بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر) - الصفحة 5 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-10-2011, 02:49 AM رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

نظر في وجهها المشتعل بحمى ألمها ، فاشتعل قلبه عندما رأى جمال الحزن قد تفتح وردا فوق وجنتيها.. أحب قطاف غصن أمل من رياض المستحيل.. امتطى صهوة الشوق متحررا من سجن اللحظة.. موغلا في عمق الذات الموجوعة، فالتقى بها طفلة تسبح في الجرينة بشعر شقرته الشمس، ووجه ملأته نمشا.
ظل يراقبها من بعيد قبل أن يتجرأ ويكلمها.. ابتسامة عميقة ارتسمت فوق ثغره وهو يرى الفتى عادل يركض صوبها ليخرج من رجلها قطعة زجاج جعلت دمها يختلط بمياه البحر ، فارتشفه قلبه حتى آخر نقطة.
يبتسم بألم.. سيخرج هاشم إلى النور.. سترينه.. سنحبه ، وسيسبح في الجرينة.. يسمع أنينها.. يخرج من أعماق ذاته يطمئنها.. ينادي درة
- أم عادل أسرعي..
تركض على عجل.. تحمل البقجة فوق ذراعيها.. تغيب بها عن الضجيج.. عن عادل وحتى عن سراب وعن نفسها إلى نفسها.. تسمع هاشم يبكي.. تركض صوبه بخفق القلب.. تحمله.. تقبله.. تشبع عينيها من جمال طلعته وقد ارتدى فستان أبيه المطرز بالخيوط المذهبة والمفضضة.. ألبسته له رغما عمن لاتحب ذلك.. هو ابن عادل.. حفيد هاشم، وفستان أبيه أولى به من ديارة علية وإن كانت جديدة على الموضة..
- يااه ماأجمل الأصالة ياتيتا حتى بملابس المواليد.
يزداد هاشم بكاءً.. تهزه بين يديها.. تغني له وهي تؤرجحه في الهواء..
- لاتبكِ.. لاتبكِ.. ياهشومة لاتبكِ..
تمسح دموعه بأناملها المجعدة.. دموع ساخنة تحرق يدها.. تنظر منها إلى البعيد.. ترى البحر نارا ثائرة بين شطين في مد وجزر.. تمشط الرؤية بأصابع الدمع علها تستطيع إطفاء جذوة الحريق لحين إشراق الأمل باسما لقلوب أضناها الانتظار.. تحترق أصابع الرؤية..
تنظر إلى السماء.. كل كواكبها قد خبت وملأ دخان الحريق مابين البحر والسماء.. تتراجع عما ترى.. هي ابنة الحين لاتريد إرهاصات الماضي.. لاترحب بانكسارات آتية.. هاهو بين يديها تغني له:
- لاتبكِ.. لاتبكِ.. ياهشومة لاتبكِ..
لن تسجن نفسها في أفقها الآني.. ستمد رؤاها إلى آفاق جديدة لافرق عندها قريبة كانت أو بعيدة ، معقولة كانت أو مستحيلة.. لن توغل بآلام اليأس.. لن تشظي روحها باستفزاز القلق.. من حقها الآن أن تحدد خياراتها النفسية.. تعبت كثيرا على امتداد مساحة عمرها الحزين.. لن تضع رأسها في مقصلة الصمت بعد الآن ستغني لحفيدها فهو قادم :
-- لاتبك لاتبك.. ياهشومة لاتبك..
بالصمت تحدت الصمت.. بالصمت أطلقت لروحها العنان فاجتازت كل الحواجز.. أحست بنضوج الأمل في تلافيف دماغها.. هي حرة تمارس الآن طقوس أمانيها دون مراقبة يحرسها الصمت ويحرقها بشهقة الحرمان.. حققت الآن المعادلة بين الخيال والمحسوس.. اختلقت له قوانين جديدة لن تغضب أحدا.. استعارتها من حمى القلق المشتعلة في ذاتها المتشوقة لبكاء ومكاغاة هاشم.. أحلامها الآن وهي تحمل بقجة ثيابه ليست ممنوعة.. ليست حراما فهو في الطريق إليها.. الزورق أدار محرك الماكينة تأهبا للإبحار إلى شط الأمان.. شط السعادة، حيث يطلق هاشم أول صوت بكاءٍ، وتطلق هي أجمل زغاريد الفرح.
-






  رد مع اقتباس
/
قديم 04-10-2011, 02:42 PM رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

كل شيء أصبح جاهزا للانطلاق بسراب إلى الزورق.. تعاون عادل وحماته.. ألبساها ثياب الخروج من البيت وهي شبه نائمة لا تستطيع حراكا.. بين وقت وآخر كانت تطلق أنَّةَ توجُّعٍ تخلع قلب عليَّة من جذوره.. تلقي بها في غياهب ألم يهد كاهلها.. يسد عليها طرق التصبر.. يستاف من قلبها بقايا القدرة على احتمال رؤية فلذتها بين فكي الوجع.. تبحث في دهاليز الذات عن قطرة صبر تخدر بها مشاعر أمومتها.. تسجن خلف أسوارها وساوس مخيفة تهاجم فكرها الواني مبتلعة بنهم ما تراه ببصيرتها من بصيص أمل..
لا لن تستسلم لمخاوفها فما زال قلب سراب نابضا بالحياة ، وجنينها يتقلب في رحمها ، والطريق إلى المستشفى باتت ممهدة للمبحرين رغم وحشية الأمواج..
اتهمت نفسها باليأس والقنوط.. أنبتها واعتصمت بالله الموجد من بعد عسر يسرا.
حاولا رفعها لتمشي.. لم تستطع الوقوف وقد اشتد بها النزف.. صرخت بصوت أفزع الحضور جميعا.. مددها فوق السرير وفي صدره وخز الضمير لما سببه لها من ألم..
ماالعمل.. لاتستطيع المشي.. كيف ستصل إلى الزورق وليس في الجزيرة سيارة إسعاف تنقلها إلى هناك براحة ، فالطرقات فيها أضيق من أن تسير فيها دراجة دون أن تصطدم بحائط أو بمار يعبر الزقاق؟!
رغم ارتباك درة بهواجسها وانفعالاتها وتشظي وعيها بالحدث ، فقد أضاءت من جديد نور بصيرتها التي ناس سراجها وكاد يخبو ، وهيأت بمهارة محملا من خشب النافذة الذي خلعته الريح ليلا.. وضعت فوقه بطانيتين من الصوف ، ومخدة صغيرة ، وأخرجت من خزانتها القديمة غطاء كبيرا من المشمع السميك ، ووضعت تحته حراما بطبقتين لتدفئة سراب وسترها في الطريق ، فأصبح نقالة مناسبة لحملها.
تطوعت وجيهة لمساعدة أخيها بحمل النقالة ، بينما أصرت علية على الإمساك بسراب من الجهة اليمنى مبعدة رضوى وشيماء الرابح عنها ، وأمسكت درة بها من الجهة اليسرى بعد أن سلمت بقجة ثياب هاشم للمى ، وبدأت النسوة بالانسحاب من البيت بمرافقة سراب إلى السقالة لركوب الزورق.
كانت الريح تشتد هيجانا.. تزمجر بصوت مفزع ، أكثر من مرة خطفت أيديها الغطاء عن سراب التي كانت ترتجف بردا ، فتعيده امها إليها تارة ، وتارة أخرى حماتها ، وهم يقطعون الطريق باتجاه البحر.
قبل وصولهم إلى هناك سمعوا أذان الفجر ، فراحوا يدعون الله أن ينقذ سراب وجنينها مما هما فيه من حصار.
وصل الموكب إلى نهاية الزقاق ، فبدأ الممر يضيق على سراب ومن هما عن يمينها وعن يسارها ، والريح تضربهم من كل الجهات ، فكانوا يمشون خطوة للأمام وأخرى للوراء ، ولن يستطيع عادل ومن معه حمل النقالة ، والتصدي لشدة الريح ، فقال لهن :
-- لنضع النقالة على الأرض ولنجرها حتى نهاية الزقاق.
جر عادل نقالة سراب فوق الأرض عدة أمتار ، والألم ينهش حشاشته لما وصل إليه حال سراب ، ولكنه ظل يكابد الوجع مكابرا كي لايحس به أحد ، وعندما أصبح في باب الزقاق المنفتح على البحر انهالت الريح عليه بشكل مرعب كادت تطير به بعيدا عن سراب التي كانت بحال مؤلمة لايعلم مداها إلا الله ، بينما تمسكت النسوة بعضهن ببعض ، والريح الهوجاء تدفعهن إلى الوراء بأيد لاتعرف الرحمة.






  رد مع اقتباس
/
قديم 07-10-2011, 12:09 PM رقم المشاركة : 103
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)73


لم تكن هذه المرة هي الاولى التي يرى بها عادل البحر هائجا، فقد سبق له خوض غمار البحر الأبيض والبحر الأحمر، والبحر الأسود، والمحيط الهندي، وخاضت السفن التي كان على متنها معارك طاحنة مع الأمواج الطويلة والمرتفعة، ولكنها المرة الأولى التي يخاف فيها من البحر لقلقه على زوجته.. يراه الآن وحشا بشعا بأنياب وأظافر.. ما هذا؟!! سأل نفسه كيف تمت الوحدة الليلة بين غضبين ثائرين، غضب البحر، وغضب الريح؟
البحر يضرب شواطئ الجزيرة وصخورَها بكل ما أوتي من قوة وجبروت بيد من غلٍّ وحقدٍ لئيم.. تشد أزره ريح هوجاء تآمرت معه على براءة طفلةِ البحر المدللة، فيقسوا عليها برهبةٍ ربما لم تشهد لها مثيلا على مدى حياة أكبر معمريها سنا.
هجوم البحر الليلة على الميناء الصغير كان مختلفا.. كسر أرضية مناطق كثيرة منه.. خطف بعض فلايك الصيد الصغيرة رغم سهر أصحابها على الرصيف الحزين لحمايتها، ولكن هيهات أن تقاوم العين المخرز.. حطمت الريح الخيام المنصوبة فوق المقاهي، والاستراحات المنتشرة على طول امتداد الكورنيش الضيق القصير، التي يقصدها السياح من كل بقاع الأرض ليتذوقوا السمكة الحرَّة، والصيادية التي اشتهرت بها الجزيرة، وليروا معالم تلك السابحة فوق البحر.. الجميلة بكل ما فيها من آثار تاريخية تحكي حضارة بلدنا، وأصالته الريادية منذ أقدم عصور التاريخ.
تضاءل حماس بعض النسوة بالبقاء في مهب الريح تحت انهمار المطر، فغادرت أم أحمد الكورنيش لألم أحسته في ظهرها، وغثيان مفاجئ، تمسك بها شيماء الرابح تاركة لمى حاملة بقجة هاشم على أن تلحق بها بعد إبحار الزورق بمن سيرافق سراب، وبقيت القابلة مع سراب تراقبها دون ان تظهر على وجهها بشائر مفرحة.
تعاون عادل ووجيهة ووالدته في حمل النقالة، ووضعها قرب حائط أحد المقاهي ريثما يتفقد زورق فاضل، والاتفاق على طريقة نقل سراب إليه، فهو لا يريد أن يشاركه أحد في ذلك، رغم أنه قد يضطر أمام انفلات الريح والبحر للاستعانة بفاضل أو ربما ببعض العائدين من صلاة الفجر، ولكن كيف سيكون ذلك والزورق بحاجة لقائده للمحافظة عليه من الأمواج؟
للحظات خيل لعادل أنه سيفقد عقله.. يتماسك مثبتا قدميه في أعماق الصبر، فحبيبته على شفا هلاك.. لن تعوضه عنها ألف ألف أنثى بل كل النساء.. هي بين يديه في شبه غيبوبة عدا عن أنين يجرح قلب الصخر.. يشتاق لبسمة تتلألأ فوق ثغرها.. لدمعة فرح تنهمر من مقلتيها.. لهمسة تملأ الكون تغريدا..
- آه منك يابحر، وآه منك ياريح ألا تسمعان صوت تألمها؟ ألا تعرفان الرحمة؟ بالله عليكما خذا قلبي.. أحاسيسي.. تذوقا ما ألاقي من ألم، فربما يتولد فيكما شيء من شعورٍ إنساني يقيني شرَّكما .
حلم يولد وأمل يخمد نوره.. تناوشه الآلام.. يتركها برعاية أمها وأمه ويذهب للبحث عن فاضل.. خيوط المطر المتشابكة تحجب عنه الرؤية والشمس مازالت في خدرها تتزين للشروق.
من بعيد يسمع صوت امرأة .. يصغي سمعا.. يقترب الصوت ويغيب مع صوت قصف الرعد وعواء الريح.. ينصت اكثر.. يتجه إلى مصدر بعيد حدده رادار أذنيه.. قرأ هوية الصوت.. يحس بانقباض في صدره.. إنها هي والدة فاضل .






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-10-2011, 04:46 PM رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)74


بحر هائج يتشهى الفتك بمن تطاله أمواجه الهادرة من أرواح وجماد، وعجوز ثائرة يخشى عليها من فتق السّرّة وارتفاع السكر، وضغط الدم، ومن ذبحة صدرية مفاجئة تتجسد بضربة قاضية تنهي حياتها على شاطئ البحر، وشابة في خضم مخاض عسير تتلوى وجعا بين الحياة والموت.
نهب الخوف تماسكه المزمع صموده والليلُ يلفظ أنفاسه الأخيرة، فارا به نحو المجهول على جنح نعيق أم فاضل الذي علا شاقا أستار العتم بهدير ازعاج مقلق، ناشبا في قلبه مخالب خطب مفزع قد يحل بغزالته الوديعة.. المستسلمة للقدر.. الراقدة تحت المطر تعبث بها الريح بفوضى عصفٍ طائش بغيض.
- لماذا يا أم فاضل أتيتِ الآن؟ حرام عليك يا امرأة.. سراب تموت وهاشم يختنق، ألا تحبين أن ترينه يسبح في بحر الجزيرة، وأمه تناديه خوفا عليه من الغرق؟
تقدم منها.. ليقول لها ما دار في خلده.. استجمع شجاعته كلها في لحظة واحدة والمطر ينصب فوق رؤوسهم بلا حدود.. قرر أن يلبس كلامه في عزِّ البرد ثوبا حريرا غاليا بألوان زاهية تحبها النسوة حتى العجائز منهن.. لن يخسر شيئا.. سعر الكلام معنوي مهما كان بليغا.. مؤثرا، وفي مثل هذه الحال يرخص كل شيء أمام الحاجة الملحة إلا الكرامة..
رأته قادما صوبها وابنها في زورقه يطلب منها العودة إلى البيت.. استدارت نحوه. وقفا وجها لوجه.. ثبتت عينيها في وجهه- كنمرة تستعد للهجوم على فريستها الواجفة.. المرتعدة خوفا من مصير محتوم- والشرر يتطاير منهما كتلك الصاعقة التي ضربت بالأمس قاربا صغيرا على الشط فأحرقته، وأصابت من كان قربه بحروق بليغة.
للوهلة الأولى ظنها صاعقة محرقة.. بل أفعى برأسين.. بل جنية خرجت من الظلام لتقتل سراب وهاشم. سمع عن جنيات يقال لهن التابعات يقتلن الأجنة قبل اكتمال نموهن في الأرحام.. أتراها تكون إحداهن بثوب أم فاضل؟
نفذ وقود شجاعته التي جمعها قبل قليل.. خاف منها.. من نفسه أن تقترف خطأ بكلمة جارحة يرد بها على هجومها الكريه.. فالشَّرُّ تعرف بالمقدمات نتائجه، وهي مسلحة بسلاح أمومي للمحافظة على حياة ابنها دون الحاجة لكتائب وفيالق، فحبها له أقوى من كل الجيوش وسلاحه أمضى من أيِّ سلاح.
الوقت يمر والغزالة تئن، والريح تعوي وأم فاضل تكيل لعادل الشتائم دون تورع، يغادر ابنها زورقه على استحياء مما سببته له من إحراج أمام الرجل المسكين الملوع على أهله.. يمضي بأمه إلى البيت، وعينا عادل تتفجر دمعا وغضبا.
لم يعد أمامه خيار آخر.. قرر العمل بسرعة قبل أن يفقد حبيبته وابنه.. أسرع إلى سراب.. طلب من النسوة مساعدته للوصول بها إلى زورق فاضل.. اجتمعن حولها.. حملنها بعزم اللهفة لإنقاذها، وعادل يقود الموكب إلى الزورق.. لم يعد يخشى شيئًا فالوقت يضيق، والموت يقترب منها إن لم يكن قادرا على مد شراع شجاعته.. يتحدى بها الريح، والمطر، وجنون البحر، ونعيق أم فاضل..






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-10-2011, 10:34 PM رقم المشاركة : 105
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

المبدعة الغالية زاهية، رواية ممتعة جدا


أثريت وحققت متعة

ألف شكر

وأنتظر توقيعك على صفحات الزملاء هههههه


حبي الكبير


أختك






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-10-2011, 08:15 AM رقم المشاركة : 106
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي مشاهدة المشاركة
المبدعة الغالية زاهية، رواية ممتعة جدا


أثريت وحققت متعة

ألف شكر

وأنتظر توقيعك على صفحات الزملاء هههههه


حبي الكبير


أختك

بل الشكر لك أختي الغالية أستاذة روضة
سيكون ذلك بإذن الله، فأنا والله أتمنى أن
أنهي نشر الرواية ولكن لم أستطع ذلك بعد.
جزاك ربي عني خير الجزاء
أختك
زاهية بنت البحر







  رد مع اقتباس
/
قديم 30-10-2011, 08:25 AM رقم المشاركة : 107
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)75


وصل الموكب إلى السقالة يتهادى مسرعا نحو قدر مجهول حيث مربط الزوارق، والأمواج ترشقهم ببرودة أحمالها المالحة.. ضيق عرض المكان جعلهن يضعن سراب فوق الأرض خشية أن تقذفهن الريح ومن يحملنها إلى البحر.. طلع عادل بصعوبة بالغة إلى الزورق المتأرجح بعنف الريح وأجنحة الموج السوداء.. أدار المحرك بمهارة، فهو يجيد القيادة كبحارٍ متمرس، ولكن ليس كفاضل الخبير بركوب الأمواج، وتفادي الاصطدام بها.
شعر الجميع بأنهم الآن في أشد لحظات الموقف خطورة، فالأمواج تضج بثورة عمياء، وهم بحاجة لرجال أشداء لنقل سراب بسلام إلى الزورق الواقع رغما عنه في قبضة صخب البحر ، يعبث به أنى شاء وكيفما اتفق..امتنعن عن حمل سراب، ورفعها إليه بعد أن تأكد لهن بأنهن أضعف من أن يقمن بمهمة تحتاج زنودا وسواعد حديدية تعرف كيف تتعامل مع مد وجزر عبثي المزاج لبحر عديم الرأفة والرفق بأحب الناس له وقت الغضب.
انزلق لسان علية رغما عنها بكلمات كثيرة طفح الكيل بصدر قائلتها، فخرجت بها عن حدود المسكوت عنه، وكادت تشعل حريقا لو شبَّت ناره بين النفوس المضطربة بالشجن والخوف فلن تستطيع كل أمطار اليوم إخمادها.
من يلوم علية بكلمة أو بظنٍ وهي ترى ابنتها تتأرجح بكف المجهول كهذا الزورق بين الأمواج العاتية؟ تريد إنقاذ فلذتها بأسرع ما يمكن، هذا حقها، فأي تأخر قد يضيع عليها فرصة النجاة. صرخت بعادل بصوتٍ غاضب نزل عليه صاعقا:
- استعن يا أخي بالرجال الذين خرجوا من صلاة الفجر ، ماذا تنتظر يا رجل، تكاد سراب تموت..
أحس بشيء من الإهانة جسَّم حجمها صراخ حماته في وجهه أمام النساء.. حاول كتم غيظه بجهد كبير، فهو لم يتعود منها مثل هذه اللهجة القاسية من قبل، ولايحب أن يسمعها مهما كانت الظروف، لكنه كان حقيقة في مأزق صعب، فوجد نفسه مضطرا لاستدعاء بعض الرجال للقيام بما عجزت عنه النساء، ولو خالف هذا التصرف مبادئه في الحياة “مجبرٌ أخوك لا بطل”.
نزل من الزورق مسرعا واتجه نحو بضعة رجال كانوا يراقبون ما يجري عن كثب دون أن يقترب أحدهم من تجمع النساء.. تكلم معهم.. عرض عليهم قضيته باختصار مكثف، وهو يشير بيديه إلى الزورق تارة وإلى البر المقابل تارة أخرى بينما كانت أم عادل في حال من الذهول مطرقة برأسها أرضا دون أن تبدو على وجهها أي علامة للخوف أو للقلق بعدما سمعت ما قالته علية لابنها عادل بأسلوب فج لم تستطب سماعه، وهو يكاد يسقط أرضا مما يعانيه من حزن وتعب لأجل زوجته.. ظلت مطرقة لا تستمع إلى ما تردده علية رغم سماعها لصوتها الذي خُيِّلَ لها أنه طنين ذباب لم يرِّف لسماعه لها جفن.
ما الذي أصاب درة فتغيرت مئة وثمانين درجة بدقيقة واحدة من الزمن.. كيف حدث هذا ولماذا وبما؟
ظلت صامتة تقاوم دفع الريح لها إلى الوراء وقد غرقت كالبقية بمياه المطر ورشق البحر لهن، بينما كانت لمى تسندها بيد وباليد الأخرى تحمل البقجة التي بلل المطر غطاءها الخارجي.






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-10-2011, 05:34 PM رقم المشاركة : 108
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)



أختي الرائعة

أنت روائية كبيرة

أسأل الله أن تُيسّر أمور النشر

تحياتي

روضة






  رد مع اقتباس
/
قديم 21-11-2011, 12:37 PM رقم المشاركة : 109
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


سكان اختلاجات سرد

أرجو منكم لو سمحتم المشاركة بواضيع زملائم المقيمون بهذا الركن

تقديري






  رد مع اقتباس
/
قديم 21-11-2011, 11:40 PM رقم المشاركة : 110
معلومات العضو
د انجي عبود
عضوة أكاديمية الفينيق للأدب العربي
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية د انجي عبود

افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

حبيبتي هذا دخولي الأول هنا

وأحتاج كثيراً من الوقت

لكي أعيش معكِ فى كل كلمة وأتعايشها

تقبلي مروري لأول

وسأكون كثيراً هنا

أرجو قبولي

ودمتِ ود وورد

د. إنجي






علمتني الحياة

أن أحترم عقول البشر

ولكــــــــن لا أثق بهم



  رد مع اقتباس
/
قديم 09-02-2012, 09:06 PM رقم المشاركة : 111
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

شكرا للغالية أستاذة روضة
والشكر موصووووول للدكتورة الجميلة إنجي عبود
أمواج عطر من بحور زاهية






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-02-2012, 09:11 PM رقم المشاركة : 112
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)76

لم تعد لمى قادرة على مقاومة دفع الر يح لها وهي تسند درة بيد واحدة.. ناولتها البقجة ووقفت خلفها تسندها بكلتا يديها خوفا عليها من الوقوع فوق الأرض.. أفكار شتى جالت في رأسها وهي في موقف لم تحسب له يوما حسابا..
سألت نفسها عما خرج بها الليلة من البيت مع خالتها، لم تجد ضرورة لذلك، وتمنت لو أنها رافقتها إلى البيت عندما ذهبت بها شيماء الرابح، فهذه أول مرة تحضر بها حالة ولادة، ولسوء حظها تعسرت جدا، فدعت الله ألا يكون ذلك بسبب وجودها، فهي جاءت مع خالتها لعدم قدرتها على المشي وحدها في الليل، ولكن الأمور تجري بترتيب من الله، فهل كان وقوفها خلف درة في هذه اللحظات سببا لمجيئها؟
هي تعرف أن كل شيء يتم في هذا الكون بترتيب مسبق من الخالق عزَّ وجلَّ..
أحست برعشة تسري في جسدها غير رعشة البرودة الحاصلة من تأثير الريح وتساقط الأمطار، وتمنت أن يعود عادل بأسرع وقت ليريحها مما هي فيه، فقد بدأت تعطس وتسعل وهذه أعراض غير مبشرة بالخير بالنسبة لصحتها، ومما زاد في ضيقها ما كانت تسمعه من كلام تتفوه به عليَّة بغضب، وأيضا تلك الرعشة التي حلت بجسد العجوز أم عادل، وصمتها المفاجئ، فخافت عليها من أذى قد يلحق بها بتأثير شدة البرد والقلق.
مازال عادل يتكلم مع الرجال.. لم تسمع النسوة ما يدور بينهم.. كان أحدهم يتكلم بانفعال تبين لهن من حركات يدي الرجل ومن حوله يوافقونه بهز رؤوسهم بالإيجاب، بينما كان عادل يبدو في أشد حالاته انفعالا وضيقا..
لم تستطع عليَّة الصبر فانطلقت نحو الرجال وهي تبكي قائلة:
- هل تنتظرون موت سراب.. أسرعوا بنقلها إلى الزورق.. إنها تموت.. أنقذوها يا أهل النخوة والمروءة.
أجابها أحدهم مهدئا:
- وحدي الله يا أختي.. حرام أن يخاطر أحد بركوب البحر في هذا الطقس..
- لكن ابنتي..
- من سيخرج بها سيموت.. لا يجوز المخاطرة بأرواح الناس..
- أنا سأطلع معها…
- هذا انتحار يا أختي.. حتى المجانين لا يفعلونه..
- لا نطلب منكم الانتحار.. شكرا لكم.. فقط ساعدونا بنقل سراب إلى الزورق.. لن نستطيع القيام بذلك دون مساعدتكم لنا.
قال رجل آخر معتذرا:
- لن نساعد بارتكاب جريمة.. سيكون ضحيتها كل من يطلع بالزورق.
- إن لم تفعلوا فأنتم مجرمون.. قتلتم سراب.
قال رجل آخر:
- استغفري ربك يا أختي.. نحن حريصون على حياتكم وحياة ابنتك، ولكن الوضع صعب كما ترين، ولا يسمح بالتضحية بكم جميعا من أجل ابنتك، ولن يسمح لكم المخفربذلك، فهذا يخالف القانون.
علية تبكي، وهي في طريق عودتها إلى النسوة تقول:
- لا سامحكم الله.. لا سامحكم الله..
يلحق بها عادل وقد بدا عليه الإرهاق والحزن، تلتفت إليه حماته مؤنبة على مسمع من الجميع:
- أنت السبب فيما يحدث لابنتي، كان عليك أن تطلع بها إلى البّر ِّقبل العاصفة.. إن حدث لها مكروه فأنت المسئول عنه..
كانت كلماتها تنزل في قلبه حارقة، لكنه آثر الصمت احتراما لنفسه ولسراب.. لفت انتباهه مرور عدة شبان ربما كانوا من أصحاب الفلايك جاءوا للاطمئنان عليها، فهي كل ما يمتلكون من رأسمال.. أسرع إليهم يسألهم مساعدته في نقل سراب إلى الزورق مما جعل علية تلوذ بالصمت، ويداها مرفوعتان نحو السماء، بينما كانت أم عادل ما تزال مطرقة الرأس بصمت عجيب.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-08-2012, 09:51 PM رقم المشاركة : 113
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

مازال للرواية فصول






  رد مع اقتباس
/
قديم 16-10-2013, 07:50 PM رقم المشاركة : 114
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

سأحاول العودة لمتابعة نقل ماتبقى من الرواية بإذن الله
دعواتكم






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-12-2015, 01:46 PM رقم المشاركة : 115
معلومات العضو
خديجة قاسم
(إكليل الغار)
فريق العمل
عضو تجمع الأدب والإبداع
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل لقب عنقاء العام 2020
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية خديجة قاسم

افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

رواية رائعة ممتعة نابضة بالمشاعر التي تجعل المرء يطلق العنان لأحاسيسه على سجيتها
لله درك ما أعذب سردك وما أجمله
ليتك تكملين الرواية أختي الكريمة
بوركت ودمت بفرح







  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:18 PM رقم المشاركة : 116
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


77
كانت درة تسمع كل ما يدور حولها دون أن يرف لها جفن.. ظلت صامتة حتى عندما استأذنتها بعض النسوة بالذهاب إلى بيوتهن، فالأحوال الجوية العامة تجبرهن على مغادرة المكان، ونصحنها بالعودة بسراب إلى البيت قبل أن تصاب بالتهاب صدري من البرد، فالأمر لله من قبل ومن بعد..
لم تنبس ببنت شفة بينما علا صوت علية باستنكار ما سمعت من تخاذلهن، ورددت بصوت مسموع:
- كل الناس لاتهمهم سوى أنفسهم، ومصالحهم الشخصية .
أحيانا يكون الإنسان بحاجة لهزة عنيفة مفاجئة يصحو بها من حالة سلبته التفكير السليم كبيرا كان أو صغيرا، فيجد نفسه في هوة عميقة لا يستطيع الخروج منها.. يقبع فيها جاثيا دون حراك، وقد يستلطف ما هو فيه من هم وغم لتعوده عليه، فلا يفكر لحظة بالخروج منه إلى النور لأن بصيرته قد أصابها العمى فسكنت وذلت، بل قد يصبح همه منصبا في المحافظة على ما هو فيه.
سألت درة نفسها باستنكار:
- أيمكن أن أكون أنا هذا الإنسان؟
- كل إنسان يمكن أن يكون هو ما دام إنسانا..
- آلآن يادرة بعد هذا العمر تتلقين الصفعة، وأنت على حافة قبرك؟
- الحدُّ وأدٌ للخطايا، فيهِ إصلاحٌ وحمدٌ.
اقتنعت تماما بما حدثتها به نفسها.. سبَّحت الله الذي انتشلها من بوتقة الظلمة.. اعترفت بأن قلبها كان مغيبا عن اليقين الحق حتى كاد يطبع عليه.. أين هي من اطمئنان الروح لخالقها؟ من الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره إيمانا يقره القلب وتعمل به الجوارح؟
يبدو أنها كانت من أهل الكلام فقط.. تتبجح بما يفتن النفس بمعسول المعاني، وما أكثر الكلام المدبج بالبيان الساحر، والكلمات المنمقة بنت اللسان الذي يزخرف القول ويجمله بما لايخطر على بال.. هراء.. كله هراء بهراء تنتهي فعاليته بلفظ الروح.
نظرت إلى علية.. أطالت فيها النظر.. التقت بينهما المقل.. كادت تبتسم فأمسكت شفتيها عن الانفراج، ولجمت لسانها عن شكرها فهي التي وجهت لها الصفعة، فأيقظتها من سبات الروح في ظلمات فوقها ظلمات، فالوقت الآن غير مناسب للشكر والعرفان.
- أمن أجل هاشم كل مايجري؟ تنسين ربك بانتظار وارث اسم جده؟ تعرضين ابنك للخطر ونفسك وسراب، أم فاضل أعقل منك، وأكثر حبا لابنها من حبك لعادل.. أين العقل والإيمان؟ قد تموتين غرقا.. توبي إلى الله ولا تلقي بنفسك وبمن معك إلى التهلكة.. وماذا يعني إن أتى هاشم أو لم يأتِ؟
- ما دهاكِ يا امرأة أتزهدين في هاشم بهذه البساطة؟
- وأزهد في أبي هاشم وجده أيضا.
- لا أصدقك، أنت تخادعينكِ..
- بل أذهب بي إلى النور.. لست بمخلدة في الدنيا.. لم يبق لي الكثير.. لن ينفعني غيره..
- وهاشم؟
- ابن الحياة إن جاء دارها، وإلم يأتِ فسأراه هناك في دار الخلود، فهو ابن تسعة.
- وسراب يادرة؟
- لها رب لا يبخسها دقيقة من عمرها، ولا أقل من ذلك.
- البحر هائج يادرة..
- بأمر ربه يهوج.. وبأمره يهدأ..
نظرت في وجه سراب.. طبعت فوق جبينها قبلة.. أمسكت بيدها المرتجفة.. فتحت سراب عينيها.. انهمرت منهما الدموع.. وضعت رأسها فوق يد حماتها.. قبلتها.. قالت لها درة:
- اطمئني يا ابنتي إن الله معك.. ولن يكون إلا ما يريد أن يكون.
- هزت سراب رأسها بالموافقة وهمسة بصوت خافت:
- أريد العودة إلى البيت، أكاد أموت.
أحست درة بعطش روحها للنور المعشق بالفرح على ضفاف الخير.. المعطر بالطهور من الشذا.. أحست برغبة عارمة في السجود والرعد يقصف في السماء، والسحاب ينهمل مطرا فوق رأسها المثقلة بالهموم..
سبحان الخالق موجد الأجسام والأرواح.. لن تشغل بعد اليوم تفكيرها بالغد، فهو في علم الله.. يكفيها ما تشهده برضا الله.. وغدا يأتي معه قضاؤه وقدره، شأن كل يوم في شان. ولا مبدل لما يريد الله.
تغيرت نظرة درة في الحياة بين لحظة وأخرى، ربما غيرها الخوف.. ربما شعورها بقرب الأجل.. ربما ما قالته علية لعادل، وربما غير ذلك، فقد واجهت خلال الأيام القليلة الماضية أمورا كثيرة لم تترك لها فرصة للهروب من ضبط النفس والعودة إلى ما يليق بها من رقي قبل أن لا تجد الطريق معبدة لعودة قد تكون قسرا فلا تلقى فيها نفعا ولا جمالا..
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:21 PM رقم المشاركة : 117
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

78
هناك في عالمِ الذاكرةِ صباحاتٌ مشرقةٌ وليالٍ مبكيةٌ يبخلُ بها القلبُ.. يوصدُ دونَها الأبوابَ، فتبقى مؤنسةً لهُ في وقتٍ يتلاشى فيه كل شيء.. تكاد النفس تفقدُ هويتَها.. يغمض عينيهِ مستسلماً لوبلِ الذاكرة بإحساس الروح.. يستحم بانهمال الضياء مطهرا ذاته من أدران الحاضر والماضي بما يشبه الوضوء، فوضى أحاسيس قد تكون منظمة، وأحيانا عبثية تؤلم رأس حاملها..
تغرق درة في ذكرياتها حتى الأعماق.. تفتش فيها عن بقعة رمادية.. تهرع إليها.. تستظل تحت عريشها.. تبكي.. تنتحب.. هنا ظلَّ ذنبها رابضا فوق صدر ها.. لم يبرحه منذ انسكابه فوق أديم روحها دمعا أبحر فوق بساط عمرها سنوات طويلة.. إثم لم تكن تظنه ذنبا عندما قيدت حياتها به بقيد من حديد.. ضاربة بعرض الحائط كل ما يخالف قناعتها بهذا الأمر..
مرات كثيرة أبكت والدتها وأغضبت والدها برفضها الزواج بعد رحيل هاشم.. تطاول حزنها معرِّشا فوقها غيومَ خريفٍ لا أجنحة لرحيلها عن سماءِ نفسها..
لم تكن درة امرأة غبية.. كانت ذكية.. حكيمة لكنها كانت عاشقة.. مخلصة.. لم تدع لطارقِ نسيانٍ فرصة لقرع باب ذاكرتها.. أحيانا كانت تغفو عنها باهتمامات عائلية تنصب نهاية في بوتقة حبها الأبدي..
جناحاها في الحياة كانا عادل ووجيهة تطير بهما إليه كلما هاجمها الشوق له.. تزوجا.. ظلت رغم وحدتها تعيش حبّه بفلذتيهما.. وماذا بعد.. حفرة كما يقولون متر بمتر.. وماذا بعد الحفرة.. انتهت الحياة، وبات اللقاء مع الموجد وشيكا..
تبكي تسأله العفو والغفران.. ذنبها أنها حرمت نفسها الحياة برحيل هاشم.. وقد يأتي الحفيد فتراه أو لا يأتي.. أهذا ذنب يادرة؟!!
حارت بما هي فيه.. هكذا هي النفس تارة فوق قمة الوعي تكون، وتارة أخرى في وادٍ لا قرار له وفي لحظات متقاربة..
– حائرة أنت الآن.. تتوبين وأنت المرأة الطيبة الحكيمة الصادقة الناصحة؟ حتى الآن مازالت النفس تلهو بك كتلك الأمواج الهائجة التي توشك أن تبتلع كل شيء.. يظل الإنسان أيا درة ضعيفا مهما علت سطوته، واتقد ذكاؤه، وقويت عزيمته، وصدقت عاطفته ودام إخلاصه، فهو إنسان في النهاية خلق من ضعف وإليه يعود..
خافت.. ارتعشت.. سألت نفسها هل أصابها الخَرَفُ فاختلطت برأسها الأفكار، وامتزج الخوف بدمائها، فنبض به القلب هذيانا تحت المطر، ووطأة حال سراب، وتفجر الذاكرة؟
– درة أنت الآن في موقف كل شيء فيه يحسب لك أو عليك.. تماسكي يا امرأة.. سراب قربك تتألم.. لماذا تطلب العودة إلى البيت؟ هل فكرت بهذا؟
هبَّت واقفة.. انطلقت صوب عادل.. مازال يحدث الشبان.. أيقنت أنهم لن يوافقوا كما فعل الرجال إلا إذا كانوا متهورين.. أي قرار الآن سيكون صعبا قبولا كان أو رفضا..
– ما العمل يا درة أنت الآن أكبر الجميع سنا.. أين الحكمة؟ لا تقفي كالبلهاء.. قبل قليل كنت تطلبين التوبة عن ذنب لا يعده الناس ذنبا بل كفل اليتيم حض الدين عليه.. أما الآن فأنت فعلا أمام ذنب كبير جدا إن وافقت على ركوب البحر وهو ساخط.. أتقدمين أعمار هؤلاء الشبان ومعهم ابنك، وأنت، وسراب هدية رخيصة لغضب البحر؟ !!
تلحق لمى بأم عادل، بينما تقف أم سراب قربها في محاولة لإبعاد المطر عنها دون فائدة، فقد أغرقت المياه الجميع وكأنهم قد خرجوا للتو من بين الأمواج.

بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:24 PM رقم المشاركة : 118
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


79
خلف إحدى النوافذ المطلة على البحر، كانت هناك ثمة امرأة في العقد السادس من العمر تدعى(حسيبة عبد المؤمن) تراقب عن كثب ما يجري بالقرب من بيتها المجاور للبحر.. كانت بين الفينة والأخرى تضرب كفا بكف محسبلة، محوقلة..
سمعها زوجها المريض المستلقي فوق سريره في الغرفة المجاورة.. شغله أمرها.. لم يعتد منها هذا إلا في الأمور الكارثية.. ناداها.. ذهبت إليه.. حدثته بما ترى.. أنصت باهتمام.. حاول النهوض لرؤية مايجري بالقرب من بيتهم الذي لم يسلم من رشق الأمواج له بالغزير من حمولتها.. لم يستطع.. طلبت منه البقاء في سريره تجنبا لوقوعه فوق الأرض، فهي لاتستطيع حمله وإعادته إلى الفراش، فجميع أولاده مازالوا نائمين. عمل بنصيحتها على مضض.
الجزيرة صغيرة.. عدد سكانها قليل، والناس فيها يعرفون بعضهم بعضا إما قرابة، أو جيرة، أو صداقة.. تعجبت حسيبة كيف تضع النسوة الحمالة فوق الأرض وفيها سراب، ولماذا لم يستعن عادل بالرجال عندما جاء بها إلى البحر فالجزيرة تغص بأصحاب المروءة والشهامة.. لابد أنها غرقت الآن ومن معها بالماء، فقد مرَّ على وقوفهم تحت المطر قرابة ربع ساعة، وحتى الآن لم يمتطوا الزورق..
قال الرجل بأسف:
- هذا جنون رسمي.. سيلقون بأنفسهم إلى التهلكة.. غريب أمرهم والله.. حتى المجانين لا يخاطرون بأرواحهم في مثل هذا الطقس.. إن فعلوا ذلك فلتنصب خيام التعزية لكل من يركب معهم الزورق.
- يبدو -والله أعلم- أنهم مصرون على ذلك.. رأيت عادل يتحدث مع بعض الشباب، وقبل ذلك مع مجموعة من الرجال، لكن -الله أعلم- لم يوافق الرجال على ما كان يريده منهم..
- إن وافقه الشبان قضي عليهم.
- ليس في صالح أحدٍ منهم مرور الوقت، ما العمل؟
- في الأوقات الحرجة يكون الإنسان بحاجة للعقل والحكمة أكثر من أي وقتٍ آخر، وإلا ضاع وضيَّع من معه.
- الكل يشهد لأم عادل بالحكمة ونضوج العقل، لاأدري ماالذي أصابها اليوم.
- أي حكمة هذه التي يشهدون لها بها وأي عقل ياحسيبة؟ مجيئها إلى البحر في هذه الظروف دليل على جهلها، وعلى جهل من معها.
- الجماعة مضطرون لعبور البحر وسراب في خطر كما سمعت زوجها يقول للرجال.
- إن كانت في خطر هنا في الجزيرة، فستلقى حتفها في البحر.
- ما العمل إذن؟" مقسوم لاتاكل، وصاغ ماتقسم، وكُلْ حتى تشبع".
- أفضل العودة بها إلى البيت ولن يصيبها إلا ما كتب الله لها هنا أو هناك.
- من الصعب إقناعهم بذلك.
- دعيهم.. فحكمتهم تغنيهم عن نصائحنا، ولن ينالنا منهم إلا الصدّ وسواد الوجه.
- ليتني أستطيع مساعدتهم بأي شيء.. خطرت لي فكرة.. ما رأيك أن أقدم لهم الخيمة الصغيرة التي اشتراها ابننا ساهري فتكون لهم واقية من المطر ريثما يتدبرون أمرهم، وإن رأيت الظرف مناسبا للكلام، نصحتهم بالعودة إلى البيت فربما يجد كلامي قبولا لديهم؟
- افعلي ما شئت.. فالخير لا يضيع ثوابه عند الله.. ولكن لا تغضبي إن سمعتِ منهم ما لا يرضيك أو خطفت الريح خيمة الساهري.
- النصيحة لله ومن كان عاقلا يعرف قيمتها.
- يبدو لي أن العقول اليوم كلها في إجازة بلا راتب.. أرجو أن تُقطع فورا قبل أن تحلَّ بأصحابها كارثة لايعلم مداها إلا الله.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:26 PM رقم المشاركة : 119
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

80
عدة أمتار قطعتها درة باتجاه عادل ومن يكلمهم من الشبان.. رأتهم كالورود المتفتحة.. بعضهم مازال أمردا.. انهالت على رأسها أفكار شتى من كل صوب.. تذكرت أمها وهي تودع أخاها الأصغر عدنان إلى مثواه الأخير.. كان الفراق مرا.. حارقا.. توفي شابا في الخامسة عشرة من العمر عندما سقطت فوق رأسه عتبة باب الدار وهو يدخل إلى البيت.. كان حادثا مؤلما أودى بحياة والدتها بعده بزمن قصير.
خلال لحظات معدودة استعادت درة زمن الحادثة وكيفية وقوعها بكل تفاصيلها حتى الصغيرة منها، إنها ذاكرة الحزن التي تتكمش بالنفس والقلب والروح حتى النهاية..
كان عدنان عائدا من عرس أحد شبان الحارة.. الجميع كانوا بفرح.. الطبول تقرع، والزغاريد تعلو .. الأطفال والشبان والرجال كلهم يرقصون ويغنون.. انتهى العرس.. عاد الرجال إلى بيوتهم بعد أن أوصلوا العريس إلى دار أهل العروس ليصطحبها إلى بيتها الجديد..
كيف سقطت عتبة الباب فوق رأس عدنان لا أحد يعرف.. العتبة كانت حجرا كبيرا.. ثقيل الوزن أنهت حياته خلال لحظات محوِّلة فرح الجزيرة إلى بكاء وعويل.. مات عدنان تاركا في قلب أحبته جرحا لم يشفه مرور الزمن وتقادم الحدث.
لله در هؤلاء الأقمار وهم يقفون مع عادل بوجوه جمَّرها البرد بحرارة الشباب.. لا لن تسمح لهم بركوب الزورق مهما كانت الأسباب.. حياتهم أهم من الجميع.. لن تثكل أمهاتهم بهم.. فإن كان ولابد من مساعدة فلينقلوا سراب إلى الزورق وليرجعوا إلى أهاليهم فليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل.
توقفت مكانها.. التفتت إلى الوراء.. رأت لمى تقف خلفها دون حراك.. اقتربت منها.. لمست يديها.. وجدتهما باردتين والزرقة تصبغ شفتيها.. أمسكت بها، وراحت تدعك بكفيها كفَيْ الفتاة لتدفئهما، ثم مشت بها مسرعة إلى مكان لا تهطل فوقه الأمطار.
غادرت حسيبة بيتها وهي تحمل بكلتا يديها خيمة الساهري الثقيلة لعدم وجود من يحملها معها، فالتقت بأم عادل وهي تطلب من لمى العودة إلى البيت خشية أن تصاب بالمرض بتأثير البرد الشديد. رفضت لمى بشدة وصممت على البقاء معهم إلى أن يبحر الزورق بسراب، فاستحلفتها العجوز بالله أن تلبي طلبها بالذهاب، فانصاعت مرغمة وغادرت المكان.
سؤال غريب خطر في بال درة، ترى لو كان النبل إنسانا كيف سيكون تجسده؟ أتراه يشبه البشر؟ ابتسمت وهي تجيب عن سؤالها الخفي:
- النبل كلمة من ثلاثة أحرف، لكنها بوسع الفكر والإحساس والرؤى روعة وجمالا، هو خلة نادرة قل من حملت نفوسهم بها، وأنجبت حسن أعمالٍ، اطمئني يادرة لن يكون النبل على شكل البشر، ولكن ماأنبل لمى وحسيبة يادرة، ماأنبلهما!!!
ما الذي يتفتح هذا الصباح في أكمام نفس درة؟ من المفروض أن تلد اليوم سراب هاشم، الجميع بانتظاره، ولكن أم عادل العجوز وجدت نفسها دون سابق إنذار تلد أمورا كثيرة لم تخطر لها في بال ربما كانت حامل بها منذ زمن دون أن تدري، فاندلقت من بياض نفسها الشفيفة دفعة واحدة في وقت قصير طال مخاضه عمرا بحاله مرت بها سنونه عجافا حبيسة الألم والحرمان.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:27 PM رقم المشاركة : 120
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


81
فتحت فوهة قلبها.. ضغطت فوق زناد البوح.. انطلقت الكلمات رشا ودراكا، فأصابت قلب مستمعتها بموجع.. أفضت درة لحسيبة بكل شيء.. كانت صادقة بما قالته.. تكلمت بوضوح عما كانت عليه من أحلام وردية رعتها عمرا مديدا.. سقتها برحيق شبابها.. قلمت أشواك اليأس من حولها بمقرض الصبر.. ظللتها برموش حنانها.. فربت وارتفعت سوقها عاليا.. اخضرت.. أثمرت، وظلت تنتظر قطافها بلهفة الشوق إلى ما قبل دقائق معدودة.. أتراها كانت تخادع نفسها بأن تلد سراب بسلام، فيأتي هاشم إلى الدنيا.. يحمل اسم جده.
أشياء كثيرة كانت تبرق في مخيلتها متشحة بالأمل.. والآن تقهقرت جحافل الخداع.. انكشفت الرؤية جلية.. ضاعت أحلامها الوردية، بل تبلورت أمامها الحقيقة واضحة كتلك الشمس التي بدأت تتهيَّأ لمغادرة خدرها الشرقي بصحبة عرائس الشفق بهالة سحر فاتنة.. لا مجال بعد الآن للخداع.. البحر هائج، والوصول إلى البر الثاني مستحيل.. سراب لن تلد والعودة بها إلى البيت هو أفضل ما يقدمه لها الجميع.. هي طلبت منها ذلك.. قالت " إنني أموت".
لولا إيمانها لظنت بأن للبحر وللريح تأثيرًا غريبًا على نفسها بما هي فيه من اضطراب.. لم تكن يوما كما هي الآن.. بدأت تشك في نفسها بأمور كثيرة.. تريد مساعدة من أحد يقول لها الحقيقة التي تتخيلها كل لحظة بشكل مختلف عما سبقه.. سألت حسيبة أن ترشدها فهي متعبة جسديا ونفسيًا حدَّ الوهن.. تخشى اتخاذ قرارٍ ما قد يعود عليها بالندم .
شجعتها حسيبة على العودة بسراب إلى البيت وأخبرتها برأي زوجها.. ابتسمت درة بسرها واطمأنت إلى صواب فكرتها.. بقي أمامها إقناع عادل بما ارتأت.. ترى هل سيقتنع برأي والدته وحسيبة وزوجها وقد خالف قبل قليل رأي رجال لايستهين برأيهم إلا مكابر أو مغامرأو أبله؟ وإن اقتنع عادل بقول درة، فهل ستقبل عليَّة بقرار قتل ابنتها؟
عندما تفتح الروح على منافي الوعي نوافذ نور، تجتاز بعين البصيرة عالم الظلمة بكل ما فيه من تخبط بوحل الحياة فكرا وعملا.. تتسلق على سلالم الحق إلى سدرة الرضا وهي ترى اغتيال اليأس بمدية الأمل بعد تشردٍ في أزقته المعتمة زمنا طويلا.. هناك تنادم النفس على بساطِ المحبة.. ترفرف حولهما فراشاتُ ربيع دائم الابتسام بأزهى الألوان وأعطر الأزاهير، وأروع رفيف..
لابد من دموع آتية.. من حزن يجرح القلوب.. يفتت الصدر حسرة وألما.. لن تحمل السلم بالعرض فالطريق ليست ملكا لها.. هي لكل العابرين.. زد يابحر جنونك فلكل شيء نهاية.. أيها المأمور ماأضعفك رغم هياجك المرعب..
أم هاشم يا وجه الصبح المشرق في قلوب أحبتك، لنعد إلى البيت والنبض يلهج بالدعاء لك بالخلاص.. سراب يا فلذة لم تحملها رحمي.. سأظل أدعو لك بالسلامة.. زينب توفيت في المستشفى رغم التفاف الأطباء حولها.. نزفت.. نزفت ومع النزف خرجت الروح، وأخرجت زين من بطن أمها بقيصرية قبل تمام الأشهر السبعة.
ذكرتها حسيبة بقصة زينب لتجدد تذكرها بأن الأعمار بيد الله.. ستلدين هنا في الجزيرة ياسراب دون أطباء، سيأتي هاشم بإذن الرحمن، فلله معجزات لا يعلم سرها إلا هو.
كانت غارقة في بحر أفكارها المتلاطم الأمواج، ويداها تمسكان بخيمة الساهري التي أعطتها لها حسيبة ومضت عندما رأت عادل يأتي نحوها مسرعا.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:30 PM رقم المشاركة : 121
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

82

عادل البلبل الحيران يصدح حزينا في روض حبه لسراب على أفنان المنى.. تسمعه الريح.. تخطف أنينه.. تذروه بطيش في مهبها حَجبا عن الأفهام.. يحتد.. يثور.. يرفض الاعتراف بالعجز أمام جبروت البحر.. يكحل الأمل بمرود الصبر.. يسقيه بماء الروح الطاهر.. يأبى أن تغادر مليكته عرشها العالي الذي شيده لها في خمائل قلبه.. ظل فيه ناسك الحب الوفي، يكوثره كلما أوشكت أن تلمس تدفقه شائبة صفاء.
سيظل جبهة صامدة في وجه العجز مهما عصفت ريحه، يسكت هدير اليأس مهما غلت براكينه وتفجرت حارقة ورود وفراشات ربيعه المنتظر.. مازالت بين يديه تتنفس هواءه.. يراها بعينيه تئن بصمت يذبحه دون بسملة، ولكن قلبها مازال ينبض رغم الوجع.. لا يستطيع أن يرى بيته فارغا من إشراقها في صباحاته شمسَ دفء.. طالعة في مساءاته بدرَ ضياء.
ما عساك يا درة تفعلين، ومن ستقنعين بالعودة إلى البيت؟ الموت أهون عليه مما تقولين.. لمي شباك رأيك واطرحيها في بركة ماء فارغة فقد عقد العزم، وأقنع الشبان بما يريد.
تركها والدموع تجري فوق وجنتيها ممتزجة بماء المطر ورذاذ الأمواج الصاخبة.. أخذ منها خيمة الساهري خطفا.. وجدها في تلك اللحظة كنزا لا يقدر بثمن.. فاته في زحمة انشغاله على محبوبته أن يلوح بهمسة شكر لحسيبة حتى ولو كانت بينه وبين نفسه..
عجنها القلق بكفي الخوف.. أوجعها العجن فكاد يرمي بها في هوة ضياع لن يستطيع أحد أن يخرجها منها لولا أن امتدت إليها يد حسيبة تهدئ من روعها بما يشبه المواساة، لكن خافقها ظل يطرق في صدرها بشدة كطرق بمطرقة حدَّاد يريد قص قطعة من فولاذ لانبض قلب من دم ولحم. تعب قلبها.. ملَّ الألم.. فقد القدرة على الاستمرار في مضغ الهم.. يريد الوصول إلى بر أمان ينسى فيه صدره المرهق وكل من فيه، وما حوله..
نظرت في وجهه وقد ابتعد عنها.. رأته يحاكي لون الشمس التي بدأت بالشروق.. خافت.. ارتجفت.. كبَّرت.. أتشرق شمس وتغرب شموس؟!!
لم يعد أمامها وقت لعمل شيء ينقذ وحيدها ومن معه من كارثة محققة الوقوع إن هم ركبوا الزورق وأبحر بهم في غياهب المجهول..
عاشت عمرها تتحدى اليأس.. والآن هي في أكبر محنة تقع بين فكيها.. كادت تصرخ.. تولول وتنوح.. تمسك حسيبة بيدها.. تهمس في أذنها بكلمات.. لم تستوعب ما قالته لها.. تطلب منها إعادته على مسمعها.. مازالت خارج تغطية الوعي.. تعيد حسيبة كلامها الهامس للمرة الثالثة.. ثمة علامة ارتياح تشرق بمعية الشمس فوق وجنتي درة..
تغادر المكان على عجل وخلفها حسيبة.. تركض.. تركض حسيبة.. يعلو صوت خطواتهما.. يقارع عواء الريح.. الأزقة خالية إلا منهما.. بقي عليهما القليل لتصلا إلى ما هما إليه مسرعتان..
ابتعدتا عن البحر وعن رشق أمواجه لكنهما وقعتا فريستين لانصباب الماء فوق رأسيهما من مزاريب الأسطح التي تملأ الحارات الضيقة.. لم تحسا بما ظل ينهال عليهما لانشغال رأسيهما بالأهم.
وصلتا إلى هدفهما على عجل.. لم تتوقفا لالتقاط أنفاسهما.. اتجهتا نحو باب يعرفه الجميع.. مخفر الجزيرة.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:32 PM رقم المشاركة : 122
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


83
لم يكن أمرا عاديا أن تمشي وحيدة في مثل هذا الوقت من الصباح الباكر. أحست لمى بالحرج وهي تقطع الطريق إلى بيت خالتها أم أحمد راجية الله أن تصل الدار قبل أن يراها أحد، فألسنة السوء لا ترحم بريئا.
لابد أن تكون خالتها الآن مستغرقة في النوم بعد صلاة الفجر لأخذ قسطٍ من الراحة بعد تعب الفكر والجسد.
ظلت مشغولة البال بما يحدث قرب البحر.. أحزنها حال سراب، والوضع الذي هي فيه تحت المطر وبين جوانح الريح، وكان قلقها جليا على العجوز درة، ولم يكن أقل شأنا منه على ابنها عادل وعلى الجميع..
أثار الشفقة في نفسها على عادل عدمُ قبول الرجال مساعدته في نقل زوجته إلى الزورق لتظل معلقة بين الحياة والموت.. ليتها تستطيع تقديم المساعدة لهم مساهمة ًمنها في إخراجهم من مأزق صعب للغاية، ولكن للأسف عضلاتها ليست مفتولة..
تركت وجيهة وعلية وامرأتين بالقرب من سراب عندما لحقت بأم عادل التي أرسلت بها إلى البيت رغما عنها، وكانت القابلة قد غادرت المكان قبل قليل معتذرة لعدم جدوى بقائها، فهي لن تستطيع تقديم أي شيء لسراب كما قالت لأم عادل، وبعد قليل لحقت بها رضوى..
لكل نفس أمنيات تود تحقيقها في حياتها، أمنيات لمى بدأت الآن تنفض عنها الغبار.. تشرئب برأسها عاليا.. تجدها تتمنى لو أنها أكملت دراستها وتخرجت طبيبة نسائية.. جراحة .. أو حتى قابلة قانونية لا فرق عندها مادامت في النهاية تستطيع إنقاذ حياة امرأة في وضع كالذي تشهده اليوم.
انتابها شعور خفي بالنقمة على والدها الذي لم يسمح لها بمتابعة الدارسة لأنها فتاة.. ترجته كثيرا.. أدخلت عمها للتوسط لها عنده، وصديقه الأعز والد أهداب صديقتها التي أصبحت مدرسة، وقد تركت الجزيرة مع أهلها منذ عامين، فلم تستفد شيئا، فقضى برفضه الوساطة على أي فسحةِ أمل في تحقيق حلمها..
حاولت التملص من هذا الإحساس المفاجئ تجاه أعز الناس إليها.. لم تستطع تقبله رغم حفره مساحة واسعة من الحزن في شغافها، كرهت اللحظة التي استيقظ بها حلمها الغافي منذ زمن تحت طبقة شفيفة من التناسي، فتمنت لأول مرة في حياتها لو أنها كانت رجلا رغم اعتزازها بأنوثتها.
قبل أن تدخل منزل خالتها خطر في بالها خاطرغاب عن بال عادل ومن معه، فارتدت على أعقابها مسرعة إلى بيت وجيهة أخت عادل.. ناسية ماحدثتها به نفسها قبل قليل بشأن خروجها وحيدة في الصباح.. قرعت الباب على عجل.. انتظرت ربما دقيقة أو أكثر.. فتح الباب زوج وجيهة.. فوجئ بالقادمة.. لم تنتظر صحوته من المفاجأة.. أخبرته بحياء واختصار بما يواجه أهل زوجته، وطلبت منه الذهاب إليهم عسى أن يفيدهم بشيء، فهم في أزمة تحتاج لوقوفه بجانبهم.
فتحت باب بيت خالتها بهدوء شديد خشية أن توقظها من النوم.. وقبل أن تلتقط أنفاسها وتشعر بالطمأنينة سمعت كلاما في غرفة الجلوس.. خفق قلبها بشدة.. أصوات نسوة.. من عند خالتها في هذه الساعة المبكرة؟
خافت أن يكون قد ألم بخالتها مكروه.. أسرعت باتجاه الغرفة وأذناها تحاولان معرفة صاحبات الصوت.. قرعت الباب قبل أن تفتحه.. نادت بصوت منخفض خالتها.. سمعت صوتها تدعوها للدخول.. اطمأنت قليلا، وعندما فتحت الباب رأتها وشيماء، ورضوى يحتسين القهوة والحيرة بادية على وجوههن.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:33 PM رقم المشاركة : 123
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


84
دعتها خالتها لتناول القهوة الساخنة فالدلة مازالت فوق نار المنقل.. اعتذرت بلباقة وأسرعت إلى الحمام للتخلص من ثيابها المبتلة بالماء المطري والبحري..
ارتدت ملابس نظيفة.. نظرت في المرآة.. حدقت في وجهها.. رأته مصفر اللون، تحيط بعينيها هالتان شوهتا نقاء بشرتها بلونهما الداكن.
تنهدت وهي تتذكر ما مر بها منذ مغادرتها البيت مع خالتها إلى تلك اللحظة التي هي فيها الآن.. توقفت قليلا عندما مرت في ذهنها صورتا شيماء ورضوى وهما تحتسيان القهوة.. تعمقت في الصورتين.. رأتهما ترتديان ملابس خالتها.. لابد أنهما استبدلتا ثيابهما المبتلة بثياب جافة عندما دخلتا البيت.. لكن أمر رضوى غريب، فهي لم تذهب مع خالتها عندما اصطحبتها شيماء الرابح إلى البيت.. ظل أمر حضورها لغزا محيرا جعل أفكارها تضطرب كأمواج البحر الهائجة.
على مرمى أحداث اليوم ظلت لمى تتردد.. ترصد أوقاتها لحظة لحظة، وبين يدي تعبها أودعت انتباهها يقظا لا تغفو عيناه ومضة سهو، ولا أقل من ذلك حتى عن أصغر حدث شهدته أو أحست به.. تزيح بيد اليقظة عن ذاكرة وعيها أي ستار يحاول النسيان إسداله على ما أرادت استعادته بوضوح تام.. لا تدري ما الذي يجعلها بهذا الاهتمام الكبير بما يحدث.
أحست في داخلها بصوت ناقوس يقرع.. يقرع.. ارتعشت.. لا تريد أن تسمع شيئا.. تماسكت.. خرجت من غرفتها على عجل.. استقبلتها النسوة بالترحاب.. طلبتا منها أن تخبرهن بآخر مستجدات الوضع قرب البحر منذ مغادرتهن المكان.
تكلمت كثيرا.. تكلمن أكثر.. أثنت شيماء الرابح على فكرة إخبار زوج وجيهة بالأمر، فمن الأولى أن يكون موجودا في هذا الظرف المربك خاصة وأن والد سراب رجل مريض، ولا يستطيع القيام بأي شيء بل قد يقضي نحبه إن هو علم بأمر ابنته، فضغط الدم عنده مازال متارجحا.
لم تستطع لمى أن تخفي ابتسامة صغيرة أشرقت فوق محياها عندما علمت بتزحلق رضوى في الطريق، وكيف صرخت بصوت عالٍ إثر وقوعها، فأسرعت شيماء الرابح لمعرفة مايجري قرب بيت أم أحمد، وما لبثت أن عادت برضوى وقد سحجت الأرض ركبتها اليمنى وكفيها عندما تزحلقت بالطين الذي امتلأت به الطريق كما يحدث عادة عندما تمطر السماء.
تأبط قلبها يقينٌ بآت لا تزحزحه الهوج عن ثباته قيد أنملة.. أحست في داخلها بثورة غضب يلفها الحزن بشريط من الساتان الأسود.. مابال النسوة يطحن قلب الصبية برحى اليأس بما يقلن؟
كل ماسمعته فأل ينذر بكارثة قادمة ستحل غيومها بسماء الجزيرة تمطر دمعا من برد ونار..
استبقت الأحداث.. انسكبت فوق خديها دموع شكوى لله بأنين صامت.. سمعته بأذن قلبها يتوسل لمبدعه بالعفو.. بالرأفة بقلوب لوعها الزمن مرارا وتكرارا، فجسدُ الحرقة ملتهب يزيد الجراح نزفا والشغاف نواحا.
كيف لحزنها ان يغور في منبته وسقيا الخوف تغرقه اندلاقا؟ قررت العودة إلى البحر لبث الطمانينة في قلب درة، والدفء في يدي سراب.. ستقف سدا منيعا بوجه المآسي.. علها تورد في مسارب نفوسهم شعاعا بومض ارتياح..
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:35 PM رقم المشاركة : 124
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


85
لم يلفت انتباه عادل أنه أصبح وليمة شهية للقلق يتلذذ في تعذيبه.. جعل من قلبه حلبة للصراع بين اليأس والأمل.. ترك له حرية الحركة بين شرايينه دون رقابة تمنعه من خطوة قد يكون فيها دماره.. اختلت عنده الموازين.. رجحت كفة سراب عما سواها.. غاب عنه خطرُ ما هو مقبل عليه رغم التحذيرات الكثيرة.. قال له أحد الرجال:
- لا تركب البحر فإني أرى ملك الموت في الزورق..
- لم يعطِ للعقل رشفة انتباه لما سمع رغم احتياجه لها، فقد أغرقت أمواج نفسه الهائجة صوت الحكمة.. دفنته برعونة في أعماق اللهفة.. تكسرت أضلاع وعيه.. تخلص منها بثورة الخوف على حبيبته..
اختطف من أمه خيمة ساهري كما تختطف القطط الجائعة قطع اللحم، وأسرع بها إلى الشبان الذين تعاطفوا معه شفقة بزوجته.. ابتعد عن درة.. لم يهمه أمرها في شيء.. لم ينظر إلى الوراء فيفتقد عبير زنابق وجودها البيضاء.. غاب عنه كم كان يروي هذه الزنابق بطلِّ حبه المتدفق دفئا، وكم كان يخشى على مشاعرها من جرحٍ ولو بعطر وردة.
كل ما في نفسه وما حوله كان غائما.. أحس بالكره لكل شيء.. للبحر.. للريح.. للأرض.. للناس.. لنفسه.. أحس بأن الجميع يقفون ضده.. كلهم أعداء له.. يريدون سلبه سراب وقتل طفله.. لو كان يعلم بما سيحدث لها لطار بها إلى أرقى المستشفيات.. لباع البيت الذي يسكنه بكل مافيه.. ثيابه.. لاستدان مالا وعاش العمر في سداده.. أقر الآن بأن حماته كانت على حق ولكن لو ..
- لا وقت للو.. أنت الآن في مهب الريح.. لا جناح يدفئك.. لا ثغر يبسم لك..لا وتر يعزف لحن أمل قادم.. حناجرالريح تعوي.. تعوي، وأنت ترقص جريحا.. حزينا.. خائفا.. يائسا.. ليس الرقص للرجال.. افعل شيئا..
تحدى الخوف.. امتطى خيل الشجاعة.. جمع عظام انكساره.. أخاط بإبرة الصمود جراحه..
ترك للريح شعره تعبث به كيفما تشاء، وحجب عنها قلبه.. لم يعد يخشى تعسفها.. استباح القوة في خضم ضعفه.. خلع عنه سترته.. قلده الشبان تخلصا من ثقلها في حال الوقوع في البحر.. لف سراب بخيمة الساهري.. امتطى الزورق بصعوبة.. لم ترحمه الأمواج.. عاندته.. ما الذي أصابك أيها البحر.. كنت حبيبا فلِمَ انقلبت عدوا؟
لم يستطيعوا نقلها إلى الزورق.. حاولوا كثيرا والأمواج تقاومهم بتحدٍ عجيب.. خاف أن يضحي بها فتسقط في البحر.. حار في أمره..
كانت علية ووجيهة تقفان قرب الشبان.. حاولتا مساعدتهم، فطلب منهما أحدهم إخلاء المكان له.. أكثر من مرة ارتطم الزورق بحافة السقالة ارتطاما شديدا كاد يحطمه لولا الإطارات المطاطية التي على جانبيه. المطر والبحر والريح في صراع غير متكافئ مع عادل وبين يديه امرأة تكابد مخاضا بنزف غزير.
أحست وجيهة بالقوة عندما رأت زوجها يركض باتجاه الزورق.. توسمت بقدومه خيرا.. وصل لاهثا.. غاضبا.. ابتعدت عن السقالة فقد أحست بالخوف منه عندما راح يصرخ بصوت عالٍ لمنع عادل من نقل سراب إلى الزورق.. لم يسمع عادل ما قاله صهره لانشغاله وأحد الشبان بتناول سراب ملفوفة بالخيمة في لحظة عابرة أثناء انحسار موجة طويلة عن السقالة في الوقت الذي وصلت فيه لمى ورضوى وشيماء الرابح إلى البحر.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 06-01-2016, 04:37 PM رقم المشاركة : 125
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


86
كادت أفئدة النسوة والرجال تخلع من منابتها وهم يرون البحر يبتلع الزورق بوحشية مفزعة.. وقف الجميع بصمت رهيب يراقبون ما يجري أمامهم عن قرب تفصلهم عنهم عدة أمتار، لكنهم عاجزون عن الإتيان بأي عمل من شأنه نفع من هم الآن في قبضة قلب أسود عندما يشتد به الغضب لا يعرف الرحمة، فلاهم يستطيعون إعادتهم إلى الجزيرة، ولاهم لهم بمنقذين.
مُدِّدتْ سراب فوق أرض الزورق المغطى بسقف خشبي وقاها من مياه الأمطار ولسع الريح.. ابتعد الرجال عنها.. وقف عادل في غرفة القيادة يعطي أوامره للآلة الصماء التي يدير بها الزورق، مصرا على أن تكون مطيعة له طاعة عمياء رغم اعتراض البحر والريح.
بين الشبان كان ثمة شاب يعمل في زوارق نقل الركاب مابين الجزيرة والبر.. يعرف كيف يوصل المركب بسلام إلى الميناء لكن ليس في كل الأحوال الجوية خاصة في مثل ماهم فيه اليوم.. التحدي مستحيل.. ثمنه باهظ جدا ربما كلف الحياة.. ناداه عادل ليأخذ مكانه في القيادة، وليبقى هو قرب زوجته التي كانت تصرخ بصوت يفتت الصخر، و البحر قد صمَّ آذانه، وخدَّر إحساسه، أو ربما كان يسمع فيزداد ثورة وهياجا كلما طعنه صراخها الحزين.
استبشرت درة خيرا عندما أسرع أحد رجال المخفر لمنع عادل من التهور بامتطاء صهوة الأمواج، فهذا ممنوع في مثل تلك الأجواء الخطرة.. ركضت المرأتان خلفه باتجاه البحر..
أم عادل تهرول في الأزقة الضيقة، وذاكرتها تسابق الريح بنبش خزائنها العتيقة المقفلة على ذخائر من قصاصات الماضي، ذيلت بتواقيع شتى بعضها كتب بمداد الدموع، وبعضها الآخر زركش بابتسامات دفنت في هوة الزمن السحيق، والبعض منها حفرت برسوم أمنيات عاشت تنتظر شروق شمسها ذات صباح، ولم يأتِ ذاك الصباح..
أحست بها تتدفق في رأسها بفوضى مزعجة كالريح والمطر والأمواج.. وقعت في قبضتها فريسة يصعب التقاطها من بين فكيها وعادل على وشك نزول البحر..
إحدى تلك القصاصات حملتها ريح غليان خوفها على فلذة كبدها.. طارت بها في أجواء نفس درة المرهقة تلاحقها عينا قلبها بقلق ينبعث من جهة البحر..
امتدت يدا مقلتيها.. التقطتا القصاصة بشغف.. أمسكتا بها.. فتحتاها بلهفة وهما تنفضان عنها غبارالماضي السميك.. رأته هناك في غرب الجزيرة طفلا جميلا.. بريء الوجه في الخامسة من العمر.. ركضت إليه كما تركض الآن إليه.. كان يسبح مع رفاقه الأطفال، والشمس تلوح أجسامهم بلونها الذي يعشقه الأرواديون.. لم يكن يجيد السباحة بعد.. رأت نفسها تجلس مع أمهات الصغار قريبا من المكان الذي يسبحون فيه.. يراقبن أطفالهن المبتدئين بتعلم السباحة..
كانوا يخرجون من البحر.. يصعدون إلى الصخور الملاصقة له.. يلقون بأنفسهم في أحضانه، وعيونهم تقطف من وجوه أمهاتهم ابتسامات سعادة. الجميع يضحكون كبارا وصغارا.. ليس هناك أجمل من أصواتهم وهم سعداء يرفرفون فوق سطح البحر كتلك النوارس التي تسبح في الجهة المقابلة لهم ثم تحلق فوقهم بواق واق ماأجمالها واقا.
في البحر يتساوى الجميع.. الغني مع الفقير.. اليتيم مع من يعيش في رعاية والديه.. يلاعبون الأمواج ببراءة.. تمازحهم بلطف حينا وأحيانا بقسوة.. يتسابقون.. من سيقفز أولا من أعلى الصخور الصغيرة.. كم قفزة سيسجل كل واحد منهم دون أن توقِّع تلك الصماء فوق أجسادهم الغضة تواقيع أبدية بوشم يدفعون ثمنه من نزف دمائهم الطاهرة.. جميع أهل الجزيرة يحملون مثل هذه التواقيع التي تذكرهم بماضٍ آبق يرفض العودة إليهم مهما عظم الشوق إليه.
بقلم
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:15 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط