لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-06-2020, 11:50 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (2)
[IMG]مركز الخليج[/IMG]
كانَتْ وَلا زَالَتْ مُقَدَّسَةً لَدَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِحاجَةٍ إِلى إِقْناعِ نَفْسِهِ بِقَداسَتِها عِنْدَهُ.. فَقَدْ بَلَغَتْ مَنْزِلَتُها في نَفْسِهِ فَوْقَ نَفْسِهِ وَفَوْقَ أَيَّةِ مَنْزِلَةٍ، لَمْ يَصِلْها سِواها، وَلِشِدَّةِ ما بَلَغَتْ في نَفْسِهِ وَلِشِدَّةِ وَهْجِ شُروقِها فيهِ أَنَّهُ كانَ، على جُرْأَتِهِ، يَتَهَيَّبُ حينَ يُخاطِبُها، وَلا يُخاطِبُها بِما في ذاتِهِ تِجاهَها، بَلْ كانَ كَمَنْ يَدورُ حَوْلَ الحِمى وَلا يَدْخُلُ.. كانَ يُحِبُّها حَدَّ القَداسَةِ لكِنَّهُ لا يُفْصِحُ وَلا يَعْلَمُ سَبَبًا لِذلِكَ.. لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ سْأَلَ نَفْسَهُ: ماءٌ حَديدِيٌّ ماجَ وَقْتَ دُعاءِ مَوْتى رَاجِعينَ عَرايا يَوْمِهِمْ.. أَهذا أَنا؟ أَمْ هُناكَ مِنْ يَتَقَمَّصُني وَيُلْجِمُني عَنِ الكَلامِ.. ما الَّذي يَشُدُّني إِلَيْها وَهُناكَ أُلوفٌ يُمْكِنُني الوُصولُ إِلَيْها بِسُهولَةٍ.. ما السِّرُّ فيها؟ أَهُوَ الجَمالُ؟ وَما أَكْثَرَ الجَمالَ في طَريقِي.. أَهُوَ الرَّبيعُ في عَيْنَيْها وَامْتِدادُ السَّماءِ كُلَّما حَدَّقَ فيهِما؟ أَمْ هُدوؤُها الَّذي يَكادُ يَصِلُ حَدَّ الـمُطْلَقِ الأَجْمَلِ؟.. أَمِ الخَفَرُ الَّذي زادَها جَمالًا وَنَضارَةً؟ ثُمَّ اكْتَشَفَ أَنَّ ما يَجْتاحُهُ حَقيقِيٌّ لا تَمْثيلَ فيهِ، وَكانَتْ عَلى دِرايَةٍ بِأَمْرِهِ، وَراقَ لَها الحالُ، فَالمَنْزِلَةُ الَّتي حَظِيَتْ بِها حُلُمُ أَيَّةِ أُنْثى.. لَمْ يُصارِحْها مُباشَرَةً بِما يَخْتَلِجُ في نَفْسِهِ تِجاهَها لِشِدَّةِ هَيْبَتِها في ذاتِهِ، وَكَثيرًا ما مارَسَ عَمَلِيَّةَ جَلْدِ ذاتِهِ، بَلْ وَصَلَ بِهِ الحالُ أَنْ يَضْرِبَ رَأْسَهُ بِالجِدارِ إِنْكارًا لِـما هُوَ فيهِ.. فَقَدْ كانَ يَظُنُّ أَنَّهُ أُصيبَ بِعَجْزٍ عَنِ النُّطْقِ في حَضْرَتِها.. كانَ كَثيرًا ما يُلَمِّحُ لَها، وَكانَتْ عَلى قَدْرٍ مِنَ الذَّكاءِ بِحَيْثُ كانَتْ تَفُكُّ كُلَّ شيفْرَةٍ في تَلْميحاتِهِ، وَتَبْتَسِمُ في سِرِّها.. لِإِدْراكِها أَنَّها فازَتْ بِهِ دونَ سِواها.. وَكَمْ أُعْجِبَ بِذَكائِها.. كانَ لا يَكُفُّ عَنِ التَّفْكيرِ بِها، وَيَقولُ عِلْمُ النَّفْسِ: إِذا كُنْتَ تُفَكِّرُ في شَخْصٍ طَوالَ الوَقْتِ فَذلِكَ الشَّخْصُ يُفَكِّرُ فيكِ، فَكَأَنَّكُما خاضِعانِ لِلتَّخاطُرِ عَنْ بُعْدٍ.. وَكَثيرًا ما قَفَزَتْ في ذاكِرَتِهِ بِأَبْهى صورَةٍ كَما يُحِبُّ أَنْ يَراها.. وَكُلَّما خَلا بِنَفْسِهِ أَطَلَّتْ مِنْ نَوافِذِ ذاكِرَتِهِ.. وَكانَ يَتَساءَلُ هَلْ بَلَغَ تَفْكيرُها فيهِ دَرَجَةَ أَنْ يَشُلَّ تَفْكيرَهُ وَيُقَيِّدَهُ في حَيِّزِها فَلا يُفَكِّرُ إِلَّا فيها؟ كانَ طَوالَ فَتْرَةِ عَجْزِهِ الَّذي يُنْكِرُهُ، بَلْ يَعْتَبْرُهُ اسْتِحْواذَ قُوَّةٍ ما عَلَيْهِ، يَجْهَلُ كُنْهَها، وَلا يَدْرِكُ سِوى أَنَّهُ خاضِعٌ لَها وَهِيَ تَتَحَكَّمُ في إِرادَتِهْ.. حَتَّى يَوْمَ بَدَأَتِ الرِّيحُ تَهُبُّ عَلَيْها كانَ يُسْرِعُ لِيَصُدَّ الرِّيحَ عَنْها، فَهِيَ مُقَدَّسَتُهُ الَّتي لا يُمْكِنُهُ قَبولُ غازٍ دَخيلٍ يَسْتَوْطِنُ حِماها أَوْ يَحْتَلُّ حَيِّزًا مِنْ تَفْكيرِها.. لكِنَّهُ صُدِمَ حينَ رَآها تَفْتَحُ ذِراعَيْها لِلرِّيحِ، وَكُلَّما زادَ تَحَدِّيًا لِلرِّيحِ ازْدادَتْ تَرْحيبًا بِها.. حَتَّى لَمْ يَعُدْ بِيَدِهِ حيلَةٌ، فَقَدْ أَلْجَمَتْهُ هِيَ لا الرِّيحُ، وَكانَ قادِرًا عَلى صَدِّ الرِّيحِ مِنْ أَوَّلِ جَوْلَةٍ.. وَأَخيرًا لا بُدَّ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ، فَقَدِ اسْتَسْلَمَ لِقَدَرِهِ وَمَضى.. فَقَدْ حالَتْ هِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّيحِ، وَلَمْ يَكُنْ أَمامَهُ سِوى الرَّحيلِ، وَلَيَحْمِلْ مُقَدَّسَهُ مَعَهُ وَلْيُتابِعْ الدَّرْبَ.. بَعْدَما حالَ الـمَحْبوبُ دونَ الـمَطْلوبْ. كانَ الأَثيرُ يَحْمِلُ أَنْفاسَها إِلَيْهِ بِاسْتِمْرارٍ، وَلا تَكُفُّ عَنِ انْتِشارِها في ذاكِرَتِهِ.. وَكانَ دائِمَ الإِنْكارِ لَنَفْسِهِ وَما يَعْتَريها.. فَقَدْ مَرَّ بِأَحْوالٍ كَثيرَةٍ قَبْلَها وَكانَ صاحِبَ القَرارِ في البَدْءِ وَالخِتامِ.. كانَ السَّيِّدَ الأَوَّلَ في كُلِّ جَوْلَةٍ وَحالٍ.. فَما الَّذي أَصابَهُ وَيُصيبُهَ الآنَ بِالذَّاتِ؟ حَتَّى كادَ أَخيرًا يُؤْمِنُ بِالعَرَّافاتِ وَتَأْثيرِ الجِنِّ عَلى العُقولِ، وَهُوَ ما لَمْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ قَبْلُ.. (يتبع) |
|||
14-06-2020, 01:06 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (2)
رغم كل ما في هذا النص فإنني أشم رائحة
فكر صوفي معتق..ربما أخطأت التقدير لكن الرائحة ما زالت تنبعث .. متابع وباهتمام هذه الرائعة الأديب المكرم محمود مرعي بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
||||
15-06-2020, 05:57 AM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (2)
تحيَّاتي لك أخي، قد يصيب الوهن جانبًا فيعدله ما يتلوه، ولا بأس فمنكم ومن ملاحظاتكم نتعلَّن ونستفيد إن شاء الله.
|
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|