|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
27-10-2011, 04:57 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
البحّار
أو حارس الماء حين انتهوا من التذرية ، و آن تخزين المحصول ، كان الكبير و كما عادته ، يصر على تعيين الحصص الخارجة أولا ، بعد ما يعرج على جموع المرابضين حول الجرن ، و يمنحهم استحقاقاتهم . هتف كبير الأبناء :" حصة البحار ضعوها على جنب ؛ لأحملها إليه ". بسخرية عقب الكبير : " نعم الناس مقامات .. ومقام البحار في عليين .. و لم لا يأتي و الصرمة فوق رقبته ، ليأخذها ؟! ". اهتز إبراهيم حين حاصرته عينا الكبير ، افتعل الانشغال ؛ ليلتقط ما انفلت من هدوئه :" أبدا .. عندي مصلحة بالقرب من عشته ". لا ينسى عبد الواحد أبدا لمسعود البحار ، أنه كان دائما كلبا لئيما ، نباح صافرته ، وصوت اصطكاك دراجته على الزراعية ، و بين المزارع ، مصيبة داهمة ، و بلاغ طائر ، سواء أذنبوا في حق الماء أو لم يذنبوا ، رغم عدم الإخلال بحصته في مواسم الحصاد . في مرة أخيرة كاد يتسبب في موت إبنيه غرقا ، حين أبلغ عنهما مدير الري العمومي ، فأتي على وجه السرعة ، و كانا قد أفلحا في فتح جزء من الهويس ، يسمح بعبور الماء الكافي لري أرضهم ، و هروب ابن خال لهما كان يرصد الحركة على البر بحماره ، دون صوت أو تحذير بأمر القادم ، و لولا توجسهما من فراره ، ما وقفا على حقيقة الأمر ، وما أبصرا مدير الري ، حتى غطسا معا ، بينما يضحك و بتهكم يردد :" إما أن تخرجا أو تموتا غرقا .. أنا لن أتزحزح عن هنا ". كما لن ينسى عبد الواحد أيضا ما لحق بأولاده من سجن و إهانة بسبب الري ، رغم أنهم لم يقصروا ، على مدي السنين ، في إثبات حسن نواياهم . توجس خيفة من إبراهيم ، و من أمره العجيب ، بحمل حصة البحار إليه ، فهو الوحيد بين أبنائه .. لا يغفر و لا ينسى ، و مهما طال الوقت . و رغم ذلك لم يحاوره ، و لم يثنه عن قراره . حين كان على الزراعية يستحث حماره ، كانت دموعها تتهاطل ، تشكل ضبابة كثيفة أمام عينيه ، و خجلها يتقاطر عرقا و حمرة قانية ، بينما الولد الصغير يلتزق بها ، يتداخل فى حزنها باكيا :" حتى اسأل ابنك .. ما احترم نفسه ، و لا خجل ، و أنا فزعة ، أبتعد و أبتعد ، وهو يتحرك كمصيبة داهمة ، و لولا ظهور مدير الماء قادما من بعيد ، ما عتقني ، و لا رحم ضعفي ". كتلة من جحيم كان ، يرتعد جسده بقسوة غريبة :" و لم لم تقولي .. لم سكتِ حتى الآن .. لم يا بنت الـ ...... ". بكم جلبابها مسحت وجهها :" أقول .. أنا عرفاك أحمر ، لن تطيق ، و أنا أبخل بك على هذا الكلب .. أقول .. أنا ما كاشفتك الآن إلا لتعذرني في عدم سروحي إلى الغيط .. لا عشت و لا كنت يوم أعصى لك أمرا ، فأنت ستري و غطائي ، و فرحي و نعيمي ، و مستودع سري ". طار عقله تماما ، حلق بعيدا عنه ، هجم عليها لاطما ، و هى تحط على الأرض بعينين دامعتين ، و راحة عجيبة تلفها ، كأنها وضعت حملا ثقيلا ، بعد طول عناء ، و الصغير يضمها ، يتلقى الضربات عنها :" و ما ذنبي .. ما ذنبي .. كنت بعيدة في حالي مع ولدي ، و إذا به يقتحم علينا خلوتنا ، و حاله ممتد أمامه كفضيحة ". فاتت شهور من قيظ و حريق ، وظل يتحين وقتا مناسبا ؛ ليتخلص من هذا الجحيم ، و حين كان يوقف حماره أمام بيته الواطئ ، مناديا :" يا مسعود .. يا ريس مسعود ". أقبل مسعود من الغيطان المحيطة ، مهللا له ، فاردا ذراعيه ، حاضنا إبراهيم ، فسحبه إلى داخل الوكر ، و بغتة يحكم قبضته على قضيبه و كيسه ، يضغط بقوة ، يعصر كعاصرة رهيبة ، فينهار مسعود على الأرض ، يتلوى كدودة تتمزق . إبراهيم يتفنن في إيلامه ، ثم يستل مطواة من جيب سرواله ، يمزق بها جلبابه و سرواله ، ليصبح أمامه جسدا عاريا قبيحا . و ضغطه لا يخف إلا ليشتد : أنا في عرضك يا حاج إبراهيم .. آآآآآآآآآآآآه .. الما ء لكم ، لن أتدخل بينكم و بين الرى .. البحر بحركم ، و ما أنا إلا غريب ". لم يتذكر بعد ، لم يستشعر ألم إبراهيم بعد ، لم يحس بحجم ما فعل .. و هنا كان يرشق ذراع المطواة في إسته : " قل أنا مرة .. قل و إلا ذبحتك" . كان الغضب يشتد ، و النار تعربد في بدنه ، لم تهدأ ، ولن تهدأ إلا بسلبه كل شيء : الأنفاس ، الحركة .. الإحساس بالألم ، يزيده نقمة عليه ، يدفعه للتنكيل به ، بل لقتله .. لذا لم يشعر بوجود عبد الواحد ، إلا حين رفعه من خلف ، و دفعه أمامه : يكفي هذا .. يكفي .. هيا بنا " ثم تفل في وجه مسعود المتفتت مايزال بين قبضة إبراهيم ، و ربت بحميمية علي كتفي ولده ، و دفعه بعزم مكين إلى خارج الوكر ! |
|||
27-10-2011, 08:03 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
المبدع القدير ربيع قصة جميلة رغم أن جوهرها قاتل، حكت معاناة الشعوب، نعم أخي ربيع، لكي يعيش الحوت الكبير، يجب أن ينهش أجساد السمكات الصغيرات بكل وحشية. سرد جميل ومضامين هادفة، الحقيقة أيها القدير منذ دخلت هذا المنتدى وأنت تثري، وكل قصصك مميزة ألف شكر تحياتي روضة |
||||
29-10-2011, 09:45 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
اقتباس:
روضة القاصة و الشاعرة الجميلة فرح أنا بانتسابي إلى هنا إلى الفنيق .. لأنك أنت هنا بكل ما تمتلكين من ذوق و ذائقة رفيعة وحس انساني كبير ، قادر على رؤية الامور بشكل جيد و مبدع !! شكرا شكرا أستاذة تقديري و احترامي لك شخصيا و قلمك |
||||
30-10-2011, 06:35 AM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
المبدع الكبير
ربيع عبد الرحمن قصة هادفة بسرد متزن شكرا جزيلا لك احترامي وتقديري |
|||
30-10-2011, 01:58 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
اقتباس:
و على ماخلفت هنا من سعادة محبتي |
||||
31-10-2011, 02:28 AM | رقم المشاركة : 6 | |||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
ويبقى العرض اغلى
وان كان كل شيء حي يعود الى الماء كنت رائعا كما عودتنا دائما استمتع كثيرا وانا اقرا لك بذكرك التفاصيل الدقيقة تجعل العابر يتغلغل في الموضوع لدرجة الشعور بانها يشهد الاحداث مودتي لك ايها الكبير |
|||
02-11-2011, 01:16 AM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
اقتباس:
شكرا أستاذة مالكة على مرورك الجميل و التفاعل مع هذا العمل المتواضع بكل هذه الحميمية ! خالص احترامي و تقديري |
||||
24-02-2015, 11:40 PM | رقم المشاركة : 8 | ||||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
من واقع الحال خرجت بناهذي اللحظة إلى تخوم هذا الواقع ، حيث من وإلى عمقه كانت الرحلة
الخطاب السردي حمل هدفا رسمت معالمه بحرفية ريشة الربيع الحبكة عقدتها تتجلى في القفلة بعمق وتمحو ما كان من عار لحق شرف إنسان يقاتل لاجل لقمة عيش نقية ومثل مسعود - والاسم هنا دال بطريقة رائعة - فسعادته يبنيها على جثث الآخرين اعتداء وسلبا لـحقوقهم ومن جهة اخرى سخرية الاسم في حد ذاته فهو المسعود المنحوس السفيه شكرا للربيع قصة تحتاج قراءات
|
||||
04-03-2015, 04:31 PM | رقم المشاركة : 9 | |||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
الأديب القدير
الأستاذ ربيع عبد الرحمن دمت مبدعا ومتألقا تقبل مروري |
|||
06-03-2015, 07:54 PM | رقم المشاركة : 10 | |||
|
رد: حارس الماء ..! / ربيع عبد الرحمن
قصة هادفة بسرد لذيذ، و حبكة مبنية بحكمة و ذكاء.
كان النص إدانة للمستغلين. لغة دقيقة و حوار كاشف. دمت راقيا، أستاذي، ربيع. مودتي |
|||
|
|
|