قراءة جهاد بدران على موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-2018, 02:42 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

الناص : زياد السعودي
النص : موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ
قراءة وتحليل : جهاد بدران
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


النص :
ــــــــــــــــــــــ


الى قسيمها سلطان الزيادنة مع عدم حفظ الألقاب

عجنتكَ في صَحْنِ الأسى البَلْواءُ
خَبَزَتْكَ في تنّورِها الأنْواءُ
وسعيرُ لا جَدوى سَقاكَ أوارَهُ
وتمنَّعَتْ عَنْ وَصْلِكَ التأساءُ
تمشي غُفاريا،أليلا، مُجْهدا
مُتصارِمًا يغتالُكَ الإعْياءُ
سين السُّؤالِ قَدِ اصطفتْكَ مُبكِّرًا
فتغوَّلَت في روحِكَ البرداءُ
جيمُ الجوابِ تضرّمَتْ لَمْ تنطفئْ
نارُ السَّموم تؤُرّها الرَّمْضاءُ
وأسى المنافي قد سَقاكَ مِنَ النوى
وتعثّرَتْ في ظلّكَ الأضْواءُ
قد شابَ قلبُكَ قبلَ راسِكَ يا فتى
مذ أثقلتكَ بعبئِها الأعْباءُ
أنت الطّريدُ عليْكَ قد جَثَمَ العنا
واسْتَفْحَلَتْ في دَرْبِكَ البأساءُ
غَيَّضْتَ دمعكَ في غَرابيبِ الونى
حتى اشْتكَتْ من كأدِكَ الكأداءُ
موتًا كثيرًا قد سُقيتَ مِنَ الرّدى
ومحت ظِلالَ كيانِكَ الظّلماءُ
قد أهْلَكْتْكَ لواعجٌ لا تنتهي
وتمنَّعَتْ عَنْ لحدِكَ البَطْحاءُ
ما كنت إبْنًا للحياةِ لأنّها
قد غيّبتكَ بجُبِّها الأرْزاءُ
قُم مُتْ فمَوْتكَ مُذْ وُلِدْتَ مؤجَّلٌ
فَلعلَّ مَوْتكَ يَشْتهيهِ رِثاءُ



القراءة والتحليل :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

ما أجمل ما حملت هذه القصيدة من ضوء يفج الظلام في ليلة حالكة السواد..لتنير الفكر بدلالاتها وتأويلاتها التي تعددت على قمم الفكر وجلبت معها الخيال تعجن الأفكار وتطرح التساؤلات وفق منظومة مدروسة بكل حروفها..لم تكن القصيدة وليدة الفكر والوعي فقط بل جاءت تتهادى مع قمة المشاعر والأحاسيس النبيلة الصادقة والتي أنطقها مرغماً بالوجع شاعر كبير نفخر به وبقسيم روحه الزيادنة..
القصيدة وما حملت من أبعادٍ متعددة جاءت على مائدة شعرية راقية تدل على حجم ناطقها وملهمها..والتي حرّكتها تلك المشاعر الناطقة بالألم المحملة بالحب العظيم لقسيم روحه السلطان..
من خلال عنوان القصيدة ..
/ موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ /
عنوان اتسعت معه معاجم الفكر وافترش للخيال خيوطه الذهبية في حبك معالمه وتطويعه وفق ما تمليه المعالم على المداد...
فالعنوان يحمل معالم الموت الافتراضية وليست الحقيقية استناداً على كلمة الرثاء..
فالموت هنا لم يتحقق بشكل فعلي إنما كناية عن قمة الألم والأسى والحزن..والدليل على ذلك هي كلمة /يشتهيه الرثاء/ فالرثاء يقع مفعوله حينما يقع الموت الحق ليكون الرثاء لزاماً لعملية الموت..ولذلك انتقاء كلمة /يشتهيه / كانت معبرة بشكل دقيق جدا لعملية الألم التي هي قبل الموت..وعملية الاشتهاء من الرثاء للموت إنما جاءت على هيئة التمني لحدوث الموت..وهذا دليل على الألم والوجع والذي لم يحدث الموت بعد..
فالرثاء يشتهي الموت بمعنى يتمناه ويسعد بلقائه...
لذلك انتقاء العنوان كان ملازماً ومتناسقاً مع معالم القصيدة والتي سنورد أبعادها بعد ذلك..ونتوقف عند كل مفصل من مفاصلها المتقنة التي تدل على المهارة والقوة في اختيار الألفاظ وحياكة الثوب المناسب لها مع التوافق الحسي مع كل جنود الحرف البارع ..
...
يبدأ الشاعر قصيدته بتعريف جذور حرفه وتأصيل معالم قصيدته لروح إنسان يضمها لروحه لتكون روح واحدة على السواء..وكانت مقدمة توحي مدى العلاقة بينهما ..وهذا ما ألهمنا في قوله :

/قُم مُتْ
الى قسيمها سلطان الزيادنة مع عدم حفظ الألقاب /
فعل الأمر ..قم مت..جاءت بفعلها / للسلطان الزيادنة/ لشخص متقرب له حد الروح والذي يستطيع أن يفرض عليه الأمر بانسيابة دون مضايقة أو حساسية والدليل على ذلك حين قال الشاعر في ألفاظه:
/ مع عدم حفظ الإلقاب/.. هذه الجملة بالذات تدل على حجم العلاقة المتأصلة بينهما بروح واحدة..لأن اللقب حين يلتصق بنا إنما يكون منحة الآخر وليست من الذات نفسها..نُمنح الألقاب من جهات أخرى ..وهنا الشاعر أراد بكلمة /مع حفظ الألقاب/ أن يرشدنا على عمق العلاقة بينهما وأنهما روح واحدة ليسا بالغرباء أو الآخر...وهذا كناية عن الحب اللا متناهي بينهما واللا حدود له...
ومن هذه المقدمة كانت فروع القصيدة تتشعب بعمقها ومعانيها لتصب في بوتقة واحدة تحت عنوان ذلك الحب العظيم النادر الذي يجمعهما والذي جعل الشاعر يعيش نبض قسيمه الذي هو روحه الملهمة بمشاعر صاحبه..
وهذه تعتبر قدرة عظيمة في حياكة الجمال والمشاعر الصادقة التي يحس بها من نبض صاحبه...يقول في مطلع القصيدة:

عجنتكَ في صَحْنِ الأسى البَلْواءُ
خَبَزَتْكَ في تنّورِها الأنْواءُ

الشاعر هنا في البيت الأول.. يبدأ قصيدته بفعلين ماضيين../ عجنتك..خبزتك/ كلاهما يدلان على أثر قد حصل في الماضي حتى أثّرت في جنب السلطان وتركت آثاراً جعلت من الشاعر يشتعل بأوصافه الدقيقة مدى ما يحمل صديقه الروح من وجع ..
هذين الفعلين يوضحان عمق الوجع وقمة الحزن..لما في عملية العجن من دعك وتقلبات وتعرض للغوص في أجزاء الوجع..كما يحدث في العجن ودعك أجزائه وتداخلها ببعضها..كناية عن ذلك الوجع المغموس في الجسد والروح..ثم خبزها يدل على استواء الهم والوجع حد التخمة ومروره بكل مراحله مع النزف الحي لذلك..فالفعلين الماضيين جاءا سفراء المعاني العميقة للوجع لتلهمنا مدى ما يحمله القسيم من نوبات الحزن الشديدة...
أما استخدام كلمة/ الصحن / يدل على دائرة الوجع لم يتعداه عن الأسى وبقي في بوتقة واحدة تتقلب به البلواء وتدور في مكانها لا تتغير..كناية عن التصاق الوجع في مكان واحد مستدير يتقلب به الوجع وتدوسه المصائب والابتلاءات والمحن..
أما الأنواء والتي حملت معها اسم التنور ووصفه بالخبز من الرياح..جاءت الرياح والتي تحمل دلالات العذاب والشدة وتحمل معها رياح حارة جداً جاءت حرارتها درجة الخبز من حرارة الجو المسكون فيه الحدث..فالرياح تحمل صفة الجو الملازمة له ..فنرى الرياح الحارة الجافة الحارقة إنما تأتي أكثر من جو صحراوي الذي يفتقر للطبيعة الخضراء..وهذا كناية عن المكان الذي يعتاشه القسيم وسط جو مشحون بالضيق الحراري والطاقة الجافة التي أفرزت منها رياح حارة تصل لدرجة الخبز..وهذا كناية عن قمة الوجع..وأن يجعل الشاعر من الرياح والشدائد في محطة تنور للخبز دلالة على عمق الأسى..
والرياح دلالة على الشدة في عصف الابتلاءات
وشدة المحن..

هذا البيت الشعري عبارة عن تهيئة للبيت الثاني الذي يبدأ به الشاعر بكلمة / وسعير/

/وسعيرُ لا جَدوى سَقاكَ أوارَهُ
وتمنَّعَتْ عَنْ وَصْلِكَ التأساءُ /

"الأوار هو الحر والعطش الناتج عنه.."
يظهر في هذه الصورة معنى العطش الشديد والذي يتمناه العطشان بارتواء من سقيا محتملة..والسقيا هنا تأتي لعطشٍ عطشاً لتكون النتيجة عطش مطلق...
عملية انتقاء الألفاظ بدقة وتسليطها الضوء على جبين الألم..ومحاكاته بطريقة مفعمة بالتجسيد الحسي وقراءة مشاعر السلطان..دليل على مدى التحام الروحين بروح واحدة ومدى النبل والإخلاص المتناسل من تعابير الشاعر...أن يصل الشاعر لهذه الدقة في تشريح واقع السلطان دليل على البراعة والاتقان..ولا عجب من شاعر كبير كالعميد الراقي...
فالبيت بما حمل من معاني الألم ..جعله الشاعر يذوب وجعاً لمنتهاه حين جعل من السعير وحرها والعطش الناتج عنها..تساوي ذلك الألم الذي يجتاح صاحبه ليصل مبتغاه وهو يحصد ثمار الغربة والأسى..
ينتقل الشاعر لوضع صفات قسيمه الدقيقة بقوله:

//تمشي غُفاريا،أليلا، مُجْهدا
مُتصارِمًا يغتالُكَ الإعْياءُ //

الصورة الشعرية هنا مكثفة جدا حملت صفات متعددة في كلمات كانت تعبر عن دقة وضع الحال الذي تلبسه قسيمه / غُفاريا/ أليلا/ مجهدا/ متصارما/ يغتاله الإعياء/
حالات وصفات وزعها على وضع قسيمه كي يقدم له مشاعره وقراءة حسه بدقة..وكي يُشعره بإدراكه لحالته النفسية وإخلاصه العظيم له..
- غُفارياً...وإن كانت تحمل من معالم الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري..الذي قيل فيه:
//أخرج الحاكم في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده".//
وحيدا يمشي ..
- أليلا: قلق ومحموم ومضطرب ويحمل الأنين في خطوه..
- مجهدا ..متعباً
- متصارما..المتقاطع عن الخلق..وحيداً
وفوق كل ذلك..يغتاله الإعياء..
وهذا كله كناية عن الوضع المحزن الذي يصفه الشاعر لقسيمه...
في ظل هذه الصفات المثقلة على عاتق إنسان..والتي تهدم حياته..لا نجد فسحة أو فوهة أمل واحدة يتنفس فيها المتلقي بمشاعر الفرح والتي يمكن أن تعيد له بعض حياة..
وأجزم أن هذه الصفات يحملها الشاعر إذ هو والسلطان روح واحدة..يشربان من كأس الضنى ويلعقان الأسى بملعقة الأحزان..
ثم يكمل بقوله:

//سين السُّؤالِ قَدِ اصطفتْكَ مُبكِّرًا
فتغوَّلَت في روحِكَ البرداءُ
جيمُ الجوابِ تضرّمَتْ لَمْ تنطفئْ
نارُ السَّموم تؤُرّها الرَّمْضاءُ
وأسى المنافي قد سَقاكَ مِنَ النوى
وتعثّرَتْ في ظلّكَ الأضْواءُ//

عندما يعلق في ذهن الشاعر صيغة السؤال وغطاؤه الجواب..يكون قد مرّ في ظلمة النفس واسوداد المكان..لأن في عملية التساؤل استفهام حاد عن الوضع الراهن الذي لا يتغير ولا يتبدل بل تشتد عتمته وهو يحاول التخلص منه عن طريق دائرة الحوار الذاتي المونولوج في تعرية الأسباب القاهرة ومحاولة التخلص منها في ناتج الجواب المستَفهم...
وفي جعبة سين السؤال تساؤلات لمحاولة تغيير الواقع أو الذات..لاكتساب مهارات جديدة تخلّصه من الروتين وتساعد في جلب أساليب فنية تزيل عنه عتمة الواقع الراهن..وهذا هو سبيل المفكرين الحكماء..
لكن في هذين البيتين..أراد الشاعر ايصال فكرة الواقع الموجوع مع القسيم وبداية التساؤل مبكراً وحصاد الجواب بلهيب اللا جدوى الذي تضرم معه الحاصل الناتج من الجواب..وهذا كناية عن حصاد الألم مبكراً في حياته..والدليل تلك الألفاظ الموجعة التي تدل على حجم الأسى الذي يعيشه وهي / تغولت/ البرداء/ تضرمت/ نار السموم/الرمضاء/ وأسى المنافي/ النوى/ وتعثرت/..
كلها تسقط في بوتقة المعاناة والغربة التي تشير إليها كلمة /أسى المنافي/ والألم..
يكمل الشاعر المحترف صوره الشعرية البارعة الوصف والتي يجسدها باتقان كأنه يحمل كاميرا الشعر ويلتقط صور الوجع بدقة..يقول:

//قد شابَ قلبُكَ قبلَ راسِكَ يا فتى
مذ أثقلتكَ بعبئِها الأعْباءُ
أنت الطّريدُ عليْكَ قد جَثَمَ العنا
واسْتَفْحَلَتْ في دَرْبِكَ البأساءُ
غَيَّضْتَ دمعكَ في غَرابيبِ الونى
حتى اشْتكَتْ من كأدِكَ الكأداءُ //

استعمل الشاعر كلمة // يا فتى// عن حكمة ودراية وليست عبثاً...كي تتلاءم مع عملية الشيب للقلب قبل الرأس لتدل على عمق المعاناة التي تذوقها في مقتبل حياته..لم يتذوق من نعيم الدنيا والفرح في بداية حياته..بل جاءته البأساء والأعباء مثقلة تهد البدن وقد جثمت عليه العنا الهمٌ المثقل ..واستفحلت وتجذرت في دربه البأساء..فكان حقا تشبيهه بالطريد..لكثرة ما يحمل من همّ ووجع..
الكلمات منتقاة بطريقة ذكية تلهم المتلقي مدى الوجع الحاصل..

//غَيَّضْتَ دمعكَ في غَرابيبِ الونى
حتى اشْتكَتْ من كأدِكَ الكأداءُ //

في هذه الصورة سحر لا يوصف ووصف فاق الجمال والبناء...
عملية وصف الدمع // غيّضت دمعك// وكأنه تناول الدمع من مجراه ومن مكانه في الأحداق ليحبسه في مكانه المستحق في سواد الضعف
والتعب الشديد..وكأن الشاعر يريد بنا أن ندرك أن القسيم يحبس أنفاس الدموع من ضعف شديد لتشتكيه الكأداء المصائب والهموم والشدائد كيف انتحل وظيفتها وأدى دورها في الهم والسواد باتقان...
كناية عن شدة الهم وكثرة السواد في العيش...
هذه الصورة والأوصاف يمكن اعتبارها قمة في الجمال والبراعة والحرفية المطلقة من الشاعر ..والتي حققت معها الذهول والانبهار..
فكلمات..// كأدك الكأداء// عدا عن تحقيقها مبلغ المعاني وعمقها..فقد احتلت على مسامع الآذان من تجانس الحروف جمال الموسيقى والنغمات المطربة للتذوق السمعي لها...فكان تأثيرها تذوق عذوبة الشعر وموسيقاه بطريقة تطرب لها الروح وترددها الأذهان ...
وهذا بحد ذاته قدرة عالية في الاتقان والنسيج الشعري...
يكمل الشاعر لوحته السحرية بقوله:

//موتًا كثيرًا قد سُقيتَ مِنَ الرّدى
ومحت ظِلالَ كيانِكَ الظّلماءُ//

هذا البيت كان نتاجاً تلقائيا عن وصف الدموع وشدة احتباسها في سواد الهموم ليتحقق معنى الموت بين ظلالها ..
الموت هنا ليس هو الموت الفعلي الحق..
إذ لا يوجد موت قليل وموت كثير..لكن الشاعر هنا حقق بعلو المعنى معنى بلاغي في المبالغة في تناول الموت المجازي الذي قد يتعدد ويبقى الموت واحد...
وهذا كناية عن شدة الأسى الذي يورِّث الموت بمعناه ومعالمه..إذ يجعل الشاعر من الموت سقاية الردى حتى تمحو من شدة السواد كيان الإنسان ووجوده ..فلا يعتبر لكيانه الروحي وجوداً بل جسداً بلا روح..كناية عن الموت البطيء للروح ليلحقها الجسد تبعاً من أثرها البليغ...
هذا البيت يفتح طاقة الخيال على استحضار تأثير الحالة النفسية على الحالة الجسدية وذوبان أحدها بالآخر حتى يقضي أحدها على الآخر..فتأثير النفس ومعاناتها على الجسد تأثيراً يحطم الجسد.. لذلك يكمن أهمية الحالة النفسية على تفاعل الجسد وصحته في مناحي الحياة المختلفة..
ويكمل الشاعر بما يتناسب ويتلاءم مع البيت الشعري السابق بقوله:

//قد أهْلَكْتْكَ لواعجٌ لا تنتهي
وتمنَّعَتْ عَنْ لحدِكَ البَطْحاءُ
ما كنت إبْنًا للحياةِ لأنّها
قد غيّبتكَ بجُبِّها الأرْزاءُ
قُم مُتْ فمَوْتكَ مُذْ وُلِدْتَ مؤجَّلٌ
فَلعلَّ مَوْتكَ يَشْتهيهِ رِثاءُ //

عملية تتابع المراحل التي تنساب من أفواه الكلمات وترتيب المعاني تدل على قمة البراعة في تجسيد الصورة المعطاة عن الشخص المطلوب...
فعملية الموت التي تحدث عنها الشاعر في البيت السابق هي مرحلة ولادة طبيعية للأبيات هذه والتي ابتدأها في هذه الأبيات بكلمة // قد أهلكتك// عملية تناسل للموت المجازي السابق.. حيث يكمل الشاعر صور الألم بطريقة بالغة الأثر في مسامع الشعر وفي مكامن الذات..
//وتمنَّعَتْ عَنْ لحدِكَ البَطْحاء//
// غيّبتكَ بجُبِّها الأرْزاءُ //
صور بليغة مؤثرة متينة الحبك بلغة عميقة متوهجة تتلاءم مع الصور الحية التي أوردها الشاعر بمفردات حية..ارتبطت مع الدلالات المعبرة لواقع الشخصية التي عرضها الشاعر بما حملت من معاناة...
فالهموم وشدة وقعها على الذات تغيّب الإنسان عن واقعه المعاش ليكون وحيداً طريداً غريباً ..

// قُم مُتْ فمَوْتكَ مُذْ وُلِدْتَ مؤجَّلٌ
فَلعلَّ مَوْتكَ يَشْتهيهِ رِثاءُ //

فتأتي النتيجة الحتمية من الشاعر أن يرد عليه بعد كل هذا الوجع بقول// قم مت//
وهذه جزئية اتكأ فيها الشاعر على شطر قسيمه في قصيدة " لا ضفاف للغريب"..

//قُم مُت ْ
فأولُ اغترابٍ كانَ
بعدما أطاع َ آدمُ الإنسانُ طينَهْ
قم مُتْ
فبالموتِ فقط
يوقِفُ إنسانُك -إن تُرِد-
حَنينَهْ.//

وهذا قرب آخر رافق حالة الإلحاح التي أدت لتولد هذه القصيدة...
بمعنى أنك لم تعش حياتك الطبيعية المستقرة الهانئة منذ ولادتك..فالأولى لك أن تبقى في موتك عن الدنيا والسعادة لأنها لم تكتب لك إلا الشقاء..موت مجازي يعكسه الشاعر في هذا البيت ليكون دليلاً على شدة المأساة التي يعيشها القسيم...والدليل للموت المجازي .. قول الشاعر:

//فَلعلَّ مَوْتكَ يَشْتهيهِ رِثاءُ //

فالرثاء حاصل مفعوله بعد الموت...
.........
الشاعر الكبير المبدع المتألق البارع
أ.زياد السعودي
لوحة فنية لا شبيه لها متفردة بما حملت من معالم كثيرة توحي لاغراءات المتلقي الغوص والسبر بين أسرارها وجماليتها...
إن توظيف الحروف بمختلف ألوانها في ديباجة طرزت بخيوط الوجع لتشريح مدى الحزن الذي يتفشى في دائرة السلطان لهو قمة في البراعة والاتقان ..يدل على فنان محترف ماهر يجيد حياكة الألفاظ وفق أنفاسه الشاعرة...ووفق الحدث الذي يبيت في مقصلته...فأية فصاحة وبلاغة وتصوير وتشابيه وألفاظ وتعابير دقيقة أجمل من هذه اللوحة الفنية الخالدة..والتي حملت مع كل حرف فيها حس الشاعر النابض وروحه المحلقة بين السطور لتأتي على ديباجة طرزت بماء الذهب الخالص...لاندماج تراكيب اللغة مع المؤثرات الذاتية التي منحت الخيال أبعاداً تتلاءم بذات القسيم وارتباطها مع الحس المتدفق من نبض الشاعر بلغة إبداعية مذهلة حركت منابت البوح بتلاؤم مع أزمة المقصود والتي قضت مضجعه وأثارت لغته الإبداعية هذه..
بوركتم عميد الفينيق الكبير الشاعر الزياد السعودي على تحفتكم الفنية هذه وهديتك التي لا تقدر بثمن للشاعر الكبير العملاق سلطان الزيادنة..
فهنيئا له إذ يستحق ذلك وأكثر
بورك بكما ووفقكما الله لما يحبه ويرضاه

جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-06-2018, 03:15 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

حري بهذا الغدق
وهذا الوعي
ان ينفرد فريدا تحت الضوء
وحري بالشكر ان يتكاثف
ليمشي في ركاب العرفان
الوارفة جهاد بدران
تضيفون وتصنعون الفارق
وتتناولون النصوص بتذوق
دام حسن تلقيكم
ودامت براعة تدبركم
وقبائل شكر وامتنان






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-06-2018, 04:58 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

قراءة مبدعة من شاعرة متذوقة تجيد تمثل إحساس الشاعر ، وتجيد التعبير عن ما خفي من مفردات الكلام وبين سطوره .
طافت الناقدة في الأجواء الداخلية للقصيدة والتقطت بعدستها الذكية ما أودعه الشاعر في القصيدة من مكامن الجمال والشاعرية .
سرني ما قرأت وأمتعني هذا التحليل الجميل المبدع من الأستاذة القديرة الشاعرة جهاد بدران .
فلك أستاذتي وأختي الكريمة تحيتي واحترامي
وكل التقدير والاحترام لصاحب القصيدة المبدع المتميز الشاعر الأستاذ زياد السعودي
ودمتما في حفظ الله ورعايته






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-06-2018, 06:09 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
رافت ابو زنيمة
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
فائز بالمركز الثالث
مسابقة الخاطرة 2020
الأردن

الصورة الرمزية رافت ابو زنيمة

افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

الله الله الله
ما أجمل وما اروع هذه القراءة من شاعرتنا الانيقة الكبيرة الوارفة
جهاد بدرن
دمت بخير وصحة ان شاء الله






أنا لا أكرهُ أحدًا ولا أحبّ أحدًا ..لكني احترم الجميع
كــــــــــــــــــــــان،،،!!
  رد مع اقتباس
/
قديم 10-06-2018, 10:19 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عبير محمد
الإدارة العليا
عضو تجمع الأدب والإبداع
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية عبير محمد

افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على موْتٌ يَشْتهيهِ الرّثاءُ / زياد السعودي

إبحار جميل بين أمواج الحرف
لالتقاط المعنى وتتويجه بأكاليل من ورد
قلم واعِ يجبرنا على متابعته
والتجوّل بين اروقة القصيد الــ يتناوله بكل هذا العمق.
بوركتِ اديبتنا الغالية العزيزة جهاد على هذه القراءة وهذا الغوص في بحور الحرف.
كل التقدير والاحترام لكِ ولعميدنا القدير زياد ونصّه الملهم.
محبتي والورد








"سأظل أنا كما أريد أن أكون ؛
نصف وزني" كبرياء " ؛ والنصف الآخر .. قصّـة لا يفهمها أحد ..!!"
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط