين المطلق، وتشكيك في قدرة أصحاب الخوارق في الاستهلال الأول، وبالتالي إعادة تنضيد معطيات النص وبناؤها داخل مكان الحدث الحقيقي “الغابة” مع إبراز لمؤثثاتها على شكل لوحة بها : أشجار عارية/أحجار ساهرة/بوم متيقظ/ برد قارس/ليل، وهي لوحة قاتمة، ومثيرة للخوف، والرهبة، فينطلق السؤال من خارج إطارها محلقا، مدويا، غاضبا … لماذا يخرج في الليل أطفال هذا الزمان ؟

وهو سؤال مشروع لخلخلة الكائن، وزرع الحيرة في نفسية المتلقي، و بالتالي توريطه وإقحامه ضمن أحداث النص، وجعله يبحث عن جواب، أو حل للإشكال المطروح، وإعطاء تخمينات أو فرضيات. وهي محاولة أو رجة لإيقاظ كل نائم، أو جانح عن مسار الحكي .. وفرصة للسارد لالتقاط أنفاسه من زمن مستقطع أو ميت ليواصل حكيه على لسان الأشجار، والأحجار والبوم “ماتت الأم/تزوج الأب/ لا يرضى الأطفال الظلم .. ليتم الإجماع على صعوبة الحياة” “الحياة الباردة” ص 66.

وتبدو الأحداث منطقية في إجماع شخوصها على المعاناة، والظلم، وقساوة الواقع، لكن القسوة، ستولد رد فعل مضاد لدى الأبطال الصغار، لأن “الغاب” سيفرز لا محالة فكرا من صميم قوانينه، وإطاره المرجعي يضع على المحك كل المعتقدات والمكتسبات والموروثات السابقة، لأنه وسط مفتوح ومتسم بالغلبة للقوي، والأصلح، فيخفي ما سبق، بل يبيده سواء بفعل الدهشة، أو بخدش الذاكرة بالمعطيات الجديدة الناتجة عن إفرازاته، فتنمحي بالتالي، كل القيم، من تسامح، وتآزر، وتعاضد، وحب. سمو الذئب أبا/ سكان الغابة/ زوجة أب/ ناموس الغابة/ الظلم، وهو أمر ولد كراهية عمياء، بل مطلقة، وقلب كل متعارف أو متفق عليه، وكأنهم بتصرفهم المغرض يعودون بالزمن ملايين السنين إلى الوراء إلى العصور الحجرية، وهو ما شكل صدمة للمتلقي، وحسرة للسارد في نفس الوقت، الذي يقول “أح على الأطفال الشجعان بلعتهم مرجة الماء، وغار بهم سكان الغدران” ص 66.

وما يعلل هذا التحول أو تغييره، ويحدد معالمه، هو تأثير الوسط، وتماهيهم معه حد الذوبان في تناسق تام “الأقدام الحافية الرخصة” وخزتها إبر الجن، عرفت شوك الاسم، وشوك السر، وشوك الظن ..” ولم يفت السارد من تشبيههم بأقوام سادت تم بادت من خلال توظيف لمضمون النص القرآني بتحفظ كبير في إشارة إلى قساوة قلوب كفار قريش في صراعهم من الرسول محمد (ص) “إذا لقوا بعضهم قالوا نحن اخوة، وإذا خلوا إلى شياطينهم، قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزؤن” ص66.

لعلها من أكبر الصور الدالة على قساوة القلب وتحجره، بالنفاق، والاستهتار بمشاعر الغير، وإشارة إلى شخصيات انشطارية بامتياز، قادرة على تسليط القهر، وتصريفه في أحسن الوجوه، كما أن الفقرة كانت بمثابة تهيئ نفسي للمتلقي، للتطلع إلى مجريات الأحداث اللاحقة، بتشويق كبير، بعدما ثم وضعه من جديد في إطار خاص وتم تسليحه بأدوات تمكنه من متابعة الحكي، وكأنه يؤسس لمرجعية متفق عليها، و لا يمكن الحياد عن إطارها من أجل الاستمرار.

أما في الجزء الثاني من القصة، فقد حاول القاص الأستاذ أحمد بوزفور، قد أحداثها من عمق الغاب، من خلال حوار مقتضب بين الشخصيتين الجديدتين “كوثر” و “والمرأة المبتسمة” اللتان حلتا من عدم، دون مقدمات، أو تهيئ مسبق للمتلقي وعلى خلاف ما حدث في الجزء الأول من النص، بحيث تمت إزاحة الستار على مشهد من فصل مسرحي لعب فيه الحوار دورا أساسيا، ووظف كتقنية مركزية اختزلت حيثيات الحدث ولحمت أجزاءه، لتمتين العمود الفقري للقصة، بفكرة رئيسية ثانية عرفت بالشخوص الجديدة، وقدمت ملامح المرأة المبتسمة، صدر واسع/وفستانها ملون/ وصوتها عذب وحنون، وهي عكس الصورة المقدمة في نفس المقطع عن زوجة الأب “زوجة أبي تضربني”ص 66، كما تم تحديد ملامح الفتاة “مبهورة/مقهورة” معنفة من طرف والدها وزوجته “أبي يضربني/زوجة أبي تضربني” ص66، ومحرومة من طفولتها ومن اللعب “أنا أرعى البقرة/أنا أجلب الماء/وأشطب الدار” وبالتالي كان تمرير انقيادها بسلاسة وراء المرأة الفاتنة، وبسرعة كذلك، ولعل السبب يكمن في كونها كانت تبحث عن الخلاص، وتريد اللعب، وتنبذ حياة الشقاء وذلك ما استقيناه على لسان المرأة “تعالي معي، أضع لك عشرات العرائس، وأعلمك الغناء، وأما أكون لك …” ص66

لقد استطاع القاص أحمد بوزفور، تعرية واقع مأساة الطفولة المغتصبة، والمقهورة، وأبرز من خلاله سهولة انصياع “كوثر” مدى خطورة التغرير بالقاصرات ، وانحرافهن ، وانصياعهن بسهولة ، مشرحا نفسية كوثر، ورغباتها ، ومبرزا تطلعاتها الحقيقية والصادقة مقارنة بواقعها القاسي، والمجحف. كما أبرز الوجه الآخر للاستغلال البشع للأطفال القاصرين، فالمرأة المبتسمة هي وجه آخر للانحلال والفساد الأخلاقيين في البلاد، ورمز متعدد الدلالات لعالم الدعارة السري، الفاتن، والمغرض، والقاتل الذي وبمجرد ما تنتهي فيه صلاحية الوافد إليه، يتم إقصاؤه وإبعاده، وهو ما حدث مع “كوثر” الطفلة التعيسة التي قذفت بها المرأة المبتسمة في جوف ليل الغابة الغادر واختفت في لمح البصر، لتحترق الصبية بنار فضيحتها، ويضيع شرفها، فالنار “تغمر بالخوف وبالحب” وهي “نار الجن” ص 68، التي حاولت إبعادها عنها، لكنها في النهاية استسلمت، وطلبت اقترابها وصداقتها “يا نار اقتربي … حتى ولو كنت نار الجن اقتربي، وسارت الطفلة والنار نحو بعضهما” ص68، وهو اقتران لا منطقي وغريب بين كيانين وعالمين، الجن/الإنس، بين الشرف والخطيئة، لتتحول إلى فتاة مبتسمة هي الأخرى، وتلتحق بركب اخوتها داخل غابة اللا منطق، واللا معقول .. في موكب أحداث يلفها العبث والدرامية.

إن قوة الإقناع من خلال نسج أحداث الجزء الثاني من النص أعطت الانطباع عن قدرة القاص الأستاذ أحمد بوزفور، وتمكنه من تمرير بوح شفيف، مقتضب، ودال وسلس، اعتمادا على مجرد تلميحات غير مخجلة، أو مخدشة للمشاعر، وكأنه جالس على عرش الجدة، يحكي في مجمع أسري لأفراد من مختلف الأعمار، اعتمادا على الوخز الغير المبرح، والتلميح الخاطف، يمكن كل فرد حسب قدراته، وإمكانياته، وعمره من استنباط العبر الدالة، والحكم البليغة من أجل الاقتداء بها والتحصن بمضامينها، من خلال بثه لرسائل متعددة داخل مثنه القصصي، دون الحاجة إلى التصريح الجارح ،والمحاصرة، أو التضيق أو التفسير الممل، والمخجل.

لقد تلقت الوافدة الجديدة في الجزء الثالث من النص كل ترحيب وإكرام، من طرف اخوتها، في جو حميمي، “حكت لإخوتها جميع ما جرى لها من الأول إلى الآخر، وكذلك هم أخبروها بجميع ما جرى لهم وأقيمت الأفراح والليالي الملاح”. ص 68.

لقد لعب الاختصار في الجمل، والبساطة في الخبر ، دورا مركزيا لتلافي التكرار، وشد انتباه المتلقي، وتقريب مضامين الجزأين السابقين بلغة وخطاب من صميم المتعارف عليه، داخل الوسط العائلي المغربي، تميزت بالسلاسة، والتشويق، والتهيئ النفسي الهادئ، لتمرير أحداث عاصفة، وغير منتظرة، بعدما تيقن القارئ أو المتلقي أنه وصل للنهاية السعيدة للحكاية، لكن سرعان ما يتم كشف باطن ما كان غابرا في التوقعات، ويتم فتح قمقم مغارة الحكي من جديد، وبالتالي الدخول في متاهات جديدة.

قال الأقوى : أنا عريسها، قال الأجمل أنا حبيبها، قال الأذكى دعوها تختار، قالت كوثر أنا أختكم يا ويلكم.ص 68.

وكأننا إزاء مكاشفة أو لعبة الإفصاح عن النوايا، والمقاصد، وهي رجة قوية للقارئ، وصفعة حارة غير متوقعة، وأحداث تنطلق مجنونة، مسعورة، تغيب الظاهر والمألوف، وتعري أقنعة الغابر والمخفي، والنوايا المضمرة .. وبالتالي تبرز حقيقة منطق السائد في عالم الجور، عالم الغاب/القوة/الجمال/الذكاء والعقل(كوثر) فيتم الاحتكام في النهاية للغة الغرائز والأهواء.

“لابد للنساء من الرجال” أمر منطقي لكنه مغرض “أنا أختكم يا وليكم” ص 68، صرخة في واد سحيق. فالأقوى أرادها عروسة، والأجمل حبيبة، والأذكى، معا، باعتبار أن اختيارها له سيجمعهما معا، باعتباره اختيار ذكي ومغرض في نفس الوقت، وهو ما أجج صراعهم، ورجح الكفة للقوة، بعدما “لطم القوي الأجمل وفقأ عينه، وضرب الأذكى بعصا فكسر ساقيه، فهربا منه إلى خارج البيت” ص68، وهي صورة دالة على حيوانية التصرف، وجبروت القوة الممزوج بأريج منطق الغاب وقوانينه، وسمة من سمات التعايش داخل القطيع، الذي يسود فيه القوي، ويدعن له البقية ويدينون له بالولاء، والتبعية والاحترام، والطاعة العمياء .. فتم مراد القوي “ودخل هو بأخته تلك الليلة” ص68، لكن مفاجأته كانت أكبر من يتقبلها منطقه المكتسب “لم يجد بها دما” ص68، فيتم طرح مشكل الشرف/أو العذرية بحدة، وبكل قداسة ورمزية، فيتم اختزال إنسانية الفرد وكينونته، ومشاعره في مجرد بقع دم مهدورة، وكأن افتقاد الأخت للبكارة مخالف لأعراف وقوانين الغاب، وهو أمر شكل صدمة للقارئ باعتبار أن المنظومة المرجعية التي بنيت عليها فكرة النص “اللا منطق” منذ البداية تبيح كل شيء، وتعتمد أساسا لها قلب كل متعارف عليه.

وهو ما أحدث انقلابا في مسار الحدث، وأدخل القارئ متاهة أكبر، أيعقل أن يدافع عن الشرف، من أباح لنفسه كل محرم ؟

إن هذه الخلخلة كانت مقصودة، وربما الهدف من ورائها تعرية زيف الواقع واللا منطق، وإبطال لظاهر كل اعتقاد، وكشف لبواطن الحقائق المضمرة عنوة، وبالقوة، ولكل منطق مغلف بالزيف والخداع، ليتم تصريفه من خلال سلوك طبيعي. وهو ما شكل عودة إلى البدايات، ورجوع إلى الاحتكام إلى منطق الباطن وهو أمر فسره، كذلك، استنكار المخلوقات العجائبية الأخرى الأشجار/الأحجار/والبوم، للمطالبة بالاقتصاص لدم العدرة/دم القرابة/الثأر، وفي نفس الوقت عودة لمنطق الغاب المكتسب الذي تجلى في تصالح الاخوة الثلاثة وإجماعهم على الانتقام للشرف بدافع المصلحة دون مراعاة لإنسانية الإنسان وحقه الطبيعي في الحياة. وإحالته على الصراع السرمدي للحكي بين الخير والشر وهنا كانت الغلبة للشر، والطموح، والربح السريع، فاغتيال الأخت المتصارع حولها، سيشكل تآزرا وبالتالي تلاحما وتعاضدا، لينظروا إلى المستقبل بتفاؤل ، ومشروع طموح لتحقيق الرغبات والانتظارات “قال الأكبر كانت ابنتي/قال الأوسط كانت أختي/قال الأصغر كانت أمي” ص68، وهي ادعاءات باطلة، وكاذبة، ومنافقة، من خلالها استمد كل منهم مشروعيته، وأحقيته في الاستفادة من ريع مداخيل مزارها “الشريف” بعدما بنوا أسسه، وأحاطوه بقداسة كبيرة، وقدموا له النذور والقرابين، فتحول القبر إلى مزار و دفينته إلى قديسة، ومداخيله إلى غنيمة مسلوبة غدرا، وقهرا، “وإذا التقوا حول “الربيعة” قالوا نحن اخوة، وإذا خلوا إلى شياطينهم، قالوا إنا معكم، غنما نحن مستهزؤن” ص 68.

وهي الصورة الساخرة التي يقدمها القاص أحمد بوزفور بقتامة عن واقع الإنسان العربي المريض والمصاب بكل الانفصامات في شخصيته، وعن تطلعاته الفاقدة لكل منطق، أو عقل، والخالية من كل مشاعر، المتفسخ سلوكا، وأخلاقا، وعقيدة.

وهو ما سوف يثير ردود فعل من خارج الوسط الموبوء من طرف “سكان الأضرحة [لتدارك] أمر الأرض، والزمن الفاسد، والجيل الماسخ، لم تقبل في الجمع شفاعة، واتفقوا، وأعطوا التسليم، وصلوا الفجر جماعة. ص68.

هو حدث غير منتظر يأتي كخاتمة لأحداث مثيرة لقصة أكثر إثارة، وقرار الجماعة كان لا رجعة فيه لتغيير المنكر، واستتباب الأمن بالغاب، وإحقاق قوة الحق والمنطق، للضرب على أيدي المعتدين باعتبارهم المرجع الأساسي، والوصي عن تطبيق الشرع في حق كل جانح أو خارج عن المألوف والملة …

إن تحديد هوية الحق للحق أو الجماعة، يمنح الإحساس بكونه تنظيم ذو تراتبية مبني على الاحتكام لمرجعة خاصة منطقية ومألوفة لدى القارئ، غير أن أبعاده وإحالاته ترجعنا إلى عصور خلت وماضي تليد إبان الغزوات الإسلامية ضد الكفار والعابثين من الناس أو محاربة الخوارج، في الماضي، أو أحالة على نوع من التصوف ، بينما في الحاضر إشارة إلى تنظيمات سرية أو إسلاموية … وهو ما يضعنا في حيرة ومأزق وسقوط في شرك المرجعية التي بنيت على أساسها وضمنها هذه القصة، ليبقى نص الغابر الظاهر، يمتح من أحداث كل الأزمنة، ومفتوح على نهايات، واحتمالات متعددة في وجه كل قراءة متأنية، ليتحول إلى نص رغم سهولته ممتنعا، وكثيف الرمزية ومتعدد القراءات والدلالات، مما سيمنحه سرا، وقوة خفيتين، وقدرة حربائية على التشكل من جديد.

على سبيل الختم.،

إن الطابع الغالب في نص الغابر الظاهر هو توظيفه، بل اعتماده على قالب أسطوري أملته اختيارات محددة سلفا، نظرا لقدرته على استيعاب أنماط وأشكال ثقافية متعددة، تمكن من خلالها القاص الأستاذ أحمد بوزفور، من تطريز فضاء النص بجماليات متعددة، ومحكيات مختلفة اعتمادا على لغة اليومي، والمألوف، والمتداول لإصباغ طابع المغربية على هوية النص.

وإذا كانت القصة الأصلية بسيطة، وعادية جدا، تبدأ بهروب الاخوة الثلاثة بفعل سوء معاملة زوجة أبيهم، ونزوحهم إلى الشارع الذي احتضنهم في غابته الإسمنتية ومرنهم على قساوته وأرغمهم على اعتناق مذاهب الانحراف، والانحلال، والتفسخ، التي اعتنقتها أختهم فرارا من واقع القسوة والحرمان بعد التغرير بها، وارتمائها في جحيم الدعارة، كان بهدف تقديم بعد عميق لواقع المأساة داخل وسط تنتفي فيه الأصول، وتضيع فيه الأنساب، وتختلط بل تتهجن بفعل استباحة كل محظور، وهو واقع أبرزه بكل قتامة زمن كتابة النص مغرب الثمانينات، وما عرفته تلك العشرية من توالي سنوات حرجة اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا وبالتالي دخول البلد في منعطف خطير وحرج ..

ولم يكن عنوان القصة بالهين، أو البسيط في دلالته، فالغابر (سر) والظاهر/سراب، وكلاهما ممتنع في القبض عليه، أو الكشف عنه، لكن تمريره همسا من خلال أحداث النص جاء منطقيا ومتسلسلا وضمنيا، فما هو الغابر الذي أرادنا القاص كشف أسراره وسبر أغواره ؟ وبالتالي أين يكمن ذلك الظاهر الذي نراه، وندركه، لكننا نعجز عن فهمه أو الإمساك بخيوطه السحرية ؟

لقد كان تشفير لغة النص، ومحاولة ترويضها من الصعوبة بمكان، فالحكم على ظاهر الأشياء كان مغلوطا منذ البداية، وخاطئا نظرا للإشكالات التي يطرحها النص، فهو يحدد ويضع الخبر محط شك ليفقد مشروعيته بسرعة بعد ذلك، وكأننا إزاء بلاغ أو وشاية كاذبة مررت من طرف أحد أعوان السلطة، بحيث كان تضخيم الحدث والمبالغة في الخبر بشكل كبير، وبالتالي نفيه ببرودة، وهو نفي أفرز إحالة شاذة – خروج الاخوة إلى الغاب ليلا وهو خروج فيه جنوح ومغامرة.

إن الليل يرمز إلى السيولة، كالماء في قدرته، ومن ظلمته تخرج أشياء لترى النور، وهذه واحدة من الأفكار التي سيطرت على ذهن الإنسان عبر مرور التاريخ، ومنحت الطبيعة قوة قادرة على الخلق والتشكيل العفوي.

إن الفكرة في إطار المرجعية الأسطورية مخالفة ومغايرة للفكر الديني الذي ارتكز على تناسق بين الكون والإنسان، واعترف بقدرة الله جل جلاله في الخلق وتنفي عنه كل صفة إنسانية. كما أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تحكمها إرادة وقدرة الخالق … وما يمنح تلك القوة للنص والتقائه مع الأسطورة الإغريقية ،هو اتخاذهم للذئب أبا وللغاب …

وكذلك في حياتهم وهم شبه متخلى عنهم يعيشون في مغامرة مفتوحة، يكتشفون ويتعلمون، ويتطبعون في وسط العنف والقوة كما أظهر النص نوعا من حيرة الأبطال، أمام العديد من الاختيارات الصعبة فكان الوقوع في الخطأ .. وبالتالي سوف يتأتى البحث عن الصواب في نهاية النص من طرف قوة خارجية وليس منهم، في محاولة للتطهير أو التطهر من خلال رحلة البحث عن الصواب والخير نزولا من الأعلى نحو الأسفل .. وهي محاولة لتفسير الأسطورة تفسيرا جديدا، من خلال الربط بينها وبين مشاكل العصر، واتخاذها قالبا رمزيا لتسريب أفكار بشرية من داخلها، ثم إعادة صياغتها من خلال لغة، وخيال ووجدان معاصر.

إنها المغامرة التي تحمل في طياتها أكثر من سر وتساؤل، والتي كان أحد أبطالها القوة، والأخر الجمال والثالث الذكاء.

ولعل واقع الحياة المنحرفة بجمالها المزيف وجبروتها القاتل، ودهاء وذكاء أصحابها الغادر، وكأن القاص يكشف لنا عن الحجب والأسرار في مملكة الصمت حيث ينتفي ويختفي كل متعارف عليه أو متفق عليه ومألوف. وكان لا بد من تأجيج الصراع بتوظيف شخصيتين أنثويتين الأولى ظهرت واختفت بينما الثانية (كوثر) ظل حضورها متميزا وحارقا حتى نهاية النص، وحضورها دفع بالحدث إلى أعلى ذروته، وأبرز تواجدها غابر ما كان ظاهرا.

إن الإقدام على قتل الأخت كان في حد ذاته تناص من حكاية النص القرآني “قتل قابيل لأخيه هابيل، وهو تناص تجلى كذلك من خلال توظيف مضمون النص القرآني مرتين في الإشارة إلى المنافقين من كفار قريش” وكأننا أمام تأكيد على المرجعية القصصية للأستاذ أحمد بوزفور، وهي مرجعية متنوعة ومتعددة، اعتمدت على التوظيف والإيحاء والترميز بهدف تحقيق نوع من الاستمرار التاريخي أو الإعلان عن أصالتها وجذورها التاريخية، وبالتالي استمرارها في الواقع الراهن.

أما بخصوص السر الثاني والمتمثل في الجمال أو الفتنة فقد تمت الإشارة إليه أثناء الحديث عن المرأة المبتسمة دوما، والتي كانت لها صفة من صفات الجن من خلال ظاهرتي (التجلي/،والاختفاء) وكذلك في الجمال الحارق للنار/والنور على سواء، ثم إشارة إلى اللذة والفساد والخطيئة المتجلية في جسد الأنثى (المرأة/كوثر) وما أثاره من طمع سواء في الحياة أو الممات وهو جمال آفل مزيف وخادع ومصدر لكل القلاقل والصراعات.

في حين تجلى السر الثالث في الذكاء ويمكن اعتباره دهاء شيطانيا، تجلى من خلال قدرة أصحاب الخوارق وذوو العاهات في قدرة إقناعهم وإجماعهم على تزيف الحدث، وفي دهاء وخداع المرأة المبتسمة في إقناعها لكوثر وإدخالها جحيم الدعارة، بالإضافة إلى تبريرات كل من الإخوة الثلاثة لأحقيتهم بشكل أو بآخر للاستفادة من مداخيل الزاوية “أو الربيعة” عندما اعتبروا كوثر (أما/أختا/ ابنة) لهم وهي ثلاثية متوارية، شكلت مفاهيم فلسفية غابرة في ثنايا النص … تم توظيفها بإدراك ووعي للكشف عن حركة الديمومة والصراع الذي تنطبع بها الأشياء من خلال توحيد الأضداد والتأليف بينها في وحدة محكمة داخل درامية النص القائم على الصراع المحتدم بين الإنسان وقدره، وهو أمر من شأنه تقريب المسافة بين الأسطورة والقصة من حيث الخلق والتعريف بأصل الأشياء، وبالتالي الصراع من أجل السيطرة عليها .. كما أن هناك سرا آخر تم رصده انطلاقا من زاوية الالتقاط من الأعلى، فالبوم الذي كان يطلع على الأحداث ويلتقط تفاصيله وحيثياته، ثم الجماعة في أعلى الجبل (أصحاب القبب الخضر) الذين قرروا تغيير المنكر، فالنظر من الأعلى إلى الأسفل إشارة إلى المقدس وهي تيمة مركزية اشتغل عليها في النص وكأننا إزاء أشخاص لهم كرامات وقدرات (أولياء الله الصالحين) كإشارة مثلا إلى الولي الصالح عبد السلام بن مشيش وكرامته المتجلية في أمره للجبل المتحرك بالسكون فسكن بقدرة الله بعدما خرج الأمر عن السيطرة من طرف الآخرين … وما عزم الجماعة على تغيير الأوضاع واستتبابها بالأسفل وإصلاحها بعدما فار تنورها إلا إشارة بليغة للمقدس في النص. لكن السؤال هو لماذا ظل هؤلاء يلتزمون الحياد طوال تلك الفترة ؟ وهل كان من الضروري إجماعهم، واتخاذ قرارهم بعد حادثة القتل، ثم من هم الذين تدخلوا وطلبوا الشفاعة فلم تنفع شفاعتهم ؟



إن خاتمة النص تضعنا أمام سؤال مفتوح نتيجة واقع متردي لكن نتائجه المتوقعة تتطلب تخمينات وتفسيرات متعددة.

فالأشجار والأحجار والبوم، هي من مكونات الوسط الطبيعي ويمكن إسقاطها على الفئات الاجتماعية في هرم الدولة، حيث يمكن اعتبار الأشجار العارية الفئة المثقفة الملتزمة بالحياد السلبي، والأحجار بأصحاب المصالح والنفوذ والقوة، أما البوم، هو جهاز مخابراتي للدولة الناعق والساهر على أمنها .. والأطفال العامة والغوغاء والمتمردين، في حين مثلت كوثر الوجه الحقيقي للبلاد، بكل صفاتها وبراءتها والتي أضحت عرضة للاستغلال والتغرير والهتك والاغتيال أو القتل، لتبقى قصة الغابر الظاهر، صرخة قوية ترصد مغرب سنوات الرصاص والجمر بكل مآسيها وجوائحها، في قالب أسطوري بليغ استلهم مقوماته من الواقع الثقافي المغربي بأسلوب ساحر أو ساخر وصادم في نفس الوقت، اعتمد الإبطان والإضمار تارة، والترميز والتلميح تارة أخرى، داخل متاهة حكي يتطلب من القارئ امتلاك مفاتيح لكشف حجبه وأسراره الحارقة والنازفة على الدوام …






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 11-09-2012, 09:08 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

وعن نفس القصة * الغابر الظاهر * للاستاذ احمد بوزفور
هناك قراءة ثانية استقيتها من المجلة المغربية الرقمية مغرس


لفهم وانصهار الأفق التاريخي تكسير لاغتراب نص الغابر الظاهر


عندما تؤدي المسافة الجغرافية و التراكمات التاريخية و الغيرية الثقافية إلى تعميق غربة النص أو تراجع درجة الفته بالنسبة للقارئ، خاصة في غياب تكافؤ المعنى في ترجمة دلالة سياق ثقافي معين إلى سياق ثقافي آخر، تتضاءل فرص الفهم والتي لا يمكن تعديلها إلا في إطار تأويل متعدد الأبعاد. حينذاك تصبح ضرورة وجود فن مخصوص لهذه الغاية أمرا لازما. وهذا الفن هو الهيرمينوطيقا أو فن التأويل الذي تبرز حيويته عندما يتم تشكل المعنى في تراث معين. وحيثما وجد الابتكار الدلالي الذي يقوم على تأويل النصوص في سياق مخالف لسياق مؤلفها وجمهورها الأول من اجل اكتشاف أبعاد جديدة للواقع عبر الفهم الحاضر باستحضار الماضي ليس كشكل مستنسخ، وإنما عبر انصهار الأفق التاريخي للنصين( الحضر و الغائب).من هنا يعتبر مبحث الهيرمينوطيقا من المباحث التي تقوم على مبدأ شرح النصوص الغامضة و المنغلقة أمام الفهم.
نحت مصطلح الهيرمينوطيقا hermeneutike من اشتقاقات لغوية إغريقية قديمة "ينتمي معنى فعل (هيرمينويان hermineuein ( في اللغة الإغريقية القديمة، إلى أسماء موصوفة أو نعوت من نفس العائلة اللغوية )هيرمينياherminia (، و(هيرمينوس hermeneut)، و(هيرمينوطيس hermeneuts)، وهيرمينوطيكوس hermineutik)، ومن هذه الاشتقاقات اللغوية جاء لفظ (هيرمينوطيقا hermineutique) (1).
ومن معاني هذا المصطلح "التعريف و الشرح و الترجمة والتأويل و التعبير"(2)؛ وقد عرف المصطلح مع ظهور إشكاليات تفسير وتأويل الكتاب المقدس عند المسيحيين و اليهود، وأصبح تقديم تفسير للخطاب الديني أكثر عمقا، وإخراجه من المضمر إلى الجلي والواضح أمرا ملحا، سواء لغاية إفهامية أو حجاجية، أم للدفاع عنه بحسب ما تقتضيه التيارات المذهبية العقائدية.
وعليه فالتأويل فن يهتم بتفسير وترجمة النصوص، وهي عملية تفكيك وإعادة البناء « طريقة للاشتغال على النصوص بتبيان بنياتها الداخلية والوصفية و وظيفتها المعرفية والمعيارية؛ والبحث عن حقائق مضمرة في النصوص وربما مطموسة للاعتبارات تاريخية وإيديولوجية، مما يجعل فن التأويل يتلمس البدايات الأولى و المصادر الأصلية لكل تأسيس معرفي و برهاني وجدلي"(3).
هكذا، تركز اهتمام الشراح على التفسير التاريخي والأخلاقي والإنساني من خلال مستويات أربعة:
1- الحرفي أو التاريخي.
2-الأخلاقي أو المجازي.
3- الكنائي أو الرمزي.
4- الباطني أو الصوفي.
من هنا، نلاحظ مدى انفتاحهم على الهيرمينوطيقا التوراتية الجديدة التي تقوم على المزج بين العلوم الفيلولوجية الكلاسية و التفسير القديم (**). بعد ذلك ستظهر الهيرمينوطيقا الحديثة مع الرومانسية الألمانية، حيث سيأخذ البحث الهيرمينوطيقي اتجاهين أساسين:
-1الهيرمينوطيقا العلمانية.
-2 الهيرمينوطيقا الدينية (4).
فالأولى هيرمينوطيقا علمنة الأسطوري، والثانية هيرمينوطيقا استرجاع المعنى (5)، وسيحدد "ف.شليرماخر F.Shleirmacher" بالنسبة للهيرمينوطيقا العلمانية مظهرين متكاملين من التأويل :
1-المظهر التنجيمي Divination ويتميز بنوع من الحدس الباطني، وهو المتصل بذات المؤول وبتجاربه الخاصة.
2- المظهر المقارن
Comparatiste وهو مشيد على الدراسة اللغوية و التاريخية (***) (6)

وسترتبط أيضا الهيرمينوطيقا بالفينومينولوجيا مع "مارتن هايدجر M.Heidegger"، متخذة طابعا وجوديا يكشف عن الوجود نفسه للذات المؤولة باتصال الوعي ببنية الظواهر المحددة اتصالا مباشرا(****) ؛ لتبلغ بعد ذلك الهيرمينوطيقا أوجها مع "هانز جورج غادامير Hans-Georg-Gadamir" الذي يعد بحسب الدارسين من الرواد المتميزين بعد ملهمه "مارتن هايدجر M. Heidegger ".

ومادمنا سنركز في مقاربتنا لقصة " الغابر الظاهر" للقاص المغربي "أحمد بوزفور" على هيرمينوطيقا "غادامير Gadamir" وبخاصة مفهوم الفهم و الأفق التاريخي عنده، باعتباره آلية تأويلية تروم تكسير الاغتراب الّذي قد يشعر به القارئ إزاء القصة حتى يجعلها مألوفة، ومن ثم يحقق فهما يقوم على رصد افقها التاريخي وصيغة اندماجها مع الأفق الفردي للمتلقي.
إن مفهوم الفهم عند "غادامير Gadamir " لا يقوم لوحده، بل تحضر إلى جانبه مفاهيم الحوار والتفسير كمرتكزات نظرية تعززها العلاقة التي تقوم بينها أثناء المقاربة التأويلية (الهيرمينوطيقية)، وتلك العلاقة ليست بتراتبية وإنما هي جدلية " التفسير يتطلب دائما الفهم وينطوي عليه بالضرورة، والفهم بدوره لا يمكن أن يكون فهما حقيقيا، إلا من خلال الحوار: فالفهم لن يتحقق من خلال نزعة منهجية تحاول فيها الذات الاستحواذ على الموضوع وإخضاعه لقواعد منهجية، بل عبر حوار تنفتح فيه الذات على الموضوع أو الأنا على الآخر بهدف الوصول إلى اتفاق مشترك نشعر معه بالألفة" (7)

ونجد ارتباط الفهم بالحوار أصلا مع "و.ديلتاي W.Dilthey" الذي لا يعتبر الفهم مجرد عملية معطاة مسبقا وخارجة عن ذات المؤلف إذ إن " بين المتلقي والنص الأدبي شيئا مشتركا هو تجربة الحياة (...) ، و عملية الفهم تقوم على نوع من الحوار بين تجربة المتلقي الذاتية و التجربة الموضوعية المتجلية في الأدب"(8).فما يقوم به المفسر مع النص هو ذلك الحوار الذي يكشف المضمر و يجلي المحجب. " إن مهمة الفهم و التفسير هي كشف المتحجب، أي اكتشاف ما لم يقله النص من خلال ما يقوله بالفعل، وهذا يتم من خلال الحوار الذي يقيمه المفسر مع النص" (9) ولكن يبقى هذا التفسير و صفيا (ظاهريا).

إذن، فالتفسير هو وصف للفهم، ويبدأ من فهمنا لطبيعة ما يعطانا بوصفه متحجبا و ليس جاهزا، فهو وصف لعملية الفهم"(10).بذلك، فالفهم لوحده عند "غادامير Gadamir" لا يكفي، بل يأتي الحوار ليكمله ويثريه "كل حوار حقيقي يستلزم أن نميل بالإنصات إلى الآخر ونمنح رأيه اهتماما خاصا ونلج إلى فكره لنفهم ما يقوله و يعبر عنه"(11).

و يميز بين نوعين من الفهم:
1 - الفهم الجوهري : و هو فهم محتوى الحقيقة) التي تنكشف بقراءة النصوص).
2 - الفهم المقصدي

فهم مقاصد وأهداف المؤلف: (12).

ولمزيد من الإبانة يوضح مفهوم الفهم بشكل جلي من خلال الفن كتجربة و خبرة في إطار الشروط الاجتماعية للفرد/المتلقي، الذي لا يجعله "غادامير" منفعلا و متأثرا بالأثر الفني، بل أيضا فاعلا فيه. إذ هو الذي يضفي على هذا الأثر صفة الوجود الفعلي للأثر الفني كشرط ضروري لتحققه " تنشأ إذا، حلقة شرطية ((Cercle Conditionnel تمنح للأفراد سلطة تقييم و إضافة المعنى على الأثر الفني، وتمنح لهذا الأخير سلطة إشراك الأفراد ضمن حقيقة يحيها هؤلاء "(13).

هكذا، فعملية الفهم تتم من خلال العمل الأدبي، ومعايشة التجربة المعبر عنها في النص عن طريق متخيل يحيل على تجارب ومواقف في تجربتنا الذاتية. من ثم فهي عملية تحاول تجاوز محدودية تجربتنا الذاتية بالانفتاح على عالم النص من أجل إثراء خبراتنا الشخصية. إن تجربة الفن إمكانية أساسية للإمساك بالحياة إمساكا يتعالى عن الزمن و التاريخ " لا نستطيع الإمساك بالحياة إلا من خلال وحدات المعنى التي ترتفع فوق السيلان الدائري للتاريخ"(14).

إذن، يشكل مصطلح الفهم معبرا أساسيا لولوج عالم "غادامير Gadamir" الهيرمينوطيقي، ومفتاحا رئيسيا لرؤيته التأويلية، وهذا الفهم مرتبط (بالأفق التاريخي) للمؤلف المتلقي والنص معا، لذلك فهناك انصهار لأفق التوقع وافق التجربة، اللذين يتواجهان باستمرار، بذلك يعد "انصهار الأفاق" مفتاحا جوهريا في فعل فهم النص، وعليه "يعتبر مصطلح الفهم ضمن الاستعارات الذائعة ل"غادامير Gadamir" واندماجا للأفق الفردي مع الأفق التاريخي"(15). وهذا الأفق يعد مجالا حيويا يؤطر رؤيتنا للأشياء و يحدد علاقتنا مع العالم " إن مفهوم (الأفق) يحيل على موقعنا في العالم )...( و هو مفهوم نتحرك في محيطه(...) وكذا بعلاقته بالرأي المسبق الملازم لنا، و يعد )الأفق) الذي لا نستطيع الرؤية بدونه"(16). وبالتالي، فالفهم يتم انطلاقا من (الأفق) وهو بمثابة افتراضات مسبقة لا إرادية، تتداعى من خلال (الخبرة المعايشة) التي اكتسبها المؤلف و المتلقي، و هذا لا يتناقض مع رفضه لمقولة (الإسقاط الجمالي) المسبق(****)، إذ لا يرفض بشكل مطلق وجود الخلفيات المسبقة، " فما يعد أساسيا هو إعادة إحياء مصطلح (الرأي المسبق) و الإقرار بحقيقة و جود منطقي لرأي سابق"(17).

إن ارتباط الفهم بالأفق التاريخي عند "غادامير Gadamir" لايعني ذلك الارتباط بالنصوص التراثية فقط، بل يعتبر التاريخ دائم الحضور وخلفية لا مناص منها، وحضوره ضروري عنده سواء أكان النص جزءا من ماض أو حاضر المتلقي "إن أي جهد تأويلي صحيح، ضروري له أن يراعي تاريخيته الملازمة له، و إننا نحصل على تأويل صحيح عندما نتناول دور التاريخ في عملية الفهم نفسها، وهي التأويلات التي وصفها غادامير ب"دور التاريخ النافذ"(18).
إذن، بربط "غادامير Gadamir" الفهم بالخلفية أو الرأي المسبق يكون قد أقر باستقلاليته و ارتباطه بالنص في الآن نفسه، مخالفا بذلك انعزالية الفهم كما أثير مع الشكلانين والبنيويين، والبنيويين التكوينيين الذين يرون بان عملية الفهم، عملية بنيوية متصلة ببناء النص. " عمل الخيال لا يأتي من فراغ، فهو مرتبط بطريقة أو بأخرى بالنماذج التي يوفرها التراث"(19).

من هنا نستنج بأن الفهم عند "غادامير Gadamir" لا يقوم من فراغ و إنما من خلال علاقات منصهرة بين الفهم والأفق والتاريخ، يمكن أن نمفصل العلاقة بين هذه العناصر التي محورها النص على الشكل التالي:
1- ارتباط النص بالوجود الجمعي و التاريخي و ليس بالعدم.
2- العلاقة بالنص تحيل على الالتقاء بالتراث /التاريخ.
3- ما قبل (التأويل-الفهم-القراءة) الراهن هي (أفاق منصهرة).
4- ما قبل (النص) في (أفق-سياق} متبدل ومتغير.

من ثم، فالتراث /التاريخ هو مفصل العملية التأويلية، وهو وجه العملة الآخر ( لما قبل النص) تحت قاعدة أن كل ما يدخل دون طائلة قبل النص هو تاريخ بالقوة وله حضور بين ثنايا النص عبر سياق ضمني يصله المتلقي في فهمه و تفسيره.

من خلال ما أتينا على ذكره يكون الفهم مرتبطا بشكل وثيق بمفهوم الأفق ومفهوم التاريخ، فالأول متصل بالقارئ وبالمؤلف، و الثاني مرتبط بالخلفية التاريخية التي تساعد على تلقي النص ضمن إطاره الضمني أو المعلن.

هكذا، فبنية الفهم التي يصفها "غادامير Gadamir" لا يمكن أن تنفصل عن (ما قبل الفهم)، إذ أن قبل أي تأويل لرصد المعني هناك تشكلات لهندسات قبلية، تضع النص في سياق خاص، وضمن منظور معين يعبر عن تدفق المعاني التي تتجه من الوعي نحو الموضوع.

إذن، كيف ثم صهر ماضي قصة "الغابر الظاهر" في حاضر القراءة؟

هل من خلال ما يستبطنه النص من ذاكرات و منطلقات تراثيات؟ أم من خلال البحث عن ذلك التقاطع الفني المفترض قيامه بين توتر المسافة الزمنية والمسافة الجمالية في النص؟

إن الجواب على هذه الأسئلة ندرجها ضمن عملية تلقينا للقصة، وفهمنا لها على ضوء استراتيجية مؤشراتها، و على ضوء مدونتنا الثقافية. ففهم نص " الغابر الظاهر" انطلاقا من كونه ينبني من خلال خلفية خرافية تنبني بدورها على مرجعية تراثية دينية عند القاص، و هذه المرجعية ذات طابع إنساني جمعي مشترك، يجعلها بذلك، كما يرى محمد مفتاح "خرافة ذات بنية أسطورية".20.

فهذا المشترك يسترفده النص القصصي ل"بوزفور" من الحكاية المعروفة في التراث العالمي بالإخوة التائهين في الغابة، وذهاب أختهم للبحث عنهم، فإذا بها تسقط في براثين إحدى الشريرات..، وأيضا حكاية ساندريلا المشهورة في التراث العالمي، ويثبته المقطع التالي في القصة" قالت الطفلة المقهورة: أنا اجلب الماء و اشطب الدار، وزوجة أبي تضربني"21 .

هذا اشتغال يؤكد أن تواصلنا مع الماضي لا يتم مباشرة في نسخته الأصلية الكاملة، بل يتم عبر الانزياحات والتحويلات التي تطرأ عليه في أفق امتلاك هذا الصوت القادم من الماضي. و من مظاهر امتلاكه و منحه خصوصية محلية في " الغابر الظاهر" :

ابتداء القصة بالنموذج الاستهلالي في الحكايات الشعبية في التراث العربي الشفوي يقول الراوي: "كان حتى كان في قديم الزمان، كانت العرجا تنقز الحيطان، والعورا تتخيط الكتان الطرشا تسمع الخبر في ما كان.."22 تبيئ حكاية "ساند ريلا" العالمية و ذلك باستبدال اسم البطلة "ساند ريلا" باسم عربي هو" كوثر".

تحوير لغة التخاطب خاصة في مشهد المرأة الساحرة وهي تحاول إقناع كوثر بالذهاب معها حيث ثم توظيف الدارج المغربي " اتركي خلفك تمارة والشقا و تعالي معي"23.

تحيين التراث الديني في القصة لتتم إعادة امتلاكه بين ثنايا اللغة الإبداعية و منحه مدلولا دنيويا(قصة قابيل وقصة هابيل و الإخوة الأعداء الواردتان في القران الكريم).

فالمرجعية الأصلية لهذا التراث الديني القدسي الذي انطلقت منه القصة هو" و إذا لقوا اللذين آمنوا قالوا آمنا، و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إن معكم، إنما نحن مستهزئون".24

أما فيما يخص عملية الامتلاك الدنيوي له فقد جاءت على الشكل التالي: "وكانوا إذا لقوا بعضهم قالوا نحن إخوة، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون". . 25

و تنصيصها في الغابر الظاهر فجاءت كالتالي: " وقال الأقوى: أنا عريسها، قال الأجمل: أنا حبيبها، قال الأذكى: دعوها تختار، قالت كوثر: إن أختكم يا ويلكم، قالوا، قالوا لها: دعي عنك القيل و القال، ولا تتعلقي بالمحال فلابد للنساء من الرجال، ثم إن الأقوى لم يسمع كلام أخويه، ولطم الأجمل ففقأ عينيه، وضرب الأذكى بالعصا فكسر ساقيه، فهرب منه إلى خارج البيت، ودخل هو بأخته"26

إذن، فهذا التنصيص الجزئي هو ما اسماه "غادامير" بالتاريخ الفعال أو المؤثر، وهو التاريخ الفعال ساهم الذي في انزياح الحكايات عن سياقها الماضي الأصلي، وامتلاكها لراهينيتها ضمن النص الذي حقق لها تناغما في نسيج حبكة الحكاية.

استخلاصات:

هذه القراءة المفككة لخلفيات النص الأدبي تقدم ثلاث خواص أساسية:
1- التعدد في المعاني و في المرجعيات التاريخية لنص الحكاية " الغابر الظاهر" و هو تعدد نفترض حضوره في أفاق تلقي قارئها المفترض. والذي يوجه افتراضات مسبقة ( فهم مسبق)، يستحضرها قبل و أثناء عملية القراءة، و هذا الفهم المسبق يضمن للقارئ نوعا من الإقبال المطمئن إلى التعامل مع النص. لكن باستثمار "بوزفور" لذاكراته الثقافية بشكل تركيبي إبداعي خلط على القارئ مما يجعل طمأنينته التي أتى بها إلى النص تتراجع، ليعيد عند كل عملية إعادة القراءة تركيب فهمه و تأويله في أفق صياغة تأويل متسق بحسب ما تمليه استراتيجية الكتابة في " الغابر الظاهر"، وهي استراتيجية نجحت في صهر الآفاق التاريخية في وعاء واحد.
2- محورية التراث الثقافي و مركزيته في تشكيل رؤية النص، تجعلنا نخلص إلى أن هناك نوعين من التراث في القصة:
* تراث كوني عالمي.
* تراث عربي إسلامي.
3- نسجل في هذا المستوى أن القراءة التأويلية لنص "الغابر الظاهر" لم تركز على شكل الإرسالية، وإنما على مضمونها و تحولاته على مستوى تمفصلات الحكاية، وهذا الإهمال للشكل يعود بالأساس لتأويلية "كادامير" التي ترى بان تناولات الوعي للفن تكون انطلاقا من الوعي إلى الموضوع، بمعنى إن الشكل عنده هو فقط هيئة للعالم المعطى في القصة. الأمر الذي دفع "س. سونتاغ S.Santague" إلى اعتبار التأويلية عامة و"الجاداميرية" خاصة تأويلية موضوعاتية.
إذن، فنص قصة " الغابر الظاهر" متعدد في خواصه الدلالية وإحالاته التراثية، مما يخول لمؤوله تفاعلا بين آفاق المؤلف التاريخي المشتركة و المتنوعة، وتحقيق مستوى من الفهم انطلاقا من تلك الآفاق و صيغة إعادة توظيفها. من ثم فميزة النصوص المفتوحة على التاريخ الثقافي و الديني بإمكانها تحقيق الاتصال المستمر لتاريخ الفن، الذي ينطلق منه المؤول كأفق تاريخي افتراضي تؤكده العمليات التأويلية، و هذا الاتصال هو ما يعبر عنه "غادامير Gadamir" بمفهوم المسافة الزمنية كشرط لتأويل و إصغاء لما يقوله النص بما يصله من مسافات جمالية بالتاريخ، تتمظهر في الإبداع باعتباره مجموعة دلالية تحول المعنى من التاريخي إلى الجمالي أو الروحي " بالنسبة للمحلل، يحبل النص بالمعاني المتعددة Sens Multiples، وهذا المحلل الذي لا تعترضه المعاني المتعددة إلا حينما ينظر نظرة كلية عندما تظهر الأحداث و الشخصيات و المؤسسات و الحقائق الطبيعية و التاريخية كتشكيل جامع، وكمجموعة دلالية تسمح بتحويل Transfert المعنى التاريخي إلى المعنى الروحي"27
بذلك تبرز المسافة الزمنية كيف أن تاريخ الفن هو حلقات متصلة و ممتدة في زمن الكتابة مما يكسر من اغتراب النص الممتد في المدونة التراثية الثقافية و التاريخية و الدينية، ولا يتركه غريبا على القارئ.


************


هوامش و إحالات:

* احمد بوزفور: ديوان السندباد – قصة الغابر الظاهر-، الطبعة الثانية، منشورات الرابطة 1995-المغرب-
.
Jean Pépin, l'herméneutique ancien : les mots et les idées ; Poétique N° 13 p2911-
2- فرناد هالين و ف. شوبرويخن: من الهرمينوطيقا إلى التفكيكية، ترجمة عبد الرحمان بو علي، مجلة "نوافد" المملكة العربية السعودية، ع 4 يونيو 1998 ص 73.
3- عماد شوقي الزين : الفينومينولوجيا و فن التأويل، مجلة " فكر ونقد " ع 16.س 1999 ص 75.
**) كتاب سبينوزا B.Spinza:"رسالة في اللاهوت والسياسة Tracalus Theological- Politicus" إذ يندرج هذا الكتاب في التأويل العبري، والتأويل الأخلاقي للنص التوراتي الذي أحدث ثورة في التأويل العبراني.
4- بول ريكور: إشكالية ثنائية المعنى، ترجمة فريال جبوري غزول، ضمن سلسلة ":لن"مجلة البلاغة المقارنة، دار قرطبة للطباعة، النشر الدار البيضاء، -المغرب-1993ص 137
5- المرجع نفسه، ص 152
.
6- فرناد هالين و ف. شوبرويخن: من الهرمينوطيقا إلى التفكيكية، ترجمة عبد الرحمان بوعلي، مجلة «نوافد" مرجع سابق، ص65.
***) يرى فريدريك شليرماخر في إطار حدثيه عن الدائرة الهيرمينوطيقية بأن النص هو عبارة عن وسيط بين المؤلف و القارئ، ويقوم على اللغة و في علاقة جدلية مع الهيرمنيوطيقية.
7- هانز جورج جادامير: تجلي الجميل و مقالات أخرى-تحرير: روبرت برناسكوني، ت. ودراسة وشروح: د.سعيد توفيق، المجلس الأعلى للثقافة بمصر 1997 ص 11.
8- نصر حامد أبو زيد: إشكالية القراءة و آليات المركز الثقافي للعربي، ط 2، 1992 المغرب- ص 27.
9- هانز جورج جادامير: تجلي الجميل ومقالات أخرى- مرجع سابق ص 124.
10- عماد شوقي الزين : الفينومينولوجيا و فن التأويل مجلة " فكر ونقد " ع 16. مرجع سابق ص 79.
11 - المرجع نفسه: ص 79.
12- المرجع نفسه: 79.
13- المرجع نفسه: ص 80
14- حسن بن حسن: النظرية التأويلية عند ريكور. تنسيفت ط 1، -المغرب-1992 ص 34.
15- سعيد توفيق
: الخبرة الجمالية: (دراسة في فلسفة الجمال الظاهراتية المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع. ط 1. 1992 ص 132.
16-
هانز جورج جادامير: تجلي الجميل و مقالات أخرى ، مرجع سابق، ص33
****) إن رفض
"غادامير Gadamir " لمقولة للإسقاط الجمالي المسبق لا تأتي من رفضه لإسقاط المقولات الجمالية المسبقة على النص فقط، بل من تغييب حقيقة هذا النص و ذاته.
17-
هانز جورج جادامير: تجلي الجميل و مقالات أخرى: مرجع سابق ص33.
18 Robert c. holub : Reception Theory... Ibid
p41
19-
ديفيد وورد: فلسفة بول ريكور الوجود والزمن والسرد، ترجمة وتقديم.سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى ص 45
20- محمد مفتاح
: دينامية النص(تنظير و إنجاز)، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1987، المغرب، ص158
21-
احمد بوزفور: ديوان السندباد، مرجع سابق، ص 165-166
22- المرجع نفسه، ص
161
23-
المرجع نفسه، ص 168
24- سورة البقرة الآية
13
25-
احمد بوزفور: ديوان السندباد، مرجع سابق، ص 163
26- المرجع نفسه، ص164
27- P.ricœur : Le Conflit des interprétations(essaie d'herméneutique) ; ed Seuil






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 14-09-2012, 12:21 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
عضو أكاديميّة الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي

عبدالرحيم التدلاوي متواجد حالياً


افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

الراقية، فاطمة الزهراء العلوي
اشكرك على مجهزداتك المثمرة، ساعود مرات الى هذا المتصفح الثر.
سعيد ان خصصت حيزا لكاتبي المفضل، احمد بوزفور.
لقد استضفته بمؤسستنا السنة الماضية، صحبة المبدع، عبدالحميد الغرباوي، كان جدثا مهما.
احمد بوزفور، كاتب متميز، م رجل متواضع بشموخ
اطلقت عليه اسم ققنس القصة القصيرة، فاعجب باللقب المستقى من مجموعته.
مودتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 14-09-2012, 01:03 PM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
الراقية، فاطمة الزهراء العلوي
اشكرك على مجهزداتك المثمرة، ساعود مرات الى هذا المتصفح الثر.
سعيد ان خصصت حيزا لكاتبي المفضل، احمد بوزفور.
لقد استضفته بمؤسستنا السنة الماضية، صحبة المبدع، عبدالحميد الغرباوي، كان جدثا مهما.
احمد بوزفور، كاتب متميز، م رجل متواضع بشموخ
اطلقت عليه اسم ققنس القصة القصيرة، فاعجب باللقب المستقى من مجموعته.
مودتي



مرحبا بخويا التدلاوي

أولا شكرا على حضورك
اسعدني جدا هذا
فهذا اقل ما يمكن ان نقدمه لرجل علمني شخصي كيف انحت الحرف واستمع الى ذبذبته في المخاض واتوجع كي يولد

ثم
شكرا على شهادتك
واتمنى ان تزود هذه الموضوعة بكل ما تعرفه عن السي احمد ققنس القصة القصيرة / رائع الاسم/

على فكرة انا اطلق عليه منذ الجامعة اسم شادي وقد اعجبه


نسبة الى اغنية فيروز شادي

سمعته يوما يطلبها في برنامج إذاعي كان ضيفه
ومن ذاك اليوم اطلقت عليه شادي

فتحية لشادي السي احمد شيخ وققنس القصة القصيرة بامتياز

وتحية لك خويا التدلاوي

شكرا

زهراء






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 15-09-2012, 04:17 PM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

البعد ألعجائبي في قصص أحمد بوزفور.

د. محمد رمصيص 23 يونيو 2006



البعد ألعجائبي في قصص أحمد بوزفور.

مجموعة “النظر في الوجه العزيز” نموذجا.

تتصف متون هذه المجموعة القصصية بعدة خاصيات موضوعاتية وجمالية: كالحكي المشهدي والكتابة المقطعية والعجائبية
الدلالية المستثمرة للمرويات الشعبية والأمثال. في ذات الآن التي تحاول فيه أن تطوع الواقع وتنصبه كخلفية قريبة لمجريات الأحداث. عوالم حكائية تبدو منشغلة بالعابر واليومي المتكرر. لكنها في العمق تربطه بأسئلة الوجود العميقة حيث يتلاقى الخاص بالعام من خلال رصد الذات لأعطاب الواقع. تارة في إطار الكوميديا السوداء كقصة “الرجل الذي وجد البرتقالة”. وتارة في إطار عجائبي كما هو حال أغلب قصص المجموعة.. عجائبية دالة بعمق وذات قيمة معنوية مضاعفة تكمن بالأساس في محاورتها اللاوعي الجمعي واستثمارها للمسكوت عنه. وهذا ما يكسبها خاصية الإدهاش والصدم. إضافة لتحديها لمنطق العقل والطبيعة: كتحدي الموت والجنون ومـا شـابه. وعمومـا «ما دام هناك إنسان وأدب فسيستمر العجـائبي، لأنه في نظرنا، خاصية من خصائص العقل، ترجع إلى طفولة الجنس البشري، كما تمتد إلى آفاق المجهول وتحاول بالأدب أن تقول نفسها بقدر ما يحاول الأدب من جهته أن يفجر مستحيلاته المركوزة في طبيعته عبرها. وعلى كل حال، فإن فوق الطبيعي، واللاعقل، واللاواقعي، والخارق… ظواهر قائمة في معيشنا الملغوم، في أفقنا الغائم، وفي مخيالنا الجمعي والفردي، قبل أن
تكون مرتبطة نوعيا بالخلق الأدبي»1.
1- عجائبية المضامين والشكل:
إذا كـانت الواقعية رؤية فنية تحظى بسحر القبول لـدى المتلقي، نظرا لوضوح وقرب معنى خطابها، فإن عدم قابلية وقوع الأحداث العجائبية في الحياة، تجعلها تمتلك كثافة انفعالية مضاعفة وتحسس ذات المتلقي بالدهشة والانصدام باللامتوقع. فضلا عن دفعه لتأمل رمزية عوالمها التي لا تؤمن إلا بمنطقها الداخلي. فهي تتجاوز وقائع الحياة العادية الناقصة بالضرورة، محاولة سد أوجه النقص فيها.
ولهذا فالعجائبية تعتمد الأحلام الخارقة والتداعي الحر وما شابه كتقنيات كتابية، لأنهما لا يخضعان لمنطق السبب والنتيجة، فضلا عن توظيفها لكثافة الرمز كما هو الشأن في قصة “حدث ذات يوم في الجبل” وقصة “الألوان تلعب الورق”.
أحداث عجائبية محمولة على عاتق شخوص تعيش خارج المنطق والقانون والزمن، بحيث يتعذر علينا التعرف عليها كبشر في
عالم معقول. لنتأمل القرينة السردية التـالية وهي عبـارة عن رسالة من عزرائيل يرد فيها على سؤال سيدة تسأل عن رجل فارق الحياة، تقول الرسالة: « سيدتي إنه عندنا هنا في العالم السلفي، ولكن حالته غريبة تماما، كل الناس هنا أصحاء مستبشرون أما هو فشاحب اللون دائما مرتجف الأطراف». قلت لنفسي حين رأيته: «سيكون هذا خطرا على مجتمع الموتى»2. إن عجائبية هذا المثن تتخذ ملمحا شكليا في الكتابة المقطعية الجامعة لرسائل تبدو ظاهريا منفصلة لكنها دلاليا تعمق معنى القصة وتكثفه. كما تتخذ ملمحـا دلاليـا يتمثل في خوف مجتمع الموتى من المرض المعدي، وكأني بهم يتهيبون موتا ثانيا! فضلا عن حوار الحياة والموت: السيدة وعزرائيل، عالمين منفصلين بالضرورة، فلم يحدث من قبل أن زار أحد الأحياء عالم الموتى وعاد حتى نقف على عوالم ما بعد الحياة. وبالتالي فالموت رهين بتوقف الحكي. « فحالمـا يموت كل واحد منـا ستنقطــع صلته بالعقل، والإحسـاس واللغة، وبالتالي سيتعذر عليه أن يحكي ما يعوضهما. والطرق الملكية للتعويض هي الكتابة»3.
إن إنطاق الموتى وعودتهم للحياة يشكل إحدى ركائز عجائبية قصص أحمد بوزفور، إضافة لكلام الحيوانات. ففي قصة “حدث ذات يوم في الجبل الأقرع”، يتحدث الصياد إلى ظبية ترفض أن تمنح نفسها للقتل.. صياد يجلد ذاته بنقد ذاتي لاذع. معتبرا نفسه إنسانا مدنسا، مؤنبا ضميره على تدمير الطبيعة وتشويه توازنها. لكنه سرعان ما يتخلص من كل هذا الوازع الأخلاقي ليسحق محاورته ببرودة دم ! يقول في ص24:
«اعذرني… سامحني.. لوثت صمتك الطاهر بالرصاص والكلام… وداعا. تابع الجلوس قليلا.. ثم نهض.. وأخذ يهبط الجبل في إعياء.. وذهنه فارغ.. سار.. سار.. هبط..
تكسر الضوء في عينيه. رأى بندقيته.. انعطف إليها.. التفت فرأى الغزالة تنظر إليه صامتة.. كان ذهنه فارغا. أدار البندقية.. صوبها في هدوء أطلق النار.. وهذه المرةأصابها».
إن هذه القصة بالذات انبنت على مفارقات دلالية عدة منها: أن الصياد كلما صعد الجبل كلما ارتهن لفعل القتل، وكلما نزل لسفحه عاد لوضعه الطبيعي. فهل يعني هذا أن الإنسان لازال يحن لاسترجاع غرائزيته الأولى وبطشه الحيواني في حين تختار الغزالة الحوار كسلوك إنساني وحضاري مع الصياد. وبالتالي يتبادل الحيوان والإنسان المواقع إضافة إلى مفارقة فضاء حدوث الأحداث. فالجبل
يمتلك رمزية خاصة على اعتبار أنه يمثل الوسيط المادي
والطبيعي الوحيد الذي يصل الإنسان بالكائنات العليا
البعيدة عن الشر والمآسي. ولعل هذا البعد بالذات ما يكسب
الجبل قداسة باعتبـاره تجليا كونيا متجها نحو السمـاء…
يقـال إن موسى عندما صعد الجبل لمناجاة ربه، صار عقيقا.
ولما نزل عاد إلى حالته الأولى.
إن العجيب إضافة لكونه يخترق المألوف. فهو يجمع بين
الواقع والأسطورة ويختلط فيه الممكن بالمحال. ولهذا فهو
كخطاب يثير أكثر من غيره عواطف وانفعالات مختلفة كالتهيب
والحيرة والالتباس. وعلى حد تعبير الدكتور محمد مفتاح «
نستطيع أن نميز العادي من الخارق للطبيعة بمقياس أساسي
وهو ما أثار حيرتنا ودهشتنا ولا تتقبله عقولنا ولا
نستطيع أن نفسره طبيعيا. على أن الحيرة نسبية فهي تختلف
بحسب السن والمعرفة والمعتقد والبيئة»4.
إن البعد العجائبي لهذه المجموعة يتعدى المحتوى للشكل.
فبنية القصة نفسها أحيانا تتخذ شكل متاهة حلزونية مؤطرة
بخلفية كفكاوية أحيانا.. فالخوف والمطاردة سمتان رافقتا
معظم شخوص هذه المجموعة. فبطل قصة “الرجل الذي وجد
البرتقالة” ينتهي من حيث بدأ. فهو يحس أنه مذنب رغم أنه
ليس كذلك. علما أنه كان مدفوعا غرائزيا بحرقة الجوع
ناشدا إشباع هذه الغريزة بأكله البرتقالة… لكن مآله
سيكون السجن ثم الطرد من العمل. يقول السارد في ص32
:«أما المفتش فتابع القراءة بصوت فخم ولهجة حازمة، وفهمت
منه في الأخير، أنهم قرروا طردي من سلك التعليم فشكرتهم
بتمتماتي المرتبكة وخرجت إلى الشارع». إن عجائبية الموقف
في هذا النص، تسندها عجائبية التحول. فبطل القصة يتحول
من جائع لساحر لمطرود. كما أن السيارة تتحول إلى برتقالة
ثم إلى تهمة. علما أن كل تحول يفرض مفارقة من نوع خاص.
«فلا يعقل أن يكون الساحر جائعا وهو الذي يعرف عنه تسخير
الطبيعة وما حولها لصالحه؟ إننا نطرح السؤال رغم معرفتنا
المسبقة أن سؤالا مثل هذا لا معنى له. « ذلك أن اللغة
الأدبية لغة اتفاقية واصطلاحية يستحيل فيها اختيار
الحقيقة.
والحقيقة هي علاقة بين الكلمات والأشياء التي تدل عليها،
بينما لا وجود في الأدب لهذه الأشياء»5.
2- المسخ والتحول كملمحين عجائبيين:
يعرف المسخ بكونه تحولا إلى القبيح والأدنى. أما التحول
فلا يفيد بالضرورة النزول من الأعلى إلى الأسفل. وفي هذا
السياق نستحضر حادثة إبليس الذي كان ملاكا فمسخ شيطانا.
وقس على ذلك حادثة “هبل” وفجوره بامرأة تدعى “نائلة” وقت
الحج، فمسخا حجرين. يقول الدكتور خليل أحمد خليل:
«التحول يشمل الأشياء والبشر على السواء، بينما ينحصر
المسخ في تحويل البشر إلى حيوانات أو أشياء»6. وعموما
فالمسخ والتحول يشكلان إحدى تجليات عجائبية الأدب بشتى
أجناسه، كما هو شأن أسطورة “ميدوزة” التي تحول كل ما
تنظر له إلى مسخ. فضلا عن مرويات ألف ليلة وليلة
المتحدثة عن التاجر الممسوخ ودونه كثير. غير أن المسخ
والتحول في قصص أحمد بوزفور يمتلكان بالإضافة لمسحتها
العجائبية قيمة اجتماعية مضافة، لأنهما يوظفان في سياق
الحاضر ويطبقان على الواقع المحلي تحديدا، إذ أنهما
يعريان مظاهر النقص والخلل في مجتمعاتنا المعاصرة كالشطط
في استعمال السلطة والوساطة فضلا عن تركيزهما على القيم
الذكورية التي ترسبت في لا وعينا الجماعي. ومنها حصر دور
المرأة في الإنجاب والتربية مع وجوب طاعة الزوج. لنتأمل
القرينة السردية التالية: «كانت امرأة يا ولدي وتزوج
عليها رجلها، فرفعت يدها إلى السماء وقالت: اللهم اعطني
جناحين لأطير بهما من هذه المحنة، فأعطاها الله جناحين
وطارت، ولأنها سمحت في أولادها وتركتهم ربائب مع الناس
مسخها الله نملة»6 وعلى خلاف المسخ فالتحول يفيد
الارتقاء إلى الأعلى مع احتفاظه بالإدهاش والمفاجأة فضلا
عن إثارته لانفعالات ملتبسة لدى المتلقي .يقول السارد في
ص95: «كنت أجري وراء وحش… فجأة اختفى عني في أحد
الأدغال، وحين أطل عليه متلصصا من بين فروع الأشجار أجده
يأكل يوم الخميس – يوم الخميس- نعم كان يأكل شيئا عرفت
أنه يوم الخميس.. فتقدمت نحوه خائفا مزمجرا وإذا به يقف
رجلا قصيرا بطربوش أحمر وشارب منقوش، وبسمة كبسمة يهودا
تقطر لزجة من شفتيه. وقال لي :أنا احماد البرمان أقدم
الروج بالمجان» إن تحول الوحش لإنسان كان مصحوبا بدخوله
دائرة الحوار وتوقفه عن التهام الزمن “يوم الخميس”. كما
أنه يحيل على التحول من الطبيعة للثقافة وما يصاحبه من
أسئلة إشكالية كبرى كسؤال أصل الإنسان ومآله حيث يكتسي
الزمن بعدا قدسيا لأنه يتعالى عن التاريخ ويعود بنا لزمن
البدايات الأولى. كما هو شأن قصة النقطة السوداء. يقول
السارد: «هي ذي صفحة بيضاء، حبلى بكل الإمكانات ولكنها
عذراء كمريم. نخط فيها نقطة سوداء.. تعالوا نسميها، اسمك
مصطفى، أمك الثلج الأبيض وأبوك المداد الأسود، أيها
المسكين، هذا هو جدلك، شمر عن إرادتك وخض هذا الجدل من
البياض والسواد وكن7». إن هذا التقابل الضدي بين المداد
الأسود والثلج الأبيض كأصل لمصطفى يخدمان توتر أحداث
القصة فضلا عن احالتها على الصراع الأبدي بين الخير
والشر/ الحياة والموت. فإذا كان الثلج يرمز ببياضه إلى
النور والروح الطاهرة، فإن السواد يحيل على العدم
والخطيئة.. لهذا قلنا إن الميسم العجائبي لقصص أحمد
بوزفور يركز على الرمز الأسطوري فضلا عن امتلاكه لعمق
تاريخي كاشتغاله على زمن البدايات الأولى كما هو شأن
ربطه للنار بالمرأة في قصة النقطة السوداء. علما أن
النار تحيل على المصدر الأول لصنع الحضارة وترمز للوصال
الجنسي.8 فضلا عن كونها تمثل اكتشافا بشريا بديلا للشمس،
ومن تم رمزيتها المدخرة للقوة كدفع الوحوش والضباع.
لنتأمل هذه القرينة السردية «هي دي أم مصطفى جالسة على
عرش من النار، تغطي جسمها يديها وعنقها ورجليها أساور
وقلائد وخلاخيل من الجمر تلتمع وتخبو كأضواء الإعلانات،
وحواليها الوصيفات يضربن بأيديهن المحناة على البنادير
الملتهبة ويغنين لها نشيد الإنشاد وهي تقهقه وتنتحب لضبط
الإيقاع، وبين يديها مجمر لا يخبو ولا ينضب تتناول منه
جمرة بعد أخرى فتتحلى بها». عند هذا المستوى يرتقي
المتلقي أعلى معارج الحيرة والتردد في قبول حدوث هذه
الأحداث بمنطق العقل. غير أن للعجائبي منطقه الخاص. وعلى
حد تعبير تزفتان تدوروف: «العجائبي يضعنا أمام مأزق ذي
حدين نصدق. أو لا نصدق؟ ويحقق العجيب هذا الجمع المستحيل
دافعا القارئ إلى التصديق دون أن يصدق في حقيقة الأمر9».
إن قصص هذه المجموعة تمتلك إيحاءات رمزية شديدة الثراء
والتعقيد، لاستثمارها مضامين آتية من عمق التاريخ
والأسطورة. فضلا عن مزاوجتها بين الاشتغال على الواقع
كما المتخيل الغارق في العجائبية وبذلك فهي قصص أسست
مبكرا – في تاريخ القصة القصيرة المغربية- رؤية جمالية
وموضوعاتية مغايرة للأشكال والكائنات مستثمرة البعد
الفانطاستيكي كملمح حكائي يسعف المتلقي على التواصل مع
عالم الماوراء.و في ذات الوقت الذي تضع فيه العقل موضع
التباس، لأنها تجعل المستحيل ممكنا والهارب شاخصا في
الزمان والمكان… فعلى الرغم من اتخاذ الأدب العجائبي
صفة الانغلاق على الفهم العقلي لأنه مؤسس على اللاترابط
المنطقي،ولكون أحداثه غير قابلة للوقوع في الحياة. فإنه
ينحت لنفسه أخاديد للتأويل والتأمل والإيحاءات
اللانهاية. وهنا بالذات تكمن قوة خطابه الدلالية «فالأدب
الفانطاستيكي… لا يمكن أن يتركنا في نفس الحالة التي
كنا عليها قبل أن نقرأه،… إنه يحطم تلك الرؤية
التبسيطية الفاصلة بين الواقع واللاواقع، بين المرئي
واللامرئي… وبذلك تكون الكتابة المشبعة بروح
الفانطاستيك مغامرة واستجلاء للبقايا والهوامش والمقصي
من كينونتنا المعاصرة بضغط القوانين والمؤسسات وشتى
أنواع الرقابة».






  رد مع اقتباس
/
قديم 15-09-2012, 04:53 PM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

كبيرة هي شكرا لك عميدنا الزياد الطيب
وانت تثري الموضوعة

شكرا...






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 16-09-2012, 11:06 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

احمد بوزفور ناقدا
أحمد بوزفور : ناقدا للشعر القديم
بقلم : الدكتور عبد العاطي الزياني

حين يذكر احمد بوزفور ينصرف الناس بأذهانهم نحو عمارته الإبداعية وخصوصا جنس القصة القصيرة، التي بذل لأجلها أحشاءه وكبده، كي يبقي لها دهشتها الواسعة ووهجها المتقد، محترفا الألفة والصيد في الأقاصي والخوافي والدواهي من ملمات الذات والوطن والكتابة وسؤال الإبداع ، رغم أنه ظل ينشر أدبه العالي بحذر المتحوط من الإسهال، ولم يتجاوز في عمره القصصي الذي يربو على الأربعين عاما أكثر من أربع مجموعات في فترات متباعدة وهي:
النظر في الوجه العزيز – الظاهر و الغابر - صياد النعام - ققنس
وظلت جميعها تسيل مداد النقد في المغرب وخارجه ، لأن هويتها السردية اختارت الاختلاف، وأصرت على مكر الطرح الفني ومفارقاته في أقصى الوحشة عن ظهر قلب وقلم..
فضلا عن الذي أسلفنا إليه يمتلك أحمد بوزفور وجها معرفيا ونقديا آخر، يعكس أستاذيته ومراسه الأكاديمي بالنصوص وتحولاتها وأسرارها. حيث أصدر كتابين نقديين، يتعلق الأول بقراءة نقدية لشعر تأبط شرا، وهي في الأصل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا .
والكتاب الثاني الزرافة المشتعلة التي تضم نصوصه النقدية في القصة القصيرة وتنظيراته لها، فضلا عن قراءاته لمجموعات قصصية عاصره أصحابها، وكذا حواراته مع ثلة من القصاصين الشباب.

—أحمد بوزفور ناقد الشعر العربي القديم
1- جهاز القراءة في كتاب طتأبط شعرا” 1

توسل احمد بوزفور في قراءته لعالم تأبط شرا الشعري جهازا جماليا استقى ذخيرته من مظان منهجية شتى، من الأسلوبية ومناهج التحليل اللساني في التمييز بين المستويات وتفكيك عناصرها ومناهج التحليل البنيوي للنصوص من أجل ضبط شبكة العلاقات الرابطة بين العناصر والمستويات. معدلا أدواته المنجية فاتحا متن الشاعر قصد فهمه مستفيدا من ” كتب الاختصاص العربية وعلمائها الكبار كابن جني وحازم وابن منظور في المستوى الصوتي و المعجمي .. وكعبد القهار في المستوى التركيبي وكالجاحظ في المستوى الدلالين واستعنت على فهم الخلفية الجغرافية والاجتماعية والأسطورية بمعاجم البلدان وكتب التاريخ والأنساب والعادات والأساطير .” 2
ويقع الكتاب الذي صدر عام 1990 في مائتي صفحة من القطع المتوسط، وقد اقتضت قضاياه وظواهره تقسيمه على أربعة فصول ممهدة بمدخل يبسط أهمية الشعر الجاهلي و قيمته الفنية في الأدب العربي والثقافة العربية، إذ هو الجذر الذي يسري في نسغ مختلف الخطابات والنصوص على مستوى الخيال واللغة، ويمثل الهوية النموذجية للذاكرة العربية، لينهي كتابه بخاتمة مركزة تناقش طبيعة دراسته تلك القائمة على أساس الشعرية الثاوية في شعر تأبط شرا لا على قضايا تاريخ الأدب والمرتكزة على تحليل المتن والحفر في ثناياه بوصفه جنسا أدبيا ذا نزوع فني خاص .
وقد بدأ في استكشاف جمالية الشعر عند تأبط شرا من المدخل الإيقاعي، فرأى إليه من بعده السمعي، فقد بدأ الشعر إنشادا يمتلك طاقة صوتية هكذا كان التكرار، الذي يشمل جرس الحروف والقافية والوزن والتنوع.
فاكتشف بواسطة التكرار أن جمالية الشعر لديه تنبني على تكرار الحروف المتواترة من خلال حروف بعينيها، وتنوع الموقع الصوتي لها أو تنوع حروف مختلفة الوقع.
في حين أن تكرار الكلمات يتميز بالتناظر بين العام والخاص والمبهم والمحدد . ذلك أن التكرار بالنظر إلى العلاقة بين الدال والمدلول قد يتكون متطابقا أو جناسا ذاتيا أو استبداليا.
أما رؤيته المنهجية للقافية في المستوى الإيقاعي فقد بدأ في بسط عناصرها عند الخليل وحازم القرطاجني والأخفش والفراء والكوفي أبو موسى، فحصر قافية الصوائت و قافية الصوامت في ديوان الشاعر، محددا أنواعها فقرر أن القافية في” شعر تأبط شرا لا تقتصر على التكرار ( اللازم ) في أواخر الأبيات لحروف الروي وحركات القافية، بل يتسع مداها الصوتي ويتنوع بأجراس داخلية أخرى ” 3–
ومنها التصريع رغم أنه لم يصرع في نصوص ديوانه الستة والأربعين المطلع إلا أربعة منها.
ما يفسر انه لم يسر على نهج الشعراء الجاهليين إحساسا منه أن ما تجيش به نفسه من ثورة يلزم أن يظهر على أشعاره، رغم أن الخصائص الفنية في الإيقاع والتركيب والدلالة في شعره تضعه في قلب دائرة التقاليد الفنية الجاهلية.
أما الوزن فتواتره في شعر تأبط شرا يمس ستة أبحر ( الطويل – الوافر – الكامل - البسيط – المتقارب – الرجز.) مع هيمنة مطلقة للبحر الطويل الذي استأثر بست وعشرين قصيدة.
كما انتبه بحس جمالي دقيق إلى أن المستوى الإيقاعي – الصوتي لا ينبني وفقط على التكرار رغم وظائفه المتمثلة في إثارة الجو الأسطوري والربط والتماسك في البناء ، بل إن رتابته الآلية لو أصبحت كذلك مكررة لهيمنت الرتابة واضمحل الإيقاع، وكذلك نطالع المستوى الصوتي عند تأبط شرا كما يرى بوزفور يقوم على موازاة التكرار بالتنوع، فاكتشف التنوع في جرس الحروف في وصف الأصوات بين مجهور ومهموس وفي المقاطع، كما رصد التنوع في القافية بين القوافي الداخلية والخارجية وحروف الروي وصيغة القافية. ثم ختم الفصل الأول بالتساؤل حول حقيقة وجود بنية قائمة التجديد في إيقاع شعر تأبط شرا فما يهيمن في جرس الحروف هو روي اللام ما يدعو لطرح أسئلة حول :

1- وظيفة روي اللام ودلالته
ولذلك ينهض إشكال ربط حرف روي معين وشاعر معين فنقول( لام الشنفرى وميم عنترة وراء النابغة وباء علقمة ودال عبيد ) وهي الحروف الغالبة على روي هؤلاء الشعراء في دواوينهم ويكتشف بوزفور أن اللام صوت منحرف ليس انفجاريا شديدا ولا احتكاكيا رخوا.
صائت الكسر : اكتشف هيمنتها حيث انتبه إلى عراقة استعمالها عند قبائل بعينها ، رغم أن أهل الحجاز لا يميلون، فخلص إلى أن الكسر / الإمالة عنصر مشحون بالطاقة الفنية والنفسية معا.
2- البحر الطويل ينسجم مع هيمنة البحور المركبة في الشعر الجاهلي .
وفي الفصل الثاني قارب المستوى المعجمي وعيا منه بموقع المعجم في مستويات اللغة كالفونيم فالكلمة والجملة واللغة الشعرية خاصة( الإيقاع والتركيب والدلالة) وسعى لحصر تردد الكلمات الأساسية ومرادفاتها وما يجعلها موضوعاتmots/theme أو مفاتيحmots-clefs قصد رصد الحقول الدلالية واكتشاف الموضوعات الملحة.
فقد استخرج من معجم مفهرس لألفاظ تأبط شرا الموضوع / الهاجس المتميز عن باقي الموضوعات بكثافة التواتر ووضع جدولا لذلك التواتر.
كما وضع فهرسا للقبائل والأعلام والأمكنة، و قارب من المنطلق نفسه المستوى المعجمي بقراءة ركزت على بنية الكلمة في المعجم،وبينة الاسم العلم والوظيفة الشعرية للموضوع/ الهاجس. 4
وتتعلق الفهارس بخصوصيات الخطاب وبيئته العصرية والشاعر فخلص إلى أن معجم تأبط شرا يتميز برغبة ملحة في عدم الاستقرار ، حيث إنه ملتفت أبدا ومتنقل أبدا، مزدوج أبدا، ويطغى باستمرار الموضوع / الهاجس( الجري /العدو / النجاء) إننا نحس كل شيء يعدو الضباع والنعام والخيل والطير والحرباء والطيف حيث إنه لا يستقر دائم الحركة.
وفي الفصل الثالث تناول البنية التركيبية فتطرق إلى الأشكال المختلفة لمفهوم التركيب، فوسع من مفهومه وأغناه كما هو متعارف عليه في الدراسات الأكاديمية للشعر. فقارب في التركيب النحوي صياغة الجملة من حيث عناصرها وترتيبها والعلاقات الناجمة عن هذا التركيب، فاكتشف صيغة حضور الضمائر والأفعال و أنواع الجمل وصلة هذه الاختيارات اللغوية بالضرورة الشعرية التي رأى إليها من جانب النحو باعتبارها خروجا لتأبط شرا على الاستعمال المطرد في اللغة بما هو اضطرار أو عجز “في مقابل وجهة النظر الأسلوبية التي تعتبر الضرورة أقوى مظهر للإرادة الشعرية، وفيها تتجلى روح الأديب وفرديته، وبها يظهر المعنى الذي يدور عليه النص الأدبي باعتباره كلا متكاملا.وإذا كان هناك معنى ينبغي أن تؤخذ عليه الضرورة ” 5
ويختم فصلة بالتأكيد على أن التركيب النحوي في شعر تأبط شرا، يتميز بالمزج والتحويل: مزج الضمائر بالأزمنة وأنواع الجمل، وتحويل بعضها إلى بعض وتضمين بعضها بعضا.
ويتميز بمناخ القلق والتردد والشك الذي يفرزه استعمال خاص للأدوات ويتميز بالخروج الشعري عن النظام اللغوي كما قعده النحاة، أي أنه بشكل عام يتميز بالحركة المستمرة بين الأطراف على صعيدي النحو والدلالة معا”6
وفيما يتصل بالتركيب البلاغي بادر الباحث إلى فحص اشتغال الصورة الفنية فأخرجها من التناول السائد الذي ظل يقصرها على التشبيه والاستعارة، فأوضح أن الصورة اليوم تغتني بالخيال كي نرتقي إلى أن تكون علاقته- كي تخلق إدراكا خاصا للشيء- بين عناصر العالم المتخيل في الخطاب الشعري تتميز في شعر تأبط شرا ب :
1- تقابل طرفيها : العلاقة الغالبة بين أطراف الصور الشعرية في ديوان تأبط شرا هي التقابل (كالتشبيه والاستعارة والطباق والتجاور أحيانا كالمجاز والصور الواصفة والكناية)
2- نمطية الصورة
وتتميز خارطة الصور الشعرية في ديوان تأبط بنوع من الصور يمكن أن يمكن أن نسميها ” الصور المفاتيح ” وهي تلك الصور التي تتكرر أطرافها أيا كانت العلاقة بين هذه الأطراف تقابلا أو تجاورا”7
ومنها مثلا صورة الموت / الإنسان و الموت / الضاحك وصورة الإنسان / الوحش وصورة الغول/ الوحش يقول بوزفور : ” إن الإنسان في الصور يسكن الجاهلية يسكن المشبه غالبا، بينما تسكن الطبيعة وحيواناتها المشبه به” 8
وكذلك يفعل تأبط شرا، وقد قاد بحث بوزفور عن الصورة البلاغية إلى اكتشاف سمات أخرى للصور في شعر الشاعر منها:
- وظيفية الصورة : ومن ميزاتها حذف الموصوف والاكتفاء بالصفة.
- صوتية الصورة: أو التصوير بالصوت، ويتجلى في الصورة السمعية والتجنيس والرمزية الصوتية.
- حركية الصورة: أو التعبير بالحركة وفي ذلك يقول بوزفور:” يبث تأبط شرا الحركة في كل ما يبدع من صور، إلى الحد الذي تصبح معه هذه الحركة دالا آخر، يدعم الدال الأيقوني للصوت ، والدال الاعتباطي للوضع، في الإحاطة بالمدلول وإبلاغه والإيحاء به”9
وقد تلقى الشعراء بعده في العصر الأموي كثيرا من بلاغته وصيغ استثمار الصور البلاغية.
وفي التركيب الشكلي حاول الباحث الاقتراب من دينامية الشكل في شعر تأبط شرا وتفاعل عناصره منطلقا من مسارين متعادلين الأطراف هما:
وحدة التنوع وتنوع الوحدة: إذ كان وكده الوفاء للهوية الداخلية من جهة ولصيغته الخارجية ذات الصلة بالمحيط الخارجين، وهي المفسرة لحركية الشكل وتفاعل عناصره.
ففيما يتعلق بوحدة التنوع رصد الباحث ثنائية البيت والقصيدة، فاكتشف الوضع الاعتباري للبيت من حيث استقلاله، وهو ما ترتب عنه :
تفشي الإقواء في الشعر القديم.
الاحتفاء بالأبيات المفردة ( سوائر الأمثال )
غير أن هذا الطرح يصطدم بالتضمين من جهة ، وإشكال الشاهد الذي يتم تلقيه من خلال المنظور اللغوي والنحوي.
ثم انتقل إلى ثنائية المقطوعة / القصيدة حيث سعى إلى اكتشاف صيغة إبداع المقطوعة ووصف ممتلكاتها الدلالية والدالية من حيث عدد الأبيات والموضوع وخطابها والشعري، التي تتراوح في شعر تأبط بين الكثافة والعمق والشمولية والتعدد في مستويات الصور والإيقاع والنفس الشعري.
غير أنه يذهب إلى أن المقطوعات أنواع فمنها الجزئية والمرهصة والصغيرة الحجم ما يجعل أن بعض المقطوعات ما هي إلا قصائد منقطعة أضاعت درها.
أما فيما يتعلق بالقصيدة فإن الباحث يرى أنها تتعلق ب:
التنوع على مستوى الفضاءات والتعدد في الموضوعات.
والدينامية المفضية والفعل والانفعال في الفضاءات.
التفاعل بين الصور والموضوعات.
كما يطغى فيها على غرار غيرها حافز يتخذ أشكالا مختلفة: الجري والنجاء والهرب ،المرتبطة بتواصله مع عالمه المر( الصعلكة) ،التي تعبر عن ثقافة وقيم وثقافة وقيم وتصور جاهلي للعالم.
أما المسار الثاني المتعلق بتنوع الوحدة فقد انصب بحثه على نقطتين أساسيتين. ترتبط الأولى ب:
أ - القصيدة والشاعر: تكشف القصيدة المفضلية لتأبط شرا عن صلتها بغيرها من قصائده، وهو ما يمكن أن نسميه بشعرية تأبط شرا، التي تضمر بنى وقوانين فنية تكمن في خلفية كل نص وتنتجه” 10
ويوضح الباحث أن أمر تفسيره يتم من خلال:
قانون مركزية الذات:
ما يعني حضور ضمير المتكلم عاملا بانيا مهيمنا في ذلك و إدخال الاسم العلم للشاعر في القصيدة المتحاور مع الضمير أو الأسماء المستعارة له أو اللقب.
1- قانون القفر: الشاعر وباستمرار أليف القفر وأنيس اليعافير والغيلان والضباع والنعام.
2- قانون العدو:
يقول الشنفرى :
لاشيء أسرع مني ليس ذا عذر***** وذا جناح بجنب الريد خفاق
هذا العداء الأسطوري هو تأبط شرا، إذ كل الموجودات في شعره التي تشاطره ألم الصحراء والخصاصة تعدو: الأركان والأطياف ، في حين ترتبط الثانية ب :
ب - القصيدة والعصر
فاكتشف أن القصيدة في شعر تأبط شرا تتواشج بصلات خارج نصية مع الشعر الجاهلي، وكانت هذه الفكرة دافعا للتفكير في توسيع تلك الصلات بين القريض الجاهلي ، غير أن مشاق عمل كهذا فوق طاقة الباحث، فاكتفى بالصلات التالية التي تشده إلى قرنائه الصعاليك:
موضوعة النعل التي تمثل وسيلة أساسية في تجربة الهرب والنجاء، ولشعراء الصعاليك ومنهم الشنفرى أبيات في هذا، ما جعل الباحث يتساءل :
هل النعل هي ناقة الصعاليك؟
فضلا عن موضوعة العدو التي مرت معنا سلفا أهميتها ودورها في حياته اليومية.
أما على مستوى التفاعل النصي بينه وبين غيره، فقد اختار الباحث مقارنة القافية المفضلية لتأبط شرا:
يا عيد مالك من شوق وإيـــــراق ********* ومرِّ طيف على الأهوال طراق
يسري على الأين والحيات محتفيا ********* نفسي فداؤك من سار على ساق
مع قصيدة الشماخ بن ضرار في مدح الألوسي:
ماذا يهيجك من ذكر ابنة الراقي *********** إذ لا تزال على هم وإشفاق
قامت تريك أثيث النبت منســــــدلا ********** مثل الأساود قد مسحن بالفاق
فاكتشف العلاقات الجزئية بين القصيدتين:
- القافية والروي
وقع الحافر على الحافر في أبيات متماثلة على المستوى الوجداني والثناء على الإنسان المثالي وبروز صورة ضمير المتكلم
تعدد الفضاءات وتفاعلها في خضوع ظاهر لهيمنة عامل بانٍ.
وخلص في الأخير إلى أن الشكل عند تأبط شرا ليس تعبيرا فرديا عن تجربة خاصة بقدر ما هو تحقيق وإنجاز لنظام بنائي جاهلي يكمن في قرارة أغلب القصائد الجاهلية الكبرى” 11
وسعى البحث في الفصل الرابع إلى مقاربة بنية العالم المتخيل لدى الشاعر مشيرا من خلال رصد التصورات والأفكار والقيم التي يصدر عنها الشاعر بشعور أو بدون شعور، إذ لا يكفي الوقوف عند المستويات الصوتية و اللغوية ، بل لا مندوحة من إدراك عالم تأبط شرا الشعري من خلال الكشف عن بنية المتخيل الذي تنسجه مستويات التحليل الآنفة ( التركيب – الإيقاع – المعجم ..) ومن المرجعية الثقافية التي تصدر عنها ، وقد اهتدى الباحث إلى وصف العالم المتخيل للشاعر من خلال المداخل التالية : الماضوي – الغيبي – الجسدي – الشفوي - الحركي – الجماعي.
** فالعنصر» الماضوي : «
يعكس صلة تأبط شرا بالماضي بكل رموزه، إذ هو أفقه وحلمه ومثله الأعلى الذي ينشده، فصورته الفنية مشدودة بعبق الماضي ومتشبعة بسيرة الأشياء، ذلك أن القصيدة وبمجمل أغراضها تفتخر بما كان وبما تم، أو نحو التأسي بما سيصبح عليه حاضره حين يعود ماضيا. وجدير بالذكر أن الماضوية تكاد تكون ملمحا ثقافيا من ملامح الشعر الجاهلي ككل حيث يتسم بجزر مزدوج:
جزر القارئ الذي يعود به النص إلى ما ض ثقافي.
جزر الشاعر نفسه الذي يفتتح قيدته غالبا بعنصر آني حاضر سلبي:
( الأطلال- الفراق- الشيب… الخ) ثم ينحسر إلى الماضي الإيجابي ليغرف منه المتع والحياة”12سأسيأ

ولعل التصور الفطري للشاعر الجاهلي للحياة والموت هو ما يربط الشعراء وجدانيا بالماضي، ولذلك لم يكن الشعر الجاهلي يعبر عن عصره بقدر ما كان يعبر عن احتجاج المنسحبين من عصره، إنه شعر الغروب لذلك يمجد أيام كانت حدود الحرية أوسع ، ويستشهد بيت لأوس بن حجر:
إذ الناس ناس والزمان بعزة ***** وإذ أم عمار صديق مساعف
**أما العنصر » الغيبي «:
ويتمثل في الغول / ابنة الجن التي تمثل جانبا خفيا يتلبس بالشاعر حال رسوخه الحر في عالم الصحراء وحيدا لا أنيس له وكلما استوحش أو بدا رأى ما لا يرى، وتوهم الصغير في صورة الكبير وارتاب ، فبرز هذا الإحساس الغيبي المضاد للمجتمع والمقترن بالوحدة والبداوة، وكان يحضر عند الشعراء الذين يرون ملا يرى، وقد تعامل معه الباحث من خلال ثلاثة أشكال:
الغول اللغوية: وتتعلق بمختلف الاشتقاقات من [ غال] ووجد لها بروزا عند غيره من الشعراء في العصر الجاهلي.
الغول العبقرية: ينسب إلى الجن وإليه ينسب الشعر، كل شعر جميل ودقيق ولطيف
وعبقري،وليس هذا بغريب ماداموا يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر.
وقد أنتج الخيال العربي الغول ولكنها تعود فتنتجه: يتيح له عالم الغول الغامض والمتنوع والمختلف وإنتاج ألوان من السرد تتفاعل وتتكامل، وكذلك كان تأبط شرا يصدر في شعره ويشتغل بموضوعة الغول.
** أما العنصر » الجسدي «:
فقد امتاز تأبط شرا على غرار شعراء الجاهلية في التقاط الجسد من المخيال الصحراوي بسبب الوجود القاسي( الصيف ) والشروط الاجتماعية( الحرب ) والخيار الذاتي ( الفقر والصعلكة ) حيث يشتغل على عناصر الزمن لينسج جسد الأفكار والمواقف، حيث تفاصيل الجسد إطار ينبئ عن صور الذات والأشياء واحتفال الحواس كلها بحركة حياة شاملة” كل ذلك تلتقطه في الشعر الجاهلي عين قوية دقيقة طفلة شبقة، وتدخله الوجود الشعري فاعلا في الحواس قوي الحضور في الوجدان يقطر متعة ويذوب صفاء”13
ليخلص إلى أن الجسد عند الشاعر رمز للخصوبة والاستقرار للمقيم والخصوبة والحركة لعناصر الكون المتوترة.
** أما العنصر » الشفوي «:
الشفوية جزء من الشعرية الجاهلية، حيث السياق شفوي يرتبط باللسان إنشادا وأصواتا، ولذلك لا غرو أن تنتشر في الشعر الجاهلي الأقوال والحوارات وصدى الدوي، ولذلك نرى عبر شواهد البحث كيف يعبر الشاعر بلغته عن حركة الأصوات والأقوال بين الشاعر وغيره، أو حتى حين يجرد من نفسه ضميرا فيخاطبها.
** أما العنصر » الجماعي «:
اكتشف الباحث أن ثمة صورتين متباينتين للنموذج الإنساني، تشتغلان في عالم تأبط شرا الشعري:
صورة الإنسان الذي يتعسف الشعاب في الليل وحيدا دون حاجة إلى دليل، الذي يعاشر الوحوش هاربا من الناس أحبابا و أعداء.
هذا الرجل الوحش ليس اجتماعيا وليس حتى إنسانيا، ولكنه مع ذلك قوي في وحشته، نبيل في وحدته.
صورة الإنسان المرتبط بالناس من حوله في كل المستويات الاجتماعية فنراه يأنس بالناس (رفاق أقارب وبني قومه » فهم «وأبناء عمومته » عدوان «ويوضح البحث التاريخي أن تأبط شرا رسم صورة أخرى له هي صورة ” العربي العزيز في قومه، والعزيز بهم، والاجتماعي الذي يصل الأرحام ويحفظها. والرفيق الذي ينقذ رفاقه إذا حوصروا، ويأسى لفقدهم إذا صرعوا. وهي صورة تختلف- كما يبدو– عن صورته الأولى: صورة الرجل الجحيش/المنفرد/الوحش”14
غير أن واقع الصعلكة كما استشهد الباحث برأي الدكتور يوسف خليف يضعنا أمام اختيار الشعراء الصعاليك التخلص من الشخصية القبلية في شعرهم داخل دائرة داخل دائرة الصعلكة كما تخلصوا منها في حياتهم، ومثلما كانوا شخصية فنية شاذة في الشعر الجاهلي كانوا أيضا شخصية اجتماعية شاذة في حياتهم، ويخلص الباحث إلى أن الشاعر الجاهلي منتم، ولكن إلى أسمى وأنبل ما في عشيرته وفي القيم الجماعية، التي يفزع إليها كل أحد وقتئذ فردا أو جماعة.
** أما العنصر » الحركي «:
لقد ساهم هذا المكون في بناء متخيل الشاعر، حيث ضمير المتكلم يعدو في كل الاتجاهات شعرا وهربا من بجيلة أو من الأزد، حيث قوته في قدمه. وهي حركة خصبة لأنها حركة ثأر( روحا وعقلا وجسما ) ما يعني سرعة القرار وسرعة الفعل، ولعل اختلاج شعره بالحركة في كل المستويات معادل لحركة الأشياء والإنسان المطلقة في العصر الجاهلي:
حيث نطالع الإيقاع في تكراره والتنوع ومعجم الجري، و القبيلة والخيمة والمرأة .أمكنة قابلة للحركة واللقاء والفراق حلفا وسفرا وغدرا وصدا، ومثلها نرى المياه والدارات والديار قابلة للحركة. فقد مجدوا المكان المتحرك( الناقة والفرس ) .وعلى المستوى الفني مثل الباحث للحركية من خلال بناء القصيدة، حيث ينتقل الشاعر من غرض لأخر كأن القصيدة رحلة تغير من الطلل إلى الناقة والشعاب والمياه والحيوانات إلى مواقع الحروب والنزال إلى المصارع والضباع والقبور والهام.
وفي خاتمة الكتاب نص الباحث أحمد بوزفور أن الدراسة مقصورة على النصوص الشعرية، لا القضايا أو الأفكار مهتبلا المتن ومجتنبا الأفكار المسبقة، حيث واجه نصوص الشاعر الذي ظل غفلا من النظر النقدي قديما وحديثا، فانتهى إلى :
ثبوت إمكان قراءة الشعر الجاهلي بوصفه شعرا تام الانتماء والتجنيس، لا باعتباره وثيقة تاريخية أو لغوية أو اجتماعية، إذ رغم فائدة هذا النوع من القراءات فضرره كان أكثر، لأنه أشاع أفكارا خاطئة عن الرتابة والجزئية والتفكك في الشعر الجاهلي، ولذلك فحين انكبت الدراسة على نصوص جاهلية محددة، وسبرت أغوارها طبقة بعد طبقة ومستوى بعد مستوى، فقد وقفت على القيم الفنية ومنابع المتعة المتخيلة ما يجعلها تقف ندا للنماذج الشعرية الإنسانية في مختلف العصور.
تصحيح التصور الشائع عن تمرد الشعراء الصعاليك على الجماعة في كل شيء، وحياة وأفكارا وإبداعا شعريا. والثابت أن اختلافهم عن قبيلتهم إنما في القيم والتصورات ونمط الإبداع الشعر، وهذا ليس بدعا من شعراء عصرهم والإنسانية.
إعلاء صورة تأبط شرا العداء الشاعر: عداء قلق متردد في الإيقاع والمعجم والتركيب. ومن ثم تساءل عن : – القيمة التاريخية لأخبار الشعراء الجاهليين في كتب الأدب القديم
- القيمة الفنية: لها باعتبارها نصوصا إبداعية وسردية حافلة بالمجال(أخبار تأبط شرا في كتاب الأغاني).
ثبوت الاختلاف العميق بين علوم الآلة والإنجاز الشعري.
فتح آفاق جديدة للقراءة متعددة الدلالة أفقيا وعموديا وإمكانية بناء شعرية جاهلية ترصد القوانين المنتجة له.
أحمد بوزفور : ناقدا للسرد القصصي

هل القصة زرافة مشتعلة؟
ذاك مسعى كان وكد احمد بوزفور إثباته بما للقصة من أحوال والملكات والطفولة والبحث والمغامرة والتأملات والتلويث والعمق والكبر والامتلاء والقلق واللغة والشك والعدوى والإرباك والاستفزاز والغواية وفوضى العالم وعناصر الخرق والعبث والنشاز والنقص، إذ سعى لتبين معالم نظرية لعبية للقصة عموما والقصة المغربية تحديدا. جاء ذلك المرمى من خلال كتابه الزرافة المشتعلة ( قراءات في القصة المغربية الحديثة )15 : الذي صدر عن منشورات المدارس للنشر والتوزيع عام 2000 بالبيضاء . وقد اقتضت قضاياه و مواضيعه تقسيمه على قسمين مسبوقين بتمهيد كما خصص الربع الأخير في الكتاب لحوارات مع حساسيات فنية جديدة لجيل القصة في تسعينات القرن العشرين..
لقد اضطلع التمهيد برسم معالم الكتاب وضروراته التي شجعت على نشره كقلة الدراسات في جنس القصة القصيرة، إذ هو فرصة تتيح تتبع تجربة أحمد بوزفور وتطورها وتواتر تجربة القصة ونبوغها، كما ألمح إلى مرامي مقالات الكتاب، المختلفة المداخل والمتباينة الأبعاد المتجهة نحو بسط معالم نظرية قصصية محلية في القسم الأول من الكتاب المعنون ب على الطريق. نلمس في هذا القسم المكون من ثمان مقالات هاجس التنظير والتحديد والرصد الشمولي لمفهوم إجرائي للقصة المغربية، إذ حاول بسط عناصر رؤاه و مساراتها، التي سعى إلى اجتراحها منذ مستهل السبعينات حتى اليوم، ولذلك فهذه المقالات رغم تفاوت أزمنة نشرها وتباعدها تكاد تتيح منظورا نسقيا متحركا يمكن من تتبع تجربة الكاتب وتطورها.
فقد وضع اليد على مفاصل تجربته القصصية من خلال مقاله ” مراحل تجربة قصصية ” فانطلق متسائلا حول سبب اختياره للقصة القصيرة دون بقية الأجناس، فاهتدى إلى أن الأمر يعود إلى أن العالم كان دائما في تصوره حكايات، منذ الطفولة كان يعيش بأذنه، وقد قسم تجربته على ثلاث مراحل:
1- مرحلة النظر في الوجه العزيز
وقد ابرز فيه صيغة القصة وانخراطها في الصراع الاجتماعي في سياق الجدل وقتئذ بين الانسياق وبين التأسيس لكتابة لها نسقها الجمالي الفني الجديد، فأو ضح بعد ذلك مصادر تجربته وتصورها المعتمد على :
أ – الخيال المساهم في إنتاج العجائبية واللعب بعناصر الواقع الخارجي.
ب – الذاكرة أحفل بالحيوية .
ج – اللغة التي حرص المبدع على أن يجعلها تهتم بأدواتها وتصقلها، وتلجأ إلى الشعر كتقنية لخدمة السياق، والخروج بها عن مفهومها القديم- الحكاية – ومن لغتها القديمة- الإبلاغ –لكي تسلس الخشن وتشف الغامض.
2- مرحلة الغابر الظاهر
اعتمد في هذه المرحلة على التراث الشعبي وعكست أثناءه قصته مسعاه في البحث عن هوية بسبب الإحساس بالاستلاب والقزمية أمام المؤسسات التي صنعها الإنسان، رغم أن الحكايات الشعبية تمتلئ أيضا بالإحساس بالخوف والضعف أمام المصنوعات الخيالية( الجن / الغيلان / البحار..)وطورت القصة بنيانها ملامح خصوصيتها، كم اكتسبت صفة الحس والتحسيس ، ما يجعل أشياءها حية وطازجة. كما تلتقي تقنية التثغير ( تعميق دلالة النص وتوسيعها) مع تجويد البنية ، وقد امتصت بنيان التراث الشعبي المتمثل في التكرار و اللازمة وصيغ البداية والنهاية.
المرحلة الثالثة تتعلق بصياد النعام
وقد يسرت للنظرية القصصية أن تطور سؤال الكتابة الإبداعية حيث أضحت الكتابة تدور حول نفسها مماثلة عمل المرآة، وهو ما قادها إلى فضح لاشعورها، من منطلق تقني يلعب بالكتابة وأوهام الناس عنها لبناء نسق جمالي مستدير يشع بالدلالة ،وأمر نظرية القصة التي تلوح من غائية هذا الكتاب تجد نحو التجديد في هذه المرحلة والتطوير والاكتشاف وإشراك القارئ في الإبداع .
وتستقي النظرية الكثير من نظمها الجمالية من المثل بوصفه خطابا له صيغ توظيف متمايزة، ومن ثم فجماليته تتمثل في كونه:
فهو جزء من اللغة ، لمجرد دخوله الكتابة، مما يزيد دلالته اتساعا وغنى، ويمثل لهذا الأمر بتجربته الخاصة بقصة ” الأعرج يتزوج” حيث الحاج الصامد الخير في مواجهة مع ابنه التاجر المهرب المطفف والخبيث، فيقول “النار تلد الرماد” فالأب نار ولود منجبة ونبيلة مشعة في حين الأب رماد خامد عقيم باهت وغبار.
المثل حياة الشخصية يدخل إلى القصة تلقائيا دون قصد.
تنتفع نظرية القصة بدينامية المثل الذي يحيى في سياق حياتها، يتحول ويعيش بتغير الدلالة من جهة ويتغير الصيغة من جهة أخرى، أو هما معا، أو بتفكيكه نقضا ونقدا أو تحليلا حيث يصبح المثل موضوعا للكتابة لا أداة لها، فيصبح المثل سلاحا وعجينة قابلة للتشكيل.
كما تغتني بوظائفه الفنية المتمثلة في :
الإيحاء بالحياة
التعبير عن الصمت.
اللعب على الدلالة المزدوجة في العناوين(صيام النعام – الغابر الظاهر ).
استغلال أدائه الصوتي.
الصفة السيكولوجية محض ذاتية.
لوظائف سياسية.
هكذا يمكن المثل من الرفع من الأداء الفني للقصة مساهما بنسجها، فهو يدخل الخطاب الأدبي كما يدخل طفل روض الأطفال حيث يخرج من فردانيته، ويلتقي أطفالا آخرين، وحيث يلعب ويتعلم وينمو ويتحول.”16
وعزز تصورها النظري من خلال النظرات النقدية في مسار القصة المغربية التي تعزز صورتها فقد اعتبرها طفلة الأدب من سماتها صغر الحجم وقصره ولكنها كبيرة من الداخل بأحلامها وطموحاتها باختزالها العالم بتمثلها لكل أجناس الأدب ولا شعوره إذ تحفل بما لا يقال.
وهي طفلة الشخصيات بسبب ولع كتابها بالأطفال كشخصية أدبية على خشب القصة فيؤولون بطريقتهم الخاصة عالم الكبار الجاد والعابس والوقور، وفي كتابها شيء من الأطفال لأن يتفاعلون مع المحيط، دون عقد حيث يأتون بشخصيات الهامش، القصة صوت من لا صوت له.
وسماها طفلة الفضاء حيث فضاؤها الطبيعة والمدينة والناس والأفكار، كل ذلك يخل مهتزا ومقلوبا عما هو عليه في الواقع، الكبير يصغر و الصغير يكبر، كما سماها طفلة اللغة لأنها تكتب لغة ناقصة وبجملة غير كاملة الدلالة وتتلعثم وتسمي الأشياء بأسماء غيرها شبيهة بوضعه و دهشتها الطفولية ، فالذاكرة إذن هي محبرة القصة التي سماها الطفلة الخالدة لا تكبر ولا تموت أبدا تقضي وقتها في اللعب وتقفز فوق الحواجز.، وقد تتعزز نظرية القصة بمجهوده النظري المسمى نظرية التلويث، فالقصة من خلاله هي حالة من حالات التلويث رديفة الإبداع التجريب والتثوير والتثغير الذي يوصلها أعلى عليين كتابة عددها في كذا وكذا صفة تتواشج في :
القصة ضد الوضوح ولذلك تصيبه بالتأزم والقلق من القيم الزائفة والمواضعات الفاسدة.
القصة تخالف الفصاحة القاموسية وتخلق لغتها الإبداعية الخاصة
هي ضد الجزم واليقين والحياد والدغدغة وترفض الوعظ.
القصة ترفض الصنمية والنهايات المتفائلة والحيل الفنية المكشوفة والمحجوبة وهذا ما يجعلها ترفض النموذج أيا كان.
القصة ترفض الواقع البشري بحيله وخبثه وتقف في وجه الناقد الذي يؤمن بسلطة المنهج.
وهي في اختياره ذلك تعادل ميلان المجتمع واعوجاجه، وامتلائه بكل الظواهر المرضية، وكل شيء مقلوب من ثم فلا طائل وراء الكتابة الأنيقة.
وقد تتبع الباحث أحمد بوزفور سمات القصة المغربية وسيرورة ملامحها وصيرورة تحولاتها من خلال مقاله ” الدخول إلى فريواطو قراءة في ملامح القصة المغربية في السبعينات” فاكتشف أنها اكتسبت نسقا داخليا تتمثل ملامحه في :
1- الغوص في الذات الشخصية للكاتب حيث مستويات الحلم واللاشعور، ويمكن رصده من خلال محورين هامين:
المحور الأول: الطفولة
حيث الكلمات عضة طرية بريئة ودخلت الطفولة في القصة كموضوعات وصور ورموز وحنين، وذاك رد فعل على التهميش الاجتماعي للكاتب طبقة وفئة ومهنة فردا.
المحور الثاني: الجنس
كان توظيف الجنس تعويضا عن الفشل الواقعي وعن الخيبات والرغبات المكتوبة، غير أن استثماره في القصة عاد إلى تصحيح النظرة إليه باعتباره عن تصور ذاتي وموضوعي ودخولا عميقا إلى الذات واستحضارا للكامن وموقفا من القهر والكبت.
2- الدخول إلى الذات الجماعية الثقافية:
العودة إلى البادية : الأصل الذي يمنح الأمان والشعور بالانتماء
التراث شخصيات يعبر بها عن تصور خاص للحاضر : أبو ذر طارق بن زياد فتصبح أكثر إثارة للدهشة.
الأدب الشعبي وفيه حكايات الجن والغيلان والأبطال وهي كنور الشمس كنز وملك جماعي نحس فيها بالهوية قبل أن نحس بجماليات الفن، فالأدب الشعبي أدب الضعفاء والمقهورين.
3 - الدخول إلى الذات اللغوية
شعرنة اللغة تتصل بالدخول إلى الذات والتصرف فيها كإبداع وامتلاكها بحرية، ولذلك تتعدد مستويات العامية بمزيد من التثغير.
1- الدخول إلى الذات الفنية: ويتعلق الأمر بالدخول إلى القصة من خلال :
- الخيانة : رفع الحدود بينها وبين بقية الأجناس الأدبية، فقد تتباين عناصرها في الحضور والغياب.
- المرآة: وتتمثل في نظر القصة إلى نفسها، قصة تحكي عن كيفية كتابة قصة أو قصة شخصيتها قصة أخرى.
ولاستيفاء نظرية القصة في التشكيل يتابع ظلوع الشعر في نسج بنياتها، فالقصة في رأي بوزفور جملة فنية، والشعر فيها شبكة من الضمائر العائدة المتصارعة فحاول مقاربة ذاك الاشتغال من خلال ثلاث زوايا:
أ – الإيقاع الذي يتكئ على:
1- الميلودراما: ترديد الأصوات وتكرارها ولعلة الكلام كالأطفال.
2- الهارمونيا : توافق الوقفات والفواصل والأصوات المتجانسة.
ب – الإيحاء: يتيح الشعر في القصة ميلاد سعة الدلالة وشيوعها المتعدد واحتمالات التأويل لعناصر القصة كصيغة الشخصيات الملتبسة الهوية أو بتكرار لازمة أو مكان عارض أو طرفة أو لمحة أو صدى كغيره أحفل بالسر وأخفى، كما يمكن أن تمتلك القصة تشكلا مضاعفا ذا طبقات فالقارئ ملزم بالغوص على المعنى بالغ الغور، ويتعقب غوايات القصة بلا هوادة ، كما أن تراسل الأجناس أدعى لبؤرة الإيحاء على التوالد والغور،ويخلص الكاتب أن حضور الشعر في القصة داع للمكر والشيطنة والخروج الصبياني عن الأنظمة والولع المرضي بالفوضى والنشاز والبناء الناقص، ذلك أن كمال القصة عنده هو توازن نقائصها.
تحتاج القصة التي استوت نظريتها أذرعا سبعة لها تجليات ووسائل حياة، إذ أن استمرارها قد يصل حدود المستحيل في غياب هذه الأذرع التي تمدها بماء الحياة وتيسر لها شروط الأمان في العيش، ولكنها قد تكون أحيانا أذرعا أو ذراعا يحجب بعضه بعضا، ما يسهم في تكريس أمن مبتور شبيه بالكساح.
فالذراع الإيديولوجية ذات حضور كثيف وتلقائي وعلني تتدخل بالمنع والإكراه، ولها نفوذ طاغ على باقي الأذرع حد إخفائها.
والذراع النقدية لها صلة بالجنس الأدبي والنصوص النماذج وإكراهات آفاق انتظارها.
ذراع القارئ تتكامل مع الذراع العائلية،إذ وإكراهات القارئ لها مطالب لا تختلف عن إلزامات العائلة للفرد، التي تسرق منه جوهر حياته وتكبح تحركاته، ولا تختلف الذراع السيكولوجية عن الذراع اللغوية في رقابة الوعيين معا رقابة ماكرة تتلون بألوان مختلفة على النص وعلى الكاتب.
وقد تصيب ذراع الزمن الكتابة القصصية بلعبة انحدار الكتابة وموت العبقرية وانطفاء النجوم وبطغيان الضحالة وصعود السخافة .
ولذلك حق للكاتب أن يضرب عن الكتابة أمام هذه الأذرع الملزمة احتجاجا على كثرة الممنوعات، غير أن مجرد الوعي بهذه الأذرع خطوة نحو الإفلات.
تغتني نظرية القصة بقيمة المكان، حيث إن حضوره له تجليات تعكس رؤية المبدع له، فأبرز بعد استعراضه لمفهوم المكان في الإبداع المختلف والمتعدد فيه.
وترى نظرية القصة أن المكان في الإبداع صورة حية تخلد الطبيعة والحركة الاجتماعية في الواقع هو رؤية المبدع وموقفه مما يراه.
وهو في النظرية حياة تنفلت من أيدينا حين نتحدث عنها مثل كل أشياء الحياة التي لانتذكر منها إلا المؤثر كالجهير من الأصوات من الأصوات أو الأبيض من الألوان ولون الفضيحة الأحمر، والمكان في الإبداع عيش ووعي الجسد الحي طبيعة، والإحساس به فن وحضارة
وهو طبقي إذ هناك مكان سيد وأمكنة خدم تهيئ له وتبرزه، وتعيش عواقب ظهوره بعد أن يغضب. فالمكان يصبح أبا يصبح جرما يصبح رمزا.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد عنونه: عن الرفيق، إذ باشر فيه نصوصا مغربية لكتاب كانوا على الطريق قبله، مثل محمد زفزاف ومحمد برادة وإدريس الخوري، ومنهم مجايليه كأحمد المديني وأحمد زيادي ومحمد الأشعري، ومنهم اللاحقون كعبد النبي دشين، ومنهم من يتأهب للانطلاق كخديجة اليونسي.
وقد حاول تبين الاشتغال السردي في بعده القصصي كما لاحق صورة الواقع وتجليه ونواحي الصنعة وطفرة الإبداع القصصيين، فقدم صورة لما يشبه النقد المنتج المجافي للنقد الإخواني أو المجاملات. كما أنه مارس اجتهادا ظاهرا خلص نصه النقدي من صرامة المنهج وعقمه مبسطا مفاهيمه،معددا مداخله النقدية لقراءة المجموعات.
فعند محمد زفزاف يرصد صورة الواقع في مجموعة الأقوى البشع، حيث الإنسان مسالم وبسيط تلجئه علاقة القهر المركبة إلى حافة الانفجار وأغلب الشخصيات من الطبقات المسحوقة مقموعة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. مستعملا لغة ذات زي شعبي مشحون بالواقع مختزنة سخرية شفافة تترقرق في الوصف والحوار.
فإذا كان المواطن قد أعطى للسلطة كل ما يملك: لقمته وحريته وفرحه فإنه حين جاء إليها في القصة الأخيرة “المركز الصحي” يطلب منها خدمة بسيطة، هي مسؤولة عنها، احتقرته وخدعته بالحقن والأقراص وطردته إلى خارج المركز الصحي ، ليموت تحت المطر والبرد في المستنقع.
وفي مجموعة سلخ الجلد لمحمد برادة يبدو الواقع متجها من الخارج إلى الداخل في مراحل أربع:
مرحلة المجابهة: وتكمن في العوائق الطارئة، حيث التردد والاختلاف سمة الطبقات والأفراد جميعا.
مرحلة الموجهة: وتجري بين المثقف والطبقات الشعبية مكتشفا حرارتها وصدقها وخرافتها ومفاسدها.
مرحلة التشريح: وتتعلق بالدخول إلى الذات للبحث عن العلة ليس بؤس الواقع الاجتماعي فقط، بل أيضا في العجز عن الحركة فيه، وقد سعى البحث للاقتراب من أسراره.
مرحلة الفرز: يتجه فيها الإبداع من الخارج إلى الذات لتشريحها وفرز عناصرها، وفي السرد توق إلى الخروج من الثقافة ودوائرها التجريدية إلى الواقع المحسوس. ويرى بوزفور ان المجموعة اتسمت ب:
1 – خضوع السرد للاقتباس والتضمين واقعيا أو متخيلا ( الشعر / الآراء /الأقوال / الرسائل / الأمثال ..)
2 – الحركة الدائرية للسرد
الاتجاه من المجرد إلى المحسوس، التوق إلى البساطة، التوق، إلى الإحساس الجاد بالعالم
الاتجاه إلى الجماعة ،حيث الشخصية تخرج من عزلتها متجهة نحو الجماعة، ومثل ذلك بحال المعلم والرأس المقطوع.
وبنى قراءته لمجموعة إدريس الخوري ( مدينة التراب) على ثلاث ملاحظات مختلفة.
فالملاحظة الأولى عامة ترتبط بالنقد القصصي الذي كان في أوله سجاليا منفعلا يرى صلتها بالواقع بمعايير لا علاقة لها بالكتابة رغم أنها كانت في بدايتها تبحث عن نسب، وبعد أن ابتعد نهرها عن المنابع وحفر المجرى وتعددت تياراته، ظهرت قراءات وصفية محايدة وباردة قراءة بالقفاز، دون إنطاق للنص، ويشدد على ضرورة تنوع النقد وتطوره واتساعه وإنصاته لنبض الإبداع أسوة بالقصة.
وفي الملاحظة الثانية انكب على عمل الخوري، فانتبه أن قصصه تتسم بصفات فنية لعل أبرزها الخروج.
الخروج من البيت( اختيار فضاءات عامة )
الخروج من الطبقة ( الانتقال من وضع معيشي لآخر )
الخروج من الحال القصص حيث الانتقال من حال ميلودرامي إلى نوع من الإبعاد البريختي
الخروج من قصة إلى مؤلف آخر.
“ “ “ ” القارئ.
أما الملاحظة الخاصة وتتعلق بالجانب الغائب الحاضر وتتعلق لقصص الخوري :
أ – الغائب الفوقي الضاغط أو السلطة.
ب – الغائب التحتي المكبوت وهي الذات الفردية كصورة المرأة والرجل والطفل.
ونخلص إلى أن القصص عند الخوري تضمر عجزا عن الفعل عن الجن سعن التواصل ، ويوجد دائما مع هذا الضعف عزاء للحفاظ على تماسك الذات وعلاقتها بالآخرين وه والمكابرة، وتتمثل في السخرية.
أما باروديا الحنين فقد استهدف بها اشتغال القصة عند المديني في مجموعته (رؤيا السيد سين ) حيث استهل بالتعريف بالكاتب ونشاطاته الثقافية ورصد ملامح الغلاف الجمالية، ليقترب من الشخصية القصصية كما يقترحها المديني في هذه المجموعة.
فرصد الحنين والشعور بالاشتياق الذي تضمره شخصياته إلى الماضي الجميل إلى فضاءات عاشت فيها أو أشخاص معينين ومثل لذلك من قصصه وشخصياته ، مبرزا أن هذه السمة لها صلة بكتابات المديني الملأى بالقلق المستفز والإحساس العصبي المتوتر والانتقاد الساخر ثم انتقل إلى موضوعة التعبير القصصي ، فرأى الباحث أن الحنين يتم بانتقاد الحاضر لا استرجاع الماضي معتمدا قرائن فنية:
التكرار – والتعميم الأيديولوجي – فلتات اللسان- الانتقاد الصريح للعبارة المسكوكة- التساجع.
حيث اشتغل على المسافة بين الواقع المتخيل مشارفة حدود الجرجاني، ثم تساءل في الأخير عن ماهية السيد سين.
أما في الإنجاز القصصي لأحمد زيادي المعنونة بالعصا من الوسط التي انصبت حول مجموعة خرائط بلا بحر
فقد سعى إلى رصد المكون الديني في انفتاحه وتسامحه ووداعته ومقاصده ثم المكون الوطني والمكون الاجتماعي القائم على تأمل الواقع عوض الانفعال.
وعلى مستوى البناء الفني استغلت المجموعة عددا من التقنيات منها:
التنسيب : ويتجلى إبراز نسب النص أو غرسه في بيئته.
التطفيل : جعل اللغة تتحدث عن الطفل أو إلى الطفل .
التقابل : بين طرفين أو موضوعين.
المراوحة بين الشعري والحكائي : حيث تطغى أحيانا لغة شاعرية مكثفة، وأحيانا شفافة حاكية تتحدث عن الأطفال والعصافير، وكتبت بمهارة.
وفي إطار رصد مستويات التخييل في المجموعة القصصية” يوم صعب “ لمحمد الأشعري تتبع الباحث اشتغال المتخيل في ثلاث مستويات:
الواقع المتخيل: تنبت فيه الموجودات القصصية وتستمد نموها، إذ يخرج المتخيل من البادية .
الحلم المتخيل : يستكشف متخيل الأحلام في المجموعة القصصية .
الإبداع المتخيل : وفيه نرى أن الأشعري يفكر بأشكال مختلفة في موضوع إبداعه أو مادته.
وتتواشج أنواع المتخيل تلك بعلاقة دقيقة ملتبسة، من مظاهرها:
مرارة السياق الذي ترصده المجموعة بجيل أزهر في الزنازين/،وواجه خصما قويا بطموح مثالي وأدوات ضعيفة.
القلق والتبرم والضيق من المحيط.

تطريز المتخيل بروح شعرية عالية تسري في عروق النص، ولا عجب في ذلك فالقاص شاعر.
كما حاول تبين كيمياء التفاعل في مجموعة ع النبي دشين ” رائحة الورس” بين قصص مجموعته والمناخ الحداثي الذي تتنفس فيه، وتتميز بملامح فنية ،منها:
الإحساس الوجودي الدقيق بالمحيط.
لغة السرد التي اتكأت على العجائبية والسينما وتفتيت السرد .
الطفولة الرافضة لعالم الكبار الذين يشربون من دموع الأطفال، ومن ثم فهي طفولة الخريف/ الغروب.
وختم مقاله بثلاث أسئلة حول:
طبيعة الصراع بين الشرق والغرب: هل القصة قادرة على التقاط هذا الأمر الأيديولوجي؟
عن جدوى الاستعانة بالنصوص الموازية وتداعيات صلتها بالمتن وحدود التداخل والتخارج بينها وبين النص.
عن غريب اللغة و الحوشي من الكلمات التي جاء بها من المعجم القديم.
كما خص الأستاذ بوزفور طلبته بقراءة لنصوصهم، ولعل شيم البرق أول تلك النصوص حيث انطلق في حديثه من النظر إلى الموضوع بتقسيم المقال إلى محورين:
القصة سرد:
فحاول التعريف بمفهوم السرد ومقارنا علاقته بالزمن من خلال :
كيف تتحكم اللغة في الزمن؟
كيف يتحكم الزمان في اللغة؟
ذلك أن اللغة في السرد القصصي تقع بين طرفين، يمكن أن نسميها بالسرد النثروي والسرد الشعروي. 16
ومن آثار السرد النثروي مضاعفة الفصحى وكذا مضاعفة الدلالة بالمرادفات غير الموظفة والخوف من البداية واستغباء القارئ وغير ذلك
القصة حرفة فقد اكتشف تقنيات حرفية في نصوص الطلبة قيد القراءة ومنها:
تقنيات الإسقاط واللون والحرف والعنوان وإسقاط الجدار الرابع.
وقد خص الباحث قصة فريدة التلميذة خديجة اليونسي بقراءة مفعم بالتفاؤل بهذا الجديد الذي يشكل نموذجا لبعض ما جد في مجال القصة القصيرة من مداخل المستويات : ( الدلالي والرمزي والنصي) حيث لامس حدود الإبداع والجدة في اللغة والتقنيات التي صاغت بها قصتها تلك، فضلا عن إحكام البناء وربط الأجزاء بعضها ببعض، ولاشتغال على اللغة من خلال: استثمار عناصر الإيقاع والتكرار واللعب الوظيفي بتراتب عناصر الجملة وما يزال في القصة إمكانات قرائية أخرى.
ويتكون القسم الثالث من الكتاب من حوارات مع كتاب قصة شباب ظهروا في تسعينات القرن الماضي وقد أوضح في تقديمها لها مبررات وجودها وأهميتها بالنسبة للمشهد القصصي.
هكذا حاول الأستاذ أحمد بوزفور القصاصين الآتية أسماؤهم:
عبد المجيد جحفة ومصطفى جباري وسعيد منتسب وسعيد بوكرامي وعبد العالي بركات وعائشة موقيظ وعبد السلام الشرقاوي، وهم ثلة من القصاصين برعوا في مقتبل التسعينات أصواتا نوعية ذات فرادة وإضافة حقيقيتين للإبداع السردي العربي والمغربي خصوصا، وقد اختلفت الأسئلة التي طرحها على كل واحد من هؤلاء حسب طبيعة الصيغة التجريبية التي ينسج بها القاص حكايته، فالاتفاق تم فقط على قاعدة الانخراط في توسيع الهوة بين الدال المدلول والرفع من الجمالية السردية للقصة، والإمعان في إعلاء سؤال الكتابة بكل الممكنات اللغوية والتخيلية، والتي لا تتعالى على شرطها التاريخي. مما جعل قصصهم في العمق تحترف الإنصاتَ للخلجات الدقيقة، وتَسَقَّطَ الهوامش والأقاصي، والمسكوت عنه. ورَصْدَ المفارقات واقتناصها.17
فتنوعت أسئلته لتطال دواعي الكتابة لدي القصاصين الشباب وبنيات القصة وتشكيلها فضلا عن صيغتها التي قد تنحو جهة التهجين، فتصبح الأجناسية موضع سؤال حاد. كما طرح على بعضهم سؤالا حول مصير القصة ومآلها بعيد اتشاحها بسمات الشعر وجرعاته القوية، فقد تتحول قصيدة بزي نثري، كما لم يغفل تشغيل السخرية وتوظيفها لكسر جدية السرد وخطية الحوار، حيث يمكن أن تشتغل الميتاقصة بأدوات السخرية، ومادامت الكتابة دافعا ذاتيا في الغالب فإن المواضيع المثيرة لكاتب ما لابد و أن تكون مخالفة لغيرها عند قاص آخر، بسبب شرطه وسياقه. كما أن الأستاذ بوزفور سأل بوكرامي مثلا عن طبيعة علاقته بالموسيقى و صفة تأثيرها عليه.
لم ينس أن يسأل عن المعاطف التي خرجوا منها ، إذ لا يمكن أن يأتي القاص من أرض خلاء كنبتة برية ، وكذا النصوص التي أثرت فيهم ودفعتهم دفعا للكتابة، وهو ما يعني كيفية تواصل القصاصين مع مجالات قراءاتهم.
فضلا عن ذلك تناولت أسئلته صلة التخييل القصصي بالوقائع الشخصية، وهو ما يبرر الحاجة إلى الكتابة وصلتها بالجسد .
وقد التفت بوزفور إلى صلة كثير منهم بالشخصيات التي يتم توظيفها، واللغة التي يكتبون بها وهيمنة تقنيات بعينها على غيرها،وكثير من الأسئلة الشخصية الصلة الرفيعة بعوالم الكتابة .
لقد جال بوزفور في حدائق سرد القصاصين الإبداعي، وقلب هويتها الكتابية ليتبين كثيرا من الأمور الفنية التي له ارتباط بين بعوالم الكتابة وخرائطها.
لعل بوزفور بكتابه الماتع هذا يكون قد أرسى صيغة منتجة في الكتابة النقدية ذات المزايا المتنوعة، فهو في الكتاب منظرا القصة وناقد ا للقصة ومحاورا مثقفا لثلة من المبدعين ذوي خصوصية إبداعية في المشهد القصصي.
وختاما لقد سعت هذه المداخلة رصد معالم الصفة النقدية والتنظرية في شخصية الكاتب أحمد بوزفور من خلال مؤلفين متباينني الهوية التأليفية، غير أن الثابت فيهما معا هو صفة بوزفور الإبداعية ومرونة نقده أو أدواته، كذا عمق البعد المنهجي وإجرائية توظيفه في الكتابين معا..

د .عبد العاطي الزياني
ثانوية سيدي احمد بناصر التأهيلية – زاكورة المغرب






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 16-09-2012, 11:07 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

احالات الدكتور عبد العاطي في تناوله السابق هي


بوزفور : تأبط شعرا
نفسه ص 13.
3 – نفسه ص 36
4 – نفسه ص 65
5- نفسه ص 111
6- نفسه ص 113
7- نفسه ص116
8 نفسه ص 118
9نفسه ص 122
10 نفسه ص 138
11- نفسه ص 141
12 نفسه ص 148
13 – نفسه ص 159
14 نفسه ص 171
15 – الزرافة المشتعلة ( قراءات في القصة المغربية الحديثة منشورات المدارس للنشر والتوزيع عام 2000 بالبيضاء
16– نفسه ص – نفسه ص 173
17 – – عبد العاطي الزياني: القصة المغربية الجديدة مقال بكتاب أفروديت رقم 4 : مخاضات تجديد القصة القصيرة بالمغرب مراكش 2006 ص 41






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط