لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-12-2018, 04:32 AM | رقم المشاركة : 51 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
والوصف المدهش باللهجة السودانية الجميلة تحياتي ولي عودة |
||||
01-02-2019, 11:27 PM | رقم المشاركة : 52 | |||
|
رد: الأسد
16
غضب السلطان "هاشم" أيما غضب من "سرور" ، الذي عاد الى "الأبيض" تاركا السرية في تلك الغابة لتسليم "مهران التونسي" له ليقوم بسجنه أو يرى فيه رأيه بعد انجلاء المعركة و السيطرة على مناطق الجبال ، فرأي "سرور" أن الخطر كل الخطر من هذا الغريب ، فله مقدرة على الإقناع و مال يشتري به الناس و يستطيع أن يجهض هذه الحملة إذا ما اتفق مع "حاكم" ، لذلك فقد قرر أن يعود به الى "السلطان" بنفسه لأنه لا يضمن أحدا ، و كذلك فإن إبقاء "مهران" حيا لربما يكون مفيدا ذات مفاوضات مع "حاكم" او مع "سلطان الفاشر" أو مع أهله إن كان له أهل يتابعون أخباره من يدري. لكن "السلطان هاشم" لم يكن يرى شيئا أهم من جيشه الذي تركه "سرور" في الغابة بسوء تقديره وغباء تصرفه ، رغم أنه يعلم حجم المعاناة التي تكبدها في إخراج هذه البعثة العسكرية و خطورة مواقعها التي تركتها و الزمن الذي يسابقه قبل أن يعلم بهم "سلطان الفاشر" ، فالحملة اختارت هذا الطريق الطويل للتمويه وبقصد السِرّية ، فالزمن إن طال يكشف أمرها ، فيستعد أهل المنطقة حتى قبل مناصرة رجل "الفاشر" القوي لهم ، ولذلك صرخ في وجهه أمام "التونسي" موبخاً إياه على هذا التصرف الغير مسؤول كما يرى "السلطان" ، و قال له : - لقد ندمت أيما ندم بتصديقي لك و باعتمادي عليك و بنظرتي الخاطئة التي وضعتك في موضع لا تستحقه ... لم يترك مجالا لتفسير أوشرح من "سرور" ، و أمر بأن تتحرك البعثة مستعينة بالوفد الذي بقي معها في معرفة الطريق الى حيث غاياتها ، و أن يستبقي "سرورا" حبيسا مع "مهران" التونسي الذي قرر قتله أو النظر فيما يفعله به بعد أن تهدأ ثورته ، لكن أصحاب رأي قالوا له : - إن "سرور" رجل له مكانته عند أهله ، وهو من تعهد لك باستمالة أهل المنطقة للوقوف الى جانبك ، فإن استبقيته عندك و حبسته غضب بقية الوفد الذين لن تضمن ولاءهم بعد الآن.. وبعد تفكير وتروي رضي بإرسال "سرور" مرة أخرى مع الحملة بعد أن حذره من التهاون في هذه المهمة ، و أنه سيحمله مسؤولية أي فشل يحدث ، و رغم أن الطريق بين "الأبيض" و بين مفترق الطرق حيث ترك "سرور" جيشه ينتظره أخذ مسيرة الخمسة أيام للجيش الثقيل الكثير التوقف ، فإن "سرور" قطع المسافة الى "الأبيض" في يومين مع أسيره "مهران التونسي" و خمسة من الجند ، اتخذهم حرسا يحرسونه و الأسير لئلا يفر من بين يديه فتكون الخسارة مضاعفة ؛ وصل سرور الى الأبيض في يوم الجمعة حيث تمتلئ المدينة بالقادمين من القرى للتبضع في يوم السوق الكبير ، ثم قضى يوما عند السلطان ريثما اتخذ فيه قراره ، و أمره بالتحرك صبيحة اليوم التالي قبل أذان الفجر و أرسل معه جندا عشرا إضافة الى الخمسة الذين جاؤوا معه ، و أمر بقتل "الغريب التونسي" في مكان عام بحجة الولاء "لسلطان دارفور" الذي يناصبه العداء ، وأمر بأن يكون ذلك بعد أسبوع و في يوم السوق حيث يجتمع الناس و في الميدان الكبير ، و جعل المعلنين يخرجون بطبولهم يضربون عليها ليجمعوا الناس حولهم ثم يعلمونهم بقرار الملك بإعدام "غريب تونسي" وجد يتجسس على جيش السلطان ، ليكون عظة و عبرة لمن تحدثه نفسه بالغدر و الخيانة ، فإن المنطقة تموج بالقبائل المتداخلة بين السلطنتين المتحاربتين ، و محفزا لذلك الذي ينتظر الإنجازات التي ترفع روحه المعنوية ، و لم يأبه السلطان لقول "سرور" و لا محاولاته بإثنائه عن قراره هذا ، و لا للوساطات التي لم تدخر وسعا في ذلك بإيعاز من "سرور" ، الذي كان يعلم مدى شعبية "التونسي" هناك، "فسرور" فلم يكن يريد قتله بقدر ما أراد أن يستفيد من حبسه و المزايدة به في تعزيز سلطانه بين أهله ، فكان القرار أن ينفذ الحكم فيه يوم الجمعة يوم السوق و بعد الصلاة الجامعة في الميدان العام و قرب مسجد السلطان ، بهذا جرت الآلة الإعلامية التي بثها في المدينة و ضواحيها كلها... تحرك الستة عشرة نفرا مسرعين ، و قد أوكلت قيادتهم لشخص آخر جعله السلطان قائدا للحملة كلها ، و غير موقع "سرور" في هذه الحملة الى كبير مستشاري السلطان ، بدلا من قائد عام الحملة ، و أمرهم بالأخذ برأيه و تقديمه على بقية الآراء ، إلا فيما يتعلق بالناحية الحربية فإن القائد له مطلق الحرية و التصرف.. و في الطريق و في اليوم الثاني و على بعد مسيرة يوم من مفترق الطرق ، ظهر من فوق الأشجار غبار مثار يبدو من بعيد متحركا نحوهم ، و بعده بقليل سمعوا صهيل أحصنة و خفق حوافرها في الأرض تعدوا مسرعة صوبهم ، ثم ظهرت الخيل المستنفرة من بعيد بعضها يحمل صاحبه و البعض الآخر يعدو بلا راكب فوق ظهره عددها ليس بالقليل ، أمر قائد الحملة جيشه بالإنقسام الى قسمين سبعة يختبؤون يمين الطريق و الثمانية الباقين يكونون من على يساره ، وجعل نفسه و "سرور" في الذين هم على اليمين و أمرهم بعدم الحركة و التدخل إلا بإشارة من عنده. السلطان "هاشم" الشاب الطموح ، وافقت خطة "سرور" حلما قديما له بضم منطقة الجبال الصعبة الى سلطانه ، وكان كلما هم بتحقيق حلمه أتى من ينصحه بتثبيت أركانه في الحدود الجنوبية الغربية المتاخمة لنفوذ سلطان "الفاشر" ، الذي بدت نزعاته التوسعية في اتجاهه جنوبا ، رغم ما تردد عن أن دوافعه التي قادته الى التحرك جنوبا كانت دوافع دفاعية بحتة ، لتأمين حدوده من هجمات القابئل الجنوبية ، التي أحست بالقوة إثر توحدها تحت قيادة كجور ربط لهم الغيب بالواقع و أحيا في نفوسهم دوافع القوة و محفزات المجد ، لذلك اتجه السلطان "هاشم" جنوبا ليكسب أرضا يحاور حولها في حَربِهِ يشغل بهاغريمه ، ريثما يقنع سلطانا آخر شديد الطموح هو سلطان مملكة "الفونج" الشرقيه بمؤازرته في طموحه ، يشكل معه تحالفا قويا يستطيع من خلاله ضم كل السودان الشرقي و الغربي و السودان الأدنى حيث أنهار أفريقا الغناء في "مالي" و ساحل الذهب "غانا"، و لكنه أيضا لم يكن يأمن "سرور" ، الذي تحركه أحقاد شخصية لا تخلو من نزعات استعمارية قد تتطور في مثل هذا الوضع الهش الذي تعيشه المنطقة ، إضافة الى أن هذه المنطقة الآمنة المستقرة الثابتة الولاء لسلطان "الفاشر" إذا ما وصلت أخبار تحركاته فيها الى هذا الأخير فإن ما رمى اليه بخطته سيتضح و ستجعل سلطان "الفاشر" يتحرك حركة سريعة تقوض له كل أحلامه التوسعية ، و تطيش بتحالفاته المتمناة أدراج الرياح ، خاصة أن الرد لم يأت من سلطان "الفونج" العظيم بقبول هذا التحالف النزق بعد ، لذلك كانت ردة فعله عنيفة إزاء ما قام به "سرور" من رجوع بعد أن وجد غريمه التونسي ، "فسرور" لا يعرف أن فشل حملته الصغيرة هذه ربما يؤدي الى ضياع مملكته كلها من بين يديه. و في مساء الثلاثاء الأخير من يوم الجمعة الذي سيعدم فيه التونسي و السلطان راقد يقلب أفكاره في رأسه تذهب به الأماني و تعود به المخاوف ، تدخل خيل مسرعة الى قلب مدينة "الأبيض" ، يركب بعضها جند كان قد انتقاهم بعناية ، لحملة تخضع إقليم الجبال الى سيطرته ، و بعضها يحمل سروجا بلا فرسان ، لتقف أمام أسوار قصره ، أحدثت جلبتها الى حين تجمعها ضجيجا قطع أفكاره و بعث جنود الخوف و الفزع الى رأسه وقلبه ، لتدك كل حصون الأماني و الآمال أمام ناظريه دكا دكا ، نظر السلطان الى جنده العائدين فوجدهم بين ملقى على ظهر جواده خائر القوى و ين ملقى على الأرض قرب جواده ، كلهم يهذي: الأسود ...الأسود ... الأسود... |
|||
07-02-2019, 08:59 PM | رقم المشاركة : 53 | |||
|
رد: الأسد
جاهزلك يا باشا اشتريت باكتة أساتك عشانك و بصراحة كمان احتياطي للدنيا فاحتمال في يوم من الايام الواحد تجيله فلوس من عند رب العباد الكريم فقلت استعد باللساتك علشان اربطها بيها لما تيجي الدنيا مش معروفة و الواحد يعمل حسابه برضو..
شكرا يا كبير على المتابعة و الإهتمام... قربت تخلص من عندي هنا و عنكم هنا يادوب في النص ح انشر مجموعة حلقات استجلي بها مواضع الضعف و القوة ثم ٍابعث بنسخة لك و نسخة لأستاذة نوال و بعض نسخ لبعض من أثق في رأيهم الفني ليشيروا علي بمكامن القوة و مكامن الضعف لتتم بعدها الصياغة النهائية استعدادا لطباعتها و نشرها انشاء الله...شكرا لكريم متابعتك أخي الجميل جمال |
|||
20-02-2019, 08:00 PM | رقم المشاركة : 54 | |||
|
رد: الأسد
الأسدان و الأسود تركزت عيونهم مع الباهي الصغير الذي جلس على كهف انفتح إثر سقوط حجر اعتمد عليه في صعوده الى الآعلى ، هرباً مما لقي في الأسفل ..لكن سطح الحفرة الذي جلس عليه لم يكن بالمتانة التي تحمل وزنه ، فبدأ يتهدم من على أطرافه منذرا بتهدم أكبر إن استمر في الجلوس عليه ، فأخذ يتقهقر الى الخلف في حذر من مصير لا تشرق فيه بارقة ، و كان كلما تراجع قليلا انهدم ما تركه وراءه مما جعله يقرر أن يقوم دفعة واحدة لينظر إن كان ثمة مخرج من هذا المكان أم أن القدر قد أطبق عليه بكلتا يديه ، فقد تعلم من الأسدين أن لا استسلام حتى يحكم الله أمره و أن الأقدار صنائع الأسباب عليه أن يجد لحياته سببا يتعلق به ينقذه من مصيره الذي جاء إليه بقدميه ، قفز الباهي واقفا بطريقة لا يتقنها أحد غيره معلنا أن سر الحياة ما زال يعتمل بين جوانحه فكأنه كان يحفز نفسه و يشجعها بهذه القفزة ، و بدأ ينظر الى الأعلى لعله يجد وسيلة الى صعود ، لكن تهدم الصخرة التي كان يجلس عليها لم يدع له مجالا لكي يتشبث بالصخرة الأعلى ، و الصخرة التي يجلس عليها تستمر في التهدم فأخذ يتراجع قليلا قليلا ، و من عجب أنه كلما تراجع ظانا أنه سيصطدم بحائط خلفه كلما انفسحت المساحة خلفه ،مما جعله ينظر الى خلفه ليرى أن الحفرة أصبحت كهفا يبدو أنه كبيرا و لكنه ليس مظلما تماما فيبدو أن ثمة مداخل للنور توصله بالخارج في داخله ، لم يفكر كثيرا لكنه قرر أن يدخل الى الكهف فربما أن ثمة مخرج ..أو ربما دخول لا خروج بعده ، و من حسن حظه أنه اتخذ قرار الدخول في الوقت المناسب فإن حواف سقف الكهف بدأت في التساقط فأخذ يقفز قفزات حذرات الى داخل الكهف ، و كلما دخل تنقشع الظلمة من عينيه قليلا ، نقل عينيه في المكان يستجلي مواضع الضوء التي بدت و كأنها بالداخل يحجزها جدار أو حاجز لا يجعل من ظهورها جليا بالقدر الكافي ؛ الكهف من الداخل بدا كبيرا جدا أكبر من الصخرة التي تحتويه أو هكذا خيل للباهي ، فإن امتداداته في كل الإتجاهات كبيرة لا تصل العين الى نهايتها ، و إن كانت نوافذ الضوء فيه كثيرة جدا منتشرة على اتساعاته كلها و في جميع الاتجاهات ، تشير نهايته الأمامية الى امتداد لا متناهي تبدو بهرة ضوء في نهايته كأن الليل ينفلق منه النهار عندها ، و كأن سقف الكهف القريب يتمطى طويلا ثم يتلاشى أو كأنه ينفتح على أرض منبسطة تنتهي بنتوء تظهر قاعدته و لا تظهر قمته ، وحين نظر الى شماله تنكشف له أرض منبسطة ممتدة بها نتوءات خشنة و حشائش ، كل هذا في منطقة الضوء المنخفض داخل سقف الكهف و التي تنتهي ببهرة ضوء تنفلق عن ماء كبير لم يتبين كنهه أسراب هو أم بحر ساحله القريب في نهاية الكهف و لا نهاية له في ساحل قريب ، و لما نظر الى اليمين ظهرت في نهاية الكهف بهرة ضوء تنكشف عن أرض منبسطة صفراء كأنها صحراء ذات حجارة كبيرة كالصخور متناثرة ، و العجب الممزوج بالخوف و الفرح بوجود مخارج لا تعرف الى أين تؤدي ولكنها بأية حال خير من أسوده التي تركها خلفه ، و بينما هو في شعوره الغريب الذي تملكه بين تعجبه الحذر و خوفه الفرح يسمع أصوات خيل تضبح و جلبة و ضوضاء مخيفة و قعقعة سيوف و اشتباك حديد و صراخ رجال و صياح نساء و هتافات و نداءات لا يعلم من أين تأتي ، و لم يع غير أن رجليه ركضتا الى صخرة صغيرة داخل الكهف يختبئ خلفها ، و لا ظهور لشيء غير الصوت الذي كلما تمر لحظة يزداد قوة و وضوحا ، فصار ينقل النظر بين اليمين و الشمال و الأمام لعله يجد أثر لهذه الأصوات ، ولم يكن ينظر الى خلفه فإنه لا يمكن لها أن تكون صادرة من خلفه القريب النهاية ، حيث مدخل الكهف الذي تهدم جله وراءه، لكنه ما لبث أن شعر بوخزتين حادتين كوخزتي رمحين يخترقان جسده من خلفه يرفعانه الى الأعلى و صوتين يصرخان فيه بشدة و بلغة لا يفهمها...
حمله الجنديان و رفعاه الى حصان أحدهما , رأسه و يداه ملقيان الى الأسفل على صفحة الحصان اليمنى و رجلاه تتدليان من صفحته اليسرى قرب رجلي الحصان الخلفيتين وهو فاقد الوعي ينزف دما من جرحين غائرين على كتفيه ، ثم انطلقا به الى حيث تصدر تلك الأصوات المهيبة من خلف ظهره حيث مدخل الكهف الذي امتد كأرض منبسطة على طول البصر لا يسده ردم و لا يقطعه هدم |
|||
22-02-2019, 01:40 AM | رقم المشاركة : 55 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
ما زلنا نتابع هذا السرد المشوق وبإذن الله ستكون المتابعة مكثفة في الأيام القادمة إن بقينا أحياء كل التقدير وتحياتي أ. طارق ولي عودة قريبة إن شاء الله وبحوله |
||||
22-02-2019, 01:45 AM | رقم المشاركة : 56 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
أخ كريم أنت أ. طارق أشكرك جزيل الشكر وتمنياتي لك بمزيد من التألق تحياتي |
||||
09-04-2019, 03:30 AM | رقم المشاركة : 57 | |||
|
رد: الأسد
سطع نجم الأسد "مورونو ما باتا" بعد اتفاقه الشهير في السودان العميق و السودان الغربي و طغا اسمه الجديد على اسميه الأولين إلا من قلة يعرفون تاريخ الأسامي ومناسباتها أو من عنصريين ينتمون الى مناطقهم و تاريخها يرون أن لا فضل "لمورونو ماباتا" على "ماري جاتا" بل الفضل للأخير أكبر فهو صاحب مجد بناه من عدم , أما الآخر فمجيد ورث المجد كابرا عن كابر و الذي يبني مجده بيديه أولى بالذكر ممن ورث مجدا فأدامه عليه ... و استمر هذا الاسم يطلق عليه في هذه المنطقة و على ذريته من بعده ما بقيت سلالته التي يعرفها أصحاب الفراسة و النسابة على مدى التاريخ بعده.. لكن الأسد الأعرج اتخذ اسما جديدا حين بلغ مناطق أعالي النيل التي ينبجس منها هذا النهر العظيم تحفه بركات صالحي الماساي و دعوات القرويين البسطاء و قد كان لوصوله إليهم قصة غريبة كانت سبب مجيئه الأول و عاش بينهم مجريا سنن اتفاقه مع الملك المساوي . .حتى انجلاء الفتنة...
فقد مر أهل مناطق تجمع مياه البحيرة العظيمة التي تغذي النيل بفتنة كبيرة , إذ كان يحكمهم شخص ضخم يطلقون عليه لقب "كجور" ، له قداسة في نفوسهم يشاركهم في أمر معاشهم بما يسخر لهم من قوى الطبيعة العاتية الظاهرة و الخفية التي تنصاع له كما يعتقدون ، و كان سبب الفتنة أن الكجور الذي يؤمنون بقواه قد مات و اختلفوا في من يخلفه من بعده ، فقد كان عقيما ليس له ذرية تخلفه رغم زوجاته الكثيرات اللواتي كن يتبارين في نيل حظوة الإنجاب منه سعيا وراء ابن منه يكون هو كجور زمانهم القادم بعد أبيه ، فاجتمع حكماؤهم و كباراؤهم و قرروا انتقال "الكجورية" من البيت الحالي الى بيت تختاره القوى الخفية عبر مسارات عديدة من الاختبار و الاصطفاء تبدأ بطقس تشترك فيه كل القبائل تحدد له مدة زمنية تتبارى فيه القبائل لنيل شرف انتقال الكجورية إليها .. ثم ينتقل التحدي بين بيوت القبيلة المختارة عبر شروط محددة يجب توافرها في البيت المشارك في المنافسة ، ولا يحق لبيت تتوفر فيه الشروط الإنسحاب أو الإعتذار عن المشاركة في المنافسة فإن عين القوى الخفية لا يعلم أحد أين تنظر ، و من أهم هذه الشروط وجود ذرية سليمة من العيوب الخلقية كالشلل أو العور أو المرض أو العاهات المستديمة أو حتى المرض العادي إذا جاء إبان فترة الترشيح للمناسبة لما فيه من إشارة واضحة بعدم رغبة القوى الخفية في اختياره ، و يجب أن تكون هذه الذرية من الذكور كبيرة العدد لا تقل عن العشرين ابنا و كلما زاد عدد ذكور البيت زادت حظوظه ... الى أن يصل الاصطفاء الى بيت واحد يقوم أبناؤه بالتنافس لنيل هذا الشرف ، لكن الفتنة الكبيرة برزت في تهرب أبناء البيت الفائز من تحمل مشقة التحول من إنسان عادي الى إنسان مختار بعين سماوية فاحصة ...يؤمنون بوحدتها و قوتها و حكمتها في الاختيار ، فإن عملية إعداد الكجور عملية شاقة تحتاج الى إعداد ضخم فيه مشاق و آلام لا تتحملها إلا نفس يصدق فيها حدس السماء في كونها أهل لتحمل هذه الأمانة كما يدينون ، فالذي يريد أن يصل الى هذه المرتبة عليه أن يمر بمراحل لتنقية روحه عبر انعزال يدوم لشهور عديدة في مناطق مظلمة مخيفة تتولاها تلك الأرواح بنفسها ، و لكي تصل روحه الى درجة الشفافية فعليه سلخ جلد وجهه الثخين و بعض مناطق جسمه المسؤولة عن الإتصال و التماس مع الأرواح العلية لتسهل عملية الاتصال التي يحول دونها جلده الثخين ..... استمرت طقوس اختيار الكجور الى شهور طويلة حيث أن الإختبارات بعضها له علاقة بالمواسم و الأمطار و نمو الزروع و كثرة المواليد و قلة الأمراض ، تنبري لجنة تُحَلّف بروح الكجور الأعظم أن لا تحابي و لا تنحاز و أن تحكم بعين "كجورية" العدالة للفصل و التحكيم ، فلما وصلت المنافسة الى مرحلة البيوت لاحظت اللجنة إحجام البيوت و خوفها من المشاركة في هذا الطقس ذي المسؤوليات العظيمة و التبعات الجسيمة رغم حماس الآباء إلا أن إحجام الأبناء كان هو الأظهر ، و لذلك قررت اللجنة أن ترسل موفدين الى بعض الدول القريبة تستعين بخبراتهم في مثل هذه الموقف التي لم يمروا بمثله قريبا ، فليس لهم سابق تجربة في"كجور" يدركه الموت قبل أن ينجب ، فلما رجع المرسلون أجتمعت اللجنة و نظرت في وصاياهم فكان أكثرها قبولا هو صاحب تجربة قبيلة الماساي الذي جاء و معه رسول من ملكهم يحمل رسالة منه تبدي صادق اهتمامه و ترحابه بالمساهة في حل هذا الإشكال .. استمعت اللجنة الى رسول ملك الماساي و هو يشرح لهم كيف قام السحرة و الصالحون بالتعاون مع ملكهم في درء شر الأسود و أنهم من بعد ذلك اتخذوا الأسود حلفاء يساعدونهم في إدارة شؤون مملكتهم , نما اقتصادهم بواسطتها حيث أمنوهم من شر الحيوانات المفترسة كلها ومن شر البشر أيضا الذين هابوهم كما هابتهم الحيوانات حين علمت بتحالفهم مع الأسود الغاشمة , و اكتشف السحرة و الصالحون من بعد ذلك عميق صلات بين الأسود و قوى الطبيعة الظاهرة و الخفية , فأخذوا يستمطرون بها الغيث فينزل الغيث صيبا نافعا و يدرؤون بها الآفات و شر الحشرات فلا تهاجم محاصيلهم فنمت زراعتهم و تباركت انتاجية أراضيهم , و زئير أسد واحد كفيل بجعل خمسة بقرات يتاومن في الولادة بدلا من انتاح عجل واحد , ومن عقمت من الأبقار فإنها بلا شك سترزق بالذرية التي تنفع صاحبها ....أما أمور الحكم فإن ملك الأسود صار لا يكاد يغادر قصر ملك الماساي حتى يزوره مرة أخرى يتشاوران في أمور الرعية و الحكم وصار الملك إذا ما احتار في قرار انتظر صديقه الأسد , فما أشار به عليه أنفذه و لا يجروء أحد على الاعتراض فحكم الأسد حكم فرضته قوى عليمة , و زادت أموال المملكة عن طريق ضرائب تفرض على كل قرار يصدر من الأسد فجعل الملك يحول هذه الأموال الى صالح الرعية من تنمية و إعمار لا يكنز لنفسه منها إلا القليل ,, وكان اقتراحه هو أن يستجلب ملك الأسود بدعوة رسمية تعرض عليه فإن قبل يستعينون بحكمه وحكمته و بركته إلى أن تنجب أمتهم كجورها فإن الكجور كما يقولون يصطفى كجورا ولا يصنع...و ما يقومون هم به الآن من استعجال في انشاء "كجور" بطريقة لا تقرها الشريعة "الكجورية" السابقة ، يجعل من عاداتهم و تقاليدهم مسخا بين تقاليد البشر لا يحترمها أحد...و العجيب أنه رغم غرابة الإقتراح فإنه لقي تجاوبا إيجابيا من أعضاء اللجنة التي بدا أثر السأم و الإرهاق و قلة الحيلة عليها.... فإن غرابة الحل كان لها نسب من غرابة المشكلة التي لم تصادفهم من قبل و لا يوجد في موروثهم ما يفيد بحدوث مشكلة مثل هذه المشكلة ، فالمعروف أن الكجور لا يعقم و أنه لا يموت في سن مبكرة بل الموروث أن الكجور يورث سلطته الروحية و الدينية و هو على قيد الحياة و أنه هو من يرشح خليفته و يعده لمهمته إعدادا.. و رغم سرية أعمال اللجنة فإن الخبر لم يلبث أن أنتشر انتشار النار في الهشيم ، فأيده شعب البحيرات و شعب أعالي النيل تأييدا كبيرا و لم يشذ عنهم إلا آباء البيوت التي رشحت لنيل شرف الكجورية و التي لم يكن عددها قليلا ، فإن كل قبيلة أعدت من البيوت ما ينافسون به في هذا الشرف , ثم إن الأبناء لما ضمنوا أن الأمر قد بعد عنهم مالؤوا أباءهم في رفض قرار اللجنة , و اشتدت لأواء الرفض بين الشباب فصاروا يتجمعون في لقاءات متفرقة كل قبيلة على حدة ينشرون رفضهم لهذا القرار الغير صائب , ثم إنهم من بعد ذلك اتحدوا في جماعات كبيرة يهاجمون اللجنة الموقرة هجوما عنيفا. ثم اجتمع أمرهم على أن يقاموا هذه الفكرة مهما كلفهم الأمر من تضحيات..... |
|||
10-04-2019, 04:03 AM | رقم المشاركة : 58 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
كل التقدير أ. طارق وتحياتي ولي عودة إن شاء الله للمتابعة |
||||
11-04-2019, 12:55 AM | رقم المشاركة : 59 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
قلتلك ح اتعبك معايا بالاسد بتاعي اللي رافض أن تطلع روحه قبل ما يطلع روحي . للفائدة العامة إن كان ثمة فائدة فإني قد اكتسبت معرفة كبيرة من خلال هذه الرواية التي حاولت أن أكون معبرا فيها عن أفريقيا التي لا يعرف الكثيرون عنها الكثير فاجتهدت في القراءة حول التاريخ البعيد و المتوسط و الحاضر الغير بعيد و رغم أني جتهدت أن لا أخطئ كثيرا أسلوبا و لغة ومعلومة و خيالا ، لكن بعد تداخل بعض إخوتي معي و مكاشفتهم لي ببعض الأخطاء التي أرى أنها أخطاء مثيرة و لا يصح أن تخرج ممن يدعي أنه أديب و شاعر كما يقول لي خالي الطيب حينما أرسل قصيدة أو مقالا في قروب العائلة يقول لي أنت بالذات لن أسامحك في خطأ إملائي و لا إعرابي فأقول في نفسي أيه الورطة دي .. لكن و رطة هذه الرواية أجدها مفيدة وجميلة جدا و سأحاول أن أستفيد من أخوتي هنا و في غير هذا المكان لكي أجملها بالقدر الذي يحقق المتعة و الفائدة المرجوة منها.. شكرا لك كثيرا و لن أقيلك من متابعتها حلقة حلقة فلا تكسل و تتعذر بالنظارة. |
||||
12-05-2019, 08:15 PM | رقم المشاركة : 60 | |||
|
رد: الأسد
كاد القلق يفترسني إثر معرفتي بما جرى لسعدية من مرض أدخلت على إثره المشفى ، فليس من عادة أهل الجبال المرض و لا دخول المشافي ،إلا في حالات يكون الموت دائما هو الأسبق فيها من الشفاء، و كنت أهرب من لقاء جدتي التي كان يفرحها كل خبر سيء يصيب نعمة و بناتها، وكانت تعلم مدى تعلقي "بسعدية أم جفيل" ككل شباب البادية و أطفالها الذكور ، بل و الكبار كذلك الذين كانوا يتحدثون بذلك سرا حين يخلوا الصديق بصديقه ، فقد سمعت و لم يأتن الخبر من واش عمي "قادم" وهو يحدث أبي "بأن حبس هذه البنت قد حرق حشاه" فرد عليه أبي:
- لقد حرق حشا القرية كلها... و كم من مرة رأيت و سمعت حاج "المختار" و هو يحدث نفسه بصوت عال وهو مستلق ينظر الى القمر وهو يمرق من بين شظيتي سحاب متنهدا : آه يا "أم جفيل" ما أمسخ القرية بدونك. و لقد غضبت جدتي كثيرا من و الدي حين وجدها تحدث ابنتها أمي بمصير مظلم مقبل على آل "نعمة" تجره عليهم ابنتها "سعدية" , فنهرها و وبخها و أقسم إن سمعها تتحدث بمثل هذا الحديث ثانية ليقطعن لسانها من جذوره .. و قد أجابته محتجة: - وما ذنبي أنا إذا كان هذا هو قدرها الذي نسجته لها الإرادة الإلاهية.... قال لها : - لكن الإرادة الألاهية لم تجعلك متحدثة بلسانها ... الله يعرف ما يريد لا يريد منك أن ترشديه إليه فالزمي الصمت.. فلما جاء المساء كعادتها و هي تحمل لبنها الذي حلبته من عنزاتها لتضعه على نار الأثافي أمام بيتها قالت لي: - غدا سيسمع أبوك صدق ما أخبرته به ... البنت ذهبت خلاص ..خطفها الأقوى من القوي و هرب بها من المستشفى ... ثم التفتت إلي : - قل إثنان ...... قلق الطبيب و توتره أثرا في رباطة جأش الضابط الكبير ، الذي قرر أن يتخذ طريقا أسرع الى الخرطوم من الطريق الذي عبدته الحكومة ... فطريق المواصلات و إن كان آمنا فإنه أطول ، يستغرق سبعة أيام حتى الوصول الى الخرطوم ، غير ذلك فإنه يمر بمدن كثيرة ، بها قوات نظامية أكثر التزاما بالضوابط و اللوائح ، فربما تحتاج الى تدابير إدارية و أذونات مكتوبة ، لتسمح لعربة القائد الرسمية بالمرور .. فاتجه القائد الخبير بالدروب والطرق الى طريق أقصر بكثير ، يمكن أن يوصل الى الخرطوم في يومين ، و إذا زادت المدة فلن تتجاوز الثلاثة أيام ..و لكن الطبيب و القائد كانا مصرين على أن يصلا الى الخرطوم في يوم و ليلة لا أكثر ، فاتفقا على أن يتناوبا القيادة ينام أحدهما ما يكفيه ثم يبدل صاحبه متى ما أحس بالتعب ... والقائد الخبير بالطرق و المدن كعادة كل الضباط الكبار الذين لابد و أنهم مروا بهذه الطرقات مرات ومرات إبان تنقلاتهم العملية .. استيقظ القائد على صوت تأوهات تصدر من سعدية ، و الطبيب كان من عليه الدور في القيادة ، التفت اليه الطبيب حيث يجلس القائد متكئا بقرب الصبية المريضة يغفو مرة و يصحو مرة ... - ما بها؟ القائد نظر الى البنت المسجاة على الكرسي راقدة على ظهرها مثنية رجليها حيث لا تتسع العربة لاحتواء امتدادهما ، ثم نظر الى المغذي الوريدي الذي كاد أن يفرغ حمولته في وريد يدها البضة ، و وضع يده على جبينها الذي يتصبب عرقا و تحدث إليها: - سعدية يا بنت الرجال أتسمعينني ؟ نظرت إليه نظرة لا تعني شيئا سوى الضعف و انعدام القدرة على أي شيء حتى مجرد الإيماء بنعم أو لا ، ثم أغمضت عينيها في غير اكتراث له. واصل القائد كلامه معها : - يا بنتي كيف حالك هل أنت بخير... فتحت عينيها مرة أخرى ، و نظرت إليه ثم أغمضتها مرة أخرى ، أوقف الطبيب العربة و فتح الباب الخلفي حيث سعدية و القائد ، أمسك بمعصمها وقال كمن يتمتم: - نبضها ضعيف لكنه أحسن من الصباح و حرارتها أدفأ قليلا .. قال له الضابط بلهفة رزينة: - هل هي أفضل من ذي قبل؟.. - أظن ذلك... لكنها لا تزال في مرحلة حرجة... أرى أن ننزلها لتستلقي على الأرض قليلا ، و تمدد رجليها فإن الركوب في العربة بطريقتها هذه متعب جدا. بالفعل أنزلاها حملا الى الأرض الرملية الطرية ، و أرقداها على ظهرها ، و صار الطبيب يحرك لها رجليها ثنيا و مدا ، و يرفع لها يديدها و يحركهما الى الاعلى و اليمين و اليسار , و القائد يحمل المغذي الوريدي بيده ، ثم قام الطبيب بإلصاق المغذي في جدار العربة الخارجي ، في وضع أعلى يسمح له بالتدفق السلس إلى وريدها ، ثم استلقيا بالقرب منها على الرمل الذي لا يكاد يبين لونه من شدة الظلام... الطبيب الذي تمدد على ظهره فاتحا ما بين رجليه و يديه قال وهو يحرك رجليه ضما و فردا يحركهما ليجري الدم فيهما : - هل ما قمنا به صحيح .. سكت القائد كمن ينتظر من الطبيب الاسترسال , ثم أجاب لما لم يجد استرسالا: - ما قمت به أنا خطأ بمقياس كل شيء إلا الإحساس الذي تملكني تجاهها .. لا يمكن أن نحبس الجمال لا لشيء إلا لأنه أفصح في الإبانة عن نفسه ... لا يمكن أن أكون أداة قتل للإحساس ... لكنك لم تقم بشيء يدينك ما قمت به هو عين الصواب لم يكن لك أن تترك مريضا يموت و أنت من أقسمت على ذلك .. ضحك الطبيب ثم اطلف آهة طويلة و قال: - لم يحركني من عيادتي واجب ولا مسؤولية إنما حركني إحساس كإحساسك تجاه هذه المخلوقة الجميلة ، لقد أحسست أنها ليست من عالمنا الذي نعيشه ، لقد جاءني إحساس رحمة تجاهها فقدتها منذ أن أمسكت يدي المبضع و أعملت في أجساد البشر الذين يرقدون أمامي كالآلات الميتة التي لا تحس و لا تشعر ، لقد أخرجني إحساس بالإمتنان لها أن أعادتني الى آدميتي و بشريتي ، لأول مرة تؤلمني آهة مريض و تسحقني نظرة رجائه منذ عشرين عاما.... - أتعرف يا دكتور منذ أن أرسلت في طلبها ذلك العسكري و أنا أتهيب لحظة قدومها ، حتى إذا حضرت و دخل العسكري يخبرني بقدومها وددت أن أخرج من باب خلفي لا أراها ولا تراني .. ثم ضحك ضحك حزينة...و أكمل: - لقد وقعت في غرامها من قبل أن أراها ... أخجل منها كلما تذكرت ماضي التليد في طراد المجرمين و إنفاذ القانون .... ثم أخذ الأثنان نفسا عميقا قبل أن يقول الضابط المغرم لصاحبه المتيم .... - ما الذي جعل تلك النجمة تكون من على يسارنا ؟... ألم أقل لك لا تدع النجمة تفلت منك فإنها شديدة المراوغة في هذه الكثبان الملتوية.. نهض الطبيب و هو ينظر الى النجمة المقصودة .. زاد الضابط الخبير بالاستهداء بالنجوم : - قبل كم من الزمن فارقت عينك نورها ؟ - لا أدري لكن ليس قبل وقت طويل ربما ساعتين أو أقل قليلا منذ آخر مرة انتبهت اليها.. - لا تقلق لا أظن أننا ابتعدنا كثيرا لقد رجعنا قليلا لم تغن تحركات الضابط في معرفة موقعهم ولا حثه للتراب مستطلعا اتجاه الريح الذي كان ساكنا لا يمكن معرفة اتجاهه في هذا الظلام الكثيف ولا صياحه المستجدي عسى أن يلحق بهم من يسمع صياحهم ، لكنهما قررا أن يرجعا مستهديان بأثر عجلات العربة على الأرض فحملا البنت المريضة و أدخلاها الى العربة و استلم القائد دفة القيادة ، و تحركت العربة مديرة إطاراتها الى اليمين الأقصى بغرض استكمال الدورة الى الخلف ، و لكن العربة تحركت ببطأ من أثر الرمل الذي بدأ يجذبها الى الأسفل معيقا حركتها قليلا .. وبخبرة القائد المتمرس استطاع أن يخرجها من وحلها الذي كادت أن تغوص فيه بعد أن استعدل اتجاه الإطارات الى الأمام و دار دورة واسعة ليصل الى الخلف الذي عناه .... ولكنه فقد اتجاه إطاراته السابق فلم يعثر عليه الا بعد مدة من البحث الحذر فلما أن وجده سار محاذيا له ، لتقوده حركته الى الموقع الذي تحركوا منه قبل قليل فعرف أنه يسير في دائرة مغلقة ، فعكس اتجاه دورانه هذه المرة و وجد الإطارات كذلك ، و صار يتحرك ببطأ في اتجاهها بعد أن أكد مساره بالنجمة التي جعلها من على يمينه ثم تحرك لا يلوي على شيء .... مرت العربة ببعض بيوت معزولة مبنية من الطين لا تكاد تتبينها عن رمل الأرض لولا ارتطام ضوء العربة بحوائطها الخارجية و ظهور ضوء الفوانيس باهتا من داخلها فنزل القائد طارقا أحد أبوابها مستفهما عن موقعه سائلا أين الإتجاه الى الخرطوم فقال الرجل الذي سألوه مستغربا: - خرطوم ؟؟ أي خرطوم لا يوجد طريق يؤدي الى الخرطوم يمر من هنا...لكن انظرا الى تلك النجمة المضيئة ، ضعاها بين عينيكما تمام لا تفارقاها أبدا لا يمنة و لا يسرة ، ستدخلكم الى قرية سيدلونكم على طريق يوصلكم الى الخرطوم ستصلونها عند الفجر ، و الخرطوم مسيرة ضحوة منها .. العربة لم تكن بحاجة الى شيء لتستكمل مسيرتها غير عزيمة قائدها الذي أيقظته المسؤولية ، و خاف أن يحدث للبنت مكروه يؤذيها ، وهو الذي هرب بها لينقذها من مرض يمكن أن يهلكها ، لكنه طلب من صاحب الدار أن يستضيفهم الى الصبح لأن البنت المريضة ربما تكون بحاجة لبعض راحة من وعثاء الطريق غير المعبد ، فنزلوا عند صاحب البيت الذي وقفوا عنده بعد ترحيب من صاحبه .. الذي دخل و جاء يزوجته و بناته ليحملن البنت المريضة الى الداخل و يقمن بالعناية بها الى الصبح .. أليس الصبح بقريب؟ الرجل الذي نزلا عنده قال له: - أأنت القائد الذي هرب بالبنت ؟؟ صعق القائد من السؤال و نظر الى الطبيب لكن الرجل بادرهما : - لا تخافا أنتما في أمان لقد توقعت أن تكونا مررتما من هنا ولكني يأست من ذلك بعد أن تأخرالوقت و قد جلست في قارعة الطريق انتظر قدومكم ... سأله الضابط : - كيف عرفت بنا و مجيئنا من هذا الطريق... - لقد عممت إشارة "برقية" الى قيادة الجيش في كل مكان بأن قائد الشرطة خرج بسجينة و معه الطبيب ولم يصل الى السجن ولا الى مكتبه ولا الى بيته ، طالبة التعامل بمسؤولية و البحث عنهم خوفا من أن يكون مكروها أصابهم ، ..و أنا أعمل في مكتب القائد و أنا من سلمه الرسالة .. فعلمت أنك قصدت بها الخرطوم و أنك لن تسلك طريق المواصلات الأبعد المحروس و لكنك ستأتي من هنا فهذا طريق أقرب لا يعلمه الا من خدم في الشرطة أو الجيش طويلا مثلك.. أعد الرجل لضيفيه سريرين منسوجين بالحبال ، و جلب لهما جلبابين يغيران بها ملابس السفر المتسخة التي أعطاها لنسائه لكي يغسلنها في ليلتهما هذه ، فإن الركب مسافر صباحا ، كما جلب لهما ماء في أبريق يستخدمانه إذا ما عنيا قضاء حاجتهما ، أو أرادا الوضوء للصلاة ...و ما لبث أن جاءهما بصحن كبير به عصيدة دخن أعدت سريعا ، ممروقة بلبن يتلوى بخاره على ضوء السراج. وما أن بدءا في الأكل حتى سمعوا صوت عربة بالخارج تلاها صوت طرق على الباب و صوت ينادي: - "الرحيمة" "الرحيمة ".. خرج صاحب البيت وهو يلبي صائحا : - مرحب مرحب .... ثم دخل "الرحيمة" ومعه ضابط شرطة يحمل رتبة نقيب ، فلما وقفا أمام الرجلين القائد و الطبيب اتخذ النقيب الزائر وقفة عسكرية ألقى التحية العسكرية بعدها محييا الضابط ضاربا الأرض بقدمه ضربة توحي بحجم الإحترام الذي يكنه الضابط الصغير للضابط الكبير.... قام القائد من سريره الذي اضجع عليه ووقف ثم ضم رجليه كناية على رد التحية بمثلها...ثم احتضنه قائلا : - ابني "الرشيد" ما شاء الله ماشاء الله تعانق الرجلان عناقا حارا ثم أمسك القائد بيد الضابط الصغير و أجلسه بقربه رغم تحرج الأخير فالمقام و الأدب العسكري لا يسمح بذلك ... ثم بدأ القائد يسأل النقيب "الرشيد" عن أحواله و أحوال المنطقة من الناحية الأمنية و "الرشيد" يجاوب في أدب جم يشوبه نوع من التقدير و الإكبار...لكن "الرشيد" قاطعه قائلا: - سعادتك أتمنى أن تخرج من هنا الآن قبل أن يأتي قائد الجيش فهم في اتنظارك منذ عصراليوم جاؤونا أكثر من ثلاث مرات يستفسرون إن كنت حضرت من هنا أم لا .. و لا أظنهم يضمرون خيرا.. هز القائد رأسه و قال له: - من هو قائد الجيش في الحامية .؟. - سيادة العقيد "عبدالمنعم أب كرنكات" - أب كرنكات ... لقد تزامنا أنا وهو في مناطق كثيرة ... لا حول و لا قوة إلا بالله ... لقد اختلفنا أنا وهو مرات كثيرة هذا الرجل لا يكن لأحد احتراما أبدا ، آخرها كان بسببك لو تذكر حينما اعتدى أحد أفراده على أحد المواطنين و أرسلناك بخطاب لتبلغه فقام باعتقالك قائلا لن يطلق سراحك قبل أن نطلق سراح العسكري... أذكره جيدا - قال النقيب لذلك أتمنى أن تخرج من هنا بأسرع وقت قبل أن يعلم بحضورك .. ولقد أحضرت لك برميل وقود .. - لست مضطرا لتفعل ذلك يمكك أن تؤدي واجبك ... قاطعه النقيب الرشيد: - هذا واجبي أنت ما زلت قائدي لم يردني ما يفيد بنزولك من الخدمة و لا بإحالتك الى التحقيق ولا أي شيء من هذا القبيل أنت تقوم بواجب شرطي أنا أحترمه ومن واجبي مساعدتك... سمع الجميع صوت عربة بالخارج ما لبث أن توقفت... و صوت احتكاك الباب الخارجي بسطح الأرض منبئا عن فتحه بواسطة أحدهم ثم صوت العقيد "عبد المنعم أب كرنكات" عند باب الغرفة بعد أن ضحك ضحكة مجلجلة: - أخيرا التقينا ....مرحبا قائد الشرطة الهمام ...ألف مرحب |
|||
13-05-2019, 03:00 AM | رقم المشاركة : 61 | |||
|
رد: الأسد
يا سي جمال أنا أبعثها هنا لتقرأها أنت و الست نوال لا أحد غيركما يقراها على ما يبدو الناس مالها و مال أسد لا يعرفون أرضه و لا بنتا يلعب بها خيال كاتب لا يعرفونه.
بقيت حلقتان للنشر هنا و الباقي سأبعث به مكتملا . ان شاء الله. النضارة شكلي سأبعثها بالبريد السريع لتقرأ هذه الحلقة على أن تعيدها لي لأكمل بقية الحلقات.. و على قصةالبريد السريع فهناك طرفة حدثت لي مع ابن عمي حيث انني قمت بالأشتراك ف خدمة البريد السريع مقابل مال و ذلك قبل اعوام أيام الشباب (سنة سنتين مش اكتر من الآن) فجئت فرحا لأخبره و هو صديقي الأعز بما انجزت فقلت له لقد اشتركت في البريد مقابل كذا من المال فقال لي ساخرا مني لقد أضعت مالك في الفاضي ، أصلا أنت بتريد سريع فلم تشترك في البريد السريع. و نحن نقول للحب الريد أي أنت أصلا بتحب سريع ... فاحسست بفداحة خسارتي للمال.. تحياتي اخي الكريم |
|||
16-05-2019, 07:49 AM | رقم المشاركة : 62 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
عن الناس وعن عاداتهم وبطولاتهم ومغامراتهم وعزمهم جميل أن نتعرف على كل ما ذكرت من خلال قصك أتابع... |
||||
16-05-2019, 08:20 AM | رقم المشاركة : 63 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
تحياتي |
||||
19-05-2019, 06:58 AM | رقم المشاركة : 64 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
متابعة بإذن الله |
||||
19-05-2019, 07:58 AM | رقم المشاركة : 65 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
|
||||
01-06-2019, 03:06 PM | رقم المشاركة : 66 | |||
|
رد: الأسد
السياسة تجارة و الحرب سلعة تباع في سوقها كما أن السلام سلعة تباع أيضا في سوق السياسة , الرابح فيها من يعرض السلعة في موسم الحاجة إليها و أنهم عرفوا وقت حاجتها لكن الشاري الناجح هو الذي يقلب ميزان ربحها و خسارتها قبل أن يساوم في شرائها.
جميلة هذه الفقرة ومعبرة .. ماشاء الله قصة جميلة لم اتمم القراءة بعد وصلت للفصل السابع و لكن استمتعت جدا و شدتني الاحداث .. كردفان أو أرض الرجال زاخرة بالصور و المشاهد الغنية و الشخصيات الرائعة في ملامحها و عفويتها التي نقلتها باقتدار مبدعنا .. كنت أقرأ و بالتوازي أمر سريعا على ويكيبيديا للتعرف على الاماكن التي ذكرتها الى جانب المعلومات التاريخية الشيقة التي أوردتها و وجود شخصية تونسية من مدينة بِنْزَرْت/هيبو خلق توليفة جميلة سودانية تونسية لا يمكن توقع ما قد يحصل في بقية الفصول و لا تكهن نهاية بل الأمر مفتوح على أكثر من تأويل و هذا زاد من نسق التشويق .. تحياتي أخي الفاضل و الأديب المبدع أ.طارق بالتوفيق ان شاء الله لاكتمال هذا العمل الجميل و لمزيد الأعمال ان شاء الله تقبل الله صيامكم و صالح الاعمال و كل عام و انتم بخير .. خطر لي ما رأيكم أستاذي بـ "كردفان " أو " أرض الرجال " كعنوان مجرد اقتراح اجدد التحية |
|||
17-07-2019, 08:42 PM | رقم المشاركة : 67 | |||
|
رد: الأسد
فتح الباهي عينيه و الأعياء يكاد يمنعه من فتحهما و آثار ألم بعيد غائر يعوي من على كتفيه وجلبة كثيفة تصم الآذان و تعم المكان , فرأى كرسيا كبيرا فارغا لا يجلس عليه أحد و إن كان يحرسه رجلان مدججان بالسلاح يرتديانه و لا يرتديان شيئا غيره مما يستر البدن , سود لون البشرة , تبدو على وجوههما آثار جلافة و قسوة , أطوالهما لا كأطوال البشر الذين يعرفهم فهم طوال ’ يكاد الواحد فيهما يفوق طوله الرجلين بل أكثر عراض ما بين المناكب , تبدو عضلات كل واحد منهما كصخرات قائمة بذاتها تنشز من على صدريهما و يديهما ...و بين كل لحظة و أختها يدخل , رجل مثلهما مدجج بالسلاح و يخرج رجل يتحدث إليهما فيجيبانه مرة و مرة لا يجيبان على الداخل بل يكتفيان بالنظر إليه وهز كتفيهما في حركات يتقنانها معا فلا تصدر إلا وفق انسجام في الرد بينهما , و المكان حين جال بعينيه فيه دون تحريك رأسه بدا كخيمة معدة لعظيم قوم مما لاحظ من أثر الزخارف المنقوشة على قماش جدارها , و توجد أرائك و دكك مصفوفة على جانبي الكرسي , و الصياح خارج يزيد و يفتر ثم لا يلبث أن يزيد مرة أخرى. لا يدري كم من الزمن مر عليه و هو ملقى في هذا المكان لكن الألم يعوي من جميع أنحاء جسده ... قطع عليه حبل أفكاره و معاناته ازدياد الجلبة خارج الخيمة بشكل ملحوظ , ثم دخول أناس بنفس صفات الحارسين يقفون عند رأسه , يتحدثون مع بعضهم , يلكزونه بأقدامهم غير مبالين لجراحه , يقلبونه بأرجلهم كما يقلبون العود الملقى أو الشيء البالي , لم يقاوم الباهي ما يفعلونه به, فقد أظهر لهم أنه فاقد للوعي لا يحس بما يفعلونه به رغم ضرواة الآلام التي يعانيها. جلس أحدهم قرب صدره و أخرج سكينا ثم بدأ يحك بها جلد يده, و هو يتكلم مع رفاقه كأنما يشرح لهم شيئا ,, حتى نزف الدم من يده ..و الباهي يزيد من تجلده و صبره كأنما يسلخون جلد شخص آخر غيره و الرجل لا يبالي ..و صار الرجل يمرر يده على ملابسه متحسسا لها بخشونة و رعونة و قسوة و يقلبه ذات اليمين و ذات الشمال ... و فجأة يتوقف كل شيء , و يقف الرجال و يصمتون,, و الجلبة و الصياح بالخارج لا تكل و لا تهدأ , ثم تدخل امرأة .. عظيمة الجسم تلبس درقة جلدية تشبه تلك التي صنعتها له أمه لا تلبس شيئا غيرها , إلا سيرا من جلد على خصرها تربط عليه قطعتين من قماش إحداهما تستر ما بدا من الأمام و الثانية تستر ما دنا من خصرها من الخلف , و تحمل سيفا آثار الدماء فيه لم تجف.. وقفت عند رأس الباهي ثم أخذت تتحدث بصوت قوي صارم مع من حولها وهم يستمعون إليها أحيانا و أحيانا أخرى يتحدثون و لكن بأدب واضح , ثم جلس ذلك الرجل مرة أخرى و حمل يده يريها ما فعل بها من قبل , و أخرج سكينه مرة أخرى , و أراد تكرار ما فعله المرة الأولى .. لكن الباهي سحب يده منه قبل أن يسلخها ففزعوا و قفز فوق رجليه و صدره اثنان منهم و هَمّا أن يضرباه لولا تدخل المرأة القوية التي منعتهم من ذلك ، ثم جلست على رجل واحدة متكئة بيدها اليسرى على الرجل الأخرى و قد غرزت السيف الذي كانت تحمله باليد اليمنى أمام وجهه مباشرة، ثم أمسكت بشعره ترفعه الى الأعلى ناظرة إلى عينيه بعينين تشبهان عيني أسديه الذين أتيا به الى هذا المكان ، ثم تحدثت معه بلغة لا يفهمها ، فأشار إليها بعينيه ورأسه أنه لا يفهم ما تقول ،فصرخت في وجهه بقوة مكررة نفس ما قالت ، فكرر لها حركة وجهه مرة أخرى ، وقفت المرأة التي كانت تتحدث إليه بعد أن ألقت رأسه من يدها ، و أخذت تتحدث مع من حولها ، ثم أشارت إليهم بيدها كأنها تقول خذوه، لكن الباهي قفز متحاملا على جراحه متكئا على كوع يده قفزة أثارت خوفهم فتراجعوا ، و قفز قفزة أخرى الى الدكة التي كانت أمامه ، ثم رفع يديه الى الأعلى مشيرا إلى أن يديه خاليتين من سلاح ، و هم ينظرون في تحفز و انتباه ، و المرأة ثابتة لا تحرك غير رأسها في ثبات لا يجيده غير الملوك ، ثم خلع قميصه مبديا صدرا أعزلا خاليا من سلاح ، و فك رباط إزاره ليقع مظهرا قبله و دبره عاريين لا يستران شيئا و لا يسترهما شيء مما قد يثير الرعب، ثم رفعه سريعا ، تقدمت إليه المرأة المبجلة و أمسكته من يده اليمين و تلته إلى الأرض تلا ليقع على رجليه وقعة رجل مدرب على كيفية الوقوع الآمن ، لكن جرح كتفه اليمين بدأ ينزف سائلا على ظهره بغزارة ، نظر إليه خلسة لكن المرأة القوية ركلته بقدمها ملقية له على الأرض ، تحدثت بعدها الى من هم حولها بكلام صارم كالأمر واجب التنفيذ , لم يفهمه إلا بعد أن نفذه من عناهم الأمر , إذ قاموا بجره من يديه كما تجر الشياه , ذاهبين به الى عريشة في الخارج , بها رجال واقفون حول رجال جرحى ملقين على الارض , أو على حصير مجموع يخفف عليهم أثر الأرض الصلبه ... وقد فهم مما رآه أن هذا مكان معالجة الجرحى , و أنهم أتوا به الى هذا المكان ليعالجوه من جرحه الذي ينزف ...مما أوحى إليه بأهميته لديهم , فهم لا يريدون أن يقتلوه , و إلا لما أمروا بتطبيبه من جرحه، و رأى خارج الخيمة ذلك الغبار الكثيف ، الذي يعلو بسبب قتال عنيف ، يدور رحاه على بعد ليس بالقريب و لا البعيد ،قتال ما رأى مثله من قبل.... وقف "الباهي أمام تلك المرأة القوية في مساء نفس اليوم الذي يبدو أنه انتهى بانتصارها لأن الوجه الذي قابلته به صباح اليوم غير الوجه الذي تقابله به الآن ، و هي جالسة على كرسيها المنمق و خلفها حارسان يشبهان الحارسين الذين كانا واقفين في نفس مكان هذين الحارسين ، وعلى يمين كرسيها يقعو أسد ضخم على عجزه و رجليه الخلفيتين و هي تلعب بشعر لبدته تنثره ثم تمسح عليه ، و خيمتها مضاءة بنيران أعواد لا تنطفئ ، و أصوات أهازيج و مرح و صياح فرح يتعالى بين لحظة و أخرى يأتي من خارج الخيمة ... أشارت إليه بيدها أن اقترب فلما تقدم ووقف بالقرب من كرسيها ، قامت و نزلت من على كرسيها العالي ثم أمسكت بشعره تشده شدا ، و تكلمت كلاما بين المنخفض الهامس و الصارخ الناهر ثم أطلقت شعره و تحركت الى حيث يقف أحد الحارسين و أخذت منه سيفا كان يرتديه و سلته من جفيره ، و أتت و وضعته على عنق الباهي و هي من خلفه تتكلم و تصمت تثور و تهدأ و السيف مسلط على عنقه ، و هو ثابت لا يتحرك حتى أن دما أحس به يسيل من عنقه ، ثم رفعت السيف عن عنقه و ألقته الى الحارس الذي التقطه في مهارة و أرجعه الى جرابه و رجعت الى كرسيها و هي تضحك كالممسوسة ، كل هذا و الباهي لا يفهم شيئا مما تقول ، بل لا يفهم شيئا من كل ما حدث ، كان ذهنه مشتتا يفكر في هذا الذي هو فيه و الأسئلة الصعبة تتناوشه أين هو ؟ و من هؤلاء ؟ و من أين أتوا ؟ و أين هم من سوق أهراس؟ و لماذا لم يشعر بهم أهله في السوق؟ و و و... لم يكن يخفف عليه وحشة هذه الأسئلة ، و صعوبة هذه اللحظات القاسيات غير عيني الأسد الجالس تحت كرسي سيدته ، هاتان العينان اللتان تشبهان عيني أسديه اللذين تركهما خلفه ، ترى ما الذي حدث لهما ؟؟. . كان الأسد ينظر إليه في ألفة هو يعرفها و يفهمها و لا يفهم سببها لماذا هذه الإلفة ، جرب أن يومئ إليه بعينيه كما كان يفعل مع الأسود في السوق ، و من عجب أن الأسد تجاوب معه ، يبدو أن لغة الأسود واحدة في كل مكان ، وربما في كل زمان..فما يراه هنا يوحي بأنه في زمن غير الزمن الذي عاش فيه.. فهؤلاء القوم بدائيون في كل شيء ، أسلحتهم ملابسهم أدوات طعامهم و أدوات تطبيبهم و علاجهم .. مراكبهم كل شيء يوحي بأن هؤلاء القوم يعيشون في زمن غير الزمن الذي يعيش فيه ، قطع عليه تفكيره أثر الدم الذي سال من رقبته و صياح المراة القوية المبجلة ... لكن هذا الحديث العنيف الذي ابتدرت به المرأة حديثها تغير الى حديث أخذ ينحو الى اللطف تدريجيا حتى استقر الى كلام هادئ بعد أن حضر عدد من الرجال و النساء ، قامت إليهم السيدة المبجلة كأنها تحييهم واحدا و احدا ، تمسك بأياديهم و رؤوسهم و تعانق بعضهم ، في حبور و فرحة ، وهم يبادلونها التحية بأحسن منها أدبا و تبجيلا .... تغير التعامل كليا فطيلة الليلة البهيجة التي كانت احتفالا بالنصر المؤزر كما يبدو، كانت المرأة القوية تجلس على كرسيها المبهرج و قد أعدت له مقعدا تحتها هو الأقرب لها من بين بقية المقاعد، يقابله في الجهة الأخرى الأسد الذي لم يكن ابتهاجه و فرحه خافيا أيضا ، و قد كان حرصها باديا على أن تريه مظاهر قوة جيشها الذي مرت بعض كتائبه أمامه، ثم جيء بجنود آخرين , يبين سمار لونهم الأفتح من لون سمار الجنود المنتصرين .. مقيدين بحبال من سعف الأشجار يحرسهم جماعة من العساكر .. لا تخفي ابتهاجها و شماتتها و قوة غيظ قلوبها من الذين يقودونهم مقرنين في الأصفاد ، و لم يكن استنتاج أن الأوائل أسرى المعركة بالأمر الصعب ، وكان من بينهم رجل ضخم الجثة في مقدمتهم مدجج بالسلاح و الدروع ، و الدماء تلطخ أجزاء كثيرة من جسده ، يمشي مرفوع الرأس على غير إرادة الجند الذين جاءوا به ، فقد كانوا يضربونه لكي ينحني و لكنه كان يأبى عليهم ذلك ، فعرف أنه قائد الجند المهزومين أو ملكهم ، ثم جعلوهم قبالة المرأة القوية و أمروهم برفع أياديهم عاليا ثم السجود لها ففعلوا ، إلا قائدهم الذي ضُرب في رجله بحديدة قوية فجثا على ركبتيه مرغما.... رفع القيد و الحظر عنه بل و أخذ للنوم في مكان أعد للقادة إذ لاحظ أن من يرقدون فيه لا يرقدون على أرض عادية كبقية الجيش بل في قش كثيف جمع و رص بطريقة تلينه مما يجعله مرتبة طيبة وثيرة.نام الباهي بعد معاناة من آلام جراحه مستلقيا على بطنه حتى لا تلمس جروحه الأرض و بعد زمن ليس بالقليل كما بدر الى خلده غفت عيناه و ذهب في سبات عميق ...لكنه نفسه الباهي النائم كما ينام الأموات قفز فجاة فزعا كالمصعوق, بسبب أنفاس ساخنة أحس بها قرب فمه و أنفه و عنقه , و شيء طري لدن رطب كاللسان يدغدغ رقبته و خده و أنفه . |
|||
23-07-2019, 02:31 AM | رقم المشاركة : 68 | ||||
|
رد: الأسد
اقتباس:
ثالثها رأيك القيم المشجع يزيد من فرحتي و يدفعني للمزيد رغ أنني قد وصلت لقناعة أن ما نكتبه لا يقرأ ولكنني بعد معاناة مع نفسي استطعت اقناعها بالمواصلةفي الكتابة وومثل رأيك رغم مجاملته لكنه يعطي دافعا كبيرا لمبتدئ في فن القص. لا بأس من تغيير الاسم لكنني لم أحسمه بعد و أريد أن تنتهي القصة لأنظر بعدها ماذا اسميها فنهايتها ما زالت ملتبسة لدي. شكرا لك و كل عام و انت بخير و تقبل الله طاعاتك يا رب |
||||
28-07-2019, 03:16 AM | رقم المشاركة : 69 | |||
|
رد: الأسد
جميل أنت أخي جمال
القصة انتهت و بعد نهايتها شعرت أنها لا تعجبني و أريد تمزيقها لولا أن شهدا منعتني .. و من يعصي طلبا لشهد .. من اجمل النصائح التي تلقيتها هو أن لا أجعلها أطول من ذلك. سأفعل بل فعلت و لكن للمعلومية فانت الآن هنا في منتصفها أو بعد النص بشوية و الباقي معي., أعمل أيه |
|||
26-10-2019, 02:21 PM | رقم المشاركة : 70 | ||||
|
رد: الأسد
تحتاج هذي الحظة قراءة متانية
ماتع حرفك وصادق أخي الفاضل طارق لي عودات بحول الله
|
||||
20-08-2020, 02:52 AM | رقم المشاركة : 71 | |||
|
رد: الأسد
هل تذكرونها
|
|||
20-08-2020, 02:22 PM | رقم المشاركة : 72 | |||
|
رد: الأسد
بعثتها لاجلك يا وجيه..
كيف حالك علمت اني سالتقيك هنا لارحب بك |
|||
16-03-2021, 02:14 AM | رقم المشاركة : 73 | |||
|
رد: الأسد
أرجو من من يرغب في القصة مكتملة أن يبعث لي في الخاص إن أرد او هنا بإيميله الشخصي لأرسلها له مكتملة .
شكرا لمتابعة |
|||
24-03-2023, 03:40 AM | رقم المشاركة : 74 | |||
|
رد: الأسد
- آ سعدية ... ما بتخافي من الله...؟
- مالك يا ولد؟ - المسوياه في الخلوق دي الله بسألك منه وحياة أبوي الشريف. - أنا سويت شنو؟ عملت شنو أنا عشان تقول لي خافي الله ، أنا الله خايفااه ، الما خايفه أبوي يديني ل ود الفضل .. - ماله ود الفضل مش ود خالتك - ود الفضل إن دايرني اليجيب جفيل أبوي التونسي ، البجيب جفيلي بياخد قسمته مني. - و قسمته كم؟ - شوية ما كتيرة ههه .. - و الباقي؟ - الباقي حق البجيب لي الأسد .. - هم ما واحد ؟؟ - اسكت يا الغشيم ، الأسد بجيبه براي - بتجيبيه كيف ؟؟ قامت من مكانها مطلقة من بين فخذيها شاة كانت تحلبها ثم و قفت حاملة إنائها الى شاة ثالثة و ضحكت ضحكة تسلب الروح من حشاشتها وقالت وهي تمشي و ترمقني.. - أنا بتك يا بوي.. قلت لها و أنا أحمل عنها إناء اللبن : - الجَد يا سعدية وريني كيف قدرت على الأسد - الأسد ما فارقني من يوم فتحت في الدنيا دي ، بقتله في اليوم مرتين و ثلاثة كيف ما بقدر عليه... - بتقتليه كيف ... - الأسد بقتلوه كيف ! - ما قتلت لي أسد قبل كدة لكن بقولوا يا بحربة يا بسيف يا بحجر يفجخو بيه راسه.. - أنا بخنقه بايديه ديل ، أنا و أبوي التونسي.... - أبوك البجيبه شنو من رقدة موته يا بت ؟؟ * في حضرة امه روى "علي ود الأحيمر لنعمة تفاصيل ما حدث بين سعدية و الأسد ، روى القصة و قد اطمأن الى انها لا تفكر في محاسبته لتجسسه على بنتها و هي تبترد : - الأسد قبل ما "سعدية" تقبل عليه جاري عليها جرية جوع ..... و انا من شفت الحمار يتلجلج و ينطط زي المهبوش مصاريني وقعت من بطني .. بتك دي ما عاقلة يا "نعمة" في عاقل يقيف للأسد؟ و الأسد داك ما أسدا هويِّن ، أعتى من قرنتية و أطول من حصان و أخف من زرزور... - يا ولد ها خجلتني قول بسم الله عقلك وين ودرته ؟ البت تقيف للأسد و إنت مصارينك تقع و قلبك يطير إنت ماك ود بطني؟.. هدأتها نعمة: - الولد جاهل –صغير - لسة ما قدر "سعدية" " سعدية" فايتاه بي حولين.. - اللي بقى يعاين للبنات في برودن ما عاد جاهل .. كلامه ده ما يمرق يا نعمة داير عليك الله ما تفضحي ولدي .. وأنت إن قلته تاني بقطع لسانك و لّا تفوتني و ما أشوفك تاني .. لا انت ولدي ولا بعرفك. - يا مرة ما تقهري الولد , .. بكرة يكبر و تشوفيه يبقا هو زاته أسد .. ارتاحت الام من كلام نعمة و اومت لعلي ان يكمل حديثه .. أها قول لي يا علي ولدي وبعدين .. - الحريم هناك عيطن و صيحن ... النصيحة فيهن شالنها كرعيها و الغبّت وِعَت في حينها بعد ما شافت أخواتها جرن جرت وراهن ، و الحمار المربوط يناتل في قيده لما قلع الفرع من شجرته بي أوراقها ، وجرى على جوة الغابة .. - أها - بتك شافت الأسد جاري عليها هناك ... "عاشة" كوركت ووقعت مغبية و "غبيشة" جرت و لا اتلفتت علي زول ، إلا "سعدية" جرت على فرع التبلدية ، شالته و قبلت علي الأسد و جرت عليه... الأسد الجاري قبيل حرن فجأة زي التقول مربوط بي حبل و زول نتله لي ورا.. و المجنونة دي جارية عليه وتقول ليه : أبقا راجل و تعال يا أسد أنا بت أبوي القتل أبوك .. و الأسد بقا زاحف لا ورا .. بعد ما كان جاري عليها و هي شايلة فرعها و جارية عليه ... أنا بت أبوي القتل أبوك أبقا راجل و تعال ... و رفع الاسد راسه .. شال عيونه من عنيها وهرب على الصعيد زي الحمار .. .. * مخيلة واسعة ثرية بلا شك .. تصرفت مبدئيا في هذه القطعة القصصية المثيرة .. ولي عودة لتبيان عدد من ملاحظاتي عليها .. ارجو منك التكرم بقراءتها لمعرفة ملاحظاتك على تصرفاتي * كل عام و انت بخير اخي الحبيب طارق .. |
|||
15-04-2023, 02:59 AM | رقم المشاركة : 75 | ||||
|
رد: الأسد
مرحبا بك أخي ابراهيم في هذه المنسية.
حاولت معرفة بعض ما تفضل به قلمك فلم افلح ربما لاني لم اقارنه بالاصل مترقب عودتك بصبر يكاد ينضب.. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|