" الفينيق أحمد حسين أحمد " في ذمـة الله .. في ذاكرة الفينيق/ زياد السعودي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ✒ ✒ محابر خاصة ✒ ✒ > ۩ في ذمـة الله .. في ذاكرة الفينيق ⋘

۩ في ذمـة الله .. في ذاكرة الفينيق ⋘ رحمهم / رحمهن ..الله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-10-2012, 11:19 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي " الفينيق أحمد حسين أحمد " في ذمـة الله .. في ذاكرة الفينيق/ زياد السعودي



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح الفينيق أحمد حسين أحمد



لنضعه تحت الضوء،إذ به يليق الضوء
رحمه الله
وادخله جنانه



سيرة
ــــــــــــــــــــ


ولد الراحل في بغداد في 25 ـ 2 ـ 1952
حصل على شهادته الجامعية الأولية من كلية الزراعة والغابات
جامعة الموصل قسم الثروة الحيوانية في العام 1975 ..
ثم حصل على شهادة الماجستير من كلية الزراعة جامعة بغداد قسم الإنتاج الحيواني مطلع عام 1989..
التحق ما بين 1977 - 1991 في حقل التدريس بالمدارس المهنية العراقية ..
ثم سافر الى اليمن والتحق بجامعة صنعاء كلية الـطب والعلوم الصحية
كمدرس في قسم مختبر الحيوان للعام الدراسي 95 -96
سافر الى ليبيا وعمل كمدرس في المعهد العالي لإعداد المعلميـن
في الكفرة وكرئيس لقسم الأحياء للفترة من 97 - 2001
واخيرا هاجر إلى ألمانيا وحصل على جنسيتها
وعمل في السياحة ومارس اهتماماته بالرسم والمسرح وبقية الفنون.
متزوج وله ثلاثة أبناء ولدين وبنت
الكبير وسيم والوسطى بلسم وآخر العنقود علاء الدين



البدايات مع الشعر سنة 1970
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأعمال المنشورة :

ديوان عصافير الغبار
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2003
ديوان شرفة القمر
مع مجموعة من شعراء العرب ايزيس للثقافة والإبداع مصر 2005
ديوان غرزات في بدن الهجيرة
بمعرفة د.يوسف عيدابي والأستاذ حارب الظاهري كتاب دولة الإمارات العربية المتحدة /الشارقة/وزارة الإعلام
ديوان عيناك البجعات البيض
للناشر عدنان هرملاني شركة المطبوعات للتوزيع والنشر بيروت
ديوان كهف الريح 2007
صدر عنه كم هائل من القصائد الشعرية غير المصنفة
منها تحت عنوان عرس البارود أيام الحرب العراقية الإيرانية
ومنها حوار شعري مع نخبة من شعراء العرب على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان قصف على الهواء


في مجال القصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموعة : أوراق مدينة دبقة
مجموعة : مصابيح صياد الأغاني

نشر العديد من الأعمال على مواقع أدبية في الانترنيت
وفي بعض الصحف العربية والأجنبية
أهمها مجلة الحركة الشعرية التي تصدر في المكسيك للأديب قيصر عفيف



الفينيق أحمد حسين أحمد,,, وحدوية في الشعر والشعور

عندما نزدد نأياً .. لكل الفيانقة والعنقاوات

ومن قارّةِ أُلقى لنحوِ بديلها
يطولُ اغترابي ثمَّ يبيّضُ شاربي

هي القارة الرابعة هذه المرة، بعيداً هناك عبر الأطلنطي، أصطحبُ قرطاسي وقلمي وألمي بحثاً عن الولد البكر الذي فارقت منذ عشرين عاماً .. وهي ليست بقصة رومانسية أو تراجيدية أرسمها هنا، ولكنه زمن العفن الذي هشمنا وبنى خضرته المزيفة بين الشرايين ومن حولها، فمنذ العام 1991 حين غادرت الوطن إلى عمّان، ولا تسألونني ما هي عمّان :

أجولُ في عمّان
في شارع الحسين،
أو مدرّج الرومان
استوقف الأنظار عند مئدناتها،
أسيحُ في الوديان
كالزيت يُنذرُ العراقَ ،
بالدمارِ والأحزان
أسيحُ في عمّان
أراقبُ ابتسامةَ الإنسان
وجوع طفلةٍ حنّطها الحصارُ ،
في العراقِ
فاستباحها الهوان
لكنّني أعبئ العيون
بالفنونِ والمكان
أجولُ في الأسواق
وأكرهُ الـتجّارَ في العراق
وجحفل الرفاق


وصولا لصنعاء العرب بآسيا أم القارات هناك في اليمن حيث البحر المحيط:

كان ليلاً قاتما حين افترقنا
والتففنا بالكفن
وانتهى الركبُ إلى أرض اليمن
حاملا ما قد تركنا
من شريط الذكريات
ناسخاً كل المحن

ومن ثمة إلى أفريقيا حيث الصحارى الشاسعة في كفرة ليبيا المحاذية للسودان:

أقارعُ حرَّ البيدِ والرملُ دوننا
إلى (كفرة) السودانِ شوقاً لقاربِ

تهادى بليلٍ فوقَ (دجلةَ) مثقلاً
بخيراتِ وديانٍ وعذبِ المشاربِ


وسنين أخرى من العمر تضيع لهفاً على الولد الذي تركت، ذاك الذي مات أو كاد يشبع موتا وخراباً حيث لا توجد فرصة للاتصال فالتلفونات معطلة والإنترنيت لم يعرف بعد في عالمنا المنهار، وحدهُ هو البريد السحلفي الذي كان يصل كلما حل بنا بدر جديد .. يا آه يا زمن النكسات واللوعة لمَ تُدرجني ضمن قائمة المتذكرين؟ فالذكرى سوط جلّادٍ من أيامنا هذه ..ومن هناك التحفنا رداء عزلتنا نحو القارة الثالثة أوربا حيث المثلث الألماني الفرنسي السويسري وبالتحديد في ( ريجل) القريبة من ( شتراسبورك) الفرنسية مقر الاتحاد الأوربي:

ومن ( ريجل) الألمانِ أشدو قصيدتي
و أُ كثرُ من ذكرِ الحبيبِ المعاتبِ

ينامُ كما مثلي بدون جفونهِ
ويربطُ أهداباًً إلى طرفِ حاجبِ


نعم هنا كانت الطامة الكبرى حيث عثرت على الولد ولكن أين؟ أنه في بلاد الأعادي الدولة المارقة؟ ومن منا لا يعرفها ..وهي قارتي التي ستكون الرابعة، أمريكا
واليوم ما موضوعي هذا سوى لأقول لكم أيها الأحبة جميعا ، أنني سوف أسافر له عبر الأطلنطي يوم 1/12 أي بعد أيام قلائل وبالتأكيد سوف يستمر تواصلي معكم من هناك أو حين العودة .. آه ..

أعتذر عن هذه الرسالة فربما قد زرعتها شوكاً

ألمانيا 24/11/11




كلمة منكَ تمنحنا للعالم..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


جيلان زيدان‏

ورحلة منه تكفينا لإقامة سرادق في يوم ........
" الأسود الصوفي" في أدراجي... كنا نقرؤها معًا....
لم رحلتَ ولم تؤبن أشياءك بعد.. !!
لم رحلت ولم تفصح عن تتمة أخبارنا المتداولة في رواية ....!!
طبعًا ليس لديك جديد..
طيب,,
ألن يكون لدينا جديدك بعد..؟!
قلتَ إنكَ تبتسم على طول الخط...
واليوم ....
كيف دثرت ثغر العالم
في حفرة؟!! ..
في جملة ,, قالت : .................
كنتَ تكتبُ.. ومتوازيا معك يكتب القدر.. اختتم قبلك,
كان فصيحًا, لغويًا, ماهرًا,, قادرًا.... وقديرًا ............وحزينًا مؤسفًا......
لملم الأوراق.......... إلى ورشة أخرى ..!
وأنت, يا " أحمد حسين ", تُغلق الحقائب من بعدك..
بعد أن أقنعتكَ ببقائك في الفينيق, وكتبتنا القصائـــــــــــد..
هل الآن تذكر؟!
كنتُ أفتر من قدر أقنعك بالرحيل الدائم.... وغلّق بيد هذه الحقائب
غلّق العيون..
أراح القصة.....
انتشلنا جميعًا لكن.........
إلى السحيق !!!!!!!

.....

((عرفتُ النفي والغربة
وأيام الهوى الصعبة
نسيتُ الدارَ والتربة
وكلٌّ يعتلي كَربه
فجاءت في الدجى المنسي
تخيطُ الآه باليأسِ
وجوف الليلِ عيناها))

أدشّن عيني ما استطعت,,
تراودني الأشجار عن قصة تابوت.. يُنتهش الحلم من ذيله...
هذه الموسيقا أعلاه.. كانت حنجرته...
أكره الاختصار الذي يضحّى بالوجوه.............
أكره الصدمات النارية التي تجازف بنا في غمار لعبة...
متألمة لأبـعد حد.. لما بعد ألمانيا ودول السحيق


رحمك الله " أحمد حسين"



إليك أخي أحمد حاضراً حاضراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلطان الزيادنة

رحلت لأنك لا تحب البحر
وهرَبت من تحت قدميك اليابسه
وعندما هاج بك الشوق لبغداد
ولم تلقَ ضوءك في عتمة عينيها
أرخيت على نافذة الروح الستارة
وأعلن دمك الغريب عروجه
إلى حيث لا دروب تخون
ولا منافٍ بائسه




سمعت سيدي بانك تحب اكتوبر
ورحلت في اكتوبر ...
وتركت الكلمة في حداد
نحاول ان نستقرىء بعضا من حروفك ونعيد الصورة الف مرة
كل الصور التي جاءتنا مطرية باخوتك وانسانيتك وبصماتك وتعاضدك معنا في كل وقت وكل آن وفي كل مواسم الحياة
حتى حين كنت تغيب
تدركنا بوداعتك وتقول ايها الغوالي ...لا شيء يمنعني من الحضور الى ها هنا سوى المرض
وكانت الروح على موعد آخر مع لقاء آخر .. أجمل من اثواب الحياة الدنيا...
نتعود على الاشخاص ونحبهم ونرتاح اليهم ونآخيهم ونرمي بكل غربتنا في انهار البعد
فلا غربة في وطننا هنا حيث نلتقي
نتعود وياتي الموت ليقصي لحظاتنا ويرحل بعيد بالاحبة
يقال الارواح تتناجى ..وتسمع وترى ما لا نراه نحن في مادية الاشياء
ونقول نعم ونعرف بانك ترانا
ولن ننساك أبدا سيدي ابدا....
نم بهدوء احمد فالطيبون يحبهم الله ..
رحمك الله
زهراء



مبكرا ادرك الرحيل

وجه الشاعر
أحمد حسين أحمد

أغصانُ دمي تهجرها أطيارُ الكلمات
وحقـول الشعر مغطاةٌ بالثلجِ
تحاصرها الأزمات
والشـاعـرُ في نفسي
تعلكهُ أسنان الحسرات
لا زال كما منزوع نواة
تلفظـهُ قارعةُ الطرقات
لا أدري هل للشـاعر وجـهٌ أم وجهان؟
وجهٌ للحزنِ وجهٌ للحريةِ
من يعلن خاتمة الأحزان؟



قراءة نقدية لنص (نوع من الصلاة) للشاعر أحمد حسين أحمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عباس باني المالكي / العراق

نوع من الصلاة
أحمد حسين أحمد


الحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذرَ الذات
صحوتُ عند بازغ النهار
أبحثُ عـن نسيمكِ الـمجنونُ كالإعصار
في فُرشِ السرير أو في قلب صحن الدار
كان هـسيسِ شعركِ الطويل ينحني
كالـريحِ وهي تضربُ البحور
وفي دمي زوابعٌ تدور
تطرقُ ذكرى سافرت
تُعيدُ عرساً فات
نافذتي كانت بلا نافذةٌ
وناظري من عاج
يكسرني الزجاج
أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم
وزورقي مهتاج
كيف أشـدُّ قبضتيَّ في عيون الريح؟
أعرفٌ أنَّ دفّـتي مكسورةٌ
وزورقي مخروم
وأنني أُبحرُ في ليلٍ بلا نجوم
لكنني عدتُ مراراً أقتفي البجعات
فالحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذر الذات
ويسلخ الهموم
أتعلمين أنني متيمٌ محموم
كما النخيلِ حينَ يشربُ الفرات
تلفحهُ نيرانُ شمس آب
من ناظم (الورّار) حتى قرية( المشخاب)
الحبّ في تخوم أوربا سراب
وهو لديكِ يستحمُّ بالفرات
كنخلةٍ منزوعة القامات
الـحب يا حبيبتي نوعٌ من الجنون
يا ليته يدركُ ما أعاني
يا ليتهُ يعرفُ من أكون
سأنثر الحب على خريطة الشجون
حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون
نلتفُّ عائدون
أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون
يا ليته يسلخ أبجديتي
يا ليتني أعرف من أكون


القراءة :
ــــــــــــــــــــــــــ


أن الاستناد على عنوان النص كركيزة في بؤرة الرؤيا والتي تكون ثيمة النص , هذا يجعل النص يتراوح بين قدرة الشاعر على الأتيان بالمعنى المقارب الى الدلالات الموحية لهذا العنوان أو الأبتعاد عنه , وقد أستطاع الشاعر أحمد حسين أن يبني ثيمته الشعرية بالتوغل في مسالك اللغة القريبةمن أجل تثبيت هذه الثيمة حيث جعل من الروح هي المرجع الذي يعكس مدى اقتراب المعنى من ما يريد أن يوصله الى المتلقي , وطبعا هذا يتطلب توفر اللغة القادرة على نقل مشاعره بشكل كبير لكي لا يحدث النكوص في مرجعية ذاتية النص , علما أن الشعر ليس تسلسل الأفكار بقدر ما هو رؤيا وصور شعرية موحية بكل الأحاسيس التي تنهض بتوهج الذات في كل أعماقها النفسية وتواترها الانفعالي من خلال ترددات التوهج في لحظة كتابة النص , والشاعر هنا أستطاع أن يعطي العمق النفسي بصدق الدلالة التي لا تبتعد عن المعنى لكي لا يقع في خوض المشاعر المتنافرة على ما يريد أن يوصله وهذا طبعا يدل على قدرته اللغوية بالتعبير بما يشعر به وبعمق كبير ..
الحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذرَ الذات
صحوتُ عند بازغ النهار
أبحثُ عـن نسيمكِ الـمجنونُ كالإعصار
في فُرشِ السرير أو في قلب صحن الدار
كان هـسيسِ شعركِ الطويل ينحني
كالـريحِ وهي تضربُ البحور
وفي دمي زوابعٌ تدور
تطرقُ ذكرى سافرت
تُعيدُ عرساً فات
نافذتي كانت بلا نافذةٌ
وناظري من عاج
يكسرني الزجاج
أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم
وزورقي مهتاج
كيف أشـدُّ قبضتيَّ في عيون الريح؟
نجد هنا الدلالة التي توحي بالمعنى حيث ربط بين الصلاة والجذور مع طول الليل حيث جعل هذا الحب هو أشراقة روحية في فهمه للحب ,فجعل من هذا الليل الرمز الموحي لمن يحب فربط بين طول الليل مع شعر حبيبته الطويل أي أن الشاعر بقدر ما أستند في تفسير مشاعره على ذاته لكنه في نفس الوقت أستمد الرموز الموحية من المكان الذي حوله , فالمكان الذي حوله هي الموحي بكل ما يمثل الحبيبة من الرموز المستعارة بالدالة الموحية لها أي أن الشاعر جعل من المكان هو حالة الفقد لكل ما كان يعيشه من رمز الى من يحب , فهو هنا يتأمل متلقفا الصلاة بالرموز حوله , ولكي لا يبقى المكان محاصر الى رؤيته المنبعثة من المكان الموحي أخذ يربط بين المكان وما هو موجود في الحياة من رموز تستطيع أن تدعم الرمز الخاص بمن يحب مثل (الريح ,الزوابع الظلام,الغيوم , الزورق المهتاج ) وهذا ما يدل أن كل شيء أصبح غير مستقر بعد أن سافرت من يحبها , فتحول المكان الى ثيمات متنافرة في تكوين الإدراك الحسي حوله وما يعطي هذا المكان من التذكر بالفقد , فيناشد يأسه في رحيل من يحب فكل شيء حوله تحول الى الذكرى , لم يعد يمتلك نافذة يرى من خلالها الحياة حبيبته بعيدة عنه و لم يعد يبحر إلا في لجة الظلام والغيوم (تُعيدُ عرساً فات /نافذتي كانت بلا نافذةٌ /وناظري من عاج /يكسرني الزجاج /أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم ) فكل شيء حوله يوحي بالغياب والفراق , ففي هذا المقطع يحاور المكان من خلال الرمزه بفقد حبيبته ..
أعرفٌ أنَّ دفّـتي مكسورةٌ
وزورقي مخروم
وأنني أُبحرُ في ليلٍ بلا نجوم
لكنني عدتُ مراراً أقتفي البجعات
فالحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذر الذات
ويسلخ الهموم
أتعلمين أنني متيمٌ محموم
كما النخيلِ حينَ يشربُ الفرات
تلفحهُ نيرانُ شمس آب
من ناظم (الورّار) حتى قرية( المشخاب)
نجد في هذا المقطع يحاول الشاعر أن يبتعد عن المكان وما يسببه من تصدع وألم داخل الروح لكنه يقع في عدم قدرته على تجاوز هذا المكان لأنه لا يمتلك الإمكانات التي توصله الى من يحب ومع كل هذا فهو متمسك بمن يحب لأنه يمثل له الحياة التي ينشد برغم البعد بينهما , وهنا يتحول من يحب الى مساحة شاسعة من حلمه وحياته حيث يتحول الرمز لدية ويمتد به خارج المكان الذي حوله الى رمز الوطن , فيستنطق الجذور وهذا ما يدل على عمق الانتماء لمن يحب برغم العجز و الإحباط الموحي إليه فهو يبحر في ليل بلا نجوم , مع كل هذا الإخفاق هو متمسك كتمسك الجذور بالأرض ولا يريد أن يفك عمق انتمائه للحبيب , فتمتد مساحة الوطن وبالرموز الكبيرة التي تتسع بأتساع وطنه , لأنه متيم محموم بحب هذا الحبيب بقدر حبه لوطنه وكما أنه في يسكن روحه كاتساع الوطن ., وأستطاع الشاعر هنا أن يعمق الاستعارة بأحداث الأنزياح في تكوين الرمز وما يوحي هذا الرمز من معنى بالدلالات الكبيره من التعبير عنه برموز الوطن , حيث كون الصور الشعرية من خلال ترادف اللغة بمفرداتها المختارة ما جعل الصور تتراكب ببؤرة نصية تتوحد فيها الوحدة العضوية المترابطة مع عنوان النص وهذا ما جعل الإيقاع الداخلي منفرج يحمل صوت إيقاعي عميق وجميل ..

الحبّ في تخوم أوربا سراب
وهو لديكِ يستحمُّ بالفرات
كنخلةٍ منزوعة القامات
الـحب يا حبيبتي نوعٌ من الجنون
يا ليته يدركُ ما أعاني
يا ليتهُ يعرفُ من أكون
سأنثر الحب على خريطة الشجون
حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون
نلتفُّ عائدون
أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون
يا ليته يسلخ أبجديتي
يا ليتني أعرف من أكون

نستطيع أن نقول أن النص تكون من خلال ثلاث مراحل المرحلة الأولى هو المكان حول الشاعر وما يوحي هذه المكان في الليل من رموز تأمليه وكأنها خشوع الصلاة والمرحلة الثانية امتداد الرمز الى الوطن وما يمثله من مساحة شاسعة في روح الشاعر والمرحلة الثالثة هو المكان الخارجي الذي يعيش فيه الشاعر هو أوروبا لكي يتم المقارنة بين مسبب الألم والرمز الموحي بفقد الحبيب البعيد عنه , نشعر أن الشاعر يشعر بالقلق وعدم الاستقرار فهو يعيش كنخلة منزوعة القامات , و يشعر بالضياع الى حد لا يعرف من و أين هو ( يا ليته يدركُ ما أعاني /يا ليتهُ يعرفُ من أكون) , يريد أن يتجاوز يأسه الى حد حتى لو نثر حبه ونبت الصحراء زيتون , لكن طبعا هذا المحال لأن الصحراء لا تنبت الزيتون , يبقى محاصر بحب من لا يستطيع أن يوصل إليه , لأنه لم يعد الوطن الذي كان أو الوطن وكما كان يحلم بأن يكون وكما يريد , لهذا هو لا يستطيع أن يكون فيه بسبب ما يسبب له من المرارة في أن يعيش البعد عنه مرغما فالبعد عنه كالطاعون (سأنثر الحب على خريطة الشجون /حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون /نلتفُّ عائدون /أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون /يا ليته يسلخ أبجديتي /يا ليتني أعرف من أكون ) والشاعر هنا يعلن أن كل هذا الحب والعذابات هي للوطن بسبب البعد عنه وما يمثله له هذا الحب من حب يتجذر داخل الروح الى حد الصلاة أي حب الوطن أصبح كل مكامن الروح التي يعيش بها حيث يأخذ هذا الوطن في كل مساحاته فمن ناظم الورار الى قرية المشخاب أي كأنه جسد واحد موحد , وقد حقق الشاعر الجدلية الحوارية الأسلوبية بين الوطنه وبين ما يريد أن يكون هذا الوطن في أحلامه والتي يريد أن يراها فيه فكل المغريات حوله لا تغنيه عن حب الوطن .. فكان النص متكامل في النضج والأسلوب واللغة ..




كتب يوما في بصماته وردوده على الاحبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


البصمة الاولى
رمالٌ لم نبعثرها،
ولكنْ حمّلتها الريح أوزاري
فما قَدَرتْ تحمّلها طيور الجو،
أو شُدّتْ لتيارِ
أتتني والهوى كدرٌ،
تعبئني بما أفشتهُ أسراري
فعدتُ مهشماً للدارِ،
معتكزاً بقيثاري
أقلّبُ في شراييني
عسى تفّتَكُ بوابات إعصاري
وتهطلُ من سما قلبي
طيوبٌ لمْ أقلبها،
فيحملها النوى العاري
بعيداً نحو عاشقتي
وأصحابي وسمّاري
ولكن لمْ تساعدني
مزاميري وزنّاري
كذا أبطأتُ في بوحي
وكدتُ أعودُ للأحبابِ بالبارودِ والنارِ

البصمة الثانية
رمالٌ من ندى وردٍ سقيناها
وأسّسنا مراعٍ فوق ممشاها
ومن منقوعِ لبّ الزهرِ نبرشهُ
إلى أصل النوايا قدْ أضفناها
وكان الغيم جزءاً من مسلّتنا
بدون الغيمِ هل يخضّرُ مثواها؟
أراضي البور لا تبقى مجردةٍ
لها الأمطارُ تستحيي محيّاها
ونحنُ الناي والسنطور،
أبناء الهوى الورديّ ، سقياها

البصمة الثالثة
رمالُ الحبِّ تسترخي على شطِّ الفرات الحرِّ،
حتّى آخر الأمواجِ من دجلة
يراها القلبُ عن بعدٍ مخضّبةً بحنّاءٍ رماديٍ،
وفي أحلامنا السهلة
وكمْ من سفرةٍ جادَ الخيالُ بوصفها،
تجتاحنا في صحونا أو نومنا وكأننا،
نمشي وفي أعناقنا نخلة
فيا بشرى
تعالي كي نقلّبها ،
عسى ذكرى الفيافي،
تحتوي الإحباطَ في نوم الضحى،
فتعيدنا من نأينا،
رحلة

البصمة الرابعة

هي الأهواء يا فاتن
تهادت كالندى المشتاق
من جلبابنا الساخن
فهل تحتاجُ : أوّاها؟
وهل ينشقُّ من بين المدى وطنٌ
لنا ينسابُ كالأنهارِ مشتهياً لممشاها؟
رمالٌ لم تكن تنشقُّ من عبثٍ
ولكنْ أسّسَ الهجران مجراها



ردود وحوارات شعرية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ردود شعرية على هامش وأعود تحملني النوارس

إلى مروة

يا مروة الخير الوفير أتيتني،
وأنا المضرّجُ بالعراق
تتوكئين مواجعي وتثبتين على الطريقِ،
يداً وساق
لا يُرهبْ الصمت الرهيب سوى الردى،
أو يقتل الوله الحميم سوى الفراق
لا زالت الأعباء هاجسنا ،
ودربي لا يطاق
يلّتف كالحبلِ المتينِ على الرقاب
من بين أقبيتي تلَمّسني الغياب
وارتدَّ هاجسهُ هنا في الصدرِ،
ما بعد الرواق
خيطاً من الدمِ والجنون


إلى رسالة الجابري

ونعود نبحثُ في بقايا ما حملنا من متاع
فيضوع عطر الأهل من بين الثنايا في البقاع
كنّا،
ويا قصر المسافةِ بين سقف القلب،
والنبض الكثيب
اليوم أبعد ما أكون عن العراق وغابهِ وقت المغيب
لكنّني أحيا هناك
وقت الشروق إذا أطلَّ من الشحوب
صلّي لأجلي يا ( رسالة) أرضنا،
نحنُ المحبّون الأوائل،
قد تركنا الأرض لكنّا نؤوب
حيناً إّذا هتفَ الوجيب


إلى فاتن دراوشة

وسألتّني كيف الطريق إلى الغيوم؟
هل تعرفين رفيقة الحرف القويم مدى الغيوم؟
النهرُ والسهلُ الفسيحِ وغابةٌ للنخلِ،
ترقدُ في السدوم
وخميلة حسناء ليس تنوشها،
أيدي الطغاة،
ولم تلامسها الهموم
فهي القصيدةُ في نطاقِ نسيجها،
وهي البدور إذا أطلّتْ حفّها حشدُ النجوم
وغداً ستفتح بابها،
لا للغزاة وإنما للصحبةِ النجباء،
والقطر الرؤوم
حتماً ستورقُ أرضنا بالخيرِ،
والمرعى بتفّاح الكروم


إلى سكينة جوهر

سكنتْ جراحي يا سُكين،
وفاتني الوجعُ الدفين
لمّا التقى الحرفان،
في جرف الكلامِ على المتون
واليوم تحملني لبيدركم
خطوطي والهوى عذبٌ ومنطقنا مُبين
البابُ يوصدُ دونه بردَ الشتاء إذا أطلَّ،
وهاجس اللقيا على بُسطِ الجواشن يستبين
كوني بخيرٍ ليس بعد صمودنا،
وطنٌ حزين

إلى وداد القلب

ها أنتِ تحملكِ النوارس يا وداد القلب،
للفجر القريب
تتسامرين مع الندى،
وتحلقين على القلوب
محمومة بالشعر ،
تعتصرين قدّاح الفيافي والسهوب
أترين تلكَ الحاصدات المترفات
تنتابهنَّ الرعشة السمراء للأرض البتول
وهناك خلف الربوة الخضراء قلبي،
وهو يصطحب السهول
سيكون أوّلَ من يغنّي للربيعِ إذا استضافته الحقول
عند البراري الهائمات


إلى هاني درويش


عّلّمتْ تفاصيلُ الحكايةِ كاسراتُ الغاب،
وارتدّتْ إلينا ترتدي حرفاً أصيلاً ،
خطّهُ القلم النبيل
يأتي من الشام الحبيب بنغمةٍ سمراء،
يعزفها على نايٍ أصيل
هو موطن العشّاق والنهرُ الفرات،
إلى الفيافي عاد يحتضن الأصيل
ليبثّ حلم العودة الكبرى،
إلى أرض المباهج والنخيل
طوبى لحلمكَ ،
قد علمتُ كما علمتَ مسارها،
أنَّ المرابع ما استطاب أريجها إلاّ بنا،
مهما طغى الليل الطويل

إلى عائدة

أتناشدين العَود،
يا بنت الربوع الخضر والأرض البتول؟
مثلي،
ومفترق الدروب يلفنّي بالبردِ،
والليل المهول..
البابُ أُوصِدَ دونَ نبضي،
واستضافتني وطاويط الكهوف
من بعد رحلي ،
يحتويني القيظ رغم البرد،
أو أقسى الظروف
أرقى لمنقلبٍ إلى بيت الضحى،
من بين قاتلتي وما بين السيوف
ملتاعةٌ نفسي ولكنّي أساومُ مستحيل قريحتي
يستلّني خوفي لما فوق السقوف
لا أنزف الذكرى ولا،
أبتاع ُ خيّالاً يقاسمني الفلا،
بلْ أطرقُ الأحجار حتّى تحتفي بيني الدفوف




حوار شعري مع محمود أمين وانشراح حمدان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب الشاعر محمود أمين قصيدة بعنوان "عراء " فتداخلنا معا وكان هذا الحوار

كلُّ عاصم عراءُ
وكل نافذة
مدى
تأتينَ ...
لا نهرٌ هناك
ولا دروبُ
ولا ظمأ
قمرٌ من اللا شيء يصعدُ
في تراب الأمكنة
وأنا الذي ...
لا ظلَّ لي
يمتد بي
طلل ٌ
وأحجارٌ ملفقة
وأسأل : يا .........أنا
..

سهوا ً أتيت
ولم يكن في القلب متسعٌ
لما بعد الحنين
وكان لي شجرٌ ينامُ
على نوافذ من هوًى
عال
يسافرُ بي إليك
وكنت
كبعض ِ عاشقة
تخامها مفاتنُها
وكنت ُ أنا
رهانا ً
من شجن

قال أحمد

ما كلُّ عاصمةٍ عراءٌ،
ترتقي الأشجارُ أسوارَ المدائنِ،
والبحار..
وقرينةُ الأفقِ المكّورِ ، زهرةٌ ،
وخميلةُ المحرومِ نار..
كلُّ النوافذِ بهجةٌ ،
تحتاجُ للأفقِ الفسيحِ وللمدى
وظلال طفلٍ ما تقمصهُ الردى
أو نام في ظل الجدار..
أ فمثلِ متّسعٍ لقلبكَ لاكهُ التحنان،
يغدرُ بالهوى،
ويلوذُ بالديجور؟
لا بعضُ عاشقةٍ تعاشرها المخاوف
تستريحُ على السطور..
أو كلِّ مرتهِنٍ بعزف الشوق،
يعرفهُ الحبور..
سافر إلى أفياء رونقها ستعرف ما يدور
بين التصدّعِ والقصور
وتعودُ يملأك التصدّق بالشجن


قال محمود


أنا لست أنت أيا حبيب
تشارك العصفور قهوته
وتلهو في عراجين الأهلة
عندما تجتاحك امرأة وتضرب ساحليك
تلوذُ بشظية العقل المبرأ من تهاويم الفؤاد

أما أنا....
عندما أفرغت قلبي للهوى
كانت هناك ...كأنها شجر كريم القلب مال على نوافذي البعيدة
لم أسل .. أسرجت ما أبقي الحنين
وقلت : مرحى بالتي ..
مرحى بمن ...
ورميت كل فواصلي طوعا ً إليها
أنت مالكة الفؤادْ .. و ما تبقى من أناي

...فاصلة
.. وأخرى

هل أثرثر في نهايات ٍ.. !!!!!
سأترك للتنبؤ ما اختصرت
لك المحبة يا حبيب

قال أحمد

هذا الهوى وصروح قلبك تـوأمان،
أيا صراطَ النازفين ،
وشعلةَ الأولمب في الدرب الكئيب..
هلاّ أنارتكِ القوافي واستضافتك النوافذُ،
وقت أنْ عزَّ الهبوب؟
ما بينَ فاصلةٍ .. وأخرى،
لا مجال سوى السفر
في حضن زورقها العطر
تستافُ ريحَ هبوبها،
وتعودُ تحملكَ النسائمُ،
والربيع إذا أمر
تلك الصبيةُ زهرةَ النسرين،
ما شربت خيوط الضوء يوماً،
فليبللها المطر..
ستقول : مرحى بالذي....
وتغطُّ بالبلل الرهيب..
هذى نبوءة ما اختصرتَ ،
وحكمتي قبل المغيب


قال محمود


لا والذي سوى قلوبا ً من حجر
ما كانت النسرين
بل جرحا ً .. وكأسا ً مترع الأرجاء
من صاب ٍ .. ومُر
كانت تهاويما ً لشيء ٍ غامض ٍ
أو قل بقايا من خواء ٍ رُكِّبت
في سمت كاذبة ٍ
لها مني الهوى ..
ودم الفؤاد ..
وصولجان الروح
لي منها لظاها المستعر
هي حصة الأوجاع يحملها
حطامي المندثر


قال أحمد


لا تنتظر،
فوميضُ برقكَ يحتضر..
وسدودُ أروقةِ الفؤاد شواهدٌ
فالبابُ شُرّعَ للغجر..
يأتون "كالهكسوس" أمواج بحر..
وهي الصبيةُ،
ما لها في الغزو نوقٌ أو شجر..
أنت الذي وشّمتها بالحبِّ ،
صارت من لظاها تستعر..
فعلامَ مذْ عمدّتها بمياه شوقكَ
تستديرُ إلى المفر؟
لا والذي رصفَ السماء بسبعةٍ،
ما أنتَ إلا عاشقٌ،
وحطامكَ الباقي علاماتٌ أُخر....

ثم غاب محمود فكتبت

يا ذا الفواصل والخطوط المستحيلة
مالي أراكَ مكبّلاً بهوى الخميلة؟
يومان،
لا خبرٌ يجسّدهُ المكان ولا،
تخبّرنا الجميلة


قالت انشراح حمدان



أما انا
سأسيح في عرض القريضِ
وليس لي
فيما تواتر في السطورِ
من الحكاية.
:
أغفو...
فأسرج صهوةً للريحِ
شرق الأغنيات،
أدنو...
يباغتني الفرارُ
إلى هناك.
:
فأرى...
ابتهال صلاة جدي
يرفع القاع الموشَّى بالدقيق،
ويرش ملحَ الصخرِ
في جيب الرغيف.
:
أستحضر الذكرى،
يلوح هناك فوق التلِّ
أطفالٌ يلوكون الهواء المنتشي
بروائح الخبز الفتيّ
:
تجتاحني
ألواح شوقٍ
للبلاد الـ كنتُ أرقب سحرها
في وصف جدي
حينما تغفو الحكايةُ
قبل أن نمتص آخر قطرةٍ
من دمعها
من شهدها
/

قال أحمد


لكِ النصيبُ بكلِّ شيءٍ هاهنا،
ولجدّكِ القروي مخبوز الدقيق..
وللبلادِ شجونها
ولكلِّ دارٍ ندبةٌ،
ولظى حريق..
ولكلِّ أسمٍ شاردٍ أو واردٍ أحلامهُ،
ويمامةِ التلّ الأنيق..

يا بنت حمدان اهزجي أصل الحكاية
وترفقي حيناً بنا قبل البداية
فدفاتر الماء التي كنّا قرأناها مزورةٌ،
وتأريخ النهاية..
ما قالت الأعراب يوما غير جعجعة السلاح..
ولا سلاح سوى النواح..
يا بنت زيتون البلادِ وناضجات البرتقال
لمَ الحكاية والرواية؟؟

أطفالُ نارنج الحقولِ بلا حجارة
وجنود " غزّةَ" في المعابر يُعرضون على النظارة
ماذا تبقّى للهواءِ لكي يعبئهُ الرغيف؟
لا ليس غير تحسّرٍ بمرور ذكرى تركبُ التلّ الكثيب..

قالت إنشراح

فاجأتني أخي بطرحك هذه اللوحات هنا، كيف لا وأنت تدعوني إلى نزالٍ بهذا المستوى
كيف لي أن أباري هذه القامات ذات الطول، هل ضاق أفق الشعراء لأقبل نزالاً أحد أقطابه لوركا العرب!!!!!
يا إله الشعر إليك الملتجأ

/

ماذا أقولُ
وما عسى أن أهزجا
هذي الحكاية يا نديم الحرف
أرهقها المدادْ
وأتَيتَ يا ابن الرافدينِ
تكيل زيت القهرِ
ملءَ دنانِ حسرتنا،
وتطرقُ غابراتِ الذكريات.
:
يا ابن الحسين ترفُّقاً
بكريمة الحمدانِ
لا تنجشْ مغارَ اللهفة الكبرى
ولا ترسمْ إلى وجدانيَ المذبوحِ درباً
قد يباريه النشيج
:
أذكرتني
ما ليس للنسيان بارقةٌ إليهْ
ذكّرتني بالبرتقالِ
وناضجات ثمارهِ
وكذلك النارنج
والليمون في بستانهِ
ويمامة الدوح التي في ثوبها رقص النهارُ
تميل للظل المراوغِ
تلقط الحبّات من أيدي الصغار
:
أذكرتني الزيتونَ
حين يفيضُ بالخير المؤجج لمعةً،
يربو فلا يجد الحصادَ يرافق الأهزوجةَ الـ كانت تَمايَسُ
قبل أن تغتالها النيرانُ
والأسلاكُ
والأسمنتُ
بل حُلُكُ الحواجزِ
في صباحات العبور
:
هذي الحكاية يا أخي
وجزى السماسرةَ الحريقِ
فقد أطاحوا بالحجارةِ
من أيادينا
لنرفع بندقياتٍ
نَلوح بها
أمام عيون من كنا وكانوا يحتسون الحُب
مع خبز الوفاق

قال أحمد
أتفــنّنٌ أهذي،
فأذكرُ ما ذكرت،
لكي تجاوبني السنابلُ والحقول
فتقولُ ما لم أستطع شعراً
وما لا تستطيع محبّة أن تحتوي أرضاً بتول
تلك انهيارات المغنّي ،
عندما يهتزُّ عودٌ في الفلاةِ،
ولا تجاوبهُ المراعي بالصلاةِ على الرسول
يا بنت حمدان التي أشعلتِ قلبي،
فاحترقتُ بنارهِ،
منْ ذا يطبّبني،
وماذا قدْ أقول
صار المصابُ مصيبتين،
وليس من أملٍ يباع
ذهب الزمان بمن أنار مشاعل الأقصى،
وكبلّنا الضياع..
أَ فناصر للدينِ يأتي
والمسالكُ جابها أبناء آوى والضباع؟

قالت إنشراح


لا...
لستَ تهذي
يا ابن بائسة الظروفِ
ولستُ راميةً إلى إشعال قلبك
بالجوى
:
هذي تصاريف الرؤى
تطفو بلجتها تناويءُ أنّتي
وتثير زوبعةً
على صفصاف تلك الأمنيات.
:
تلك السنابل أعجزتْ رصفَ الحروفِ
وفارقت رقصاتِها
أعيَى نَداها جرُّ حرفٍ
في عبارات الهلاكِ
ونصبُ شِركٍ
في جداول حقلها
:
أعيَى اخضرارَ اللون في أوراقها
رفعُ النداء إلى الخصام.
وتلا سكونَ الفعلِ صمتُ حروفه الحيرى
التي بُنِيَت إلى المجهولِ
في أصفادها
:
تبقى الحقيقةُ
في فصول عريّها
تتنكب الدرب الذي لا ينتهي
إلا إذا أفِلتْ حقولُ ضبابها
:
فإلى متى
يا خير من نسج القصيدَ
إلى متى
ستظل أروقة الحقيقةِ
خاوية؟


قال أحمد

ستظلُّ أروقة الحقيقةِ معتمة
ونظلُّ نرتشفُ المرارةَ،
مرغمين بدون أن نحتجَّ،
أو نسّتلَ ما زرعتهُ أنياب الحراب المؤلمة
ونظلُّ نرتقب الظروف لعلّها،
تأتي بحسن الخاتمة..
لكنّني، واليومُ يلكزني الفؤاد،
سأنتهي من نبش أحلامي،
وتقليم الهموم بمقلمة
اليوم أنتظرُ الجميل يزورني،
أستلُّ ذكرى من عواصمهِ،
التي كانت تعريها نوافذهُ مشرّعة المدى
أستلّها، وخطوط قلبي للحبيبِ،
تزفّني كالصوتِ أرجعهُ الصدى
تنشقُّ أرباع الفؤاد لخمسةٍ،
وأباتُ كالورداتِ في حضن الندى
إنْ عاد، يأخذني إليه،
وإنْ مضى،
لابدَّ يأخذني الضياع إلى الردى

قالت إنشراح

إنا معَاً
في كل منعطَفٍ
يؤدي للذي أيامُهُ غير الأنامِ يعدُّها
أسبوعُ كلّ خلائقِ الرحمنِ سبعُ لياليَ
أما لهُ فثمانية.
الثامنةْ
وشمَتْ بهِ صبحَ القصيدةِ
فانتعشْ
صعدتْ إلى ما بين زينب والبتولِ،
توسدتْ جوريّةَ الروحِ الشفيفةِ،
عانقتْ بتلاتِها
وغدتْ تنافسُ لؤلؤَاتِ الدانِ
في لحن الطهارة والنقاء.
:
يا أحمدُ...
أعَلِمتَ مَن ذي الثامنةْ؟
هي ذي أنا!
أرقى ثُرَيّاتِ المدارِ
وأنتشي برقيق حرفٍ
من لُجَينٍ يُسكَبُ
تسمو على ثغري القوافي
مثلما يزهو الرهامُ
على حدود غيومهِ
أرنو وأنتظر المواقيتَ
اشتهاءَ حلولها
وابن الأمينِ يصفّد الأوقاتَ
يفترش النؤى.
:
يا عاذلي
غض الطُرَيفَ
فإنما ابتَلَّ الحنينُ بِهَدْلِ حرفيَ
واستوى في محجري
علّ ارتقابي يُكرمُ التكّاتِ
في ميناء ساعتهِ
وتنعمُ بالهدوء.
هيا إذن
إنا هنا
يا (لورِكا)



قال محمود

آه ٍ لأحمد حين يسحبني من الوقت المخاتل
كي يروّيني بعمر ٍ أخضر اللفتات
أسكنه على رغمي
تبللني أناشيد ُ
فأصعد في ثقوب الناي
أصبح كائن الإيقاع
آآآه ٍ يا إنشراح وقد وقفت على مفارق لاتدور
وبي من الدرب إلتواء
" أين متكأي "
فكنت ِ الدعوة البيضاء ترهج في سماء الله
تسند ماتبقي من ظلالي
كي أقوم .. وأنفض العثرات عن قلبي



ابحر الفقيد في اشيلء القصة القصيرة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ألوان ثلاثية الأبعاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم يكن ذلك الصباح بنسيمه المنعش ،كافياً لإشراق قسمات وجه عبد الحميد الحدّاد رئيس قسم المنسوجات بمصنع الملابس الجاهزة.بلْ احتاج لأمر آخر لم يحصل منذ ثلاثين عاماً،فقد ابتسم لعاملة صغيرة السن،كانت تجلس على مقعد مجاور للبوابة الداخلية للمصنع وقال لها:

-صباح الخير.

هذا الرجل المتجهم العابس الأقرب للرجال الآليين ،يقول (صباح الخير) قبل أن تبتلعه دهاليز البناية.
حتى هو،لا يدري كيف حصل ذلك فليس من عادته توزيع الابتسامات وإلقاء التحيات الصباحية على العاملات اللواتي يقفن هناك صباحاً ينتظرن دخوله إلى المصنع قبل أنْ يٌسمح لهنّ بالدخول.
لكنّ عبد الحميد وبعد أنْ أصبح في الداخل،نسي الموضوع تماماً وانهمك بممارسة عمله الطويل حتى آخر النهار.وبعد موعد الانصراف غادر المكان مهمهماً مطرقاً في الأرض ورأسه تقلّب الأرقام حسب آخر نظريات الاحتمالات.
في صباح اليوم التالي تكرّر المشهد نفسه،عبد الحميد يبتسم،يؤدي تحية الصباح للعاملة الصغيرة الجالسة على مقعد بجوار البوابة الداخلية ،وينسل للداخل.هذه المرّة أدى التحية مع انحناءة بسيطة.
دأب الرجل على هذا المنوال لمدة أسبوع كامل.أثير همس بين العاملات إنه ربما يخطّط لخوض انتخابات مجلس الإدارة،وما تحيته الصباحية إلاّ وسيلة لنـزع وجهه القبيح،فطالما لقين الأمرّين منه ،فهو شديد القسوة في معاملة الجميع،منطو على نفسه،لا يسمح بأي تهاون بالعمل.
في اليوم الأول من الأسبوع الجديد،بكّر عبد الحميد عشر دقائق عن موعده المعروف.وعند وصوله للبوابة الداخلية،همّ برسم ابتسامة عريضة،لكنه لاحظ أن العاملة الصغيرة لم تكن موجودة.ابتلع ابتسامته،قطّب حاجبيه ودخل المصنع دون أنْ يلقي تحية الصباح لبضع عاملات كنّ يقفن هناك.
سأل نفسه في الداخل:أين عساها تكون؟
ثمّ أجاب:لقد بكرّت بالحضور هذا اليوم.
في اليوم التالي حرص أن يأتي بموعده المحّدد .ومن مسافة بعيدة عن المدخل تفحّص المكان فوقعت عيناه على العاملة الصغيرة وهي تجلس على ذات الكرسي جوار البوابة الداخلية تنظر صوبه كأنما تنتظره بوجهها الوضّاح المشرق بابتسامة عريضة.
أضاف لتحيته الصباحية: (يوم جميل).
بعد أن وقف هنيهة في المدخل وعيناه تزدرد عينيها.
بعد ثلاثة أيام عندما غادر المصنع نهاية يوم عمل شاق ،مرّ عل جمع من العاملات ينتظرن سيارات النقل.رنّ صوت ناعم في أذنه:
-مع السلامة.
التفت فإذا بالعاملة الصغيرة تقف بينهنّ وهي تبتسم له.أجاب على الفور:
-مع السلامة.
خطى خطوتان للأمام ثمّ توقف.أشار إليها قائلاً:
-تعالي،ما اسمك؟
*خديجة.
-في أي قسم تعملين؟
*في قسم الخياطة.
-منذ متى تعملين في هذا المصنع؟
*لي أربعة أشهر فقط.
-حسناً.
تمالك نفسه قليلاً ،واندفع للشارع صوب منـزله القريب الذي يعيش فيه بمفرده.
ما تعوّد الحديث مع امرأة،هاهو يقبل على الخمسين من عمره ويرتجف كشاب غرير.كيف لم ينتبه لنفسه طوال هذه السنوات؟ منذ أن باشر العمل في المصنع قبل ثلاثين عاماً،اجتهد على التفاني فيه ووصل إلى مركز مرموق يحسده عليه الكثيرون ،يدير قسم المنسوجات،ويهتم بالتسويق ولا بفهم إلاّ لغة الأرقام.ساهم في التطوير ورسم الخطط وتوسّع المصنع على يده عدّة مرّات.عمل ليل نهار،دون كلل ولا ملل ولم يغب يوماً واحداً ولم يتمتع بإجازة عادية ولا مرضية،كان أصلب من آلات المصنع نفسها.
أما في البيت حيث لا أحد،فإنه فضلاً عن النوم، يمارس هواية وحيدة ورثها عن والده هي الرسم.وقد خصّص غرفة جعلها عالماً من الألوان تكدّست فيها عشرات اللوحات وتبعثرت في جميع الأنحاء علب الزيت الفارغة والفرش القديمة والخرق البالية الملونة بالألوان كأنها رايات جيش منكسر.
في هذا اليوم دخل مرسمه وباشر بترتيب المكان ورفع ما لا لزوم له،وهيّا لوحة جديدة للرسم قبل أن يأوي إلى فراشه.
بعد ذلك بأيام،شوهد عبد الحميد متأنقاً ببذلة جديدة،واضعاً زهرة حمراء في جيب سترته العلوي وهو يدور في أروقة المصنع يوزّع الابتسامات والتحيات يميناً وشمالاً وكأنه نحلة دؤوب تقبّل أزهار حقل يانع.
الأكثر من هذا إنه فتح باب مكتبه لتلقي الطلبات وحلّ المشاكل الخاصة بالعاملات والعاملين وبذل أقصى جهده لاستنباط الحلول المناسبة لها.وكان يتحدث بطلاقة وانشراح وسعادة غامرة وولّى عن محيّاه عبوسه المعهود.
ما بين هذا وذاك ،كان عبد الحميد يقضي ساعتين من وقته الثمين في قسم الخياطة حيث يشاهد وهو يتطلّع إلى الزاوية اليسرى من عنبر العاملات نحو عاملة صغيرة،بالكاد يظهر رأسها من خلف ماكنة الخياطة وهو يبتسم منشرحاً كطاووس مزهو بريشاته.
شكر الله جميع منْ في المصنع على هذا التغيير الطارئ الذي حلّ بغول مصنع الملابس الجاهزة وبعضهم قال:أنه أشبه بقيام الساعة.
لم يسلم بيت عبد الحميد من التغيير،فقد وظّف جنائنياً ومدبّرة منـزل،وعكف على تناول طعامه هناك بشكل منتظم بعد أن كان يعتمد على مطعم المصنع في توفير احتياجاته الغذائية.
أهم ما في الأمر،إنه بدأ برسم اللوحة التي أعدّها مسبقاً،وبدأت معالمها تتكامل حيث رسم المصنع في خلفية اللوحة،وفي صدّرها رسم البوابة الداخلية له،وبجوارها رسم مقعد تجلس عليه عاملة صغيرة السن .وبعد مرور شهر أتمّ إنجاز اللوحة تماماّ.
فوجئ مدير المصنع بعبد الحميد وهو يتقدم بطلب إجازة عارضة لمدة يوم واحد.ورغم أنه وافق على الفور إلاّ إنه ضلّ مبهوتاً كمن صفع على خدّه دون سابق إنذار.
دخل عبد الحميد وهو في كامل أناقته إلى عنبـر العاملات بقسم الخياطة وفي قرارة نفسه شئ واحد،وهو دعوة خديجة إلى وليمة غداء حيث ينوي مفاتحتها بأمر خطير.وحالما أصبح داخل العنبر تطلّع إلى زاويته المفضلة فلم يجد أحداً هناك.فسأل إحدى العاملات القريبات منه:
-أين هي؟
*من هي يا سيدي؟
-العاملة خديجة.
*لا يوجد لدينا عاملة بهذا الاسم.
نظر إليها شزراً وقال:
-العاملة الصغيرة التي تجلس خلف ماكنة الخياطة في أقصى الزاوية اليسرى للعنبر.
قالت العاملة:يا سيدي هذه الماكنة عاطلة منذ شهرين.ولم يجلس خلفها أحد منذ ذلك الحين.
خرج من المصنع مصّفراً،وهرول باتجاه المنزل.دخل إلى مرسمه على عجل حيث اللوحة المرسومة والتي أتمها بالأمس.
أصابته صاعقة وهو ينظر إلى اللوحة،فقد شاهد المصنع في خلفية اللوحة وفي صدرها تبدو البوابة الداخلية له وبجوارها مقعد فارغ.
-تمت-
25/1/2001

السباحة في بحر جاف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دخلت عليّ غرفة الحاسب الآلي وأنا منهمك في تعبئة بعض البيانات ، فاتنة أذواها العشق وهصرها هاجس التردد والخجل . نطقت ببضع كلمات كانت معلبة في جوف حنجرتها الجاف ، سمعتها تخرج من فمها كتكسر عشب يابس.
لم أتوقع مطلقا أن تفاتحني بمصابها، رغم علمي بسرها الدفيـن بأدق تفاصيله. ولكوني لست من النوع الذي يهوى تقليب ملفات الآخريـن، أحسست بالإحراج ومع ذلك دلقت ما امتلكته من بلسم لتطبيب جراحها. شفافة كحفنة ماء في قدح زجاجي أبيض، ورقراقة كعيـن دامعة.
عرفتها منذ ثلاث سنوات ، طالبة من طالباتي المتفوقات، وكنت أكنّ لها احتراما خاصا لأدبها الجم ولتفوقها العلمي وذكائها الحاد، وجمالها المتميز بيـن زميلاتها. ففي البلاد الغريبة ، لا سيما تلك التي تنخفض فيها نسب الجمال تكون المرأة الجميلة عملة نادرة رغم ان جميع النساء بلا استثناء يمتلكن حسنا كامنا في أحد الزوايا ، وما عليك إلا اكتشاف هذا الركن، فما بالك والجمال فاضح. لذلك لم تكن من النوع الذي ينسـى رغم إنني لم أدرّسها منذ ذلك الحيـن، ولم أقترب منها إلا بالقدر الطبيعي للعلاقة ، مدرس مغترب وطالبة متفوقة حسناء.
كان زميلا لي، له باع طويل في علم الكلام، بقيت علاقتنا تدور في إطارها المهني إلا ما ندر عندما أعرض عليه بعض كتاباتي استشف حسه الجمالي وخبرته المتقنة . تشاء الظروف أن أشاركة السكن بعد سفر أسرتي وانتقالي الى دار ضيافة العزاب.
في حيز ضيق وسط صحراء قاحلة أعبئ عزلتي وو حدتي التي نبعت كصبار البراري داخل بطون الأوراق، بعد رحيل الأنيس والجليس، أنزع من جلدتي عناء لهيب الفرقة لأفرغها في ليالي الشتاء الباردة الطويلة علها تطفئ حريقي وتثلج نيراني وتسكن زوابعي الهوجاء.
عندما عرفته أكثر، كان ينبش قبور الغربة ويلقمها أجنة اـلكلمات فتنبت أزهار نرجس في أديم الروح وككل صنّاع الكلام أحببته وحماقاته الصغيرة الناعمة .
قال لي ذات يوم
ـ أن تمارس حماقاتك الصغيرة خير من أن يلتهمك حزن قاتم.
طفق يوزع دعاباته المتسقة يمينا وشمالا، وتعليقاته التي تلامس دقائق الجمال بما امتلك من خبرة نسائية طويلة أعطته ميزة خفيف الظل رغم إن مظهره عاديا ووجهه يخلو من الوسامة، خصوصا بعد أن بدأت خيوط العنكبوت تتقاطع في قسماته وهو يقترب من الرابعة والأربعيـن.
حدثني عن (سليمة) فقال:
ـ هي العطر الذي يذكيك ويعتدي على بقية الحواس. نسمة داخل إعصار جامح، ازدردتني منذ عشريـن عاما وما تبقى مني بعض من عطرها ونسيمها. حالوا بيني وبينها ولم يتبينوا إنني انتزعتُ روحيتها وجذوتها. شبح لكنني أشتعل وجدا كلما مرّ بي شئ من ريحها. فتراني أزرعها في كل امرأة أرى فيها قبسا منها.
وهكذا لم تسلم منه البنات، حتى متواضعات الجمال أو ممن دون ذلك. لم يكن يذهب بعيدا بالحماقات، بل كان يكتفي بـــــمداعبة هواجسهنّ المكنونة ويطلق في نفوسهنّ أريح الهيام والتحليق في عوالم المتعة والجمال بتلك التعليقات الثاقبة التي لا تخطئ الرغبة في المرأة. كان خبيرا بكل معنى الكلمة.
رغم كلامه المحلّى بالعسل، كنت أستشفُّ حزنا داخله يحاول إخفاءه بمعلبات كلماته الطنانة التي يبقى رنينها يداعب أوتارك الحسـاسة، كذلـك فعلت هذه الكلمات بقــلوب الطالبات فانكببن يحمن حوله حوله كنحلات متيمة بحقل زهور بكر. ربـما من أجـل كلمـة أو تعبـير يعشـن مـعه أنوثتهـنّ الـتي لم يداعبها أجلاف الصحراء في مجتمع مغلّف بالعقبات الحديدية والجفاف الصخري. ويهبهنّ حرية السباحة في بحار الأحلام الوردية.
كنت منكبّا بصومعتي وركام الذكريات عندما حدثني عنها أول مـــــــرة ( أفروديت ) كما أحبَّ أن يسميها ، واحدة منهنّ تميزت بحسها الآدبي المتميز، اخترقها واخترقته عبر رسائل مفتوحة ترتدي عباءة الصداقة، وهل توجد صداقة بيـن رجل وامرأة في رمضاء قاحلة ؟
هكذا انداحت ( سليمة ) وخرج من تحت كلكلها ينفض غبار الزمـن ويتعكّز شعــرات رأســه البيضــاء ليركـــب صـــدفة ( أفروديت ) ويخوض في يم هائج.
راح يتحدث عن الفرح ويفلسفه أيضا فهو حسب رأيه :إن لم ينمو جنينا في رحم الأحزان ويترعرع في أحضان الهموم فلن يكون نقيا ولا يعيش طويلا.
شيئا فشيئا تحول هذا الفرح الطفل إلى طوفان حب جارف ولم يبق (لسليمة) أي أثر يذكر.
لم يسأل نفسه إلى أيـن؟ ولم يكن في قاموسه اللغوي الثر كلمة (مستحيل) كذلك طفق يعبّ من قارورة أحلامه شهدا بريّا لم يفضّ ختمه أحد من قبل. جمعتهما أمور كثيرة رغم الهوة العمرية بينهما، كانا غصنيـن تدلّيا من شجرة واحدة كما يحلو له الوصف، وتفاحتان سقطتا خارج مدار الأرض كما أراهما.
أصبح سرهما الشفاف متعتي وأنيسي في ليالي الوحدة الطويلة. بتّ أحرص منهما على كتمان السر، فالعاشق تفضحه عيناه. ولكن من يهتم؟ هو الذي قفز عبر بوابة الأحزان إلى بيادر السوسن والياسميـن؟ أم هي التي خرجت من يم صمتها واستلقت على أديم الشعر والغناء؟ هكذا سقط الإثنان وتقوقعت أنا في زاوية المراقب.
عندما دخلت (أفروديت ) عليّ غرفة الحاسب الآلي، أحسستُ إن نهاية العالم قد حلّت.فهذه المرأة يكاد يغمى عليها من الحزن والخجل، مبهوتة مصفرّة كليمونة عجفاء، تلعثمت بكلمات بالكاد ميزتها فقالت:
ـ لم أجد غيرك ألجأ إليه ،ربما ستغير رأيك بي ، لكنه صديقك حسبما أدري، ،أنا أثق بك فلطالما كنت مثلنا الأعلى، وأعرف إنك مطلع على أمرنا.
قلت : نعم ، والمطلوب ؟
ـ لا أدري كيف تجرأت وكلمتك ، اعذرني ، إنني مغفلة ، عاشقة تعيسة ويشهد الله إنني أذوي حد التلاشي، جفاني النوم وما عادت حافظة تفكيري قادرة على استيعاب الهموم وما عاد المنال أكثر من خيط سراب كلما دنوت منه ذهب للبعيد.
قلت : أتوجد مشكلة بينكما؟
ـ ليس هو إنما حواجزنا وزنزانات تقاليدنا. لا يمكن أن يسمحوا لنا بالإقتران، وهو يحاصرني وما باليد حيلة. إنني أقف بيـن المطرقة والسندان، أرجوك قل له أن نبقى أصدقاء كما كنا .
قلت : لم يعد درب الصداقة سالكا، حاولي تحريك فيلق النسوة القريبات منك، ولا بأس من المحاولة.
ـ هذه الطريق سلكتها وهي موحلة وغير سالكة أيضا.
ـ إذن؟
ـ إنني أخشى عليه، ربما آذوه ، عندها سأقتل نفسي. قل له أرجوك.
خرجت وهي تجرجر نفسها كجيش منكسر.
مالذي يمكنني فعله، هذا الرجل الذي احتاج عشريـن عاما ليخرج من جلباب (سليمة) هل تكفيه بضع كلمات؟
تحاشيته، غادرت السكن إلى جهة أخرى، وبعد مدة صدر أمر بإلغاء عقد عمله، ذهبت لتوديعه عند موقف الحافلات فقال لي بنفس روحه المرحة:
ـ رغم إنني حطّاب ماهر، يعاندني الخشب. ويتعيـن عليّ الذهاب صوب بلاد بلا أشجار.

تمت ٢٠٠١

الحب على قوافل الهجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الأول
1
أهدابها وهي تومئ إلي ، غصن أشار للعصفور بالتغريد. أذكر تلك الدعوة للاستغراق بالحب، أجبرتني على تصفح النور المنبثق من بين نصف إغماض للجفون. فتحت أبواب حدائق قلبي لعندليبها
أذكر ذاك الشذا ونسيم جدائلها، يغزل البرق في شالها المسترخي. تنجذب الفراشات للسكر المكرر في العيون العسلية، والجنادب في الغابات تسترخي لرياح الربيع .
أذكر عطرها الياسميني وهو يطل على شجري الرطب، عندما قابلتها عند النهر قبل الجزيرة الغارقة بالزينة. لقد لملمت خضرتها خجلا عندما رأتها تمشي معي وشرعت زهورها بالانحناء ، لم لا وهي ترى المصابيح تمشي على الأرض.
ليس حلما ذاك الذي مر، لكنه إغفاءة الجمال في غفلة من شحارير البراري ، يوم بدا قصيرا لي ، لكنه ما زال يغدق عليَّ بنسائمه المهرولة في يوم قائظ، وجوانب حروف أهدابها لا زالت تطرز حروفي بالجمال،عبر أزهار الحديقة النائية وقرص الشمس الذي تلألأ في بؤبؤها الباسم.
عندما غادرت أرض الشمس تركت خلفي المساحات المنبسطة حزينة تتذكر ساعات التواصل مع الأفق الرحب بعيدا عن أراضي الجنوب ، لم أكن أعلم أن حنيني لها ربما سيقتلني ولكنى أنبت أمري وأمرها لله..
أنبنا إلى الله أمر الرحيل..
وما كان من أمر حشد الجياع
عجنّا المرارة معْ صبرنا
وسرنا إلى ناطحات الضياع
لففنا خطانا بحزن السبايا
وقلنا سلاماً لأرضِ الوداع
سهونا قليلاً ولكننا،
خبزنا الضياع بديجورةٍ
وعفنا العراق لأهل الضلالة والمعدمين
لعلَّ الظلام يتيح التخفّي
ويستحضر الملتقى بالسلام
وكنّا إلى الله ندعو الخلاص
فكفُّ الحصارِ جنودٌ علينا
أتتنا بفكٍّ ضروسٍ
وما قد تبقّى، شظايا عظام..
2
لم تكن تلك الكلمات الحالمة مجرد كلمات، لقد كانت سمفونية غنائية عزفتها أنامل غضة مفعمة بالحيوية والإبداع .لقد خطّت خلاصة العواطف النبيلة الهادئة على ورق ناصع البياض فشعت أنواره لتخترق شغاف القلب وتتربع في الداخل ناسخة الألم مستلة الحزن لتزرع الفرح والمهرجانات في ليالي الغربة الصماء وأيام الوحدة القاتلة، لتفتح الأبواب على مصراعيها.. وتوزع ألحان عندليب فرد إلى جوقة الموسيقيين فينثال الهوى رذاذا خفيفا يبلل النفوس العطشى ويرد إليها الروح المسلوبة ويمنحها لحظات التجلي والانتشاء .
هكذا أخذت من معين كلماتك الرقراقة عذوبة الحب وتذوقت طعم العواطف الصادقة الجياشة فنمت وأنا أحلم بك وأنت تندسين بين عروقي وتتسربين إلى شراييني كماء الحياة وباتت حشرجة كلماتي تتهاوى أمام ملكوت صفاؤك وهمسات أنفاسك تشق حنجرتي حتى أكاد أتنفسها وأنفث قرنفلها اللاهث رغم المسافات الشاسعة.
لقد اخترقتني من كل الجوانب وصار نزيف شوقي كافيا لاجتياح غابة الرغبات فيك، فيسترخي فراتي بين عشبك ليرويه فيزدهر ويورق بالمسرات. حتى أنني ما عدت أقوى على الكلام لقد استنفذت قواي وتهاديت على أرضكِ الخصبة متهالكا وأنا أرقب لحظات عشقنا المبتورة ، وما بين هذا وذاك لم يعد للكلمات أي طعم أو معنى يا حبي الملتهب.
للوهلة الأولى حسبتُ أنها ستقتلني ، وربما ستفعلها يوماً ، تلك النظرات التي جعلتني ألوذ بالصمت المطبق ، ربما هو صمت القبور أو غيره .. لا أدري بالضبط ،ولكنني آثرت تدوين صمتي ذاك..
صمتّي تجلّى في العيونِ لأنها ملكي،
وملْكُ المرءِ تحفظهُ العيون
أ لأنها بسطتْ محاورها استقلتْ
واستباحَ بصيرتي شلل الجفون؟
تهالكتُ على مقعدي ولم أنبس ببنت شفة ، كانت تصفف شعرها لمّا انتزعتني من ملكوتي السرمدي ، شاعرٌ جوالٌ.. لا يعرف فكَّ تلك النظرات؟ يا للعار..هو إذن يضرب في الرمال الودع، ويخالط الغرباء وعابري السبيل..ويقرأ ملامح أشكال النظرات ، لا بل يتمكن من فك رموز الطبيعة المجهولة أيضاً. هو يتحدث مع النحل ويحاكي إناث العناكب ، لا بل يعلمها أيضا خياطة نسيجها.. كيف لم يتمكن هذه المرة من فهم تلك النظرات؟ عار وأي عار ..
راهنتها،
تلك التي احتضنت أسارير النهار
إنَّ الليالي قدْ تشتتها فينتثرُ الغبار
حيناً إذا ما هزَّ شوقٌ نابضاً
بين الضلوع وهتّكَ الأسرار
خاطبتها،
بجميعِ أنواع اللغاتِ وبعضها لغة السنابل والحقول
يوماً إذا انحدرت معي للسهلِ،
أو صعدت على ظهر الخيول
لكنها آلتْ إلى عودٍ يجنبها التلاقي،
والتلاطم معْ تفاصيل القبول
هي والأمسية التي احتكرتني كانتا كالريح تعصف بالأغنيات ،وتلك العصافير التي أخلت الدار للغربان والطيور الجارحة ، جميعهم سلبوني جلدتي وانتمائي..ولم يكن أمامي سوى التلوّي على الورق.. أزرعهُ بالحمّى والقلق..
خاصمتها،
وخصمتُ شيئاً من ندى قلبي،
وكبّلتُ المطر..
لكنّني عدتُ أناجيها بصمتي،
وابتسامات الصور..
حيناً إذا عادت كما،
عادت طيور الدار تستبق الأثر..
يا ليتها سمعت بنجوايَ ،
وألحاني تغنيها البراري،
وجلاميد الصخر؟
3
معا كنّا حبيبين.. وخصمين عنيدين ..فهي كالسحاب الذي يرتقي الجبال ، وأنا كالعشب النامي الذي ينتظر الغيث..فلا هي تمر بحقلي ولا أنا أستميل ود النهر القريب ..
معاً كنّا حبيبينِ
وخصمينِ عنيدينِ..
هي الغيمُ الذي سوى ثلوج الألب والقطبينِ والكونِ..
وكنتُ العشبَ لا أدري
متى يأتي سحاب الأرضِ بالأمطارِ،
والأمطار أحبسها هنا في بؤبؤ العينِ..
مرارا تعبر الأنهار ودياني
فلا أستعطف الأقفال في القنوات،
أو ينهلُّ نبعُ الماء من بيني..
بيني وبينها حلم مشترك ، هي التي باغتتها العنادل وهي تقترف الحب. كانت كلما تمر ، أتحسس ثقوب جسدي ، وجه أثملته التنهدات يسري بروحك كجرس ملائكي أو يهتز كأوتار قيثارة سومرية ، أو هكذا أحسستها لأنني اخترقت حواجز الزمن وحلمت مثلها بعوالمٍ مندثرة. هي وحدها التي هيجّتْ وجداني ودثّرني جنانها الخمري الملتهب ساعة حرماني الصحراوي ووحدتي القمرية.
من يقوى الصمود؟ .. حورية بحرية وعبد أرضي أدمته القيود ؟..آه...
هي الحبُّ، هي الرغبة..
هي الأخوان والصحبة
لها أسَّستُ ديواني
مقاماتي وألحاني
ومنها قدْ جدلتُ الماء بالتربة
إذا غنّت عنادلها
تغنّى الدارُ والعتبة
فهلاّ تهتدي يوماً لعنواني ؟
وتقطف زهر بستاني
وهلاّ زالت الغربة؟
في لحظات التردد تنتحر الفرصة، والفرصة ابنة البرق ، لا يأتي بعدها سوى سيل منهمر جارف. ألا يحق لي الانجراف إذن لمرة واحدة؟.. فما أحلى الموت بين ذراع النسرين وما أروع التوهج بين خصلات الغمام ..إنني مسلوب الإرادة بين مَلكين يتحققان أعمالي، وجهها السرمدي وصوتها المكهرب..
لها أطلقتُ أشواقي
لها من دون عشاقي
هي الدنيا وما فيها
هي الخمّارُ والساقي
ومنها أستقي شعري
ومنها كلّ أوراقي
إذا ما قلت زوريني
تعكّر صفوها الراقي
وإنْ جاءتْ تعانقني
ستتركني بلا باقي
حشرجة كلماتي تتهالك أمام ملكوت إصغائها ، وهمسات أنفاسها تشقّ بئر رئتي حتى أكاد أتنفس ياسمينها وأنفث قرنفلها اللاهث. هي ومذبح الليل تآمرا على سلخي حيّاً ، وهاأنذا أنزف شوقا وأترنح حنانا أحدثها من وعي مقتلي عن سعادتي بها . نازفا يطببني ترنيم حنجرتها الخافت فأختال فرحاً وأنا أتلوى تحت جنح الظلام وبطش جبروتها وسكينتها الجارحة.
4
هاجمتني من كل الزوايا بنظراتها،لم أعرف كيف دخلت قاموسي المشوش ، كنت منغمسا بها كبرعمٍ طفلٍ يُسقى من نبع فراتٍ صاف ويسترخي وعزف عود منفرد..ألهمتني بعض صفاتي فأغمضتُ عيني تاركا لخيالي حرية العوم في المساحات المغلقة ودوائر الإرهاصات الضحلة، مخترقا عباب تيارات الإخفاق المترادفة نحو أفق سلس وبعد غض..
ليس ثمة جدار غير قابل للتصدع، إلاّ إسمنت عزلتي وخرسانة وحدتي واشتهائها..في الليالي هلامية الأقمار، يندسُّ في بدني عبيرها ، فتهزمني الذاكرة ويسلبني السرير حق الرقاد..لذلك أمارسها حبّاً كبلبلٍ في قفصٍ يعذبه التغريد..ها هي ذي تداعبني، تلاطمني، تصفعني أحيانا، لكنني أستمر بحبها خصوصا وهي تضحك كالنسيم الذي غادر العراق..كانت هناك تلاطمها الأفكار، جنودٌ من الفرنجة بلا ملامح، عطبوا ما لديها من حنين..
هيَ الهاجسُ الشاردُ
هي المتعةُ المستديمة..
هي القاتلُ المشتكي
هي البسمةُ المستقيمة..
هي الملتقى والتجلّي
هي الأمسياتُ الأليمة
هي البلبلُ المنتشي
هي الذكرياتُ القديمة
لها وجهُ حورٍ تثنى
على ديمةٍ مستديمة
لها في ارتكابي انتثارٌ
لها... وابتلتني الهزيمة
لم تعد المسافات موجودة وتلك الحواجز لا أثر لها ، القيود مكسورة، وطريق العودة بات سالكا... ها ها ها .. من قال ذلك؟..بل أن الأيام المقبلة باتت قصيرة جدا وستمر دون الرجوع إلى منطق العقل أو منطق التحليل ، فعندما تسحقك الحياة تحت أقدامها الثقيلة ويهرب منك الزمن الباقي في مركبة (آينشتاين) الضوئية ،سوف يشلّ تفكيرك وتأخذك دربكة الأشياء الصغيرة بأصواتها الناعمة فتنبهر وتنساق بسهولة ضمن الدوائر والمسارات في لحظة بارقة ، وفي لحظة أخرى سينهار كل شيء..فما بالك و(آينشتاين) باللغة الألمانية يعني (حجرا واحدا).. ماذا ستفعل إذن لو كانا حجرين قاسيين؟..هي، والعزلة الخانقة..
مضغتُ الحلاوة من ثغر فيها
هي العندليبُ يغني غناء الأقاحي
لمن صمَّ أذناً لذكرى سعيدة..
أخذتُ النعومةَ من وجنتيها
هي النقشُ في غازلاتِ الحريرِ،
وثلجُ جبال الأقاصي البعيدة
وبعضي خرابٌ وبعضي رمال
وبعضي أسىً واحتداد اقتتال..
فهلاّ أسرتُ الأماني الأكيدة؟
تعلّمتُ منها ابتكار الأغاني
وكنتُ غزيراً بشرح المعاني
ولكن علمي تبعثر لمّا
تركتُ انتمائي وحضن القصيدة
5
إنه الزمن الضائع والضوء الذي غادر الأرض يوم نزل عليها الإنسان الأول فصنع ما صنع وقاسى ما قاسى ، فكانت الحياة مجرد نزهة قصيرة ستغادر الأرض مجددا كالإنسان الأول مع شعاع الضوء المغادر في جوف الفضاء السحيق، والفرصة الوحيدة التي تبقى قائمة هي العودة لمنطق العقل والتحليل لاستغلال الوقت القصير المتبقي والذي لابد سيلتحق بالركب المغادر. عندها لن تكون هناك جدوى لأي شيء وعندها أكون قد تهت مع الزمن الضائع.. سبحان الله..
نفرنا إلى الله مثل الحجيج
عساه يكفّرّ عنّا ويعفو
وكنّا نخيطُ الدعاء إليهِ ،
بكلِّ صلاةٍ ووقت أذان
ونأتيهِ قلباً طهوراً صدوقاً
لعلَّ السماء تخفف عنّا
وتفتح باباً لكلّ مُهان
فيا ربُّ إنّا عبيدٌ
ونبغي سماحاً ونبغي أمان
تطلعتُ في هذه الورقة البيضاء ربما أكثر مما ينبغي ، وربما لأنني ما زلت أتخبط في أسطرها المستقيمة. ينتابني شعور ما بالتردي والإحباط،وهذا يحدث عندما أفقد تركيزي ولا أتمكن من تحسس الأشياء المحيطة بي فوجهها على الطرف الآخر من الأرض يعذبني ويشج رونقي ويفض صفاء ذهني، لا أدري، فعندما خطوت خطوتي المرتقبة إلى المجهول، ثمة أسئلة مركونة على الرف راودتني وليس لي أن أسلخها من جلدتها، ولا أن أتركها تتهالك بين الرفوف. آنذاك لم أشأ أن أنزع لحائها على حين غرة لأن أكثر ما أخشاه أن نكون قد مارسنا جميع الأحاسيس دفعة واحدة ونكون قد فقدنا نقاءنا لآخر مرة.
كنت أخشى الأمنيات التي لا تتحقق، كما أخشى اليراعات التي تنبذ الرحيق. تلك اللحظات التي صنعناها، كنت أحترمها ولسان حالي يقول: لا تقتلوا اللحظة ، إنها ابنة البرق..والآن أخشى أن جميع اللحظات التي صنعناها ربما قد قتلت. وها هي الأسئلة المنسية تجتث خمولي، أنا الذي تعودت على تصوير الحالة، وتمكنت من استخراج الحب من بين الصخور، ونثرت الأغاني تحت شموس الصحارى الملتهبة، فهل أستطيع الغناء تحت ظلال وارفة وجيوش الغيوم الممطرة تهاجم جفافي؟.. أليست هي محنةٌ مضافة؟.. لعل ما بي هو محض خيال لا ينبغي له التشرد، وجل ما أخشاه أن يأكلني النسيان، آفة الزمن العتيد..ولو كان كذلك سوف أعلم بحلول موسم الانتحار..
فقدتُ الخطى بُعيد ارتحالي،
ونامتْ بباقي شتاتي الهموم..
لأني أسرتُ التمنّي،
وأودعتُ حلمي لسرب طيور..
ربما أحرقتكم أحرّ الأماني
وربَّ الأماني غفت في الركام القديم
وربَّ الأحاسيسُ نبضٌ يفورُ،
بتنّورِ وجداننا المستقيم..
وكنّا سنمضي بدون وداعٍ،
وكانتْ ستحتجُ من رحلنا الراحلات..
6
هي تجربة صعبة وقاسية أدفع ثمنها كل يوم، فالوقوع في شباك التفكير بها كارثة ، فلو أغفلت الزمن ربما أجد نفسي في هاوية مظلمة. والسؤال الذي يطرح نفسه أمامي بقوة: هل تستمر حالة استنفاري القصوى للحرف؟ ومتى يتوقف التدوين وهذا العبث..؟
إنها ممارسة جديدة كلّفتني إعادة برمجة ذهني المختل للحصول على الصورة الأصلية التي كنتها يوما ما، ومن دون الولوج إلى داخل المتاهة مختارا. من المؤكد أن المرء يستطيع التفكير بشكل جلي وواضح عندما تتوفر الأسباب الملائمة، ولكن هذا يتأتى في جو خال من الصدمات المفاجئة وعندما يكون الهدف واضحا ومعروفا وذا طريق مرسومة يمكن السير نحوها بخطى ثابتة غير متعثرة ، وهذا ما افتقدته من سنين طويلة. والآن يعودني ذاك الإحساس بها بعد الغياب القسري ، وأجد أن من واجبي ترميم الصدع النفسي وإعادة الجسور المهدمة. الشيء الباقي الوحيد هو اختيار المسلك السليم والانتصار على التردد..
قواريرُ سِفر الطريق التي تحتوينا ،
استجارت ببعض النذور..
لعلَّ التي ما اصطحبتُ بخيرٍ تكون..
هناك تصلّي لربٍّ كريمٍ،
وتذكي البخور،
لنا أن نعودُ قريباً كسربِ الطيور
إذا ما تقوس ظهر المكانِ،
كشيخ الشتاء..
ولكن دعوى الحبيبُ تلاشت،
وبات الكلام..
وتلكَ القواريرُ ، حملي الثقيل
من الضيمِ أمستْ حطام..
ولمّا بلغنا مدى المستحيل..
وحيداً بقيتُ بدون انفراجٍ،
وعسعسَ ليلٌ طويل..
7
قالت لي مرة: تلسعني إن كنت ثلجي أو موقدي، وحتى لو أعرضت عنّي ستجدني فيك، أنا لمعة عينيك ومركز بؤبؤها.
آه.. لو تدرين إن الأجساد المنتهكة أساطيل مهزومة تحوم عليها طيور النوء كلما حمحمت الظلماء .وإن الفراشات المولعة بصباحات الورد لا تطير ليلاً . وهل تدرين إن خطايانا الصغيرة تجتمع في بؤرة واحدة؟ .. وها إنني دجّنتُ أحزاني مذ وطأت المكان وحملت باقات الكلمات الدافئة بين جوانحي أوزعها ككرات الثلج. فكم كرة ذابت، وكم كرة تحتاج المزيد؟.. لا أتقن الحساب يا سيدتي كما أتقن الكلام لذلك خاطبت الطيور المهاجرة بندى أزهار الصباح، وتهجيّت فراشات لوعتها حتى غفت بين ذراعيّ، ولمّا أيقظتها وجدت الفراشات قد تشرنقت. وكان عليّ انتظار صباح جديد.
فقدتُ الخطى من زمانٍ بَعيدٍ قبيلَ ارتحالي،
وبعدَ الرحيل..
وظلت بقايا الأماني تصاحبُ رحلي،
أراها الرفيق الصديق..
فلا أسّسَ الرحلُ بيتاً جديداً،
ولا سربلتني الأماني بعطرِ الحبيب
معاً حطمتنا صخور الطريق..
وبات شرودي متاعي الأثيرُ،
وثوبي الرحيب
فهلاّ أتتني السماءُ بقطرٍ غزيرٍ،
وعودٍ قريب..؟


الحب على قوافل الهجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثاني

1
ممرات، وربما مضايق تحاصرنا في كوة صغيرة قد تنفذ وقد لا تنفذ، فهل لبصيص نور يأتي عبر مجرّة القلق أن يكشف الظلمة؟.. في منزلق الطرقات ننحدر، نجرُّ ذيول هزائمنا وشمسنا التي كُسفت تحرسنا قصائد آخر الشعراء المجانين،ويراقبنا آجرّ أطلالنا الذي تناثر بالجوار.مرضٌ مزمن عضال يطال تحملنا ، ينهمر من شؤبوب غربتنا، هو الحنين الذي تمطّى على أوتار حسرتنا واستدار يجلد الأفئدة المتكلسة بالحب. منْ يتقمّصُ خيالنا ويأتي كهيئةِ امرأةٍ ترتدي الشذا وتستحمُّ بالزمهرير لتسكب أضواءها المنتقاة على خرابنا المتقد؟.. ثمة أسئلة وأسئلة تجتر قلقنا وتنفث سمومها في البدن ، ولا ندري أهي الريح التي قوضت الشجر وتركت ضواحينا عارية، أم هي الزوابع التائهة التي اهتدت لكهوفنا وصارت تحاصر همسنا المستباح أصلاً؟
لا أثرٌ تبقّى في طريقِ الرجعِ،
لا شجرٌ على ممشى مسالكها يدلُّ إلى اتجاه الربع
تعمّدتْ أيدي الرياح خرابها،
وزوابع الأمطار تغتسل الدروب
وخطاكَ في الأفقِ الفسيحِ مذلّةٌ،
تتآكل الأشجار من عصف الهبوب
لا مأوى، ولا فتحت كهوف الغاب أذرعها،
فنمْ ما بين منتجع القصيدةِ وابتداء التيه..

2
تحسست ندى شفتيكِ هذا الصباح وأنا ألمس البطاقة الملّونة التي أرسلتِ، بضع كلمات مختصرة: لهيبي كبقايا قشٍ لا مستهُ شرارة برق ،فمتى تصبّ فراتكَ قبل أن تأكل النار الهشيم؟
يا الله، كيف أفتح قنوات فراتي وأنا أفتقر لديمة عابرة؟.. أتدرين.. في منزلقي هذا، تهتُ ما بين التقدم والتقهقر فكلاهما يجرّني لخندق ضيّق !! ..فالطريق التي أمامي لا تبدو سالكة أو على الأقل ، لا أملك خرائطها ، والعودة هزيمة جديدة لي وتبدد لأحلامنا المشتركة.. ولكنني مع هذا الصباح وبطاقتك الملّونة، أحسن حالاً فنداوة شفتيك التي تحسستها كانت تتدثر بالسحب الخفيفة التي حامت على سرب النخيل في البطاقة الملّونة..
زفراتها رجعُ الصدى،
وعويلكَ الخابي اصطفاق الريح
ما حطّتْ بقربكَ بجعةٌ،
أو فرَّ من شفتيك شحرورٌ فصيح
عبثاً تهادن فرحةً
ورداءك الحالي سكاكين الكروب
طلٌّ يهفُّ عليكَ من وجهِ الصباحِ،
وأنتَ مرهونٌ إلى سحبٍ سكوب
والماء يجري تحتَ نخلاتٍ عجافٍ
ما حملنَ بتمرةٍ أ فترتجي زمنَ القطوف؟

3
اسمك اليوم أرسمهُ على ورق الجرائد المتناثرة في المقهى العجوز، هذا الذي يبتلع دخان السجائر ولا ينفثها أبداً.. مثلي وأنا أزدرد إعلانات العمل التي تزدريني وتمسح بوجهي سخريتها.. أغلب الإعلانات تبحث عن" شابة حسناء ....." ولأغراض مختلفة . لماذا لا يطلبون مثلا "سيدة أو شابة" بلا "حسناء" ؟ .. أها، هنا شيء مختلف، مطلوب: نادل في بار له القابلية بتوصيل الطلبات للمنازل.. عجيب؟ أهي طلبات البار أم طلبات أخرى؟.. أتدرين أن أفضل ما وفرته هذه الجرائد لي هو استخدامها كمنشفة ليدي أو فرشها تحت " الفلافل" التي ابتعتها من البائع الجوال على ناصية الشارع لزوم الغداء..إضافة للاستخدام السابق الذي تعرفين، وهو رسم اسمك المبجل عليها ليذكرني إنك ما زلت تتنقلين معي حتى في المقاهي الهرمة..
الكوكبُ الأرضي دارَ كمغزلٍ،
في جيبك الخاوي فمن أين النقود؟
تأتي، وأنتَ الساهم المحموم،
تكنسكَ المقاهي للمقاهي،
والحدود إلى الحدود..
فعلام يستهويك دربٌ لا يعود
ومسالكُ الحمّى التي سطّرتها،
ترتجُ في جوف البراكين الخمود؟
سفرات " ماجلاّن" ، رحلُ السندبادِ،
دروبها، الـغاب الذي قطّعتَ،
ما انضمّتْ إليك بواخر الأحبابِ،
أو حملتكَ أمواجٌ إلى حضنٍ ودود..
تبيضُّ عينكَ في الكهوفِ،
وتوشك الأشباح تمتين القيود

4
من أين تأتي ابتسامتكِ اللذيذة لتطلّ عليَّ عبر هذه الأبعاد ؟..لا أدري ، ولكنني كلما تطلعت للشفق البرتقالي وجدتك هناك تفترشين الأفق وتكاد تنطق السحب الخفيفة باسمكِ رذاذا ناعماً يلامس جبهتي المحمومة .. عندما كنّا معاً، نتهادى أحيانا على شاطئ النهر ويدك تنام في حضن يدي مثل طيور بجع وقت استجمامها، لم نكن نحس لحظة واحدة أننا سنفترق مع أنّكِ كنت تسمين تلك النزهات سحاب صيف سرعان ما يمر أو يتبدد..واليوم وبعد أن ارتدى النهر ثوب الحداد، ولم تعد أي بجعة لضفافهِ كي تستجم ،وبعد أن غلّقت القرى أبوابها ، عدتُ بخيالي لتلك الأماكن أستشفُّ عبقها ودفئها بعد أن هدني زمهرير الغرب ولكنني لم أجدك هناك، لا على الضفاف ولا على أبواب تلك القرى.. وحده الحارس الخشبي كان ينتصب أمامي ليمنعني من الدخول ولو بالخيال..
إنْ كنتَ تسأل أو تعيد:
من أين جاءت بابتسامتها،
علامات التوسل ، حاجبيها معبر الأسرار،
للجسد البعيد..
فتعالَ نفترش المدى،
ورداءها الشفق الأكيد..
يا أنتِ يا دفئ المجامر في المكان
كيف انتشرنا في مدار الأرضِ،
كالثلجِ المعفّرِ بالدخان ؟
في ليلة السبي الأخير ؟
اليوم أقفلت القرى أبوابها،
والحارسُ الخشبيُ منهمكٌ بمنصبهِ الخطير
أضلاعهُ العوج امتشاقةُ خنجرٍ،
ويداهُ دولابٌ كسير
يرتجُّ حين تمايلٍ وتطقطقُ الخطواتُ،
إذْ بدأ المسير
من كوّتي في الكهفِ أرقبُ كرشَهُ،
يهتزُّ كالبطِّ السمين
يمشي، وتنبحني كلابُ مسيرهِ،
إنْ رمتُ عوداً بالخيالِ إلى مكحّلةِ العيون

5
ألم أقل لكِ أني آخر الشعراء المجانين؟.. عزلتي وفقير اجتهادي تعاونا على مذلتي ، والطامة الكبرى هو شعري الذي لم يعد يطاوعني لرسمكِ فوق قرص الشمس ويأبى إلاّ أن يرسم الظلمة .. سابقاً كنت أودعُ أشعاري للطيور المهاجرة شرقاً ، وكانت تستمع لي وتصغي بإمعان .. وربما تُردّدُ أحياناً ما شدوتُ قبل أن تنطلق في مسيرتها الطويلة وصولا إليكِ لتخبّركِ بالذي صار.. ولكن شعري هذه الأيام ليس كما عهدتِ، والطيور التي دأبت منذ الأزل على هجرتها، ألغتْ وجهتها المعهودة وأضحت تختار طريق الجنوب الأكثر أماناً .. كما أنها لم تعد تستمع لي ولا تعرّج على مكمني، بحجة عقمي واسوداد مهجتي.. وفي أحد المرّات زارني شيخها ، وكان وفياً بطبعه، وقال لي: أيها البائس الذي نضبت ينابيعهُ إنْ بقيتَ هكذا فلن نعودك مطلقا. قلت له: وما ذنبي وقد أصحرتْ حواسي وتفتّت تطلعاتي.. فقال : تحرك، فالريح الساكنة لا تقوض شجرا.. والنبعُ الذي يصب في مستنقع لن يجد الفرصة لري بساتين النخيل.. والشمس التي تختفي خلف القمر تسمى المكسوفة.. والليل المقمر تخاف منه أشباحهُ.. والنحلة التي تحوم حول الصبّار تنتج عصارته.. وأنا وقومي لن نعود لبلادكم قبل أن تطردوا المحتل..قال هذا ومضى..!!
أوراقي الحبّلى بشوقي للنخيلِ،
وللشواطئ والجنون
أضغاثُ أحلامٍ سأمتُ حريقها،
وسأمتُ ترتيل الشجون.
يمتدُّ برقٌ من شفاهكِ يخطفُ الحمّى،
وينتهك العيون
يدعو منافذ عزلتي للطينِ في الجرفِ الحنون
يا آه يا شطَّ الحياةِ،
ويا طفولةَ جريهِ بين الأتون..
الآن أدركتُ التصدّعَ،
منذُ أنكرني طريقُ العَودِ ،
والبجعُ المهاجر صوبَ حضنكِ والبقاع
أسرابهُ المتناثرات مراكبٌ عبرتْ خطوط تخبطي،
وبلا شراع
الآن أحسستُ القطيعةَ،
واعترتني الصبوة الأولى إلى الوطن المُضاع
يا آه يا تلك البقاعِ على ضفاف الدجلتين
فيها ولدّتُ وعندها يا ربُّ ، فليكن الوداع

6
كسلحفاة منقرضة يسير بي الوقت المتبقي حتى موعد مكالمتنا الهاتفية المعتادة.. الساعة الخامسة مساء أول خميس من كل شهر بحسب توقيتكِ المحلي.. وأنا الآن مازلت في ليل الأربعاء ، وأنت أدرى ما يفعل الليل بي..هذا المارد الذي يبتزني ويسرق طفل النوم من بين أجفاني فتشتعل العيون بشمس السهر ويلتهب الذهن بسناء ذكراكِ .. يا للقلق العاري المذاب بكحلكِ الرباني، ليته يدعني أتفحص كوكبا عينيكِ وهما يدوران حول مضجعي الخيشي يرسمان ظلهما على فؤادي المرهق ، ذاك الذي تقرصه عقارب الانتظار حتى تدق الساعات خمساً وينساب رنين صوتك الموسيقي لتطرب الأذن ويُشقّ البدن وينزاح الهم والشجن ولو إلى حين.. غريقٌ أنا في بحر شَعركِ الهائج وموجُ وجنتكِ العاجي ، ولا أدري أي خيطٍ حريري مغزولٍ على نول شفتيكِ سيمتد نحوي ويستلّني حياً من هذا اليم العميق..ولعل خصلة تائهة من ذاك الشعر أستقلّها قطعة خشب عائمة حتى مرفأ جيدكِ المسرحي.. إنكِ الآن على بعد إصبعٍ من أقحوان جنوني ، فمتى يولد الفجر حبّاً؟..
إنّكِ الآن على مرمى اضطرابي،
وعلى جرف انتظاري وهجُ برقٍ ومطر
تستحمّين على باب جنوني
وتدارين اكتئابي بالنظر
شَعركِ الهائجُ بحرٌ أزليٌ،
ومماشي الرمش غابٌ وشجر
من تُرى ينقذُ مسجوناًَ بيمٍ فلكيٍ،
ويُعيد الروح من أيدي القدر؟

7
يؤرقها الهمس، ويقضُّ مضجعها حنينٌ منثورٌ كحبّات سنبل في أرضٍ بكر.. هي التي تستنجد بغيثٍ نزل على صحراء. وذاك البئر المحفور بين الثنايا ، بئرٌ فرد، فهل يقوى على استيعاب سيل العواطف المنهمرة للجوف الأعمق؟ .. أية عواصف تلك التي هبّتْ ليلة تدثر القمر بأحضان التيه، يوم أكمل دورته المعتادة حول الأرض ثم نزل منكسّاً فوهات شحوبه كراية حزينة
أيها الحبّ المرصّع بالبنفسجِ فليغلفني شذاك
إنني مثل فراشات الأقاحي،
أعشقُ العطرَ ولو بين الشباك
أتخفّى في أتون الشوقِ ملتاعاً،
إلى أن يرتوي منّي هواك
هذه بعض مواويل اشتياقي،
فتعالي نحصد الأشواق لحناً عربياً
من هنا تأتي مزامير الأغاني أو هناك

8
يؤثثها السهد وتستهويها العزلة، مفردةٌ منفردة من اللغات أخاطبها بلغة الجنادب في الغابات وزمجرة الوحوش في الجبال العالية، علّها تخرج من كهوف عزلتها وتستضيف خطابي. لكنها أبت إلا أن تستلقي على عرشها كملكةٍ للبريةِ والخلاء، تستنهضني شعراً وألما. ربما هي تحاربي عشقاً وتصطفيني عذاباً وتستنزفني قلقاً، ولعلها تحتويني احتراقا
حاربتني ملكاتُ العشقِ من بعد الوحوش
وأنا كنتُ فقير الحال،
لا أهوى العروش
وطني حرفي،
وأحلامي إذا جادت : رتوش
فتعالي ننّحتُ الحبَّ كوشمٍ ونقوش
طالما جدنا بودٍ ،
لا تدانيهِ عيونٌ ورموش
تم الجزء الثاني


شروخ الزمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ

قرفصت في زاوية تفكيري اسبوعا كاملاً، لا املك الوقت الكافي لإعادة تصفح الإوراق، دعها هناك، ربما هو المكان الوحيد البعيد عن ألسنة الناس
التقيتُ بهِ قبل السفر بـايـام، وبالكاد تعرفت عليه، اختطّه الشيب في الثلاثينات من العمر . قال انه يعمل في النهار مع تاجر غلال وفي الليل يحرس مرآب سيارات. سألته عنها فاطرق وقال
ـ لم أعد أراها، تركت الدار وارتحلت منذ مات ابنها
ـ وعنوانها الحالي؟
ـ اسأل الجيران
ـ وأنت، ألستَ أخاها؟
ـ كنت
تركني مببهوتاً كمن صفق باباً في وجهي
أخرجـتها من قرفصائها، وأجلت السفر، لم أكن مؤهلاً لشئ غير الهرب. قوافل المسافرين باتت بلا عدد، والبلاد تلفظ أبنائها فتحصدهم المدن الغريبة
قالت لي:من يسافر مرّة يسافر دائما
معها حق، لم أسأل عنها إلا هذه المرة، قطةً بيتية جريئة، التقيتها في الجامعة وهي تمرق وسط الطلبة الخارجين من مختبر الصناعات الغذائية، حدقتني بنظرة أرعشتني قبل أن تختفي خلف أحد الأبواب
قال لي صديق لي خبير نساء: أحذر فقد تصاب بجروح
كان متوهماً، فقد أصبت في مقتل
المدن كالنساء تستبدل رجالها باستمرار. في عدن تذكرتها على الساحل الإنجليزي القديم المسمى كولد مور. ربما في عيون سائحةلفحتها شمس البلاد. فعدتُ إلى جزيرة السندباد في وسط شط العرب، مكاننا المفضل الهادئ وهي تقول لي: من أي مصيبة ظهرت؟ وإلى أي بلوى تذهب؟
اطمئني، لا توجد بواخر تغادر الى أستراليا أو نيوزلندة، في خليج عدن لا أرى سوى أشباح ناقلات نفط عراقية أكلها طحلب الحصار
السواحل كالبغايا يركبها الغرباء دائما، أركب فشلي صوب المتوسط، أوربا قريبة من هنا وهي أبعد ما تكون. صورتها القابعة في جيبي آخر أشيائها مذيلة ببضع كلمات: مع تحياتي أينما كنت. كنت على حافة هاوية جديدة ربما هي البلوى التي ذكرت
في الصحراء اشتقت لخضرة عينيها ربما بسبب الجفاف. وربما لأنها الخضرة الوحيدة التي أعرفها بهذا النقاء. وذلك الشارع الوارف الظلال حتى باب الجامعة يوم اخترقتها بخجل. لا أدري لم ارتبكت وأنا أحدثها رغم لباقتي وأدبي الجم
ـ هل تسمحين لي بالتحدث معك قليلا؟
لم ترتدي قناع التمنع كما ذكر صاحبي الخبير، فهي رقيقة كسوسنة صبوح، وكآسة غضة. طريق طويل قطعته معها دون زمن يذكر قبل ان تحملها حافلة الجامعة. وعندما عدت أدراجي كسبت وعدا باللقاء بها ثانية
النساء رحيق الطبيعة ولا معنى للحياة بدونهن. في المساء كتبت قصيدة نصفها يتحدث عن مدينتها المهشمة بعد الحرب، وعندما التقينا قتلنا يوما كاملا دون ان نشعر. تحتاج أحيانا أن تخرج من دائرة الأطواق صوب فضاء رحب بلا حدود ، لذلك خرجنا من نثار الحديد الذي رشق المباني والبيوت نحو عالم بلا حديد،شفاف كالماء والهواء، وهكذا لملمنا جراحات المدينة ونسينا جراحاتنا
قالت لي: قد تحتاج صحبة وأنت تدور في المدينة تعرفك بمعالمها
يا الله، تخشى علي الضياع في بلدي. في صنعاء سألت صديقا: هل نحتاج الى خريطة؟
قال لي: ما الداعي ، أن صنعاء أربعة شوارع بالطول ومثلها بالعرض
عندما دخلت سوق باب اليمن اخترقت حاجز الزمن ألف عام للوراء، فكيف أستطيع العودة عشر سنوات فقط لألتقي بها مجددا؟
ثمة هاجس ينزعني من داخلي ويلقي بي في سكّتها. وصدفة لقائي بأخيها تبدو مرتبة. فمن يرتّب الأشياء لنا؟ ومن ينزعنا من أنفسنا لحظة الشوق؟
يا لقلبي، ما لي أراك ترتعش وتضاعف ضرباتك التي تطرق الجمجمة؟ سبقنا الزمان عدوا ونحن ما زلنا نتهيأ للإنطلاق. عد لحالك، أهدأ وانتظر
شغفت بمنظر الغروب منذ طفولتي، لكنّ قلبي انكمش بين الظلوع عندما رأيت البحر يبتلع قرص الشمس البرتقالي لأول مرة،فتذكرت قصيدة غريب على الخليج للسياب. وهو ابن مدينتها، كان خير من يجر للمنفى صليبه. وأنا لا أحسن جرّ الأشياء لذلك بقيت أطيافها تجرّني رغما عني
ـ لا تقل حبيبتي، ما زلنا أصدقاء، أريد تحسسك أكثر
يا ويلي ، ألم تعلم حينها إنني صبٌّ مبتدئ أمامها؟ وهل تملك الأعشاب إلاّ الإنحناء أمام الريح؟
في صالة الفندق عندما كانت تنتظرني شاهدتها تشرب عصير التفاح فقلت لها: نارك المؤججة في صدري لا يطفئها عصير تفاح
فاحمرت خجلا وقالت: أنتم الشعراء ستحرقون في السعير يوما ما
من قال لها إننا لم نحرق لحد الآن؟ وأنا أصطلي من مجرد التفكير بها. وكان لحمي يسوّى على نار هادئة طوال فترة القطيعة، وجراحات المدينة التي لملمناها في المرة الأولى سالت مجددا من أوردتها أنهارا جافة امتصها الحصار وحفر قنواتها اليورانيوم المنضب. فليت الشعراء اكتفوا بنعي أطلالهم وذلولهم وخجلوا من فخرهم بسيوفهم المعوجة ورماحهم الطويلة وحتى قراطيسهم التي ابتلعتها نيران التتر. هو حريق دائم يا حبيبتي ولكن الأساليب مختلفة ، وهو حريق عصري خاضع لقوانين الأمم المتحدة، فاطمئني نحن هنا نشوى على مرأى من أنظار العالم، فأي سعادة
قالت لي وأنا أعبث بخصلات شعرها: أستطيع البوح بحبي لك في هذا اليوم الاسعد في حياتي، فهل أنت متأكد من عدم نسياني لاحقا؟
أعتقد أن الوعود التي أعطيتها آنذاك لا قيمة لها الآن، لاني لست متأكدا حتى من اسمي وأنا أجوب المدن واتشظى في أرجاء المعمورة مطاردا في كل الاماكن تفضحني هويتي ويلعنني انتمائي ويضطهدني إفلاسي. وأصعب ما في الامرهو الرجوع بذكراها والعودة بمناهل ريقها العذب، فهنا يكمن مقتلي
باشرت البحث عنها رغم الصعوبات، استعنت ببعض الاصدقاء والمعارف المطلعين على ما بيننا، والمعلومات التي حصلت عليها ضئيلة. فقد تزوجت ثم قتل زوجها بأحداث الجنوب بعد أن أنجبت غلاما سرعان ما مات بسرطان الدم (اللوكيميا) ومن ثم اختفت، كما ذكر لي أخوها
معلومات يسيرة لا تشفي الغليل، لذلك قمت بزيارة أخاها في مرآب السيارات، وكانت تربطني به علاقة حميمة وهوعلى دراية بما بيني وبينها من ود قديم. فقال لي: لقد تغيرت أشياء كثيرة،ألا ترى حالتي المزرية؟ إنني أنصحك بالعودة من حيث أتيت ونسيانها
لم يكن الامر عليّ هينا،ففكرت باعطاء نفسي فرصة أطول
وها هي ذي شرائط الاحداث تنفرط أمام ناظري وأنا أجوب أماكن لقيانا وبعض الزميلات اللواتي تهامسن: إنها تحب رجلا متزوجا، ويعول..
منذ تعارفنا تعلمنا الهرب من الناس والانزواء في الاماكن شبه المأهولة نهيم حبا ونرتع بالتطلع للطبيعة، أزقها الغزل والشعر كعصفورة فتية وهي تائهة في دنيا الاحلام يستحم قلبها الغض في بحر الكلمات الشفافة المضمخة بالموسيقى والسحر
نذلل الصعاب بالنظر إليها من زاوية لا يراها الآخرون، وكدنا ننجح في لمّ بعضنا لولا انهيار البلاد وتفتّت المدن وقطع الجسور، باب واحد هو الذي بقي مفتوحا أمامي، باب الهرب دون الالتفات للخلف، ربما كنت أنانيا إذ فعلتها لكن الخيارات لم تكن متاحة وهي تعلم التفاصيل فتركتني في حلّ من وعودي كمافعلت أنا رغم إصراري على رجعة مفتوحة المدى عند تغير الظروف. وها هي عشر سنوات تمضي في غفلة مني، ياللعار كيف يهمل الإنسان بعض أجزاءه؟
بلغني من إحدى صديقاتها المقربات إنها زارتها قبل مدة وكانت تبحث عن عمل ثم رحلت عنها بعد ثلاثة أيام الى جهة مجهولة وقد سألت عني ولم تحصل على أجوبة شافية، فقالت:ينقصكم الوفاء،لستم كأهل الجنوب
أعطيتها العذر فهي لا تعلم عني شيئا وأنا لم أرجع إلاّ هذه الايام بزيارة قصيرة فقط ولم أشأ إرباك حياتها عند علمي بزواجها. ولايام خلت، اعتقدت أن الماضي دفن في قبر محكم.
خرجت من تلك الصديقة بعنوان امرأة عجوز قالت أنها قد تملك المزيد من المعلومات عنها، فاضطررت للسفر ورائها ومقابلتها فقالت لي: نعم كانت عندي منذ أقل من شهرتحزم أمرها للسفر وقد حدثتني عنك وتوقعت أن تزورني يوما ما فاودعت عندي رسالة لك
جائتني العجوز بورقة صغيرة مطوية، فتحتها على عجل فقرأت: : شرخنا هذا الزمن، يا حبذا لو كان غيره
عدت متهالكا لأحزم حقيبتي وأضمّ هذه الكلمات إلى (تحياتي أينما كنت) وشرعت أبحث عن زمن بلا شروخ
تمت في ٢٠٠١


طقوس مستديرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الجو ممطرا والسماء ترعد بشدة ومع ذلك اكتملت الحلقة بعد انضمام السيدة السمراء للمجموعة وأصبح العدد أربعة أشخاص. جلس منظم الدعوة على السرير وأمامه طاولة مستديرة وإلى يمينه شابة في العشرينات من العمر ومقابله رجل في عقده الرابع، أما السيدة السمراء فاحتلت مقعدا إلى يساره
قال الرجل الأربعيني: هل أنت متأكد من النتائج؟
قال المنظم: لا شئ مضمون في مثل هذه الجلسات، لكنني أحاول
انكمش الرجل في مقعده الخشبي ذي المساند العريضة ودارت عيناه في أرجاء الغرفة الكئيبة الواقعة في علية الدار، فهي لا تتمتع بقدر كاف من الإنارة بالرغم من أن طولها يتجاوز الستة أمتار ، فهو لا يكاد يرى الأشياء في ركنها البعيد عنه بوضوح. استطاع فقط أن يميز أن للغرفة بابا واحدا وشباكين بدون ستائر أحدهما متوسط الحجم وسط الغرفة وفوقه مباشرة بمسافة متر واحد شباك مربع صغير يصل للسقف تقريبا
قال المنظم: أذكركم إننا جميعا سننسى ما يجري هنا حال خروجنا، وأصّر على عدم التعارف بيننا. واعلموا إن السماء تدرك غاياتها، ونحن لا نستطيع السمو في كل الاوقات إنما هي لحظات التجلي للروح. وأي منا يجبر الآخر على الحضور وثمة اقتناع لدى الجميع إن الجدران المشيدة بالأحزان لا بدّ أن ترتدي ثوب الاحلام الوردية يوما ما. وأنتم تدركون إن الصمت الجاثم فوق صدورنا قد ينبض أنغاما نقية يتناثر هسيسها في أفق رحب يلتقي بمراعي النفس الخضراء فتنبجس ينابيعها جداولا وأنهارا نقـية لا نهاية لها. وأريد منكم قبل بداية الطقوس التحدّث بحرية
قالت الشابة: أوجعتني الطرقات المسدودة، وانحسر عني بحر الحب. امتصّ الجدب من ثديي عصارة الرغبة المشتهاة، فمارست التلوّي في سرير الكوابيس. لقد صفّدت آهاتي بكلكل بعير مد خطواته في الرمال، فلا هو ينهزم أمام الريح ولا هو واصل للواحات. مارس طقوسك يا سيدي إنني أحاور صمتي لا لأنسى المرارة، ولكن لأستعيد نشوتي المستلبة. أتدري أن العيون التي تشتهيني تصلب أنوثتي من حدقاتها؟ أليس من حقي التعبير عن وجعي ولو لمرة واحدة؟ أنا زهرة ليلكية يا سيدي، فلماذا يذبحون فيّ الأريج؟
أتعلم أن صبار البراري الشوكي بأصماغه اللزجة، يستطيع التناسل من نفحة ريح؟ وأنا يكبلني قانون العدم وتنتزعني من ملكوتي شريعة الحرمان. مارس طقوسك يا سيدي إن الشوارع المغسولة بالعار أشبه بجملة اعتراضية مفككة، لا لزوم لها في قاموسي. سوف أندلق بين يديك وتمتماتك الإيحائية كحفنة ماء على عشب يابس.
قال الرجل الأربعيني: خطايانا الصغيرة تجتمع في بؤرة واحدة. نحن هنا لأننا لم نستطع أن نكون هناك.وأنني منذ وطئــت قدماي المكان دجــنّت أحزاني، وحملت باقات الكلمات الدافئة بين جوانحي أوزعها لكرات الثلج، فكم كرة ذابت، وكم كرة تحتاج المزيد؟ لا أتقن الحساب يا سيدي كما أتقن الكلام لذلك خاطبت الطيور المهاجرة بندى أزهار الصباح، وتهجّيت فراشات لوعتها حتى غفت بين ذراعيّ. ولما أيقظتها وجدت الفراشات قد تشرنقت، وكان عليّ انتظار صباح جديد. تيبس الندى على بوابة غربتي ولفظني أبناء قريتي. أسمعني طقوسك يا سيدي، ولتداعب أنامـلك قلق المجرّات. إن محيط هزيمتي وعطش حواسي تناسلا. فلا تتأخر وشد لجام أفكاري قبل أن تجمح أحزاني مجددا.
قالت السيدة السمراء: ليل بوهيمي أيقظ فيّ عشق الموسيقى لكـــنَّ القيثار ةَ تحــتاجُ عازفاً ماهرا، ليتوهج في سماءِ الروحِ لحنٌ خالد ، والصيادون في البحيراتِ الضحلة لا يحتاجون كركرات الأسماك ، والقرية التي استأصلو قلبها ينبض فيها نعيق بوم، والفراشات المولعة بصباحات الورد لا تطير ليلا. فهل سمعت عن شمس مارست البغاء في حي شرقي دون أن تدفع الثمن؟ الأجساد المنتهكة أساطيل مهزومة، تحوم حولها طيور النوء كلما حمحمت الظلماء. إنني يا سيدي أدفع نصف أنوثتي مقابل قصيدة عارية ما دامت الخطوط ممزوجة بموسيقى بكر لم ترق لأسماع كهنة القرى.
لا يغرّك الرماد في وجهي، فالجمرة التي في داخلي متقدة ولا أحتاج إلاّ لنفحة هواء لمزيد من التوهج . لا تتردد يا سيدي ففي لحظات التردد تنتحر الفرصة والفرصة ابنة البرق لا يأتي بعدها غير السيل الجارف فلتنطلق تهاويم طقوسك إلى الفضاء، لقد حطمت قارب إحباطي وبت مستعدة للتجلي فما أحلى الموت بين ذراع النسرين وما أروع التوهج بين خصلات الغمام.
قال المنظم: أحيي فيكم هذا الحماس، إن بهجتي تزدان بكم. لقد جسّ قلبي أحزانكم، وطرق بوابات الإنعتاق في نفوسكم، فلتنطلق وطاويطنا من كهوفها المظلمة. فينا نزوع للحرية، فلنستل نسيم الحدائق عنوة. إنني مثلكم تماما، موبوءة عروقي بالزمهرير وأحتاج لربيع يزيح ثلوجي. فلنبدأ الطقوس، كونوا معي.
مد يده إلى كيس بجواره وأخرج حفنة أعشاب يابسة دسّها في مبخرة موضوعة على الطاولة فانتشر دخان أبيض كثيف في أرجاء الغرفة وفاحت رائحة نفاذة نزكم الأنوف. في أثناء ذلك جعل يتمتم بكلمات غير مفهومة يقرأها من ورقتين مصفرتين موضوعتين أمامه وبالتتابع جملة من كل ورقة واستمر على هذا الحال فترة من الزمن.
في الليالي الممطرة حين يشتد عصف الريح وترعد السماء، تهتز النوافذ المتهرئة ويطقطق زجاجها ويتنطط خلف مسطحاتها المضببة أشباح الكوابيس، تراها تتلألأ مع قطرات المطر المتناثرة. لكن الأشباح لم تكتف بذلك في تلك الليلة اللعينة، حيث اندست غمامة بيضاء من فتحة بسيطة أعلى الشباك المربع الصغير قرب السقف إلى داخل الغرفة وشكّلت يدين عملاقتين امتدتا للطاولة وتناولتا الورقتين المصفرتين من أمام المنظم وهو منهمك بالتمتمة.
صاح الرجل الأربعين مرعوبا : الله أكبر، لم نتفق على هذا.
قال المنظم: صه يا رجل، أتكون الشابة أشجع منك؟
في هذه الأثناء ارتفعت الورقتان في فراغ الغرفة وتمزقتا إلى عشرات القطــع نزلــت علــى رؤوس المجمـوعة كالقصاصات التي تطلق في الأعيـــاد والمناسبات.
رمى الرجل الأربعيني نفسه تحت الطاولة فسقط في هوة سحيقة وأحس إنه يطير في الهواء فترة من الزمن قبل أن يحط في جنينة صغيرة مزهرة. وطوال فترة السقوط والطيران والهبوط كان الرجل يغمض عينيه، ولما فتحهما شاهد شخصا طويلا يرتدي جلبابا أبيضا سرعان ما قال له: إليك الصباحات المشرقة جميعا، لا توجد هنا كرات ثلج ولا فراشات متشرنقة، والندى الذي يترقرق على حدقات زهورنا عبق الرائحة، وتستطيع أن تمرح هنا ما شئت. فلا قرية بالجوار يمكنها لفظك.
قال الرجل الأربعيني: أين أنا يا سيدي وكيف وصلت هنا؟
قال الطويل: لا عليك، لست هنا لتسأل بل لتنتشي.
قال هذا وفتح جلبابه فخرجت امرأة رائعة من تحته قبل أن يختفي.
قال الرجل الأربعيني: من أرى؟ عروس أحلامي؟
قالت المرأة: لفظك أجلاف القرى فجئتك على جناح سحابة، ارتمي بأحضاني وانزع همومك نحن خارج المدار بلا حواجز ولا قيود. تخطينا عتبة السقوط وحانت لحظات التجلي.
قال الأربعيني: يا شرفتي البيضاء، ألبسيني الصمت وانضمي إلى بعض الجروح.
لم تعد الغرفة العلوية كما كانت، فقد استطالت وأصبح لها بابين وسلم دائري فــي أحد الأركان ارتقــت عليــه الشـــابة الــعشرينية للأعلى فلم تجد فتحة في السقف بل لجّة خاضت فيها حتى النهدين، فانتشلها شاب بقارب مطاطي وقال لها: بحري لا ينحسر موجه ، وشلالي دافق على الدوام ، ويمكنك العوم دون عناء أينما شئت. انهالي عذوبة على مياهي تلقفك نداءاتي الناضحة بالعشق. وتمرغي في عطري فثمة مساحات ملونة تحتضنك وتعيدك وردة بيضاء على مائدة الروح.سأرزم لهاثك الليلكـي في جسدي فيذهلك الاحتواء، وأسخّر لك أشعاري تمطرك أقحوانا صباحيا فتنتشين كطفل في حضن أمة يمتص البراءة. لا قانون عندي غير الجنون حبا، لا طرق لدي يقتلها الإعياء، لا ملامح فقدت نقائها، لا شيخوخة تدب دبيب النمل في الجسد. فامرحي، أنت في رياضك المشتهاة.
قالت الشابة: ضمّني وأبحر، فلا الجبال تنزعها الريح، ولا البحر اغتصب السماء، ولا الأفلاك أزعجها خسوف قمر، ولا الحب خاصمته القصائد. اكسر بمعولك القيود واطلق العنان لأصماغنا تتعانق.
لم تجد السيدة السمراء غير السرير ترتمي تحته، فاندست هناك دون تردد بعد أن رأت تفرق الآخرين. وما أن استقرت، حتى دندنت في أذنها أوتار قيثارة هزتها طربا، ففتحت حدقتيها تبصر المكان المعتم وهي منتشية بالموسيقى الحرة، مذهولة لما يجري لها، فشاهدت رجلا يتربع وسادة وهو منهمك بمداعبة أوتار قيثارة وكأنما عاشق يداعب خصلات شعر حبيبته. فقالت له:
كيف دخلت إلى هذا الدهليز؟ ومن أين لك هذه الموسيقى التي هي عبّارة أحلامي إلى عالم الفراشات، أهي لك؟ إن كان كذلك، أسرج لي خيول الجراح ودعنا نمتطي الذكريات صوب قرى لم تنتهك بعد.
قال الرجل" أتحسبين هذا هذيانا؟ لمي هواجسك المهزومة وانسكبي عطشا على رمضائي يتفجر نبع موسيقاي وكلماتي إلى حافات قعرك الناري، فتتصاعد رطوبة الإيحاء قطرا ينهال فيسقيك، وستفوزين بكل أنوثتك عندما ترتقين فحولتي وتشمين عبق الأديم المروي بماء طيني. إن كنت مستعدة ازحفي على حقلي وارقصي على أنغامي كظل قمر في بحيرة ساكنه فاجأته الريح.
قالت السيدة السمراء" بك تستطيب الجراح، فانسخ وجعي لحنا ينتثر أعشابا برية. سوف أصغي بكل جوارحي وأتدحرج على سلمك الموسيقي يقبلني عندليبك وتدثرني نغماتك من برد الليالي الظلماء. خذني إليك لتنتحر آلامي.
بقي المنظم جالسا على السرير يتطلع للسحابة البيضاء ذات الأيادي العملاقة ، ورآها وهي تنسحب من ذات الفتحة التي دخلت منها بعد أن مزقت ورقتيه الصفراوين وفوجئ بالتحوير الذي طرأ على الغرفة. حاول النهوض فاستوقفه صوت تسرّب عبر باب الغرفة القديم وهو يقول له: إنك رهن الاعتقال. وسوف نحقق معك لاحقا.
حاول أن يتكلم، لكن السحابة التي خرجت عادت من الفتحة مجددا وتوجهت ناحية الركن البعيد من الغرفة وشكّلت وجها بشريا.دقق فيه النظر ، فإذا به وجه أبيه.
قال الوجه: أما زلت تمارس تهاويمك المجنونة؟ لكم أزعجتني في حياتي،وها أنت الآن تثقل علي في مماتي عليك اللعنة أيها العاق .
أراد المنظم أن يرد، لكن الوجه المتشكل سرعان ما تفكك إلى سحابة انسلت من الفتحة المعتادة.
بدأ يسمع أصواتا حوله وتحته دون أن يميزها. وأصوات فتح وغلق البابين دون أن يرى ذلك بعينه وهو ما يزال محتفظا برباطة جأشه. وبعد فترة وجيزة سمع صوت فتح الباب البعيد عنه وسمعه وهو يغلق. فتطلع إلى المكان فرأى شابة كان يعرفها قبل أعوام. ارتجف لمرآها لأنه سمع بموتها قبل سنة، فقال لها: ما الذي أتى بك إلينا؟ لقد قالوا إنك ميتة؟
قالت الشابة: لا عليك من هذا، إنما أنا التي أسألك كيف وصلت إلى هنا؟
قال المنظم: أنا في غرفتي أمارس بعض الطقوس.
قالت الشابة: دع عنك طقوسك اللعينة فلدي طقوسي الخاصة.
قفزت إلى السرير وتشبثت بالرجل الذي تهاوى للخلف وهي تجثم فوقه فقال لها:
ماذا تفعلين؟ يقولون إنني رهن الاعتقال والتحقيق، وأخشى أن تكون العاقبة وخيمة.
ضحكت الشابة بمليء وجهها وقالت: لا تخشى شيئا فالرابض في الجحيم لا يلسعه اللهيب وأنت الآن فيه.
قالت هذا واحتوته فاحتواها وهو يسمع همسا صوت السيدة السمراء كأنما يصدر من بئر عميقة.




من أشعاره:
ــــــــــــــــــــــــــ

مطالب منتدبة
ــــــــــــــــــــــــــــ


أسائلُ عنكِ النجمَ عندَ الكواكبِ
وأخطبُ ودَّ الشمسِ بعدَ المغاربِ
وأحسبُ أني قدْ حظيتُ ودادكم
ولمْ أدرِ أن الودَّ رجعٌ لذاهبِ
فيا ليتَ ما بيني وبينكِ واحدٌ
وبينَ البيانينِ أنفاسُ راغبِ
عرفتكِ قبلي وقدْ سَدَّ مهجتي
وقوعُ التنائي في أصولِ المآربِ
ولكنَّ مُهري جدّدَ السيرُ لاهثاً
فما هوَ إلاّ واصلٌ للمطالبِ
وما طلبي لمنْ قدْ قُدَّ رَسمهُ
بظلّي، ألا فلتستعدُ رَكائبي
لخوضِ غِمارَ القُربِ والقربُ ينتهي
بنأيِ قريبٍ والبعيدُ بجانبي
فإنْ تسألينَ: لِمَ القربُ هدّني؟
أقولُ : بأنّي سليلٌ، ربّما، للعقاربِ
قضيتُ حياتي مثلما قدْ قضيتها
فما كنتُ مرموقاً ولستُ بسالبِ
وكان رحيلي من بلادي جريمةٌ
وأكثرُ أن ترقى ظهورَ العواقبِ
فمن قارّةٍ أُلقى لنحو بديلها
يطولُ اغترابي ويبّيضُّ شاربي
أقارعُ حرَّ البيدِ والرملُ دوننا
في (كفرة) السودانِ شوقاً لقاربِ
تهادى بليلٍ فوقَ (دجلةَ) مثقلاً
بخيراتِ أرضنا وعذبِ المشاربِ
ومن ( ريجل) الألمانِ أشدو قصيدتي
و أُ كثرُ من ذكرِ الحبيبِ المعاتبِ
ينامُ كما مثلي بدون جفونهِ
ويربطُ هدباً إلى طرفِ حاجبِ
يذكّرني كيفَ استقرَّ مقامنا
على كوّةٍ سوداء بين النوادب
كذا كنتُ أحيا والصحابُ تضمني
كما ضمَّ ليلٌ نجمهُ في الغياهبِ
فلألأ جوف الكونِ بالحسنِ مثلما
تلألأ في بحرٍ عيونُ الشوائبِ
وحقَّ لنا أن تستقيمَ أمورنا
ويدركُ منْ يدري أمورَ المقالبِ
أن الحياةَ كما الخيال قصيرةٌ
وأكثرُ ما يجنيهِ بعضَ الرغائبِ
كذا سارتْ الأحداث وازداد نأينا
واستنفد الإبحار سعياً لصاحبِ
بأيِّ بلادٍ لنا ولو في سقيفةٍ
تجلّلها الأمطارُ من كلِّ جانبِ
يُسيّرُ منها الحبُّ حتّى لتحتوي
بقايا دموعٍ من عيونِ المصائبِ

ألمانيا في 26/10/2011

عشّاق
ـــــــــــــــ


عرفتُ الحبَّ يأتينا ارتفاقا
ويدري القلبُ أيَّ دمٍ أراقا
إذا طلع الصباحُ بفجرِ عُشقٍ
تلاقى في الظهيرةِ من تلاقى
من العشّاقِ فاجتمعوا بنجدٍ
خَليِّ الناس لا رغبوا فراقا
وأسّسَ نابضٌ لهمُ الخلايا
مناصفةً فزادوهُ ائتِلاقا
كذا يتربّصُ المكنونُ فينا
كصيادٍ إذا شددَ الوثاقا
فضمَّ فريسةً للركبِ قسراً
فلا فلتتْ وطابَ لها التصاقا
أخبّرُ مَنْ وددتُ بأنَّ شوقي
عظيمُ العمقِ يزدادُ اشتياقا
فمنذُ تركتُ أهلي في عراقٍ
أسّيرُ في شراييني عراقا
ولو عرفَ العراق مدى حنيني
لتربتهِ لطوقني نطاقا
وسارَ معي إلى ما لا حدودٍ
ومدَّ حدودَهُ قدماً وساقا
إلى حيث الحبيبةُ في مكانٍ
تّدارُ بهِ المُدام فما أفاقا
وصار بضمنا يزدادُ سكراً
ونحنُ بضمّهِ ازددنا عناقا
أما وجميعُ من حولي نيامٌ
فما عرفوا وما منهم أفاقا
بأنّي أستعدُّ لبذلِ نفسي
إلى نارٍ ولا أخشى احتراقا
فنيرانُ الهوى بعضُ افتراضٍ
سأشربها وأنفثها انتشاقا
هنالكَ عندَ برِّ الغاب أدنو
ونخلُ الشطِّ يعلونا فَواقا
وخوصُ شريعةٍ للنهرِ يُضفي
إلى شجرٍ يظلّلُ لي رواقا
أقيّلُ عندهُ ظهراً لعصرٍ
ويؤذنُ لي المؤّذنُ ما تباقى
من الفرضِ العسيرِ إذا تراخى
وتُقبلُ سُنّتي فرضاً طِباقا

ألمانيا 28/10/2011

ياسمين
ــــــــــــــــ


وفاتنةٍ رأتها العينُ وهجاً
تربّى في لظاهُ الاحمرارُ
فأحدثَ وهجها عندي خراباً
جداراً كنتُ فانهدَّ الجدارُ
فقلتُ لها: أ أنتِ النارُ تسعى؟
ومِنْ مثلي يؤججهُ الشرارُ
ألا رفقاً فهذا الدربُ أبغي
و جونُ اللـيلِ بدّدهُ النهارُ
ففي (دار السلام) تركتُ قلبي
فسابـقني إليكِ فهلْ يجارُ
عفيفاً جئتُ ملتحفاً وقاري
فلمّا جئتِ فارقني الوقارُ
فقالتْ لي: أمنْ (بغدادَ) تأتي؟
منارُ الخلـدِ فيها والعِمارُ
هنالكَ معبد العشّاقِ صرحٌ
وما عـندي يخالطهُ الغبارُ
أنا في تربةٍ سمراء أنمو
وأعبقُ عندما تحلو الثمارُ
فدعْ عنكَ الهواجسَ لستُ نوراً
أنا زهرُ البريّةِ والقفارُ
فلو ترنـو إلـيَّ ترى عروقي
ولو حدقّتَ في جذري تحارُ
فقلتُ لها وفي الأحشاءِ نارٌ
عرفتكِ دلّني هذا الحوارُ
فأنتِ الياسمين فدتكِ نفسي
تحدَّثَ عنك عندي الجلّنارُ
أتيتُ بلادكم وسلوتُ نفسي
تعبتُ وهدّني ذاكَ الحصارُ
و كـنتُ أرومُ وصلاً غير إنّي
أخافُ القوم إنْ عبسوا وثاروا
فإنْ خبأتني بين الثنايا
يغازلكِ القصيدُ لكِ القرارُ
وإنْ طابَ اللقاء فدثّريني
ولا تخشي عليَّ إذا أغاروا
فداءُ الحـبِّ قرباناً سأغدو
وهل للصبِّ إلاّ الانتحارُ
دعيني ألثمُ التيجانِ حتّى
أعبُّ النسغَ يأخذني الدوارُ
فيسقيني الهوى خمر البراري
يدحرجني لجنّتكِ العقارُ
فقالتْ: إنْ أردتَ تعالَ ليلاً
سيستركَ الظلامُ هو الستارُ
لدى قومي الغريبُ يموت غمّاً
وما للصبِّ إلاّ الانتظارُ
على عجلٍ تقبّلُ وردَ خدّي
يدثّركَ احتوائي والإزارُ
وحاذر أنْ تـنامَ وأنتَ عندي
وعاجلـني القصيدَ هو الخيارُ
تطيبُ النفس يعبقُ كلّ عطري
فتعشقهُ ويعشقكَ الدثارُ

الكفرة ٢٠٠١



عيناكِ البجعات البيض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


كي ما أعبر وجهَ الصبحِ،
تجسّدتُ هناك قصيدةَ شعرٍ في عينيها،
تنظرني وتراً مـشدوداً لم يحترف العزفَ،
و لمّا أثمر بعدُ مخاض الشهر التاسع..
فرَّ البجعُ المهووس بعشقِ طيور النورسِ،
للبحر الشاسع..
خجلى نزهتكِ البحريةُ في مائي،
لم ينحسرْ المدّ،
ولا عادَ البجعُ الأبيضُ من عرضِ البحر،ِ
تمشّطني الشمسُ الذهبيةُ في خديكِ،
بقايا نسجٍ لامع..
يا هذي البجعاتُ المهووسةُ لا ترتعشي،
يأتي الصبحُ نديّاً يركبُ خيلَ الريحِ،
يصففُ روحي القدحُ الثلجيُ نهارا،ً
في مرمى عينيها كالبَرَدِ الناصع
صبحٌ كالوشمِ يعبّدني في منزلقِ النهدينِ،
تنامُ القارورةُ والناطورةُ والشمسُ المسحورة،ُ
كالطفلِ بحضنٍ واسع..
أيُ جنونٍ يدركني ،
الرقصُ على أرضٍ هشّة..
لن يسحبَ من تحتي قشة..
كنـتُ بنيتُ قرايَ بغابِ قريحتها،
تقرأني شعراً خمرياً عـتّقَ في دنٍّ ساقع..
أسمعُ صوتَ هبوب الريحِ على ممشى أهدابكِ،
تسترخي الغاباتُ بفسحةِ روحي المأزومةِ،
من بؤبؤ عينيكِ وحتى طرف الشارع..
عيـناكِ البجعاتُ البيضُ تطاير حولي،
وأنا السمكُ البحريُ يخضّبني ماء الملح،
فأطفو كالضوءِ الساطع..
قد ينتشرُ الضوءُ ظلاماً في المدنِ المهزومة..
تلكَ ملاعبُ عصف الريحِ،
وهذا جرفُ الشفقِ الفاقع..
يظهرُ بعد حدودِ الروح
وروحي جرّةُ فخّارٍ مكسورة..
لو تدرين بأنَّ همومي تستلقي،
في مهدِ الليلِ لكنتِ القمرَ الفضيِّ،
يسامرني ويلمّ الوجعَ الأزلي بضلعي السابع..
لكنكِ والوقتُ نهارٌ تفترشين الظلَّ،
وتنزلقين مراراً تحت دثارِ الرغبة..
لمّي أهدابكِ عن وجهي،
لا أقوى تقبيل الطفل النائمِ فيها
أو فوحي عطراً وانحسري عن بحري
عيناكِ البجعاتُ البيضُ تخوضُ مياهي
تلفحني الريحُ فتخطفها مني الأنواء
وحدكِ أنتِ تخوضينَ جراحي
أرخى البحرُ سحابَ الشوقِ على شاطئ وجهي
وأدارَ الدفّةَ ربّانُ العشقِ إلى مرفأ عينيكِ،
تعالي نقتلعُ الصاري ونغوصُ إلى أعماقِ النزف
باردةً كانت،
أمواجَ فراتي حين احتضرتْ،
بعدَ مخاضِ الشهر التاسع..
هل أدركتِ الآن جنوني الرائع؟



رحلة السندباد الثالثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1.قبل وأثناء السفر

أوَ نلتقي بعد الفراق؟
قالت،
وكنتُ مصفّحاً بالهجر يجرفني السباق
والذكريات الرخوة الرعناء حملي،
والأثيرةُ تحتويني باتسّاق
قلتُ استريحي لا يؤرّقكِ السؤال
سأكونُ قربكِ بعد حينٍ فلتنادي بي:تعال
نفسُ الطريق
ذاك الذي ودّعتُ من بعد الحريق
هذي رمال الأرض تضحكُ كالهلال
والضوءُ يلهثُ من بعيدٍ،
إنّها مدنُ العراق
آفاقها تلك الفسيحةُ عبّها جسمي الهزيل
في اللا مكان
حلوى وضحكة مهرجان
وهي الوحيدةُ ترتوي ألقي وقد أزف الأوان
ولعلّني كنتُ المغنّي وهي عاشقتي الأسيل
ترتاح في الوطن البديل
تنضو ثياب زفافها يوم القران
حسناً لتعذرني غيوم الغرب،
وليعذر مفارقتي الربيعُ إذا تعانق عاشقان
بثياب حمّاهم وراء مدى النخيل
مثلي ومثلكِ عاشقان،
في اللا مكان
أحلى من الماء الزلال
سأعود قد قرّرتُ حتماً،
لا مناص من التأملّ والخيال
وعبرتُ برّاً عبر منفذنا العتيد
وأنا كعود الخيزران
أبني بيوتي من خيوط الريح ،
مهتزّاً شريداً عند أسوار المدائن بامتنان

2. في البوابة الغربية
لا شيء ينتظر المسافر غير حرّاس الحدود
وقفوا وقال كبيرهم: من أنتَ ؟
فانتفض الجنود
يتفحصون حقائبي وجوازيَ الغربي،
والدمَ والجلود
ــ هذا بلا تأشيرةٍ يا سيدي.
قال المدقّق بازدراء
فتهتكتْ صحف السماء،
عنقود أسئلةٍ عجاف
من أي قومٍ أنتَ ؟
سنّيُ العقيدةِ،
أم لآل البيت أديت الولاء؟
من أنت؟
كرّدي العشيرةِ،
يعربيُ العضد؟
بعثيٌ شريد؟
من أنت.....؟
واصطفّتْ بقربي نخلةٌ حبلى ودود
قالت: هو الأعثاق والطلع الجديد
أو لستَ تلمح فيهِ آثار الفرات،
وغرّ يَن السهل العتيد؟
هذا ابن كلكامش يعود من الفلاة
يأتي بأعشاب الخلود
للأرض كي تبقى على قيد الحياة
من بعد طوفان المدافع والقيود
فعلام تسأل يا ابن لاطمة الخدود!!.

3. حسرة
لهفي على نفسي أ أدخلُ كالغريبِ،
إلى بلاد القبّرات؟
يا ليتها علمت مَنْ الحرّاسِ في بابِ الظلام!
جرذانُ وادينا التي عاشتْ على رِمَمِ الطعام
أحفادُ (قورشَ) والخفافيشِ التي حطّتْ على أرضِ السلام
أين (المثنى) أين (سعدٍ) أين أنصار( الإمام)؟
من كان بالأمس القريبِ مرحباً،
قد صار عبداً للنظام
لهفي على نفسي،
أتيتُ من الشتات إلى الشتات
لا لم يكنْ في البابِ إلا جندُ صهرِ الموبقات
بالأمسِ أنكرنا الطغاة
واليومُ تغمرنا الليالي الموحشات
كالمدِّ يصعدُ دونما بدرٍ تمام
لهفي على نفسي...،
ويدفعني العريفُ إلى الأمام
ما زلتُ ألتمسُ الطريقَ إلى التخوم
وحدي وتصحبني المذلّةُ والأماني والوجوم
حولي يحوم
أصداءُ أفكاري مراقبةٌ،
وتحت الجلدِ يختبئ الجنود
يجلون من عرقي الدماء
وينزعون الورد من سطح الخدود

4. في المدينة
ويل المدينة من جبابرة الحواجز والحصون
من كان يلتمس العبور على المسالك والجسور
فليحمل الدعواتَ صكاً كالتمائمِ والنذور
صخبٌ هنا،
والعابرون على الطريقِ عرفتهم،
والعابرات
نفس الشحوب على الوجوهِ،
ونفس تلكَ الملصقات
أنصابُ أهل الظلمِ والمتسلقين على الظهورِ،
وفاسقين وفاسقات
أصحاب (قابيل) اللئيمِ،
مرافقيهِ إلى الجحيمِ ومُرسَلات
أبداً ستحفر رحلتي أثراً على مرِّ العصور
وتغوص في عمق الثرى تحصي المدافنَ والقبور
من قال أنّي عابرٌ عبر الجموع؟
أنا واحدٌ من أمةٍ تأبى الركوع
واليوم موعدنا الرجوع
فمتى نعيش بمأمنٍ،
ومتى نعيش بدون جوع
يا ويلها المدن التي تحتَ التسلّطِ والخنوع
يا ويلها
المدن التي تحتَ التسلّطِ والخنوع


ريـف والغيم
ـــــــــــــــــــــــــ


أيتـها الأحبولة التفّي على عنقِ بكائي وباشري الخنق، اضغطي على مواجع الجروح ينهمرُ المطرَ ويزهو الســنبل، لن تشيخ الفصول، هاهي ذي تنبتُ بيــن أنامـلكِ الـــمخمليـة ، أتعلمين؟ إنني أعرفُ ما هو الموت ..إنّهُ البوح على ثغر الحروف والتنزه في بساتين الغــــربة، جــودي عليـنا بهذه الأنفــاس الـذكية نحنُ نحتاج أحيانا تـنفــس الألـم
مميزةٌ أنت ، نعم مـميـزةٌ في النحتِ على الوجوه

١
غيمٌ تناثرَ في الفضا يا ليــت شعري
لـو أنني بفراستي أدركتها أو كنتُ أدري
هذا الـذي عـانتهُ وهي وحيدةٌ لــحفرتُ قبري

٢
يا ريـف ليس لكونها معبودتي ورديف عمري
أخفي ببادي الوجد آفاقاً لـسرّي
هذا الحوارُ الفذُّ أدركني انكساري مـرّةً و هلمَّ يجري
كوني إذن ما كنتِ وقت قريحتي و قبيل سهري
لا تـملك الآجام بعثرةَ الندى
أو تدرك الرمضاء أسباباً لقهري

٣
جودي عليَّ بنفحةٍ سمراء من عمر الضنى ينثالُ سحري
إني عـلى ركبِ السحابِ تناثرتْ نجوايَ
واحتبست مواويل الهوى في صحن صدري
الدمعة السوداء نطفة ساهمٍ
فـي الليلِ يحتطبُ الأسى واللــيلُ يجري
لا تـغلـقي الأبوابَ جئتُ محمّــلاً
بـالشوقِ والكلماتُ تِبري

٤
كمْ مـن محطّاتٍ عبرنا والوصولُ إلى العذاب هو الخلاص
كمْ مـن طريقٍ ضمّنا متوجساً
يخـشـى علـــينا أن نتيه
فلا نعود اليومُ تبلعـنا البريّةُ والوحوشُ، فلا مناص
سنعـود لـلـجرف المدجّج بالسلاحِ وبالرصاص

٥
ماذا أبـثُّ إلـيكِ من خَرفٍ
وقدْ حبلتْ همومي بالضغينةِ والحطام؟
من عهد ( أوديب ) الضرير يجسّ في بدني الظلام
في هوّة الشرخ السحيق وقد تحزّمَ بالغمام
وجهي وأروقة المدينة والنيام
الحالمون بفجرِ شمسٍ لا تغيب
ماذا أبثُّ إليكِ ، يا بشرى ،
هو الموتُ الرهيب

٦
لا تفزعي
أحسبتِ أنّي لا أعودُ وأستعيد
شيئاً من العشق المبللِ بالدموع أنا عائدٌ من أرض حاضنةُ الجليد
وستدفعيـن حبيبتي ثمن التشرّد والخنوع
فتحـضّري،
أحتاج ناصيةَ الضلوع
حيناَ إذا أمــطرتُ ،
ما أحلى الرجوع

ألمانيا ٢٤/١٠/٢٠٠٤



بعض الحب
ــــــــــــــــــــــــ

كتبت لي من بغداد ترجو عودتي ، فهل ما زال الطريق سالكا؟

وتحترقي وتشتعلُ الليالي
بوجـدٍ سحَّ كـالـمزنِ الثقالِ
فلا فرحَ الصباحُ بشمسِ غربٍ
وشرقُ الفجرِ يصرعهُ ابتهالي
ألا يا دمعتي كوني سكوباً
فبعضُ القهرِ تغسلهُ خلالي
أمـوتُ بكـل يومٍ ألفَ موتِ
ويبقى طيفها خدراً ببالي
يباشرني ويسـتوفي شروطاً
لردبِ الصدعِ في صحفِ الخيالِ
فتحملني الظنونُ إلى قصيمٍ
تـناثر غَـضُّهُ بين الجبالِ
كأنَّ معادني وخصال حسي
تقطّعـها أعاصيرُ الشمالِ
إذا هَبطتْ إليها بعد هجرٍ
تُسَـقّى مـن سلافاتِ الزلالِ
وقد سألتْ ومن ( بغداد ) ترجو
ملازمتي وتتويج احتمالي
أجدُّ لها ولو في القلبِ شرخٌ
بـلا كسلٍ ويحملني اعتلالي
يقدمني على أعتابِ حزني
لباسطةِ الكفوفِ وللسؤالِ
أقلّبُ نابضي الحرّانَ حيناً
على جمرِ المـودّةِ والدلالِ
أغازلُ نجمـةَ الإصباحِ حتى
ينالُ العزم مـنْ سودِ الليالي
وما ليلي يطـولُ على نهاري
ولكـنْ غيّرَ الإحباطُ حالي
أتـونا مثل دودِ الأرضِ زحفاً
ومن كبدِ السمـاواتِ العوالي
أشدُّ مـن الهبوبِ الصعبِ بطشاً
وأقسى من جبابرةِ الرجالِ
فما أبقوا لنابضةٍ بقلبٍ
نزالهمُ الصريح بلا نـزالِ
ولكنّي موافيها بنبضي
فما فارقتها وهي اكتمالي
إذا ما الليلُ حشّدَ ألفَ غازٍ
تحزّمَ بالنبالِ فلن أبالي
مصيرُ الغارة العمياء صحوٌ
وبعـضُ الحبِّ يؤخذُ بالقتالِ
بعثتُ إليكِ منتدبي وكربي
فما أنّ حطَّ في مقلِ الجمالِ
تنادى عازفاً هذا مقرّي
وبيتي يومَ أن وَرفتْ ظلالي
أعودُ إليكِ إنْ حَكَمتْ أموري
وإنْ صعبتْ هتفتُ بها : تعالي
نقلّم شوقنا سعفاتُ نخلٍ
نجندلها فتورقُ في الأعالي
وريقاتٍ تربّعَ في حشاها
غبار الطلعِ فامتلأت سلالي
بشوقِ ناضجٍ رَطَبٍ جنيٍّ
تدثّر فاستوى بين الدوالي
هنالك حيثما عبقت عطوري
وحيث الشمس ترتعُ في التلالِ
تركتُ وديعتي ودمي وشعري
وبعض الحبِّ يبزغ كالهلالِ


السقوط
ـــــــــــــــــــ


تفارقنا
وشـدّت راحلاتُ البيدِ أمتعتي
صهيلُ الخيلِ والأطلالُ تهجوني
جرى النهران خلفي
وابتدا أجلي ، بعيداً
أزرعُ الآهاتَ في الأرضِ الخرافية
ذليلُ النفسِ لا أقوى،
على الإفصاحِ بالشكوى
كئيبُ القلبِ والإحساسِ والنيّة
هنا انتحرتْ أمانينا
هنا ضاع الخيال الخصب،
من أيامِ ماضينا
وما عندي سوى دوامة الغربة
أغضُّ الطرفَ عن أمسي
فأمسي محضُ أفكارٍ
أراها في الدجى المنسي
فأخشاها
كوابيس الرؤى والطرقُ في الرأسِ
مسلاّتُ الأذى يا مهجتي أقسى
من الكافورِ في الكأسِ
فأكرهُ أن أرى يأسي
وأكرهُ كلّ أفكاري البدائية
حبيبة موطني الدافئ
ومرجان الحصى في فسحة الشاطئ
إليـكِ أبثُّ ألواني
وألثم زهرةَ الصـبّارِ تعبيراً لأحزاني
هنا في ملجأي الملعون
زارتني مواويلي المسائية
فأفتحُ خـندقاً في القلب
أحشو فيهِ أشجاني
ولكنّـا تفارقنا
تركنا الحبَّ من زمنٍ
وخبأناهُ في ورداتِ زهرية
فيا معصوبةَ الأفكارِ،
هزّي نخلةَ الدارِ
تساقط كالندى أبياتُ أشعاري
حزيناتٍ كجنحِ الليلِ،
والنجماتُ قطبية
هـنا تنهارُ أحلامي
هنا يشتدُ سور القهر
ينزفُ خيطهُ الدامي
هنا لا شئ يرشدني
لعشِ غرامنا السامي
تفارقنا وضـلَّ غرامكِ العصفور
حوّاماً على منثورِ أكوامي
ولكنّي تداركتُ الأسى بالشعرِ
يرصفُ زهرَ أيامي
لأبقى مغرماً فيكِ
وأبقى أرقب الأقدارَ،
قدْ تنهي متاهاتي السرابية
خيالٌ بـتُّ أدمنهُ
إذا ما حانَ وقت الحبِ،ّ
والنسماتُ نهرية
إذا عادتْ سيحملني إلى وطني
دليلُ الشعرِ والأبياتُ وردية


أيها الشعر
ــــــــــــــــــــــــ

1
أيها الشعر تشدّد
من جديد
إنَّ في أعماقنا مدٌّ تسامى
حانَ أن يطلق من أحزاننا
الحلم الوليد
أيها الشعر تمدّدكثلوج الحسرات الهامدة
ونداءات السبايا تحت أقدامِ
الحشود الحاقدة
أيها الشعر تنهّد
كالمياه الراكدة
والمقاهي والملاهي
وبراكين العيون الخامدة
نحنُ شعب الكلمات الشاردة
وعبيدٌ للرموزِ
الفاسدة
أيها الشعر تشدّد
إننا ندخلُ حربا
باردة
2
أيها الشعر تجلدواجمع النص الشريد
حان أن يصرخ فينا
ما تخمّر من صديد
هدّنا بطشُ أهالينا النشامى
فتناثرنا كما هشمُ ثريد
أيها الشعرُ تـبدّد
كالغيوم الصاعدة
كالبلايا والنوايا
ورسالات الجدود الخالدة
والسبايا والعرايا
وملايينِ الجياعِ الساجدة
تحتَ أقدامِ الولاةْ
وهراوات الغزاة
بـين أحـضانِ حقولِ النفطِ
في أرضِ الـدموع الجامدة
٣
أيها الشعر تشرّد
ببرود
في قرانا وثرانا
وسحاباتِ بلانا
قـدْ تخطيتَ الحدود
واستبحتَ العرشَ والكرسيَّ
والمولى الحقود
نحنُ شعبُ الخارقات الصامدة
ونعاجٌ سلختها القاعدة
عندما حطّتْ على تلكَ السدود
أيـها الشعرُ تردّد
قدْ صنعنا المجدَ رعباً
ثمَّ عدنا من جديد
نشتري الأمجادَ غزواً
مـن بقايـا
لشظايا
تتمطّى في سراويلِ الجنود
٤
أيها الشعرُ توسّد
نبضَ قلبي والسرايا الواعدة
عند بيـتٍ ضمَّ مسرانا
وأسرانا
وأشلاء البراقْ
عندَ فتقٍ
عند شدقٍفي قرى بيسان والأقصى المعاق
عند غرسٍ
وقت عرسٍ
يتلوى في بساتين العراق
يعزف اللحن سعيدا
يتفشّى
يتمشى
كوباءٍ في قرانا
وثرانا
والزقاق
نحنُ شعب النظرات الحاسدة
ومرايا للحروف الناقدة
عندما نعشق يكوينا الفراق
5
أيها الشعر تنازل
وترجَّ الأعتدة
هي بوحٌ
هي نوحٌ
هي خسفٌ للجيوش الفاسدة

ألمانيا ٢٢/١٠/٢٠٠٣



وأعود تحملني النوارس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


من أرضِ دجلةَ والفرات،
أتيتُ يا صحبي أعمّدُ تربتي بالشعرِ،
يحملني العراق
كوريقةٍ صفراء أغرتها أعاصيرُ الشمالِ،
بأنْ تنفّسَ ما يجودُ بهِ الفراق
أرباعُ أنصافٍ تقسّمَ نبضيَ المجبولُ بالشرق الحزين
خبزاً وجمّاراً وطين
وغداً إذا مرق المساء ولم ألامس فجر عينيها الجميل
لابد يحملني الأصيل
للزرعِ، للموتى، لقاتلتي،
وللقمر الظليل
هذي بوادر ما حملتُ،
وبعض ما جمعتْ أساطيلي من الوجع البديل
قالت: أليس لكَ انتماءٌ أيها الوطن البعيد؟
قلتُ اضمحلّي في شحوبي
سوف يُرجعني التشرّدُ من جديد
تشتاقُ للعتبات نفسي،
والبقايا فليبعثرها الجليد
في الغابة السوداء أو عند الجبال العاليات
تنساقُ للسفحِ البليد
لا الدمعُ لألأَ ماءهُ في العين،
أو هتف النحيب: لمن تعود؟
منذورةٌ نفسي لقبرّةٍ ودود
اليوم عدتُ من الرحيل إلى الرحيل
والدربُ منفتحٌ إلى أقصى الحدود
رباه أحوجُ ما أكونُ إليكَ،
أرشدني الطريق
نفسي الشريدةُ كوخ حطّابٍ على مرمى حريق
ودروب قريتنا الوديعةُ ملعبٌ للسارقين
دعها تنامُ لتستفيق
يوماً بدون مخربين
والحاكم المرعوب من شبح الرحيل
يعتاشُ من جيف الغزاة هو الذليل
رباه ما ذنب الجياع إلى المزابل ِ يلجئون
كتلاً مشوهة المعالم يحلمون
بالقمحِ جيلاً بعد جيل؟
رباهُ أحوجُ ما نكونُ إليكَ،
يكفينا عويل
وأعودُ تحملني النوارسُ للمروج الخضر حيث اللا مكان
متشابك الأفكار،
مصفّراً كعقد الكهرمان
وحدي،
تشاركني الهزيمةُ وحشة الليل المهان
ونسائم الفجر الطهورة تقتفي أثري،
وقد حكم الأذان
لا الليل أدركها،
ولا سرب النوارسِ دغدغ الغيد الحسان
أصداء قافيتي لها و القرية السمراء حلمي،
وهي تنضو الأقحوان
والعائدون من الحصاد أقاربي،
وأنا وهمسي عاشقان
نبقى نؤسّس بؤسنا ،
في اللا مكان
أقوى من الزمن العنيد
ناطور حبّي،
والروابي الخضر، والأمل الأكيد
في داخلي يحتجُّ شوقي،
كيف يركبني الجحود؟
من بعد رحلتيَ الجديدة صوبها،
أَنهارُ تبلعني الحدود
ها إنني في الغابة السوداء أنزفُ حبها،
جذلان ترصفني القيود
في داخلي وجعٌ ،
وفي ذهني شرود
حتّى إذا حكم اللقاء وكانت الأشواق باردة،
سأجعلُ من تقاسيمي وقود
لا تسأليني حينها كيف التقينا،
نبضُ قيثاري حريقٌ،
وانتصاراتي غناءٌ أمّها نايٌ وعود



القرد والدف
ـــــــــــــــــــــــــ


وددنا لو عرفنا السرَّما يخفيهِ هذا الكاهنُ الفنّانُ،
بين السطرِ والحرفِ
لكنّا قد أرحنا الناسَ،
والأبياتُ ننزعُها منَ الرفِ
لعمري أنها مثلُ الحوار،
الغابر المغمور،
بين القردِ والدفِّ
فقال القردُ:
أرقصني،
فأمنحكَ العلا طرباً
بدقّ الكفَّ بالكفِّ
فقال الدفُّ :
يا هذا، أَما تدري،
لقدْ عفنا فنونَ العزفِ،
واخترنا السقايةَ،
بين حقلِ الدخنِ،
والجرفِ!!

ألمانيا 22/9/2003


رحى عينيكِ
ــــــــــــــــــــــ


رحى عينيكِ تسحقني
وتوشك دقَّ أضلاعي
ونافذتين باردتين بئرهما يلاحقني
يفتّق ثقب أوجاعي
كأنَّ حدائق الأمطار في عينيكِ تغرقني بلا رحمة
وجرن قرارها الحجري يأخذني إلى العتمة
فأذكرُ شطّنا ونحيبه الجاري
وأشياء عشقناها
تدثّر بعضها بالزنبق العاري
وملعبنا، ونخلة جدّكِ القروي تمطرنا بحلو التمر،
هل تدرين أنّي كدتُ أنساها
أما زالت كما تبدو؟
وهل ما زال بلبلنا يغرّد في محيّاها؟
ألا تدرين يا عصفور أفكاري
بأنَّي أول العاهات في الدارِ
وآخر من رماه الشرق غرباً دون أمطارِ
رحلتُ مهجّراً من قبل جرح الأرض مهزوماً،
وواجهت الهوى الغندور إعصاراًُ بإعصارِ
فيا أواه يا وجعي،
ويا ضعفي ويا مخسوف أقماري..
تظلُّ مجامر الأشواق موقدةٌ،
وحقلي دون أزهار
أديم الأرض محرقتي
وبردي شمسُ آذارِ
تفيضُ ربوعنا بعطورِ "عشتارِ"
وحضنكِ معبدُ العشاق أجَّ حريقه الناري
فيا أنفاق أشعاري
تعالي نفتحُ ُ الما بين من نيران حمّاها
ونحصد بعض بلواها
مدينتنا،
تغضُّ الطرفَ ، أحياناً ،
عن الأعداءِ وهي تزفّ ُقتلاها..
مخضّبة بحنّاءِ العروسِ أصولُ شكواها
صفيرُ الريحِ ، شذّبها،
وظلمُ القومِ سوّاها..
فلا هدأتْ قبيل العصف ،
أو سلمتْ معالمها من التخريبِ،
أنصاباً أقمناها
مدينتنا التي شبعتْ من البارودِ والموتِ
ومن حمّى غزاة الأرض وهي تزيد حمّاها
مدينتا بنا قُلبَتْ،
فأعلاها إلى تحتِ
خبرناها،
كذلك دائما، كنّا خبرناها..
فلا هجعتْ ولا نامتْ على أنغام قيثار
تدورُ عيونها أبداً،
كما الأفلاك في معمورة الباري
وأنتِ هناك تبتكرين فخّارا لموتاها
عيونكِ ترشقُ الملكوت بالبرقِ
عيونكِ كومة الأحجار في الطرقاتِ تستلقي
رأيتُ وميضها لمحاً،
يجادلُ صبرنا وحثالة الحكّام في الشرقِ
فما فُتحتْ لها باباً،
ولا أُخذتْ بيمناها
عيونكِ، وحدها الطلقات ترعاها..
يمرُّ العام بعد العام،
والطرقات مسدودة
وقالوا أنّكِ الأحلى برغمِ الجوع والموتى،
وقال البعض محسودة
فهل أقوى على بعدي وترحالي،
وتلكَ يداك ممدودة؟
صحا عفريتُ نومي وانتهى عاري
سأقصفُ معقل الأعداء من منفاي للدارِ
ولو بالريحِ والكلماتِ،
أو أشواك صبّارِ



حكاية الطريق
ـــــــــــــــــــــــــــــــ


( للطرقِ أحيانا بعض الهفوات، وهذه إحداها)

1ـ الطريق إلى أربيل

خلفي بغداد وأحلامي
وأمامي جبلُ الأوهامِ
دنيا إن شاءت تمنحني
أو شاءت تنثرُ أكوامي
في الدربِ حكايات تمضي
تحّتكُ برأسي الهيّام
خلفي أتلفّتُ مرعوباً
لا شيء سوى ألمي الدامي
وطريقاً جئتُ لأسلكُها،
تسرقني من بين ركامي
يا ويلي ما أفلتْ روحي
لولا أن شلّتْ أقدامي
وتشرّدَ حلماً أحملهُ
ما بين جوانبِ هندامي
لمّا ساقوني منتشياً
في أحلى مقبلِ أعوامي
لمصيرٍ حتماً أجهلهُ
وكأنّي المندوبُ السامي
من دون ترانيمٍ أمضي،
بدروبٍ ترفض أَنْ تسمع
وجبالٍ أعلى من حلمي
وسهولٍ ليس لها مرتع
فلهذي الأرضُ تضاريسٌ
سبحانَ الخالق إذْ يصنع
أربيل وما حول القلعة
تحكمها أربابٌ تسعة
وأنا يحكمني منزلقي
ما بين الوقعةِ والوقعة
مبهورٌ لا أفقهُ نفسي
هلْ إنّي بومٌ أمْ بجعة
حامت بنهارٍ أو ليلٍ
روحي فتوسعتْ الرقعة
أربيل المارد ألمحه
وبكائي النائح أسمعهُ
ودروب الذكرى لا ترجع
الكل ترانيمٌ كسلى
عنوانٌ للموت الأسرع
وأنا منكفئٌ
كالموتى
ترقبني مصطبةُ المدفع

1976
أربيل


2.الطريق إلى البحر

خلفي بغدادَ وعنواني
ومسيري للطرفِ الثاني
مشحونٌ كمتاعٍ بالٍ
لا يملكُ إلاّ الإذعانِ
أتسابقُ والريح وصولاً
للبحرِ وآخرَ ( صفوانِ )
فإذا أصبحتُ إلى أمدي
ونديمي قلمي ولساني
باشرتُ الموتَ على مضضٍ
وعقرتُ سلاحي وحصاني
مهجورٌ في قبو همومي
وهمومي حطبُ البستانِ
الكلُّ تهاوى من حولي
وتجلّد دمعُ الأحزانِ
1991
البصرة


3. الطريق إلى بغداد

بغداد أراها كالمبضع
وبقايا ألمٍ مستقطع
من نزفي ودفين كياني
يتلوّى فوق المستنقع
وجيوشٌ ليسَ لها عدٌّتنزعني من جوف المخدع
لمّا سلبوني من حلمي
واغتالوا الوقتَ المستقطع
كنتُ بلا والٍ يحميني
أو جيشٍ يحتضنُ المربع
أتسلّى حيناً بقصيدي
وأتوقُ لأبياتٍ أبرع
تقذفني من بين حطامي
وكأني القنبلةُ الأسرع
نحو متاريسٍ مُحصَنةٍ
تتصدّى للجيشِ الأبشع
2003
بغداد

4. الطريق إلى المجهول

خلفي بغدادَ أودّعُها
وأمامي مدنٌ أذرَعُها
طولاً أو عرضاً أو قُطراً
وعساها تقبلُ أجمعُها
تطبيعي أو شطبَ مكاني
حاولتُ وحاولَ أقراني
تجميل الهمَّ وما معهُ
في بلدٍ يجهلُ أشجاني
في أرضٍ ترفضُ رفقتنا
وعرينٍ صار كميدانِ
نتقرّفصُ خلفَ متاريسٍ
من خجلٍ شرقيُ الشانِ
فلعلَّ المنفى يهضمنا
وعساهُ الوجعُ الألماني


ألمانيا
2007
ملاحظة: القصيدة كتبت على مدى اكثر من ثلاثة عقود



في الغابة السوداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الليلُ في المنفى ينادمني فيشربني الضباب
كالزمهريرِ تلفني أهدابها الأرض الغريبة
والريحُ أحصنةُ السباق تجرني جرّ السحاب
مَنْ دقّ باب الغرب
لا عودٌ لهُ شرقاً وليس لديه باب
في الغابة السوداء يزرعني الغياب
يوماً فيوماً يبتدي أجلي وقد ذهب الشباب
وهناك تنتظرين سربَ يمامي النائي يحطُّ على القباب
مأسورةً تتصيدينَ زوابعاً
وتسامرينَ رؤى البروق
عيناكِ في ليل الكرى تترقبان
نجماً يشعُّ مع الأذان
والبابُ خلّعهُ الجنود
جاءوا من المرّيخ تسحبهم طواغيت اليهود
وأنا كجذع السنديان
في الغابة السوداء يشرخني المكان
ما بين ماخورٍ ومنزولٍ وحان
أبني قصوري من سحابات الدخان
الغاب ينزع نابضي والريحُ صـرٌّ زمهرير
ها إنني في قلب إعصارٍ أدورُ وتستجير
رمضاؤنا بالقيظِ والجيش الكسير
ومدينتي غرقى يداهمها شخير
مَنْ ذا يسوس الخيل والمرعى بلا كلأٍ فقير؟
ها إنَّ دربي للعراق مقابرٌ
تزهو بشاخصها الكبير
فعلام يكرهني الضمير؟
وعلامَ عـيناكِ الجميلةُ تستجيرُ بمستجير؟
يا ويحها الأرضُ التي هبطت على وحيٍ حقير
مرَّ المساءُ وأنتِ في ثكناتهِ تتمرغيـن
ما نزَّ جرحكِ في سجون القهرِ
أو سلبوكِ دين
عُريٌ على عُريٍ فتزدهرُ الغصون
في الغابة السوداء يزرعني المساءُ ثقوب طين
اليومُ أشبه بالجحيمِ يمرُّ والمنفى حزين
وعيون آلاف القواقع في دمي تسري
فتنبثقُ العيون
حولي وجدوَلكِ الخريرُ أتتهُ باسقةُ النخيل
بالخيلِ توردها فتسمعكِ الصهيل
وجعي النبيل
لا زال ينضحُ بالدماءِ كما قتيل
تركوهُ في برِّ العراق مجندلاً
ويداهُ تحتضنُ الأصيل
أظننتِ أنّكِ بالغزاةِ ستسعدين؟
ويمرُّ يومكِ باتئادٍ لا تطاردهُ الشجون؟
وعسى أعودُ إليكِ أو تتلمسي وجهي بركبِ القادمين
يلقي عليكِ ظلالهُ بالياسمين
وتفيضُ دجلةَ بالغلالِ وبالطحين
بدل الجماجمِ والقبور
هاهم يعرّون العراقَ من النخيل
والقاصفاتُ تنادمت بدمِ العراةِ وبالزيوت
وسيشنقون قصائدي حتى القشور
في ساحة الشفقِ الظليل
وحدي يجندلني المساءُ على جذوع السنديان
في الغابةِ السوداءِ يشرخني الهوان
خيطاً من الدمِ والدخان
والليلُ في بغداد يقتطعُ النهود
أسوارها المتصدعاتِ
تلوح لي جثثاً كما خُسِفتْ ثمود
والنهرُ بالموتى وبالصرعى يجود
وعيونكِ البارودُ تحرقني وينثرني المكان
طللاً كطعم الزعفران
ما بين ماخورٍ ومنزولٍ وحان
عيناك في نجم الثريا ترقبان
نجماً يشعُّ مع الأذان

الغابة السوداء: أكبر غابات أوربا حيث أتشرد


ثلاث همسات
من حلم محمود أمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



1
سَل مَنْ أردتَ ومن تشاء،
لا الوشمُ يعطيك الدلالةَ
أو تهادنك المدائن بالزهور
وبكـل ما أوتيتَ من وجعٍ،
سترشق آخر الثغرات
من درب الهجيرة بالرجاء
بادر بتعرية الوجوه
ورصفها بالزمهرير
الحلمُ سافر خلف ناصية المساء
وما تبقّى خافقٌ قدْ راودتهُ الريح،
عن نبذ الدماء
2
ستظل وحدك تستجير بحارقِ الحسرات
من برد النوى
والصب تلفظه دروب الوصلِ،
ليس له أنيسٌ،
أينما التقت المواجع راودتهُ،
الصرخة الأولى وفتّتهُ الأنين
واصل إذن عجن العرائسِ،
في عيون الراحلين
3
رجع الهوى الموجوع
غازل ومضة الحسرات
في مرمى سنابلهم،
إذا ما ارتـدَّ همس النبضةِ الأولى،
فعانقها الفؤاد
نوعٌ من الملكوت،
وافاني بحلم الأقحوان،
عسى تسمّرني الأغاني،
في مرايا الماءِ،
والأشياءِ،
في عين الحبيبِ
وغائر الثكنات في شجر الحنين

التحدي
ــــــــــــــــــــــ


إنّي موجودٌ في كلّ مكان
في قاع البحر وفي حافظة الأذهان
وعلى أهدابكِ كحلاً شبحيّ الألوان
أتنفسُ من عينيكِ،
ولا أتذوق طعمكِ،
إلاّ من حبّات الرمّان
إنّي موجودٌ في رئتيكِ عبيرا
وعلى نهديكِ ترعرعت صغيرا
من قبل نفاد سنين اللقيا
كنتُ حسبتُ فؤادكِ في الفردوس،
سريرا
وتقمصّتُ خيال الشيطان قديماً
لمّا وسوسَ في حواء،
فخالتْ بالتفّاح عصيرا
ولسوف أجولُ بأفلاككِ حتّى،
تجدين الجنّة من دوني،
جمّرا وسعيرا
إنّي موجودٌ في خضر الوديان
ربيعاً أزهو في كلّ مكان
وأنا موجودٌ فيكِ ولا تدرين
خمراً معجوناً في عينيكِ
يهزُّ سرادق عشّاقكِ دون استئذان
وأنا مطرقة السندان ستهوي
قبل خروجك من دائرة السندان
فإذا أنتِ تجاهلتِ وجودي،
لن تحضر دنياكِ سوى سود الأحزان
حذّرتكِ قبل الآن
وأنا ما زلتُ أوجّه هذا التحذير
فإذا شئتِ تلافي وجهي
فانزلقي من بين الكلماتِ وحبر التعبير
لكنّي أبقى وهجاً لا يخبو
حتّى لو لمْ تبزغ شمسٌ في هذا العالم
وأنا كلّ قوارير الحبّ،
اندلقتْ في نهر الوجدان
وأنا بحرٌ لا يعرفهُ الموج،
ويجهلهُ الربّان
ناءٍ كالغيبِ عن الدنيا
لكنّي أقربُ من حبل الشريان
فإذا كثرَ عليك الشوق
وباغتكِ الطوفان
لن تجديني إلاّ مجتازاً في صدركِ،
ما بين الوديان
يا أجملُ امرأةٍ تحضرني،
من مدن النسيان

السليمانية 12/7/1984


أيتها البجعات .. لا تنتفضي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"عالم البجع هو عالمك، وأنت تدرين كيف يعذبني رحيله الموسمي"

الرحلةُ القصيرةُ الأولى إلى جفنيكِ ،
مَدُّ البحرِ ،
والسحابُ يحتسي السواحلَ الكسولة.
يشربني العبّابُ ،
كنتُ مثلما الفراشةُ التي تصلّي عندما باغتها النعاسُ ،
في أحضانِ زهرةٍِ خجولة.
يغارُ منّي خجلي الحقودُ ،
تلكَ الرحلةُ،
الإناء مثلي يحتسي الليمونَ في الممشى إلى عينيكِ ،
حتّى منهل الطفولة.
أبحرتُ ،
و السفينةُ الحبلى بشوقي ،
زهرةُ الخلجانِ تستقلني إليكِ،
أنتِ الوطنُ المحتومُ للعشقِ السماوي،
أ لا تدرينَ أنّي أعبرُ المابينَ حتّى موطن الأشياءِ،
أشرعتي ضبابٌ تمتطي فرساً أصيلة.
مزّقني اللهاثُ لو تدرين،
أثناء التأمل بالأصيلِ الحرّ ،
أجفانٌ مقوّسةٌ ونخلاتٍ على شطّ الفرات.
أيتها البجعات لا تنتفضي ،
النهارُ ما زال كطفلٍ لا يجيد الحبو.
يؤنسني التوغل عبر غابات الغيوم ،
الشاطئ الرملي،
والنغمُ الخفيف تسلّلا بيني،
ورقرقةُ المياه بشعرها المبلول .
لم تبقَ القطيفةُ في محلِّ إقامتها،
يباغتني القميصُ المطرب الشفاف،
كتفٌ عاكسٌ للضوءِ،
شدّتني نقاوة ناعم الأشياءِ في القيعانِ،
نافذةٌ تطلُّ طيورها البيضاء أشهاداً على خجلي،
ويصعقني الذهول.
كالمغزل الدوّار تلتفُّ الخيوط الثلج في بدني،
ولا يكفي المكوث بأروقة النعاسِ بدون منعطفٍ إلى،
تلٍّ قريبٍ،
تنتشي تحتي سلال البرتقالِ،
العاشقُ المحمومُ يكسرهُ عبير العطرِ ،
مرآةٌ نَزعتَ زجاجها،
الشجرُ الذي عرّاهُ عصفُ الريح.
أوائلُ الحسراتِ ،
تطلقني طيوراً من حدائقها،
هي الوجعُ اللذيذ ورحلتي الأولى إلى ميناءِ قرص الشمسِ،
مائدةُ البنفسج،
حائط الأوركيد ،
والرؤيا الفسيلة .

ألمانيا



على مرمى اضطرابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1
إنّكِ الآن على مرمى اضطرابي،
وعلى جرف انتظاري وهجُ برقٍ ومطر
تستحمّين على باب جنوني
وتدارين اكتئابي بالنظر
شَعرُكِ الهائجُ بحرٌ أزليٌ،
ومماشي الرمش غابٌ وشجر
من تُرى ينقذُ غرقاناً بيمٍ فلكيٍ،
ويُعيد الروح من أيدي القدر؟

2
أيها الحبّ المرصّع بالبنفسجِ فليغلفني شذاك
إنني مثل فراشات الأقاحي،
أعشقُ العطرَ ولو بين الشباك
أتخفّى في أتون الشوقِ ملتاعاً،
إلى أن يرتوي منّي هواك
هذه بعض مواويل اشتياقي،
فتعالي نحصد الأشواق لحناً عربياً
من هنا تأتي مزامير الأغاني أو هناك

3
حاربتني ملكاتُ العشقِ من بعد الوحوش
وأنا كنتُ فقير الحال،
لا أهوى العروش
وطني حرفي،
وأحلامي إذا جادت : رتوش
فتعالي ننّحتُ الحبَّ كوشمٍ ونقوش
طالما جدنا بودٍ ،
لا تدانيهِ الأماني و(القروش)

4
مرّةً كنتُ أغنّي وعلى نفس اضطرابي
فإذا بالليلكِ الليليِ ما بين ثيابي
يستشفُّ العشقَ حتّى خلتهُ العشقَ السرابي
فلماذا لم أغنِّ الوصلَ،
وهي الوصلُ إذْ تجتّثُ ما بي

5
مرّةً أخرى،
وكنّا دونَ سورٍ أو رقيب
ننثرُ الأشواقَ برّداً،
يتحاشاه ُ اللهيب
ننسجُ النجوى على نول خطايانا،
أغانٍ وخطوب
أ فتدري أنّني اليومُ بلا بردٍ أناجيها،
وبي حرٌ كثيب؟

6
هكذا نحنُ وما دمنا كذلك
سوف نبقى بينَ شوقٍ وتهالك
فإذا رمتِ لعودٍ فيهِ شيءٌ من خصالك
فتعالي لتزيدين اضطرابي،
لستُ إلاّ بعضُ ما رَسمَتْ خلالك

ألمانيا 28/9/2010


رمال الحب أوراقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


رمال الحب أوراقي
ومدخل رحلتي للشرقِ،
بوابات عشّاقي
أنا يا مهجةَ الأوطان،
معجونٌ بماءِ فراتنا الرقراق ،
من أعماق اعماقي
وزورقُ دجلتي والشطُّ،
مختاران أشواقي
أعودُ اليوم يحملني ،
حنيني المرهفُ الحساسُ،
مجبولاً بترياقي
أتيتُ وخافقي يهفو،
إليها والهوى الراقي
وبعض مسالكي أملٌ،
وجذع مراكبي ساقي
فليت العشق يصهرني بمعدنها
وليت تكون حافظتي وأنفاقي
بعيداً كنتُ أذكرها،
وأذكرُ حسنها الواقي
من الغاراتِ في بلدٍ
تكسَّرَ ضلعه المصنوع في أفران إرهاقي
ولمّا جئتُ ملتهباً لمربضها،
حرقتُ بنودَ ميثاقي
وأنفقتُ الهوى المخزون من زمنٍ،
على الحاناتِ والساقي
رمالٌ كلّ أوراقي
فما للحب أن يبقى،
وقدْ بدّدتُ في حمّاهُ ما جمّعتُ من نجوى،
وما أبقيتُ من باقي


هزج
ــــــــــــــــــــ

كأني لستُ أهواها
أحمد حسين أحمد
كأني لستُ أهواها
ولا أحتاجُ لقياها
سأفتحُ من غدي فاها
على أبواب ِذكراها
فربَّ أتوبُ من يأسي
وتظهرُ في مدى كأسي
فقاعاتٍ لممشاها
كأنّي لستُ أعرفها
وبعضي صار يألفها
دماءُ القلبِ تجرفها
كموجِ البحرِ ترصفها
على قطّارةِ النفسِ
فأحسبُ أنها رأسي
فأصرخُ : آه .. أوّاها
أيا وجعي وتأويلي
أليس الشعرُ قنديلي؟
ومذبحتي وتقتيلي
مريضٌ في تفاصيلي
فكيفَ تخافُ من بأسي
كأنّي من بني عبسِ
أغيرُ على محيّاها؟
عرفتُ النفي والغربة
وأيام الهوى الصعبة
نسيتُ الدارَ والتربة
وكلٌّ يعتلي كَربه
فجاءت في الدجى المنسي
تخيطُ الآه باليأسِ
وجوف الليلِ، عيناها
كأنّي كنتُ ألمسُها
وأخشى منْ تحسّسُها
هي النغماتُ أدرُسها
تعلّمني ملامسها
فإن أغدقتُ باللّمسِ
وطاردَ أذنها همسي
سكرتُ وكدتُ أنساها

ألمانيا 16/9/2012



في أرجاء عزلتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــ


وترصُ بي عشقاً تغلغل في الخلايا
بين حافظة النعاسِ
وناصعة الجبين
أو ليس سحركَ ذاك شذّبني
وأسّسَ بيتهُ بين الحشايا والفؤاد؟
فوهبت شِعرك للرحيلِ
وهل يؤسّسُ للبناءِ مؤممٌ للعيسِ
يطردهُ العراءُ
فيستجيرُ برمضةٍ سمراء عاكسها الهبوب؟
هذا إذن درب الأناس المتعبين
تقهقروا عند المدائن والقرى زمن الغروب
البعضُ فرَّ إلى الكؤوس العامرة
وبقيتَ يصلبكَ الأسى في بئر قريتنا القديم
لا لن تغازلكَ العيون الغارفات
الماءُ بكرٌ لم يلامسهُ الهواءُ
ولم يسامرهُ النديم
فعلام تسّـتلُ السيوف الباترات؟
وعلام تسترخي وأنت ترومها؟
قاتل على كلّ الجهات
البعضُ فرّ وأنت باقٍ في الصميم
كالحبِّ كـالإعياءِ كالخللِ الذي فينا
كباعثةِ النسيم
قاتـل أو ارحل كالـسحابِ إلى الجبال العاليات
يستنفرُ المطرُ الغزيرُ ضياءَ سرب البارقات
وهناك تصطبحُ الفراتَ
ترى عيون النابعات
هذا زمان الغزو
لا إحدى حرائرنا اصطفتكَ
ولا اعتلى ظهر الكحيلة فارسٌ
شهرَ الحسام
هذا إذن زمن الخطيئة والجذام
وستضل تسمع رنّة الأحزان في أرجاء عزلتها
تدندنُ للظلام
مأسورةً بالوجدِ
ضاق على دوائرها الحزام
زمنٌ يمرُّ وعامها الدامي يمرُّ أسىً
فترتعشُ الجميلةُ ما لها مأوى
وبردُ الليل ملتهبٌ صفيق
بردٌ ولكنَّ الجوانح تستضيفُ جوى الحريق
وهناك نافذةٌ تضئ شموخها
ما هابت الحشد المدجّج بالسلاحِ
يلـمّها جمعُ الرجال الصابرون
قطعوا رؤوس المجرمين كما
قَطعتْ مسالكها الطريق
وتضلُّ أمتنا تفزُّ من المنام إلى المنامِ
بجرفِ منحدرٍ سحيق

ألمانيا 12/4/2004


العرّافة
ـــــــــــــــــــــ


قالت لي العرّافة ُالعجوز:
ستبتدئ مشواركَ الطويل باحثاً
عن عطرِ (عشتروت)
تلكَ التي أحبها ( تموز) قبل أنْ يغادر المكان،
أو يموت
وقبلَ أن يدثّرَ المتاعَ في رحلتهِ تابوت
ستعبرَ المحيطَ راكباً سفينةَ الشمسِ،
التي ودّعها الغروب
سَقْطاً إلى منبعها الجديد،
حيثُ سرّجَ النهارُ في مخدعها،
ناصيةَ القلوب
هناك تستريح برهةً،
وفي جليدِ نارها تذوب
ربَّ ستنسى لاحقاً،
مدينةَ الفجرِ التي يعبدها العُشاق
تلك التي تُباعُ يومياً على قارعةِ الأسواق
وربَّ تمْتدُّ يديكَ تحتَ طينها القديم
تخرجهُ من قاعها،
أو باطن الجحيم
تبني بهِ مسلّةً أخرى لقرصِ الشمس
وتستجير بالردى من حدِّ أيِّ بلطةٍ تمسّهُا،
أو فأس ..
منتظراً ولادةَ النجوم
تلكَ التي لامَسها الضبابُ أو جاورها السديم
من ألفِ قرنٍ مظلمٍ،
تأتي لها بسنّبلٍ ٍ وغرس
قالت ليّ العرافةُ العجوز:
يا فتى،
ستعبر البحور
وترتقي ركبانها،
رجعاً إلى مدائنٍ تُغتالُ في (آشور)
وتحمل (الفراتَ) في يديكَ،
نبتةً يابسةً تُذَرُّ كالنشور
ينفخُها القُضاةُ في مجالسِ الخليفة
لعلّها ترّتدُ كالقذيفة
فتصعقُ الواقفَ فوق الأرضِ،
والمقبور
والملكُ المسحور،
بالعرشِ والحاشيةِ الأجلافِ والقشور
من حولها،
كالثورِ في ساقيةٍ يدور
قالت لي العجوز:
يجوزُ لي وربَّ لا يجوز
أن أركبَ الحيتانَ والطوفان،
والنسور
ظفراً بأرض النور
في هذه الليلة أو بعدَ ليالٍ عشر
وربما عند اكتمال البدر
قالت، وثم أمسكتْ هنيهةٍ عن الكلام
كأنّما في لحظها يمرُّ ألفَ عام
تملّملتْ،
تنحنحتْ،
وعجَّ من دخانها ظلام
قالت، ولمْ يأخذ مني هاجسٌ،
ولمْ أزل بقربها مستيقظاً أنام:
تفترشَ العيونَ والجفونَ يا فتى،
وترتقي الأحداق
حيناً إذا حملتَ في جعبتكَ الأشواق
وبعضَ ما أنفقهُ من ألمٍ،
أكابرُ العراق
ووردةً يغارُ من عبيرها مَعاشرُ العُشّاق
تنثرُ ما بدا لها من نافذِ العطور
كأنّها راقصةٌ بعطرها تدور
ففاحَ في المكان،
جميعَ ما ادخرّتهُ في أصصِ ( التوليب) والنرجسِ،
أو شقائق النعمان
قالت لي العجوزُ،
دونَ أن توضّح الكلام،
أو تفسّرَ الرموز:
ستحمل النهرين والروافد المغلقة الحزينة
جرّاً إلى المصّبِ والمنافذ الأمينة
لأنّكَ الأخير من سلالةِ السلطان،
والضليع َ بالأحزان
بلْ آخر الباقين دونَ ملجأٍ،
ودونما مدينة



ألمانيا
18/11/11



بقايا سرابية
ــــــــــــــــــــــــــــ


عشقتُ السنينَ الخوالي ،
الحنينُ الذي تندّى على الوجنتين
سكبـتُ الحلاواتِ حلماً خفيّاً على المقلتين
تلاقـيتُ يوماً مع الوهمِ ساعة
إذا جئـتِ هلْ تسكبينَ عليَّ الأسى؟
كما كنتِ حيناً ،
تخـالـينَ السرابَ حكاياتُ حبٍّ صغيرة !
د روبٌ هـي السائراتُ بدون توقّف
أجئُ بدون امتطاء الخيولِ إليكِ ،
فـهلْ ترضخين؟
دروبٌ هي السائراتُ ،
ولكـن إلامَ المسيرُ يؤدّي إلى الهاوية؟
من الأفقِ دانتْ سهوب الرجاء
أنا كنتُ وحدي على قارعاتِ الطريقِ ،
يدور التلكؤ في خافقي
خيالاتُ يومٍ مريض المسيرِ،
إذا قاربَ الإنتهاء
على همـسةٍ في الأذن يغفو القمر
سنـينٌ خوالي ،
ولكــنّها رسومُ الـصغارِ على واجهات الدفاتر
كما إنّها وميضُ لبرقٍ يشدُّ البصر ..
أنا العاشقُ الدائميُ إليها ،
ولكنّـني سئمتُ التراجع
فلا غـير نفسي تطيقُ الضجر ..
على صفـحةِ الــماءِ راقتْ خيوطُ الضياءِ
أذوبُ إذا ما لمسـتُ شذا عطرها المرتقب
يـدورُ الـضياءُ عـلى صفحةِ الماءِ حتّى المساء
أحوّلُ نحـوكِ كلَّ ارتباكات يوم الصبا ..
تخالينَ إنّي كذوبُ المعاني ،
ولكنْ بدونكِ لن تستطيب
الجراح فكـالصقرِ ينوي انقضاضاً أصيرُ ،
فهـلْ ترضخين؟
بـدوني تكونينَ ظلاًّ كئيباً
بدوني ستبكينَ حتّى النواح
بدوني أنا لا من حبيب
بدوني تــــظلّينَ خلفَ الستار
جداراً تصيرينَ خلفَ الجِدار
تكـوّنتِ عندي وعندَ الذهاب ،
بقايا سـرابيةٌ تصبحين
أحـبّكِ دوماً ـ أنا من يشاءُ ، وهل ترفـضين !!؟؟


أربيل 1/6/1977


الرحلة الأولى نحو الجنوح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


اليوم ‬تنفخُ ‬ريحها ‬الشمطاء،
في ‬وجهي،
مسالكَ ‬غربتي ‬الرعناء..‬
كانتْ ‬في ‬مدى ‬بصري،
حدائق ‬زمهرير ‬الغرب،
أرقبها ‬فتعصرني،
علي ‬جرفِ ‬الهواء ‬الرطب،
‬والأنواء..‬
هو ‬الإحباطُ ‬حطَّ كطائرِ ‬العنقاء،
يحملني،
على ‬جنحِ ‬الضباب،
ممزقاً ‬أطفو ‬على ‬قففِ ‬المنايا،
لاجئاً ‬مع ‬سحنتي ‬السمراء..‬
تأتي ‬الشاحناتُ ‬ببعضِ ‬من ‬دفع ‬النقودَ،
لتلتقي ‬بالزمهرير،
البحرُ ‬زمّجرَ ‬بعدَ ‬أن ‬ركبَ ‬الجميع،
وأطلقتْ ‬أبواقها ‬سحب ‬السماء..‬
عددٌ ‬من ‬الأحياء،
لا زالت ‬تحاصرهم ‬كلابُ ‬القرشِ،
كان ‬البحر ‬يضحك،
والنساء ‬شربنَ ‬من ‬ظمأٍ،
بقايا ملح ..‬
ثمَّ ‬أشرعةٍ ‬تلوحُ،
وتختفي ‬من ‬بعدها ‬الأشياء..‬
أغمضتُ ‬عيني ‬بينَ ‬زنديها،
ومدَّ ‬السعفُ ‬أشرطةَ ‬الظلالِ،
الجرف ‬كوّمني ‬على ‬تلكَ ‬الأريكةِ،
كنتُ ‬منهمكاً ‬بلملمةَ ‬السعال..‬
لا ‬دفءَ ‬في ‬بدني،
سوى ‬شمسٌ ‬يضاجعها ‬البكاء،
ولهفةً ‬ترتاح ‬في ‬برِّ ‬الموانئ،
أطلقتْ ‬خيطاً ‬بدائيُ ‬الخيال..‬
جاء ‬ينسخني ‬شراراً،
من ‬جنون ‬الصيف..‬
لا ‬مدُّ ‬يلاطمني،
سوى ‬المدّ ‬الذي ‬في ‬بحرِ عينيها،
يحاصرني ‬الضبابُ،
ويحتويني ‬الخوف..‬
أغمضتُ ‬عيني،
ومدَّ ‬السعفُ ‬أشرطةَ ‬الظلالِ،
إذنْ ‬سأمضي ‬وليبادلني ‬النخيلُ،
الضفّةَ الأخرى ‬وأروقة ‬الحدائقِ..‬
سوف ‬ألقي ‬نظرةً ‬عجلى،
على ‬بعضِ ‬الحقائبِ،
وهي ‬يلفضها ‬الرصيف..‬
استقبلَ ‬الضوء ‬الأخير ‬عبيرها،
كانتْ ‬تحاكي ‬البحر،
شمسٌ ‬لا ‬تغيب،
تدافعتْ ‬بالصدر..
الريحُ ‬تجري،
غيم صورتها ‬الجميلةُ،
يرتدي ‬بدني،
إذا ‬ما ‬زارني ‬الإخفاق،
أو ‬حضر ‬النزيف..‬
الموجةُ ‬الكبرى ‬تلاطمني،
أمدُّ ‬لها ‬يداً ‬أعلى ‬من ‬العبّابِ،
هلْ ‬غادرتُ ‬أرضَ ‬الطيب؟
هلْ ‬بقيت ‬هناكَ ‬دفاتري،
وموائد الأحباب؟
لازمني ‬ذهولٌ ‬عندما ‬صرختْ،
إلى ‬أين ‬المسير،
تعالَ ‬تنهشني ‬بعيدكَ،
كاسرات ‬الغاب..‬
لكنّي ‬رحلتُ ولفّني ‬العبّاب..‬
أغمضتُ ‬عيني،
عندما ‬اصطفقتْ ‬بماء ‬البحر،
صورتها،
نثرتُ ‬الملحَ ‬من ‬شفتي،
وقبلّتُ ‬الهواء ‬الرطب..‬
لمْ ‬تزل ‬الظلال ‬هناك ‬دافئةً،
وما ‬زالتْ ‬سرايا ‬النخل ‬تحضنها،
شجيرات ‬الربيعِ،
تغازل ‬القدّاح..‬
تغازل ‬القدّاح..‬
إلاّ ‬من‬ طوتهُ ‬الريح،
واستلقى ‬على ‬الألواح..‬
مثلي ‬وإنْ ‬حطَّ ‬السفينُ،
وعاند الملاح
ونعود حتما


أنامل
ـــــــــــــــــــ


هدية إلى همس الأنامل

١
أناملٌ هذي أمْ احتراقُ
أطلقتِها من مسقطٍ فاشتعلَ العراقُ
آهٍ، إذا وسّدتُها الوجيعَ يا سيدتي
لو تعلمي سيورقُ العناقُ
سينجلي الإحباطُ في مسيرتي
ويعذبُ الـمَذاقُ
أنا الخريفُ ألتقي الربيعَ يا سيدتي
هلْ تدركين إنَّ محنتي معَ الخريفُ
في مدينتي الخضراء لا يُطاقُ ..؟
أشتاقُ للصحراءِ والرملَ الذي يُدمي العيونَ
هلْ لمثلِ هبّةِ الرمالِ مهـجةً في داخلي تُساقُ..؟
أنا العراقُ والندى الذي شمَّ عبيرَ الأرضِ
عندما كانَ هو العراقُ

٢
لا تحسبي هذري كلاماً ساقهُ النفاقُ
لستُ هنا منتدباً عن ملّــتي
لكـنّنـي الحرُّ الأبـيُّ الـشاعرُ الذوّاقُ
وأنتِ يا سيدتي أقحمتني في مدخلٍ
لو فُتّحتْ أبوابهُ
فهو جحيمٌ لاهبٌ حرّاقُ
لا تلجي سيدتي بوابتي فالحرُّ لا يُطاقُ

٣
أتعبتِني سيدتي
لا تركبي مذلّتي سيهبطُ البراقُ فوق َكعبتي مسترخيا يُساقُ
كنعجةٍ يجرّها الأعرابُ للسلخِ
فهل يؤلمها البصاقُ
إنْ تدخلي غائرتي يا أمتي سيولدُ الفراقُ
كنتِ وعاءً للغريبِ داعياً زُرنـــي ،
تعال وانتشي وكُلّ ما تريدهُ شهدٌ لهُ مذاقُ
أصبحتِ أمّتي غريبة عنّي
وعن ضيوفكِ الكرامُ والإحقاقُ
تستسمحينَ الغير والأغراب
والذلَ إذا ما تشتهي النفاقُ

٤
ما بالنا نهذي ونـسلو بالكلاِمِ ،
إننا طرشٌ وعميٌ هدّنا الزعاقُ
نأتي نلاقي بعضنا بالشتمِ
مزهوين حمقى نابنا إملاقُ
في معظم الأحيان يطعنُ بعضنا بعضاً
دمانا جدولٌ مهراقُ
ما بين سكرانٍ بريح الغربِ مزهوٍ
ومحشورٍ بقبوٍ لا يرى الإشراقُ

٥
يا همسُ إني قد تعبتُ
وهدّني شرخٌ وأرهقني الفراقُ
لا تـعتبي إن جئتُ أطلبُ قريتي زحفاً
يحاصرني الرواقُ
فتلكَ محبتي حبلت ومزّقها الوحامُ
وإنْ وضعت سيحضنها نزيفي والعراقُ

ألمانيا ٨/١٠/٢٠٠٣


سائد ريان





آخر ما نزفه الفقيد وهو على فراش المرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


النهر وزمجرة الريح

قال البياتي: يموت الشاعر منفياً أو منتحراً أو مجنوناً أو عبداً أو خدّاماً في هذه البقع السوداء وفي تلك الأقفاص الذهبية

ينتظرُ الشاعرُ كسرَ الخوف
منذُ ثلاثٍ لمْ يرَ النورَ،
ولا أخرج َما في الجوف
كيف لهُ أن يحتوي المضمون
ويحملُ الخضرةَ للساقِ من الغصون
ينامُ صاحياً كأنّهُ الريحُ على هودجِ بحرِ الغيم
يتبعهُ الموتى وصائدو الجراد
مستنفراً جوادهُ سعياً إلى بغداد
هناكَ،
حيث غطَّ عارياً بنهرها وعاد
لكنهُ لم يلحق الحصاد
وعاد من رحلتهِ محزون
مبلّلاً ما زال
بطينها المُحال
وغرين النهرِ الذي جفَّ على الوهاد
للغابة السوداء باعتلال
مخلفاً أشعارهُ تخوضُ في الرمال
تهبُّ كلّما زمجرتْ الريحُ على البلاد
وكلما تنهدت بغداد
وجاعت البطون
الشاعرُ المفعم بالحبِّ وبالشجون
يجرُّ مقلتيهِ للغياب
يستخرجُ الصحوَ من الضباب
في دارِ ( أورتناو)
ينظرُ من علوٍ إلى باحتها ومحتواها خاو
كأنها أسوارُ ( أورٍ) تحتفي من سالف القرون،
بحصنها الرابضِ كالصقرِ على المتون
وبعد خطوتين سوف يشرق الضياء في الهضاب
وتحتويه شمس آب
بعد خطوتين تبرق النجوم
وترتمي أنوارها على التخوم
تسفُّ من شهابها مصائب البشر
تنزلُ من عروشها وتدخل البيوت
ويختفي القمر
في مدنِ العراةِ والصقيع والمهاجرين والغجر
والشاعرُ المحروم
يقفزُ من جلبابهِ فترتمي في حضنهِ الغيوم
تسحُّ ما تسحُّ من مطر
فيضحكُ العراق والنخيل والشجر
وترجع الصور

مستشفى أورتناو / لار ألمانيا
21/9/2012



في موكب روح الفقيد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وَقْـفَـةٌ عـاجِـلَـةٌ علـى قَـبْـرِهِ !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد المجيد الفيفي / السعودية

شيءٌ ما يعتلجُ صدري
اعتبروها دَمْعَةً / رِعْدَةً لا أكثر , ولا تُشْكَر
غفر الله له وألحقه بالصالحين


أيُّـهــا الــقَــوْمُ مــــا الـخَـبَــرْ!
مــا تفـشَّـى , هــلْ اسْتَـقَـرْ؟
كــــــلُّ رُكْــــــنٍ بـــــــهِ أسًـــــــى
كــاســفَ الــطَّـــرْفِ بـالـعِـبَــرْ
أُكْــــذِبُ الــنــاسَ ! , ربَّــمـــا
لــحــظـــةً بـيــنــنــا حَــــضَــــرْ
لــــكــــنْ الــلَّـــيْـــلُ يَــنْـــطَـــوي
دُوْنَ حِــــــــسٍّ ولا خَــــبَـــــرْ!
شــــكَّ قـلــبــي , وهـــــا أنـــــا
فـــــي فَـــــوَاقٍ وفـــــي خَـــــدَرْ
سـامـعُ الـنَّـدْبِ , مِـثْـلَ مَــنْ
قـــــــــادَهُ كـــــــــفُّ مُـــنْـــحَـــدَرْ
إنَّــــــهُ الـــمـــوتُ قَــــــدْ رَنــــــا
واصْـطـفــاهُ عــلـــى الـبَــشَــرْ
صـاحِـبًــا كـــــان هـــــا هــنـــا
دَهْــشَــةَ الــضَّـــوءِ والـمَــطَــرْ
قــــــــــد تــلـــمَّـــسْـــتُ بِـــــــــــرَّهُ
يــــــــومَ أنْ غــــيــــرُهُ فَــــجَــــرْ
أخْـــضَـــرَ الــشِّــعْــرِ غُـــنْــــوةً
مــالِـــئَ الـسَّــمْــعِ والــبَــصَــرْ
طــيــبًــا راحَ , لـــــــمْ يَـــــــزَلْ
ذِكْــــــــرُهُ فــــــــاحَ واشْــتَـــهَـــرْ
كــلَّــمـــا قُـــلْــــتُ : أحْــــمَــــدًا
هـــامَ صَـوْتِــي مــــع الــقَــدَرْ
أيُّ مـــعــــنًــــى / مـــهــــابــــةٍ
أيُّ حــــــرْفٍ هـــنــــا وَقَـــــــرْ!
كـــــــلُّ شـــــــيء يُـــــــرى إذنْ
صـامــتًــا يُــشْــبِــهُ الــحَــجَــرْ
جَــــــــبَــــــــرَ اللهُ أهَــــــــلَـــــــــهُ
وبِــنـــا مــــــا قَــــــد انْــكَــسَــرْ
حَــسْــبُـــنـــا أنَّــــــــــهُ إلــــــــــى
راحِـــــمِ الـخَــلْــقِ قـــــد نَــفَـــرْ
أيُّـهــا الـنَّــاسُ بِــئْــسَ مَــــنْ
عاشَ - دَهْرًا - وما ادَّكَرْ!

حوارية بعنوان :
اللحظة كتبها الفقيد أحمد حسين أحمد
للصديق محمود أمين بلاشتراك مع فاتن دراوشة وهاني درويش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


هي اللحظة..!!
إلى محمود أمين الذي فقد لحظته كما يبدو[

قال أحمد

اللحظةُ سقفُ المّارينَ على دربِ النفي،
يؤدون صلاة الغائب للوطنِ المقبور
وهي الشجنُ اللاهث في عين الصبِّ،
إذا أرّقهُ ليلٌ منثور
باغتني الشوقُ إلى عينيكِ النجلاوين،
على مرمى الشفق الورديِّ،
كوهجٍ مسحور
أوَ ترتقبينَ اللحظةَ مثلي،
كي يتسربُ من بين الجنباتِ عبيرُ عطور؟
أم تستلقين لماماً ما بين الحدقاتِ،
مضرّجةً بالبعدِ كنجمٍ مشطور؟
ها أنّي أقتحمُ اللحظةَ يومَ تفتّتَ حسي،
عند مسارِ خطوطِ النظراتِ الأولى أرتكبُ المحظور
من وطني الأقصى،
حتّى آخرَ جوفٍ سرّيٍ في ذهنكِ،
يحفظ عشقي الأزلي المبتور
وإذا ما التهبتْ عندكِ أشواقي،
لا تهني وانتظري فجر بزوغ اللحظات الأخرى،
والوقتُ مباحٌ كي ترتكبي في صهري النور
هي اللحظةُ، كيفَ أُفَسِّرُها،
تمرقُ من بين أيادي زمني الهمجيُ،
كعطرِ بخور
تمتدُّ لما بعد العبق الشرقيِّ،
فتستعصي كل الكلمات المحشورةِ بين جوانب إخفاقي،
ومدائنكِ الفلكية،
يا عسلاً يمنياً مكرور
هيَ اللحظةُ،
هلّا انبثقتْ منها أو فيها رجعُ تقاسيمي،
أو عبرتْ رأس السور؟
كي أصغي من بعد تفتّق أجزاء الأعشار،
من الحسراتِ لصوت النور
أو ربَّ تخلّفتِ الساعةُ أحياناً،
حين طرقتِ اللحظَ على وتري المستور
اليوم أرى كلّ اللحظاتِ قعوداً،
إلّا لغةَ التوقيتِ الشفهيِ بمبسمكِ العذبِ البلّور
فعلام اللحظةُ تستبقيني منتظراً ..؟

قالت فاتن

هيَ لحظةُ العمرِ الجميلَةْ
حيثُ يستَعِرُ الحنينْ
لِظلالِ طَيْفٍ زارَنا
لمْ تمّحي
خُطُواتُ صَمْتِهِ
عنْ دُروبِ قُلوبِنا
هيَ لحظة ينمو بها
غدُنا البهيّ كَزَفرَةٍ
حَرّي
تداعِبُها النّفوسْ
هي لحظة يشدو بِها
سربُ البلابل غنوةً
تًندي المَدى
بربيعِ زهرٍ من حروفْ
هي لحظة أجثو بها
فوق التّراب سعيدة
أدعو لربّي أن يديمَ وصالنا
ويزيل من درب الصّداقة
حشرجات البغض
تطلقها الصّدورْ

قال هاني

اللَّحظةُ
مازالتْ تنتظرُ الأحبابَ
لِذاتِ لِقاءْ
ها أنتَ وصلتَ
وها انَّا والصَّبرُ رجاءٌ
جئنا للرُّحبى والحمد لمن شاء
في العينِ تلاوينُ الشَّوقِ ترأريءُ أفراحاً
فتَعَطَّرُ أجواءْ
يا حاملَ عبءَ الأوطانِ على نبضاتِ القلبِ عناء
لا تُبدِ الأشواقَ
فإنا نعرفها منكَ سجايا
والنَّفسُ صفاء
يا أحمَدُ
ما محمودٌ إلا من تعرفُهُ الأحناءُ ضياء
تقتحِمُ اللَّحظةَ؟
واسعدَ اللَّحظاتِ وقد جئتَ بمن جاء
ترتكِبُ المحظرورَ؟
الشَّوقَ؟
الحبَّ؟
الإبداعَ؟
فلا بأسَ عليكَ اذا ما الكونُ عداء
ستظلُّ مرافؤنا مشرعةً للعشقِ الأزليِّ
المنذور لكلِّ نقاءٍ ووفاء

قالت فاتن

يا هانيء قدْ صغتَ اللّحظاتِ
بعذبِ كلامٍ يُرجِعُ للنّفسِ البهجاتْ
قد كانَ الودُّ يُجمّعُنا
وأعَدناها تلكَ اللّحظاتْ
بجميلِ حُروفٍ تزرعنا
كالزنبقِ يُزهِرُ في الرّوْضاتْ
قدْ يصدِفُ أن تلهيَنا دُنيانا
أيّامًا أو حَتّى سَنَواتْ
لكنّ الحرفَ يعودُ يُجَمّعنا
لنَصوغَ معًا أحلى الكَلِماتْ

قال أحمد

ما زلتُ أُراوحُ شعراً في ملحمتي،
كي أستبق اللحظةَ حين تهبُّ جميع ُالأوقاتِ وقوفاً
تستقبلُ جيشَ الصمتِ الرابضِ بين الأسطر
يا فاتن
أوَ يأتي الطيف المنشود سريعاً
ومواجعنا هتكت أعشار اللحظات المنسية؟
باغتني العشق ألا تدرين،
وبعضي ناشد بعضي أن ينثرني صبّاً بين الأشطر
فأعود كما كنتُ صبيّاً،
أعبثُ بالساعات على شطِّ الأنهر
لا أنتظر اللحظةَ ،
بلْ أحملها بين خطوطي،
صفراء كانت أم حمراء أو خضراء،
يعبقُ منها عطرٌ أسمر
شرقيُ اللمحاتِ،
أصيلُ المعنى،
يتناهبني حبّاً حتى أسكر
يا فاتن
تلك هي اللحظات المحشورةُ بين شرودي،
وتراويح حدود الرؤيا الصيفية
تقسمني شطراً شطراً،
بين مداها وغيوم نزوحي الأغبر...!!

قال أحمد

نجوى،
يا نجوى القلم العربي المنسوب لخط الرقعة
ها أنتِ هنا تختالينَ جمالاً،
بين حدود الشمس وشطِّ الصنعة
آنستِ بنودي الهمجيةُ في منفاي،
على نهر ( الراين) وخطّ بريدي بعد الضيعة
شكراً،
يا نبضاً فاق حدود الوصف،
وفاق الروعة

قالت فاتن

صديقي العزيز أحمد
كم يطيب لحرفي الهطول بين حروفك
وها قد عدت
يا رفقة أيّامي الحُلوَةْ
وَشذى حرفي الغضّ الأخضرْ
قدْ جئتَ اليومَ لتدعوني
أنْ أمسِكَ قلمي والدّفترْ
أنْ أرسمَ في صدرِ الغيماتْ
باقاتٍ من زهرٍ يُبهِرْ
أنْ أغدِقَ سطري بالنّسَماتْ
منْ طيبٍ في الحرفِ الأسمَرْ
يا أحمد يا صدقَ الهمساتْ
يا زنبقةَ الشّعرِ الأعطَرْ
لكَ أهدي الساحةَ والرّاياتْ
وبطيبِ حروفِكَ أتدثّرْ
يا منْ أهديتَ ليَ النّجماتْ
في باحِ سمائي تتغندَرْ
لكَ أهدي بحري والموجات
كفدى لصداقتكَ الأطهَرْ
وسأنطُرُ لحظتك الجذلى
لتجوبَ دروبي تتمخترْ


قال أحمد

اللحظةُ،
لحظةَ عزفكَ يا مفتاح الأذهانِ،
ومنبتُ أرض الطيب
تؤنسنا يوم تمرُّ ،
ويوم تصادر منّا الأحزانَ،
تباعاً ،
كلٌّ في ترتيب
ولهانئ تصفو الأوقات جميعاً،
حتّى والدهرُ جنودٌ للأعباء
تصعقني لحظةَ عشقكَ للأوطانِ،
وأنتَ مثالٌ للسكّان
لا تهبُ اللحظةَ أجزاءً تتفتت دون حنينٍ،
أو دون غناء
تسترقُ الحبَّ من الأحقادِ،
وتعقدُ عزماً أن نتخطى بيت الداء
منسوباً للهِ ، نبيُ الحرفِ،
علامةُ نصبكَ حرف الحاء
أما محمودٌ،
فهو الباءُ إذا انتفضت باقي الأسماء..
حـ ...... ب

قال محمود

أحمد
كنت قصيا ً كعراء مكسور الأهداب
ناديت ُ ... فجئت
فدعني ألتقط الأنفاس قليلا
لأعود إليكم في نصف غمام
حتى هذي اللحظة
استودعكم ربي

قال هاني

اللحظةُ
هذا الوحيُ المُنزَلُ
من علياءِ النَّبضِ
إلى علياء الوعيِ
علاء بعلاء
الحبُّ
الصِّدقُ شعورٌ ليست تعرفهُ الأهواءْ
واللحظةُ
نحنُ تجلينا ممسوسينَ بهذا الموَّالِ الأبديِّ
المنذورِ لخيرِ غناءْ
غنينا في الحزنِ
فأطرَبْنا الأحزانَ وغيظَ الأعداء
غنينا في الأفراحِ
فطار الكونُ أناشيداً
امطَرَتِ الفصحى إخصاباً في الأرجاءْ
غَرْبَلنا كلَّ تلاوينِ الوقتِ
وقطَّرنا الدَّهرَ لكي يصفو
فانصاعت كلُّ اللحَظاتِ وباستحياءْ
ولَقَدكُنَّا
مازلنا
وسنبقى
للمَوَّالِ الصوتَ الوَطنَ المعزوفَ غِناء
أتظنُّ الأوطانَ تكونُ بغيرِ غناءٍ وعناءْ؟
يا صُحبةَ هذا الموالِ
تلاقينا بالصدفةِ
محضِ الصُّدفَةِ؟
أم ان هناكَ مقاديرٌ للأشياء؟


قالت فاتن

قد كان البدء الحاءْ
وزرعنا الباءَ ببستانِ الحرفِ الأخضَرْ
فنما في صدرِ الكلمات العشقُ المُزهرْ
وشَدَت أطيارُ الفرحةِ في أُفُق الأسطُرْ
وتَراقصَ جسدُ النّورِ على ماء الأنهُرْ
فاستوطَنَ في ريشِ يمامات الفكر الدفءُ
وباتَتْ تتحرّرْ
وغدتْ لحظتنا نقشًا فوق جدارٍ فرعونيٍّ يتبعثر
يا صُحبَةَ حرفي أُهديكُمْ حُبّي الأكبَرْ
وأسائلُ ربّي في رحماتٍ يَرعاكُمْ
وبنوره إيّاكم يغمُرْ

قال أحمد

عزفٌ بالحبرِ تناغمَ في قرطاسٍ أخضر
ثوبُ عروسٍ يتكللُ بالغارِ،
وغاري أن أعشقَ أكثر
يا بيدر معشرنا يا فاتنةٌ
ما جاورها اليأسُ ،
ولا أوقفها المعبر
يا بنت جليل الأقصى
يا سيدة القوم وناثرة السكّر
الآن تكامل جمع القوم
فهاتي من بستان الشعرِ
سلال الزعتر


قال أحمد:


كنتَ حصاناً لا يجمح من تلقاء العدو،
ولكنْ حين انطلقتْ لحظةُ صدفتنا
صار لزاماً أن يستبق الريح
عنيداً كالليلِ إذا عسعسَ فوق الغاب
لذلك لابدّ من التمحيصِ،
ومعرفةُ الأسباب
ذاك المكسورُ شراعٌ لا يضربهُ الموجُ،
ولا تنزعهُ الأثواب


قال محمود

أحمد هذا القادم من زمن ٍ كان
الذاهب في أزمنة تبدو
أعرف أني لا احصى قلبك حين تغنى
لا اجمع ظلك حين تفور مواقدك الحبلى بالخبز
ولا أتحسس دربك حين تكون على مرمى قلب من منفى
أعرف انك شئ يأتى
مطهوا ً برحيق النبلاء
وأن العالم دونك - أو أشباهك - لا تسكنه إلا أغربة
ورماد



قالت فاتن

ها انّي غبتُ ولكنّي
أحضَرتُ معي نبت الزّعتَرْ
وزرعتُهُ يا رفقة دربي
في حوضِ الكلمات المُزهِرْ
قدْ كنتُ أخطّ الحرفَ قَديمًا يا صَحبي
لكنّي اليومَ أخُطُّ النّارَ
وأشعِلُ جَمري في الأسطُرْ
قد كنتُ أشكّلها الكلماتْ
بسكونٍ وببعضِ الحركاتْ
لكنّي بتُّ أعطّرها
بشذى الأزهارِ وبالعنبَرْ
لحظتنا أمست قنبلةً
ستفجّر تاريخ الأسطُرْ
لحظتنا يا صحبي زرعٌ
في صدرِ الكلماتِ سيثمِرْ

قال أحمد

للأشياءِ مقاديرٌ،
ولدرب الكلمات خطوطٌ ،
تحفرها الأعباء
والصدفةُ ليست إلاّ ترتيبٌ أزليٌ،
تصنعها الأهواء
وأنا كنت إليكم وبكم منتمياً،
من قبل تكسّر أعواد الغار،
وذبح الأشياء
تلكَ الأوطان المسفوحة بالذلِّ،
تصيخُ إليَّ إذا أنشدّتُ،
ولمّا أبردُ تشعلني الأنواء
واليوم أعود إليكم ملتهباً،
تحملني اللحظة

قال أحمد

الحاءُ ، حروفُ البوحِ الأزليةِ،
والباء عروق النبض الأسمر
يا فاتن حرف النون،
النسوة كنَّ طيور الجنّةِ،
قبل نزوح الحبِّ إلى أرض المهجر

قالت فاتن

العالَمُ كانَ ضَياعًا
قَبلَ الحرفِ وقَبلَ الفكرِ
وقبلَ سَنابلَ عِشْقٍ
زُرِعَتْ في عَصَبِ الأسْطُرْ
وأنا عصفورْ
حَمَلَ بذورَ الحُبِّ عَلى جَنْحَيْهِ
وطارَ إلَيْكُمْ
كيْ بِحِماكُمْ يَتَدَثَّرْ
فوجدتُ لَدَيْكُمْ
كرمًا منْ حرفٍ مَعسولٍ
وقُطوفًا منْ شِعْرٍ مُزْهِرْ
وَعَثَرْتُ على نبعَةِ إبداعٍ
تَخْرُجُ منْ بينِ أنامِلِكُمْ
كي تُحيي وَرَقي المُتَصَحِّرْ
الجَنّةُ هيَ بعضُ يَماماتٍ منْ شَوْقٍ
وَغَديرٌ منْ صِدقٍ صافٍ
في النّفسِ الجَذلى يَتَفَجّرْ
واللحظَةُ هيَ ذاكَ الإخلاصُ النّامي
فوقَ أنامل صُحْبَتِنا
كالعُشْبِ الأخضَرْ
يا أحْمَدُ يا طَيْري المَذبوحِ
بِنَصلِ الغُرْبَةِ والمَهْجَرْ
سَنُحيكُ للحظَتِنا الآتيةِ
رداءً منْ وَرْدٍ أحمَرْ
وسَنَغْرِسُ في خَدّيْها الأمَلَ
وبَعْضًا منْ تَوْقٍ للزّهْرْ


قال أحمد

المنفى هذا الجبلُ الجاثم فوق الصدرِ،
يصادرني قسطاَ قسطاَ،
هلْ لي بوثيقةِ سبيٍ تنسبني للمنكوبين،
إذا حلّت لحظة توزيع الأرزاق؟
يا محمود الزمن الهاروني،
وموسم حصد الطيب
تسكنني زقزقة الأحرفِ،
حين تغرّد من بين الأنفاق
ولمّا أعطبُ حبّاً،
أحصدني فيكَ لما بعد الأشواق

قال أحمد

الغيبةُ جزءٌ من تقويمِ اللحظاتِ المخنوقةِ،
والرجعُ هو التكفير اللحّظي عن الأزمة
كمْ من حرفٍ ضاقَ بهِ الفيضُ،
فباغتهُ العزلُ النفّسيُ،
فعادَ يُحدّثُ شعراً من رأس الحكمة
يا فاتن،
نحنُ اللحظات الخضراء الموسومة بالرجعِ ،
إذا عدنا من جدبٍ،
هبّتْ من قيظٍ نسمة

قال أحمد

لمْ نسلمْ من فكِ الغيبة،
تلتهمنا آفاق النأي فننسخ غربتنا حرفاً أسمر
كمْ من صوتٍ يستصرخنا،
فنعاود سرد قضيتنا حبّاً أكثر
تلك حدود الأرض وهذا خشب المنبر
يا فاتنَ ميس الريم،
ويا حرفاً في القلب تسطّر
بعض اللحظات تباعدنا،
وكثيرا ما نجد المعبر
فتعالي نجتاح الريح،،


قالت فاتن

يا أحمد يا عبق الليمونِ
يَفيضُ هنا فوقَ الأسطرْ
تأتي لحظتُنا كالهِرْمونِ
تُشيعُ نشاطًا في الكَلماتِ
تحثُّ الحرفَ لكيْ يُزهِرْ
تشتاقُ خُطانا أنْ تتعانَقَ
رغمَ حُدودٍ
تبقُرُ بطنَ القُرْبِ وتقضِمُ
كالفئرانِ
حبالَ الوصلِ لنتَعَثّرْ
لحظتُنا تمسِكُ خيطَ النّورِ بإبرتها
لتخيطَ بهِ حلمًا غضًّا
في لُجّةِ أضلعنا يُبْحِرْ
لحظتنا يا أحمد ماءٌ
أبدًا...... أبدًا ......
لنْ يتبخّرْ


قال محمود


للصبج تجئ
وموالك نصب يديك
فلاتعتب إن خناك قليلا
- أبناء الزمن المالح نحن _
دمت يا أحمد
كنتُ أنتظر هطوله كالمطر،، حين يطرق على الابواب،، وينهمر في الطرقات ،،ويبلل الابدان
ولكنه رحل....



وا،،أحمداه
ــــــــــــــــــــــــــ

د.عائدة حسين أحمد
الى روح شقيقي أحمد حسين أحمد الشاعر والمهندس،،الى روح الأنسان الرقيق،الذي وافاه الأجل يوم عصر يوم الثلاثاء الموافق 16-10-2012

(1)

وا،،أحمداه
وا،،أحمداه
إلى أين المسير؟؟
سافرت مسرعا،
لم يتسنى لنا ،،حتى الوداع
رميت قصائدك في حضني،،ومضيت
أشعارك الغضة تبكي الحنين
أنها حية لا تموت
صار بوسع أحبتك
شرب حلوها
والتغسيل بطيبها،،
قصائدي حزينة حملتها نوارس البحر
إلى البر البعيد
تبكي الشقيق والصديق
وهل من أخت تعيش
دون أخيها الرفيق

(2)

وا،،أحمداه
وا،،أحمداه
آه من وجعي
آه من القهر
أحمد والعود ،،،كان أحمد
أحمد أنشودة للمطر
وفارس كسرجون أكد
يسن قوانينه حسبما يرد
وكيفما يريد
لا حمورابي يحاسبه ولا حكم البشر
أحمد
كان يحاكي النخل والشجر
ويحلم يوما بعناق العراق،،
يوم التحرير من الغجر

(3)

وا،،أحمداه
وا،،وجعي
أحمد حين يتغنى الشعر
تراقصه الطيور
وسعف النخل
أحمد..يا ألمي
ويا وجعي حتى الكبد
ترى ،،هل تسمع أنيني
وبكائي وقت الغسق
هل يا ترى!!!
سأقاوم القهر والوجع؟
مرابع الطفولة تبكيك
نينوى الخضراء تناجيك
والرمادي
وبغداد مرتع الصبا
دجلة والفرات تحاكيك
والأهل والخلان
ربعك،،هاني ومحمود وساجت
علاء وعالية وعائدة
فكيف هان عليك الرحيل
يا وجعي الكبير

(4)

وا،،أحمداه
وا،،يا كبدي
يا أفراح قلبي
يا أبن أمي وأبي
كيف ترحل سريعا؟
وتتركني للهم والقهر
لمن أناجي؟
لمن أكتب القصيد؟
لمن اضحك؟
لمن أحكي ولمن أشكي همي؟
هاهو الخريف تساقطت أوراقه
وأعلن الشتاء حداده
وبلاد الغربة والاغتراب
والغابة السوداء لن تخلع سوادها
أحمد
لا تعتب علي
فجواز سفري مخروم
منذ أن أنتهك العراق
وغادرنا البلاد
أصبحنا بلا هوية بلا حدود
بلا نسب
عراقي والعراقي مهموم،،مغضوب عليه
وضعوا الحدود والحواجز
ممنوع
ممنوع أنت أيها العراقي
من التجوال
أنزع جلدك وأخرج ،،من عراقيتك
لتكون إنسان

(5)

وا ،،أحمداه
وا،،شقيقاه
قتل العراق يا أحمد
يوم غادرنا أرض الأجداد
يوم حملنا زوادة،،وزاد
وحملتنا حافلة الهموم
لنرتمي في الأوطان
مابين البلدان
الشام وعمان وفرايبورغ
حيث كتب علينا الشقاء
والموت بعيدا عن الأهل والخلان
أصبحت بلاد الغرب أوطاني
وا ،،أحمداه
وا ،،أحمداه
كيف الملم جرحي
وأكفف الدمع
أيها الشهيد النقي
زالت ذنوبك
في الأيام العشرة المباركة
يا أرق الرجال
يا رجلا ترك خلفه أجمل الألحان
يا شقيقي الإنسان
لم تؤذ رجل أنمله
في الحياة
هاهي الاعظمية والسبع أبكار
تنادي فارسها المغوار،،
أتذكر!!!
كنا صغارا
كبرنا،،ولازلنا صغارا
نلعب في الطرقات
نراقص الحمائم البيض في السماء
نغمض أعيننا ونضحك
نطلق طائراتنا الورقية
ونرسل المكاتيب
ثم نقطع الإرسال

(6)

وا ،،أحمداه
وا،،أحمداه
أفرحي نعيمة وأنت يا أبي
جاءكم أحمد النقي
أتذكرين يا أمي!!
أتذكر يا أحمد!!
حين كانت تعاقبنا أمي
حين نترك الدرس
وحين نشاكس الغير
أفرحي يا أمي
هاهو احمد يمتطي صهوة حصانه الأبيض
يلبس الملابس البيض
طهورا غسولا من كل ذنب
جاءك أحمد ليقبل جبينك الأسمر
في الفردوس الأعلى حيث الرب
ضميه يا أمي
أنه أحمد الروح
احمد النقاء
أحمد المفعم بالحياة،،
أحمد الذي شاكسته الحياة
أسته الحياة
وفر منها أليك
إلى رحمة الرب
حيث ملكوت الرب
والراحة الأبدية
بعيدا عن الهم والقهر،،

(8)

وا،،أحمداه
وا،،ألمي
قلبي الموجوع يتقطع
لعن الله المسافات
لعن الله الحدود
اشتاقك شوق الأرض للمطر
والربيع للزهر
والصياح للضياء
أحمد
يا تغريدة،،يا عطرا
يا تفاصيل الأشياء
دونك لن تزهر أزهار حديقتي
دونك يخجل الضياء
وا،،أحمداه
الشوق يصارعني
والدمع جف
والجسد تكسر
إشعارك تسال عنك
والأسود الصوفي
يناديك
كيف ستكون نهايته؟
كيف يا احمد...يسافر الفارس الأسمر
دون جواد؟؟
سلمتهم لي ..أليس كذلك؟
حين مررت مرور الكرام بعمان
قلت لي:
يا عائدة خذي كل ما أملك
حينها ضحكت
قلت لي:
لا تضحكي خذي باكورة أعمالي
أشعاري وقصصي ونثري
ونزواتي
خزنيهم...أحفظيهم،،،
وحين لا أكون..أنشريهم
ستجديني في كل سطر
في الكلمات،،
ستجديني في كل مكان
وفي ألا مكان،،،
أنها قصة حياتي
في كلمات

(9)

وا ،،أحمداه
هاهي قصائدك تحاصرني
وتطلب مني الكثير
لقد أورثتني الهم الكبير
فيا وجعي
يا قلبي المكسور
يا دمع عيني
ماذا أفعل؟؟
ومن أين أبدا ؟؟؟
أحمد
كيف تغادرني سريعا؟؟
ألم تقل لي:
سأشفى من المرض اللعين
وأعود
لنهرول بين الحقول
وفي مرابع الطفولة والصبا
نضحك
نقهقه
ثم نعود لنستقيم
فمن سيكلمني كل مساء؟
ومن يهاتفني كل صباح؟
ومن يمسح دمعي؟
ويمسد جبيني؟
ويطبطب على الكتفِ؟

(10)

وا،،أحمداه
وا ،،احمداه
بغداد تبكيك دما
وعمان تناجيك
لقد أنطفا النور سريعا
كيف رحلت دون وداع؟
كيف،،وكيف،،وكيف
يا شقيقي الطاهر
الباسم رغم القهر
يا سيمفونية لم تكتمل
وقصيدة يتيمة تنتظر
وا،،أحمداه
وا،،أحمداه
وا،،أحمداه
ايها الشقيق والصديق
والرفيق والحبيب
يا نسمة الصباح
لا أقول وداعا
فأنت القلب ونبض القلب
سترافقني مدى الحياة



كتب الشاعر محمود أمين...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


غائب في دمي
إلى روح أخي وصديقي الشاعر أحمد حسين أحمد وهو شاعر عراقي توفي بألمانيا في 16 أكتوبر 2012

أدري بأنك كنت وعداً لن يجئ
وكنت تكذب
حين توهمنا بأن الطائرات تكاسلت عن غيها
والبحر صار خطيئة
والأرض من كفيك تهرب
هل ستحسب كيف تقبل "عائده "
بغيابك الممتد فينا
أيها الجرح المدبب
كنتُ و"الهاني" و"دعد" نقترح
طعم اللقاء وماتجود به الأماني البعيدة
والأماكن
هل بمصر ٍ
أو بجلق
أو على أسوار يثرب
كان يأخذنا الشجارالعذب
واوجهي،
مسالكَ المدّ القدّاح..redلحرف المعذب
ثم يسحبنا ملاك الشعر
للوطن الجواشن
حين نتعب
ثم نسأل عائدة
هل عاد أحمد بالصهيل البابلي
وهل على أقدامه جسر الرصافة
بالمها وعيونهن السود أعشب
والآن نسأل يافتى
وأجب علينا
هل مرة تأتي إلينا
مرة في العمر
بعد فواته
كي ترتق الأحباب
والأصحاب
بالحزن المطيب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاني : هو الصديق الشاعر السوري هاني درويش
دعد : الشاعرة دعد يونس زوجة هاني
عائدة : الدكتورة عائدة شقيقة أحمد
الجواشن : رابطة أدبية ضمتنا وكان أحمد حسين أحمد مؤسسيها الأوائل


كتبت وأحمد على فراش المرض،،كان أملا ،،،لم يتحقق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأمل
د.عائدة حسين أحمد


عبرَ إلى قلبي الموجوع
الممتد في شرايني بلا اتفاق
كسيول البحر،، تجرف الأخضر واليابس
أنا يا وجعي مقهورة
مركونة على وتر الأحزان
لست سوى بقايا إنسان
والأمل بالله مرجاتي
وتبدو الأيام ثقيلة
يصارعها أحمد وتصارعه
وتمتد صوبه دعواتي وصلاتي
أجنى الكروم المثقلة بالهم
وأعصر الأمنيات
عسى أن ن يتشقق الفجر
وتشرق شمس الصباح
لن تخبو أشعارك
ولن تزول
ستقرأ بكل الأوطان
أكاد أمسك الفرح
وأنسى كل أشجاني
وبحر مواويلي يكبر ويزيد
ألوذ بالفرار من نفسي أليه
رغم المسافات
رويتُ أرضي فأزهرت بالشفاء
عسى أن يراقصها أحمد
بعد غياب
هي الصحوة سترافقك
بعد أيام عجاف

عائدة 11-10-2012


أحمد الضياء
ــــــــــــــــــــــــــ[/COLOفي ]كتبت وأحمد على فراش المرض،،كان أملا ،،،لم يتحقق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الأمل
د.عائدة حسين أحمد


عبرَ إلى قلبي الموجوع
الممتد في شرايني بلا اتفاق
كسيول البحر،، تجرف الأخضر واليابس
أنا يا وجعي مقهورة
مركونة على وتر الأحزان
لست سوى بقايا إنسان
والأمل بالله مرجاتي
وتبدو الأيام ثقيلة
يصارعها أحمد وتصارعه
وتمتد صوبه دعواتي وصلاتي
أجنى الكروم المثقلة بالهم
وأعصر الأمنيات
عسى أن ن يتشقق الفجر
وتشرق شمس الصباح
لن تخبو أشعارك
ولن تزول
ستقرأ بكل الأوطان
أكاد أمسك الفرح
وأنسى كل أشجاني
وبحر مواويلي يكبر ويزيد
ألوذ بالفرار من نفسي أليه
رغم المسافات
رويتُ أرضي فأزهرت بالشفاء
عسى أن يراقصها أحمد
بعد غياب
هي الصحوة سترافقك
بعد أيام عجاف

عائدة 11-10جرفِ أشرطةَ red-2012


[COLOR=R]
د.عائدة حسين أحمد

أحمد الضياء
أنت أنشودة المساء
وثغر الصباح
وعلى جبينك يزهر المساء
أتنشق عطرك في كل مكان
هنا جلست،،هنا مشيت،هنا ضحكنا،هنا قهقهنا
هنا.. وكل الأماكن تنتظر لقياك
هي...ليست سوى
غفوة وتمديده واسترخاء
خذ أنفاسي وأنهض للحياة
خذ نبضي
خذ روحي
خذ يدي
خذ دمي
خذ قلبي الموجوع فيك
دعني أضمك إلى صدري المهموم
أتنشق عبيرك
وادخل في تفاصيلك
لاستأصل المرض اللعين
دعني أخترق عينيك
وأكون جزءا من أحلامك
دعني أرافقك في غفوتك
أتكئ عليَّ
أرمي ثقلك ولا تتردد
إني موجودة قربك
لا تقول لي البعاد ولا المسافات
فما اقرب قلوب الأشقاء
رضعنا ذات الحليب
وترعرعنا بذات الحضن
وكبرنا معا
فكيف تسمح للسرطان إن يفرقنا
لا وألف لا
انزلق من سرير الشفاء
فأختك بالانتظار

عائدة 12-10-2012



مر سريعا كأنه كان على موعد مع القدر،،لم يمهلني حتى وداعه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أحمد في كومة شفاء،،،
د.عائدة حسين أحمد

فرض عليك الزمان (كومة)
والكومة بالعراقي كومة
جعل الله الخير عليك كومة
بالحب والتفاؤل والأمل كومة
وبالشفاء كومة
هم الأحبة كومة
هاني ومحمود والصحب كومة
أهلك وجيرانك كومة
العراق والشام ومصر والبلدان كومة
الشاعر كتب عنك كومة
وتغنى بحبك كومة
بالأدب والجواشن والفاخورة والفينيق كومة
أنهض يا أحمد من الكومة
وألحق بالركب ،،جاريهم بالشعر كومة
ورب الكعبة أحنة نحبك كومة


كومة،،باللهجة العراقية تعني الكثير،،وفي الطب الأغماءة الصناعية،،كتبت حين كان أحمد في النوم الصناعي الكومة[




الى روح الصديق أحمد حسين أحمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالكريم شكوكاني

يا صاحب الموال والنغم المغمس في تعاريج الفراقْ
يا عشق من غزلوا بدجلة حبهم وتنسموه مع العراقْ
كل الموانيء لم تسعك كما يسعك بموصلٍ ضيق الزقاقْ
يا أحمداً يا بن الحسين وأحمدٍ يا خير من فقدالرفاقْ
هل كان موعدنا يتم بلا عناق؟!!
حتى تغادرنا وتختار السماء!!
ويضيع في النجوى دعاءٌ للقاءْ
يا كلّ نجمات الفضاءْ
فلتحتفنّ بدربهِ
قد جاءك المحروم من أرض الأِباءْ
من أنشد الأمجاد نخلاً باسقاً في كبرياءْ
فلِيٌذرف الدمع الغزير لفقدهِ شعراً بأرضك كربلاءْ



رثاء الى عاشق الوطن ( أحمد حسين )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عباس باني المالكي

ماذا أكتب الآن وقد خلت القارات منك ...
ماذا أكتب الآن والسماء أشرت الرحيل المستعجل الى فضاء التيه ...
ماذا أكتب واللغة لم تعد قاموس الحنين حين سافرت بلا عودة ...
ماذا أكتب .. فهل أكتب دموع اللغة وقد حفرت بقايا كلماتك مساحات من الضوء والنقاء بين جوانحي التي رأتك كقديس تمد خيط الحنين الى الوطن وهي نوع من الصلاة في معبد الشوارع التي نست وجهنا حين دارت الاتجاهات الأربع بين أضلاعنا ...
ألتقيتك مرة واحدة حين يسكن الهواء كحوار الحنين وفي وجع مدن الغربة ....
قد ألتقيتك في زمن البياض الذي لم يغادرني ..
قلت إليك لا تغادر فسوف تخلي شوارع بغداد من وجهك القديس والمعطر بكل هذا الحب الى الوطن الجريح ...
وعدتني أنك سوف تعود وسنلتقي مرة أخرى عند ناصية الطوابق الثلاث من التجمر العشق لهذا الوطن ...
ووعدتني وعدتني أنك ستعود و ستعود لكي نلتقي لكنك لم تعد ...
فهل أبكيك الآن والبحر جف بين ضلوعي لكي أمد خيوط المطر الى الدروب التي تعبرها وأنت متجه الى السماء ....
ترفق بأجنحتك وأعرج إلينا نحن الآن نراقب السماء بدموع لن تجف إلا بالدعاء إليك يا أيها القديس في زمن لا يعرف أين محراب الوطن ...
هل ننتظرك أم نقفل وجه السماء عن تباشير بغداد ... فهل نراقب الأيمان وأنت تتحدث عن الوطن كصلاة تدمع القلب قبل العين ..
أيها الباقي فينا ..قد يكون وداعك الأخير لنا و أنت تحمل في عينيك كل هذه السموات كأغنية الحزن من سماء بغداد
فأفرد جناحيك وأعلم أنك تبقى ذلك الراهب للمحبة فينا ...لك الدعاء ولنا الدمع والحنين الى وجهك الذي علمنا كيف يكون الخشوع في شوارع عاصمة الدنيا وحديقة الأرض ..
لنا دنيا الوجع بعدك ولك الفردوس الأبدي يا طاهر النقاء والفرح الطفولي .. لك زمن البراءة في حضن الملائكة
ولنا وجع الانتظار الذي لا يأتي إلينا بك ..
سنعلق أسمك عند أبواب روحنا قد نلتقي فيك من جديد حين تغيب الدنيا ونراك هناك سيد الفراديس في برزخ الإله فنحن لا نمتلك لك غير الدعاء .. الدعاء ....
فلا أقول إليك وداعا بل الى اللقاء فقد مللنا من دنيا لأنها أخذت راهب عاشق الوطن ...
الى اللقاء .. الى اللقاء



اعداد :
عبير محمد / مصر
هبة الشايب / الاردن
فاطمة الزهراء العلوي / المغرب
سائد ريان / فلسطين
فاتن دراوشة / فلسطين
د.عائدة حسين أحمد / العراق
سلطان الزيادنة / الاردن
زياد السعودي / الاردن








  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط