سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية - الصفحة 3 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: أُنْثَى بِرَائِحَةِ اَلنَّدَى ! (آخر رد :دوريس سمعان)       :: تراتيل عاشـقة .. على رصيف الهذيان (آخر رد :دوريس سمعان)       :: هل امتشقتني؟ (آخر رد :محمود قباجة)       :: ،، الظـــــــــــــــلّ // أحلام المصري ،، (آخر رد :محمود قباجة)       :: فارسة الأحلام (آخر رد :محمود قباجة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: بَغْيٌ وَشَيْطَانَانِ (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: وَأَحْتَرِقُ! (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: شاعر .. (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: أحـــــــــزان! // أحلام المصري (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: ما زال قلبي يخفق (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: مملكة الشعر الخالدة (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: افطار ودعاء (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: كلما أجدبت الارض ناديت ملح امي! (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: شوق القوافي (آخر رد :فاتي الزروالي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-2020, 12:29 PM رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : ألم
النّاص : حِيَال مُحَمَّد الأَسَدِي
القراءة : جهاد بدران
.............................


النّص :

أَتَأَلَّمُ***لِصَوْلَةِ ذِئْبٍ
عَلَى بِضْعِ شُوِيْهَاتٍ تَرْعَى
أَتَأَلَّمُ***لِبَهْجَةِ وَغْدٍ
لِدَمْعَةِ مَظْلُوْمٍ حَرَّى
أَتَأَلَّمُ***لبُرُوْدَةِ تُنُّوْرٍ
فِي دَارٍ بِحُزْنِها سَكْرَى
***
أَتَأَلَّمُ***لِوَطَنٍ***أَعْطَى
لِلْكَوْنِ سِرَّ التَكْوِّيْنِ
وَ يَعِيْشُ الْيَوْمَ فِي عِسْرٍ
مَاعَرَفَ مَعْنَى التَطْمِّيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لنَخْلِهِ الْسَامِقِ
مُتَكَوِّمٍ بَيْنَ البَسَاتِيْنِ
يَحْلُمُ بِرَائِحَةِ الْطَلْعِ
وَ يُؤَجِّلُ الثَمَرَ إلَى حِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِشَاعِرِهِ***يَنْزِفُ
نَزْفَ النَهْرِ لِكَبِدِ الْطِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِوَالِدَةٍ ثَكْلَى
دَيْدَنُهَا الهَمُّ تَحْلَمُ بِمُعِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِدَجْلَةَ***مَا عَادَتْ
(حَمائِمُهَا تَلُوْذُ بِالْطِيْنِ)
أَتَأَلَّمُ***لأُمَّةٍ***نُكِبَتْ
سَرَقَتْهَا أَحْلامُ سَلاطِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِمَلاكِ***طُهْرٍ
دَنَّسَهُ وَهْمُ شَيَاطِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِوَغْدٍ***نَكِرَةٍ
يَغْتَصِبُ أَحْلامَ مَلايِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِمَوْطِنٍ***ضَائِعٍ
مَا تَصِفُهُ كُلُّ العَناوِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لِجَنَّةٍ***أَضْحَتْ
عَاريَةً مِنْ كُلِّ الرَيَاحِيْنِ
أَتَأَلَّمُ***لغُرْبَةٍ***حَمْقَى
لا أَجِدُ فِيْهَا مَنْ يُوَاسِيْنِي
أَتَأَلَّمُ***لأُمَّةٍ***مَاعَادَتْ
تَمْلِكُ غَيْرَ غُصَيْنِ زَيْتُوْنِ
عَفَّرَهُ الْذُلُّ
بِالْخِزِيِّ الْمُهِيْنِ
قَادَتُها شُجْعَانٌ جِدَّاً
فِي الجَرْيِّ أَمَامَ التِنِّيْنِ
أَتَأَلَّمُ حِيْنَ أَتَخَاذَلُ
عَنْ بَهْجَةِ كُلِّ مَحْزُوْنِ
أَتَأَلَّمُ
لِوَجْهِ وَطَنِي
تُعَفِّرُهُ دِمَاءُ الْمَسَاكِيْنِ
أَتَأَلَّمُ
لِهَيْبَةِ وَطَنِي
تُدَنِّسُهَا
زُمَرُ الْمُجْرِمِيْنِ
أَتَأَلَّمُ
وَ الأَلَمُ كَأْسِي
مَا فَارَقَتِ الْشَفَتَيْنِ!!



القراءة :


ألم.....
كم جلدتنا حروفكم البليغة بسياط الوجع ..فسالت من الأحداق الدماء عوضاً عن الدموع التي يبست وجفت على خدود الوطن...
دخلت أعماقنا واقتنصت كل الأوجاع المدفونة..ونظمتها سلسلة لا تنتهي من النزيف الجاري بين مسامات الوطن في كل مكان...في منظومة متينة البناء من حرف قال العجب في الميزان الوطني بنسيج قض مواجعنا وأعاد لهيب النار في جوارحنا وفي فوهة أقلامنا...
شاعرنا الكبير المبدع ..
ما هذا الجمال وقوة البناء التي حملها قلمكم الفذ وطرزها أنشودة وطنية تناسلت معاناة أمة بأكملها...ما هذه البراعة والمهارة في تنظيم الحروف وفق صور حملت وعي لغوي بقيمة التراكيب البنائية للكلمة في مفردات حية نابضة...
كل فقرة ألم نستطيع بناء مجلدات عليها...ونفرد لكل بؤرة قاموس لا يحده جهات ولا حدود...
اللغة العميقة المتوهجة استطاع الكاتب أن يربط بينها وبين موقع الحدث الذي قدم له أوصاف تتلاءم والدلالات والرمز الذي يسقط على أمة ما زالت تصارع بكل قوتها وأبعادها قوى الظلم وأنياب الإرهاب بكل أنواعه إبتداء من الإرهاب الذاتي حتى السياسي...
الكاتب قدم صوراً فظيعة مغلفة بالجمال وممتزجة بالصدق والألم..استطاع أن يعايشنا معه من خلال كل ألم تنفسه بين الضلوع ..
والتجأ لهذه الصور الفذة البارعة ليغلف أفكاره ويثبتها في نفس المتلقي..ليوقظ العواطف بلغته التصويرية المتينة التي تدل على قدرته العميقة وحرفيته من الأدب...
التعابير الدقيقة للأفكار جاءت بحجم الوجع مستقاة من بئر الذات ووفق الحس الداخلي الممزوج مع الخارجي لتظهر ترابطاً وإتقاناً مع روح النص لتتوسع معها بؤرة المعنى الإشاري...
براعة النسج هنا فتح المجال للخيال أن ينسجم مع الفكر العميق ضمن الدلالات المختلفة التي تقبع بين مسامات هذه الأمة المكلومة...والتي أفرزت طاقة هائلة من الإبداع الممزوج بالألم وأعتقت ملامسة الواقع بمرارة نازفة..

الأديب الراقي المبدع الكبير
أ.حيال محمد الأسدي
نص مؤلم موجع قال الكثير وعبّر عن كل فرد من أفراد هذه الأمة
حروف سطرتها ريشة قلمكم المبدع فدخلت النفوس وهي تنزف أسى ومرارة..
حياكم الله أيها الكبير على لوحتكم الفنية الرائعة وجمال ما نثرتم من إبداع..
سررت أن كنت بين سطور قلمكم البارع الفذ
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 12:58 PM رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص أرى عينيك (جيوكندا)
النّاص : عدنان حماد
القراءة جهاد بدران
...........................


النّص :


***أرى عينيك (جيو كندا)

أرى عينيك تبتسمانْ

وأوقن أنّه الفرح

الذي يمشي على عجل

ليكمل آية الصبح

التي ارتسمت

على كفيّ عاشقة

ويسأل قاطن الوادي

أمن خديّ فاتنة

يفوح النرجس البري أغنية يرددها خرير النهر والراعي وتُشْرعُ في سماء الله نافذة

نرى الصوفي والبوذي يفتتنان في امرأة إذا غنّتْ

تُبرئ ساحة الحلاج

***

أرى عينيك تبتسمان تبتهجان تعترفان في خفرٍ

فيسمو اللفظ والمعنى إلى أعلى مراتبه

نجوماً أبهرت عبقر

**

أرى عينيك تبتسمان تخترقان أوراقي و محبرتي

أحلق فوق أفكاري فتدفعني إلى ما لست أعرفه

يحفزني ارتعاش الصوت إذ يسري ليحملني

على كفيّ حوريه

ويغريني امتزاج النبض بالفكره

فتكبر فيك أحلامي

ويهمي الشعر بالفطره

ليسأل كاتم الأسرار

هل تُيمت في امرأة إذا ركبت بُراق الشعرْ

تُغني شعرها الأطيار***؟


القراءة :


ما أجمل هذه اللوحة الفنية الراقية وما تمنحنا من أبعاد وتأويلات ..تأخذنا لعالم النقاء ونحن نفترض الجمال من وراء لوحة جيوكندا..تلك اللوحة السحرية التي رسمها فنان محترف زرع فيها أبعاد الجمال وما تحمل من دلالات الأنوثة والرقة ..ومع هذه اللوحة يرسم لنا الشاعر كنه المغزى بين أهداب ابتسامة غارقة بالنقاء في وجه السماء..
الشاعر هنا استطاع من خلال اللازمة ( أرى عينيك تبتسمان) التي يرددها ثلاث مرات في القصيدة أن يلج بنا إلى عمق الفخوى والسر في جمال الخلق من خلال الإبتسامة الحية التي من خلالها تتغنى الحياة سعادة..
يربط الشاعر اللازمة هذه بعنوان القصيدة ( أرى عينيك جيوكندا)..
يربط جمال إبتسامة المرء باللوحة السحرية التي رسمها الفنان ليوناردو ديفنشي..وسر هذه الإبتسامة التي هي منبع السعادة والأمن الفكري والنفسي..مما أتاح للأخصائيين النفسيين والفلاسفة الوقوف بين ظلال هذه اللوحة ووضع فرضيات مختلفة تدور حول هذا المخلوق العجيب من البشر من كلا الجنسين..
وتذويت معالم الجمال الظاهرة والخفية تحت عدسة الرسام البارع..
فمن خلال العنوان..( أرى عينيك) ..وربطها باللازمة..( أرى عيناك تبتسمان).. نرى أن عملية الرؤيا مقترنة بالإبتسامة ..بمعنى أن الشاعر كان فناناً محترفاً في اختيار ألفاظه..حيث لا يمكننا معرفة رسمة البسمة على الشفاه إلا من خلال عملية الرؤية..وهذا ذكاء معهود من الشاعر في تحديد معالم حرفه بحرفية تدل على قدرته في انتقاء الدقة في الألفاظ واختيار بناء محكم لمنظومة حرفه..
ثم ننطلق لفحوى الإبتسامة نفسها وأثرها العجيب في إسعاد النفس والآخرين..من خلال الحديث النبوي الشريف:
" عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) رواه الترمذي، وصححه الألباني."
فالإبتسامة حين تكون في العينين هذا يعني أنها نبعت من الداخل لتكون مفتاح القلوب للسعادة والإطمئنان والراحة النفسية..
ومن هنا سأضع للإبتسامة معالم لتكون ممحاة الحزن والألم..وتكون أداة لرسم القوة النفسية في تحقيق عمليات التحدي والصمود والصبر أمام عصر ممتلئ بالآلام والأحزان..
وحينما تكون الإبتسامة بين البشر بمختلف أجناسهم..سيعود للذهن نشاطه واتقاده..وتتآلف الأرواح فيما بينها لتكون شعلة حب بين بني البشر ..
لذلك نرى بين يدي قلم الشاعر اكتظت الصور الشعرية والبلاغة والفصاحة وهو يصور لنا ما يفيض من الإبتسامة وهي تطرق القلب والمشاعر لتكون ضياء بين الأحداق ونوراً في الأعماق يجلي من خلفها كل حزن ويشرح صدره بالأمل والسعادة..
يقول الشاعر :

( أرى عينيك تبتسمان
وأوقن أنه الفرح
الذي يمشي على عجلٍ
ليكمل آية الصبح التي ارتسمت
على كفي عاشقةٍ
فيسأل قاطن الوادي
أمن خدي فاتنة
يفوح النرجس البري أغنية يرددها خرير النهر والراعي وتُشرِعُ في سماء الله نافذة
نرى الصوفي والبوذي يفتتنان في امرأة إذا غنت
تبريء ساحة الحلاج)

فمن خلال البسمة التي ارتسمت في العيون ..جعلت من الصبح آية الجمال تنبعث من الأرواح وهي تشرق لعشق جديد يكون للنقاء عنوان...
الصور هنا قمة في التصوير وبراعة في تحديد المشاعر ..ورسم آيات السعادة وهي تتجلى من قلم يصيغ الألفاظ بأسلوب سحري مميز..
العمق هنا في الروح أيقظ الإحساس الداخلي وربطه بالصورة الخارجية التي رسمت أمام الشاعر لوكون صورة فنية رائعة..ارتبطت بألحان الفكر التي عزفت أوتار القلب...
ويكمل الشاعر ألوان اللوحة بدقة متناهية ارتبطت بتعابير رقيقة راقية كانت نتاجاً من تلك البسمة التي أوحت له بالسحر والجمال:

( أرى عينيك تبتسمان تبتهجان تعترفان في خفر
فيسموا اللفظ والمعنى الى اعلى مراتبه نجوما أبهرت عبقر)

نعود لمحلول البسمة الذي تعددت ألوانها من حرف الشاعر ليربط جمال الحرف والتعابير الدقيقة بروح النص وتفاعل الإحساس الداخلي مع خياله الواسع وبراعته في منح المتلقي الإحساس بكل حرف والتأثير في النفوس..من خلال اندماج المؤثرات الداخلية للشاعر مع تراكيب اللغة المتألقة الإبداعية..مما كشفت المخزون المتراكم من المشاعر النابضة...
يكمل الشاعر لوحته الرائعة بقوله:

( أرى عينيك تبتسمان . تخترقان أوراقي ومحبرتي
أحلق فوق أفكاري لتدفعني
إلى ما لست أعرفه
يحفزني ارتعاش الصوت إذ يسري ليحملني على كفي حورية
ويغريني امتزاج الصوت بالفكرة
فتكبر فيك أحلامي
ويهمي الشعر بالفطرة
ليسأل كاتم الأسرار هل تُيمت في امرأة اذا ركبت براق الشعر
تغني شعرها الاطيار في قرطاج والبصرة.)

ما أجمل هذا الوصف الذي كان سبباً في تدفق
الحروف لتكون لوحة راقية..
تلك التي منحت الشاعر حروفاً تتدفق على الورق لتكون نهايتها قصائد جمالية تتغنى وتمتلئ بالأحلام المحفزة لخلق الواقع المغني بالسعادة والراحة ...
.....
الشاعر الكبير المبدع الراقي
أ.عدنان حماد
كانت ظفائر قصيدتكم تتدلى بين العيون لترسم لوحة جمالية راقية حفزت الخيال نحو رسم كونٍ من السعادة وهي تبحر بين ضلوع القصيدة الراقية..من خلال اللغة المتوهجة التي لاءمت الصور الحية في بناء اللوحة البارعة هذه..
دمتم والجمال عنوان قلمكم الفذ
ودام عطاؤكم المحفز للمتابعة..
بوركتم ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 01:06 PM رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : مناسك الرّصاص
النّاص : تيسير حرب
القراءة جهاد بدران
.........................


النّص :


يعقدُ نية الحجِّ الرصاصُ
الى أوْلى القُبَّتيْن...
بأزيزٍ مرتّل الآيات
بفتوى البارود
أنّ الحج – هذا القرن –
تحت وقع الطعنات
وقوفاً " بقُرنْطل "
وإن أفْتتِ المآذنُ واللاءات

تدجّجَ بمدارات الطواف
ويعلمُ أين يسعى
إن اكتظّتِ المداءات
بين " صفا " البندقية
"ومروة " الخَلاص

أزاح أسمالَ الصبر
عن نيّة العَتاد
المُسيِّل للقِناص
وضَبطَ بندولَ طلقته
وجاسَ خلال الحَجيج
ولما آنس مَهبَّ القَصاص
جبُنَ المرمى ، والعربات...!
هنا خشع الزنادُ بأجزلِ الطلقات
وأمطر " الجَمرات "
وقد " استطاع اليه سبيلا "
...............
قُرنْطُل :جبل بمدينة أريحا في فلسطين


القراءة :

مناسكُ الرصاص
عنوان متفرد يحمل هوية وطنية لا شبيه لها..
العنوان وحده من أسفار التأويل وهو يحمل بين دفّتيه أسراراً عجيبة ودلالات راقية بارعة يستند عليها النص المذهل بعمق معانيه ولغته البليغة المتينة البناء المليئة بالرموز الجديدة المتجددة...
العنوان في بنائه الخارجي عبارة عن كلمتين متضادتين في المعنى.. لو فككنا شيفرتها لوجدنا كل واحدة تحمل معنى بعكس الكلمة الأخرى..وكل واحدة تحمل تأويلاً مختلفاً وهذا سر الجمال في هذه اللوحة الفاتنة..
لو تأملنا كل كلمة لوجدنا كنوز المعرفة بين ثناياها..وهذا ما دفع الفكر الوقوف طويلاً بين ظلالها والبحث والتنقيب عن جماليتها وأسرارها..
أما الحديث عن البناء الداخلي للعنوان والذي نصب لنا تأويلات عدة فُتحت معها أبواب الذهن وفاض العقل تجاذباً مع الخيال وتم تشريحه بإحدى التأويلات ..
مناسك الرصاص..
من خلال كلمة مناسك..نعرف أنها اندرجت تحت معاني العبادة لتليها مناسك الحج والتي تهدف تطهير الروح قبل الجسد من علق الدنيا ومفاسدها..
والمتلقي يذهب فكره لأماكن العبادة..لكن من خلال الغوص بين مراتب الكلام المنظوم هنا نجد بُعداً فلسفيا فكرياً ناضجاً واعياً بقدرة فنان محترف..تختلف معالمه عن سطحية المعنى وتأخذنا لأبعد عمق وذهن متقد يجول ما بين رصاص وعبادة...
وهنا تأتي عملية الكشف عن نقاب وجه هذه اللوحة لنرى جماليتها ونضارة وجهها..
والسؤال الذي نود طرحه في هذا العنوان..
هل تلتقي مناسك العبادة مع الرصاص وقد حرّم القتل أثناء تأديتها؟
سنرى كيف يكون ذلك من خلال التنقيب بين ذرات اللوحة هذه..
يبدأ الشاعر هنا برسالة إيمانية المطلع بقوله:

( الى أوْلى القُبَّتيْن...)

من يقصد الشاعر بأولى القبتين..بالرغم أننا نعرف اسم أولى القبلتين وهو المسجد الأقصى..
وهنا يكمن الجمال والبحث عن مقصد الشاعر..
فالمتلقي لن يدرك المعنى لذلك إلا مع عملية البحث والتنقيب..
سمي أولى القبلتين لأن المسلمون قبل الهجرة النبوية قد صلوا أول صلاتهم باتجاه القبلة نحو البيت المقدس..وبعدها تم تحويلها نحو مكة المكرمة لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم للكعبة المشرفة إذ كان يصلي نحو المسجد الأقصى والكعبة ببن عينيه..عدا عن ذلك لمخالفة اليهود في صلاتهم التي يستقبلون بها المسجد الأقصى..
هذه خلاصة التسمية بأولى القبلتين..
والسؤال..ماذا قصد الشاعر بأولى القبّتين؟
وهو المسجد الأقصى أيضاً..ويعني قبة الصخرة التي هي في الأساس عبارة عن قبّتين وليست قبّة واحدة ..وهما عبارة عن سطحين مستقلين عن بعضهما البعض..حيث يفصلهما فراغ يبلغ طوله حوالي نصف متر وفيه باب صغير لتتم عملية الأصلاحات عند اللزوم داخل القبة..( هذا ما قرأته عنها)..
لذلك هذه الهندسة المعمارية للقبّتين توحي لنا بالتدبر والتأمل في عظمة بناء هذه القبّتين ويوجب علينا التقديس والعبادة بروح نقية وعظمة للخالق الذي جعل هذا البيت مكان اتصال مع أبواب السماء ومكان صلاة الأنبياء فيه لعظمته وقيمته العظيمة عند الله تعالى..وهذا يشير لنا الحفاظ والدفاع عن هذا المكان بالأرواح والأقلام وما استطعنا إلى ذلك سبيلاً..فلا نسمح لأنفسنا أن تدمع عينيّ الأقصى من تدنيس اليهود المحتل له..ولا أن يعلو صوت بكائه صوت المآذن..والأرواح تسكن الأرض فلا تجيب..
بعد رسالة الشاعر للأقصى يتبين فحواها بقوله:

(الى أوْلى القُبَّتيْن...
بأزيزٍ مرتّل الآ يات)

يريد الشاعر أن يظهر لنا دور الرصاص والبارود في رسالة الأقصى..
استخدم الشاعر كلمة (أزيز) وهو الصوت القوي الشديد الذي يصم الآذان ويحقق المبتغى في وجه الأعداء..وكأنه أراد بنا أن نغير بوصلة التفكير والإعداد والتخطيط..بلا مفاوضات ولا تداولات على منصة الإنكسار..وأن يكون القاضي والمفتي في الأقصى هو الرصاص ..لتتعدّل المعادلة الحقة مع الشعب الذي ذاق من الحكام والقادة غصص الآلام والقتل والتشريد..لم تعد تصلح لغة المناقشة والمهادنة والحوار مع الكبار..لم نعد نفهم الآن إلا لغة البارود وصوت الرصاص...
( بأزيزٍ مرتّل الآيات)..مرتّل الآيات ..تعني الرصاص الذي يحمله المجاهد في سبيل الله..
وهذا كناية عن آيات الله سبحانه في الجهاد في سبيله لتحرير الأقصى والقدس وكل فلسطين وسائر البلاد العربية والإسلامية
..فلن يخرسهم كلام ولا يقنعهم أدلة ..بل هم متمردين على كل قوانين الدول الكبرى..لذلك لن يكون لهم حلّ إلا الجهاد في سبيل الله

(بفتوى البارود
أنّ الحج – هذا القرن –
تحت وقع الطعنات)

يريد الشاعر أن يظهر دور الرصاص في حرية الأرض وهوية الفرد..
لذلك ألبس للبارود دور المفتي الذي يحكم بالعدل وبما يرضي الله...وهذا كناية عن تقديس دور البارود حين يكون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
فالذكاء والحكمة وأسلوب الطرح كان عميقاً فيه فن راقي وعبرة وفكر متقد حكيم..
فقوله بأن الحج هذا القرن تحت وقع الطعنات..دليل على إعادة النية من جديد في عقدها بالجهاد في سبيل الله وليس غير ذلك إطلاقاً.. بمعنى لن يحرر البلاد والقدس والأقصى إلا بعد أن نعقد النية للجهاد ونكون في أرض المعركة تحت الطعنات
لأجل قضيتنا التي لم تنتهي بعد من عشرات السنين..
الشاعر هنا استخدم في ألفاظه تناص عن مناسك الحج..بهدف إيصال فكرته بطريقة متجددة تخدم مراميه وفق فكر مضيء..وأبعادٍ تقع مع مجريات الأحداث اليوم وما يجري في القدس وفلسطين..
استخدام الشاعر لكلمة الحج لها دلالات متعددة..فالحج هدفه الأساسي غسل الذنوب والتطيب بالعبادة لمحو الآثام والمعاصي من قلب الحاج الذي يقبل لمناسك الحج بنية معقودة لوجه الله كي تتم محو الذنوب ويعود الإنسان كمن ولدته أمه...
وأما في هذه اللوحة فقد كان هذا التناص ليكون الرصاص هو من يطهر قلب فلسطين من الأوغاد المحتلين لأرضها..لتعود البلاد بكراً كما كانت أول عهدها زمن الحكم الإسلامي وزمن صلاح الدين وخلفاء المسلمين...
لنعقد النية بالرصاص لتنظيف البلاد من التدنيس..

(وقوفاً " بقُرنْطل "
وإن أفْتتِ المآذنُ واللاءات
تدجّجَ بمدارات الطواف)

التناص هنا مع مناسك الحج جعل اللوحة أكثر عمقاً وفهماً وتأويلاً فتح أبوابه لقطف جمال الفحوى..
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " (1) الحديث أخرجه أحمد فى مسنده ورواه أبو داود والترمزى والنسائى وابن ماجه فى السنن .. كما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه من رواية عبد الرحمن بن يعمر الديلى)..
بمعنى أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج..
وما أراده الشاعر هنا وقوفاً بقرنطل..جبل بمدينة أريحا..وحتى يتم الرصاص بإطلاقاته وتصويبه يجب عليه أن يتم الحج بالوقوف على جبل قرنطل..ذلك الجبل الذي له تاريخ ومعلم ديني مع سيدنا عيسى عليه السلام..
كما ذُكر في الموسوعة الحرة ويكيبيديا..
" في هذا الموقع قضى المسيح عليه السلام 40 يومًا وليلة صائمًا متعبدًا "... فالصيام والعبادة الحقة تعتبر منفذاً متيناً لتحقيق ما يسعى المرء إليه في حدود رضا الله سبحانه وتعالى..فكأن الشاعر هنا ومن هذا الجبل أراد منا التطهر من المعاصي والذنوب ونطلق للنفس العنان السبح في عبادة الله لتستطيع التصويب بالرصاص نحو عدو الله الذي يريد هدم بيوت الله ومآذنها كالأقصى الجريح..فلن يتم تحريره بنفوس خبيثة ممتلئة بالمعاصي والذنوب والفساد..لذا أرادنا الشاعر أن نغتسل منها بالعبادة والتمسك بحبل الله المتين والعمل بشريعة الله سبحانه...فلن يتم تخليص البلاد من المحتل إلا بعد أن تتطهر النفوس وتعقد النية من جديد للجهاد في سبيله..وهذه قاعدة أساسية وأركان وأسس ثابتة في العقيدة ليتم النصر من عند الله...فلن يتحقق النصر إلا مع النفوس التي تطهرت من رجس شياطين الإنس والجن..وإلا كيف تحققت الفتوحات مع الخلفاء الراشدين والفاتحين من الصحابة والتابعين والصالحين كصلاح الدين الأيوبي..وعمرو بن العاص..وخالد بن الوليد.. إلخ..إلا بعد أن كانوا مصاحفاً يمشون على الأرض قولاً وعملاً به..
وهنا ومع رمزية جبل قرنطل والسيد المسيح عليه السلام..أراد الشاعر من هذا الرمز الديني أن الدين عند الله واحد تحت ظل الإسلام.. وأن تكون حروف الشاعر رسالة هادفة توجيهية تلمّح للجانب الديني على صعيد الفرد والأمة أجمع..ويريد أن يوجهنا لركن من أركان الإسلام عدا الصلاة والحج..وهو الصيام كصوم سيدنا عيسى عليه السلام..لأن الصيام مدرسة متكاملة لتطهير النفس من الرجز والآثام..وهو الذي يلجم النفس عن الوقوع في المعاصي والذنوب.. الصيام صقل للذات والشخصية المستقيمة التي تبحث عن الطهر والنقاء..وهو سبيل الأنبياء في توجيه البشرية نحو مكارم الأخلاق والتخلص من مفاتن وإغواءت الحياة الدنيا..هي رسالة قيمة نفيسة تبث في النفس إصلاحها لتستطيع أن تحقق المبتغى في تحرير القدس وفلسطين...وهي مناداة للمسيحية وللمسلمين على حد سواء للوقوف معاً لطرد المحتل من أرضنا المغتصبة..
يكمل الشاعر قوله:

(ويعلمُ أين يسعى
إن اكتظّتِ المداءات
بين " صفا " البندقية
"ومروة " الخَلاص
أزاح أسمالَ الصبر
عن نيّة العَتاد
المُسيِّل للقِناص
وضَبطَ بندولَ طلقته
وجاسَ خلال الحَجيج
ولما آنس مَهبَّ القَصاص
جبُنَ المرمى ، والعربات...!
هنا خشع الزنادُ بأجزلِ الطلقات
وأمطر " الجَمرات "
وقد " استطاع اليه سبيلا ")

بين صفا البندقية ومروة الخلاص..
ما أعظمها من صورة وقعت من قلب مناسك الحج كناية عن أداء دور الرصاص حين يؤدي دوره في وجه العدو بما يرتضيه الله..
هنا الأوصاف كانت نوع من أنواع التجديد في بناء الصورة ووضع ملامح الهدف بصورة غيّرت اتجاه الفكر ووسعت مدارك الخيال بتوسعة البناء وفلسفة الحرف الذي يتناسب مع الحدث ..وكناية عن طرق العتاد التي يجب أن تكون وفق مناسك الرصاص..
فالشاعر هنا وضع للبندقية أساليب جديدة تزيح عنها من الإكتظاظ أسمال الصبر لتتهيأ إلى خشوع الزناد فينطلق بعد فوران البندية وانتهاء حدود الصبر...ليمطر ويطلق الجمرات برجم العدو من الديار ليكون الحج قد أنهى دوره عندما يستطيع الرامي السبيل في إطلاق رصاصه باستطاعته الحكيمة وقدرته المتمكنة من الضغط على الزناد ..
وعملية (خشوع الزناد بأجزل الطلقات) وصف دقيق عميق لا يبسط وصفه إلا محترف ولا يحمل لفظه إلا صاحب فكر نتّقد واع ناضج..
عملية التناص في هذه اللوحة فتّحت شرايين التدبر التفكر بين جذور النص فجاءت تواكب مرمى الشاعر في مجتمعٍ أصبحت البندقية الناطقة باسم الإنسانية ..فالعدو ينطق بها وهو يدوس على معاني الإنسانية..وصاخب الحق والأرض المسلوبة ينطق بها بحق للدفاع عن الإنسانية..معادلات متناقضة في أرض الرحى كلٌّ يهتف بمصالحه وبحقه إن كان حقاً أو باطلاً..لكن الرصاص يحتاج عين ثاقبة ودراسة عميقة لينال الهدف في أقصر وقت وهو يسبح في قلوب أعداء الله..
من خلال التناص الذي اجتمع بين مناسك الحج..كان لزاماً عليه أن يكون الحاج في محراب الله ليؤدي المناسك فيما يرضيه في وجه المحتل ..
فالخشوع مع مناسك الحج لا يكون إلا فيما يرضي الله سبحانه..بلا أهواء ولا مطامع ولا مصالح ذاتية أو مذهبية كما هو اليوم مع الرصاص وقتل الإنسانية بغير وجه حق..
فالشاعر في كل أوصافه وتشابيهه كان متقناً في غرس بذور حرفه بدقة متناهية وهو يدري أين يبيت حرفه..لكل لفظٍ استطاع حياكة ثوب له بمقاس مناسب وبذكاء متّقد..
كوصف ( وأمطر الجمرات..وقد استطاع إليه سبيلاً)...
حيث نجد من الجمرات بالرصاص المدروسة والمعقودة النية نحو الهدف المبتغى.. تستطيع
تحقيق السبيل المرسوم لها منذ عقد النية..وهذا يصلح للجانبين للعدو وصاحب القضية..ويبقى الرصاص في الحج يلقي مهامه فيما يرضي الله حتى يستطيع لذلك سبيلاً..
وهنا ومع انتهاء سحر هذه اللوحة نجد العبقرية في استخدام الحرف وتوظيفه في مكانه الخاص وفق معالم أدبية نفيسة وبأسلوب فذ متفرد..استطاع من خلالها الشاعر حكّ الذهن والفكر والخيال لاستجلاب طرق جديدة في غزل الحرف تحت مسميات جديدة..وهذا يدل على واسع الفكر والخيال وسحر الحرف الذي يملكه الشاعر وهو يتجول بقلمه الفذ بين أروقة الأدب...
من خلال استخدام الشاعر لمفردات مناسك الحج يدل على أنه على إلمام تام في كيفية أداء مناسك الحج أو أن يكون حاجاً بالفعل..
.........

الشاعر الأديب الكبير المبدع
أ.تيسير حرب
لقد كنا بين أروقة حرفكم ونحن نتذوق جمال وسحر الحرف المتألق المبدع ..
فقد كان حرفكم مرآة الواقع اليوم ما بين حرفية نسجكم واندماج تراكيب اللغة مع الواقع اليوم ومؤثراتكم الذاتية التي منحت الخيال أبعاداً متعددة تلاءمت مع الحدث واصطدمت بجذور الواقع والأزمة التي تنسجها الفوضى في كل بلادنا العربية..مما أثارت لغتكم الإبداعية بتصوير محكم وتشابيه فذة كان لفكركم النيّر دورٌ في إثارة الصور الذهنية البارعة برموز وتأويل حملت أبعاد الألم والوجع النازف من جسد الأمة..وكشف الواقع المرير بالدلالات المختلفة التي صورتموها بتقنية عالية من خلال الأوصاف المتقنة والتشابيه الإبداعية التي تدل على براعتكم وحرفيتكم في حياكة أثواباً مختلفة من الجمال والسحر...
تفاعل الإحساس الداخلي مع عناصر النص واندماجها مع الرموز فتح مسامات القصيدة في عين المتلقي ليعيش في دائرة الوطن النازف وجعاً..ومن خلال لغتكم العميقة والصور الحية والتراكيب البنائية للكلمات..صنعت لنا لوحة متميزة فنية تحمل البراعة بين أروقتها وتحود علينا باتجاه فكر جديد متقد بجمال الحبك والبلاغة والفصاحة...
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والأدب والنور والخير الكثير...
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-09-2020, 05:43 PM رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : النّاي
النّاص : تيسير حرب
القراءة : جهاد بدران
...........................

النّص :

لستُ الومُ الناي
إذ تَكسّرَ لحنهُ
حين لم يجد عازفاً
غير زفيرٍ من حشاي
لكنَّ عمى اصابعي
لم يبلغ سنَّ العزف
بين أناهُ وأناي
ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ


القراءة :


الناي...
عنوان مفتوح متجرد من إي اتصال بكلمة أخرى..وهذا يمنحه التوسعة في الفكر والخيال ويزيد في عمليات التأويل في كل اتجاه..وكفيل بأن يمنح تأشيرة دخول لأي مكان في الذهن وفي فضاء متسع الألوان..
فكون الناي عنواناً اتخذ من نفسه جسداً بحد ذاته ..جعله محل استقطاب المتلقي لوضع فرضيات متعددة لتأويلات عدة..
وبما أن العنوان قيل عن أداة من أدوات موسيقية ..هذا يعني الرقي والإبداع فيما وراء الحروف مصطحبة أنغاماً بصور مختلفة..حزينة أو مفرحة ..تتبع ريشة الفنان أينما خط مداده وعلى أية ديباجة نقش جمال حرفه..
الشاعر هنا يحاول من أداة الناي أن يعزف لنا ما في أنفاسه من تعبير بلحن مختلف الأوتار ..فيقول :

(لستُ ألومُ الناي)

هذه العبارة جاءت تعبّر عن حدَثٍ مسبق نتج عنه عدم لوم الناي..وهذا يدلنا على أن الحدث عميق الأثر في النفس مما استدعاها لهذا اللوم..
فالمعروف عن الناي أنها أداة بين أنامل العازف يقلبها كيف يشاء وينفخ فيها أنفاس المشاعر...
يعبر بها عن مشاعره ويربطها بتأثره بالخارج وانعكاسه على الذات ..فلا يلوم أداة لا تنطق وحدها صامتة لا تحرك ساكناً..بل يلوم ذلك العازف الذي يتربّع اللحن بين يديه ويتقن عزف الحياة والمشاعر وقراءة الواقع المؤلم..
يقول الشاعر:

( إذ تَكسّرَ لحنهُ
حين لم يجد عازفاً)

هنا كناية عن العيش مع كل ظرف لا يتقن فيه المرء فن التعامل مع الواقع ومهارة العيش وفق الظروف التي يحياها..
فالتخبط في الواقع يخلق زمناً يتكسّر لحنه وتموت روحه ليكون في معاناة لا يجيد الخروج منها بسبب قلة الفهم والوعي والإدراك والفكر..ليكون في أزمة حقيقية يصعب الخروج منها سالماً...
فكل ظرف يحتاج ماهراً يعزف فن التعامل معه ويحتاج فكراً عميقاً وذكاءً يخرجه مما فيه بطريقة الحكمة والمهارة...
تتكسّر كل الطقوس حين لا نجيد فهمها ولا نعي فِقهَها...وهذا يتطلب دراسة وتخطيطاً...
يكمل الشاعر قوله:

( غير زفيرٍ من حشاي)

الشاعر هنا يوضح لنا مدى ما يحمله من هموم وألم..من خلال ما تنتجه الناي وتصطاده من ذلك الزفير الذي يخرج من الأعماق وهو كناية عن الألم والمعاناة..
ويريد بنا القول على أن الوطن هو الناي والإنسان هو العازف على أوتاره..إن أحسن العزف وأتقن فن العزف من فكر وتخطيط وتنفيذ ورؤيا ثاقبة محنكة..كان العزف متقناً وعندما تنحرف قيادته ويتخبط في عزفه تكون النتيجة العمى وسوء التصرف والضياع...
الزفير هنا كناية عن خروج كل الآهات والأحزان من داخل المشاعر كلها..وهذا من قمة الوجع الذي يعشش في داخل النفس ويخرج من الأعماق بقة الإحساس ليلوّن مدى الأسى على قيثارة موسيقية تنطقها الناي بلحن حزين تشير على الأشواك المغروسة في الذات..
الشاعر هنا يتلاعب بالحرف كالعازف الفنان الذي يكتب نوتة عزفه ويتقن النحت عليها بمهارة..
هنا يأخذنا العمق لفكر واعي يحمل هوية الوطن وثقافته ويظهر العلاقة بين الناي وعازفه..بين الفرد والوطن..بين قائد وجندي..بين السلاح وصاحبه..
كلها معادلات تأخذنا لنفس النتيجة..الخبرة والتخطيط والثقافة وفقه السياسة وفقه المجتمعات والمعاملات..وتكامل المعرفة وحسن الإدارة والتجنيد في جميع المجالات الحياتية تأخذنا لبر الأمان وتحقيق القمة في تحقيق عناصر الحياة على جميع الأصعدة..
إن لغة المعرفة في شيء ما يحقق لنا نتيجة مرضية..كالناي والعازف ..إذا أتقن فن العزف بمهارة كانت النتيجة ألحانا ساحرة وفريدة يطمئن لها القلب وتطرب لها النفس..وما الفساد في المجتمعات أو على صعيد الأمة إلا نتاج إدارة سوء ووضع الإنسان المناسب في غير مكانه..بحيث يقوم بأدوار متخبطة يسيء للأمة من سوء جهله...لذلك هنا الشاعر ما أراده هو تنمية الوعي بأهمية الإعداد لأي مجال من المجالات الحياتية..ثم التخطيط المدروس المبني على أسس وقواعد تلائم تغييرات المجتمع ومستجداته..ليكون هناك نظام مبني على احتياجات البشر يلائم البيئة بما فيها من مستويات العلم والمعرفة..بحيث تتساوى الأنظمة مع احتياجات الفرد فيها..لينتج سلوكيات تقود أمة صالحة تقوم على عمل يتفاعل مع شريعة الله بلا تناقض مع أسسها ومنهاجها ليبقى التفاعل مستمراً وناتجاً من أثر الوعي بالأصول الإسلامية ليرتقي في سلم الفضائل ويتحول لدرجات العدل وزوال الظلم...فالحفاظ على السلوك في دائرة الشريعة يضمن تطبيق آيات الأخلاق ليتحول الفرد إنساناً بكل ما تحمل الكلمة من معنى..ومن ذلك يختفي نصل الظلم ..
وهنا يوضح الشاعر معنى التخبط وعمى التركيز والعزف وعدم الإتقان طالما لم تتم عملية النضوج والوعي..يقول:

(لكنَّ عمى اصابعي
لم يبلغ سنَّ العزف
بين أناهُ وأناي
ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ)

ما أبلغ ما خطه هذا اليراع البارع في هذه السيمفونية العذبة..
عمى الأصابع لم تبلغ سن العزف..
لم يقل عزف الأصابع أو نضوجها..بل قال عمى الأصابع..وفي هذا الوصف دقة لامتناهية من رسم الصورة السليمة المتقنة لعملية العزف..فحين تعزف الأنامل البارعة المذهلة معزوفة ما..فإنها تعزف لوحدها على السليقة بعد الدراسة العميقة لكيفية العزف..
لأن العازف الماهر حين يتمرس ويتمكن من العزف تصبح أنامل مطواعة للآلة التي يعزف عليها بدون أن تقرأ النوتة أو تحللها..لتصبح الذات الداخلية مرتبطة بالإصابع لتكوّن معزوفة سحرية..وبمعنى أدق ..يصبح العازف الماهر يعزف أي لحن يعرض عليه ..
ومثال ذلك ..الفنان الراقي البارع نصير شما..الذي يزف للعامرية وما جرى بها من خلال أنامله العمياء التي لا تقرأ النوتة بل تعزفها المشاعر...لذلك حين تبلغ الأنامل سن العزف تنثر لنا عبق السحر والجمال ..

(ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ)

وتحسن الإبتهال بصدق والدعاء بخشوع وتجلي متكاملين بالمشترك بين ثقوب الناي وآلام الشاعر.. ويستطيع حينها تخطي كل الآلام والآهات..

شاعرنا الكبير المبدع الراقي
أ.تيسير حرب
قدمت لنا ومضة مذهلة تفتحت معها بذور الفكر وطربت لها الروح من عمقها وما حملت من دلالات متعددة ومختلفة كشفت لنا كمية الجمال والسحر المنطوية بين ضلوع هذه الومضة الراقية..
فقد صورت لنا الواقع بأسلوب فني إبداعي حققت معها تلك الموسيقى الفكرية التي تجسدت في إحساس متيقظ بتراكيب بنائية حققت الدهشة أثناء التنقيب عن أسرارها وأبعادها بترابطها المتقن واللغة القوية الدقيقة التي دلت على مكانتكم من الشعر والأدب ومدى الخرفية في تطويع الحرف..
فالمؤثرات الذاتية أيقظت الحروف في عين القارئ برؤيتكم الفكرية الثاقبة والرمزية المتقنة التي تعدد الإسقاط فيها..
بوركتم وما نسجتم من سحر وجمال
ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-09-2020, 07:58 PM رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : موت عصـــافير النخـــيل
النّاص : إحمد القيسي
القراءة : جهاد بدران
....................


النّص :


لأطفال الفلوجة
وحصار ألموت المطبق من كل الجهات

نُـــواحُ ألطِّفــلِ قــد بلــغَ ألثُـــريّا *** و جــالَ صـداهُ في رمــلِ البـــراري
و شمَّـتْ روحَــهُ الدنيـا احتــراقاً *** بـلادُ الثلــجِ مَــنْ َخْلــــفَ البحـــــارِ
و مــاتتْ عنهُ عاطفــةُ السِّياسي *** و رقَّ الــذئبُ أو قلــــبُ الحمـــــــارِ
وَ صَــدّتْ شرفةُ الغــبرا جُحــوداً *** و مضبعــةُ الفســادِ عـن الـــذَّرارِيْ
قـد استغشـوا دمـاءَك يـا عــذابي *** و لـم تألــــــــمْ لآهــــاتِ الصِّغــــارِ
فـلــن يبكـي ألجَمــاد على أنيـــنٍ *** وهــل فـي الثلـجِ من قـَبـَـسِ لنــار؟
وهل تُرجَى السَّماحةَ من وضيـعٍ *** سقيـــم ألفكــر خـــــوّان ألجـــــوارِ ؟
فشيّـــمْ كل ذي جـــرحٍ و نخــــلٍ *** يجــيك المـــدّ مــــن فـَـلك القفــــــارِ
و قــلْ ياربُّ ضـاقتْ واستشاطتْ *** بهــا الأطفــال مــن ضـنك الحصــارِ
تـلــوكُ شحوبهـا فـــرطَ اقفـــرارٍِ *** و أفـــق المــوتِ يرشـحُ عـن دَمـــارِ
أ يــا فلوجـــة الأعـمـاق صبـــراً *** فمـا كســب الخلــــودِ مـــن العـثـــارِ
و يــا فلّوجــــة الفجــــرِ المُدمّـى *** يشيــــحُ الوجــهَ عــن فلك المَــــدارِ
لكِ أن تجـرعي ألمــوتَ أحتــراقاً *** زؤامََ الحقــــدِ في حَـلَك الصَّــواري
فيــا هَلَعـي علـى طفــــلٍ رَضيــعٍ *** و يـــا جَــــزَعي علـى ذاتِ السِّــوارِ
و يــا قلقـي على شيـــخٍ كبيـــــرٍ *** تناهشهُ التَّــــــراذلُ فــــي صَغـــــارِ
إذا لا حُـــوبَ في طفــلٍ و شيــبٍ *** و أطـــبقَ كالـــرَّحى وَهَـــــجُ الإوارِ
ركـوب الرّمـحِ أبلـغُ مــن جـــوابٍ *** لثلـجِ ألصُّفــرِ يمحــقُ رسـمَ داري
فضمّي النخـــلَ في صَمَــلِ المنـايا *** يُساقــــطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ
فمـا نيــل ألخلــودِ على خنــــوعٍ *** و مـا تــأتِ الكـرامــةُ عــن خــــوارِ
نقشْـتِ من حـروف النـور فجـراً *** شمـــوس الله تشـــرحُ للجَـــــواري
فــأنت صليبُـنا حَمَــــلَ الخَـطـــايا *** رزايـــا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عـــــارِ
أحــــاطَ ألمـــوتُ من كل الــزوايا *** و أطبقــــتْ الـُّدروبُ عــن الفــــرار
فــــأيًّ دريئــةٍ تَـــنْآى البـــــــرايا *** و قــد بـــرأَ العُفـــاةُ مـــن الجــــوارِ
فيــا أمّــاً لعامــــرَ هـــــل أمـــــان *** أم ألـــــرَّزّازة الخجــلى انتحـــــاري
و هـــل عرفــتْ بلادُ اللهِ غـَــــدراً *** دخيـــلَ العهــــد في جَنَــفِ الـمـــزارِ
فمــا ذاك الخـَـلاقُ خَـــلاق أهــلي *** و إدمــاء الدَّخيــل كمــا الضَّـــواري
و كـــلّ رزيّــةٍ بجبـــينِ قــــــــومٍ *** ليــــــوم الله تُذكَــــــــــرُ بانكـســـارِ
ألا يـا ربّ هــــلْ نُفنـى شقـــــاءَ *** لأذنـــــابِ العقــــــاربِ و الشِّـــــرارِ
و قــد نشبتْ مآبرُهــا بروحـــــي *** فمــا غضـبتْ تمــيـمُ و لا نـــــزاري
ألا عـُـــذراً لروحـــك يــا فـتــاتي *** عروسَ ألنخـــل مـن رُقْيــا الفَخـــارِ



القراءة :


موت عصـــافير النخـــيل .....
لأطفال الفلوجة*
وحصار ألموت المطبق من كل الجهات

نُـواحُ ألطِّفــلِ قـد بلــغَ ألثُـــريّا *** وجـالَ صـداهُ في رمــلِ البــراري
وشمَّتْ روحَهُ الدنيـا احتــراقاً *** بـلادُ الثلــجِ مَـنْ َخْلــــفَ البحــارِ
و ماتتْ عنهُ عاطفــةُ السِّياسي ** * و رقَّ الذئبُ أو قلـبُ الحمـــــارِ
وَصَــدّتْ شرفةُ الغــبرا جُحــوداً *** و مضبعةُ الفسادِ عن الـــذَّرارِيْ
قـد استغشـوا دمـاءَك يا عــذابي *** و لـم تألــمْ لآهــــاتِ الصِّغــــارِ

موت عصافير النخيل...
ما أرقى هذه الخريدة الباذخة الجمال..لوحة رسمتها ريشة فنان محترف..
وجسد الصور بإتقان فني عالي القدرة..والتي لا يقدر على تجسيدها إلا الكبار أمثال هذا الشاعر العملاق..
يحمل الشاعر كاميرا محدبة ومقعرة يرسم صوره وفق سياق المعاني والعمق والرمزية التي يشير لها لاحقا..وبدلالات ثرية يوضحها فيما بعد...
قصيدة كتبت بالروح والمشاعر قبل أن يخطها القلم..وهذا ما يميز نصوص الشاعر..
وما يشير إلى قوة الشاعر هو تعابيره الدقيقة في وصف الأشياء المختلفة ولغته المؤثره..مما يستدرج المتلقي لقراءة حرفه بمتعة وشوق..يصف كل صغيرة وكبيرة بإتقان مذهل ويعطي لها حقها من التصوير..وهذا يشير لتلك الحرفية والمهنية والبراعة في نسج خيوط الجمال على لوحة الأدب...
عنوان القصيدة..لوحده لوحة بارعة مذهلة التراكيب والبناء..
العنوان فيه ثلاث رموز..الموت..العصافير..النخيل
وكل رمز له رواية ولا ينتهي حدوده..
الرمز الأول..الموت... وله أبعاد كثيرة ودلالات عدة..موت الروح والجسد..موت الروح والمشاعر والحس ليصبح في عداد الصنمية ويصحبه موت الضمير..وموت الحيلة ..وموت الفكر ...وغيرها كثير
الرمز الثاني..العصافير..ودلالاته أيضا كثيرة..منها الرقة والإحساس الحي..منها يعبر عن القلوب الطيبة والضعيفة..البراءة..الفكر البسيط..والقدرة المحدودة..وللنقاء والطهر أيضا..والطفولة الغضة والخياة البريئة..وغيرها
الرمز الثالث..النخيل..ودلالاته كثيرة..الشموخ والقوة..حضارة وتاريخ..أمجاد وظلال..قوة تحمل وصبر...
يبدأ الشاعر قصيدته العملاقة.. بكلمة نواح..وهذا يدل على تواجد الموت ..
يصف الشاعر أجواء الموت لأطفال الفلوجة..والحصار المطبق عليهم من كل الجهات..
في هذه الأبيات..يكثر الشاعر من وصف صورة الوجع والتي كانت مرآة جسدها الشاعر بإتقان..عن الأسباب التي كانت سببا في الحصار وموت الأطفال..والذي كان من موت الضمير وبيعه تحت أقدام المنفعة الذاتية وتحت نعال الغرب..وما فعلت السياسة ببيع النفوس ودفعها لقتل الأبرياء الذي ترتجف لحالهم الحجارة الصماء..
فـلن يبكي ألجَمـاد على أنيـنٍ *** وهل في الثلـجِ من قـُبـــسِ لنـــار ؟
وهل تُرجَــى السَّماحةَ من وضيـعٍ ***سقيم ألفكــر خــوّان ألجـــوارِ ؟
فشيّـــمْ كل ذي جـــرحٍ و نخـــلٍ *** يجــيك المـــدّ مــــن فلك القفــارِ
كم نجد من أوصاف الشاعر قدرة عظيمة في رسم حدود الوجع ووضع أبعاده وفق تجسيد متقن يدل على قدرته وحرفيته الكبيرة..
ففي هذه الأبيات يصف قمة الظلم الذي يتعرض له ما يحدث لأطفال الفلوجة ..
فلن يبكي الجماد على أنين..الله الله على هذا الوصف البليغ الذي اشتعلت معه الروح وهو يسبح في عمقها..وصف هؤلاء الأنذال الذين باعوا الإنسانية وتجردوا من المشاعر..وفق صفقات وحلة باعوا الضمير فيها..فهم كما وصفهم الشاعر جماد منزوع منها روح الحياة..كما قال عنهم رب العزة:" هم الحجارة بل أشد قسوة"..
يا لهذا الوصف البليغ والتشبيه العميق الذي يدل على قدرة الشاعر ومهاراته وبراعته...ويزيد الشاعر في وصفهم بقوله: وهل في الثلج من قبس لنار...
الله ما أجمل وما أبلغ هذا الوصف الذي جاء مطابقا لأوصاف هذه الفئة من خلق الله..
وبما أنهم تجردوا من معالم الإنسانية..فلا عجب مما يصنعون من قتل وهدم للإنسان..
لأن قلوبهم ميتة..
وهل ترجى من وضيع حقير نذل أن تنهض إنسانيته ويصحو ضميره..وهو من الفكر سقيم لا يملك فقه الفكر ولا يخطط بدراية وعلم ..وهو من الخائنين..
صورة متتابعة ذات جمالية متألقة البناء والنظم..
يكمل الشاعر لوحته البهية بقوله:
و قلْ ياربُّ ضاقتْ واستشاطتْ *** بها الأطفال من ضـنك الحصــارِ
تـلوكُ شحوبها فـــرطَ اقفـــرارٍِ *** و أفق الموتِ يرشــح عـن دمــارِ
أ يـا فلوجـــة الأعمـاق صبـــراً *** فمـا كسب الخلــــودِ من العـثـــارِ
و يا فلّوجــة الفجــرِ المدمّـى *** يشيـــــحُ الوجــهَ عن فلك المَــــدارِ
لك أن تجــرعي ألموتَ أحتراقاً *** زؤامََ الجنــح في فلك الصَّــواري
فيا هَلَعـي على طفــــلٍ رَضيـعٍ *** و يا جَــــزَعي على ذاتِ السِّــوارِ
و يا قلقـي على شيـخٍ كبيــرٍ *** تناهشهُ التَّــــــراذلُ فــــي صَغــــارِ
إذا لا حُوبَ في طفلٍ و شيبٍ *** و أطـــبقَ كالــرَّحى وَهَـــــجُ الإوارِ
هنا يطوف الشاعر بمشاعره الحرة التي تنزف ألما على أطفال الفلوجة..يستنجد بالله فما لنا سواه..من ضنك الحصار ليبلغ قمته الموت من *فرط الجوع والألم..
هنا صور بليغة ممتلئة بالحزن ..يصورها الشاعر بإتقان ويجسدها عبر إحساسه الصادق وحرفه المتقن ..مما يدل على حرفيته وقدرته في تطويع الحروف ورسمها في مسارها الصحيح..حيث يجسد للصورة ظلها الإحترافي ببصمة مميزة بألفاظ مبدعة..
و قلْ ياربُّ ضاقتْ واستشاطتْ *** بها الأطفال من ضـنك الحصــارِ
تـلوكُ شحوبها فـــرطَ اقفـــرارٍِ *** و أفق الموتِ يرشــح عـن دمــارِ
كلمة تلوك شحوبها..بمعنى تذوق وامتصاص الألم والمعاناة بشدة ..وكلمة تلوك..كانت بليغة جدا في هذا المكان..ليكون التأثير كبيرا على المتلقي.. ليشعر بمقدار الأزمة والمحنة التي يعيشها أطفال الفلوجة..عملية أن يلوك..كمن يمضغ الطعام ويقطعه فتاتا..ليصل ناتجه عبر الدم لكل أنحاء الجسد ..والشاعر هنا يثور لمدى الجوع والمعاناة التي تنهمر وتنتقل لكل الجسد..تصوير إبداعي متقن..ثم يصور الموت كيف وصل لقمته للنهاية ثم ليصل للدمار..فالأفق وكلمة يرشح..كانتا مساعدتان لفتح الذهن في عملية تصوير الحدث الدامي..وتحديد الأزمة لقمتها من خلال كلمة الأفق ليتسرب منه الدمار...ويكمل خريدته بقوله:
أ يـا فلوجـــة الأعمـاق صبـــراً *** فمـا كسب الخلــــودِ من العـثـــارِ
و يا فلّوجــة الفجــرِ المدمّـى *** يشيـــــحُ الوجــهَ عن فلك المَــــدارِ
لك أن تجــرعي ألموتَ أحتراقاً *** زؤامََ الجنــح في فلك الصَّــواري
فيا هَلَعـي على طفــــلٍ رَضيـعٍ *** و يا جَــــزَعي على ذاتِ السِّــوارِ
و يا قلقـي على شيـخٍ كبيــرٍ *** تناهشهُ التَّــــــراذلُ فــــي صَغــــارِ
إذا لا حُوبَ في طفلٍ و شيبٍ *** و أطـــبقَ كالــرَّحى وَهَـــــجُ الإوارِ
هنا الشاعر من خلال رسمه للوجع لأطفال الفلوجة..يجسد صوره البليغة وهو يتلاعب باللغة والتفاعل الحسي الوجودي وهو يشير إلى المعاني العميقة بالإندماج مع روح النص ..ليحقق جسد النص بامتداد الروح...وفق جماليات التعبير والألفاظ المشحونة بالدلالات المعبرة..فالصور التي يبنيها الشاعر عبارة عن لوحة مبهرة توقظ العواطف بلغتها التصويرية المؤثرة..
كلمات الحزن والألم التي توحي بمدى المأساة التي يتحدث عنها الشاعر ..بارعة النسج متقنة البوح..
ويا فلوجة الفجر المدمى/لك أن تجرعي الموت احتراقا/ زؤام الجنح في فلك الصواري/تناهشه التراذل/وأطبق كالرحى وهج الإوار/
هنا جمعت كل الصور المذهلة والتي تتناغم وتنسجم مع أبجدية الحدث ولغة المعاناة والمأساة...
في هذه اللقطات ثمة قوى عقلية وقوى روحية اندمجت وفق انسياب الكلمات لترسم عمق المشاعر ..روح وحس بالوجود الذي لا يقيده زمن..إحساس مستقل من الشاعر..لكشف أسرار هذه الفاجعة التي انطبقت على الطفل والشيخ وغيرهما من البشر..
حيث يقف موقف المصور الحسي لتصوير المكان بفنية وحرفية..وفق ألفاظ وتراكيب إبداعية متجددة بما يتلاءم مع الرمزية بها..ليمنح للمتلقي البحث والتنقيب في نسيج نصه الفاخر...وقد أسندت بصفات مبهرة تعكس الواقع المؤلم ..بغية التأثير في النفوس وهز المشاعر ليتعايش الجميع مع هذه الفاجعة المؤلمة...
ويكمل الشاعر صوره البليغة بقوله:

ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ *** لثلـجِ ألصُّفــرِ يمحقُ رسـمَ داري
فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ
فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ
الشاعر هنا يعرض لنا قوة ألفاظة وبلاغة حرفه وفصاحة لسانه..من خلال ما ينقش من حروف تباغت المتلقي من قوتها ونظمها المتقن...
كل بيت هنا أستطيع كتابة مجلد على تشريحه وتفسيره وفق جمالية المغزى والمعنى ووفق الرمز الذي يرمي إليه الشاعر...ففي قوله:
ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ *** لثلـجِ ألصُّفــرِ يمحقُ رسـمَ داري
فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ
فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ
هنا تبرز الحكمة وتتكلم الموعظة وتحاكينا العبرة..
ركوب الرّمـحِ أبلـغُ من جـوابٍ *** كناية عن استعمال القوة واستخدام السلاح
وكيف هو الناطق بدل حسن التدبير والتفكير بمصير أفراد أمة واحدة..
فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ
فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ
فاستخدام هذا القتل والفساد وانتهاك حرمة الإنسان ..هو خارج عن دائرة الإيمان ..وحرمة الإنسان المؤمن أعظم عند الله من بيت من بيوته العظيمة..

فضمّي النخلَ في صَمَلِ المنايا *** يُساقـطْ دمــعَ معتــــذرِ الوقـــــارِ

أية قوة تكمن هنا بين المعاني العظيمة..وأية صورة هنا تحمل قلادة الجمال لتتوج رأس الأدب في نسيجها البارع...صورة مشبعة بالألم وتصوير مبهر لحالة الموت ..وقد ربط قوة النخل وشموخه في كيفية انهياره وسقوط دمعه وهو يعتذر بدمعه الوقور وشموخه الذي انكسر بحضور حضرة الموت من طعن الكرامة بالخنوع والخوار...
وهنا تبرز الحكمة الجلية والعبر البليغة وهو يقدمها على طبق الأدب بوقار وألم..
ليكتمل سوار حكمته الفذة بقوله:
فما نيل ألخلــودِ على خنـوعٍ *** و ما تأتِ الكـرامــةُ عـن خــــــوارِ

وهذا كناية عن قدسية وجود الإنسان الذي يقع تحت سيف الظلم ..وكما قال الشاعر
فالخلود والبقاء في حياة كريمة نقية لاتأتي من خنوع وضعف وخضوع لعمالقة الكفر..
ولا تأتي الكرامة وشريعتها من خلال ضعف أو خوار أو تنازلات عن قيم الإنسانية كلها...
هنا اللغة والتعبير تحمل أبعاد الألم والحزن..وتكشف تراكمات الحزن المدفونة في قلوب الأحرار..وتعري الواقع من وجعه المؤلم..
فجاءت صورا بليغة متينة جدا بتراكيبها المندمجة مع الحدث وتتلاءم مع المشاعر الحية التي تتصادم مع الواقع وأزمة انتهاك حقوق الإنسان على الأرض في الفلوجة أو في أي مكان..فما كان من الوجع إلا أن يحرك البوح مع اللغة الإبداعية التي أثارها الشاعر في خريدته المبهرة...
يكمل الشاعر لوحته البليغة بقوله:

نقشْتي من حـروف النور فجـراً *** شموس الله تشـــرحُ للجَـــواري
فأنت صليبُـنا حَمَـلَ الخَـطـــايا *** رزايا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عــــارِ

تبرز هنا الصور والتشابيه المتقنة النظم والتي تدل على قوة الشاعر من البلاغة والفصاحة والبراعة في القول..
حيث تمنحنا الحروف فتح المجال للخيال أن يبحر في فكر عميق وفق الدلالات المختلفة التي تقع على كاهل هذه الأمة المكلومة..
نقشْتي من حـروف النور فجـراً *** شموس الله تشـــرحُ للجَـــواري
فأنت صليبُـنا حَمَـلَ الخَـطـــايا *** رزايا ألعُـــرْبِ وصمـةَ كلَ عــــارِ
يا لروعة هذا الوصف للفلوجة وأطفالها المحاصرين من كل الجهات ..كيف يصفها الشاعر انها منارة الضوء للفجر الوليد..ثم يصفها وكأنها صليبا علقت عليه الأمة خطاياها وصلبت لتقديم الأطفال قربان العار الذي لحق بهم من خذلانهم وعدم حراك ضمائرهم...إذ صلبوا أفئدتهم وأقدامهم العارية عن كل خطوة لإنقاذ الإنسانية...
هذا البيت بألف بيت نظم..لما فيه من عمق يرمز لقمة الظلم وانتهاك حرمة الإنسان القابع تحت سراديب العذاب من قادة المناصب والكراسي والمصالح الدنيئة...
الصور مكتظة في هذه الأبيات...حيث حركت مفردات اللغة وفق الحس الداخلي ليخرج مع تدفق اللغة وينسجم مع الحس الخارجي لتكون لوحة متفردة من الجمال والإبداع...

أحــــاطَ ألموتُ من كل الــزوايا *** و أطبقـتْ الـُّدروبُ عــن الفــرار
فــــأيًّ دريئـةٍ تَـــنْآى البــرايا *** و قــد بـــرأَ العُفـــاةُ مـــن الجـوارِ
فيــا أمّــاً لعامــرَ هـــل أمــان *** أم ألـــــرَّزّازة الخجــلى انتحـــاري
و هل عرفتْ بلادُ اللهِ غـــــدراً *** دخيـــلَ العهــد في جَنَـفِ الـمــزارِ
فما ذاك الخـَـلاقُ خَـلاق أهلي *** وإدمــاء الدَّخيـــل كما الضَّـواري
و كلّ رزيّةٍ بجبـــينِ قــــــــومٍ *** ليــــــوم الله تُذكَــــــــرُ بانكـــــارِ

الوصف هنا قمة الوجع ..حيث يرسمه الشاعر بحرفية متقنةأشبع الفكر من الغوص في الصور المتراصة الدسمة المعاني والعمق..حيث رسم الموت وكثرته والجوع إسقاطا* على الموت البطيء الذي منع من الهروب من ظلم الحكام وأطبقت عليهم الدروب من الفرار بالأرواح..وهذا كناية عن انتهاك كل الحقوق الإنسانية والتي تخاذلت الأمم كلها والدول معظمها على خنق العراق وتقييده ليبقى منكس الرأس لا يقوى على المقاومة والمجاهدة ..ويبقى النفط والمدخرات الجغرافية والثروات الطبيعية بين زمام حكم الكبار..لأن العراق غني بكل شيء حتى برجاله ونسائه الأقوياء..حيث تربعوا على منابع القوة والصبر وهم يعلمون يقينا بتلاعب الدول لهم كالكرة بين أرجل الحكام..
ولكن هيهات أن يظفروا والله لهم بالمرصاد..
يكمل الشاعر جمالية نظمه بأبياته الأخيرة المجبولة بروح التفرد والتميز والتألق..بقوله:

ألا يا ربّ هلْ نُفنى شقــاءَ *** لأذنـــــابِ العقــــــــاربِ و الشِّـــــرارِ
و قد نشبتْ مآبرُها بروحي *** فمــا غضـبتْ تمــيـمُ و لا نـــــزاري
ألا عـذراً لروحـك يا فــتاتي *** عروسَ ألنخـــل مـن رُقْيـا الفَخـــارِ
يا لروعة هذه الأبيات التي جلدت الإحساس من قوتها..
كيف للموت أن يكون رهينة أذناب الشر والوحشية...
ترابط متين متقن مع روح النص توسعت عبره بؤرة المعاني لتحقيق الهدف الأسمى لمعنى التشريد والقتل والحصار وهدم الحياة الإنساتية...
ألفاظ مشحونة بالدلالات المعبرة عن واقع مؤلم نازف لدم الأبرياء...
صور وتشابيه وبلاغة وقوة اللغة والدلالات المعبرة عن واقع مغتصب ..كلها
كانت ترتبط ارتباطا متينا بمكان الحدث بتفاعل حسي مدرك بأبعاد المأساة من خلال
لغة الشاعر المتوهجة التي تتلاءم مع الصور الحية..مما أعطى التعددية للغة في الصور والأوصاف..وهذا وعي لغوي متين التراكيب في البناء للكلمة في رسم مفردات حية تحاكي الواقع بدقة متناهية لا يقدر عليها إلا الكبار...
..........
الشاعر الكبير الراقي المبدع
أ.أحمد محمد القيسي
قدمتم لنا لوحة فريدة نادرة تعكس قوة الحرف والحرفية التي تنطوي في قلمك والفنية العالية الراقية في عملية البناء..
فتناسل من فوهة قلمكم نورا أضاء للحروف شروقا تألق من شمس لغتكم الماتعة...
معلقة وخريدة فنية لا مثيل لها...
وفقكم الله ورعاكم وزادكم علما ونورا وخيرا كثيرا
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 05-09-2020, 01:09 AM رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : حلف
النّاص : عبد الرشيد غربال
القراءة : جهاد بدران
........................


النّص :

دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلفِ

قد مر من حلبٍ في ذروة القصفِ

الغرب والكرد والأتراك قاطبةً

كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ




القراءة :

يا لروعة هذه الحروف التي بعددها تعدّ وتُحصى ..
وفي بلاغتها ومعناها لم تصل بعد لميزان الإحصاء من تعدد ما فيها من دلالات وتأويلات حلّق معها الخيال في شجون وألم...
ابتدأت الومضة تلخيصها من خلال العنوان الذي فتح ممرات الذهن للعبور في دنيا هذه الأمة المكلومة التي لم تتناول بعد جرعات الشفاء...
حلف...عنوان واسع القرااة ينفذ من خلال مساماته على طريق واحد وهو وأد هذه الأمة العربية والإسلامية ..وأن لا تقوم لها قيامة ولا قائمة..
لكن كل من تمرغت يداه بالحلف الذي يقوم على أساس الأهواء والمطامع والمصالح وعلى أساس واحد وهو قلع جذور أمتنا عن بكرة أبيها...لم يعيروا انتباهاً لوجود من هو أعظم من حياكتهم للظلم ونسجهم لأخطبوط الفساد..نسوا بأن قوة الله العادلة هي النافذة يوماً ماً...لقوله تعالى:" يريدوا ليطفئوا نور الله بأفواههم..."
لن تنفذ مؤامراتهم وحلفهم البغيض..حتى يريهم الله من صرخة الأبرياء وبكاء الأرض من الدماء...ما يكون عبرة لهم ولمن والاهم..ولكن يمهل ولا يهمل...فإن كان الشعب أعزل عن الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه فهناك من يحفظها بعينه التي لا تنام...
يبدأ الشاعر ومضته النفيسة التي كان فيها ربط متين مع عنوانها ( الحلف)..وكانت حياكتها تتلاءم وموضوع ومغزى الومضة..فالحلف هل يترتب عليه الأمن والعدل والسلام والحرية للشعوب المنكوبة المكلومة أم أنه يتغذى على قضم جذورها وتوسيع نفوذها وسيطرتها على المنطقة...؟!!!
لذا يبدأ الشاعر بطرح قيمة الومضة وفحواها من خلال أول الكلام بقوله:
( دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلف ِ)
بما أن الومضة تتحدث عن حلف ما.. لذا يتضح في النهاية قادته والمتآمرين فيه...والحلف إنما هو يجمع أذناباً معينة أي مجموعة كبيرة متحدة على نفي وظلم لا تمس جلساتها بالعدل ..لأنها لا تقوم على أساس العدل والأمن..
لذا كان من لهجة الشاعر الإستنكار لهذا الحلف الذي لم يقم على أساس السلام ...
فقال بصيغة الأمر ( دعوا) أتركوا ..
هذه الصيغة لم تكن عبثاً لأنها وليدة محطات لهم سابقة مكشوفة قد ملّتها الشعوب من مؤامرات وتخطيطات بعيدةً عن معاني الأمن والسلام...
لذلك كانت الغيرة تسكن الشاعر الفذ وهو يرسم حدود حرفه بما يتوافق مع حشو هذا الحلف وما يفيض منه من سموم...
بقوله: ( دعوا اليمامة تبكي غيبة الإلف ِ)
اليمامة هنا ما هي إلا رمز لكل معاني السلام والأمن والإستقرار..لكن هيهات يكون فيضه من هكذا حلف...
يطلب الشاعر منهم أن يتركوا اليمامة البيضاء..لتمارس طقوس البكاء على غياب روافدها وينابيعها وغياب الإلفة والسلامة لشعب داسوه بكل أنواع السلاح وتفنّنوا بجميع طرق الحرب والقتل والتعذيب..
يأمرهم الشاعر بفعل الأمر( دعوا) لأنه لم تعد تفيد كل طرق التفاهم والعلاج الأمني والسلمي
وحق عليهم فعل الأمر الذي يؤكد تلك القوة التي تكمن فيه..هذا الفعل حمل معه قوة التصدي والتحمل بإرادة من حديد..وهذ شأن الأبطال الغير متخاذلين وهم يقفون بأضعف السلاح بما يتماشى وقدراتهم المختلفة...
جعل الشاعر من اليمامة أن تمارس سرّ من أسرار البكاء الذي يتولّد منه حالات الوجع والقهر..فحين تبكي اليمامة يعني العويل والبكاء على حالات السلام المختلفة الخاصة والعامة...وبمعنى أنها في مرحلة عزل عن تحقيق البشر لها ذلك الإلف وتحويل قبلته نحو السماء البيضاء المعاني...
فلماذا بدأ الشاعر ومضته مع اليمامة وبكاءها...؟!
ليستطيع استدراج المتلقي لواقعة أعظم من ذلك وأثرها أبلغ ..حين يعصف بحروفه المتينة التراكيب البليغة الوصف التي تحمل أوصافاً تنحت الفكر والخيال وجعاً..وذلك بقوله:
( قد مر من حلبٍ في ذروة القصفِ)...
هذه الصورة التي بلمحة البرق جعلتنا نجسّد الحرب والقصف وما في حلب من دمار ودماء...
الحديث هنا عن المؤامرات التي حيكت في ظلام دامس على أرض سوريا وحلب بالذات التي عجّبوا بتدميرها ببصمة قادتها وولاتها..
كان وصف الشاعر بليغ جداً يدل على عبقرية وحرفية لا متناهية وهو يعقد حروفه على أرض تصرخ وتناجينا...
الشاعر هنا استعمل حرف (قد).. وهو يفيد التحقيق إذا جاء مع الفعل الماضي.
والتحقيق عكس التشكيك..بمعنى حصول الفعل بشكل فعلي بعيدا عن التشكيك فيما حصل...
ثمّ إن استعمال الحرف الماضي( مرّ) يعني.. بمعنى العبور الفعلي..لكن بدون المكوث ..وهذا هو عظمة التوظيف للحرف حين يستقي الكلمات من جمال السبك والنظم..
وهو مرور للحلف الذي ذكرهم الشاعر بقوله:
( الغرب والكرد والأتراك قاطبةً
كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ)
مرورهم ليس بهدف المصلحة لأهل حلب وسوريا إنما مرور على مرآى سياسي بحت ومنفعي لا غير...ولو كان لهم مكوث فيها لكانت المعادلة تغيرت ولو بجزء بسيط لصالح تلك الأرض الطاهرة...
وهنا في هذا التوظيف المتقن التراكيب البديع ..يدل على قدرة الشاعر ومهارته في اقتناص كل حرف بما يتماشى بدقة مع أهدافه ومراميه العميقة التي وظفها لتكون نصلاً في وجوه كل طاغية وظالم...

(الغرب والكرد والأتراك قاطبةً

كالروس والفرس :مصطفون في حلفِ)
فما أشبه التحالف الذي جمع الماضي واليوم بفئتين ظالمتين إرهابيتين..تثير الفساد لا تنزع جذوره بل تقلع الأمن والطمأنينة من هذه الأمة..
قوتان عظيمتان بالعنف والفساد..
الغرب والكرد والأوغاد الكثر
وبين مقارنته للماضي مع الروس والفرس
ويجمعهما حلف واحد الأهداف والغايات..
وللأسف قاداتنا وحكامنا وولاة أمرنا ما زالوا يمارسون طقوس التبعية وبصمة المصالح يوقعونها على جبين هذه الأمة...
...
الشاعر الكبير وأستاذنا الفذ المبدع القدير الفنان في رسم واجهة حرفه
أ.عبد الرشيد غربال
طوبى لحرفكم الذهبي وما يتناسل منه ما يفي جمالية التألق والإبداع..
فنان ماهر ومحترف قدير في تطويع الحرف
ليتوج الأدب بدرر حروفه النفيسة..
وفقكم الله ورعاكم لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 05-09-2020, 01:33 AM رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : زاويةٍ أخْرَى
النّاص : طارق المأمون محمد
القراءة : جهاد بدران
.......................


النّص :

قادتْ حَملةَ مُعارَضةٍ قَويةٍ ضِدَ سِياساتِ الحُكومَةِ عَلى إثرِها تَزوجَتِ الرَئيسَ



القراءة


ومضة ولا أجمل ولا أبرع من هذا التركيب المتقن للحروف والمعاني ..إذ جلب معه أبعاداً كثيرة وأخذنا لزوايا فنية مختلفة أدرك منها الخيال الصور المثيرة والتقاطات إبداعية تأويلية باتجاهات مختلفة وتحت نصل التشريح المختلف..
ومضة لخصت واقع السياسة وأساليبها المبتوية للحصول على زبدة المراد والمطلوب لتحقيق الأهداف والمراكز والنيل من المناصب والكراسي لإثبات الذات المتلاعبة وقدرتها في عملية التحنيك والتكتيك في زمن خلع معه قوانين العدل والحق..وسلب من الفرد الأمن والأمان..واتكأ على المصالح الذاتية ...
العنوان / مِن زاويةٍ أخْرَى/ فيه احتيال على السياسة واللعب في خيال المتلقي ..والإيحاء بما وراء التراكيب المتناغمة الفذة...
ومضة أوقعتنا في شبكة التأويل لأكثر من زاوية..ولخصت الأسس والقواعد التي تتّبع في عملية السياسات للحصول على النتائج المرضية..
فالومضة بقلة حروفها استطاعت تلخيص الواقع والذات الإنسانية..
إذ تتحدث عن النضال السياسي وكيف تتم عملية التخطيط لاستحواذ فئات جماعية قوية لصد الحكومة وقراراتها..وكأنه يتحدث عن مبدأ العمل الجماعي الذي تتم به القوة الرادعة ضد الحكومة..فالقوة تكمن في حزمة بشرية كبيرة لا تنكسر طالما تتحد معاً بالإخلاص والوفاء ومبدأ الشورى...

//قادتْ حَملةَ مُعارَضةٍ قَويةٍ ضِدَ سِياساتِ الحُكومَةِ//

في هذه الحملة تقودها امرأة..وكأن الكاتب يوحي لنا بدور المرأة الكبير في قيادة المجتمع وتسوس البلاد تحت سلطتها بدهائها وذكائها..وكأنها تصارع الرجال على المناصب..
هنا يريد الكاتب توضيح عمل المرأة الكبير في الوصول لأعلى المراتب..
لكن عاطفتها وجوارحها تكون سببا في الانتصار أو الانكسار..وهنا يومئ الكاتب لنا أن المرأة حين تسيطر عليها الدوافع والغريزة العاطفية تنزل من مرتبة القوة لمرتبة الرقة لتصبح في النهاية زوجة مهما طال حكمها واستبد بها الأمر..
فالصراع اليوم واضح وكبير على المناصب بين الرجل والمرأة..
فهي تستطيع قيادة الحملات ضد أي هدف سياسي أو اجتماعي أو ما شبه ذلك فإنها بطاقاتها وقدراتها تستطيع الوصول ضمن ذكائها..لكن مهما طال بها الزمن ستعود لدور الأمومة والبحث عن الأمان والبيت الدافئ..وهذا ما قادها إلى الزواج ..كما قال الكاتب في قفلة الومضة بقوله:

//عَلى إثرِها تَزوجَتِ الرَئيسَ//

هنا يتضح عمل الغريزة التي تبحث عنها المرأة في الزواج...
من هذا يتضح أيضاً أننا مهما كافحنا في طريق الوصول لمبتغانا إلا أن الإنسان يتعرض للفتن والإغراقاءات ويقع في شباك الذات وأهوائها..ويتنازل عن مبادئه التي نادى بها دهراً..وهذا لا يكون إلا الذي يملك إيماناً ضعيفاً ..يتساقط معه في دفتيّ الشهوات وحب الذات والمصالح البغيضة..
وربما أراد الكاتب أن المرأة مهما وقفت طويلاً أمام التيارات إلا أنها بقوتها وحدها لن تستطيع الصمود..
من زاوية أخرى..وصل لدى المتلقي زاوية الإغراء والأنوثة التي تتصف بها النرأة لايقاع الرجل بشباكها..وهذا نوع من الدهاء التي تحمله الكثير من النساء..
الومضة تحكي :
- عن السياسة وألاعيبها وتوابعها وما ينتج عنها..
- عن دور المرأة في المجتمع وما تحمل من قدرات أحيانا كثيرة تفوق بها على الرجال..
- عن سموم الذات وطرح المصالح الذاتية فوق كل اعتبار وعلى حساب الشعوب المنهكة النازفة ضياعاً ووجعاً..
عن دور العمل الجماعي في قيادة الشعب وتحرير البلاد والوطن من بين براثن الغرباء..
- عن دور التخطيط والتنفيذ في رصد أعداء الأمة وتعرية الساسة الكبار تحت مخالب الجماعة الواحدة..
- عن دور المعارضة في إعلاء الصوت في وجه الظلم لتحقيق مآرب الشعب ومطالبه..وعدم كتم الأفواه والصمت البغيض لنيل الحقوق والمساواة والعدل والحق في الأرض التي يسكنها الإنسان..
- عن الذكاء الإجتماعي الذي يملكه القائد في تحريك الأنفس الخام وتفعيلها لمآربه ونواياه..
.
.
الأستاذ الكبير والشاعر البارع الماهر في اصطياد الحروف وفق منظومات إبداعية فذة مثيرة وعذبة
أ.طارق المأمون محمد
كل التقدير والتبجيل لقلمكم الماسي وحرفكم المتألق المبدع
ومضة قالت الكثير وحملت بين طياتها أبواب عدة من التأويل كان المفتاح لها ذلك الخيال العجيب الذي يسطر ما تلهمه الأفكار والفكر الواقع بين ضفافها وسطورها..
ومضة عكست الذكاء والبراعة في تراكيبها وتناغمها مع الواقع اليوم تناصاً مع وقائع التاريخ الماضي وحكم النساء فيه..
أبدعتم في حروفكم وأنرتم بقلمكم جباه الأدب ..
وفقكم الله لنوره ورضاه وأسعدكم في الدنيا والآخرة..
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 05-09-2020, 06:42 PM رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : ملاحقة
النّاص : محمد الدّبعي
القراءة : جهاد بدران
...................

النّص :


مُنذ بدأَ مسيرَهُ وهو يُحاولُ ترجمةَ اندهاشِ المحدِّقينَ في وجهِهِ من المارةِ والعابرين ، ثُـم التفَتَ خلفه ليكتَشفَ أنهم يُحدِّقونَ في الحَسناءِ التي تُلاحِقُهُ طَوالَ الطريق .....
..............................

القراءة :


ومضة ذات دهشة وانبهار في تراكيبها المتقنة وظلالها الوارفة التي تم بناءها بإحكام...
فقد فسحت أمام المتلقي دروب الخيال نحو تأويلات عدة عميقة..
لم تكن بهذه السطحية من المعنى..بل غاصت في لب الوجع ونثرت من رماد الألم ما تبقى من جمر الوطن...
ومضة أخذتنا نحو مسارات مختلفة ودخلنا في دهاليز عمقها المبهمة لنحاول بخيالنا اكتشاف والبحث عن أسرارها ودررها..
الومضة فتحت للفكر أبواب وللخيال أجنحتها للتحليق وفق الدلالات التي ترمي إليها وأبعادها المتعددة..
من خلال الوقوف بين أنامل هذا الحرف وجدنا قمة الجمال والإتقان حين تم حبكها وفق منظومة هذه الحياة ووفق سلسلة أوجاع الوطن...
الفطنة والذكاء كانت مقاليد الكاتب في رسم حدود حرفه وإبراز الرموز التي تدل على براعة تراكيبها...
لنبدأ القراءة من العنوان وربطه بالمضمون المكثف المنطوي بين ضلوع الكلمات...
ملاحقة...
عنوان يكشف أبعاد الغزاة والمحتل ..فالملاحقة تعني تتبع أثر ما لأهداف مختلفة..منها التعرف على من يلاحقه ليستطيع الإستحواذ عليه..
فالملاحقة تشبه نوعاً ما المطاردة إذا كانت مقاصدها المحتل..
والملاحقة التي جاءت حسب الومضة من الخلف..وهذا يعني التسلل للفريسة من خلفها للطعن والضرب من غدر ..
ومع بداية الومضة نتتبع حرف الكاتب بقوله في أولها:

(مُنذ بدأَ مسيرَهُ )

هنا وقفنا تأملاً وبحثاً وربطاً مع تسلسل الومضة لنجد أن بالإفتراض توجه هدف الكاتب نحو الوطن وبلاده المقدسة..لأن في المسير عملية جهد ومشقة للوصول لهدفه ..وكأنه أراد منا قوله للوطن الذي بدأ مسيره نحو النصر والتحرر والأمن ..وكلمة ..منذ..وضعتنا لتاريخ معين انطلق بها الوطن نحو الجهاد والتغيير في مسيره..وهي تُعد بداية انطلاق نحو تحقيق الهدف..
وفي أثناء مسيره يجد الدهشة من المحدقين بمسيرته وانطلاقته منذ بدأ مشواره نحو التحقيق للوصول لمبتغاه..حيث يقول الكاتب:

( وهو يُحاولُ ترجمةَ اندهاشِ المحدِّقينَ في وجهِهِ من المارةِ والعابرين)...
كلمة يحاول..ترتبط بالجهد والتحليل وبذل الجهد والإستفهام وحل اللغز في مسيرته..
حيث يحاول ترجمة اندهاش المحدقين من المارة والعابرين..
فالمحاولة فيها جهد والترجمة عملية تفكيك لغز ما وتنقيب عن غموض ما..فما بالنا هذا الغموض الذي يكمن في وطن تلاحقه كل عيون الغرب عن طريق تلك الحسناء التي سنأتي بالحديث عنها..
هنا اندهاش المحدقين..والتحديق هو التدقيق المتقن بالنظر والتفحص جيدا بالعوب الحسناء والتي يسقط التحليل عليها على أنها ذلك المحتل الذي يظهر بخارجه الجميل ومفانته ليصدقه كل من يراه ويندهش من حركاته وما يصنع من مساحيق ورتوش على جسده المعرى للجميع ليروا جمال شكله الخارجي دون جوفه المظلم المستبد...
والوطن لطيبة معدنه وبراءته يصدق كل ما يقال له من قادة العرب وساستهم وما يظهرون من ملمسهم الناعم له وهم له ناكرون يحيكون طعناً له بالعمق..والقلب..وهذا ما يحدث اليوم في القدس والأقصى الشريف..
وأما ما يقصده الكاتب من المارة والعابرين..هم الذين يمرون ويدوسون على ثراه دون مبالاة وحراك لتفعيل الدفاع عن الحقوق والأرض المسلوبة..يمرون غير مستقرين ولا باقين..لمجرد التطلع وإثبات الوجود كزعماء العرب وقادتهم الذين لا يهمهم إلا مصالحهم ومناصبهم الذين يتاجرون بها بأجساد شعوبهم المسكينة..
ويكمل الكاتب ومضته الإبداعية العميقة المتقنة البارعة..بقوله:

(ثُـم التفَتَ خلفه ليكتَشفَ أنهم يُحدِّقونَ في الحَسناءِ التي تُلاحِقُهُ طَوالَ الطريق )

وبعد كل الملاحقة وتتبع أثره ..يكتشف بعد فوات الأوان أنهم غرتهم الحسناء تلك الدخيلة على أرضهم لما تحمل لهم من إغراءات مادية ومناصب عدة لتتلاعب في قلوبهم وشهواتهم قبل عقولهم...لتتمكن من السيطرة عليهم من تلك الإغرءات المتعددة ..ليقعوا ضحية جمالها وشكلها الخارجي دون الوعي بما تحمل معها من نار تحرقهم بها..
هكذا هو وضعنا مع المحتل..بدأ كحسناء أغوت قاداتنا وكبار حكامنا وساستنا ليقعوا بشهوة ما تقدمه لهم من إغراءات مختلفة..ليكونوا فريسة بين حضنها الأسود..
وأما كلمة ( تلاحقه طوال الطريق).. دليل على عدم تواجد منفس لتحقذق مسيرته للأمن والإستقرار بأمان..وما زالت تلاحقنا كلما توجهنا نحو بؤرة ضوء أو خيط أمل...
.......

الأستاذ الكبير والشاعر الراقي
أ.محمد الدبعي المبجل
لقد أتحفتمونا بتحفة فنية ذات أبعاد ودلالات عميقة ..أفرزها قلمكم الساحر بتراكيب بنائية متينة برموز أخذتنا نحو التنقيب والإكتشاف والبحث عن أهدافها ومراميها المتعددة التأويل..
ومضة متقنة بليغة تدل على قدرتكم في نسج حرفكم بما يتناسل منه من سحر وجمال.. وعلى حرفيتكم في تكوين بناء وصرح مذهل باهر ..
فالخيال هنا فتح نوافذه وأبوابه كلها ليحلق بنا وفق الفكر العميق الذي رسم للومضة حدودها السحرية المذهلة..
إتقان وترابط ونسيج سحري من خلال بعض حروف في بعض كلمات..وهذا بحد ذاته إبداع متفرد وتألق واسع المدى..
ونستطيع أن نقدم تأويل آخر لهذه الومضة ..على أن الحسناء هي الحياة الدنيا والجميع يحدق بمفاتنها وجمالها متناسين الأساس والهدف لرضى الله..
ولربما أراد الكاتب إظهار جيل اليوم وأخلاقهم الفاسدة وفكرهم المنتحر الذين يلاحقون الحسناوات بنظراتهم وقد نسوا الهم الأكبر.. ملاحقة قضيتهم والتمسك بعقيدتهم وشريعة الله والتي منها نور نصرهم على أوهن شعب وأجبن شعب وأنذل شعب وهو المحتل المغتصب للأرض..والدليل ما يحدث على بوابات الأقصى من استفزاز وتجريح وظلم بسبب حادثة هم صانعوها...لا نريد جيلاً يلاحق أهواءه ونزواته على حساب دينه وكرامته وعرضه وانتهاك حرمة مقدساته واغتصاب أرضه....
لكن أكتفي بالقراءة الأولى والتوجه بها نحو الوطن المقدس المسلوب الموجوع..
شكراً لكم ولهذا الإبداع العظيم في الومضة
وجزاكم الله كل الخير
ودمتم ذخراً للأدب والشعر
ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 05-09-2020, 11:35 PM رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
النّاص : بهاء الدين أبو جزر
القراءة : جهاد بدران
.........................

النّص :


سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
هـل شـبَّ فـيك ولـيدها يا مُتعِبي...!؟
***
واســـأل عـيـونـك إذ تُــداعـب هـيـبةً
وجـــــه الـهـلال...كـسـيرةً لـمـنـاقِـب
***
في الليل عزَّ...على الغريب تأوُّهي
هـل نـام خُبزك في نصال مشذِّب...!؟
***
خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ
***
جــــــدبٌ كــبــحــرٍ مــيّـتٍ...وجـذورنـا
تـغـتـالـها بــعـنـاق صــــبٍّ مُــسـهِـب
***
لا ضــيـرَ إنْ وُئـــدت بـلـيـلك لـوعـتـي
أو شـــاب فــيـك الـــودُّ...ذاك مُـهـذِّبي
***
مـــا عــاد وجـهـك فــي كـتـابي لائــذاً
فـاحمل ظـلالك فـي الـضمير الـغائبِ

"الكامل"


القراءة :

يا لروعة هذا الحرف البهي الكبير ...
ابتدأت أضواء لوحتك هذه من فوهة هذا العنوان الرمزي المبهر...
الذي يحمل عبرا وشجونا وحكمة ..ويتوارى خلفه أكواما من التأويلات التي تصلح أن تكون عامة وليست خاصة بالشاعر فقط..وهذا بحد ذاته قمة الإبداع والتصوير..
لهذا الشاعر قدرة عظيمة في ثنيه للحرف وإبراز مفاتنه وفق الفكرة التي تراوده وتحثه على المكوث في ينابيع من جمال...

حرف يمنحنا بقوة للتحليق عبر أفق الخيال ويجبرنا من قوته أن نقف للبحث والتنقيب عن أسرار هذا الجمال..حرف معجمه لا ينتهي الجمال عنده بل يبقى يتناسل سحرا وعذوبة..
العنوان هذا ..يدل على قدرة الشاعر في رصد حروفه في مواطن القوة ..مما يشهد على براعته وذكائه في تغليف أفكاره في منظومة إبداعية متناسلة لا ينقطع الوريث من جمالها..


/ سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
هـل شـبَّ فـيك ولـيدها يا مُتعِبي...!؟ /

كل الأوجاع اجتمعن تحت ظل هذا البيت ..فما أوسعه وما يتسع من جمال في شجون تنعي وتبكي رفات القصيد..ومن عمق الجراح الذي يفيض منه الألم..قام التساؤل منافحا وقع الشجون والحزن على وليد القصيدة وتناسل الرفات وموتها..
قمة الجمال انغرس في أرض هذا البيت ..حيث فتح أبواب التأويل على مصراعيه..وتداولت لغة الجمال عناقيدها بين السطور..لغة عميقة متوهجة النبضربطت بين الفكرة والصور الحية والتي حاورتها لغة المشاعر ..لتكون سفيرة الوجع في نحت قلب المتلقي وجعا وتأثرا بجمالية السبك والربط...مما أعطى للأوصاف القادمة لغة متعددة الأفق..وهذا هو الوعي اللغوي بقيمة التراكيب البنائية لكل كلمة باتت على هيئة صور باذخة الجمال قادتها مفردات حية كانت سببا في خلق التفاعل المتوهج بين النص والمتلقي..وهذا هو من سر جماليات البناء السحري للحروف...

/ واســـأل عـيـونـك إذ تُــداعـب هـيـبةً
وجـــــه الـهـلال...كـسـيرةً لـمـنـاقِـب /

اللوحة والصورة الشعرية هنا تفوق الجمال بوصفها..
هذه الصورة تأخذنا للتدبر والتفكر والتأمل من قوة نسيجها الإبداعي ..فالهلال ورؤيته له دلالات عدة ..ولعله يذكرنا بشهر الخير والبركة..في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام:" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"..والهلال رمز للأيام والشهور في النقصان أو في بداية الإستعداد لاستقبال الجديد الغامض..ويبقى له تأويلات عدة ..
فالهلال نقصان أيام لتتويج يوم جديد وشهر جديد..فيه انحناءة ربما يأخذها الشاعر كناية عن الوجع..ونقصان لفكرة يريد تأويل رؤياها وفق منظومة فكره وخريطة حرفه..لذلك كانت ألفاظه(كسيرة لمناقب..)بمثابة دعم للألم الذي يحل به...
الشاعر هنا يسيطر على اللغة والألفاظ سيطرة شديدة فتنقاد له اللفظة وتصبح أداة لأداء الحروف وموسيقاها اللفظية العذبة وتميزها عن غيرها ..لأنه يزرع في جوفها عمق كبير ومعاني تتفتح عبرها بنات الأفكار ولا يستأذننا الخيال في التحليق...

/في الليل عزَّ...على الغريب تأوُّهي
هـل نـام خُبزك في نصال مشذِّب...!؟

خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ /

الليل كناية عن الظلمة والظلم والسواد في العيش والحال...عدا عن دلالات عدة تنصب في تجاويف الليل المعتم ...والوجع يرتفع نبضه حين تغيب الأحداق في صمت النظر وتغيب عن الوعي العيون..تصمت كل الأصوات ويبقى الألم يتأوه ويزداد طرقاته والكل نيام..والإنسان يلتجئ لليل للشكوى وعرض مسلات الألم والمناجاة ..فمن هم من جلدتنا لا يحس بهذه الزفرات إلا غريب الديار..بعد ان نام الخبز في نصال مشذب..وهذا كناية عن الرخاء والعيش الهانئ في احتضار..

/ خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ /

وأما هذه الصورة الشعرية التي تلوح بقمة الوجع ..حين نقاوم ونجاهد ونركض نحو الخلاص فلا نجد إلا السراب برمته يلوح لنا ونعود صفر اليدين من أمن واستقرار وعيشة هانئة...وتهرول المصائب نحونا...
الصور الشعرية هنا حققت الدهشة بشكل بليغ مؤثر جدا..مما لفت نظر المتلقي وكشف المعنى المغموس في قلب الصور والتشابيه المتقنة...فألبست الفكرة لغة جذابة مشوقة لفتح نوافذ أسرارها العميقة...
وأحدثت الصور علاقة متينة بين اللغة الجزلة وبين الحواس..ما جعلها تثيرها وتكون صلة قوية مع المتلقي..لتجعل منه إثارة للخيال تربط المتلقي والشاعر بعملية عكسية .بين الشاعر الذي ركب الصور الشعرية من الحروف المفككة .،وبين المتلقي الذي تلقف الصورة وفككها ضمن منظومة فكره وقدرته العقلية التخيلية...وهذا بحد ذاته يفتح للذهن آفاقا لا تتسعها حدود...

/ جــــــدبٌ كــبــحــرٍ مــيّـتٍ...وجـذورنـا
تـغـتـالـها بــعـنـاق صــــبٍّ مُــسـهِـب

لا ضــيـرَ إنْ وُئـــدت بـلـيـلك لـوعـتـي
أو شـــاب فــيـك الـــودُّ...ذاك مُـهـذِّبي /

الله الله على هذا التصوير الذي ينحت بأظفاره جسد المعاناة والذل الذي يركب صهوة اللوعة والحزن ..ويطوف بنا في جدب الأمان والعدل والأمن والحياة الطيبة..
لا ضير أن ولدت بليلك لوعتي...يا لروعة وقوة هذا السبك المدهش والصور المتينة البناء والتي فاضتوبها الرمزية والدلالات وانطلقت عبرها طاقة إبداعية فجرت معالم الصور والأداء...
استعارات لأدوات البلاغة كي تفيض بالنتلقي الدهشة وتشتعل المشاعر كلما مرت الألسن والعيون عليها...
هنا قام الشاعر بعملية تحريك لمفردات اللغة بإتقان بتلاؤم مع الحس الداخلي والخارجي..بترابط مع روح النص ..لتوسيع بؤرة المعاني الإشارية فيها..وهذا يزيد من تفاعل الإحساس الداخلي مع عناصر النص التي احتوتها المعاني بعمقها المذهل..

/ مـــا عــاد وجـهـك فــي كـتـابي لائــذاً
فـاحمل ظـلالك فـي الـضمير الـغائبِ /

يختم الشاعر لوحته المبهرة..بهذا البيت الذي كان زبدة قصيدته وشهدها الذي لخص كل معاني القصيدة ..وعكس بهذه القفلة الإبداعية ..جماليات الفكر والبناء والذكاء الأدبي الذي يتقنه الشاعر بحرفية واضحة لا غبار عليها...
هذا البيت يحمل من تأويلات وأبعاد أسرت خيالنا بقوة التحليق بعمق ما فيه من معاني باذخة...
ذلك الضمير الغائب الذي هو سبب لوعتنا وتفرقنا وتمزقنا.. وضياع أمتنا..
وللضمير هنا تأويلات عدة ..كالضمير الملاصق للكرامة والأخلاق والخشية من الله..وما بين الضمير الذي يحمله هو .هي ..هم...الذي يسقط على تفاعل الفرد مع الآخر في المجتمع...والذي يرتبط بالسلوكيات...


أستاذنا الكبير الشاعر المبدع
أ.بهاء الدين أبو جزر
قدمتم لنا لوحة جمالية مبهرة..متفردة في كل عناصرها..
وهذا يدل على براعتكم وحرفيتكم وتألقكم وقدرتكم في تطويع الكلمات..
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 28-09-2020, 07:52 PM رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

***النّص : غريزة
النّاص : أحمد علي
القراءة : جهاد بدران
........................


النّص :


رقص الغراب فوق جثة الأسد ، مرتديا قناع الصقر .
حين اصطدمت عيناه بوجهه .

هتف بعفوية:

يحيا ملك الغابة !!

القراءة :



/غريزة/

يا لروعة هذه القصة القصيرة جداً، فقد حملت في طياتها أبعاداً وتأويلات متعددة، وتطرح قضايا اجتماعية وسياسية ونفسية، حيث نستنبطها من زواياها وما تحت السطور...
الإبداع المكثف في هذه القصة القصيرة جدا، يقوم على ذكاء الكاتب في اختيار شخصيات قصته بحرفية عالية، وسنوضح ذلك مع السياق في القراءة وكشف مواطن الجمال والقوة في أبعاد النص ودلالاته المختلفة..
سنبدأ من خلال العنوان الذي تمثّل باسم نكرة..
/غريزة/
سنعرّف معنى الغريزة كما ذُكرت في المصادر:
الغَريزَةُ: الطبيعةُ والقريحةُ والسَّجيّة

الغَريزَةُ(في الفلسفة) : صورةٌ من صور النشاط النفسي، وطِراز من السلوك يعتمد على الفطرة والوراثة البيولوجية...
هذا هو تعريفه كما ذُكر، والسؤال هنا، هل العنوان يحتمل اللغز على الحيوان، وانتسابه كطراز سلوكي يعتمد على الفطرة، أم اتخذ منوالاً آخراً بالرمزية فاتجه نحو سلوكيات البشر الفطرية أو نحو سلوكياته المكتسبة، والفرق بينهما كبير؟؟!!
من هنا سنقوم بالكشف عما يتوارى عن وجه النص بإخراج مكنوناته ودرره الثمينة...
يبدأ النص بقول الكاتب:

/رقص الغراب فوق جثة الأسد ،مرتديا قناع الصقر ./

عندما يبدأ أي نص بأحد الأفعال كالفعل الماضي / رقص/الذي بدأ به الكاتب، فإن عملية الحراك وتحريك للأحداث لها طاقة افتعال سائدة في النص، وعملية إخراج النص من الجمود لعملية حراك ينفعل معها المتلقي..
وبما أن الفعل/ رقص/ سيأخذنا المضمون العام لمرآة الصورة إلى نتاج فعلي لعملية الفرح، لكن السؤال الذي يتبادر للذهن، هل كل عملية رقصٍ توحي بالفرح، أم تختفي وراءها علامات استفهام كثيرة؟؟؟
لنرى ما تحت سقف هذا الفعل من الرقص، حتى نفهم المضمون العميق فيه..
/رقص الغراب فوق جثة الأسد/..
إن اختيار الكاتب للغراب وليس للصقر في قصته، وذلك لأن الغراب أقل شراسة من الصقر الجارح القوي، ولذلك نجد الكاتب قد استعان بالصقر قناعاً للغراب، ليتمثل بقوته وهيبته أمام الأسد وهو جثة هامدة، يرتديه ليبعث في نفسه قوة الإرادة والذات والشجاعة..لما يبعثه الصقر من رعب في وجوه الطيور وحتى الحيوانات..
فمن أول وهلة في قراءة عملية الرقص، تبدو لنا هي فرحة عارمة للغراب، خاصة وأنه يرقص على جثة هامدة، وهذه ليست كأية جثة، هي جثة ملك الغابة الأسد المغرور الذي يبطش بكل ما يراه أمامه..
توحي لنا هذه الرقصة من الغراب عن عملية انتصار والتخلص من ملك كان جباراً قوياً تخضع له الحيوانات وتخافه الطيور، وقياساً على ذلك، فهل ترقص الشعوب المظلومة تحت حكم القوة المستبدة الظالمة من ملوكها، وتتنفس الصعداء وهم يتراقصون فرحاً لموتهم؟؟
أليست هذه غريزة وفطرة مشتركة بين الحيوانات والطيور وبني البشر..
وللعلم أيضاً فإن اختيار الكاتب للغراب كي يقوم برقصته على جثة الملك الأسد، إنما جاء بحنكة ودراية، لأن الغراب يحمل صفاتاً بشرية، ومنها ذكاؤه الشديد، وغيرته الشديدة على زوجه وأبنائه،
فقد درس الأوروبيون موطن الغراب وطريقة معيشته، ليصلوا بأبحاثهم عن وجود الغربان كأسراب وجماعات في معيشتهم اليومية، وكما ذُكر في المصادر عنهم، فإن زوج الغربان يعيشان طوال عمرهما مثل البشر، برفقة بعضهم البعض، فإذا اقترب ذكر غريب من زوجة الغراب، تبقى تضربه حتى يبتعد عنها.
"ومن الغرابة أن الغربان لا تخاف من الجوارحكالصقور والنسور، بل إنها تقترب من النسر حين يأكل من فريسته وتستقر قليلا، ثم تبدأ في مطاردته، فتطير الغربان وتنقض عليه طائرة فيضطر إلى خفض رأسه حتي لا يصدمه الغراب بجناحه أو بذيله. وبعد عدة مرات من تلك المناورة يملّ النسر ويطير تاركًا الباقي من فريسته فتأكله الغربان.
ويراعي زوج الغربان نسلهما في العش ويجلبون لهم المأكل. وإذا حام بالقرب أحدالصقورتجد الأبوين ينطلقان ويبدآن مطاردة الصقر طيرانًا حتى يختفي من المنطقة، ويبتعد الخطر عن نسلهما"..
ثم ذكره الله تعالى في كتابه المعجز العظيم قوله تعالى في سورة المائدة:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30)فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}(31).
لذلك ذكر ها القرآن في قصة قابيل وهابيل وهو يُعَلِّم أحدهما كيف يواري سوأة أخيه فيدفنه.
ثم اكتشف الباحثون أن الغراب بإمكانه التعرف على وجوه البشر، ليس ذلك وفقط بل يصنّفهم إلى بشر جيدين، وبشر سيّئين.
هذه خلاصة التعرف على الغراب، لنستوحي منه العبر في هذه القصة القصيرة جداً..
نعود لجماليات هذه القصة وما فيها من دلالات تسقط على واقع مأزوم، يعيش فيه الفرد تحت ضغوطات ظالمة ليكون في نفسية ذليلة راضخة للذل تحت تهديد السلاح بالقتل والسجن من أجل عدم رفع الأصوات وتغيير جذور الواقع الذي رسموه حسب أذواقهم ومصالحهم وكراسيهم، ليكون حصيلة هذا التخطيط الإجرامي هو الإنسان البسيط الذي لا يملك إلا الصمت من خلال تكميم الأفواه، وقد امتلأ جوفه بالخوف والرعب من جراء ما يرتكبون من مجازر بشعة وقتل يتفننون في طريقته، تشيب منه النفوس وتقشعر الأبدان..
لذلك نرى الكاتب قد ألبس الغراب قناعاً بالرغم من أنه لا حاجة له، خاصة وأن رقصه على جثة الملك الأسد وهو جثة هامدة لا تتحرك ولا تثير خوفاً، لكن ما أراده الكاتب، هو العمق الذي يسري بين دماء المعنى المراد، وهو حالة الخوف والرعب التي جاءت بل أصبحت غريزة سلوكية، مما تثير القلق والرعب في النفوس، وكيف أصبح الخوف يسيطر على النفوس بشدة ليكون سلوك في كل مراحل الحياة، مما يدل على أثر الرعب والخوف والاستبداد وعمقه الذي أحدثه نظام حكم القوي على الضعيف..فكان القناع وسيلة الهروب من الضعف والخوف الشديد الذي يلاحقان الغراب أو الإنسان الذي رضخ تحت حكم استبدادي شديد..
ومن نتيجة الخوف الذي أصبح سلوك عادي في حياة الأفراد و الطيور، نجد قول الكاتب:

/حين اصطدمت عيناه بوجهه .
هتف بعفوية:
يحيا ملك الغابة !!/

وهذه نتيجة عملية الضعف والخوف التي غرزها الظالم في المظلوم، في حين اصطدام عيون الغراب المقنع بالصقر، أن يهتف بحياة ملك الغابة، لأنه ما يزال تحت وطأة الخوف وهو مسلوب الإرادة، ويحتاج دهراً حتى يخرج من هذه الحالة النفسية، ولن يخرج منها الإنسان إلا إذا تعاضد وتكاتف مع باقي أفراد المجتمع بثورة تطرد فيها الجبابرة والطغاة من الموقع الذي يعيشونه، وليس ثمة حل إلا هذا الحل وبعد العودة لشريعة الله سبحانه وتعالى...
هذه قصة رمزية من الطراز الأول، ثقيلة المعاني والأبعاد والدلالات، وتقدم لنا الحكم والعبر والدروس المستقاة من وحي الواقع المؤلم...

الأديب الكبير الراقي
أ.أحمد علي
كتبتم مختصراً لواقع مأزوم وأمة تعيش نفس هذه الحالة التي رمزتم لها بلسان الطيور والحيوانات..
بورك قلمكم وحرفكم الوارق البديع..
ووفقكم الله لنوره ورضاه
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية







***






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2020, 10:38 AM رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : من زاوية أخرى
النّاص : طارق المأمون محمد
القراءة : جهاد بدران
.....................



النّص :

قادتْ حَملةَ مُعارَضةٍ قَويةٍ ضِدَ سِياساتِ الحُكومَةِ عَلى إثرِها تَزوجَتِ الرَئيسَ..




القراءة :


ومضة ولا أجمل ولا أبرع من هذا التركيب المتقن للحروف والمعاني ..إذ جلب معه أبعاداً كثيرة وأخذنا لزوايا فنية مختلفة أدرك منها الخيال الصور المثيرة والتقاطات إبداعية تأويلية باتجاهات مختلفة وتحت نصل التشريح المختلف..
ومضة لخصت واقع السياسة وأساليبها المبتوية للحصول على زبدة المراد والمطلوب لتحقيق الأهداف والمراكز والنيل من المناصب والكراسي لإثبات الذات المتلاعبة وقدرتها في عملية التحنيك والتكتيك في زمن خلع معه قوانين العدل والحق..وسلب من الفرد الأمن والأمان..واتكأ على المصالح الذاتية ...
العنوان / مِن زاويةٍ أخْرَى/ فيه احتيال على السياسة واللعب في خيال المتلقي ..والإيحاء بما وراء التراكيب المتناغمة الفذة...
ومضة أوقعتنا في شبكة التأويل لأكثر من زاوية..ولخصت الأسس والقواعد التي تتّبع في عملية السياسات للحصول على النتائج المرضية..
فالومضة بقلة حروفها استطاعت تلخيص الواقع والذات الإنسانية..
إذ تتحدث عن النضال السياسي وكيف تتم عملية التخطيط لاستحواذ فئات جماعية قوية لصد الحكومة وقراراتها..وكأنه يتحدث عن مبدأ العمل الجماعي الذي تتم به القوة الرادعة ضد الحكومة..فالقوة تكمن في حزمة بشرية كبيرة لا تنكسر طالما تتحد معاً بالإخلاص والوفاء ومبدأ الشورى...

//قادتْ حَملةَ مُعارَضةٍ قَويةٍ ضِدَ سِياساتِ الحُكومَةِ//

في هذه الحملة تقودها امرأة..وكأن الكاتب يوحي لنا بدور المرأة الكبير في قيادة المجتمع وتسوس البلاد تحت سلطتها بدهائها وذكائها..وكأنها تصارع الرجال على المناصب..
هنا يريد الكاتب توضيح عمل المرأة الكبير في الوصول لأعلى المراتب..
لكن عاطفتها وجوارحها تكون سببا في الانتصار أو الانكسار..وهنا يومئ الكاتب لنا أن المرأة حين تسيطر عليها الدوافع والغريزة العاطفية تنزل من مرتبة القوة لمرتبة الرقة لتصبح في النهاية زوجة مهما طال حكمها واستبد بها الأمر..
فالصراع اليوم واضح وكبير على المناصب بين الرجل والمرأة..
فهي تستطيع قيادة الحملات ضد أي هدف سياسي أو اجتماعي أو ما شبه ذلك فإنها بطاقاتها وقدراتها تستطيع الوصول ضمن ذكائها..لكن مهما طال بها الزمن ستعود لدور الأمومة والبحث عن الأمان والبيت الدافئ..وهذا ما قادها إلى الزواج ..كما قال الكاتب في قفلة الومضة بقوله:

//عَلى إثرِها تَزوجَتِ الرَئيسَ//

هنا يتضح عمل الغريزة التي تبحث عنها المرأة في الزواج...
من هذا يتضح أيضاً أننا مهما كافحنا في طريق الوصول لمبتغانا إلا أن الإنسان يتعرض للفتن والإغراقاءات ويقع في شباك الذات وأهوائها..ويتنازل عن مبادئه التي نادى بها دهراً..وهذا لا يكون إلا الذي يملك إيماناً ضعيفاً ..يتساقط معه في دفتيّ الشهوات وحب الذات والمصالح البغيضة..
وربما أراد الكاتب أن المرأة مهما وقفت طويلاً أمام التيارات إلا أنها بقوتها وحدها لن تستطيع الصمود..
من زاوية أخرى..وصل لدى المتلقي زاوية الإغراء والأنوثة التي تتصف بها النرأة لايقاع الرجل بشباكها..وهذا نوع من الدهاء التي تحمله الكثير من النساء..
الومضة تحكي :
- عن السياسة وألاعيبها وتوابعها وما ينتج عنها..
- عن دور المرأة في المجتمع وما تحمل من قدرات أحيانا كثيرة تفوق بها على الرجال..
- عن سموم الذات وطرح المصالح الذاتية فوق كل اعتبار وعلى حساب الشعوب المنهكة النازفة ضياعاً ووجعاً..
عن دور العمل الجماعي في قيادة الشعب وتحرير البلاد والوطن من بين براثن الغرباء..
- عن دور التخطيط والتنفيذ في رصد أعداء الأمة وتعرية الساسة الكبار تحت مخالب الجماعة الواحدة..
- عن دور المعارضة في إعلاء الصوت في وجه الظلم لتحقيق مآرب الشعب ومطالبه..وعدم كتم الأفواه والصمت البغيض لنيل الحقوق والمساواة والعدل والحق في الأرض التي يسكنها الإنسان..
- عن الذكاء الإجتماعي الذي يملكه القائد في تحريك الأنفس الخام وتفعيلها لمآربه ونواياه..
.
.
الأستاذ الكبير والشاعر البارع الماهر في اصطياد الحروف وفق منظومات إبداعية فذة مثيرة وعذبة
أ.طارق المأمون محمد
كل التقدير والتبجيل لقلمكم الماسي وحرفكم المتألق المبدع
ومضة قالت الكثير وحملت بين طياتها أبواب عدة من التأويل كان المفتاح لها ذلك الخيال العجيب الذي يسطر ما تلهمه الأفكار والفكر الواقع بين ضفافها وسطورها..
ومضة عكست الذكاء والبراعة في تراكيبها وتناغمها مع الواقع اليوم تناصاً مع وقائع التاريخ الماضي وحكم النساء فيه..
أبدعتم في حروفكم وأنرتم بقلمكم جباه الأدب ..
وفقكم الله لنوره ورضاه وأسعدكم في الدنيا والآخرة..
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 08-10-2020, 10:31 PM رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : شريعة
النّاص : عدنان حماد
القراءة : جهاد بدران
.............................


النّص :


منذ الولادة إيم الله يا بلدي
ألفيت اسمك منقوشا على عضدي

لم تغر روحي حقول النفط قاطبة
فالسعد ظلك رغم الشح والكمد



القراءة :


ما أبلغ هذه الكلمات وما حملت بين ثناياها معالم جمة ودرراً تندرج تحت مسمى الوطن..
بيتان من الشعر يعدلان لوحة فنية نفيسة لا تقدر بثمن، تعلق على خيوط الشمس وهي تمتد نحو عيون الوطن..

/شريعة/
العنوان وما يحمل من دلالات عظيمة، ينبثق منه مفاهيم جليلة، بتأويلات تكتب من قلب الأرض المقدسة..
الشّريعة/ تأخذنا نحو اتجاهين، الاتجاه الأول: الشّريعة ما***شَرعَه***الله لعباده من العقائد والأحكام.
والثاني: معناها، طريقة ومنهج.
وهنا في هذه الومضة، يصلح المعنى الثاني، وهو الطريقة والمنهج الذي تربى عليه الكاتب (أو الشخصية التي رسمها في مخيلته) منذ ولادته..
وسنوضح هذا المنهج الذي أصبح غذاء يومي للكاتب، وانغرز في حياته كطريقة حياة ممتلئة بالقناعة والرضى..
الشاعر يتحدث باسمه عن هذه الطريقة التي يستخدمها كأسلوب حياة.. فقد قال:

/ منذ الولادة إيم الله يا بلدي
ألفيت اسمك منقوشا على عضدي /

يستعمل الشاعر القسم/إيم الله/ ليؤكد تأكيداً جازماً لا شك فيه، أن اسم بلاده بات منقوشاً على عضده منذ ولادته، تأكيداً على عامل وراثي للحب لها مع تعاقب الأجيال، لينمو هذا الحب ويكبر لبلاده المقدسة، مما يدل على إخلاصه وتفانيه لها..
سنلاحظ في عجز البيت، أن الشاعر استخدم تعابيره بالحديث عن نفسه، ولكن كان كناية عن بلادنا فلسطين الحبيبة..
فاسمها /منقوشاً/ أي محفوراً، والنقش إنما يكون بطريقة يصعب إزالة أثره، لأن النقش يكون فيه مهارة صعبة وفيها دقة وفيها جهد كبير حتى تتم عملية النقش، وكأنه يريد القول، أن فلسطين منذ ولادته قد حُفر حبها على جسده منقوشاً بطريقة لا يمكن محوها أبداً حتى الممات بعد عمر طويل للشاعر، والنقش إنما وضعه بمكان يوضح فيه أبعاد ما يريده بطريقة احتراف ظاهر وذكاء فذ، مما يوحي لدلالات لها أثر ومعالم قوية المضمون، في إبراز تعلقه الشديد بها..

/لم تغر روحي حقول النفط قاطبة
فالسعد ظلك رغم الشح والكمد/

هنا ينقلنا الشاعر لدلالات الغنى والفقر في آن واحد، وهذه دلالات متضادة، تعكس جمالية المحتوى، وقدرة الشاعر في الجمع بينهما بطريقة حكيمة جدا لخصت الوضع العام لسياسة بلاده، ونهجها الذي اتبعته بعيدا عن المغريات التي تقدّم لها كمساعدة نفطية ملغومة لها أبعاداً سياسية معتمة، ليتم اصطيادها فريسة كلقمة سائغة لهذه الدول النفطية، تحت ضغط عامل النفط لتكون كرت تلاعبٍ تفعل بها ما تشاء، والشاعر هنا بمهارته، استطاع التعبير عن ذلك بلغة الأنا / لم تغر روحي/ وهي تشتمل بنفس الوقت على لغة الجماعة، وهذا ساهم في توضيح علاقة الفرد بالجماعة، علاقة بين سياسة الفرد وسياسة المجتمع الفلسطيني، على أنه يتماشى في بؤرة واحدة لا وجهان فيها، بل عملة واحدة لوجهة واحدة، وهذا يُظهر قوة الفرد الفلسطيني وهو يتنفس من قوة المجتمع كوحدة واحدة أمام الإغراءات المادية النفطية لتصبح في أعلى مراتب الغنى، ثم ترفض هذه الإغراءات بقوة رادعة لسياسات التركيع، رغم ما يكتنفها من فقر مدقع. وهذا يدل على معنى شعب يبحث عن حرية بلا تنازلات ولا ضغوطات نفطية اقتصادية..
فلسطين ترفض الخضوع والذل والهوان أمام مارد الغنى المعروض للمساومة على البلاد لتصبح حجر النرد بين أيديهم..فالشاعر يقول:

/حقول النفط قاطبة/

كلمة /حقول/ تدل على مهارة التوظيف الدقيق لدى الشاعر، فلم يستعمل كلمة نفط لوحدها والتي تدل على كمية غير محددة، فممكن أن تكون براميل نفطية قليلة. لذلك حدد أنها حقولاً، كي يظهر مدى الاغراءات التي تتعرض لها فلسطين مقابل جرة قلم للبيع، وفوق ذلك كله ترفض هذه العروض الضخمة مقابل كرامتها وحريتها التي تقاتل لأجلها في سبيل الله لنيل الشهادة مقابل الأرض الحرة.. عملياً هذا الإغراء لا يصلح مع فلسطين الدولة النقية الطاهرة، ولا مع شعبها، فهي كل ما تريده، حرية مطلقة تأخذها بسواعدها النقية ورجالها الأحرار الأبطال الذين يحملون أكفانهم على أكتافهم مقابل أن يمسحوا عن وجهها غبار الحزن والوجع، ويقلعوا أنياب المحتل التي تجذرت في أراضيها..

/فالسعد ظلك رغم الشح والكمد/

وهنا يوضح الشاعر بشفافية حبه لها، من خلال تعلقه بظلها والذي يدل على قمة سعادته، لا النفط ولا كنوز الدنيا تغني عن ذرة واحدة من أرضها المقدسة، بالرغم من الشح والوجع والمعاناة التي تتعرض لها فلسطين وأبنائها البررة..
لا تريد حرية مشروطة أو مسمومة، هي تريد حرية بلا قيود، وهذا هي شريعتها ومنهجها في التعامل مع من يريد إغرائها بشتى الأساليب، والحفاظ على معاني الكرامة والحرية الصحيحة بمعناها الأعمّ، لذلك جاء العنوان يلبس البيتين بإتقان وبراعة بلباس على مقاس حجمها، وهذا هو قمة الإبداع الذي يوظف دلالة العنوان بالمحتوى المشار إليه ببنان الشاعر، هذه هي بوصلة الاستقامة لفلسطين..

شاعرنا الكبير البارع حرفه المبدع
أ.عدنان حماد
لا يكتب مثل هذه الأبيات إلا إنسان صادق يحمل قول الحق في وجوه الطغاة ولا يهابه لومة لائم..
لا يكتبها إلا من يحمل في قلبه الغيرة على الأرض المقدسة..
الشاعر الراقي عدنان حماد، كتبتم بيتان من الشعر يعدلان ما تقوله فلسطين بشعبها الأبي الحر المناضل..
دام قلمكم ثائراً على الظلم وأهله، ودام منارة الشعر والأدب..
رعاكم الله وحفظكم ومتّعكم بالصحة والعافية ورضي عنكم وأرضاكم..
احترامي لقلمكم الفاخر والرشيد..
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-01-2021, 04:54 PM رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : أغنية الغريب
النّاص : خالد حسين
القراءة: جهاد بدران

......................

النّص :


عَـتِّق الصــــمتَ أيها العندليـبُ
و اسمع الشدوَ لو تغنّى الغريبُ

و تعلَّم من صـادحات الحزانى
و تعلّلْ بمــا تبــوح القــــلوبُ:

بي من الشجو ما يُذيب الليالي
و من التَّوق شاهقٌ لا يذوبُ

طال في شاطئ الحنين مقامي
و قلوعي رثّت و راغ الهبوبُ

أحرق العمر باسمات الأماني
و على الجمر عُمرُنا المكذوبُ

تركوني مسـمّر القلب ، أبكـي
أن يموت الصليب و المصلوبُ

أجتدي شَربة السراب و أرجو
أن يقيني الهجـيرَ ظلٌّ لعـوبُ

همسَ الطيف: يا نديم الليالي،
إن نعاكَ الصبا رثاكَ المشيبُ

بشّر الخطو ، يا غريب ، فإمّا
خانت الناسُ لا تخونُ الدروبُ

تكتبُ الروح و الدموع مدادي
وَيحَ قلبي – لو يُقرأُُ المكتوبُ

-------- الخفيف --------



القراءة :



أغنية الغريب

العنوان منظومة تختص لمفردة واحدة هي منظومة الغريب، والذي هو مبعث خاص معرّف ينتمي لأغنية تمتدّ أبعادها في مدار موسيقي يُحدِث اهتزازات بالمشاعر التي تولد من وحي هذه الأغنية، فالأغنية عبارة عن موسيقى تصاحب من الكلام ما يُغنّى ويُترنَّم به من الشِّعر ونحوه..
وبما أننا في ظلّ الغريب وما تنطوي هذه الكلمة من أبعاد ودلالات، فهذه مقدمة لشعر يفكّك قيود الكلمات لانطلاقة شدو وأغنية ربما تكون ذات ألحان مفرحة أو عزف تراتيل موجعة تُجسّد خطوط الآلام وأبعاد الغربة..
فهذا العنوان استدراج لمكنونات الغربة بكل أجناسها وتوسعة آثارها التي ذاق كل مواطن نيرانها.
القصيدة تبدأ بفعل الأمر/عَـتِّق/أيها العندليب الصّمتَ..

عَـتِّق الصــــمتَ أيها العندليـبُ
و اسمع الشدوَ لو تغنّى الغريبُ

هذا البيت وحده عالم بحدّ ذاته، تُبنى على مضامينه ومحتواه، فلسفة خاصة تنبع من هذا الصمت الذي يطالب الشاعر العندليب عتقه، فالصمت يقتل واقعنا، حتى ينحدر للذل والامتهان والتنازلات عن القضية المصيرية التي تحدد موقعه سياسيًا واجتماعيًا وهويته الأمنية...وكذلك على الصعيد الشخصي وفي المجتمع المصغر، لذلك الصمت بدلالاته وأبعاده له شيفرة خاصة تنزّ بفلسفة خاصة لها أيقونة تجلد الذات وتؤثر أبعادها في أي مكان..

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه» (رواه البخاري، ومسلم).

هذا الحديث يأخذنا للتنقيب عن الفرق بين الصمت والسكوت، وهل هناك فرق يستجدي التوقف عند هذه المعالم؟؟!
من خلال البحث فيما قيل عن الصمت والسكوت.
فالسكوت أعمّ من الصمت حيث نقول الساكت عن الحق شيطان أخرس ولا نقول الصامت عن الحق، لأن السكوت يعني أنه كان يتحدث في شيء ما ثم سكت قليلا وعاد للحديث، بينما من يصمت يعني لا يتكلم أبدًا أثناء الحديث. فيكون الصمت أبلغ أثرًا وأصعب وضعية، لأنه لا يعبّر عما بداخله في وضعية ما..
فالسكوت من ذهب في كثير من المواضع وهذا دلالة على أهميته في كثير من المواضع، فكثيرًا من الناس لو سكت عن الكلام كان له أفضل، لأنه يكتشف سوء حديثه فيما بعد..
لذلك الفرق واضح بين المصطلحين، فالسكوت توقف برهة زمنية مؤقتة قليلة عن الكلام وانقطاع بشكل جزئي أثناء الحديث والحوار، فسكوته يمكن أن يكون نافعًا له لمراجعة نفسه من الوقوع في دائرة الاستهزاء والسخرية، أو من خلال سكوته يمنحه السكوت فرصة لمعالجة كلامه في فكره وعقله. بينما الصمت انقطاع تام عن الكلام وليس لديه القدرة على الحديث إطلاقًا، ويمكن أيضًا أن يكون صمت نافع وصمت غير نافع، فيكون النافع صمته عن الكلام لدرء مفاسد معينة أفضل من جلب المنافع، بينما الصمت الغير نافع، هو قمت بسبب الخوف، حيث انقطع عن الكلام بسبب الخوف من إيذاء الآخر، والحفاظ على مشاعر الآخر، أو الخوف من تهديد شخص ما لهم من القتل..بينما الصمت عن الحق هو باطل وضار وفيه إثم كبير على الشخص نفسه..
لذلك تنطلق من الصمت فلسفة خاصة معبرة عن واقع مرير في كل مكان، بالرغم من أن كثير من المخلوقات في الكون تعبّر عن نفسها بطرق مختلفة بألوانها وأشكالها وطرق معيشتها فهي غير صامتة، وتعبّر عن ذاتها كما الإنسان بأروع الصور والأشكال، لكن الصمت يصبح قاسيًا وقاتلًا إذا ما كان مفروضًا على الإنسان تحت سكين التهديد والقتل، بالإكراه والقوة، حتى يأتي الوقت ويتفجّر عن هذه القيود، لكن الصمت يكون ضروريًا إذا لم يكن فيه حاجة للكلام، ولا يكون جعجعة من غير طحن أو ضجيجًا بلا حاجة ، فيكون الصمت أنفع له طالما لم يصمت عن حق أو ضرورة.
ومع ذلك فإن الإنسان لا يتمتع بالحرية الكاملة إن بقي تحت تهديد قيود الصمت.
والمجتمع اليوم وفي ظل الأوضاع السياسية القاتلة وظل ظروف الأمراض المرافقة للكورونا، فإن الإنسان يقترب من عوامل الصمت من خلال التباعد الاجتماعي الذي فرضته السياسة في ظل كوفيد 19..ليكون في صمت اللسان واشتغال العقل والفكر أمام أجهزة التكنولوجيا المختلفة والذي أصبح شيء أساسي مفروض على البشرية من خلال التعامل مع الأجهزة بالعقل دون الكلام باللسان ودون التعبير والصراخ عن واقع مؤلم ومرير..
فالعالم اليوم يختلف كليًّا عن العالم السابق المملوء بالثورات والمظاهرات والصراخ بأعلى الأصوات، أصبح الصمت مهجّنًا من صنع وابتكار دول العالم التي تحرك الأرض بسياستها وقوة تحكمها بالعالم...

عَـتِّق الصــــمتَ أيها العندليـبُ
و اسمع الشدوَ لو تغنّى الغريبُ

و تعلَّم من صـادحات الحزانى
و تعلّلْ بمــا تبــوح القــــلوبُ:

نعود للبيت الأول الذي كان نبع لفلسفة الصمت ودعوة الشاعر بعتق الصمت من خلال مناداة الشاعر للعندليب باقتران شدو الغريب، فمناداة العندليب كان توظيفًا متقنًا في إظهار جمالية الصوت حين يغرد في الفضاء دون قيود تكبّله أو أيدي تكمّم فاهه، ولأن العندليب طائر رقيق القلب نقي من الأحقاد ويحمل بفمه وأجنحته معاني الحرية دون قيود بشرية، فالشاعر يريده أن يسمع شدو الغريب وهو في دار الغربة كيف يكون شدوه ممتلئًا بالشجن والألم، لأن الغريب حين يشدو تصفق له الأحزان باختلافها..
فأفعال الأمر التي توجّهت ذبذباتها للعندليب،/عتّق،واسمع،/ كانت تعبيرًا عن ضعف الإنسان في فعل الأمر للإنسان، وكأنه كناية الضعف للغريب، عن عدم القدرة على استعمال فعل الأمر من إنسان لإنسان ، فلا يملك من نفسه إلا تفعيل الأمر للطيور لتكبيل قدراته وتعبيره في الكون في ظل الحرية التابعة للتعبير بصدق دون خوف أو وجل..
فاستماع العندليب لشدو الغريب، كأنه أبلغ وأقوى من صوته لعمق المعاناة والجور والظلم الذي يتربص به في عالم النفي والغربة، فصوته يكون له صدى أعمق بعمق المأساة التي يتعرض لها في غربته. ويطلب منه أن يتعلم من تغريد الحزانى الألم والوجع ومن القلوب ما فتك بها من غربة، وكأن الشاعر يريد تغيير الصوت الطبيعي للعندليب لأصوات تصدح بالأرض وجعًا وأنينًا، كناية عن تغيير منظومة الفرح والحرية لمنظومة الحزن والبكاء والظلم الذي يسود الأرض في هذه الفترة الزمنية التي قتلها الصمت..
لذلك قوة الشجو التي تملّكت القلوب كانت أكبر وأعظم من سواد الليالي التي قد تذيب الليالي بعتماتها وسوادها لتكون أكثر سوادًا وعتمة.. فهو يقول:

بي من الشجو ما يُذيب الليالي
و من التَّوق شاهقٌ لا يذوبُ

طال في شاطئ الحنين مقامي
و قلوعي رثّت و راغ الهبوبُ

فالصورة الشعرية هنا مذهلة بارعة النسيج بليغة في تكوينها محمّلة بأدقّ الوصف التي تعبّر عن منزلة وحجم الشاعر من مظومة الشعر العالية..
حيث ينسج صورة فاقت الوصف وهي في تراكيبها البنائية وما حملت بين ثناياها من رموز مختلفة للهم الواحد وهو الغربة، ومن التشابيه التي جمعت الجزالة والعذوبة والرصانة مع السلاسة في ترتيب الحروف، فالتشابيه تكرم الشاعر بقوة ألفاظه التي تدل على مكانة الشاعر من البلاغة والفصاحة والبراعة في القول، فقد قدّم صورة نابضة حية في هذه الأبيات، فقد وضع لنا من أبياته غذاء للروح والفكر والذائقة ما تتيح الذوبان في النسيج الشعري المتقن. لنقرأ هذا البيت بقوته وجماليته والذي لا ينقص من أبيات القصيدة جمالها،

/ بي من الشجو ما يُذيب الليالي
و من التَّوق شاهقٌ لا يذوبُ/

فبعد أن تعرّض لحجم الوجع وما يحمل بقوته، قد يذيب الليالي ويصهرها من حرارته التي تجلد الروح، ثم التوق وهو الشوق الشديد لبلاده والحنين الذي لا ينتهي مداه، فقد عبّر عنه الشاعر بأنه شاهق لا يذوب، بمعنى أنّ الحنين والشوق لا يمكن أن تتغير درجتهما في النفس والقلب، في مكانة عالية بحيث لا تتغير معالمهما مهما حدث من أنياب الغربة للمغترب عن نفسه ووطنه..
فالحروف هنا جاءت محمّلة بدلالات الوجع وكناية عن عمق الغربة وما تحمل من قمة الألم والحنين للعودة للأوطان وعودة الذات للذات، بعيدًا عن الاضطهاد والقيود..
فالحنين طالت فترته لبلاد الشاعر وهو تحت تهديد الغربة، ورثّت هيئة قلوعه وقد قبُحت وهانت، وزاغَ عَنْها الهبوب والرفع للصوت والمظاهرة في وجه الظلم، وقد حادَ عَنْها بعيدًا عن الحرية.. وهنا يمتلك الشاعر كل مفاتيح الغربة وهو يفتّق جروح الصمت والوجع بمهارة البناء وهندسة الكلام المتين في إحياء معالم كل الوجع وما في الغربة من آلام.
ينتقل الشاعر لمزيدًا من سمات الوجع، حين اشتبكت حروفه مع هندسة البناء في هذه الأبيات، بقوله:

أحرق العمر باسمات الأماني
و على الجمر عُمرُنا المكذوبُ

فالعمر الذي يتحدث عنه الشاعر هو حياة الإنسان، وما يحمل من متناقضاتها من حزن وفرح وأمل ويأس، فالعمر الذي يفنى رويدًا رويدًا في غربة، يحرق الأماني الباسمات، فالباسمات من البسمة وهي رسم البسمة على الشفاه بهدوء وروية وبمهل وتأنّ، فالبسمة تعطي الرزانة والجمال باتزان لصاحبها، وهكذا الأماني وهي تحدد معالمها بهدوء، كي تعمر كثيرًا دون انقطاع..
ويصف الشاعر عمر المغترب يتقلب ويتشظى على جمر الألم والحزن، والذي شبه العمر بأنه مكذوب، كناية عن عدم مساره بالطريق الطبيعي بالعيش كأي إنسان على أرضه بأمان واطمئنان، ليكون عمر مكذوب في نظره لأنه اقتُلع من وطنه غريبًا بعيدًا عنه..

تركوني مسـمّر القلب ، أبكـي
أن يموت الصليب و المصلوبُ

أجتدي شَربة السراب و أرجو
أن يقيني الهجـيرَ ظلٌّ لعـوبُ

الفعل /تركوني/ لمن يعود من الجماعة التابعة لواو الجماعة، هل هم الأهل، أم الحكام الذين هم سبب كل المصائب والويلات والانتكاسات التي يتعرض لها الوطن؟
تركوه مسمّر القلب ويبكي، ثم يستحضر صورة مذهلة جدًا وبارعة النظم وهو باستعارته لهذه الصورة في التي يصف فيها موت الصليب والمصلوب، ففي موت المصلوب غاية التعذيب والقهر ، هو من أشد أنواع التعذيب، حيث تنقر رأسه وجسده الطيور الجارحة وهو يتذوق موته البطيء، وهذا من أشد العذاب..
هذه صورة مؤلمة متينة بأبعادها ومعانيها، والتي توضح وجع الغربة، فالشاعر في هذه الصورة قدّم استعمال اسم الصليب على اسم المصلوب، وفي ذلك دقة متناهية لبناء هذه الصورة البارعة، لأن الصليب حين يكون في حيّز الوجود، يعني وجود تابع له وهو المصلوب، وعندما يموت الصليب هو عملية انتقالية بشكل ذاتي لموت المصلوب، وكأن وجود المصلوب من وجود الصليب، وموتهما يعني انتهاء مرحلة عمرية من عمر الإنسان زمنيًّا ومكانيًّا، ثم يدل موتهما على شدة الوجع ونصله الذي يُغرز في جسد الحياة..ما وموت الصليب، فكأن الشاعر قد جعل للجماد نبض وحياة ثم موت، كناية عن قمة الوجع إذ من هذا الوجع قد تأثر به الجماد ومات، كناية عن وهل الألم وانغراسه في الذات المغتربة...
واستعمال الأفعال المضارعة/أبكي، يموت، أجتدي، أرجو، يقيني، يذيب، يذوب..الخ/ تعني افتعال الحركة واستمرارية الأحداث ونموها أو تحريكها، بما يدل على وجود الحدث باستمرار وما زال..

همسَ الطيف: يا نديم الليالي،
إن نعاكَ الصبا رثاكَ المشيبُ

بشّر الخطو ، يا غريب ، فإمّا
خانت الناسُ لا تخونُ الدروبُ

يكمل الشاعر صوره البارعة في تجسيد خلايا الغربة في صورة متفردة مذهلة، وهو يمد صورة الغربة على مشارف الموت ما بين النعي والرثاء، بقول الطيف لنديم الليالي،

/إن نعاكَ الصبا رثاكَ المشيبُ/

صورة مذهلة أخذتنا نحو الخيال بتحرير المعاني وفق منظومة تابعة لنفس القالب الحرفي، فالنعي والرثاء عملة واحدة للموت، فكلمة النعي قد سبقت كلمة الرثاء، لأن النعي هو الإخبار بموت فلان، بينما الرثاء فهو ذكر محاسن الميت وصفاته الحميدة، ومآثره الطيبة، ومدحه بها، نظمًا أو نثرًا.. لذلك استعمال الكلمات بدقة يمنح الشاعر قوة لتراكيبه البنائية، ويدعم براعته في انتقاء الكلمات ليشير على براعته في البناء اللفظي والحرفي...
فإذا الصبا قد أخبرك بالموت، فهذا اكتمال لمنظومة الموت من خلال الرثاء على موت الصبا فيك من شدة الغربة ومرارتها..
صورة متقنة تدل على براعة الشاعر وقدرته العظيمة في توظيف حروفه كمصور حسي في تجسيد الغربة..

تكتبُ الروح و الدموع مدادي
وَيحَ قلبي – لو يُقرأُُ المكتوبُ

هذه الصورة الختامية للقصيدة جاءت بطريقة مذهلة تسمّرت الذائقة أمام تكوينها وبنائها، إذ جاءت بطريقة عكسية عن المألوف، حيث من المعروف أن المداد هو الذي يكتب كل شيء، وليس غيره الذي يكتب، فالشاعر جعل من الروح والدموع أدوات للكتابة، وتحتاج المداد لتظهر علامات الكتابة، فأن يجعل الشاعر من الدموع والروح مدادًا ليكتب بهما، هذا دليل على استخلاص مادة الروح ومادة الدموع للتهيئة للكتابة، وهذا كناية عن عمق الصدق وعمق الوجع والغربة والتي تشهد ذلك الروح والدموع واعتصار ما بهما من وجع ليكونا مادة تظهر للعيان شدة الوجع في صحاري الغربة..
وثم ينهي كلماته التي تجلد الروح والنفس، حين يعبر عن شدة الوجع بقوله:

وَيحَ قلبي – لو يُقرأُُ المكتوبُ

صورة مؤلمة تنزّ منها كلمة /ويح/ بمعنى في تفسير المعاني، ويل وتوجُّع وترحُّم وإظهار الشفقة، فكأنه يلوم قلبه بما يختزن فيه من الوجع والألم والذي لم يقرأه أحد بعد، كناية على أن الوصف للغربة والوجع أقل بكثير من الحقيقة المغروزة في قلبه وأعماقه...

الشاعر الكبير البارع حرفه المبدع
أ.خالد حسين
لقد نسجتم عشرة أبيات على بحر الخفيف، والذي كان بمثابة الثقيل بالمعاني والقوة والسبك ونظم الأبيات، مما جعل هذه اللوحة خريدة فنية مكتنزة الجمال والقوة، ممتلئة بالاستعارات البارعة والأوصاف المذهلة، لتستحق تثبيتها على جبين الشعر والأدب الراقي..
هنيئًا للشعر بقصيدتكم البارعة والمذهلة.. والتي كانت عبارة عن اندماج النفس مع الرموز من خلال تفاعل الإحساس الداخلي مع عناصر القصيدة، بسبب تعرض الشاعر لغربة أكدت صدق المعاناة تلك الحروف المبنية بدم القلب والمشاعر الصادقة، مما جعل من المفردات أدوات ثني وتطويع لأحاسيسه بلغته العميقة المتوهجة بما تتلاءم مع الصور الحية البارعة..
وفقكم الله لنوره ورضي عنكم
ودمتم بصحة وعافية
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 05:42 PM رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص :طفرة !
النّاص : أحمد علي
القراءة : جهاد بدران



النّص :




حينما أينع رأسه ،
وحان قطافه .
اقتادوه حيث مقصلته ،
اندفع إليها بشموخ عجيب ،
سقطت من فمه حبة الأرز .
ذرف دمعة ،
قبيل تنفيذ الحكم،
استدعوا المهندس التقني لعلاج التسربات..
......


القراءة :



النص لا ينقصه سوى الإبحار بين سطوره واستخراج درره المتعددة، فهو يحمل تأويلات عدة، تجتمع ما بين الحكم عليه بالإعدام، وما بين معالم اقتصادية وسياسة تستوجب الوقوف عندها بدليل حبة الأرز التي سقطت من فمه، وبين ذرف الدمعة وعلاقتهم بالمهندس التقني الذي يرسم أبعاد الفساد والخراب لتصليحه ذلك، فالتصليح للتسربات المختلفة التي سبّبها الفساد وعدم السيطرة عليه هو إعدام من ينطق بالحق وينتقد السياسة، ولا يستطيع أحد إصلاح الفساد إلا بخبير وأخصائي ومهندس كي يرمم ما أفسدته تلك السياسة..

عنوان /طفرة/ تفتح باب التأويل على مصراعيه..
فلو فتشنا عن معنى كلمة طفرة لوجدنا في المعجم الوسيط أنه:
- انتقال سريع من حالة إلى أخرى، تطوّر، ارتفاع مفاجئ..
- طفرةاجتماعية: تغيُّر يطرأ على البنية الاجتماعيّة بشكل مفاجئ..
- طَفْرَةاقتصاديّة: فترة انتعاش اقتصادي..
وكل هذه المعاني عبارة عن احتمالات واردة مع محتوى النص..
وما ينقصنا الآن هو عملية دمج العلاقة ما بين العنوان وما تحت النص من تأويلات ، وما بين سطوره من معالم تتماشى مع دلالات القصة القصيرة جداً..
فهل سنجد في القصة وبين أروقتها طفرة اجتماعية وطفرة اقتصادية؟

مع أول خطوات النص، ما يلي:

/حينما أينع رأسه ،
وحان قطافه ./

من خلال الفعل الماضي/أينع/ يعني نضج وحان قطافه، يأخذنا هذا الفعل لاتجاهات ومعاني مختلفة، ويذكرنا بالمقولة التاريخية للحجاج الثقفي الشهيرة، والتي ما تزال تتناقلها الأجيال حتى عصرنا هذا، حين بدأ يخطب في الناس بقوله: "إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها".. وبقدر بلاغتها وفصاحتها وقوتها، بقدر قسوتها وظلمها، إذا ما فسرنا معالمها وجسّدنا قشورها ونواتها على واقع اليوم..
فلو أخذنا من مفاهيمها ورسمنا الواقع اليوم، لوجدنا فيها قسوة الحاضر وظلم حكام الأرض وملوكها وأمرائها لشعوبهم، باختلاف أجناسهم وهوياتهم.
بالرغم من أننا نستطيع أن نأخذ تأويلات عدة من هذه العبارة، إلا أنني سأقف على تأويل ما يحدث اليوم، والظلم الذي يستشري بين الشعوب وعلى هذه الأرض،
وسأفسر ذلك على الأساليب الوحشية التي تنتهجها السلطات الحاكمة اتجاه المواطنين..
/حينما أينع رأسه ،
وحان قطافه ./ هذا نموذج فردي خاص لشخص واحد، لكن هو يعكس نماذج الجماعة على أوسع نطاقها..
نعود لما تحمل هذه العبارة من رموز وإشارات، ودلالات تشير للبعد الذي تحمله..وتذكرنا بأيام الحكام السابقين الذين كانوا يتفنّنون بأنواع التعذيب للشعوب البريئة، فهم نسخة أصلية عن حكام اليوم، لكن الذي يختلف، هو نوع الأدوات التي يستخدمونها في عقاب وظلم وتعذيب الأبرياء، نفس النهج والمعاملة ولكن بطرق مختلفة متطورة مع تطور التكنولوجيا...
المهم تتطور العلوم والتكنلوجيا، ولكن فكر الحاكم العربي ما زال في جمود، أو نقول في قولبة خاصة تحكمها التبعية، ولا يملكون إلا أن يكونوا كالروبوت، يعملون وفق زر التشغيل الذي يعمل عن بُعد، هذا حال العقول الخاملة التي تخشى أن تعلو وترتقي وتسمو، لأن هناك من يدوسها إذا استعمل زر الصحو والتفكير...
فعندما يبدأ المواطن بالجهر بالحق وقول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يعتبر من هؤلاء المهددين بقطع رقابهم، لأن المواطن يجب أن يبقى أبكم، أصم، أعمى، ولا يستعمل إلا إصبع الإبهام، للبصم على أقوال الحكام.. ومن يرفع رأسه للأعلى، فليجهز عنقه للقطع..
فهذه العبارة التي استحضرها الكاتب في لوحته، ما كانت إلا تعبيراً عما يحصل اليوم، وما ينتج عن ذلك من ثورات واحتجاجات في كل بقعة من أمتنا العربية والإسلامية..

/اقتادوه حيث مقصلته ،
اندفع إليها بشموخ عجيب ،/

من خلال هذه الألفاظ، نشعر أن الذي اقتادوه ليس مواطن عادي من عامة الشعب، كما شعرنا في القسم الأول من القصة القصيرة جدا /حينما أينع رأسه ،
وحان قطافه ./ والتي قلنا فيها أنها تصلح للمواطن الذي ينتقد الحكام ويقول الحق دون خوف أو وجل، لكن مع هذه الفقرة، فهي تصلح لأكثر من تأويل، ما بين تأويلها الذي يسقط على المواطن العادي، وآخر يسقط كناية عن مجموع الحكام الذين باعوا أوطانهم وشعوبهم وضمائرهم وهوياتهم لأجل مناصبهم وللتطبيع مع المحتل والتبعية العمياء للغرب، وقد حان وقت سقوطهم بين عمالقة الظلم الكبار من أصحاب الرؤوس الكبيرة التابعة للدول الكبرى التي تتحكم بمصير العالم بأسره..
فكلمة /مقصلته/ تعني مقصلة مجهزة ومعدة لشخصية مهمة كبيرة، وإلا لكان الكاتب قد كتبها بلا هاء الضمير، وجعلها بدون الهاء المخصصة لتصبح/اقتادوه حيث المقصلة،/ وهنا فرق كبير بين تحضير عملية الإعدام لشخص عادي وبين شخصية مهمة بالنسبة لهم، لذلك تم تجهيزها جيدا لتنفيذ الحكم..

/اندفع إليها بشموخ عجيب ،/

عملية الاندفاع من ذات المحكوم عليه، وما يحمل من شموخ عجيب، هذا دليل على عظمة قوته وعدم رضوخه للضعف كما كان سابقاً وهو يترأس حكمه لبلاده، ومثل هذه الشخصيات تأبى الانكسار حتى على حافة الإعدام والموت. فلا يريد أن يراه الشعب ذليلاً، بل يحافظ على شموخه بين أنياب الإعدام..
ويمكن تأويل هذا المشهد المذهل، بطريقة أخرى، كأن يكون هذا قائد عظيم وعلى حق، رفض الخضوع والذل للدول العظمى فأرادوا إعدامه بعد تجهيز مقصلته بما يليق بمنصبه، وخوف أن يفسد أحد من زعماء العالم، عليهم تنفيذ الحكم..
وهذا القائد لأنه على حق ويريد أن يحافظ على دولته بلا تبعية أو ينساق كالدمى لهم، برفضه قوانينهم، أدى إلى نتيجة حتمية هي الإعدام والتخلص ممن يعارضهم، لذلك نرى هذه الشخصية بشموخ عظيم لأن الحق على وجهه وهو يرفض الذبول أو الوقوع في شباكهم الملعونة، فكان اندفاعه وشموخه نتيجة قوة وصلابة رأيه بعدم الانصياع للذل والهوان وتدمير شعبه، فهو بهذا الشموخ هو أعظم معنى للانتصار عليهم ولتعليم الشعوب أن تبقى متماسكة برأيها بلا انصياع لأي ظلم أو تفتيت لجذور الوطن... ومن خلال هذا المعنى سيتولد طفرة اجتماعية وسياسية جديدة بمعالم هذا العصر الجديد..

/سقطت من فمه حبة الأرز ./

بسقوط حبة الأرز من الفم، وقبيل تنفيذ الحكم، دليل إما على أنه كان يأكل أموال الشعب ويتلاعب ويكسب الاقتصاد لصالحه لتنفيذ مطامعه، حتى استشرى الجوع بين العامة، حتى أمسك بكل معامل الاقتصاد والتصرف بها كان بيده، وإما يكون دليلاً على أن إعدامه دليلاً على انتهاء وسقوط انتعاش فترة نمو الاقتصاد في عهده، ليكون سقوط الاقتصاد بموته..
وربما قصد الكاتب من حبة الأرز، بدل كسرة الخبز، تأويلاً للتعامل مع الصين والهند في الاقتصاد والتجارة، لأن زراعة الأرز، بدأت في وادي نهر يانغستي الموجود في الصين، وذلك قبل ألفي عام قبل الميلاد، ومن المعروف أيضاً وجود نبات الأرز في الهند..

/ذرف دمعة ،
قبيل تنفيذ الحكم،
استدعوا المهندس التقني لعلاج التسربات./

عملية وجود الدمعة/ذرف دمعة ،/كناية عن طبيعة الإنسان والفطرة التي جُبل عليها، وهو يشعر بالوجع والضعف الشديد أمام عظمة الله في دنوّ الأجل وانتهائه، لاستقبال عالم الآخرة، وهذه رهبة الموت، أو يمكن أن تكون علامة التوبة والخشية وهو بين يدي الله، أو أنه شعر بأن قوّته وسلطته التي كان عليها قد ذهبت هباء منثورا.
والمجال مفتوح للتأويلات مع هذه القصة بكل حروفها..

وأما وجود كلمة المهندس، يعزز قيمة الأمر من تنفيذ الحكم، بحيث يعملون بطريقة مهنية ومستعدون بذل كل ما بوسعهم، فقط، لتنفيذ قراراتهم وأن تتم بطريقة سليمة جدا..واستدعاء المهندس لتصليح التسربات، تأخذنا لمناحي عديدة، فهم يريدون أصحاب الاختصاص لوضع خطة متقنة لمنع التسربات، أي التدخل في تنفيذ الحكم من الغير كالدول الأخرى، فهم لا يريدون التشويش على مسار التنفيذ، وهذا قد حصل مع شخصيات عظيمة، لو عدنا للتاريخ سابقاً، فالتسريبات كناية عن ظهور أياً كان والذي يمكن أن يغير دفة الحُكم. والمهندس كناية عن السياسات المتبعة اليوم في إطار تنفيذ رغبات ذاتية لا تخدم إلا فئة قليلة خاصة وليست عامة...
وخلاصة ذلك، يمكن لهذه الرؤوس أن تكون من العامة التي تقف أمام الباطل بالحق، وإما أن تكون رؤوساً ذبلت وانتهت صلاحياتها بعد أن كانت في حكمها القمة، ليكون مصيرها مزابل التاريخ بعد أن اقتصت من شعوبها وحكمت ظلماً وذلاً لأفرادها..

الكاتب والأديب الراقي المبدع
أ.أحمد علي
كنا في صحبة قصة قصيرة جداً بارعة النسج، تحمل تأويلات عدة، تدل على براعتكم ومهارتكم في تنظيم وبناء الحرف..
دمتم في حفظ الله ورعايته
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 05:49 PM رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النص : أهادن أشواقا
الناص : عبدالرشيد غربال
القراءة : جهاد بدران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


النص :
ــــــــــــــــــ



أُهادنُ أشواقاً تلُوحُ و تَعْبُرُ
ودُونَ منى قلبي صَحارَى وأَبْحُرُ

فيا ليتَ ليتَ الشَّوقَ يحملُ نَشْرةً
ويا ليت مِرْسالاً يدلُّ ويُخْبِرُ!!!

يسائلني صحبي عن اسم حبيبتي
أقول لهمْ: أخشى عليها وأحْذرُ

حلفتُ : يمينَ اللهِ أكتم سرَّها
وأُخفيه عن كلِّ الْعيونِ وأسترُ

لفاتنتي بينَ النِّساءِ فَرادةٌ:
عيونٌ يشعُّ النُّورُ منها ويَقْطرُ

وإنِّي لَتَكْفيني ابْتسامةُ ثغْرِها ،
ويسعدني منها الْمُحَيَّا الْمُنَوَّرُ

سيَشْهدُ جَمْعُ الْعاشقين بعُذْرَةٍ،
على أنني في الْعُصْبَةِ الْمُتَصَدِّرُ

القراءة :
ـــــــــــــــــــــــ



ما أرقى هذه القصيدة وما أبلغها لما يكثر فيها من الموسيقى التي تطرب الذائقة..
قصيدة سباعية بارعة النظم والنسج، تتهادى على البحر الطويل الذي لا ينسجه إلا الكبار، وثم تُكحّلها أحرف ذات إيقاع موسيقي عذب، تطرب له الذائقة ، فبالرغم من قصر عدد أبياتها إلا أنها حملت في ثناياها كل الجمال، ويكفي ما تحمله من أنغام عُزفت على أوتار الحروف نغمات من أصوات حرف السين الذي تكرر تسع مرات، وحرف الشين الذي تكرر سبع مرات، وهذان الحرفين لهما صلة مباشرة في الصوت الذي يطرب الذائقة، عدا عن حرف العين الذي تكرر ثلاثة عشر مرة. هذه التكرارات ساهمت في نسيج موسيقي عذب، طربت على منواله ذائقة المتلقي..

والسبب في هذه الموسيقى المطربة، أن حرف السين حرف رقيق عالي الصفير حادّ الجرس، حتى اصطبغ بالتشكيل الموسيقى، وأخرج تناغماً موسيقياً له صدى صوتي جميل من خلال عملية تكرار***هذه الحروف..وهذا التكرار أكسب البيوت الشعرية قيمة صوتيّةً وتناغمًا موسيقيًا جميلًا.
فما أرقّ هذه المعزوفة وما حملت من نوتات موسيقية أطربت الذائقة، حتى وجدنا في كل بيت منظومة صوتية ساهمت من خلال بعض حروفها على عزف الجمال على أوتار هذه الحروف البنائية..
فالقصيدة جاءت تتهادى على أنغام هذه الحروف المنتقاة والتي قامت بتفعيل أصوات هذه الحروف لتطرب لها الذائقة الأدبية..
عدا عن جماليات التراكيب البنائية للكلمات ، وما حملت معها من البلاغة التي غايتها النفوس ومدى تأثيرها فيهم وكيف تهز جوانبها من خلال الصور الشعرية المحملة بالأداء الحسي الداخلي وانعكاسه على الحس الخارجي لتتكوّن منظومة متناسقة بتأثيرها البليغ، ومدى سلامة الألفاظ من العيوب من خلال الفصاحة وما أسند إلى اللسان من صفات، لتصبح مرآة المشاعر*** من طاقة المنسوب الخيالي والإبداع وارتفاع نسبة الحس نحو الحبيبة، من خلال النسيج الشعري الفاخر وما أنطق الحروف من جمال..فالموسيقى عنصر شعري مهم جدا، لأنها من المقوّمات الفنية التي تثري في غايتها تحقيق التأثير بما في ذلك الانفعالات العاطفية لدى المتلقي، لما في الإقاع من قوة وطاقة قوية مؤثرة تنساب في روح قارئها كي تعيد له الطرب والتفاعل مع معالم النص.

وبما أن هذه القصيدة تعتمد على الفعل المضارع الذي يبلغ عدده ثمانية عشر فعلًا،*** مما يعطينا مؤشر حركي متناغم من أول صدر القصيدة لآخر عجزها، وهو يرتّل كلمات متحركة حية هي بمثابة إبراز حقيقة التفاعل الحي المستمر بينه وبين حبيبة الشاعر التي يمكن أن يكون مردّها لحبيبة بشكل فعلي أو حبيبة بشكل مجازي يشير لوطن أو ما شابه ذلك. المهم أن الفعل المضارع ساهم مساهم فعلية في إثبات استمرارية هذا الحب العذري الذي حمل بين دفاته الإخلاص والنبل والوفاء، وهذا من سمة الحب الحقيقي الذي لا يهدف لمآرب تخالف النقاء..

هذه الموسيقى الشعرية التي صدرت إيقاعاتها من خلال التكرارات للحروف، كانت موسيقى داخلية اعتمدت على التنقل في الإيقاعات بطريقة تؤثر طربًا في نفس المتلقي، بينما الموسيقى الخارجية التي تتكوّن في الوزن والقافية، فقد كانت عنصرًا مكملًا لعناصر الإمتاع والحس المتفاعل طربا لإيقاعات القافية التي كانت بحرف رويّها الراء، الذي ازدانت القصيدة بجمالية رناته وإيقاعاته المحببة للذائقة حتى أكسب القصيدة رونقًا وجمالًا، وازدادت جمالية المتابعة والانفعال مع نوتات الحروف وإيقاع الرويّ الرنّان..

أستاذنا الكبير الشاعر الراقي والناقد البارع
أ.عبد الرشيد غربال
منحتم الشعر لوحة فنية عزفت على أوتار الذائقة مزيجًا من الألوان الشعرية والصور الراقية ما أطرب النفس عند قراءتها..
وهذا ليس غريبًا عليكم في بناء الحروف معزوفات إبداعية مثرية وثرية..
دام شعركم نبراسًا للأدب
ودمتم في صحة وعافية في رحاب الله وطاعته
وفقكم الله لرضاه
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 11-08-2021, 12:40 AM رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

***النّص : غريزة
النّاص : أحمد علي
القراءة : جهاد بدران


...........................

النّص :

رقص الغراب فوق جثة الأسد ، مرتديا قناع الصقر .
حين اصطدمت عيناه بوجهه .

هتف بعفوية:

يحيا ملك الغابة !!

...................


القراءة :


/غريزة/

يا لروعة هذه القصة القصيرة جداً، فقد حملت في طياتها أبعاداً وتأويلات متعددة، وتطرح قضايا اجتماعية وسياسية ونفسية، حيث نستنبطها من زواياها وما تحت السطور...
الإبداع المكثف في هذه القصة القصيرة جدا، يقوم على ذكاء الكاتب في اختيار شخصيات قصته بحرفية عالية، وسنوضح ذلك مع السياق في القراءة وكشف مواطن الجمال والقوة في أبعاد النص ودلالاته المختلفة..
سنبدأ من خلال العنوان الذي تمثّل باسم نكرة..
/غريزة/
سنعرّف معنى الغريزة كما ذُكرت في المصادر:
الغَريزَةُ: الطبيعةُ والقريحةُ والسَّجيّة

الغَريزَةُ(في الفلسفة) : صورةٌ من صور النشاط النفسي، وطِراز من السلوك يعتمد على الفطرة والوراثة البيولوجية...
هذا هو تعريفه كما ذُكر، والسؤال هنا، هل العنوان يحتمل اللغز على الحيوان، وانتسابه كطراز سلوكي يعتمد على الفطرة، أم اتخذ منوالاً آخراً بالرمزية فاتجه نحو سلوكيات البشر الفطرية أو نحو سلوكياته المكتسبة، والفرق بينهما كبير؟؟!!
من هنا سنقوم بالكشف عما يتوارى عن وجه النص بإخراج مكنوناته ودرره الثمينة...
يبدأ النص بقول الكاتب:

/رقص الغراب فوق جثة الأسد ،مرتديا قناع الصقر ./

عندما يبدأ أي نص بأحد الأفعال كالفعل الماضي / رقص/الذي بدأ به الكاتب، فإن عملية الحراك وتحريك للأحداث لها طاقة افتعال سائدة في النص، وعملية إخراج النص من الجمود لعملية حراك ينفعل معها المتلقي..
وبما أن الفعل/ رقص/ سيأخذنا المضمون العام لمرآة الصورة إلى نتاج فعلي لعملية الفرح، لكن السؤال الذي يتبادر للذهن، هل كل عملية رقصٍ توحي بالفرح، أم تختفي وراءها علامات استفهام كثيرة؟؟؟
لنرى ما تحت سقف هذا الفعل من الرقص، حتى نفهم المضمون العميق فيه..
/رقص الغراب فوق جثة الأسد/..
إن اختيار الكاتب للغراب وليس للصقر في قصته، وذلك لأن الغراب أقل شراسة من الصقر الجارح القوي، ولذلك نجد الكاتب قد استعان بالصقر قناعاً للغراب، ليتمثل بقوته وهيبته أمام الأسد وهو جثة هامدة، يرتديه ليبعث في نفسه قوة الإرادة والذات والشجاعة..لما يبعثه الصقر من رعب في وجوه الطيور وحتى الحيوانات..
فمن أول وهلة في قراءة عملية الرقص، تبدو لنا هي فرحة عارمة للغراب، خاصة وأنه يرقص على جثة هامدة، وهذه ليست كأية جثة، هي جثة ملك الغابة الأسد المغرور الذي يبطش بكل ما يراه أمامه..
توحي لنا هذه الرقصة من الغراب عن عملية انتصار والتخلص من ملك كان جباراً قوياً تخضع له الحيوانات وتخافه الطيور، وقياساً على ذلك، فهل ترقص الشعوب المظلومة تحت حكم القوة المستبدة الظالمة من ملوكها، وتتنفس الصعداء وهم يتراقصون فرحاً لموتهم؟؟
أليست هذه غريزة وفطرة مشتركة بين الحيوانات والطيور وبني البشر..
وللعلم أيضاً فإن اختيار الكاتب للغراب كي يقوم برقصته على جثة الملك الأسد، إنما جاء بحنكة ودراية، لأن الغراب يحمل صفاتاً بشرية، ومنها ذكاؤه الشديد، وغيرته الشديدة على زوجه وأبنائه،
فقد درس الأوروبيون موطن الغراب وطريقة معيشته، ليصلوا بأبحاثهم عن وجود الغربان كأسراب وجماعات في معيشتهم اليومية، وكما ذُكر في المصادر عنهم، فإن زوج الغربان يعيشان طوال عمرهما مثل البشر، برفقة بعضهم البعض، فإذا اقترب ذكر غريب من زوجة الغراب، تبقى تضربه حتى يبتعد عنها.
"ومن الغرابة أن الغربان لا تخاف من الجوارحكالصقور والنسور، بل إنها تقترب من النسر حين يأكل من فريسته وتستقر قليلا، ثم تبدأ في مطاردته، فتطير الغربان وتنقض عليه طائرة فيضطر إلى خفض رأسه حتي لا يصدمه الغراب بجناحه أو بذيله. وبعد عدة مرات من تلك المناورة يملّ النسر ويطير تاركًا الباقي من فريسته فتأكله الغربان.
ويراعي زوج الغربان نسلهما في العش ويجلبون لهم المأكل. وإذا حام بالقرب أحدالصقورتجد الأبوين ينطلقان ويبدآن مطاردة الصقر طيرانًا حتى يختفي من المنطقة، ويبتعد الخطر عن نسلهما"..
ثم ذكره الله تعالى في كتابه المعجز العظيم قوله تعالى في سورة المائدة:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30)فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}(31).
لذلك ذكر ها القرآن في قصة قابيل وهابيل وهو يُعَلِّم أحدهما كيف يواري سوأة أخيه فيدفنه.
ثم اكتشف الباحثون أن الغراب بإمكانه التعرف على وجوه البشر، ليس ذلك وفقط بل يصنّفهم إلى بشر جيدين، وبشر سيّئين.
هذه خلاصة التعرف على الغراب، لنستوحي منه العبر في هذه القصة القصيرة جداً..
نعود لجماليات هذه القصة وما فيها من دلالات تسقط على واقع مأزوم، يعيش فيه الفرد تحت ضغوطات ظالمة ليكون في نفسية ذليلة راضخة للذل تحت تهديد السلاح بالقتل والسجن من أجل عدم رفع الأصوات وتغيير جذور الواقع الذي رسموه حسب أذواقهم ومصالحهم وكراسيهم، ليكون حصيلة هذا التخطيط الإجرامي هو الإنسان البسيط الذي لا يملك إلا الصمت من خلال تكميم الأفواه، وقد امتلأ جوفه بالخوف والرعب من جراء ما يرتكبون من مجازر بشعة وقتل يتفننون في طريقته، تشيب منه النفوس وتقشعر الأبدان..
لذلك نرى الكاتب قد ألبس الغراب قناعاً بالرغم من أنه لا حاجة له، خاصة وأن رقصه على جثة الملك الأسد وهو جثة هامدة لا تتحرك ولا تثير خوفاً، لكن ما أراده الكاتب، هو العمق الذي يسري بين دماء المعنى المراد، وهو حالة الخوف والرعب التي جاءت بل أصبحت غريزة سلوكية، مما تثير القلق والرعب في النفوس، وكيف أصبح الخوف يسيطر على النفوس بشدة ليكون سلوك في كل مراحل الحياة، مما يدل على أثر الرعب والخوف والاستبداد وعمقه الذي أحدثه نظام حكم القوي على الضعيف..فكان القناع وسيلة الهروب من الضعف والخوف الشديد الذي يلاحقان الغراب أو الإنسان الذي رضخ تحت حكم استبدادي شديد..
ومن نتيجة الخوف الذي أصبح سلوك عادي في حياة الأفراد و الطيور، نجد قول الكاتب:

/حين اصطدمت عيناه بوجهه .
هتف بعفوية:
يحيا ملك الغابة !!/

وهذه نتيجة عملية الضعف والخوف التي غرزها الظالم في المظلوم، في حين اصطدام عيون الغراب المقنع بالصقر، أن يهتف بحياة ملك الغابة، لأنه ما يزال تحت وطأة الخوف وهو مسلوب الإرادة، ويحتاج دهراً حتى يخرج من هذه الحالة النفسية، ولن يخرج منها الإنسان إلا إذا تعاضد وتكاتف مع باقي أفراد المجتمع بثورة تطرد فيها الجبابرة والطغاة من الموقع الذي يعيشونه، وليس ثمة حل إلا هذا الحل وبعد العودة لشريعة الله سبحانه وتعالى...
هذه قصة رمزية من الطراز الأول، ثقيلة المعاني والأبعاد والدلالات، وتقدم لنا الحكم والعبر والدروس المستقاة من وحي الواقع المؤلم...

الأديب الكبير الراقي
أ.أحمد علي
كتبتم مختصراً لواقع مأزوم وأمة تعيش نفس هذه الحالة التي رمزتم لها بلسان الطيور والحيوانات..
بورك قلمكم وحرفكم الوارق البديع..
ووفقكم الله لنوره ورضاه
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 11-08-2021, 12:57 AM رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : حينَ يَصْرخُ الصَمْتْ
النّاص : عمر مصلح
القراءة : جهاد بدران

..................

النّص :

صَمْتُها.. أَدْهَشَ كُلَ الفَنْانين، المستائين مِنْ سُلُوكِ الأُسْتاذ، حينَ مَزَّقَ لَوحَتَها.. إلا أَنَّ الدَهْشَةَ تَفَتَتَتْ عِنْدَما اسْتَقْبَلَتْهُمْ بابتِسامةٍ حزينةٍ، وَخَلْفَها صُورَتُهُ المُعَلَّقَة على الجِدارْ..
مُوَشَحَةٌ بِشَريطٍ أَسْوَدْ.


القراءة :


جعل الكاتب من الصمت وكأنه حالة خام، لا تفاعل ولا انصهار مع ما يحركه من ردة فعل تستفزه وتغيّر معالمه، لكنه يصل لمرحلة ينكث عنه غبار هذا الخمول الخام، ويتحرر من قواعده الأصلية ليكون باتجاه معاكس لمعناه، من صمت إلى صرخة، وهذا بحد ذاته استنطاق مذهل وبارع من خلال هذه العملية في تغيير مدار الصمت وتحريره من قواعده الثابتة، ليكون في مدار الصرخة، وهذا لا يحدث إطلاقًا مع تغيير معالم الصمت إلا عند حدوث حدث كان أكبر وقعًا من حدود هذا الصمت الخام، لينزلق في مدارج التحرر من هذا القيد، لحركة تغيير من شأنها تغيير مكامن الصمت لولادة جديدة تعيد المفاهيم الحركية لنقطة انطلاق جديدة في تحويل الخام لعنصر فعال..
وهنا كان العنوان مرحلة تحولية من رقعة الحدث الأولى لبقعة حدث يتفاعل وينصهر لمعالم الواقع، وإن كان التفاعل لغير صالحه..
خاصة عندما دخلت كلمة/حين/ على العنوان لتحيله لزمن متحرك، فهي تحل في ثوب ظرف الزمان الغير محدود..مما تثير عوامل الزمن بتحريكه وفق الحدث من خلال الصمت وهو يتحول لشرنقة صرخة تؤول الزمن وفق المدى المتصاعد من قوة هذه الصرخة لمداها البعيد..
وبالرغم من أن الصمت يحمل دلالات عدة إلا أن له قدرة زمنية محددة في فاعليته وقدرته على الثبات، بالرغم من أنه يحمل في طياته الحكمة وقليل فاعله، لتفكك شيفرته صرخة مدوية، تكون في ثوب التضاد مع الصمت، بقول الكاتب/حينَ يَصْرخُ الصَمْتْ/ فكيف يتوافق الصراخ مع الصمت، وكيف يتحوّل ويتحرّر من قيوده؟ وهذا التضاد منبع لجمالية اللغة وبلاغتها، حيث يلبس النص ثوب الحسن والدهشة..
هذا التحول سيتضح مداه من خلال النص المكثف بالعمق..
فقد بدأ الكاتب نصه، بكلمة /صمتها/مع ترك مسافة بينها وبين الدهشة التي كانت ظاهرة من خلال السياق من اتجاه كل الفنانين، ليقول لنا الكاتب أن وراء هذا الصمت حكاية، وحدث ما لازم الصمت والذي لم يأتي من فراغ، وليترك للمتلقي التدبر والتأمل وفرض استنتاجات وتأويلات لسبب هذا الصمت، وتحليل فكري يُشغل الذهن في السبر والبحث في عناقيد وضفائر هذا النص المدهش، ليصل المتلقي لسبب دهشة الفنانين.. بقوله:

/صَمْتُها.. أَدْهَشَ كُلَ الفَنْانين، المستائين مِنْ سُلُوكِ الأُسْتاذ، حينَ مَزَّقَ لَوحَتَها../

فالدهشة لم تكن لمجرد معرفتهم بسلوك الأستاذ حين مزّق لوحتها، لكن الدهشة كانت من ردة الفعل المصاحبة لها، إذ اعتلى الصمت عرش سلوكها، بعد أن تعرضت لعملية الاستفزاز هذه. والتي تعكس سلوك غير طبيعي، خاصة أنها تعرضت لتمزيق لوحتها بعد أن تعبت في تكوينها بأبعادها الخيالية وأبعاد الألوان والإتقان فيها، ومهما كان تعبها في رسم اللوحة، التمزيق لم يعني لوحة بحد ذاتها، مقابل تمزيق مزدوج بين اللوحة ونفسيتها التي هي أشدّ وقعًا بالتأثير من مجرد تمزيق لوحة ما، ليكون التمزيق للفتاة كمشاعر وككيان مستقل، ليمسّ أعماقها قبل لوحتها..
فالحديث هنا، يأخذنا لأعماق المشاعر حين تتعرض لانتهاك حرمتها وتمزيقها خاصة من إنسان عزيز على النفس ويحمل فيها طاقات احترام وتقدير، ليكون كسر النفس أول درجات التعرض للإهانة.. فالنفس الشاعرة تتأثر بانكسارها أشد من انكسار الأشياء المادية، لأن التعامل مع الروح تمثل الحياة وانطلاقة لأبواب الأمل والسعادة، فعند انكسارها تتهشم المشاعر ويستبد الألم فيها..
لكن هنا تعالت شيفرة الصمت، لتكون بدرجة الحكمة والتروي مقابل عملية استفزازية كانت محض صرخة، إلا أن الصمت ما زال بين هذه السطور في وقار لم تتم عملية التضاد بعد، ربما مع جريان الأحداث سيتم تفعيله بالصرخة، وسننتظر ونحن نلاحق النص بين مفاصله..

فالصمت هنا كان في غاية الحكمة، وحسن التصرف والقدرة على تمالك الذات من أي انفعال داخلي من الممكن أن تندم عليه لاحقًا، لذلك الصمت في كثير من الاحيان، يأتي مع التفكر والتدبر في صيغة السلوك واستخراجه.. وهنا قد جاء برفقة الدهشة من كل الفنانين، خاصة مع تمزيق اللوحة ومن المفروض عدم السكوت على هذا التصرف السيء باستراج انفعالات تعبر عن مدى الضيق والقهر،*** وهذا ما جعل الدهشة محطة ذهول من جميع الفنانين بصمتها الغير طبيعي..
والسؤال هنا، لماذا هذا الصمت المباغت للجميع رغم وجود عملية استفزازية؟

إلا أَنَّ الدَهْشَةَ تَفَتَتَتْ عِنْدَما اسْتَقْبَلَتْهُمْ بابتِسامةٍ حزينةٍ،/

والجواب، ربما يكون في عملية تحطيم لمعالم شخصية الأستاذ من الداخل النفسي للفتاة، ومن قلبها، ومن مشاعرها، وبذلك قد تخلصت من عوامل الاستفزاز بخروجه من ذاتها الشاعرة..
والدليل، أن الدهشة/ تفتّتت/والتفتت هو عملية تصغير للشيء من حجمه الكبير، فيصغر معه كل العوامل المصاحبة له، والقصد تلك الدهشة التي صغرت معالمها لتتحول/ لابتسامة حزينة/ وهنا نرى التضاد مجتمعة ما بين الابتسامة والحزن، مما أكسب النص بلاغة ومتانة في عملية السبك واستحضار دوافع الجمال والحس الجمالي للتعابير.. فالابتسامة كانت عامل مثير جدا في تحويل قِبلة الدهشة لعنصر الذوبان وتصغير لحجمها المتعالي، وذلك أن الابتسامة هي مرحلة خروج من ضيق دائرة الواقع الضيق بتقلباته، لواسع الفرح والأمل وتجديد طاقة تفتت درجات الحزن والألم.. ففي الابتسامة تكمن راحة النفس وتحوّل الكيان النفسي لطاقة شحن إيجابية تمحو معها درجات الأسى مهما بلغت، وتمنح النفس الطمأنينة والاستقرار، وهي تعتبر علاج روحي للفرد نفسه وللآخر حين نستقبله بابتسامة تحيله للاطمئنان والسكينة.
وهنا يحضرني حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام حين يدربنا ويعلمنا على أبعاد وتأثير هذه الابتسامة التي علينا أن نطلقها في وجه الآخر كي يسود الأمان والراحة والسكينة والتحابب والمودة والبشاشة بينهما، حيث يقول:

***«تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»***رواه الترمذي، وصححه الألباني***(سنن الترمذي؛ برقم: [1956]).

وإما كون الابتسامة حزينة، على شفاه الفتاة،*** لأنها محض ولادة ما زالت جديدة، أي بمعنى أن الحدث ما زال في أوجه ولم تمر عليه فترة من الزمن للنسيان، وبالرغم من ذلك، إلا أن الفتاة تملك شخصية قوية جدا التي تمالكت بها نفسها مع مثل هذا الحدث المؤلم، لأن مثل هذا الحدث يأخذ فترة زمنية معينة لمرحلة الخروج من الأزمة للوصول لقاعدة نسيان هذا الوجع..

/وَخَلْفَها صُورَتُهُ المُعَلَّقَة على الجِدارْ..
مُوَشَحَةٌ بِشَريطٍ أَسْوَدْ./
والذي يؤكد عملية قوة الفتاة بمشاعرها وقدرتها على التصدي للألم، هو ذلك الشريط الأسود المعلق على صورة الأستاذ، كناية عن خروجه من قلبها ومن حياتها بموته معنويًا، مما جعل من هذا الموت ابتسامة أخرجتها رويدًا رويدًا من دائرة الحزن والألم...
وأما رمز الصورة المعلقة على الجدار ث، كناية عن إعلان لنفسها ولغيرها موته من حياتها، ليبقى ذكرى لمن أراد معرفة درجات ألمها ومعاناتها بموته للأبد من حياتها، ليكون عرضة للجميع وعبرة لمن لا يعتبر...
فليس كل صورة عليها شريط أسود، تدل على موت الشخص بشكل حقيقي، إنما يكون رمز موته من الأعماق وخروجه من حياة الأشخاص الذين تأثروا من ظلمه وإساءته..
في هذا النص البارع، المحكم بإتقان، والذي عالج وطرح قضايا مهمة جدا في مهارة فنّ التعامل مع الآخر، وكيفية علاج الأزمة والخروج منها بالإرادة وقتل الظلم في النفس المتألمة..
الأستاذ هنا كان محور سلوكي غير منضبط، لا يتقن مهارة التعامل مع الغير، بالرغم من أنه من المفروض أن يكون مرآة للأخلاق وقدوة حسنة للطلاب قبل أن يكون مدرّسًا لأية مادة تعليمية، خاصة أنه معلم فنون، والذي من المفروض أن يعكس رهافة الحس والمشاعر الرقيقة، وهذا يتطلب مهارة عالية وعملية تدريب مسبقة ليكون مهيئًا للوقوف أمام هذه المسؤولية والتي يتخرج منها أعداد لا تحصى من الطلاب، فالمعلم القدوة، هو المعلم الذي يتمتع بشخصية إدارية للسلوك والمنهاج، فالسلوك هو باب الدخول لعالم الطالب والتأثير عليه إما إيجابًا وإما سلبًا، وهذا ما ينقصنا في واقع ممتلئ بالفساد وغياب الأخلاق، لأن المعلم اليوم يكرّس همّه بإنهاء المقرر المطلوب منه، ليكون في عجلة من أمره بإنهاء مهامّه، وقد داس على قواعد السلوك الحسن وانتزع من نفسه الأخلاق الحميدة التي هي كل أساس لتوصيل المادة بطرق يذوّتها للمتعلم بطرق محببة وسهلة الهضم..
مجتمعاتنا ينقصها عملية التأهيل لأخلاقيات المهنة بل لأخلاقياتنا بكل شيء، حتى يستقيم الواقع وتستقيم قواعد الحياة الآمنة بأريحية وانضباط...
والملاحظ في هذه القصة أيضًا، أن سلوك الطالبة كان عكس سلوك المعلم، بتبادل الأدوار، حيث انعكس الانضباط وضبط المشاعر بشخصيتها، بعكس تصرف الأستاذ الذي تصرف بهمجية غير لائقة بدوره كمعلم مسؤول عن أجيال كاملة.. وهنا ينتج الخلل في أداء الدور الفاعل لصاحب المهنة، وهذا يعكس أن هناك أجيالًا تتصف بالوعي والنضوج أكثر من معلمها المادة والأخلاق، وهذا التبادل يسبب فجوة فظيعة في عملية التدريب للمهن المختلفة، لخلل يسبب تحطيم أجيال كاملة، إذا ما كانت تتصف بكامل الوعي والإدراك لمتغيرات الواقع والشخصيات..
فعندما لا يتقن كل صاحب مهنة دوره الصحيح، يعكس على المجتمع كله خلل في الأداء، ليفتح للفساد أجنحته في كل الأجيال..
كنا مع نص فاخر بليغ، عميق الدلالة، يحمل التأويلات المختلفة، مما يدل على عبقرية الكاتب في تحويل قِبلة الحرف لمشروع اجتماعي أخلاقي، يطرح فيه قضايا اجتماعية مهمة رغم قصر النص بكلماته المدهشة..
براعة الكاتب تكمن في توزيع مهام الكلمات لتكون كل واحدة قضية بحد ذاتها، هي غاية في الأهمية مع عصر تتدهور فيه كل مقومات الصلاح..
الفنان الكبير والشاعر الراقي والناقد العظيم
أ.عمر مصلح
دام مداد قلمكم وهو يرسم للأبجدية مقومات الإبداع بحرفية وإتقان، وهذا هو ديدنكم في كل مجال تغوصون فيه وتخلقون من الحروف الضياء..
حرفكم عكس فكركم الواعي وخيالكم الواسع وقدرتكم على إحياء قضايا اجتماعية مهمة هي أساس الحياة الآمنة.. من خلال براعتكم في نسيج إبداعي مذهل..
دمتم ودام الفكر الخلاق والقلم السيال لمفاتن الكلام
رعاكم الله لنوره ورضاه
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 11-08-2021, 01:00 AM رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : متهم بوأد الساعات
النّاص : عمر مصلح
القراءة : جهاد بدران

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النّص :
ــــــــــــــــــ

فكَّت الكلماتُ قيودَها، وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


القراءة :


متهم بوأد الساعات..
عنوان يثير الدهشة والاستغراب بما تمليه دلالات هذه الكلمات الثلاث..وتحث الفكر البحث عن مكنوناتها بما يتلاءم مع أبعادها المختلفة، وما يختبئ تحت الكلمات من معاني تتفتح فيها عناصر التأويل على مسافاتهم اللا تنتهي...
انطلاقًا من هذا العنوان المركب من ثلاث كلمات، بحيث كل كلمة نستطيع فتح لها صفحات لا تنتهي...
كل كلمة من العنوان لوحة فنية تمسك بتلابيب معنى بأبعاد وتفاسير تٰصبّ في قالب الومضة كلها، لأن كل كلمة حين تجتمع بالأخرى يكتمل حينها معالم المعنى المراد، وإن تعددت سبل التأويل..
سنحاول أن نستخرج ما استطعنا من كنوز الحروف وربطها في قالب يفي حق المعنى المراد من خلال زاوية ضوء المتلقي...
فالكاتب هو الذي يملك زمام العمق الذي يتربع على عرش سطوره، وهو الذي يمسك لها، له الفكر حتى فاض به الخيال عنوة لتسطير الكلمات بمنتج حكيم ذكي ..وهو بذلك يفتح دفات التأويل على مصراعيها أمام المتلقي، للسبر بين أغوار النص..

نبدأ بتسليط الضوء على الكلمة الأولى من العنوان:
/متّهم/..معناها حسب معجم المعاني:

• مُتَّهَم: (اسم)

• اسم مفعول من*اتَّهمَ

• (القانون) كُلّ شخص*اتّهم*بجريمة أو عمل مخالف للقانون..

• مُتَّهِم: (اسم)

• (فاعل مِن اِتَّهَمَ) هُوَ الْمُتَّهِمُ الوَحِيدُ : الَّذِي يَتَّهِمُ غَيْرَهُ بِارْتِكَابِ جَرِيمَةٍ أَوْ ذَنْبٍ

من خلال هذه المعاني ، يتضح لنا أن في دائرة المتّهم يوجد قضية ما، ويوجد فاعل ومفعول به وسبب للاتهام، إما أن تكون هنا جريمة ما وعلى حسبها اتسعت رقعة الاتهام بين فاعل ومفعول به، وبين سبب ونتيجة، وإما أن يكون عمل مخالف للطبيعة أو لقوانينها.. أو أن يكون الاتهام مجازًا. وبذلك سنصل لنوع الاتهام من خلال الولوج داخل عناصر المعاني وما تحمل من مجاز يسقط عليها الفعل الذي كان سببا في إعلان نتيجة تسطير هذه الحروف المتراصة بذلك الأثر البليغ في اتساع رقعة المعاني...ويبقى الاتهام قيد التصديق والتكذيب حتى يُكشف الغطاء عنه، وتتفكك خيوط الحبكة في هذا النص...ويبقى المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته...
لذلك في دائرة الحدث يوجد ثلاث اتجاهات من خلالهم نصل لطرف الحبل في توضيح معاني النص...وهي المتّهم /والذي رفع توجيه الاتهام/ وسبب الاتهام../.
ننتقل للكلمة الثانية من العنوان:

/بوأد/
تبدأ بحرف الجر الذي كان حلقة الوصل بسبب الاتهام وهو عملية الوأد...
والمعلوم لدينا عن معنى الوأد الذي يأخذنا لعصر الجاهلية ويذكرنا بوأد البنات الذي هو دفن البنت حيّة خوف العار من جنس الإناث، وهذه أبغض جاهلية تقشعر لها الأبدان والتي تذكرنا بقصة احد الصحابة وهو يئد ابنته وهي تزيل عن لحيته الرمال، دليلًا على حنان البنت وترفقها بأبيها بشكل عفوي وبريء..
والوأد هنا يتبع الكلمة الأولى من الاتهام..
اتهام بوأد شيء ما والذي عبّر عنه حرف الجر وهو يمسك باسم المجرور وهو الساعات.. وهذه جريمة كانت اتهام المتهم بها، ..

/الساعات/
هي مقياس للزمن ومروره في عقارب الحياة..واغتيال هذا المقياس المهم دليل على اغتيال فترات من العمر التي تتمثل بالساعات والذي يقيس نسبة حياة المرء...فقد جاءت كلمة الساعات معرفة بأل التعريف، مما جعلها في حدود زمن معروف وليس بمجهول،،
لذلك فالمتهم بوأد الساعات، يقع بجريمة مثيرة للزمن...وفي اغتيال الساعات هو ذاته اغتيال هذا المقياس من الحياة، قتل الزمن عنوة بغير وجه حق، ليكون جريمة حية تدل على موت غير طبيعي للساعات التي تحسب نسبة العمر والحياة..
نأتي للسؤال وعملية البحث عن العلاقة بين وأد الساعات وعناصر النص...

/فكَّت الكلماتُ قيودَها، وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان./

/فكّت/ فعل ماضي صحيح ثلاثي مضعّف..قد تمّ شدّه بشدة نتيجة عملية التضعيف، فجاءت الشدة تلائم الفعل والحدث، فالتفكيك يحتاج لجهد، والشدة تحتاج لجهد أيضًا، لذلك فعل /فكّت/ جاء ملائما لمقاصد الشدة ويساهم في عملية التفسير والتوضيح، بأن الكلمات تحتاج لجهد لفكّ رموزها وشيفرتها وغموضها، وهذا يتمثل في قيود الكلمات التي تعني الصمت في النطق بها، أو عدم الحرية في اتساعها ورقعتها على الورق والنشر والكتابة أو كسر قيود الصمت، بمعنى عدم تكوين لغة تدافع عن المتهم ببراءته، والعيش بشكل طبيعي.. فإسكات الكلمات من التحرر بأشكالها المختلفة وفرض القيود عليها تعني التسلط واستعمال حد السيف على عنق مصدر الكلمات نطقًا أو تسطيرها وتدوينها بوسائل تعليقها بالأسفار أو على الورق...

بما أن الوأد هنا هو بداية وأد الساعات، هذا يأخذنا لتراكمات الألم والحزن والهمّ، وكأن الوقت والزمن الذي يتمثل بالساعات أصبح عارًا وخزيًا على صاحبه، وإلا لما كان حاجة لعملية الوأد، وهذا يأخذنا للهذيان ومعالمه المتخبطة وثم مقاومته كأننا مع موعد لمعركة يتم من خلالها القضاء على الهذيان والذي يدخل معناه التشتت وعدم التركيز في أي شيء، والذي كان سببا في تفكك الكلمات من قيوده وعدم التركيز في ربط الحروف ببعضها ليتم توحيدها وفق منظومة مفهومة المعاني والمباني... وعملية التفكيك من خلال الكلمات، ومبادرة الكلمات بقيام جهد ينزع عنها القيود لتنطلق* لتدل على القوة والخروج من تكبيل القيد لها، والتحرر والحرية في الفهم والنطق وبناء الكلمات بشكل مفهوم ليعطيها صلاحية التعبير والإنجاز في أي شيء..
وبما أن الكلمات نفسها التي قامت بعملية التفكيك، وليس عامل آخر خارجي، وهذا يجعلها ذاتية القدرة والقوة، مما يوجهنا للقدرة الذاتية في تحرير الذات من أي قيد، وأن كل نفس تملك قدرات متينة تساهم في تشغيل الإرادة والسيطرة على مكامن الضعف وتحرير النفس من قيود الصمت، وأنه لا توجد قوة تقوم بعملية التغيير كقوة الذات نفسها، فقد قال تعالى؛
*{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ*} [الرعد:11]، فعملية التغيير من الذات يدعم عدم الاتكالية على الغير، ويعزز من قدرات الذات في صنع المستحيل، لأن الاتكالية على الغير يفقد الإرادة والتحرر من أي غزو خارجي، إن كان غزو بالمشاعر أو بالفكر أو غير ذلك...لذلك بتفكيك الكلمات ذاتها للقيود، يعطينا عملية توجيهية وعظة وتثبيت لقدرات الذات من سيطرة الضعف عليها. وهذا مؤشر للقدرات المختلفة التي نستطيع وأدها وتركها خوف النزوح خلف الضعف والهموم واليأس والأحزان...
ثم ننطلق لتفسير آخر لقيود الكلمات، وهي قيود الكاتب أو الشاعر أو الأديب الذي يملك الكلمات قولًا وكتابة ليعبر عن حرية الرأي بصراحة قلمه وللتنفيس عن مشاعره ليعيش في حدود الأمن الذاتي والأمن الاجتماعي والأمن السياسي والاقتصادي وغيره..

لنذهب للمعنى الآخر في الوأد والاتهام والساعات والهذيان والمقاومة ومعنى المقاومة وعملية التفكيك، لننطلق بعد المبادرة في فكّ الكلمات لقيودها، للانطلاق والانخراط في صفوف المقاومة التي تقاوم الهذيان..
نأتي لجمع كلمة /صفوف/ تعني جمع كثير وليس قلة، ففي معنى الصفوف الوحدة والتعاضد والتكاتف وكل ذلك في مقاومة الهذيان..فجمع غفير ينضم لصفوف كثر بهدف المقاومة، والمقاومة تكون لدحر الاعوجاج وتصحيح المسار لأية فئة كانت..والمقاومة تحتاج لجمع كثير حتى يتم القضاء على الأمر كله حتى لا ينتشر لخطورته..فالمقاومة كانت بهدف القضاء على الهذيان، وماذا يعني بالهذيان وما هي أسبابه، وهل الكاتب يقصد معنى مجازي أو شيء آخر...؟
/وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان./
الانخراط معناها، الانضمام والالتحاق..وهذا الفعل تم اختياره بذكاء ودهاء وحكمة، لأن الانخراط تدل على انضمام لصفوف قائمة من قبل قد تمّ تشييدها وتدريبها من زمن، والانخراط فيها تدل على انضمامه للصفوف التي تأسست من قبل، ليتم تدريبه والعمل عليه..وليس انخراطه في صفوف لم تعمل على التدريب عليها..
فالكلمات بعد تفكيكها للقيود انخرطت وانضمّت لفئات موجودة من قبل تقوم بعملية المقاومة..
/الهذيان/
هَذَيان كما جاء في قاموس المعاني:
• 1. كَلاَم مُفكّك وغير مَعْقُول، كلام لا يُفْهَم ولا مَعْنى له.
"هَذَيان شيخ"
• 2. حالة مريض في اللّاَوعي يَتكلَّم بأشياء غير معقولة.
"نَوْبة هَذَيان"...
هذا هو حال من يصيبه الهذيان، التشتت وعدم التركيز وكلام معقد ومقيد بقيود اللاوعي، فمقاوته يعني عدم انتشاره وعدم استمراريته، لأنه ينزع من العقل والنطق الاتزان، ومقاوته تعني تقويم اعوجاجه..وكأن الكلمات أصابها خلل بسببه تم الضياع ..لذلك المقاومة هو الحل لترويض الكلمات في مدارها ومسلكها الصحيح..لن الهذيان سبيلًا للجنون وفقدان الثقة وسوداوية السلوك..
لذلك لو افترضنا الهذيان هو إدعاء أهل الباطل لأهل الحق، يسمون من يقول الحق وكلمة الحق في وجه سلطان جائر أننا في دائرة الهذيان؟؟؟فيُنسبون الجنون لأهل الحق مبرّرين صدق أفعالهم الباطلة ويتكئون على الأباطيل مقابل تحقيق رغباتهم..ويجوز العكس أن يكون صحيحًا،،
وفي تلخيص للمرض، فإن عملية الصحوة وتفكيك قيود الظلم والوجع والهموم، هي بداية الاقتران بالحقيقة والعمل على قص وقطع رؤوس الهذيان ليستقيم الحال وينمو الواقع بلا علل ولا أوجاع...
في هذا النص ستطيع أن أحوّل منظومة المعاني، لحالة الإنسان وهو يقبع تحت تأثير البيئة التي يعيشها سواء كانت حالة خاصة بالفرد نفسه أو حالة مجتمع قريب من الكاتب نفسه، في الحالتين هو يعيش في حالة سيطرة وتقييد الذات تحت ضغط وحكم ما يجعله مقيدًا لا قوة ولا قدرة في السيطرة عليها، حتى فاض به الكيل وطفح حتى فار تنور الإرادة ليفكك قيود الصمت لينخرط في صفوف المقاومة للهذيان...

الكاتب والفنان والأديب والناقد الكبير أستاذنا البارع المفكر الواعي
أ.عمر مصلح
كنا في حضرة حرف يحمل صراع الواقع بين الحق والباطل، والجهود التي تبذل للقضاء على أصحاب الفتنة وتمزيق ما يحمل المجتمع من أوجاع وآفات وفساد...
والنص بجمالياته ودلالاته العظيمة التي تمتد من الفرد لتصل لأعلى الهرم في المجتمع، كلها تفسر باختصار هموم عربية وأوجاع الأمة تحول بين الفرد ووطنه وهويته...
جزاكم الله كل الخير لمساحات الجمال التي فرضت علينا التدبر والتأمل بأبعاده المختزلة..
وفقكم الله ورعاكم حق رعايته
.
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-09-2021, 10:01 PM رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : شلل دماغي
النّاص : أحمد داود الطريفي ( أحمد الحماد)
القراءة : جهاد بدران


..............


النّص :

سألوه : إلى أي الأحزابِ تنتمي ؟
قال : الله
فقتلوه
وأقاموا الصلاة ..!

.........

القراءة :



التقاطة مذهلة وومضة مشرقة للفكر وآفاقه وللذهن ونشاطه..وللقوة في العمق..
من هذه الومضة تفتحت شرفات التأمل والتدبر بين أبعادها المختلفة ..
طريقة حياكتها كانت مذهلة..إذ تفوّقت على السياسة في نظمها..وعلى المجتمع في تفككه ونزعاته..
فالكاتب عندما بدأ ومضته هذه بدأها بصيغة الجمع وليس المفرد..حينما قال:
( سألوه)..
وهذا يدل على جماعة أكثر من ثلاثة لا يتحدد العدد إلا بحجم عملهم..وسؤالهم:

(إلى أي الأحزابِ تنتمي ؟)

يعني له اعتبارات كثيرة وأبعاداً سياسية عظيمة..
ولمجرد استجوابهم بهذا السؤال يعني نزع حرية الفكر والإنتماء من ذهن كل إنسان وزعزعة الأمن والأمان ..والذي يثبت الإضطهاد والتسلط والظلم فيما بعد ..
والسؤال لأي حزب تنتمي..دليل على وجود كثرة الأحزاب والتمزق بينهم بلا مراعاة لحق العيش الآمن وحرية العبادة أو ممارسة الحرية بما يليق لحرية الفرد دون قهر أو تسلط..
لكن مع هذا السؤال يوحي لنا بالظلم والدكتاتورية التي يعيشها الفرد في ظل حكم مستبد ظالم لا يبحث عن الحرية والعدل والحق الذي يرضي بنود السياسة أو يرضي بنود الشريعة السماوية في كل الديانات..
والسؤال هذا يدل على التمزق الإجتماعي على الصعيد الجماعي والفردي داخل المجتمع الواحد وعلى الصعيد العام في ظل الحكم القائم...
ويكمل الكاتب ومضته بقوله:

(قال : الله )

هنا يتجلى ذكاء وفطنة الكاتب في تحديد حروفه وفق منظومة عادلة له لئلا يجلب الفتن للآخرين من خلال تحديد الإحابة..ولا يفتح أفواه المغرضين لدسّ سموم الحوار كي لا يتم التعدي على دين أو شريعة معينة..
فقول ..الله..كلمة عامة للجميع لا تظهر انتماء لأحد ولا لديانة معينة ولا لحزب واحد بالذات..بل جعلها مفتوحة التأويل كي تلائم جميع الأطراف ليقف كل واحد عند حده الخاص..
فكلمة ..الله..فيها من الحكمة والعبرة والوعظ ما يحملنا للبحث بشل عقلاني لا طائفي ولا حزبي لأية فية..
فكل البشر في الكون تتلفظ بهذه الكلمة مناجاة أو دعاء أو منهاج حياة..
أو عبادة..تليق بكل فرد في الوجود..
والأجابة ب..الله..تدل على عدم الأنتماء لحزب أو مذهب معين..جعلها الكاتب عامة حتى يظهر العنف والفساد المستشري في مجتمعاتنا العربية وما فعلته الأحزاب المتسلطة الشاذة عن الحق والعدل وما يرضي الله..
لكن ما نتج من جواب الفرد هو عملية الإستبداد بالقتل دون أن يتحروا انتماء هذا الفرد..وهذا بحد ذاته ظلم فظيع تمارسه الدكتاتورية في الحكم على الآخرين..إذ كان نتاج فعلتهم القتل..بقول الكاتب:

(فقتلوه
وأقاموا الصلاة)

وهذا يدل على عدم حرية الفكر والإيمان وحرية الرأي..استبداد بكل معنى الكلمة..قتلوه لأنه تلفظ بكلمة الله..وهذا يدل على أحزاب الكفر وممارسة التعذيب من خلال فرض الحياة للحياة على طريقتهم الخاصة وتحت سيطرتهم المستبدة..
فلا يحق لأي إنسان في الكون قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..
فحرمة الإنسان ودمه بانتهاكها ظلما أعظم من عبادات كثيرة ..وهي من الكبائر العظيمة التي لا يغفرها الله لعبده إن كانت ظلماً..
لذلك نفهم أن الذي قتلوه هم من فئة تصلي لله..والدليل قول الكاتب
( وأقاموا الصلاة)
إقامة الصلاة بعد القتل..لا تدل على أنهم صلوا عليه..بل إقامة صلاتهم الخاصة بعد ممارسة الذبح والقتل بطريقتهم الخاصة أو صلاة معروفة كصلاتنا إلا أنهم من الظالمين المستبدين..وكأنهم يفرحوا بصيدهم قربانا لربهم..
..
الكاتب الكبير الأديب المبدع
أ.أحمد داود الطريفي (أحمد الحماد)
بوركتم وحرفكم المتقن وومضتكم العميقة التي حملت من الدلالات الكثير والتأويلات المختلفة التي تدل على براعتكم وإبداعكم
بوركتم ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 23-03-2022, 11:23 PM رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

قراءة جهاد بدران لقصيدة/الشاعر/ خالد صبر سالم

النص: قصيدة الشاعر
الناص: خالد صبر سالم
القراءة: جهاد بدران
.........................
النص:


الشاعر

دَثــَّرَ الـلـيـْـلَ بـالــنــدى والأرَقْ
ورَفــيـقـــــاهُ حِبْــرُهُ والـورَقْ

طارَ فوقَ السحابِ يغوي شموسـاً
تائهـــاتٍ واحْتـالَ حتـّى سَــــــرَقْ

عَلـّـَمَ البــدْرَ كيــفَ يبـدو جميــلاً ؟
قَبَّلَ اللـونَ في شـِـــفاهِ الشــــفـَقْ

وغيــومٌ تـزورُهُ فــي الليــالـي
إنْ تلاقـتْ فـي مُقـلـَتـَيـْـهِ بَرَقْ

يَحـْمـلُ الزيـتَ ، لـو خبا أيُّ نـَجْمٍ
أمطـرَ الزيـتَ فوقَـــــهُ والألـَـقْ

يُرقِـصُ الـليــلَ بالغنـاء ويُمْسـي
فوقَ عينيـهِ شَـــهْقـةٌ للغَسَــقْ

دربُهُ الـوهْـمُ والهـوى مُبتـغـاهُ
وجـنـونٌ يسـْــــري بــهِ والقلـَـقْ

لوَّنَ الصـمْتَ بالـحروف وأعطـى
للـقـوافـي ما خَفَّ لفـظـاً ودَقْ

كـُلـّمـا اسْـــــوَدَّ ليــلـُهُ بهمــوم ٍ
أسْـــرجَ الليـلُ شَــــــيبَـةً فأتلـَقْ

وإذا مـا الخيــالُ ذابَ رقيـقـــاً
صـــاغَ منـــهُ قـلائــــداً وحَلَـقْ
***
وأشـــــاعـوا انّ الكـلامَ لـديـــهِ
مَحْضُ كِـذبٍ جمالـُـــــهُ مُختـَلـَقْ

كـذبـوا… بـلْ حروفـُهُ كعـذارى
زاهــداتٍ ينـطـقـْنَ مِنْ وَحْي حَـقْ

هــوَ والـفـنُّ والـجمـالُ رفـــاقٌ
غاصَ فيــــــهِ الجمالُ والفـنُّ رَقْ

وغريرٌ ما إنْ يرى السِــحْرَ بَحْراً
فـي عيـونٍ إلا مضــى لـلغـــرَقْ

فيــهِ قلـبٌ يتـوقُ للعشـــق لكـنْ
هـوَ يبكي مِنْ خشـــيةٍ إنْ عَشــقْ

وهْوَ(قيسٌ) في عِفـّةٍ حينَ يَهوى
وعفافٌ بَراهُ سَــــوْطـُ الـشــــَـبَقْ

وهْـوَ فـي زهْـــدهِ إمامٌ ولكـنْ
رُبّمـــا ابْـتـَلَّ لـيـلـُــهُ بـالـعَــرَقْ

هــوَ نــورٌ وفيـهِ عـشُّ ظــلامٍ
بلْ ظـلامٌ عافَ الـدُجـى واحتـرَقْ
***
فيــهِ رجْسٌ مِـنَ الشـــياطين لكـنْ
فيـــهِ لـلأنبيـــاء ِ غـارٌ يُشَـــــقْ

مُتعَــبٌ يَجـدفُ الـخيــالَ بحِبـْـرٍ
وشــــــراعــاهُ قـلـْبُـــهُ والأرَقْ

وهــوَ طـَيرٌ مـا بـاعَ يومـاً غنــاءً
حسْــــــبُهُ الروضُ زهْرُهُ والعـَبَقْ

شــــرَفُ الحَرفِ عندَهُ مثلُ وَحْيٍ
مِـنْ اِلـهٍ فـالـحرْفُ لا يُـرْتــــزَقْ

مِنْ حروفٍ في(كـُنْ) تـَكوَّن كـَوْنٌ
كيـفَ حَرْفٌ يُبــــــاع ُأو يُختـَرَقْ؟!
***
اِنّهُ الشــاعرُ المُشـَـظّـّى خيــالاً
وغـرامـاً وعِيشُــــــهُ فـي رَهَــقْ

فاقرؤوهُ يَعلـقْ بكـمْ دَفـْقُ عطـْرٍ
واســمعوهُ فالســـحْرُ في ما نطقْ



............................
القراءة:


الشاعر
/دَثــَّرَ الـلـيـْـلَ بـالــنــدى والأرَقْ
ورَفــيـقـــــاهُ حِبْــرُهُ والـورَقْ

طارَ فوقَ السحابِ يغوي شموسـاً
تائهـــاتٍ واحْتـالَ حتـّى سَــــــرَقْ/

من خلال هذين البيتين نستطيع أن نحكم على قوة البنيان في التراكيب البنائية للقصيدة، فكأنهما مفتاح الجمال لها، فمن ناحية يوظف شاعرنا الفعل الماضي/دثّر/ لليل كي يغطيه أو يدفئه من البرد بالندى والأرق، بالرغم من أن الندى يحمل البرودة أيضاً، لكنه للورد والنباتات يعتبر الدفء لهم، وكأن الشاعر يريد تدفئة الليل بما يناسبه من صفات، كي يكون الفعل صفة مناسبة للمفعول به،
ثم الأرق الذي يحمله الشاعر جعله متحركاً مع صفات الليل ومتلاصقاً بفاعليته، فكان من النّدى له معنى الإيجابية في التدفئة، والأرق استرق منه المعنى السلبي، ليكونان في تضاد اجتمعت مع الليل والشاعر، ليكون تعبيراً عن أعماق الشاعر وما يلاقيه من جهد وتعب وهو يحلق بفكره وخياله مع حبره والورق، فوق السحاب فيغوي الشموس بهدف استحضار مكنونات القصيدة، حتى وكأنه شبّهه بالسارق للأفكار من عيون العلوّ في السماء مع الخيال.
/عَلـّـَمَ البــدْرَ كيــفَ يبـدو جميــلاً ؟
قَبَّلَ اللـونَ في شـِـــفاهِ الشــــفـَقْ/

/عَلـّـَمَ البــدْرَ/ما أجملها من صورة مفعمة بالجمال والسحر، إذ هو الشاعر الذي يزركش بكلماته وجه البدر ليكون مكان تدبر وتأمل من خلال ما يوحيه من أحرف على وجهه ليراه الناس بمنظار جميل من فوهة قلم الشاعر ومن زاوية لوحته الإبداعية التي رسمها له بإتقان، وهذا كناية عن قدرة الشاعر في رسم الجمال على وجه كل لوحة يخطها ويلوّنها وفق إحساسه النابض وقلمه الرشيق.../كيــفَ يبـدو جميــلاً ؟*/مع علامة استفهام يعود جوابها للخالق المبدع البديع فيما خلق، وبمعنى أن الناس لا تلتفت لأوجه الجمال في البدر وجماله الساحر لولا أن بثّ الشاعر فيه روح التأمل، ومن خلال حروفه استطاع أن يلفت نظر الناس للبدر لرؤية آيات الإبداع والجمال الذي رسمها رب العزة في كونه وسمائه، ليكون الشاعر أداة تحفيز وتوجيه لمواطن كثيرة يغفل عنها الإنسان..ثم يكمل الشاعر قوله:
/قَبَّلَ اللـونَ في شـِـــفاهِ الشــــفـَقْ/هذه صورة شعرية فنية فاقت حدود الجمال بوصف الشاعر لجمال الشفق وجمال البدر من هذا اللون الساحر في الشفق، وكم هو آية متقنة الرسم والسحر، سبحانه وتعالى أحسن الخالقين...عملية التقبيل تدل على قمة بلوغ الجمال وانتهاء بتقبيل الصورة التي لمسها بحبّ وانسجام وذوبان مع حالة هذا الجمال الرباني...
/وغيــومٌ تـزورُهُ فــي الليــالـي
إنْ تلاقـتْ فـي مُقـلـَتـَيـْـهِ بَرَقْ/

الغيوم تحمل في جعبتها المطر والخير لتروي الأرض والبشر من ظمأ، وهنا أرادها الشاعر كناية عن الأفكار الذي يريد أن يلتقطها بما فيها كناية عن صيد الخاطر، فهي تزوره في الليالي، وليس في الصباح أو النهار، وذلك لما يحمل الليل من الهدوء والسكينة وإتاحة المجال للفكر أن يسبح في الأفكار وكيفية جمعها بكل أريحية دون أن يعيق عليه أحد والناس نيام..
استخدم الشاعر الفعل المضارع/تـزورُهُ/ وليس الفعل/تأتيه/بدقة متناهية،حيث أن الفعل /يزوره/من المصدر زيارة، وهي تأتي كضيف لا يمكث كثيراً عند صاحبه، كالفكرة التي تزور الشاعر سريعاً وتختفي إذا لم يقتنصها ويدوّنها في مخيلته وذاكرته أو على الورق، لذلك اختياره لهذا الفعل كان بمنتهى الذكاء والدقة المهارة..
/إنْ تلاقـتْ فـي مُقـلـَتـَيـْـهِ بَرَقْ/
هذه الجملة ابتدأت بحرف/إنْ/وهو حرف شرط جازم، تبعه الفعل الماضي/تلاقتْ/ وهو جملة الشرط الفعلية التي تجلْت بهذا الفعل الماضي ليكون جواب الشرط هو الفعل الماضي/بَرَقْ/ فالجملة مرهونة ومشروطة في عملية التلاقي للغيوم في الأحداق لتتم عملية البرَق، والتي هي ظاهرة تدل على عملية المخاض للمطر والخير، كناية عن الأفكار التي تتمخّض في فكر الشاعر لتنزل محمّلة بالفكرة الجديدة..ثم /برَق/ فعل ماضي يومئ لنا بالإضاءة وإزاحة عوامل الظلام لتبزغ خلفها السماء بحلّة جميلة، وهذا كناية عن ظهور الفكرة من ذهن الشاعر وكأنه بزغ معها الضياء. ثم جعل الشاعر من الأحداق بالذات مجْمعاً للرؤيا الثاقبة للأشياء لتحديد معالمها وفق زاوية النظر التي تلامس الأشياء حتى تتم عملية الوصف لها بإتقان ودقة، لذلك توظيف هذه الجملة الشرطية كانت محل وصف صورة شعرية مذهلة حلّقت في ذهن المتلقي لجمع قوت الخيال..

/يَحـْمـلُ الزيـتَ ، لـو خبا أيُّ نـَجْمٍ
أمطـرَ الزيـتَ فوقَـــــهُ والألـَـقْ

يُرقِـصُ الـليــلَ بالغنـاء ويُمْسـي
فوقَ عينيـهِ شَـــهْقـةٌ للغَسَــقْ/

الصورة الشعرية هنا وما حملت من جمال وأوصاف، جعلتنا نلهث وراء اللفظة لاستخراج ما حملته رسومات تعود لخيال الشاعر الخصب..
استعمل الشاعر/الزيت/ كوقود للنجوم كي تدرّ عليه الأفكار البكر كلما خفت نورها، كي تبقى محل إضاءة لألق الحروف، حتى يُراقص بها الليل من جمالها، وحتى يكتمل اختمارها لتشهق عنها بالغسق وهو أول ظلمة الليل بعد الغروب،وكأنه يريد شهقة أخيرة للظلام كي تضيء الليل بأفكاره الجديدة..

/دربُهُ الـوهْـمُ والهـوى مُبتـغـاهُ
وجـنـونٌ يسـْــــري بــهِ والقلـَـقْ

لوَّنَ الصـمْتَ بالـحروف وأعطـى
للـقـوافـي ما خَفَّ لفـظـاً ودَقْ

كـُلـّمـا اسْـــــوَدَّ ليــلـُهُ بهمــوم ٍ
أسْـــرجَ الليـلُ شَــــــيبَـةً فأتلـَقْ

وإذا مـا الخيــالُ ذابَ رقيـقـــاً
صـــاغَ منـــهُ قـلائــــداً وحَلَـقْ/

هنا وصف حالة الشاعر وقدرته على تحديد ملامح كل شيء بحرفه وأبعاد خياله وأفكاره، وكيف يستطيع أن يحوّل الليل لنور من سراج هو فاعله نتيجة فرز الهموم عن طريق القلم والشعر، ثم يصفه دائم الهموم والقلق، من كل ما يحيطه من أحداث وأزمات، لينقلها عبر أثير حرفه، فالشاعر يملك مشاعر الخلق وهمومهم وقضاياهم، لذلك يبقى في حالة شعورية دائمة القلق، يحلّق عبر خياله لأبعد مدى حتى ينسج من الآفاق ما يبقي قلمه حياً بفرز قوافيه من جمال السبك وبناء الحرف..

/وأشـــــاعـوا انّ الكـلامَ لـديـــهِ
مَحْضُ كِـذبٍ جمالـُـــــهُ مُختـَلـَقْ

كـذبـوا… بـلْ حروفـُهُ كعـذارى
زاهــداتٍ ينـطـقـْنَ مِنْ وَحْي حَـقْ

هــوَ والـفـنُّ والـجمـالُ رفـــاقٌ
غاصَ فيــــــهِ الجمالُ والفـنُّ رَقْ

وغريرٌ ما إنْ يرى السِــحْرَ بَحْراً
فـي عيـونٍ إلا مضــى لـلغـــرَقْ/

يصف هنا حالة الشاعر وهو يتعرّض لما يشيعون عنه أنه كلامه وجمال ما ينسجه هو محض كذب واختلاق، ليدافع عنه الشاعر بنفي هذه الاختلاقات، ليبرز محاسنه بأوصاف العذارى لحروفه، ونطقه الحق، بل يقدم للأدب الفن والجمال..
الشاعر هنا استعمل الصور البارعة والتشابيه/ كعذارى/ كي يضفي القوة على ألفاظه، وتكرمه بموقعه من البلاغة والبراعة في القول والفصاحة، وحذقه بصناعتها ما جمعت بين السهولة والرصانة مع السلاسة، وبين العذوبة والجزالة.. مما يفتح المجال للخيال أن ينسجم مع فكره العميق ضمن الدلالات المختلفة التي تقبع بين أوصاف الشاعر ومهامه العظيمة في نقل الصورة الحية من الواقع عبر قلمه البليغ وتجسيده المتقن لما يصادفه من حقائق أو ما ينسجه الخيال من تأويلات رؤيا تكون صيداً نفيساً يدلي بها بفكره الخصب..
في هذه الأبيات نلاحظ ارتفاع نسبة الإقاعات الموسيقية والنبرة في النغمة على شكل لحن جميل، وهو يرسم التكرار لبعض الكلمات كتكرار كلمة/جمال/ ثلاث مرات، وكلمة/ الفنّ/ مرتين..
/فيــهِ قلـبٌ يتـوقُ للعشـــق لكـنْ
هـوَ يبكي مِنْ خشـــيةٍ إنْ عَشــقْ

وهْوَ(قيسٌ) في عِفـّةٍ حينَ يَهوى
وعفافٌ بَراهُ سَــــوْطـُ الـشــــَـبَقْ/

يظهر الشاعر أوصاف الشاعر الحقيقي في مسألة عشقه وحبه، فهو يظهر أن الشاعر له قلب يحب ويعشق ولكنه يخاف من ذلك العشق أن يودي به لما لا يحمد عقباه فينسلخ عن درجات النقاء والطهر، وخوفاً من حرفه إن وقع في الذنوب، فالشاعر كما وصفه في حبه عفة وعفاف بعيداً عن الشهوات التي تلطخ نقاءه وطهره..فالشاعر أبعد من ذلك لأنه يحمل الحب العذري كقيس في حبه العفيف للقلب لا للشهوة..
ثم يصوّر لنا صورة الشاعر ويجسدها بأوصاف دقيقة تزيد من عمق التأمل والتدبر. إذ يقول:

/وهْـوَ فـي زهْـــدهِ إمامٌ ولكـنْ
رُبّمـــا ابْـتـَلَّ لـيـلـُــهُ بـالـعَــرَقْ/

هنا يرسم شاعرنا صورة الشاعر في زهده وتبتّله بتصويره كالإمام والرجل العالم الجامع للخير ‏، وكقائد للشعراء، بسبب ما يجمع من درر الكلام والبلاغة وجمال الألفاظ وقوة بناء التراكيب، لكنه يضيف له، أن ليله يبتل بالعرق من كثرة الجهد المضاعف في اعتصار خياله وفكره للحصول على لوحة بارعة الجمال، وكأنه يقول لنا أن الليل هو مفتاح الإلهام لحروفه وقصائده، من خلال ما يتدفق من الليل من سكينة وهدوء تسمح للخيال وللأفكار العبور في مخيلته بطريقة صافية لا يعكرها شيء من إزعاج أو ضوضاء.. لذلك الشاعر وضع للشاعر صورة بهية ينسجم مع قدرة الشاعر على الإتيان بكل صور الإبداع..

/نــورٌ وفيـهِ عـشُّ ظــلامٍ
بلْ ظـلامٌ عافَ الـدُجـى واحتـرَقْ/

هنا تتجلى عناصر السحر والبراعة في صورة الظلام الذي يرقد عشه في منازل النور، وقد عاف واحترق الدجى فيه من كثرة وشدة ضوء ذلك النور الذي كان سبباً في هذا الاحتراق، والنور هو تلك الصورة المضيئة التي وضعها الشاعر لأوصاف الشاعر، وكأنه المرآة النقية التي تعكس الذات الحقيقية للشاعر الحقيقي وليس الذين يتطفلون على الشعر ويصعدون على الأدب بلا جذور وأساس حقيقي للشعر..
/فيــهِ رجْسٌ مِـنَ الشـــياطين لكـنْ
فيـــهِ لـلأنبيـــاء ِ غـارٌ يُشَـــــقْ/

الشاعر هنا يضعنا بين صورتين متناقضتين للشاعر، من ناحية يصفه
/نــورٌ وفيـهِ عـشُّ ظــلامٍ/ ومن ناحية أخرى يصفه/فيــهِ رجْسٌ مِـنَ الشـــياطين/ وهذا يعزز صورة الإنسان الذي خلق فيه نزعة الخير ونزعة الشر، ولا يخلو إنسان من وسوسة الشياطين له، ليغويه لطريق الضلال، وهنا تأتي درجة الإيمان وقوة الإرادة في التحكم بأنياب الذات التي تميل لعمل الشيطان، درجة القوة تكمن بقوة الإيمان، والتي يصدر حينها النور الذي يوقد في طريقه نحو الأمان والحق..بينما إذا اشتدت عليه وساوس الشياطين فإنها تغويه ليخرج عن دائرة الإيمان، ويصل للكفر خين ينسج حروفه بالألوهية وكأنه أصبح إله الحرف لا يغلبه أحد، لتكبر فيه خصال الكبَر والتكبر والتجبر فلا يرى أحد بمنزلته، وهذه الخصال تؤدي لمنازل الكفر البغيض، فالشاعر يقصد أن كل إنسان معرّض لغواية الشياطين، إلا أن الشاعر الحقيقي يسلم من هذه الحالة، بقوله:
/لكـنْ
فيـــهِ لـلأنبيـــاء ِ غـارٌ يُشَـــــقْ/
هذا التناص من القرآن وسيرة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي يأخذنا لغار ثور وغار حراء، غار ثور، تذكرنا بالهجرة بدين الله خوفاً من الكفار من القتل، انطلاقاً من غار حراء التي هي اتصال السماء بالأرض عن طريق الوحي لتعليم رسول الله رسالة السماء وبثّها للبشرية جمعاء..وانتهاء بغار ثور، فللغار معالم توحي بالكثير من الدلالات التي من خلالها تغيّرت معالم الأرض من الظلام إلى النور بدين الله سبحانه وتعالى..
الشاعر أراد ن يلفت انتباهنا لقدرات الشاعر في تحريك عصب الأمة من خلال شعره وكلمة الحق في وجه الباطل والتوجيه نحو القلم لبثّ الدعوة لله وعدم الصمت بل بالجهر بكلمة الحق أمام سلطان جائر.. وطبعاً ندرك قوة القلم حين يقف أمام لسان الظلم ليفتك به..وهو يعلم يقيناً بأنّ قوة قلمه ستودي بحياته بسبب نطقه بنور الله..كما حصل مع المئات من العلماء ومنهم الشعراء الحقيقيين..
لذلك الشاعر قال:/غـارٌ يُشَـــــقْ/وهو يوحي لانطلاقة الشاعر، وهو يقبع في الغار تأملاً ورهبانية، للكلمة الحقة والثورة على الباطل وأهله...

/مُتعَــبٌ يَجـدفُ الـخيــالَ بحِبـْـرٍ
وشــــــراعــاهُ قـلـْبُـــهُ والأرَقْ/

ما أبلغ هذه الصورة التي جاءن تواكب المراحل التي يخوضها الشاعر قبل ولادة القصيدة، ما بين تكوين نواة الحرف حتى تمتد لبناء الكلمة لتنتهي في زفاف القصيدة، مراحل متعبة جداً تحتاج الوقت الشاق، فالشاعر هنا يصف المشقة التي يتعرض لها الشاعر في محض ولادة القصيدة، الأوصاف التي يرسمها هنا تبدأ من الخيال وهو يسبح في نهر الحبر أو بحره، ثم يستعمل الفعل المضارع/يجدّف/ وهذا الفعل يواكب ويلائم عملية تحريك الحروف للوصول لبر الأمان على شاطئ القصيدة، فالتجديف وصف بليغ كي نحرك فيه ثمار الكلمات وما نتلقاه من الجهد فيه للوصول لعملية حصاد القصيدة، لأن الخيال يحتاج للجهد العظيم باستخراج مكنون سحره والعلو في قمته ولملمة الكلمات واجتماعها كمنظومة إبداعية عن طريقها نحرك ذائقة المتلقي، والخيال يحتاج من الشاعر الجهر للسبح في بحور اللغة لاستخراج كنوزها على هيئة لوحة شعرية متدفقة الجمال.. والأبلغ من هذا التوظيف ما زاد عليه في عملية التجديف شراعاه:
/وشــــــراعــاهُ قـلـْبُـــهُ والأرَقْ/
فالقلب وهو منبع الأحاسيس، والأرق شراعه الثاني، به يبقى الشاعر يتخبط في استجماع حروفه حتى تستقر بكامل قواها كقصيدة تحرك مواطن الإحساس في القلب، فالقلب شراع مهم جدا في تحريك عصب المتلقي، بدونه لا نبض لقصيدة ولا تفاعل من القارئ، فالمشاعر هي المحرك الرئيسي للقصيدة، وإلا تفقد روحها وحلاوتها...
/وهــوَ طـَيرٌ مـا بـاعَ يومـاً غنــاءً
حسْــــــبُهُ الروضُ زهْرُهُ والعـَبَقْ

شــــرَفُ الحَرفِ عندَهُ مثلُ وَحْيٍ
مِـنْ اِلـظ°هٍ فـالـحرْفُ لا يُـرْتــــزَقْ/

الصورة هنا تتبع ما قبلها من قوة البناء وحسن التراكيب التي تجمع ما بين الحرف والمحتوى بدقة متناهية.
وصف شاعرنا الشاعر بالطير، ولم يصفه بالنسر أو الصقر، بل جعل من الشاعر إنساناً رقيقاً بمشاعره وقلبه كصفة الطيور برقتها وجمال براءتها، وحيث لا تعرف الحقد والضغينة، فالشاعر روحه حساسة جداً وقلبه يتراقص نقاء وعفة وصفاء، وهذا الوصف تشبيه لخصال الطير الرقيق، ثم يعرض لنا صفات هذا الطير والذي يشبهه بالشاعر/ ما باع يوماً غناء/ بمعنى أن الطير لا يتاجر بصوته، بل يغني بلا مقابل على السليقة والبراءة، والشاعر أيضاً لا ينظم حرفه للتجارة بالبيع والشراء، بغض النظر على وجود من يبيعون حروفهم للغير من أجل المال وغيره..
/حسْــــــبُهُ الروضُ زهْرُهُ والعـَبَقْ/
من نقائه وشفافيته أنه يكتفي بالبستان الذي يقف فيه إو يعيش وسطه بين زهوره وعبقه، وهذا يدل على القناعة والرضا بما هو فيه دون تملق أو ضيق..
والشاعر يعيش بالقناعة والرضى تحت سقف الحمد والشكر..حيث لا يشتري الحرف الذي لا يرتزق، وهذا هو قمة الشرف في تلقّيه الإلهام والوحي بعون الله ومشيئته..

/مِنْ حروفٍ في(كـُنْ) تـَكوَّن كـَوْنٌ
كيـفَ حَرْفٌ يُبــــــاعُ أو يُختـَرَقْ؟!/

هذا البيت لوحده يجعلنا نقف أمام حروفه تأملاً وتدبراً، وقد نقلنا الشاعر من خلاله نحو خالق الكون والتدبر فيما خلق، وكيف بقدرته العظيمة إذا قال للشيء كن فيكن، وكيف عظمته هذه لا تخضع له البشر أو تلين في قلوبهم المخافة والخشية من عقابه، ولا تدخل القسوة للقلب إلا بالمعاصي والذنوب والفساد، وهنا ربطها الشاعر بمن يبيع حروف غيره بعد أن ينسبها له أو يخترق مملكة غيره من القصائد ليتاجر بها لحسابه..فالشاعر يضع علامة التعجب والاستفهام، كدليل لاستغرابه ممن يسرقون حروف غيرهم ليتسللوا لمناصب أدبية..

/اِنّهُ الشــاعرُ المُشـَـظّـّى خيــالاً
وغـرامـاً وعِيشُــــــهُ فـي رَهَــقْ

فاقرؤوهُ يَعلـقْ بكـمْ دَفـْقُ عطـْرٍ
واســمعوهُ فالســـحْرُ في ما نطقْ/

ينهي الشاعر لوحته الفنية كملخّص لصفات الشاعر وما يحمل من خيال مذهل يشوبه الأرق كلما نوى استحضار القصيدة من أفق خياله، فهو ينصح بالقراءة والاستماع لهذا الشاعر وما ينثر من عطر حرفه ليعلق على ألسنة قرائه من هذا العبق الفاتن. كناية عن جمال وعظمة الرسالة الأدبية التي ينقلها الشاعر عبر الأجيال بالتواصل عبر الأقلام.. رسالة الشاعر عظيمة، حين يوظفها في دروب الحق والصدق والنقاء، فيكون بحرفه أعظم من القنابل والأسلحة، لأن الكلمة الحقة الصادقة الهادفة، تؤثر في النفوس وتهذبها وتصقل الأرواح بما تستقيم بها الأعمال.
كانت خاتمة القصيدة فنية بارعة تدل على حرفية كاتبها وقوة قلمه..

الشاعر في هذه القصيدة حلّق بالمتلقي عند سدرة الجمال وقمة الإبداع..
فالقصيدة ممتلئة بالصور الشعرية التي وظيفتها في إيصال المعنى بطرق عدة، كالرمز والإيحاء، كتعبير عن عواطفه وأفكاره وفكره المتقد، بهدف تجميل الشعر بالرقة والصدق والجمال، فهي تعد عنصراً من عناصر الإبداع الشعري، ثم فيها من الجماليات، من بلاغة وقوة بناء وفصاحة، ولديه القدرة في التلاعب بالجمل والمفردات بأسلوب متفرد ليوفّر للمتلقي الدهشة، خاصة ما خلق من تنغيم موسيقي كان عبْر التكرارات..
هذه التكرارات المتعددة إنما جاءت لتحيي الموسيقى الشعريّة، داخل القصيدة وتبعث الجمال بين السطور، فتدخل إلى نفوسنا ما فيه من حلاوة جَرْس الألفاظ وانسجام في توالي مقاطع الكلام على مسافات زمنية وفق نظام ونسق معين، تحركها تلك التردّدات في القوافي وتكرارها وتكرار الكلمات التي تُكسب النص إيقاعاً محبّباً ذا أثر عظيم في النفس، لتنفعل معه القلوب.
فالموسيقى الشعريّة عنصر بالغ الأهمّيّة، يكتمل جمالها عندما تقترن بالأفكار وحسن الألفاظ وتأجُّج العواطف والتجلّي بقدرة الخيال، وتطويعها وفق معاني عميقة، لتكسب القصيدة درجة عالية من الكمال ومواطن الجمال. فالوزن والموسيقى ليسا كافييْن، دون المعنى الواضح الذي يساهم على الإصغاء والاستمتاع والتأثّر.

يستخدم الشاعر في القصيدة، التكرار للضمير الغائب/هو/فقد ذكره ستة مرات..وكذلك ذكر الليل ستة مرات/ الليل، الليالي، الليل، ليله، الليل، ليله/
ثم كان للتكرار من جمالية في الألحان من خلال تكرار لحرف السين الرقيق عذب النطق واللحن، فقد تكرر 14 مرة، وحرف الشين 18 مرة، وحرف القاف 49 مرة، وأما حرف الراء 50 مرة.
هذه التكرارات كانت عملية مساهمة في توزيع موسيقي داخل القصيدة، مما رفع من منزلتها ومكانتها، خاصة مع تدفق المعاني البليغة التي احتوتها القصيدة، وقدرة الشاعر في بناء متقن وتنسيق فني رائع للتراكيب الإبداعية، مما زادها قوة وجمالاً، لإكسابها إيقاعاً محبباً جميلاً بموسيقى عذبة مؤثرة بنغماتها تنساب مع أحاسيس الشاعر وانفعالاته..
إنّ تنوّع التكرارات في القصيدة، تفسح المجال لتنوّع النغمة الموسيقية للكلمة أو الجملة الواحدة، لتكشف لنا الحالة النفسية للشاعر وتجربته الشعورية بما تحمله من انفعالات وحس داخلي يترجمه الحس الخارجي وفق الأفكار التي تختلج في نفس الشاعر.
إنّ عملية التكرار لأي حرف، له دلالاته في فهم نفسية الشاعر، ومنها لها وقع شديد مثل حرف القاف، وهو حرف حلقي قوي يناسب موقف القوة الذي أكسب الأبيات موسيقى صاخبة قوية تتناسب مع غضب الشاعر لمن يتسلل ويخطف قصائد غيره لنيل الشهرة والمال. بالمقابل من حرف القاف الحلقي الشديد، يكرر الشاعر حرف الراء الرقيق، بنفس عدد التكرارات تقريباً، ثم حرف السين الرقيق وكأنه بين حالة مدّ وجزر، في معاني الكلمات وما يشعر به الشاعر من عواطف مختلفة، كلٌّ حسب موقعه في النفس الذاتية للشاعر مما أضاف ذلك إيقاعات داخلية عزفت الرقة والعذوبة في مجرى حلق القصيدة.
فالقصيدة بأكملها عبارة عن مقطوعة موسيقيّة عذبة الأنغام ومتدفقة الألحان، حيث بناها الشاعر على رويِّ القاف الساكن الشديد، ثم أكثر استعماله في سائر الكلمات في القصيدة، ربما ليكون تعبيراً شديد اللهجة لما لاقاه من الشعراء المتسللين بغير وجه حق بين الشعراء الأحرار، حتى أصبح حرف القاف مهيمناً على سائر الأبيات تقريباً،حتى أنعم علينا بقيمته الصوتيّة وأنغامه المؤثرة.

الشاعر الكبير المبدع المحترف
أ.خالد صبر سالم
كل الجمال ومتعة التذوق من خلال تدفق السحر من بين أنامل قصيدتكم الراقية، فقد أضأتم الأدب والشعر بحروفكم الراقية وعبقها التي تناسلت رقياً وجمالاً...
بورك بقلمكم وما نثرتم من بلاغة في سماء الأدب..
وفقكم الله ورعاكم وزادكم نوراً وعلماً وخيراً كثيراً
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:00 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط