الفينيق محمد الماغوط يليق به الضوء*سلطان الزيادنة - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-11-2010, 10:33 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي الفينيق محمد الماغوط يليق به الضوء*سلطان الزيادنة



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح محمد الماغوط
لنضعه تحت الضوء
إذ به يليق الضوء








::::::::::::::::


نبذة عن حياته:
-----------------

في عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية..
وسلمية ودمشق وبيروت كانت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه.
قد يكون محمد الماغوط واحداً من أكبر الأثرياء في عصرنا، إرثه مملكة مترامية،
حدودها الكوابيس.. والحزن.. والخوف.. واللهفة الطاعنة بالحرمان، وشمسها طفولة نبيلة وشرسة.

عاش الماغوط مع الكوابيس، حتى صار سيد كوابيسه وأحزانه، وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الإنساني بكل معانيه وأشكاله..
لغته مشتعلة دائماً تمسك بقارئها، تلسعه كلماتها كألسنة النيران، ترجّهُ بقوة
فيقف قارئ الماغوط أمام ذاته، ناقداً، باكياً، ضاحكاً، مسكوناً بالقلق والأسئلة.

في قصائده ومقالاته ومسرحياته وأفلامه، قدم محمد الماغوط نفسه عازفاً منفرداً، وطائراً خارج السرب، لا يستعير لغته من أحد
ولا يشبه إلا نفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والأمكنة.

وفيٌّ لعذاباته.. قوي الحدس، شجاع في اختراق حصار الخوف وأعين الرقباء، منحاز إلى الحرية والجمال والعدل..
وله طقسه النادر في حب الوطن ورسم صورعشقه له..
التي تقدمه مغايراً للمألوف في قيمه وعواطفه وانكساراته وأحلامه.

ورغم إعلانه أن الفرح ليس مهنته، وأن غرفة نومه بملايين الجدران، فهو بارع في اقتناص السعادة والاحتفاظ بها زمناً طويلاً
لكنها سعادة الماغوط المستولدة من رحم القهر والسجن والخيبة والتشرد وغدر الأصدقاء ورحيل الأحبة..
سجنه المبكر قبل قرابة نصف قرن، ما يزال نبعاً لذكريات.. تتحول المرارة فيها إلى سخرية حيناً وحكمة حيناً.. وإضاءات يطل من خلالها على نفسه أحياناً كثيرة.

مدينة (سلمية).. ودمشق.. وبيروت.. محطات حميمة في دفاتر الماغوط وفي حياته الشخصية والإبداعية.

كل الأرصفة والحانات والأقبية والحدائق العامة.. وكل الصالونات والفنادق والمقاهي والصحف ودور النشر، وكل الكتاب والرسامين والصحفيين
وعمال المقاهي وشرطة المرور والسجانين وقطاع الطرق
كل النساء اللاتي أحبهن أو اللاتي نظرن باستعلاء إلى مظهره الريفي البائس واخترن مجالسة غيره..
وكل من مر بهم الماغوط في مراحل حياته المختلفة، ولا يزالون يقاسمونه غرفة نومه..
يرى ملامح لهم ومرتسمات وصوراً عالقة في كؤوس شرابه ولفافات تبغه.. ومحابره.. وأوراقه الخاصة.

كتب محمد الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي
وهو في كل كتاباته حزين إلى آخر الدمع.. عاشق إلى حدود الشراسة، باحث عن حرية لا تهددها جيوش الغبار.

هو شاعر في كل نصوصه وفي كل تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولة يندر مثيلها، يسافر كل يوم إلى نفسه وذكرياته
فيُذلل أحزانه ومواجعه، ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عمره الحميمة..
ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصوصه حاملة صورة محمد الماغوط وحريق روحه واكتشافاته التجريبية في الحياة واللغة..
فهو مدهش مفرد الأسلوب والموهبة، وأصدقاء شعره في جيله وكل الأجيال اللاحقة يتبارون في الاحتفال والاحتفاء بهذا الشاعر الضلّيل الكبير.


- يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.
- زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
-
الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها
حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب
«أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري ¬رئيس التحرير¬ جواز مرور ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
-في ظهيرة يوم الاثنين3 نيسان2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع الأدوية والأمراض
عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية


:::::::::::::::



أهم مؤلفات محمد الماغوط :
-------------------------------

الشعر

  1. حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959)
  2. غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
  1. الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)
المسرح

  1. ضيعة تشرين - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
  2. شقائق النعمان - مسرحية
  3. غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976)
  4. كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
  5. خارج السرب - مسرحية (دار المدى - دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)
  6. العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
  7. المهرج - مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )
مسلسلات تلفزيونية

  1. حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري)
  2. وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري)
  3. وادي المسك - مسلسل تلفزيوني
  4. حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
السينما

  1. الحدود - فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
  2. التقرير - فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
أعمال أخرى

  1. الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر وأعادت دار المدى طباعتها عام 2007)
  2. سأخون وطني - مجموعة مقالات (1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001)
  3. سياف الزهور - نصوص (دار المدى بدمشق 2001)
  4. شرق عدن غرب الله (دار المدى بدمشق 2005)
  5. البدوي الأحمر (دار المدى بدمشق 2006)
:::::::::::::::::



دراسات ومقالات عنه:
------------------------
مسـرح محمد الماغوط.. كتابة مفخَّخة عن مواطن في طور الانقراض..

ربما كان الهتاف السياسي التهمة الأولى المعدَّة مسبقاً لمسرحيات «محمد الماغوط»، لاسيما أن أعمالاً مثل ..«ضيعة تشرين، كاسك ياوطن، شقائق النعمان»
ظلَّت عروضاً غير مطبوعة إلا عن طريق التصوير التلفزيوني

ولكونها في عرف الجميع مسرحيات كتبها الشاعر الراحل بالعامية، بينما كتب مسرحياته «العصفور الأحدب، المهرج» باللغة العربية الفصحى
هذا من جهة اللغة التي قدَّم بها صاحب «غرفة بملايين الجدران» أطروحته المسرحية
بالتعاون مع «دريد لحام»، بعيداً عن مسرح النخبة الذي تجلَّى بداية السبعينيات
بظهور «سعد الله ونوس وفواز الساجر»

لقد كان «الماغوط» غير غافل عن النزعة الثقافية الجديدة التي اتكأت على إعداد النصوص العالمية ونقلها من لغتها الأم بعجرها وبجرها إلى خشبات المسارح السورية
صحيح أن مسرح النخبة قدَّم العديد من التجارب الهامة في سبيل كسر الجدار الرابع
وإشراك الصالة في الفعل المسرحي، إلا أن عروض المسرح الجاد ظلت بعيدة
عن نقل ألم الشارع ومشاعره العميقة إزاء هزيمة حزيران، والانكسار والخيبة إلى قلب الجمهور العريض
منشغلةً عنه في بحوثها الشكلانية من تأصيل أصول المسرح العربي، وتحقيق معادلة مثاقفة بين النموذج
الغربي البريختي، وبين إمكانية ابتكار مسرح ملحمي بقالب عربي اللسان والأدوات. بالطبع هذا لا يعني أن
مسرح «الماغوط» لم يكن منشغلاً في تقديم صيغ جديدة للكتابة المسرحية، لكنه كان في الوقت ذاته يصرُّ
على إشراك الجمهور في الكتابة، أعني التلقي كحالة مفهومة وغير متعالية على مختلف صنوف الشرائح
الاجتماعية، من هنا استطاعت فرقة أسرة تشرين أن تجعل من مسرح نقابات العمال مكاناً متميزاً لعروضها
الجديدة، مستقطبةً مشارب عديدة من هذا الجمهور، مستفيدةً أيما استفادة من الروح المتمردة التي كتب بها
صاحب "حزن في ضوء القمر" مسرحياته، ولئن أخذ البعض على هذه الأعمال غنائيتها المتأثرة بالمسرح
الرحباني، ولغتها الممزوجة باللوعة والتباكي على الوطن والشهيد والأرض والكرامة العربية، إلا أنني
أحسب أن هذه النظرة فيها الكثير من الظلم لهذا النوع من الظواهر المسرحية، فإذا كنا اليوم نتباكى حتى
على مصير ما سُمِّي بالمسرح التجاري، ونندب مسرح العمال والمدرسي، إضافةً إلى المسرح الجامعي
والقومي، فلماذا لا نراجع الكثير من الكلام عن أهمية مسرح ضيعة تشرين؟ لماذا لا يمكننا أن نرى هذا النوع
الفني معزولاً عن استجداء التعاطف؟ ولماذا لانراه ضمن الزمن والنوع الذي قدَّمَ نفسه من خلالهما؟ يمكننا
أن نلاحظ أثر هذا المسرح على الصورة التلفزيونية التي حجزته لصالحها منذ البداية، وكيف قدَّمت عبره العديد من نجومها الأحياء منهم والأموات، والأهم من هذا وذاك، هو قدرة هذا "الفودفيل" على الخروج من تهكنات النظرية لصالح الفعل المسرحي، والذهاب مباشرةً إلى اعتبار العامية لغة المسرح، باعتبار أنها لغة الجموع، اللغة - الكلام القادرة على إنتاج الفعل على الخشبة، منعتقةً من الخطابية والتفاصح على المتلقي لغة مبشِّرة بدراما الأفعال، لا العظات والخطب المنبرية، وعلى الرغم من أن «غربة، كاسك يا وطن وضيعة تشرين» انساقت نحو الكباريه السياسي، إلا أن ذلك كان من طبيعة العصر الذي تحدَّثت عنه مسرحيات «الماغوط» وشريكه «دريد لحام»، فهذا الأخير استطاع أن يوظف نجومية «غوار» لصالح المسرح، المسرح أياً كان، ولم يبخل على المتلقي بذلك، على عكس ممثلي هذه الأيام الذين يعتبرون "المسرح المقدس" نوعاً من الصوامع المهجورة، وضرباً من الفنون الميتة دون أن يخطون ولو خطوة واحدة إلى صالات العرض، إلا اللهمَّ من أجل قبض رواتبهم من مديرية المسارح. أجل لقد التقت الكتابة المفخخة بالطرافة الشعبية، مثلما التقت السوداوية بالسخرية المريرة، وبات واضحاً أن مسرح «الماغوط» جاء في وقته، خصوصاً في ظل تنامي القمع الاجتماعي والسياسي والثقافي للمواطن العربي، وطغيان الهزيمة على مخيلة الكثيرين من أبناء بلدان خرجت من فترات الاستعمار لتلتقي بأعداء الداخل، أعداء تقسيم الخيرات والعدالة الاجتماعية وإنصاف الناس، فلقد كان واضحاً أن صراخ المسرح الماغوطي لم يكن من باب الهتاف السياسي بقدر ما كان نوعاً من الاحتجاج الطفولي الشعري على سكيِّن الجلاد وأعوانه. إن الأشرطة التي سجلها التلفزيون العربي السوري لمسرحيات «الماغوط» تكاد تكون نسخة نادرة من هذا الاحتجاج الشعري على عالم يسوده ظلم البشر، وتحكُّمهم غير المسبوق بالثروات العربية ومصير الشعوب، صراع الطبقات الجديدة، ونهوض الريف من كبوة السفر برلك الطويلة مثلاً في "غربة"، ووصول الكهرباء إلى
غرف التعذيب العربية قبل وصولها إلى القرى البعيدة في كاسك ياوطن، الشهيد العائد من موته ليبحث عن مصير زوجته وأولاده من بعده في «شقائق النعمان»، مزبلة التاريخ، الأب الذي يبيع أبناءه مقابل بطحة
عرق، فلسطين والحلم، انكسار الأحلام وموت الأم على أبواب المشافي الحكومية أثناء الولادة، البيك وحماره الذي أكل الدستور.. كل ذلك لم تفوته مسرحيات «الماغوط» التي تصدَّى لها «خلدون المالح» في نقلها من المناظر المسرحية المنتهية لحظة العرض، إلى مادة درامية تربَّعت على أكبر نسبة مشاهدة في كل مرة نعود فيها إلى أرشيف التلفزيون السوري، ليزيد ذلك من تلك الجماهيرية لهذه التجربة الخاصة، فهذا النوع من المسرح لم يكن يسعى إلى أبعد من ذلك الوصول إلى آذان وأفئدة الإنسان العربي، وذلك بتقديم
مكافآت لهذا الإنسان كي يتمكَّن من متابعته على طول العرض المسرحي، مرة عبر الأغنية، ومرةً عبر التحريض المباشر للمطالبة بحقوق طال انتظاره لها، وتمَّ تأجيلها بعيد الاستقلال، أقلُّها حقوق المواطنة والعيش الكريم، وإعادة الكرامة إلى شخصية المواطن العربي، والتنكيل أكثر فأكثر بالأنظمة السياسية
العربية التي شاركت في صنع الهزيمة وتصديرها على هيئة نكسات ونكبات، وما إلى ذلك، إضافةً إلى إعلاء روح المواطنة والحرية والتمرد على العسف، تارةً بانكسارت بالغ بها «دريد لحام» آخذاً إياها إلى أقصى
درجات اللوعة والحزن على وطن لا يأتي لزيارته، وتارةً عبر توسيع دائرة الارتجال على النصوص التي كتبها «الماغوط» بنفس بريٍّ خالص، متحاشياً التلاعب بمشاعر الجمهور وحساسياته الاجتماعية. من هنا تأتي هذه الأعمال المسرحية كبذور أولى لمسرح سيفسره البعض وفق أهواء غريبة عجيبة، مسرح لا يصح تحت أي ظرفٍ من الظروف أن نراه خارج قيمته الوثائقية، فمعظم النصوص التي كُتبت للمسرح آنذاك، كان معظمها يفتقد إلى تلك النبرة الصادقة، نبرة وفَّرها المسرح للشاشة الصغيرة بلا أية ضغائن، أو تسويغات
من باب اتهام التلفزيون بطغيانه على المسرح وإزاحته إلى الخلف، إذ لم يكن في نيَّة أحد أن يقضي التلفزيون على أحد حتى على السينما السورية، لذلك سنعرف عند التفكير ولو لمرة واحدة كم سنحتاج إلى مسرح يتألق على خشباته نجوم التلفزيون والسينما، مسرح يكتب له شاعر من قامة «محمد الماغوط»
الذي كان السبَّاق إلى قصيدة النثر، زمن جميل وخالٍ من العقد والأمراض الثقافية، زمن متفهم للأنواع ولطبيعة مرحلته، لأنه قبل كل شيء يضجُّ بالغضب وحمى التغيير الاجتماعي قبل الإغراق في التنظير لأدوار الثقافة وحاجات المثقفين، قبل ازدراء الثقافة الشعبية، واحتقار الفلكلور وتسييحه، وقبل بكثير من امتهان الأغنية وتحويلها إلى بورنوغرافيا. على الأقل هكذا يمكنني أن أرى مسرحاً بكل هذه النضارة، مسرحاً مازال يكرر نبضه، فقط لأن «الماغوط» كان يعرف أن زمناً طويلاً سيمرُّ قبل أن نعلن تجربتنا البليغة في جسم
الجمهور، وقبل أن نُقدِّم مسرحاً بكل هذه الرداءة بحجة أننا نجرب، لكن ما يحدث أن أغلب المسرحيين السوريين وبعد التجربة الكبيرة التي قدمها الفنان «أسعد فضة» مع كل من «فواز الساجر وسعد الله ونوس» أصبحوا يجربون في الجمهور أكثر مما يجربون له، هذا إذا ما اعتبرنا أنه تحت مسمى التجريب
يمكن تقديم كل شيء من التمثيل، انتهاءً بالرقص المسرحي الذي تحوَّل في أيامنا هذه إلى نوع رخيص من الفرق السياحية الراقصة القادرة على تقديم ملاحم تاريخية وهمية ليس فيها من الملحمة سوى اسمها، وفي
أحسن الأحوال تذكرني بجزَّار أطلق على ملحمته هكذا ولسببٍ غامض اسم "ملحمة جلجامش"!.

:::::::::::::::




محمد الماغوط رائد قصيدة النثر ومبدعها الكبير

عزيز العرباوي

يعتبر الشاعر السوري القومي العربي محمد الماغوط رائد قصيدة النثر العربية والتي كانت محط انتقادات كثيرة وواسعة وخاصة من لدن شعراء القصيدة التقليدية ونظرائهم في الشعر الحر الذين قللوا من قيمتها الإبداعية وحكموا عليها بالنقصان والتيهان والضعف والموت وقللوا أيضا من شأن شعرائها وكتابها وجعلوهم من الذين يجرون وراء وهم اسمه الشعر الحديث .

لم يتأثر الشاعر محمد الماغوط بكل تلك الانتقادات التي كانت تحكم على قصيدة النثر وكتابها دون دراسة وتحليل عميقين قادرين على وضع سكة النقد في طريقه السليم. ورغم أن شعر الماغوط كان فيه الكثير من سمات الشعر الحر، بل كان قادرا على كتابته والتفوق فيه ولكنه آثر أن يبدع على طريقته وأسلوبه الخاص ووفق رؤية أدبية وشعرية يتقنها ويقتنع بها، خاصة وأنه لم يلجأ إلى أي نظرية شعرية أو نقدية ترسم له منهجه الشعري الذي ارتأى التفوق فيه .

تفوق الشاعر محمد الماغوط في تجربته الشعرية وأصبح بعد مدة ليست بالطويلة رائدا في قصيدة النثر وشاعرا لا يشق له غبار فيها وفي صنعتها. بل أصبح أستاذا للعديد من الشعراء الشباب الذين قلدوه وأعجبوا بتجربته الشعرية وأسلوبه الشعري الرائع في كتابة قصيدة النثر. وبذلك خرجت قصيدة النثر عند
الماغوط من النظام المعتمد في الشعر الحر، وأصبحت تبتديء من الشاعر نفسه، بما يعرضه ويقدمه لقرائه، وهذا ما أدخل قصيدة الماغوط في التنوع والتخالف والقدرة على تحديد الغاية والأهداف السياسية من كتابتها دون التقيد بشكليات وقواعد أصبحت متجاوزة في قصيدة النثر وفي تجربته .

نجد في شعر الماغوط رفض الاستبداد والإيمان بالقومية والوحدة والتكافل والصمود والدعوة إلى احترام المقومات الحضارية للأمة، يقول في قصيدة "حصار" :
دموعي زرقاء
من كثرةِ ما نظرتُ إلى السماءِ
وبكيتُ
دموعي صفراءُ
من طولِ ما حلمتُ بالسنابلِ الذهبيةِ
وبكيتُ
فليذهبْ القادةُ إلى الحروبِ
والعشاقُ إلى الغاباتِ
والعلماءُ إلى المختبراتِ
أما أنا سأبحثُ عن مسبحةٍ
وكرسيٍ عتيقٍ
لأعودَ كما كنتُ
حاجباً قديماً على بابِ الحزنْ .

يرفض الشاعر هنا الاستبداد وتأليه الحاكم وفرض الأمر الواقع على الشعوب الضعيفة ودفعها إلى الحروب للموت والبكاء وإنتاج الحزن داخل البلاد وبين الناس وازدياد عدد الثكالى والأرامل والأيتام والفقراء والضعفاء والذين لا قيمة لهم في المجتمع، بل يتمنى أن يعيش الكل في سلام وطمأنينة وأن يكون لكل واحد دوره الخاص. فالقادة للحروب، والعشاق للحب، والعلماء لأبحاثهم ودراساتهم، وبالتالي فالاستبداد هو أس المشاكل في أي مجتمع ومحاربته ورفضه طريق نحو الخلاص والأمان والحرية .

واستطاع محمد الماغوط بقصيدته وتجربته الشعرية أن يواكب تطورات المجتمع العربي عامة والسوري على الخصوص من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية تأثرا وتأثيرا. وأصبحت للشاعر القدرة على التحكم في إنتاج قصيدته التي صارت صنيعا بين يديه وجعلها شاعرنا موصولة وقائمة على التغير الزمني، وأخرجها من الواحدية إلى التمامية ووصلها بطاقته الإبداعية الخالصة .

بقول شاعرنا الكبير في قصيدة "خريف درع" :
اشتقت لحقدي النهمِ القديمِ
وزفيري الذي يخرجُ من سويداءِ القلبِ
لشهيقي الذي يعودُ مع غبارِ الشارعِ وأطفالهِ ومشرديهِ
...........
..........
والدموعُ الغريبةُ لا أصدها
بل أفتحُ لها عيني على اتساعهما
لتأخذَ المكانَ الذي تريدُ حتى الصباحِ
وبعد ذلك تمضي في حال سبيلها
فربما كانتْ لشاعرٍ آخرْ !!

وإذا ما تتبعنا مسار الكتابة في كل قصيدة من قصائد الشاعر فإننا نجده مسارا مبنيا على سرد تفاصيل مختلفة قادرة على إيصال فكرة معينة قد اقتنع بجدوى الكتابة عنها وحولها، فيكتب عن الدموع وعن الحزن والألم والاستبداد والحقد والحسد والكره... عناوين واقعنا العربي ثقافيا وسياسيا واجتماعيا. ولذلك فهذه
جرأة كبيرة عند الشاعر ليفضح عوراتنا ويعري وقعنا المهتريء، ولن يكون هذا ممكنا إلا إذا اعتمد نوعا شعريا قادرا على إيصال كل هذه الأمور بحرية في الكتابة والإبداع ألا وهي قصيدة النثر القادرة على ترك تأثير قوي لدى القاريء .

إذن نجد أن قصيدة محمد الماغوط تبتدأ منه هو نفسه، أي أن شاعرنا كان يعرف قصيدته أنها قادرة على البوح بمكنوناته وهو ما كان يوضح بجلاء أن صوره وهيئاته المادية توجد بقصيدته وتنكتب فيها. وبالتالي كانت القصيدة عند الماغوط بمثابة "وحي صادق" حسب قول الشاعر المغربي محمد القري، وكانت تسعى إلى عقد علاقات مع خارجها الاجتماعي ومحيطها المتنوع .
تبقى تجربة محمد الماغوط الشعرية في قصيدة النثر تجربة رائدة في هذا النوع الشعري الذي أوجد لنفسه قدرة كبيرة على الانتشار والتوسع، بل أصبحت الملجأ الوحيد للعديد من الشعراء الشباب والمبتدئين للتعبير والكتابة والبوح وإيجاد مساحة للمساهمة في تطوير الثقافة والإبداع والأدب العربي .

:::::::::::::::




الشاعر محمد الماغوط

المقداد مقداد

- (دموعي زرقاء من كثرة ماتطلعت إلى السماء )
أمام قصيدة محمد الماغوط ينفتح أفق الإستفهام , وتطالعنا أسئلة حادة طالما احتفظنا لأنفسنا بحق ردمها عميقا غي غياهب صمتنا .
أسئلة عن الرفض والتغيير , عن الذاكرة والخذلان , عن الخبز والهزيمة , وأخرى كثيرة عن الحرية .
منذ مجموعته الأولى ( حزن في ضوء القمر ) ومحمد الماغوط يعتلي جناح الكتابة , مخذولا بلا أهل ولا حبيبة , يتسكع كالضباب المتلاشي , تتبعه طفولة كالشبح , وتؤرقه ذاكرة جيل لم يعرف من السلاح إلا الكلمة , فذاق على أعتاب نضالها شتى صنوف الملاحقة .
قصيدته الأولى ( فوضى إنسانية ) يتداخل حبرها الحلم المعجون بالسوسن والغافي خلف محركات الصورة مع واقع مأزوم يتربص ببيارق اللغة وينكسها أسيرة ترتعد فرائصها تحت تهديد القمع وتنكيل الهزيمة .
قصيدة يختلط فيها مكان وزمان لم يعشهما الماغوط في غير اللغة ولم يصرح بهما مباشرة لكنهما يحضران بقسوة خلف كل توصيف يشهره لواقع الإنكسار الذي ينذر نفسه لمحاكاته والخريف هو بالطبع زمن كل الإنكسارت عندما ينضج الإصفرار أكثر وتنمو للسقوط أيد طويلة تنال منها وتقهر فينا وجودنا , فبحث في ذاكرة " معاوية " عن بداية تفتح لنا ولو باب صحراء جديدة


ها أنا أشحذ أسناني على الأرصفة
وألحق المارة من شارع إلى شارع
أنا بطل ..... أين شعبي ؟
أنا خائن ....أين مشنقتي ؟
أنا حذاء .... أين طريقي ؟

إن الفوضى الإنسانية المتشابكة والتي احتفت بقصائد الشاعر الأولى لم تكن غير مرآة لحقبة صاخبة تنازعت في سنونها الإيديولوجيات ولم تتورع كل الإتجاهات عنة استخدام الأسلحة وأمضاها لتسييد رؤيتها وتحقيق طموحاتها في امتلاك زمام السلطة فحفلت منطقة الشرق الأوسط خلال بدايات النصف الثاني من القرن العشرين بزخم سياسي كبي ساوق نشوء القضايا الكبيرة التي ناغمها شعراء الحقبة الحديثة , القومية , والإشتراكية , والنظام , والحرية , ومسألة الصراع العربي الإسرائيلي .
في خضم هذا الصراع المتصاعد تفجرت قصيدة الماغوط , وانبثق كلامه الأول بعد تأمل عميق فرضته العزلة القسرية التي سخرته غريبا .غربة الشاعر المقاطع . وبرغم حدة الملاحقة ظل الشاعر أمينا لعالمه الإبداعي مخلصا لانحيازه إلى الحب والشعر , ولنسمع إلى صوت " سنية صالح " تلك المرأة التي رافقته في الرحلة دهرا وعاشت معه تجلياته الغزيرة ساعة بساعة وهي تتحدث عن لحظات المخاض ومولد الشعر
" كنت أنقل له الطعام والصمت والزهور خفية , كنا نعتز
بانتمائنا للحب والشعر , كعالم بديل متعال عما يحيط بنا ,كان يقرأ مدفوعا برغبة جنونية , وكنت أركض في
البرد القارس ,والشمس المحرقة لأشبع هذه الرغبة , فلا ألبث أن أرى أكثر الكتب وأغلاها ثمنا ممزقة
ومبعثرة فوق الأرض مبقعة بالقهوة حيث ألتقطها
وأغسلها ثم ارصفها على حافة النافذة حتى تجف , كان يشعل
نيرانه الخاصة في روائع أدبية بينما كان الهتاف في الخارج يأخذ من بعيد شكلا معاديا .
" .

وغرفة الشعر الخاصة التي تصفها " سنية صالح " تلك المساحة الواسعةالفضفاضة التي ولد فيها الماغوط كمبدع لم تكن في حقيقتها إلا إختزالا للمدينة العربية ساعة الخذلان . إنها الجغرافيا التي تحولت في ديوانه الثاني ( غرفة بملايين الجدران ) حتى بدأت مفاهيم الماغوط وثوابت رسالته الشعرية تتفتح أكثر وتتسق في نسيج شعري ناضج يصوغ أسئلة , بصراحة وتمرد :


أفكر أحيانا بالنصر والهزيمة
بالأبطال العظام وهم يرفعون سراويلهم وراء
الأسيجة
وهم يثاءبون في دورات المياه ..!!
ما الفرق بين زهرة على المائدة
وزهرة على القبر ؟.
بين الخبز والتنك ؟ .
بين النهد والمطرقة ؟ .
بين أن يموت الإنسان على رأس حملة
أو يموت وهو يتثاءب في إحدى الخرائب ؟ .

وليس صعبا علينا أن نقرر مع هذا العالم الخاص الذي ينسجه حبره , أن محمد الماغوط لم يكتب القصيدة بسابق ترصد أو عن نية ويدفعنا هذا إلى التقرير أمران إثنان :


- أولهما : أنه رائد من رواد الرعيل الأول الذي مارس قصيدة النثر .
قبل أن تسمى شعرا ويقبل بها الوسط النقدي كذلك محدثا ثورة أخرى في بنيان القصيدة وفي شكلها غير تلك الثورة المضمونية التي رسختها طبيعة أخرى للمواضيع ما عادت تحدها أغراض الشعر التقليدية التي كان الشاعر يجيد في صنعتها ليثبت اسمه في قائمة النظامين .

-ثانيهما : لأن الماغوط نفسه ما اهتم يوما بتصنيف نتاجه وهو يعتبر علاقته مع اللغة أقسى من أن تصنف , فهي في أبسط صورها شكل من أشكال التوريط ليس ثمة من وسيلة لرده :


إن قلمي يشم رائحة الحبر
كما يشم الذكر رائحة الأنثى
ما أن يرى صفحة بيضاء
حتى يتوقف مرتعشا
كاللص أمام نافذة مفتوحة

ثم يضيف في القصيدة ذاتها :

لقد تورطت يا أبي
وغدا كل شيء مستحيلا
كوقف النزف بالأصابع

إنه نزف الشعر , نزف القضايا الكبرى التي دافع الماغوط عنها
والتي من دونها لن نستطيع قراءة شعره بالحرارة التي كتب بها رغيف بحد الخنجر :
==============
لقد أدرك الماغوط مبكرا أنك إذا ما أردت أن تتحدث عن الناس العاديين وإليهم فعليك إذن أن تنتعل أحذيتهم المهلهلة والمتراصفة أرتالا مخذولة أمام أفران الخبز , وإذا اردت أن تخاطب رجل الشارع البسيط عليك أن ترتدي قناعاته , تتقمص أنفاسه التي تلهث ساعة بساعة باحثة عن أفق آخر يشع كفافا وحرية , وهو يفعل ذلك ليس ليصنع من نفسه شاعرا .
ففي نموذجه الشعر ينبع من الحالة و لايصنعها بل الأدق أن الشعر عنده لا يمثل حرفة .. إنه مناص وحالة أخرى تتشابه بمفرداتها مع الحالة التي خرج منها وتحدث بلسانها , والرغيف في شعره وفي فلسفته هو بيت القصيد وهو الرهان القادم لأنه في كل التفسيرات يبقى المطلب الأول للمواطن البسيط الذي على أساسه وضع(محمد الماغوط ) سلم أولوياته الشعرية في القضايا
التي يدافع عنها ,فالرغيف هو الجرح الأبدي في جبهة الشعوب , وهو القدم الحجرية التي تجثم فوق قلب المواطن العادي وتطحن فيه كبرياءه .
ومطالبه الكبيرة الأخرى في الكرمة والحرية والعدالة , إن كل هذه القيم الغالية ستتحول هباء مندثر عندما يفتقد المرء رغيفاً انفجر وبات صعبا لمَ فتاته –

أيها الطائر المجهول
اضرب شفتي بالسياط
احص أثداءهن والقلم خلف أذنيك
ولكن دعني أن أخبئ الخبز في لحمي
كالدبابيس
أفتله كالشوارب السرية فوق شفتي 000

وعلى الجانب المقابل فإن الرغيف بمعادله الرمزي هو كل تلك القيم المتنازل عنها , إنه العدالة , إنه الكرامة , وربما الحرية أيضا ,في مقالته ( مكتبة المستقبل ) وهي واحدة من سلسلة مقالات جمعها الماغوط في كتابه ( سأخون وطني ) يفرد الشاعر أوراق فلسفته المتبسطة وفهمه للقضبة
التي تداولها بأسلوب سلس وغزير الدلالات فيورد حوادث شتى فيها روح الدعابة والسخرية الكثير مما يطبع روحه ونتاجه , حيث يسوق جملة من الإلتقاطات الذكية التي تعكس العلاقة والقيمة النائمة للرغيف في النفس .
وفي مسرحيته ( شقائق النعمان ) عندما يهيء أهل المدينة جيشا عرمرما لمحاربة الأعداء , وينطلقون مكللين بالزغاريد والدعوات لكنهم لايلبثون عائدين وقد حملوا
رغيفا على رأس السيف مؤكدين
أنهم جلبوا رأس الإستعمار
إن الجدلية العالقة بين الخبز والهزيمة تطبع جل ما أنتجه هذا لشاعر . فالإنكسار هو بالمفهوم لعام العام هو ضرب لمقومات الوجود التي يشكل الخبز أحد دلائلها الأساسية وبمعنى أكثر بساطة , أن تهزمني يعني أن تسرق قوتي وأن أنتصر عليك يعني أن أحفظ حقي في رغيفي .. لكن وفي زمن الهزائم يتحول الحق إلى إستجداء و يصبح الكفاف أقسى من معركة يخوضها ذلك الكائن البسيط الذي يسمى إنسانا :

أعرف أن مستقبلي ظلام
وأنيابي شموع
أعرف أن حد الرغيف .
سيغدو بصلابة الخنجر
وأيضا ...
هذا الفم الذي يصنع الشعر واللذة
يجب أن يأكل يا وطني
هذه الأصابع النحيلة لبيضاء
يجب أن ترتعش
أن تنسق حبالا من الخبز والمطر

الهزيمة إهراق ثوابت القضية , وانسداد منافذ الحرية , محركات ثلاثة لخذلان مؤسٍ يذهب عميقا في قصيدة الماغوط ويسرها رثائية من نمط خاص يختلط فيه البكاء بالتهكم والصراخ بحالات الضحك الهستيرية , وتسودها الومضة السريعة لالتقاطة ذكية قادرة على توظيف اللحظة الحسية أو المعطى التاريخي واستنقاذ أقصى دلالاتها في قصيدة ( خوف ) ينسج الماغوط إحدى تلك
الإلتقاطات وهو يقرأ في حبه للحرية صفحة التاريخ والطبيعة فيخاطب أمه :

" آهٍ " بأسى عميق
لو أن هتلر بقي رساما
وماركس مات في خناق الطفولة
لو كانت قلاع الباستيل على ذرى قاسيون
ووحول باريس على أرصفة دمشق
لو كان الشرق هشيما والريح أكثر قوة وذكاء عندما احترقت روما


ويختم هذه الأمنيات المستحيلة بصورة مدهشة هي في النهاية مآل القول :

آهٍ يا أمي
لو كانت الحرية ثلجاً
لنمت طول حياتي بلا مأوى

إنها المعركة الشرسة التي زج الماغوط نفسه فيها , وحارب بصوت الإنسان العادي طغمة المستبدين , أصحاب الدم والحديد ولكن و عندما تخوض معركة مختلة الموازين يقابل فيها الصوت بالسلاسل وأقبية الزنازين , والحق بفوهات البنادق يضع الإنتماء ويتحول الرثاء على حالة وطن إلى ضريبة أخرى يصعب على المقهور تأديتها :

ما دامت كلمة الحرية في لغتي على هيئة كرس صغير للإعدام

قولوا : لهذا التابوت الممدد حتى شواطئ
الأطلسي
إني لا أملك ثمن المنديل لأرثيه

هكذا يغدو الخذلان مِلْحاً يوميا يعوض الرغيف المسروق والتاريخ المستلب ويجثم فوق موائد البسطاء كوجبة يومية .. أي خذلان ذاك الذي يدفعك لأن تخاطب السماء بهذه الشفافية العالية واللغة التأملية لتقول :

اهربي أيتها الغيوم
فأرصفة الوطن
لم تعد جديرة حتى بالوحل


عصر من السياسات والسيادات يقارع أبناءه ويُهزم بكيْلٍ من الإنكسارات, لكن معالم المعركة تمحى , حيث المنتصر مهزوم و المنكسر لايجد من الحاضر والتاريخ محطة يقارنها بحالته ليعلن عليها ومنها هزيمته :

حسنا أيها العصر
لقد هزمتني
ولكنني لا أجد في كل هذا الشر ق
مكانا مرتفعا
أنصب عليه راية استسلامي ...

استيقظي أيتها المدينة المنخفضة
فتيانك مرضى
نساؤك يجهضن على الأرصفة
النهد نافر كالسكين
أعطني فمك أيتها المتبرجة التي تلبس
خوذة
-----------------------------
لا أباً يلوِح
بشملته
أو حبيبة تنعق لأجلي
كالغراب
أريد أن أرحل هكذا
فقيراً وكسولا
في كل عام أخطو
خطوة
وفي كل جيل أكتب
كلمة ........
-------------------------
لقد ولدت حرا كالآخرين
بأصابع كاملة وأخلاق كاملة
ولكنني لن أموت
دون أن أغر العالم بدموعي
وأقذف السفن بقدمي كالحصى
-------------------------
يخيل إلي لأني اكثر الأموات كلاما
لقد جئت متأخرا إلى هذا العالم
كزائر غريب بعد منتصف الليل
---------------------------
لا أريد أن أسمع شيئا
لا المطر ولا الموسيقى
لاصوت الضحية ولا صوت الجلاد
لن أسمع إلا طقطقة القصائد في جيوبي
وارتطام الحقائب على ظهري من مكان
إلى مكان
--------------------------
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتبة أو صفارات
الإنذار
في المهد ... في الرحم
فأنا قطعا ما كنت مربوطا إلى رحمي
بحبل سرة
بل بحبل مشنقة

-----------------------
يقول الماغوط : أنا لست مفكرا وليس لدي نظرية , وأناقض نفسي في اليوم مائة مرة , شاعر أكتب نصا مثل البدوي الذي يغني في الصحراء حيث لايسجل له ولا يصور في التلفزيونات والفضائيات حضوري أعتبره من أكبر المغامرات الشخصية فعندما أجتمع مع أربعة أو خمسة أشخاص يسيطر علي الخوف , فكيف وأنا أمام هذا الجمهور الكبير . أنا باختصار إنسان مذعور فقط .

ولدت مذعورا وسأموت مذعورا ولا يبدو في الأفق أية بارقة حتى الآن
بهذه الكلمات القليلة حدد محمد الماغوط ما يريد قوله وصورة بلغة شاعرية حملت الكثير من الهموم للإنسان والوطن والبحث عن الحرية وإن إبتدأ ( بالحصار ) قائلا :

دموعي زرقاء
من كثرة ما نظرت إلى السماء
وبكيت ....
دموعي صفراء
من طول ما حلمت بالسنابل
الذهبية ....
وبكيت .....
فليذهب القادة إلى الحروب
والعشاق إلى الغابات
والعلماء إلى المختبرات
أما أنا فسأبحث عن فسحة ...
0000 وكرسي عتيق
لأعود كما كنت
حاجبا قديما ً على باب الحزن
ما دامت كل الكتب 00 والدساتير 00
والأديان
تؤكد أنني لن أموت
إلا جائعا أو سجينا

كذلك لم يتخل عن لفة الوطن والمواطن إنه يصيغ بقصيدة النثر حكايا صغيرة في حجمها , كبيرة في مفاهيمها :

على الأرصفة الحنونة , كأمي
أضع يدي وأقسم
بليالي الشتاء الطويلة
سأنتزع علم بلادي علم ساريته
وأخيط له أكماما وأزراراً
وأرتديه كالقميص
سأصعد أحد التلال القريبة
من التاريخ
وأخفض سيفي في قبضة طارق
ورأسي إلى صدر الخنساء
وقلمي إلى أصابع المتنبي
وأجلس عاريا كالشجرة في
الشتاء ..
حتى أعرف..
متى تنبت لنا أهداب جديدة
ودموع جديدة
للربيع ...


اغتصاب كان وأخواتها
كتاب حوارات أجراها الأديب

---------------------------------
والصحفي ( خليل صويلح ) مع الشاعر محمد الماغوط


مرآة أخيرة

** أخذوا سيفي كمحارب وقلمي كشاعر وريشتي كرسام
وقيثارتي كغجري .
وأعادوا لي كل شىء وأنا في الطريق إلى المقبرة ....
ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة ؟؟؟؟؟...

** الطغاة كالأرقام القياسية , لابد وأن تتحطم في يوم
من الأيام

** عندما غنى فريد الأطرش للوحدة انتهت الوحدة العربية

**السجين لايفكر بالسجن بل بالذكريات الجميلة .

** الوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع


** لايوجد عند العرب شيء متماسك منذ بدء الخليقة إلى الآن

سوى القهر


** أعطونا ساعات ذهبية وسرقوا الزمن وأعطونا خواتم
وسرقوا
الحب .

**إذ أنني لو استعملت عكازا لكل عضو محطم في أعماقي

لاحتجت إلى منجرة قرب بيتي

** الخوف هو الشىء الوحيد الذي أملكه من المحيط إلى الخليج

ولدي في أعماقي إحتياطيا من الخوف أكثر مما عند السعودي
ة
وفنزويلا من احتياطي النفط .

** قد تعلمت كثيرا من السجن والسوط العربي الذي بيد السجان

السجن والسوط كان معلمي الأول وجامعة العذاب الأبدية التي

تخرجت منها إنسانا معذبا خائفا إلى الأبد .


** على المبدع الأصيل أن يدفع ثمن مايكتب لا أن يقبض كما
يفعل
المزيفون وتجار الكلمة

** لدي استعداد أن أتنازل عن مليون شيء ولكن لا أتنازل عن
قلمي

** كتبت مرة " سأمحو ركبتي بالممحاة وسآكلها حتى لا أجثو
لعسكر
أو تيار أو مرحلة "

** ولدت مذعورا وسأموت مذعورا وأنا مسكون بالذعر وأي
شىء
يخيفني



صورة الذات في شعر الماغوط

يحق لقارئ شعر محمد الماغوط أن يتردد طويلا في الحكم له أو عليه، لا أعني بالطبع ما إذا كانت قصيدة النثر التي يعد أحد مؤسسيها شعرا أم لا، ولكن لكثرة ما يزخر به ديوانه من متناقضات ومفارقات عجيبة على مستويات عدة أسلوبية وموضوعاتية وتعبيرية، بل حتى مشاعرية. غير أن الذي لا يتغير فيه، ويكاد يسيطر على أغلب إنتاجه هو صورة الذات العربية والشرقية بنمطيتها وتفاصيل أجزائها، حتى لنكاد معها نجزم بأن الشاعر بلغ حدا من اليأس في التغيير يغرق صاحبه في السلبية والعزلة والاغتراب.
عايش الماغوط كغيره من أبناء جيله تطورات البلاد العربية مند النكسة عام 1948 مرورا بحرب 1967، و 1973، وأحداث لبنان عام 1982، ووصولا إلى ما شهده هذا العالم خلال السنين العشرة الخيرة من حياته، وكان خلالها الشاعر الذي نجح في تصوير جزء من معاناة الإنسان العربي النفسية والفكرية والمادية.

لقد كان لهذه الأحداث جميعها آثارها الواضحة على كتاباته، فجسدها في صور قاتمة اللون، متنوعة الأشكال هي مزيج من التهكم والسخرية، ومن الحزن والرثاء، ومن السخط والثورة، ومن النبش في التاريخ لرسم الصورة الأخرى لهذا الإنسان الذي آل غلى درك من الضعف والهوان، بعد أن كان سيدا للعالم؛ يهزه
بصرخة تهديد، أو جرة قلم.
ورغم أن الماغوط لا يعتبر نفسه مثقفا، بل واقعيا يصور الواقع المعيش إلا أن ذلك لا ينقص من وعيه وقدرته الكبيرة على التأثير في القارئ. فالصورة التي ارتكز عليها شعره لا تقل أهمية عن عناصر أخرى ميزت إبداع غيره، مثل اللغة الراقية، والرموز المبهمة وغيرها. فالصورة هي الأساس في التأطير الموضوعي للنص، ومن خلالها نستطيع قراءة الواقع السياسي والاجتماعي المحيط بالشاعر من جهة، وإدراك موقف الشاعر منه وتفاعله معه من جهة أخرى.
وإذا كانت صورة الواقع العربي مشتركة بين شعراء حقبة تمتد من نكبة فلسطين إلى أحداث لبنان واحدة في مجملها، فإنها مختلفة كل الاختلاف في دقائق تركيبها إبداعيا، وجزئيات تفاصيلها وظلالها على حياة الإنسان العربي، وطبيعة ما يضيفه الشاعر على ألوانها من أصباغ خاصة، هي نتاج تكوينه الشخصي
ووعيه السياسي، وقدرته اللغوية التي تستطيع، بعيدا عن صرامة البلاغة وقوانين الجمال الكلاسيكية، أن تقتحم على القارئ صمته أو حياده أو لامبالاته، ولتدخله عالم التفاعل والتجانس مع الواقع بشكل أو بآخر.

يفتح الماغوط عينيه على واقع مر مأساوي، تغتلي فيه الأحداث، وتتعاظم فيه المؤامرات، وتتراكم فيه الإخفاقات على أصعدة جمة. الأمر الذي أشعره أنه في سجن اسمه الشرق الوسط سجن ذو بعدين: الأول، انعدام الحرية في التعبير عن الذات والواقع، والثاني المآل المحتوم لكل من يحاول كسر القاعدة،و المساهمة في تصحيح الأمور الآيلة إلى لمزيد من الكوارث. و(ليس هناك من مأزق وجودي يعدل في مأزميته من كون الإنسان في غير موضعه، أي يكون خارج المكانة والدور والمشاركة والإدارة والقرار، وبالتالي العطاء والنماء.. إنه الضياع الوجودي). لهذا عندما سئل الماغوط عن نجم من نجوم السياسة في المنطقة يكون قد أعجب به يوما، يقول: لا أحب هذا السؤال وكأنه يقول في الحقيقة "لا أحد "وكيف يكون والإنسان العربي – في نظره – لم ير الحرية في حياته، فهناك دائما من يتكلم وعلى الآخر أن يسكت " هذه النظرة التي تبدو متطرفة لها ما يبررها، عند جيل عايش المآسي السياسية والاجتماعية والفردية، كما عاش التجربة الثقافية وآثارها. ذلك الجيل الذي لم يكن همه المأكل ووسائل العيش، بقدر ما كان يصبو إلى الحاجات الأخرى التي تحقق للإنسان كيانه ووجوده. وإذا احتكمنا إلى سلم ماسلو5 فإن أهم حاجتين يسعى المثقف إليهما هما حاجتا الدرجتين الرابعة و الخامسة، أي إلى احترام الذات، و تحقيقها. لهذا كله لا نملك إلا أن نقدر في هؤلاء نظرتهم القاتمة وتشاؤمهم الزائد ونقدهم الرثائي للواقع والتاريخ، حتى وإن لم يكونوا
دائما على صواب.
والمتصفح لشعر الماغوط يلحظ هذا التنوع في صور الذات، وهي هنا الذات العربية بكل حمولاتها الدينية والتاريخية والقومية. تلك الذات التي يمكن أن ترى من زوايا مختلفة، وتحمل وجوها متغايرة ولكنها في النهاية ذات طابع واحد هو الهزيمة، أو هكذا ينظر الماغوط إليها من خلال قصائده، بل من خلال مجمل أعماله بما فيها المسرحية. لكن، من الصعب الحديث عن كل الجوانب التي تعكس صورة الذات في دواوين الماعوظ المختلفة، فأنت أمام أخطبوط تتعدد أرجله، ويتعذر الإمساك بها بإحكام في آن. لهذا سنحاول في
هذه المقاربة تسليط الضوء على ثلاثة من تلك المظاهر المشكلة لما يمكن وسمه باغتراب الذات، ويتعلق الأمر بالتسكع والخوف والتفاهة.
التسكع:
تمثل(رسالة إلى القرية) واحدة من قصائد الماغوط المعبرة عن التسكع والضياع؛ فهي بوحدتها الموضوعية، وجزئياتها التعبيرية، ترسم صورة التائه المشرد الذي لا يعرف لوضعه حلا.. فمأساته الكبرى أنه يكتب في وسط لا يحب الكتابة !
يتقاسم النص ثلاثة مواقف:
في الأول، يطلب من أبيه أن يأتي لنجدته، مناشدا فيه عاطفته التي- مهما تكن الأسباب أو الحيثيات التي حالت دون قربهما- تفرض سلطانها، وتستجيب لنجدة الابن الضال، فتعيد لهذا الفلاح المتهالك على محراثه
شيئا من دوره الوراثي في حماية دمه وكرامته.

أناشدك الله يا أبي
دع جمع الحطب والمعلومات عني
وتعال لملم حطامي من الشوارع
قبل أن تطمرني الريح
أو يبعثرني الكناسون.

يستخدم الماغوط في هذا المقطع تكثيفا معنويا مقابل تقليل كلامي، صور من خلاله حال أبيه الواقع بين هم الحياة اليومية، والاهتمام بأمر ابنه، ثم ينقل حاله التي وصفها بالحطام فيعكس بها صورة الذات المتسكعة التائهة، من خلال عبارتين تحملان ثقل التعبير المأساوي. فالريح يمكن أن تطمره كأي قشة في الشارع، فإن لم تكن الريح، فالكناسون وهم بشرلا يجدون فرقا بينه وبين أي شيء تافه يميطونه عن الطريق. ومهما تكن رمزية الكناسين، فإن الصورة لا تتغير: ذات تافهة لا شيء فيها يلفت الانتباه، أو يدل على قيمة.

في الموقف الثاني ينقلنا الشاعر إلى علة ما آل إليه؛ إن الأمر لا يتعلق بمرض جسماني يذيب فيه اللحم و الشحم، ولا جوع يهزله فيجعل منه شبح إنسان، بل هو القلم وهو الكلمة.

في المساء يا أبي
مساء دمشق البارد
حيث هذا يبحث عن حالة
والآخر عن مأوى
أبحث أنا عن كلمة
عن حرف أضعه إزاء حرف.

إنه الزمن الذي تتحول فيه الكلمة إلى هاجس حقيقي ليس للإبداع فقط، بل للخوف أيضا. ذلك هو واقع المثقف المغترب روحيا ونفسيا عن وطنه أو مجتمعه. لقد كان من المفترض أن تكون الكلمة مبعث فخر وسعادة للشاعر والمجتمع على حد سواء، لكنها في حال شاعرنا مبعث خوف وقلق. وفي هذا السياق يأتي الاستفهام الساخر ليشوه الصورة الرائعة للإبداع الأدبي والفكري، لمجرد كون الإنسان مثقفا واعيا.
لكن
أوتظنني سعيدا يا أبي ؟

أبدا.. يجيب الشاعر ! كيف يسعد وفعل الكتابة جرم يقود صاحبه إلى المهالك، أو يقوده إلى التشرد والتسكع في أحسن الأحوال؟

إن هذا القلم سيوردني حتفي
لم يدع سجنا إلا وقادني إليه
ولا رصيفا إلا مرغني عليه
……………………….
أنام
ولا شيء غير جلدي على الفراش
جمجمتي في السجون
قدماي في الأزقة
يداي في الأعشاش
كسمكة سنتياغو الضخمة
لم يبق مني غير الأضلاع وتجاويف العيون.

في الموقف الثالث، يتراجع الشاعر عن طلب عون أبيه، كأنما وصل إلى قناعة يائسة بأن الوضع لن يتغير، بل كأنما ما دعاه أصلا في مطلع النص إلا ليخبره بما آل إليه.. ليتكلم حتى لا ينفجر بما في جوفه وقريحته، لعل الكلام أن يخفف شيئا من مأساته الثقيلة. لذلك يطلب منه هذه المرة أن يمحوه من ذاكرته، وأن يعود إلى محراثه وأغانيه الحزينة، لأن الذي آل إليه لا يمكن تصحيحه:

لقد تورطت يا أبي
وغدا كل شيء مستحيلا
كوقف النزيف بالأصابع.

وفيما عدا (رسالة إلى القري) فإن ملمح التسكع في لغة الماغوط طاغ طغيانا عارما؛ ففي قصيدته (في المبغى) يقول:
من قديم الزمان..أنا من الشرق
من تلك السهول المغطاة بالشمس والمقابر
أحب التسكع والثياب الجميلة.

وفي (جناح الكآبة) :

مخذول أنا
لا أهل ولا حبيبة
أتسكع كالضباب المتلاشي
كمدينة تحترق في الليل.

وفي (الرجل الميت):

… مستعدا لارتكاب جريمة قتل
كي أرى أهلي جميعا وأتحسسهم بيدي
أن أتسكع ليله واحدة
في شوارع دمشق الحبيبة؟

فما الذي جعل الماغوط يحب التسكع، وهو مستعد أن يرتكب من أجله جريمة قتل؟ إنه ليس حبا في واقع الأمر، بل هو الشعور بالملازمة اللصيقة بينهما، إلى درجة أصبح معها التسكع متعة وطبعا؛ فهو الرفيق مهما يكن قبحه يظل المترجم لما يحيط بصاحبه من مظاهر الغبن و الغربة.
لكن لفظ التسكع وحده، و إن تكرر في قصائد الماغوط، لا يكفي لرسم اللوحة المأساوية بفنية. وهكذا، فإن الشوارع والأرصفة والأزقة ألفاظ دالة كلها على وضع واحد مشترك، ينقل صورة الذات المعذبة المحطمة
في أمانة تعبيرية تامة. أما الذي ساهم في تشكيلها فهو في نظر الشاعر الغير الناقص، والغير المتعالي على الحقيقة، وعليه فنحن لسنا أمام ذات سلبية تجد ولا تأخذ، ويفسح أمامها المجال فلا تتفاعل، ويطلب منها الاجتهاد فتكسل، بل أمام ذات تبدو مقهورة، تفرض عليها السلبية ولا تجد منفذا لصرفها.
الخوف:
لا يختلف اثنان في أن الخوف أعدى عدو للإنسان، وضد الأمن الذي يعد من النعم التي تفتح الباب أمام سعادة الفرد. لهذا نجد القرآن الكريم ينكر على قريش شركها وكفرها بالنعم الكثيرة التي من أهمها القوت والأمن فقال تعالى: فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
هذا الخوف الذي يمكن استثماره فنيا، لأنه حقيقي لا مفتعل.. الخوف من السجن، الخوف من التعذيب. يقول الماغوط في مقابلة مع الجزيرةإذا دق بابي ليلا لا أفتحه، أقول في نفسي إنهم قادمون لأخذي رغم كوني
محميا من الدولة.) ويقول في موضع آخر(لخوف حفر في مثل الجرافة داخل أعماقي، بقلبي بروحي بعيني بأذني، فلا أرجف من البرد ولا من الجوع بل أرجف من الخوف.)

ربما تكون قصيدة (الوشم) واحدة من أكثر القصائد تعبيرا عن ظاهرة الخوف عند الماغوط، وهي تتوزع على أربعة مقاطع تتحد في رسم الصورة الثانية في الثالوث العجيب.

في المقطع الأول صرخة تحاول تغيير الواقع، أو انتفاضة في وجه مخترعي الخوف، تشبه إلى حد كبير محاولة اليائس الذي يعرف مسبقا عدم جدوى ما يريد:
الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء يفصل جثث الموتى
عن أحدية المارة
سوى الإسفلت
سأتكئ في عرض الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق
حتى تفر كل هراوات الشرطة والمتظاهرين
من قبضاتها أصحابها
وتعود أغصانا مزهرة مرة أخرى
في غاباتها

إنها صرخة رومنسية حالمة، لكنها واعية، تلك التي تستهجن تحويل الأشياء عن طبيعتها الابتدائية البريئة. فليست القضبان للسجون ولا الإضبارات للمشبوهين ولا الأغصان للهراوات أصلا، بل جعلت هذه لتلك لانحراف الإنسان عن كينونته وغايته، ولتشوه العلاقات الإنسانية نتيجة لتضارب الاتجاهات والرغبات والأفكار؛ فينتج عن ذلك جميعا حب الظلام والاستتار لدى الظالم والمظلوم، إذ يختفي كل منهما لغايته، الظالم ليتربص بضحيته، والمظلوم هروبا من جلاده:

أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتب في الظلام
حتى لم أعد أميز فلمي من أصابعي
كلما فرع باب أو تحركت ستارة
سترت أوراقي بيدي
كبغي ساعة المداهمة.

ولئن كان الظلام ملاذا للشاعر، فإنه لا يعني الاطمئنان، فالمداهمة يمكن أن تحدث بين اللحظة والأخرى، لأن الآخر المتربص يمارس ظلامه هو الآخر. فالظلام الثنائي الوجه حلبة لصراع مرير بين عالمين: عالم الحق والحرية، وعالم الظلم والتجبر.ويأتي المقطع الثالث بسؤال كبير:

من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبلي؟

إن تضمن السؤال كلمة(أورثني) يتجه بالخوف هنا إلى عوامل أبعد من أن تكون وليدة الأحداث السياسية أو الاجتماعية المستجدة. والماغوط لا ينفك يتحدث عن طبيعة الإنسان العربي الضاربة بجذورها في عمق التاريخ. ويسلط الضوء على كثير من الخلفيات الذهنية المتحكمة فيه، غير أنه لا يذهب في ذلك مذهبا عنصريا تعميميا، بل يحاول بوصفه عربيا أن ينقد الماضي ويستنطق أحداثه إيجابية كانت أو سلبية.

فهل يريد الماغوط تبرير حالة الهلع بإرجاعه إلى العامل الوراثي الذي يعلم الجميع أن ليس للإنسان دخل مباشر فيه، أم إن الشاعر يسعى بتأصيل الخوف إلى الانتقام –بصورة أو بأخرى – من المجتمع الذي يقض مضجعه؟
ويصل الخوف بالذات المعذبة إلى حده، حين يصبح طيفه كمثوله:

ما أن أرى ورقة رسمية على عتبة
أو قبعة من فرجة باب
حتى تصطك عظامي ودموعي ببعضها
ويفر دمي مذعورا في كل اتجاه
كأن مفرزة أبدية من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان.

إن لفظتي(دمي) و(سلالات) الدالتين على العامل الوراثي تكشفان بوضوح عن حجم المأساة في عمق الشاعر، إذ عليه أن يكون دائما في تأهب أقصى وبالتالي في قلق دائم، في انتظار المفاجآت. ويشكل المقطع الأخير حالة الجزم بالواقع المرير، والاستسلام للأمرالواقع:
عبثا أسترد شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد… في الرحم
فأنا قطعا
ما كنت مربوطا إلى رحمي بحبل سره
بل بحبل مشنقه.

فالحالة إذن ميئوس منها، ونبرة الشاعر الحزينة تغرقه في التشاؤم والغربة النفسية والاجتماعية. ومثل هذا الشعور يعكس في واقع الأمر الشعور بالسلبية، أو بالتهميش. ويدخل الشاعر والمجتمع في سجال حول تحديد المسؤولية عن هذا الوضع، ومهما تكن نتائجه فإن خللا واضحا يعتري الواقع، ولا بد من تصحيحه.

التفاهة أو احتقار الذات:
من الطبيعي أن يكون التشرد و الخوف عاملين مهمين في الوصول إلى أهم ملمح في صورة الذات الماغوطية وهو التفاهة، وبهذا تكتمل أضلاع المثلث المأساوي، بحيث يؤدي كل منها إلى الآخر. فالتفاهة تؤدي إلى الخوف، و الخوف إلى التشرد، و التشرد إلى التفاهة، و هكذا دواليك.وإذا كان من عادة الإنسان أن يسعى جاهدا لتغطية عيوبه، ورفض أي شكل من أشكال الاحتقار التي قد يتعرض لها، فإن ما نجده في دواوين الماغوط الثلاثة ( من قصائد تعبر عن تفاهة الإنسان في المجتمع لا يكاد يحصى. لهذا آثرت في هذا الجزء من البحث أن أقتطف بعض فقرات تجسد هذا الملمح بشكل واضح
سافر، بدل عرض قصيدة بعينها.
ففي قصيدته(النخاس) يلعب الشاعر دور بائع متجول بضاعته أشياء لا يمكن لأحد شراءها،إما لأنه لا يملكها أصلا مثل السماء الزرقاء والعواصف الثلجية، و إما لأنها مما ينفر منه الإنسان، و يسعى للتخلص منه مثل الرمد للأطفال أو التذمر للآباء !
ويمضي الشاعر في عرض البضاعة بنفس لا يتعب جامعا بين المادي والمعنوي، والمعقول واللامعقول، لنعرف في النهاية أنه في عجلة من أمره، وأنه يريد إنهاء صفقته لا ليسعد بربح أو يهنأ ببيع بل ليغرس في صدره شيئا ويموت.
هذه العبثية الصارخة ما هي إلا شكل من أشكال التعبير عن التفاهة، عن التيه والضياع وانحطاط القيمة، إذ يبدأ الماغوط نصه بقوله:

الاسم: حشرة
اللون: أصفر من الرعب
الجبين: في الوحل
مكان الإقامة: المقبرة أو سجلات الإحصاء
المهنة: نخاس

هذه البطاقة التعريفية واضحة الدلالة، صريحة اللفظ، فهو لا يعدو كونه شيئا خارج المجتمع، وخارج الحياة. وهي صورة تجمع التفاهة إلى الخوف من خلال صفرة الوجه والتشرد من خلال مكان الإقامة وهو المقبرة، وهكذا تبدو هذه الثلاثة المكونات الرئيسية في صورة الذات.
غير أن الملفت في شعر الماغوط أن التفاهة الشخصية التي يعبر عنها تجر معها أحيانا تفاهة لما يرتبط بها في ملمح انتقامي – على ما يبدو-. ففي معرض بيعه تمتد سلع البيع إلى أعزما يزين تاريخنا:

كل الفتوحات العربية
مقابل سرير
كل نجوم الشرق
مقابل عود ثقاب.

إن تفاهة الذات أدت إلى تفاهة الآخر، فردا كان أو جماعة؛ فكأن الشاعر يسقط حاله على محيطه، باعتبار أن هذا المحيط هو السبب في ما آل إليه. وهذه (حال متطورة لعدم التوافق وعدم السواء لانفصال الذات عن الفرد والمجتمع.)
غير أن سخط المثقف على المجتمع الصغير أو الكبير يأخذ –عند شعراء كالماغوط- منحى بعيدا، فهو يتوغل في الإرث الحضاري وفي التاريخ، ولا يتوقف عند مجرد المكونات المادية، أو ما له علاقة بحياة الإنسان الضيقة. وعندما يركز الشاعر على الفتوحات العربية إنما يريد أن يعبر عما آل إليه المجتمع الكبير من صغار وضعة، يستشعرها الفرد من خلال ذاته أولا، ومن خلال علاقاته بالمحيط، ومقارنة هذا المحيط بغيره من المحيطات التي تبدو أكثر منه انسجاما وتحقيقا لأحلام الأفراد.
إن الإحباط الذي بدا من خلال المقطعين ليدعونا إلى التساؤل عما إذا كان الولاء للمجتمع ما يزال قائما عند الشاعر. لكن لا مفر لنا من ملاحظة، وهي أن سخط المثقف- كما هو عند الماغوط- سخط واع لا يهدف إلى الهدم إطلاقا. إنه ضرب من النقد العنيف الذي يحاول فضح الظواهر السلبية لإعادة النظر فيها وتصحيحها.
ويذكرنا هذا الجزء من النص بـ(المهرج)، المسرحية التي استعاد فيها الماغوط شخصية صقر قريش، وبعثه إلى الحياة ليكتشف التحول العظيم للإنسان العربي، لكنه ينتهي به المطاف إلى أن يباع مثل أي تحفة أثرية إلى أعدائه الأسبان و بأبخس الأثمان. أما بائعه فهو ابن جلدته، والمنتظر منه الاحتفاء به وتمجيد بطولاته.

ويمضي الماغوط في التعبير عن التفاهة واحتقار الذات في قصائد أخرى كثيرة ؟
ففي(أغنية لباب توما)يقول:

ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء.
………………………
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء
قرب كنيسة
أو صليبا من الذهب على صدر عذراء

إن تركيز الشاعر هنا على الموجودات الجامدة، ورغبته أن يكون واحدا منها، لمظهر آخر من مظاهر التفاهة، حتى وإن كانت الأشياء هذه ثمينة ماديا أو معنويا. فمهما تكن قيمة هذه الموجودات، فإن حياة الإنسان هي الأهم. وعندما يفقد الإحساس بذلك لسبب أو لآخر تتجسد المأساة في أجلى صورها.

والنبرة نفسها نراها في(خطوات ذهبية)16 فالشاعر ما زال يرغب في أن يكون غير ما هو عليه.. كأنما يريد أن يفر من ذاته، حتى وإن كان ما يؤول إليه عبودية:

آه كم أود أن أكون عبدا حقيقيا
بلا حب ولا وطن
لي ضفيرة في مؤخرة الرأس
وأقراط لامعة في أذني.

يبدو إذن أن الماغوط يتموضع في مثلث السلبية الذي أضلاعه متساوية، وزواياه متقابلة، ومتحدة ضده في آن. أينما اتجه في حلبته البائسة لا يجد غير الشكوى والأنين، والأوجاع والأمراض. إنه المحاصر بأحلامه وكوابيسه.. بتاريخه وحاضره، يحاول أن يتمرد على نفسه ومحيطه ويفشل، وكأنما كتب عليه أن يعيش كئيبا مهزوما، والدنيا من حوله لا تأبه إلا بعيشها وقوت يومها.
و ما أبعد الماغوط عن شعراء العنتريات و الفخر، أين هو من عنترة والمتنبي والحمداني، وأين هو من القباني ومفدي زكريا وكثيرين غيرهم،عرفناهم بفخرهم رغم ما طالهم من الغربة وضيق العيش، وكأنهم كانوا يكابرون ليقولوا إنهم أقوياء. أما الماغوط، فيبدو أنه لا يعرف في حياته إلا الضعف والاستكانة رغم جرأته وصراحته. كيف لا وهو المرعوب بالولادة، الخائف من كل شيء، حتى من آذان الحيطان.

ولئن كان هذا حاله، فالحق أنه خلف لنا شعرا معبرا أفضل تعبير عن واقع الحال في المجتمعات العربية والشرقية. ويكفي هذا رسالة من شاعر قتلته البساطة حتى أضحى شهيدها.

:::::::::::::::

بعد الرحيل ...الماغوط.. جمر الكلمات ورماد الحياة..

(بلا أمل ..
وبقلبي الذي يخفق كوردة حمراء صغيرة‏
سأودع أشيائي الحزينة في ليلة ما‏
بقع الحبر‏
وآثار الخمرة الباردة على المشمع اللزج‏
وصمت الشهور الطويلة‏
والناموس الذي يمص دمي‏
هي اشيائي الحزينة‏
سأرحل عنها بعيداً بعيداً..‏
وراء المدينة الغارقة في مجاري السل والدخان .. ).‏
هكذا كتب محمد الماغوط ذات يوم أهي النبوءة التي يحترفها الشعراء الحقيقيون أم أنها القراءة لخطوط الحياة المرسومة معاناة وقهراً وابداعاً أم ان ألوان الحزن التي عاشها الشاعر نسجها خلوداً قادته الى هذا الاستهلال الذي يخفي ويراكم وراءه في القصيدة ذاتها مواقف من المدينة والحياة والحب وتحمل في الاعماق حنيناً الى الوهلة الاولى من الحياة ( المسافر) قصيدته التي اخترنا منها هذا المقطع مضمخة بالشوق والحنين واللهفة, حاملة اسرار الماضي وعناوين الحاضر وملامح القادم.‏
محمد الماغوط الذي اطلق عليه بعض النقاد اسم العاشق المتمرد الراحل مع إطلالة الربيع كما رحل من قبله نزار قباني وبعده العجيلي, وتلتهم في ايامنا هذه, إلفة الادلبي, هل هو سر أن يرحل المبدعون مع ألوان الربيع, رحيل يستحق ان يقرأ من اكثر من زاوية, لا سيما اذا كنا في موروثنا الشعبي نقول: إن شهر شباط شهر رحيل العجائز.. فما بالنا لا نقول : نيسان او مطلع الربيع رحلة ابداع جديدة في عوالم جديدة لمبدعين لم يكونوا أقل عطرا وشذى من الربيع ذاته .‏
الماغوط في ذكرى رحيله الاول.. ماذا ترى نقدم او نقول وهو الذي شغل النقاد والمتابعين في حياته ورحيله ... لا جديد يضاف الى ما قيل وما سيقال. ولا ندعي اننا وفينا المبدع الكبير حقه فيما قدمناه. ولكننا في عصر لم يعد فيه مكان إلا لكل ما هو زائف وزائل إن استطعنا او وفقنا الى انتقاء طاقة ورد حقيقية نقدمها في ذكرى الرحيل نكن قد انجزنا شيئاً ما ..‏
من بوحه الاخير..‏
في الكتاب الذي اصدرته وزارة الثقافة بدمشق تحت عنوان : العاشق المتمرد وأشرف على اعداده وتوثيقه د. علي القيم معاون وزير الثقافة - نص الحوار الاخير الذي اجري مع الراحل ونشر ولم يره يسأله عبده وازن عن الموت فيقول :‏
إحساسي بالحياة قوي, وذاكرتي قوية, لا أفكر في الموت بتاتاً اعتبر الموت مثل الصديق ألعب معه لعبة ( الطاولة ) . ولا أعرف ماذا هناك بعد الموت .‏
ويسأله : هل تشعر بأنك تنتمي الى طائفة معينة فيرد قائلاً:‏
لا, لا أحس إنني أنتمي إلى.... إنني الى ارض الله ..‏
وعن حالة العزلة التي كان يعيشها قال:‏
استطيع ان اعيش عشر سنين وحيداً, لا أكلم أحداً .. انني كائن يؤثر العزلة, بدءاً من الغروب اشعر بالكآبة وترافقني في المساء.‏

والقصيدة كيف تكتبها.. يجيب قائلاً: أكتبها دفعة واحدة, ثم اشتغل عليها, اختصرها, اضبطها, اضيف اليها..احياناً تكون القصيدة صفحة فتصبح سطرين واحيانا تكون سطرين فتصبح قصيدة طويلة.‏
لم أمل من الكتابة في أي يوم .. انها حياتي ..‏

قالوا في ابداعه‏ :
سنية صالح : حرر الشعر من عبودية الشكل ..‏
كتبت الشاعرة الراحلة سنية صالح (زوجة الماغوط) مقدمة لاعماله تحت عنوان (طفولة بريئة وارهاب مسن ) ونشرت, المقدمة في اعمالها الكاملة الصادرة عن وزارة الثقافة بدمشق, ومما قالته صالح :‏
يعتبر محمد الماغوط من ابرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل, دخل ساحة العراك حاملاً في مخيلته ودفاتره الانيقة بوادر قصيدة, النثر كشكل مبتكر وجديد وحركة رافدة لحركة الشعر الحديثة,كانت الرياح تهب حارة في مساحة الصراع, والصحف غارقة بدماء الباكين على مصير الشعر حين نشر قلوعه البيضاء الخفاقة فوق اعلى الصواري.. وقد لعبت بدائيته دوراً هاماً في خلق هذا النوع من الشعر .. اذ ان موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي..وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود وكان من ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في ذلك العصر .‏
د.نذير العظمة: الماغوط حدث ثقافي مدهش‏
محمد الماغوط هو حدث ثقافي مدهش في حضارتنا .. انه حدث مدهش ان يجتمع كل هؤلاء الناس على شاعر دون وزن وقافية. هذه أعجوبة لكن ان يبلغ الماغوط مستويات من الشعر في القصيدة وغير القصيدة دون هذه السلاسل هو الاعجوبة الحقيقية... محمد الماغوط ينجز سبقا تاريخيافيما يسمى بقصيدة النثر.. لأنها بدأت قبله منذ امين الريحاني في نيويورك .. الماغوط لم ينجز سبقا تاريخيا, بل انجز سبقا شعريا بهذه الحساسية التي وصفت مرة بالطفولة ومرة بالبراءة..‏
محمود درويش : اب شعري لا يقتل..‏
اذا كانت حياة الغائب مستمرة فيما يتركه الغائب من اثر فينا , فإن محمد الماغوط ما زال حيا .. هو أحد الشعراء القلائل من جيل الرواد او من جيرانهم الذين لا نفتقد المتعة والبهجة حين نعود الى قراءتهم. فهو لم يتمرد على التقليدية في الشعر بالانتماء الى تقليدية حديثة وحداثة تقليدية, بل شق طريقه الخاص غير مبال,بالتسميات والاطر, وكان شامل التمرد على الصنمية السياسية وعلى النمطية التعبيرية معا, وكان صوت الهامش الذي اقتحم المشهد الشعري, وكسر كل ما يتعرض تدفق موهبته الفطرية الجامحة كتدفق السيل.‏
أحمد عبد المعطي حجازي: المبرر الوحيد لقصيدة النثر..‏
محد الماغوط شاعر فذ.. يكاد يكون شاعراً رغم انفه , فهو لم يقصد بشعره ان يكون شاعرا بقدر ما قصد ان يقدم نفسه وبأن يقدم العالم كما يراه . انه شاعر حقيقي, فرض وجوده على الحياة الشعرية ليس لأنه قدم شعراً جديراً بهذه الصفة, بل لأنه قدم شعره في شكل جديد لم يكن موجوداً من قبل .. وسيظل حتى هذه اللحظة قابلا للأخذ والرد.. صاحب موهبة كبيرة ويعتبر نتاجه الشعري المبرر الوحيد لوجود قصيدة النثر في الشعر العربي.‏





في وداع محمد الماغوط قال محمود درويش:


في أمسية غياب كهذه، وفي المكان هذا، كنا في العام الماضي ننثر ورد الحب على اسم الراحل ممدوح
عدوان. لم يحضر محمد الماغوط كاملا، لعجز عكازه عن أسناد جبل. لكنه حضر صورة شاحبة وصوتاً متهدجاً ليذكّرنا بأن للوداع بقية.
ذهبنا إليه في صباح اليوم التالي. كانت العاصفة مسترخية على أريكة، تشرب وتضحك وتدخن وتعانق زوارها. كانت العاصفة مرحة فرحة بما تبقى فيها من هواء وضيوف، ولا تأسف على ما فعلت باللغة وبالنظام الشعري. فهي لا تُعرَّف الا من آثارها عندما تهدأ. هدأ الماغوط ونظر الى آثاره برضا الفاتح
المرهق.
قلنا له وقال لنا ما يقول العارفون بأن اللقاء وداع. وضحكنا كثيراً لنخفي خوفاً أثاره فينا انكبابه على ترتيب الموعد القاسي مع سلامه الداخلي، فمثل هذا المحارب لا تليق به السكينة.
لكنه لم يكن حزيناً ولا خائفاً مما يتربص به. وضَع الماضي كله على المائدة، ووزع على كل واحد منا حصته من الذكريات والمودة، قرأ لنا ما يدون من خواطر يومية عاجلة، فهو في سباق مع معلوم يشاغله بالطرق على فولاذ المجهول. وحياني بقصيدة، فخجلت، وقلت في نفسي: لماذا لم يصدِّقني من قبل؟

وهو، الذي لا يحب الإعلام، ابتهج بوصول فريق إذاعي، ربما ليعلن وصيته الأخيرة على الملأ :
أوصيكم بالحب... فهذا الغاضب من كل شيء لم يغضب إلا لأن الحب في هذا العالم قد نضب. ولم يغضب الا لأن زنزانة هذا العالم ما زالت تتسع لسجين رأي مختلف. ولأن أرصفة هذا العالم ما زالت تزدحم بالفقراء
والمشردين. ولم يغضب إلا لأن لفظة الحرية، بمعناها الشخصي والعام، ما زالت مستعصية على العرب والعاربة والمستعربة... والإعراب!
فوجئنا بصحافي يسألنا بلا رحمة: هل جئتم إلى الماغوط لحضور جنازة مبكرة؟
- تحسس كل واحد منا قلبه وتلعثم، ألا هو، هو النسر الوحيد في ذروته، ملتفاً بكبرياء الأعالي وبمصاهرة البعيد. لم يكن سؤال الموت سؤاله ما دام يكتب... ففي كل كتابة إبداعية نصر صغير على الموت، وهزيمة صغرى أمام إغواء الحياة التي تقول للشاعر: هذا لا يكفي، فما زالت القصيدة ناقصة!
وكنا نعلم أننا جئنا للقائه لنتدرب على وداعه.
رحل الماغوط، ونقص الشعر. لكنه لم يأخذ شعره معه كما فعل الكثيرون من مجايليه الذين صانوا سلطتهم الشعرية في حياتهم بحرّاس النقد والأحزاب.
فهذا الوحيد الخالي من أية حراسة نظرية وتنظيم إعلامي، لم يراهن إلا على شعريته وحريته، وعلى قارئه المجهول الذي وجد في قصيدته صدى صوته وملامح صورته، بعدما أقامت كلماته المكتوبة بالجمر جسر اللقاء بين الذات والموضوع، وبين الذات وما تزدحم به من آخرين.وهو، هو الذي جاء من الهامش واختار هامش الصعلوك، كان نجماً دون أن يدري ويريد. فالنجومية هي ما يحيط بالاسم من فضائح. وشعره هو فضيحتنا العامة، فضيحة الزمن العربي الذي يهرب منه الحاضر كحفنة رمل في قبضة يد ترتجف خوفاً من الحاكم ومن التاريخ. حاضر يقضمه ماض لا يمضي وغد لا يصل. كم
أخشى القول ان الزمن الذي هجاه الماغوط ربما كان أفضل من الزمن الذي ودّعه. فقد كنا ذاهبين، على الأقل، إلى موعد مرجأ مع أمل مخترع.
لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا. ولكن الشقاء الكامل هو أن يكون حاضرنا أفضل من غدنا.
يا لهاويتنا كم هي واسعة !رأى الماغوط الهاوية فخاف. خاف بشجاعة المقاوم. فنظر الى الأفق بعيون الشاعر الطائر، فخاف ثانية، وقاوم الخوف برؤيا الشاعر الحالم، فماذا على الشاعر أن يفعل غير أن يخلص مرتين: مرة لانتمائه الى الواقع، ومرة لتجاوز الواقع بالخيال وبصناعة الجمال؟ - لكن هذا الخائف على عفوية الحياة، وعلى العلاقة السرية بين الأشياء والكلمات، رأى الخوف كما تُرى المواد الأولية لبناء الكابوس، فقاومه بحرية الكلمات في تحرير صاحبها وقارئها، وقاومه بالتخلي عن حنين اللغة الى ماضي أطلالها وقصورها معاً، وبفروسية من لا يملك شيئاً ليخسره، وأكاد أقول: بمغامرة يأسه اشتق الأمل لغيره، فأخاف ما يخيفه، كما تُخيف الملحمة الشعرية الموت المتربص بأبطالها وقرائها الخالدين. لقد أخافت لغة الماغوط الساخنة الساخرة الجميع من فرط قوة الهشاشة في أعشابها، ومن فرط
دفاعها عن حق الوردة في حماية خصائصها.
وهو فضيحة شعرنا. فعندما كانت الريادة الشعرية العربية تخوض معركتها حول الوزن، وتقطعه الى وحدات إيقاعية تقليدية المرجعية، وتبحث عن موقع جديد لقيلولة القافية: في آخر السطر أم في أوله... في منتصف المقطع أم في مقعد على الرصيف، وتستنجد بالأساطير وتحار بين التصوير والتعبير، كان محمد الماغوط يعثر على الشعر في مكان آخر. كان يتشظى ويجمع الشظايا بأصابع محترقة، ويسوق الأضداد الى لقاءات متوترة. كان يدرك العالم بحواسه، ويصغي الى حواسه وهي تملي على لغته عفويتها المحنكة فتقول المدهش والمفاجئ. كانت حسيته المرهفة هي دليله إلى معرفة الشعر... هذا الحدث الغامض الذي لا نعرف كيف يحدث ومتى.
انقضَّ على المشهد الشعري بحياء عذراء وقوة طاغية، بلا نظرية وبلا وزن وقافية. جاء بنص ساخن ومختلف لا يسميه نثراً ولا شعراً، فشهق الجميع: هذا شعر. لأن قوة الشعرية فيه وغرائبية الصور المشعة فيه، وعناق الخاص والعام فيه، وفرادة الهامشي فيه، وخلوه من تقاليد النظم المتأصلة فينا، قد أرغمنا على اعادة النظر في مفهوم الشعر الذي لا يستقر على حال، لأن جدة الإبداع تدفع النظرية الى الشك بيقينها الجامد.
لم يختلف اثنان على شاعرية الماغوط، لا التقليدي ولا الحداثي، ولا من يود القفز الى ما بعد الحداثة.
حجتهم هي ان الماغوط استثناء، استثناء لا يُدرج في سياق الخلاف حول الخيارات الشعرية. لكنها حجة قد تكون مخاتلة، فما هي قيمة الشاعر إذا لم يكن استثناء دائماً وخروجاً عن السائد والمألوف؟ لذلك، فنحن لا نستطيع أن نحب قصيدة الماغوط ونرفض قصيدة النثر التي كان أحد مؤسسيها الأكثر موهبة. وإذا كانت تعاني من شيوع الفوضى والركاكة وتشابه الرمال، على أيدي الكثيرين من كتابها، فإن قصيدة الوزن تعاني أيضاً من هذه الأعراض، الأزمة إذاً ليست أزمة الخيار الشعري، بل هي أزمة الموهبة، أزمة الذات الكاتبة.
فنحن القراء لا نبحث في القصيدة إلا عن الشعر، عن تحقق الشعرية في القصيدة.وخلص الشاعر محمود درويش في نثره الفني الذي يوازي شعره جمالا وصورا إلى القول أن:
سر الماغوط هو سر الموهبة الفطرية. لقد عثر على كنوز الشعر في طين الحياة. جعل من تجربته في السجن تجربة وجودية. وصاغ من قسوة البؤس والحرمان جماليات شعرية، وآلية دفاع شعري عن الحياة في وجه ما يجعلها عبئاً على الأحياء، وهو الآن في غيابه، أقل موتاً منا، وأكثر منا حياة

::::::::::::::::::::



الجوائز التي نالها الماغوط خلال حياته:
------------------------------------------

جائزة "احتضار" عام 1958.
جائزة جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر عن ديوانه الأول "حزن في ضوء القمر" عام 1961.
جائزة سعيد عقل.
صدور مرسوم بمنح وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة للشاعر محمد الماغوط من بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية.
جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر عام 2005


::::::::::::::::::::




:::::::::::::::::



من أقوال محمد الماغوط
--------------------------

لكي تكون شاعراً عظيماً يجب أن تكون صادقا، ولكي تكون صادقا يجب أن تكون حراً، ولكي تكون حراً يجب أن تعيش، ولكي تعيش يجب أن تخرس.
الوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع.
مراقبة الألم من وراء الزجاج شيئ مضحك.. كالأطرش الذي يسمع موسيقى.
هنا.. في منتصف الجبين.. حيث مئات الكلمات تحتضر.. أريد رصاصة الخلاص!
لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضرورياً , فقد لا تواتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى!


محمد الماغوط

لكي تكون شاعراً عظيماً يجب أن تكون صادقا،
ولكي تكون صادقا يجب أن تكون حراً،
ولكي تكون حراً يجب أن تعيش،
ولكي تعيش يجب أن تخرس.

::::::::::::::::::





الماغوط في عمون الفينيق
---------------------------

الأرجوحة
قيلَ بأنه أفضل من كتب القصيدة النثرية فأحسن سبكها و أخرجها بحلّةٍ تأسر الألباب
إليكم أرجوحته

******************
البدوي الأحمر
حمّــــــــــل مـن هنــــــــــا

***************
سياف الزهور

حمّــــــــــل مـن هنــــــــــا



**************
العصفور الأحدب

حمّــــــــــل مـن هنــــــــــا



*************
حوارات مع الماغوط

تحميـــــــــــــل

************
شرق عدن غرب الله

تحميــــــــــــــل

*************
حزن فى ضوء القمر

تحميــــــــــــــل

*************
المهرج

تحميـــــــــــــــــــل

*************
غرفة بملايين الجدران


تحميــــــــــــل

************


سأخون وطني

تحميـــــــــــل




من أشعاره:
------------------




تحت الاحتلال
----------------

إنني في رعاية دائمة لا بأس بها
الشمس تحميني من المطر
والمطر من التجول
والتجول من اللصوص
أزمة المواصلات تحميني من المسرح
والمسرح من الشعر
والشعر من الصحافة
والصحافة من الإهمال
والإهمال من الوحدة
والوحدة من القراء
والقراء من الحب
المرض الوحيد الذي أريد أن أقع فيه دون إسعاف
لأنه يحميني من الوحدة والجوع والعطش والسجون والسياط
والدبابات وكل جيوش العالم.. بعد تسريحها طبعاً!


خريف درع
----------------

اشتقت لحقدي النهم القديم
وزفيري الذي يخرج من سويداء القلب
لشهيقي الذي يعود مع غبار الشارع وأطفاله ومشرّديه
في الشتاء لا أشرب أيّة زهور أو أعشاب برية في درجة الغليان
بل أنفثها بعيداً إلى ربيع القلب
واشتقت لذلك الحنين الفتيّ المشرّد وقد ضاقت به السبل
فيبكي كسيف عجز ولم يشهره أحد ولو للتنظيف منذ آخر معركة
أو استعراض
ولتلك الأيام التي كانت الموجة فيها تقترب من البحارة الأغراب
ملثمة كالبدوية المهدور دمها.
ولو كان الأمر بيدي لقدمت وسام الأسرة
للصخور، والمشانق، والمقاصل، وساحات الرجم وسياط التعذيب
لاعتقادي بأنها من عائلة واحدة فرّقتها الأيام
والدموع الغريبة لا أصدّها
بل أفتح لها عينيّ على اتساعهما
لتأخذ المكان الذي تريد حتى الصباح
وبعد ذلك تمضي في حال سبيلها
فربما كانت لشاعر آخر!.
شريعة الغاب
كما كانت الشعوب البدائية تقدم للنيل أجمل عذراء كل صباح
لتفادي غضبه على الصيادين والمزارعين
أريد كل صباح أجمل وطن لتفادي غضبي وثورتي
ثم، الخمر المعتق، محارات الشواطئ، أسماك الجنس، عروق
المرجان، زبيب التسلية، النسيم العليل، نابات الرعاة، أجراس
القطعان، وتعب المساء، ونشاط الفجر، وصلوات المحن، وأدعية
المأزق، هي نفقاتي السرية أبعثرها يميناً وشمالاً وعلى من أريد.
ثم المطر.. الضباب، والأشباح مرافقة دائمة لموكبي،
والرعد والبرق فتوة الغيوم الشعبية فوق رأسي،
والشمس والقمر والنجوم كبار القوم أهل الرأي فيها.
ثم شروطي للإقامة في أي وطن
أن تتغير حدوده يومياً وعلناً كثياب العرس أو الاستحمام
وأن تعاد كتابة تاريخه بحيث يكون لآبائي وأجدادي اليد
الطولى في البطولات والإنجازات.
وأن تدفن النفايات النووية بكل خشوع وإجلال على الطريقة
الإسلامية وبمرافقة وتلاوة أشهر المقرئين والمنشدين.
أن يعاد الاعتبار لكل تلميذ أو طالب كان ترتيبه الأخير في صفه
وتتدفق الوفود إلى دار ذويه للتهنئة والمباركة، والأكثر غباء يوفد
لمتابعة الدراسة والتحصيل العلمي على نفقة الدولة.
وتحسباً لأي هجوم على أي خط دفاعي في الليل
يضاء هذا الخط بالمصابيح والشموع كالكنائس في عيد الميلاد
وأن يصافح المبدعون في أي مجال بالأرجل لا بالأيدي
ويطردون من ديارهم وتصادر أملاكهم ويجردون من جنسياتهم.
أعرف أنها شروط تعجيزية...
ولكن لتعرفوا أية شروط تفرضها عليّ القصيدة قبل كتابتها على
صفحاتي المفروشة بالورود والدموع والتوسلات

جنازة النسر
-----------------

أظنُّها من الوطن
هذه السحابةُ المقبلةُ كعينين مسيحيتين ،
أظنُّها من دمشق
هذه الطفلةُ المقرونةُ الحواجب
هذه العيونُ الأكثر صفاءً
من نيرانٍ زرقاءَ بين السفن .
أيها الحزن .. يا سيفيَ الطويل المجعَّد
الرصيفُ الحاملُ طفله الأشقر
يسأل عن وردةٍ أو أسير ،
عن سفينةٍ وغيمة من الوطن ...
والكلمات الحرّة تكتسحني كالطاعون
لا امرأةَ لي ولا عقيده
لا مقهى ولا شتاء
ضمني بقوة يا لبنان
أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق
أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين
يشعلُ لفافته بين الأنقاض
ان ملايين السنين الدمويه
تقف ذليلةً أمام الحانات
كجيوشٍ حزينةٍ تجلس القرفصاء
ثمانية شهور
وأنا ألمسُ تجاعيد الأرضِ والليل
أسمع رنينَ المركبة الذليله
والثلجَ يتراكمُ على معطفي وحواجبي
فالترابُ حزين ، والألمُ يومضُ كالنسر
لا نجومَ فوق التلال
التثاؤب هو مركبتي المطهمةُ ، وترسي الصغيره
والأحلام ، كنيستي وشارعي
بها استلقي على الملكاتِ والجواري
وأسيرُ حزيناً في أواخر الليل .

أطلال دارسة
--------------

وأنا طريح الفراش بين السيوف والرماح المبعثرة
فلسطين أريد شهدائي
إسرائيل أريد حطامي
أيتها الشواطئ أريد مرساتي
أيتها الصحراء أريد سرابي
أيتها الغابات أريد طيوري
أيها الصقيع أريد جدراني
أيها الشتاء أريد سعالي
أيتها العتبات أريد جدتي
أيتها العواصف أريد أشرعتي
أيها المطربون أريد تصفيقي
أيتها المراجيح أريد أعيادي
يا ملكات الجمال أريد تنهداتي وشهقاتي
أيتها المقابر الجماعية أريد رفاقي
أيها الصحفيون أريد خصوصياتي
أيها الغجر أريد مقتنياتي
أيتها الرياح أريد مذكراتي
أيتها القارات الخمس أريد أبنائي وأحفادي
أيها الله أريد صلواتي
أيها الجيران .. أيتها الذاكرة الإلكترونية:
أريد أوصافي.


آخر تانغو في الصعيد
---------------------------

إعصار جديد في أميركا
حوت جديد في اليابان
أرز جديد في الصين
زهور جديدة في هولندة
سجاد جديد في إيران
قريدس جديد في الإمارات
قات جديد في اليمن
طائفة جديدة في لبنان
لغة جديدة في الجزائر
كنيسة جديدة في فلسطين
جامع جديد في السودان
هرم جديد في مصر
مصيبة جديدة في العراق
شعار جديد في دمشق
أيتها الأغصان الباردة كأطراف الموتى
أيتها المواهب الذابلة في ربيعها الأول
أيتها السجون المزدحمة بالأحرار
أيتها القطارات الغاصة بالمهاجرين
أيتها الخطب المرتجلة من الشرفات
أيتها المسيرات المعطلة في كل مكان
أيها المتثائبون والمتثائبات:
في المطابخ
في المقاهي
في الحقول
في المدارس
في المعابد
في الفنادق
في المسابح
في المباغي
في المعسكرات...
أما من عبد الناصر جديد ولو برتبة عريف؟


حوار الأمواج

------------

أريد أن أكون قذراً ولا معقماً

فلكل من الحالتين تبعاتها.

*

في القرى يدعو الأهل على الولد المشاكس أو قليل الهمة:

لتركض ورغيفك يركض

ولم أكن أعرف أن رغيفي

قد يدخل في سباق "دربي" الشهير

*

أحياناً الصمت أجمل موسيقا في العالم

*

أية أغنية تريدين؟

وعلى أي إيقاع؟

وليس عندي سوى نقرات أصابعي

على قفا الصحون الفارغة

وخوذ الشهداء المجهولين

*

أية رقصة تريدين؟

تانغو؟

قد أعديك بسعالي وزكامي

فأنا مدخن عتيق

وفمي فوهة بركان

*

رقصة الغجر؟

قد أكشف سوء طالعك

بقذف الودع بين الأفاعي والعقارب

ومسروقات العائلة اليومية

*

رقصة البحر؟

نحن وحيدان في زورق نجاة

فلماذا نلفت أنظار البحر إلينا.

*

رقصة الطاووس؟

وهل أبقى شاه إيران أثراً لها

بعد أن قدم لضيوفه في إحدى حفلاته الإمبراطورية

ألف قلب طاووس كمقبلات!

*

رقصة الفالس؟

سنقترب ونبتعد عن بعضنا

ونحن نلوح بالمناديل

كأن كلا منا مسافر في قطار!

وهذا يحتاج إلى تنهدات ونفقات.

*

سامبا.. رامبا؟

إن جسدي لين ومطواع كجسد جين كيلي

في رقصته الشهيرة تحت المطر

ولكن ماذا أفعل بهذا العرج المفاجئ

ولست بايرون لأخوض حرباً أهلية لإخفائه.

*

رقصة الحرب؟

كل شيء إلا هذا...

فاكسسواراتها ولوازمها مكلفة

سيوف، تروس، أوسمة، شعراء، مطربون

كيف أتحمل أعباءها؟

وأنا أحمل سبع هزائم متوالية على ظهري

ونفقات أيتامها وأراملها؟

تكفيني أجرة المقرئين!

*

إذاً لنرقص!

لنجن!

لنقم بأي شيء غير معقول.

- :حتى بيكيت صار متخلفاً وكلاسيكياً في هذه الأيام.

- :إذاً لننتحر!

- :الانتحار حرام!

- :وهل الشقاء حلال؟


الوشم

------------


الآن

في الساعة الثالثة من القرن العشرين

حيث لا شيء

يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره

سوى الاسفلت

سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو

ولن أنهض

حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين

في العالم

وتوضع أمامي

لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..

حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين

من قبضات أصحابها

وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)

في غاباتها

أضحك في الظلام

أبكي في الظلام

أكتبُ في الظلام

حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي

كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره

سترتُ أوراقي بيدي

كبغيٍّ ساعةَ المداهمه

من أورثني هذا الهلع

هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ

ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه

أو قبعةً من فرجة باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات

تطارده من شريان إلى شريان

آه يا حبيبتي

عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي

المأساة ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك

في المهد.. في الرَّحم

فأنا قطعاً

ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه

بل بحبل مشنقة



وطني

-------------


أحب التسكع والبطالة ومقاهي الرصيف

ولكنني أحب الرصيف أكثر

.....

أحب النظافة والاستحمام

والعتبات الصقيلة وورق الجدران

ولكني أحب الوحول أكثر.

*****************

فأنا أسهر كثيراً يا أبي‏

أنا لا أنام‏

حياتي سواد وعبوديّة وانتظار‏

فأعطني طفولتي‏

وضحكاتي القديمة على شجرة الكرز‏

وصندلي المعلّق في عريشة العنب‏

لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري

*********

المرأة هناك

شعرها يطول كالعشب

يزهر و يتجعّد

يذوي و يصفرّ

و يرخي بذوره على الكتفين

و يسقط بين يديك كالدمع

**** *****

وطني

.......

على هذه الأرصفة الحنونة كأمي

أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويلة

سأنتزع علم بلادي عن ساريته

وأخيط له أكماماً وأزراراً

وأرتديه كالقميص

إذا لم أعرف

في أي خريف تسقط أسمالي

وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن

سأصعد أحد التلال

القريبة من التاريخ

وأقذف سيفي إلى قبضة طارق

ورأسي إلى صدر الخنساء

وقلمي إلى أصابع المتنبي

وأجلس عارياً كالشجرة في الشتاء

حتى أعرف متى تنبت لنا

أهداب جديدة، ودموع جديدة

في الربيع؟

وطني أيها الذئب الملوي كالشجرة إلى الوراء

إليك هذه "الصور الفوتوغرافية"

**********

لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية ،

و السفارات ، و القنصليات في الخارج ، عند كل مصاب ؟

إنها دائما منكسة !

**** ****

اتفقوا على توحيد الله و تقسيم الأوطان

********

((مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير

أناشدك الله يا أبي:

دع جمع الحطب والمعلومات عني

وتعال لملم حطامي من الشوارع

قبل أن تطمرني الريح

أو يبعثرني الكنّاسون

هذا القلم سيقودني إلى حتفي

لم يترك سجناً إلا وقادني إليه

ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه))



مختارات

------------


عكازك الذي تتكئ عليه‏

يوجع الإسفلت‏

فـ«الآن في الساعة الثالثة من هذا القرن‏

لم يعد ثمة مايفصل جثث الموتى‏

عن أحذية المارة»

*****

ياعتبتي السمراء المشوهة،

لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبابي

ماتوا على مداخل القرى

وأصابعهم مفروشة

كالشوك في الريح

لكني سأعود ذات ليلة

ومن غلاصيمي

يفور دم النرجس والياسمين..

*****

مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير

أناشدك الله يا أبي:

دع جمع الحطب والمعلومات عني

وتعال لملم حطامي من الشوارع

قبل أن تطمرني الريح

أو يبعثرني الكنّاسون

هذا القلم سيقودني إلى حتفي

لم يترك سجناً إلا وقادني إليه

ولا رصيفاً إلا ومرغني عليه

*****

نحن الجائعون أمام حقولنا..

المرتبكين أمام أطفالنا...

المطأطئين أمام اعلامنا..

الوافدين أمام سفاارتنا..

نحن.......الذي لا وزن لهم إلا في الطائرات

نحن وبر السجادة البشرية التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقه ...

ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج ؟

لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،

أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،

أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،

أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،

أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،

أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،

أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،

أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،

أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،

أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،

************

إن تسكنَ وجهكَ موجةٌ

لا تعترف بذنوبها.

أن تدخلَ ثوبَ التشرد،

فيكون تيفالاً لسهرةٍ لكَ في أعالي

البوستر.

أن تستمعَ للوردّ ناطقاً رسمياً

باسم الحرائقِ.

أن تحتسيّ حياتكَ كأساً مع العواصم

والمقاماتِ والقرابين.

أن تجتهدَ

فتصبح حرفاً يمشي

بقوائم المثنى الثلاث الرباع

لتوبيخ التاريخ.

فذاك ما يفسد الأصواتَ في الأجراس.

**

[[ما يؤنسكَ حقاً.. إشاراتُ المرور. فكن على درّاجتك. هناك في الأبد.]]

******************

لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن ،،

أعطونا الأحذية واخذوا الطرقات ،،

أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية ،،

أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب ،،

أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد،،

أعطونا الحليب المجفف واخذوا الطفولة ،،

أعطونا السماد الكيماوي واخذوا الربيع ،،

أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان ،،

أعطونا الحراس والأاقفال وأخذوا الأمان ،،

أعطونا الثوار وأخذوا الثورة ،،


المصحف الهجري

---------------

على هذه الأرصفة الحنونة كأمي

أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويله :

سأنتزع علم بلادي عن ساريته

وأخيط له أكماماً وأزراراً

وأرتديه كالقميص

إذا لم أعرف

في أي خريف ٍ تسقط أسمالي .

وإنني مع أول عاصفة تهب على الوطن

سأصعد أحد التلال

القريبة من التاريخ

وأقذف سيفي إلى قبضة طارق

ورأسي إلى صدر الخنساء

وقلمي إلى أصابع المتنبي

وأجلس عارياً كالشجرة في الستاء

حتى أعرف متى تنبت لنا

أهداب جديدة، ودموع جديده

في الربيع ؟

وطني أيها الذئب المتلوي كشجرة إلى الوراء

إليك هذه " الصور الفوتوغرافية"

للمناسف والاهراءات

وهذه الطيور المغردة ، والأشرعة المسافرة

على " طوابع البريد"

إليك هذه الجحافل المنتصره

والجياد الصاهلة على الزجاج المعشق

ووبر السجاد

إليك هذه الأظافر المدّخره

في نهاية الأصابع كأموال اليتامى

بها سأكشط خطواتي عن الأرصفه

سأبتر قدميّ من فوق الكاحلين

وألقي بهما في الأنهار

في صناديق البريد

وأظل أقفز كالجندب

حتى يعود عهد الفروسية

والانذار قبل الطعنه


شريعة الغاب




كما كانت الشعوب البدائية تقدم للنيل أجمل عذراء كل صباح

لتفادي غضبه على الصيادين والمزارعين

أريد كل صباح أجمل وطن لتفادي غضبي وثورتي

ثم، الخمر المعتق، محارات الشواطئ، أسماك الجنس، عروق

المرجان، زبيب التسلية، النسيم العليل، نابات الرعاة، أجراس

القطعان، وتعب المساء، ونشاط الفجر، وصلوات المحن، وأدعية

المأزق، هي نفقاتي السرية أبعثرها يميناً وشمالاً وعلى من أريد.

*

ثم المطر.. الضباب، والأشباح مرافقة دائمة لموكبي،

والرعد والبرق فتوة الغيوم الشعبية فوق رأسي،

والشمس والقمر والنجوم كبار القوم أهل الرأي فيها.

*

ثم شروطي للإقامة في أي وطن

أن تتغير حدوده يومياً وعلناً كثياب العرس أو الاستحمام

وأن تعاد كتابة تاريخه بحيث يكون لآبائي وأجدادي اليد

الطولى في البطولات والإنجازات.

وأن تدفن النفايات النووية بكل خشوع وإجلال على الطريقة

الإسلامية وبمرافقة وتلاوة أشهر المقرئين والمنشدين.

أن يعاد الاعتبار لكل تلميذ أو طالب كان ترتيبه الأخير في صفه

وتتدفق الوفود إلى دار ذويه للتهنئة والمباركة، والأكثر غباء يوفد

لمتابعة الدراسة والتحصيل العلمي على نفقة الدولة.

*

وتحسباً لأي هجوم على أي خط دفاعي في الليل

يضاء هذا الخط بالمصابيح والشموع كالكنائس في عيد الميلاد

وأن يصافح المبدعون في أي مجال بالأرجل لا بالأيدي

ويطردون من ديارهم وتصادر أملاكهم ويجردون من جنسياتهم.

*

أعرف أنها شروط تعجيزية...

ولكن لتعرفوا أية شروط تفرضها عليّ القصيدة قبل كتابتها على

صفحاتي المفروشة بالورود والدموع والتوسلات.


حزن في ضوء القمر

--------------------


أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها

أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر

خذني إليها

قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر

فأنا متشرّد وجريح

أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده

من أعماق النوم أستيقظ

لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم

لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر

قل لحبيبتي ليلى

ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها

انني ألمح آثار أقدام على قلبي .

دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه

وأنا راقدٌ في غرفتي

أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره

من قلب السماء العاليه

أسمع وجيب لحمك العاري .

عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده

والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا

ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح

تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ

ورياحُ البراري الموحشه

تنقلُ نواحنا

إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس

ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ

نبكي ونرتجف

وخلف أقدامنا المعقوفه

تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...

وافترقنا

وفي عينيكِ الباردتين

تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله

أيتها العشيقةُ المتغضّنة

ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر

أنتِ لي

هذا الحنينُ لك يا حقوده !

. .

قبل الرحيل بلحظات

ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده

عن الليل والخريف والأمم المقهوره

وتحت شمس الظهيرة الصفراء

كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ

وأترك الدمعه

تبرق كالصباح كامرأة عاريه

فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه

وقربَ الغيوم الصامتة البعيده

كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره

تندفع في نهر من الشوك

وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه

تحدقُ بي

بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .

. .

يا نظراتِ الحزن الطويله

يا بقع الدم الصغيرة أفيقي

إنني أراكِ هنا

على البيارقِ المنكَّسه

وفي ثنياتِ الثياب الحريريه

وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

تحت سمائك الصافيه

أمضي باكياً يا وطني

أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف

والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين

كامرأتين دافئتين

كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني

إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول

تحت أظافري العطريه

يقبعُ مجدك الطاعن في السن

في عيون الأطفال

تسري دقاتُ قلبك الخائر

لن تلتقي عيوننا بعد الآن

لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه

سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده

كالسحابةِ التي لا وطن لها .

. .

وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل

أيتها الشبابيكُ الارجوانيه

انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب

عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..

جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،

أودُّ أن أموتَ ملطخاً

وعيناي مليئتان بالدموع

لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر

فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه

في طفولتي ،

كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب

وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه

أما الآن

وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح

انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع

اشتهي جريمةً واسعه

وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،

إلى بلادٍ بعيده ،

حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،

وفتاةٌ خلاسيه ،

تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

جنازة النسر

-------------


أظنُّها من الوطن

هذه السحابةُ المقبلةُ كعينين مسيحيتين ،

أظنُّها من دمشق

هذه الطفلةُ المقرونةُ الحواجب

هذه العيونُ الأكثر صفاءً

من نيرانٍ زرقاءَ بين السفن .

أيها الحزن .. يا سيفيَ الطويل المجعَّد

الرصيفُ الحاملُ طفله الأشقر

يسأل عن وردةٍ أو أسير ،

عن سفينةٍ وغيمة من الوطن ...

والكلمات الحرّة تكتسحني كالطاعون

لا امرأةَ لي ولا عقيده

لا مقهى ولا شتاء

ضمني بقوة يا لبنان

أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق

أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين

يشعلُ لفافته بين الأنقاض

ان ملايين السنين الدمويه

تقف ذليلةً أمام الحانات

كجيوشٍ حزينةٍ تجلس القرفصاء

ثمانية شهور

وأنا ألمسُ تجاعيد الأرضِ والليل

أسمع رنينَ المركبة الذليله

والثلجَ يتراكمُ على معطفي وحواجبي

فالترابُ حزين ، والألمُ يومضُ كالنسر

لا نجومَ فوق التلال

التثاؤب هو مركبتي المطهمةُ ، وترسي الصغيره

والأحلام ، كنيستي وشارعي

بها استلقي على الملكاتِ والجواري

وأسيرُ حزيناً في أواخر الليل .



أغنية لباب توما

---------------


حلوه عيونُ النساءِ في باب توما

حلوه حلوه

وهي ترنو حزينةً إلى الليل والخبز والسكارى

وجميلةٌ تلك الأكتافُ الغجريةُ على الاسّره ..

لتمنحني البكاء والشهوة يا أمي

ليتني حصاةٌ ملونةٌ على الرصيف

أو أغنيةٌ طويلةٌ في الزقاق

هناك في تجويفٍ من الوحلِ الأملس

يذكرني بالجوع والشفاه المشرده ،

حيث الأطفالُ الصغار

يتدفقون كالملاريا

أمام الله والشوارع الدامسه

ليتني وردةٌ جوريةٌ في حديقة ما

يقطفني شاعرٌ كئيب في أواخر النهار

أو حانةٌ من الخشب الأحمر

يرتادها المطرُ والغرباء

ومن شبابيكي الملطَّخة بالخمر والذباب

تخرج الضوضاءُ الكسوله

إلى زقاقنا الذي ينتجُ الكآبةَ والعيون الخضر

حيث الأقدامُ الهزيله

ترتعُ دونما غاية في الظلام ...

أشتهي أن أكون صفصافةً خضراء قرب الكنيسه

أو صليباً من الذهب على صدر عذراء ،

تقلي السمك لحبيبها العائد من المقهى

وفي عينيها الجميلتين

ترفرفُ حمامتان من بنفسج

أشتهي أن أقبِّل طفلاً صغيراً في باب توما

ومن شفتيه الورديتين ،

تنبعثُ رائحةُ الثدي الذي أرضَعَه ،

فأنا ما زلتُ وحيداً وقاسياً

أنا غريبٌ يا أمي .


في المبغى

-------------


من قديم الزمان ،

وأنا أرضعُ التبغَ والعار

أحبُّ الخمرَ والشتائم

والشفاه التي تقبّلْ ماري

ماري التي كانت اسمها أمي

حارّة كالجرب

سمراء كيومٍ طويل غائم

أحبُّها ، أكره لحمها المشبعَ بالهمجية والعطر ،

أربضُ عند عتبتها كالغلام

وفي صدري رغبةٌ مزمنه

تشتهي ماري كجثة زرقاء

تختلج بالحلي والذكريات .

من قديم الزمان .. أنا من الشرق ..

من تلك السهول المغطاةِ بالشمسِ والمقابر

أحب التسكعَ والثيابَ الجميله

ويدي تتلمس عنقَ المرأة البارده

وبين أهدابها العمياء

ألمح دموعاً قديمةً تذكرني بالمطر

والعصافير الميتة في الربيع

كنت أرى قارةً من الصخر

تشهقُ بالألم والحرير

والأذرعِ الهائجة في الشوارع .

فأنتم يا ذوي الأحذية اللامعه

والسلاميات المحشوةِ بالإثم والخواتم

ماذا تعرفون عن ماري الصغيرةِ الحلوه

ذات الوجه الضاحك كقمرٍ من الياسمين

ماذا تعرفون عن لحمها الذي يتجشَّأُ العطر والأصابع

حيث الشفاهُ المقروءةُ الخائفه

تنهمر عليها كالجراد

وهي ترنو إلى الطرقات الحالكه

بعد منتصف الليل

والنوافذ المفروشة بالزجاج والدم

قابعة كالحثالة في أحشاء الشرق

تأكلُ وتنام

وتموت قبلةً إثر قبله

تحلم بملاءةٍ سوداء

ونزهةٍ في شارع طويل

ممتلئٍ بالضجَّة والدفاتر والأطفال

وثغرُها الطافحُ بالسأم

يكدح طيلة الليل لتأكل ماري

الأفران مطفأةٌ في آسيا

والطيورُ الجميلة البيضاء

ترحل دونما عودة في البراري القاحله .


المسافر

-----------

بلا أمل ..

وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره

سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما ..

بقع الحبر

وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج

وصمت الشهور الطويله

والناموس الذي يمصُّ دمي

هي أشيائي الحزينه

سأرحلُ عنها بعيداً .. بعيداً

وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان

بعيداً عن المرأة العاهره

التي تغسل ثيابي بماء النهر

وآلاف العيون في الظلمه

تحدق في ساقيها الهزيلين ،

وسعالها البارد ، يأتي ذليلاً يائساً

عبر النافذةِ المحطَّمه

والزقاقُ المتلوي كحبلٍ من جثث العبيد

سأرحلُ عنهم جميعاً بلا رأفه

وفي أعماقي أحمل لك ثورةً طاغيةً يا أبي

فيها شعبٌ يناضل بالتراب ، والحجارة والظمأ

وعدة مرايا كئيبه

تعكس ليلاً طويلاً ، وشفاهاً قارسةً عمياء

تأكل الحصى والتبن والموت

منذ مدة طويلة لم أرَ نجمةً تضيء

ولا يمامةً تصدحُ شقراء في الوادي

لم أعدْ أشربُ الشاي قرب المعصره

وعصافيرُ الجبال العذراء ،

ترنو إلى حبيبتي ليلى

وتشتهي ثغرها العميقَ كالبحر

لم أعد أجلس القرفصاء في الأزقه

حيث التسكع

والغرامُ اليائس أمام العتبات .

فأرسل لي قرميدةً حمراء من سطوحنا

وخصلةَ شعرٍ من أمي

التي تطبخ لك الحساء في ضوء القمر

حيث الصهيلُ الحزين

وأعراسُ الفجر في ليالي الحصاد

بعْ أقراط أختي الصغيره

وأرسل لي نقوداً يا أبي

لأشتري محبره

وفتاه ألهث في حضنها كالطفل

لأحدثك عن الهجير والتثاؤب وأفخاذ النساء

عن المياهِ الراكدةِ كالبول وراء الجدران

والنهود التي يؤكل شهدُها في الظلام

فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي

أنا لا أنام ..

حياتي ، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار .

فأعطني طفولتي ..

وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز

وصندلي المعلَّقَ في عريشة العنب ،

لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري

لأسافرَ يا أبي .


الشتاء الضائع


---------------

بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر

ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر

هجرتُه يا ليلى

وتركتُ طفولتي القصيره

تذبلُ في الطرقات الخاويه

كسحابةٍ من الوردِ والغبار

غداً يتساقط الشتاء في قلبي

وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبيه

وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي

وأنا أرقبُ البهجة الحبيبه

تغادرُ أشعاري إلى الأبد

والضبابُ المتعفّنُ على شاطئ البحر

يتمدَّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافرِ الرماديه

حيثُ الرياحُ الآسنه

تزأرُ أمام المقاهي

والأذرعُ الطويلةُ ، تلوحُ خاويةً على الجانبين

يطيبُ لي كثيراً يا حبيبة ، أن أجذبَ ثديك بعنف

أن أفقد كآبتي أمام ثغرك العسلي

فأنا جارحٌ يا ليلى

منذ بدءِ الخليقةِ وأنا عاطلٌ عن العمل

أدخِنُ كثيراً

وأشتهي أقربَ النساء إليّ

ولكم طردوني من حاراتٍ كثيره

أنا وأشعاري وقمصاني الفاقعة اللون

غداً يحنُّ إليّ الأقحوان

والمطرُ المتراكمُ بين الصخور

والصنوبرةُ التي في دارنا

ستفتقدني الغرفات المسنّه

وهي تئنُّ في الصباح الباكر

حيث القطعان الذاهبةُ إلى المروج والتلال

تحنُّ إلى عينيّ الزرقاوين

فأنا رجلٌ طويلُ القامه

وفي خطواتي المفعمةِ بالبؤس والشاعريه

تكمن أجيالٌ ساقطةٌ بلهاء

مكتنزةٌ بالنعاسِ والخيبة والتوتر

فأعطوني كفايتي من النبيذ والفوضى

وحرية التلصلصِ من شقوق الأبواب

وبنيّةً جميله

تقدم لي الورد والقهوة عند الصباح

لأركضَ كالبنفسجة الصغيرةِ بين السطور

لأطلقَ نداءاتِ العبيد

من حناجر الفولاذ .


رجل على الرصيف

-----------------

نُصفُهُ نجوم

ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه

ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل

وراء كل نافذه

شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،

قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،

تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .

. . .

كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار

ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي

عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ،

أحلم بالغروب بين الجبال ،

والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ،

أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني .

. . .

فهنا على الكراسي العتيقه

ذاتِ الصرير الجريح ،

حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه

كان فمك الصغير ،

يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر

فترتسمُ الدموعُ في عيني

وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه

كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ .

. . .

لقد كنتِ لي وطناً وحانه

وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله

يومَ كان شعرك الغجري

يهيمُ في غرفتي كسحابه ..

كالصباح الذاهب إلى الحقول .

فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان

واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..

ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء

أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه

يا أشجار الأكاسيا البيضاء

ليتني مطرٌ ذهبي

يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط

أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده

لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها

كطير استوائي حنون

ليتني أستطيع التجول

في حارات أكثرَ قذارة وضجه

أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم .

. . .

لقد كانت الشمس

أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي

والسماء الزرقاء

تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه

كشرانقَ من الحرير

يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم

يوم كان تاريخنا

دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف .


الغراب

-------------

كتبت عن السلام فاندلعت الحروب

عن النظام فعمّت الفوضى

عن البطولة فتفشّت الخيانة

عن الأمل فزادت عمليات الانتحار

عن زيادة الإنتاج فانخفضت معدلات النمو

عن تنظيم الأسرة فغصّت الشوارع بالجانحين والمنحرفين

عن الحب فزادت عملية الطلاق والإجهاض

عن البيئة فدفنت النفايات النووية بين المنازل

عن الصمود فغصّت السفارات بطالبي اللجوء السياسي

والاقتصادي والجنسي والديني

يبدو أنني طوال هذه السنين

ألقي مرساتي وأنصب شباكي

في البحر الميت!



من الوصايا العشر

-----------------


إنني أتون من اللهب

وأريد جوقة شرف

على ألا تقترب مني كثيراً

حتى لا أحوّلها إلى رماد.

*

عاصفة ثلجية

على جميع الطيور وحيوانات الغابة

أن تلزم مخابئها وكهوفها

حتى لا أجمّدها في العراء.

*

شمس ساطعة

وعلى ذوي العاهات الخلقية والجسدية

أن يتواروا عند شروقها

حتى لا أكشفها وأعرّيها

أمام السياح والغرباء..

*

إنني ناقوس مزاجي خطر

لا أعرف متى أدق ومتى أصمت

فعلى العائدين مخمورين إلى بيوتهم بعد سهراتهم الاقتصادية أو

النضالية الطويلة أن يدفنوا رؤوسهم عميقاً تحت الأغطية والوسائد

لأجنبهم الصرع أو القفز من النوافذ.

*

جندي محترف

إذا أبليت في معركة ضروس في الداخل أو الخارج

ورجعت بسببها مكبلاً بالسلاسل

ارفعوا المصاحف على رؤوس الرماح

وتذكروا ما قاله الله فينا عندما خلقنا

ثم لماذا خلق كل الشعوب من علق؟

ثم تطورت حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن

ونحن ما زلنا في مرحلة الضفادع.


الحصار

-------------

عنترة يتخلى عن لونه

وعطيل عن غيرته

ومعاوية عن دهائه وشعرته

والجواد عن حوافره

والضباب عن غموضه

والجلاد عن سوطه

ثم ماذا يغني هذا العصفور؟

وماذا ينشد هذا الملاح؟

ويثرثر ذلك النهر؟

وعلى ماذا يتهامس

المارة

والسائقون

والحمالون

والعاطلون عن العمل؟

والوطن يهذي:

( حدودي، جبالي، كهوفي، شوارعي، فنادقي، أرصفتي،

أسعاري، سمائي، بساتيني، شواطئي، مدارسي، طلابي، أوسمتي،

تماثيلي، أشجاري، طيوري، وغباري ودخاني).

بماذا يتعهد له الفجر؟

وماذا تدعي طواحين الهواء؟


ابن سينا في مشفاه

-----------------

سنابل حمراء متصالبة

كإشارات منع المرور أو التدخين

ماذا وراءها؟

طبعاً ليست الطيور المغردة والحدائق الغناء

بل الشقاء المنتهك لكل الحرمات والمتربص

بكل شاردة وورادة على مر العصور

*

لو تعرف الزهرة مصيرها بعد أن تقطف عن غصنها

والنحلة الشغالة بعد أن تكل أجنحتها ويضعف بصرها

والكلب عندما يفقد فراسته وحاسة الشم لديه

والجندي عندما تهتز يداه ولا يميز بين الصديق والعدو

وتفقد الغانية سحرها وعشاقها

والقطيع شهيته وراعيه

لو عرف الجميع ما ينتظرهم على الشاطئ الآخر

لما صعد صياد إلى مركب

ولما ذهب تلميذ إلى مدرسة

أو فلاح إلى حقل

أو عامل إلى مصنع

أو جندي إلى معركة

أكبر عقاب لنا هو ذاكرتنا

فلو كان جارنا الحداد يعرف مصيره بعد دقائق

لما جادلني ساعات حول تركيب صنبور أو تسليك بالوعة

ولكن الحداد يجب أن يأكل وأولاده يجب أن يأكلوا

وكذلك الجندي

والخياط

والدهان

والراكب

والسائق

والمطرب

والمستمع

وبواب الفندق

وصاحب الفندق

ونزلاء الفندق

والغيوم تشح

والأرض تبور

لقد صارت الأسنان...

أكثر من السنابل!

القتل

-----------

ضع قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي

الجريمةُ تضرب باب القفص

والخوفُ يصدحُ كالكروان

ها هي عربةُ الطاغية تدفعها الرياح

وها نحن نتقدم

كالسيف الذي يخترقُ الجمجمه .

. . .

أيها الجرادُ المتناسلُ على رخام القصور والكنائس

أيتها السهولُ المنحدرة كمؤخرة الفرس

المأساةُ تنحني كالراهبه

والصولجان المذهَّبُ ينكسر بين الأفخاذ .

كانوا يكدحون طيلة الليل

المومساتُ وذوو الأحذية المدبَّبه

يعطرون شعورهم

ينتظرون القطار العائد من الحرب .

قطار هائل وطويل

كنهر من الزنوج

يئن في أحشاءِ الصقيع المتراكم

على جثث القياصرة والموسيقيين

ينقل في ذيله سوقاً كاملاً

من الوحل والثياب المهلهله

ذلك الوحل الذي يغمرُ الزنزانات

والمساجد الكئيبة في الشمال

الطائرُ الذي يغني يُزجُّ في المطابخ

الساقيةُ التي تضحك بغزاره

يُربَّى فيها الدود

تتكاثرُ فيها الجراثيم

كان الدودُ يغمر المستنقعات والمدارس

خيطان رفيعة من التراب والدم

وتتسلَّق منصّاتِ العبودية المستديره

تأكل الشاي وربطات العنق ، وحديد المزاليج

من كل مكان ، الدود ينهمرُ ويتلوى كالعجين ،

القمحُ ميت بين الجبال

وفي التوابيت المستعمله كثيراً

في المواخير وساحات الإعدام

يعبئون شحنه من الأظافر المضيئه إلى الشرق

وفي السهول التي تنبع بالحنطة والديدان ...

حيث الموتى يلقون على المزابل

كانت عجلاتُ القطار أكثر حنيناً إلى الشرق ،

يلهث ويدوي ذلك العريسُ المتقدم في السن

ويخيط بذيله كالتمساح على وجه آسيا .

كانوا يعدّون لها منديلاً قانياً

في أماكنِ التعذيب

ومروحةً سميكةً من قشور اللحم في سيبريا ،

كثير من الشعراء

يشتهون الحبر في سيبريا .

. . .

البندقيةُ سريعةٌ كالجفن

والزناد الوحشي هاديءٌ أمام العينين الخضراوين

ها نحن نندفع كالذباب المسنّن

نلوِّحُ بمعاطفنا وأقدامنا

حيث المدخنةُ تتوارى في الهجير

وأسنان القطار محطّمة في الخلاء الموحش

الطفلةُ الجميلةُ تبتهل

والأسيرُ مطاردٌ على الصخر .

أنامُ وعلى وسادتي وردتان من الحبر

الخريفُ يتدحرج كالقارب الذهبي

والساعات المرعبه تلتهبُ بين العظام

يدي مغلقة على الدم

وطبقةٌ كثيفة من النواح الكئيب

تهدر بين الأجساد المتلاصقة كالرمل

مستاءةً من النداء المتعفّن في شفاه غليظه

تثير الغثيان

حيث تصطكُّ العيونُ والأرجل

وأنين متواصل في مجاري المياه

شفاه غليظة ورجال قساة

انحدروا من أكماتِ العنف والحرمان

ليلعقوا ماء الحياة عن وجوهنا

كنا رجالاً بلا شرفٍ ولا مال

وقطعاناً بربرية تثغو مكرهة عبر المآسي

هكذا تحكي الشفاه الغليظةُ يا ليلى

أنت لا تعرفينها

ولم تشمي رائحتها القويةَ السافله

سأحدثك عنها ببساطة وصدق وارتياح

ولكن

ألاَّ تكوني خائنة يا عطورَ قلبي المسكين

فالحبر يلتهب والوصمةُ ترفرف على الجلد .

. . .

غرفتي مطفأةٌ بين الجبال

القطيع يرفع قوائمه الحافيه

والأوراق المبعثرة تنتظر عندليبها

وندلفُ وراء بعضنا إلى المغسله

كجذوع الأشجار يجب أن نكون

جواميس تتأملُ أظلافها حتى يفرقع السوط

نمشي ونحن نيام

غفاة على البلاط المكسو بالبصاق والمحارم

نرقد على بطوننا المضروبة بأسلاك الحديد

ونشرب الشاي القاحلَ في هدوءٍ لعين

وتمضي ذبابة الوجود الشقراء

تخفقُ على طرف الحنجره

كنا كنزاً عظيماً

ومناهلَ سخيه بالدهن والبغضاء

نتشاجرُ في المراحيض

ونتعانق كالعشاق .

. . .

اعطني فمك الصغير يا ليلى

اعطني الحلمةَ والمدية اننا نجثو

نتحدثُ عن أشياء تافهه

وأخرى عظيمة كالسلاسل التي تصرُّ وراء الأبواب

موصدة .. موصدة هذه الأبواب الخضراء

المنتعشة بالقذاره

مكروهة صلده

من غماماتِ الشوق الناحبة أمامها

نتثاءبُ ونتقيأُ وننظر كالدجاجِ إلى الأفق

لقد مات الحنان

وذابت الشفقة من بؤبؤ الوحشِ الانساني

القابعِ وراء الزريبه

يأكل ويأكل

وعلى الشفة السفلى المتدلية آثار مأساة تلوح

أمي وأبي والبكاء الخانق

آه ما أتعسني إلى الجحيم أيها الوطن الساكن في قلبي

منذ اجيال لم أرَ زهره .

. . .

الليالي طويله والشتاءُ كالجمر

يومٌ واحد

وهزيمةٌ واحدة للشعب الأصفر الهزيل

انني ألمس لحيتي المدبَّبه

أحلم براحة الأرض وسطوح المنازل

بفتاةٍ مراهقةٍ ألعقها بلساني

السماء زرقاء

واليد البرونزيةُ تلمس صفحة القلب

الشفاهُ الغليظةُ تفرز الأسماء الدمويه

وأنا مستلقٍ على قفاي

لا أحدَ يزورني أثرثرُ كالأرمله

عن الحرب ، والأفلام الخليعة ، ونكران الذات

والخفير المطهَّم ، يتأمل قدميَ الحافيتين

وقفتُ وراء الأسوار يا ليلى

أتصاعد وأرتمي كأنني أجلس على نابض

وقلبي مفعمٌ بالضباب

ورائحة الأطفال الموتى

إن أعلامنا ما زالت تحترقُ في الشوارع

متهدلة في الساحات الضاربة إلى الحمره

كنت أتساقط وأحلم بعينيك الجميلتين

بقمصانك الورديه

والهجير الضائع في قبلاتكِ الأخيره

مرحباً بكِ ، بفمك الغامقِ كالجرح

بالشامة الحزينة على فتحةِ الصدر

أنا عبدٌ لك يا حبيبه

ترى كيف يبدو المطر في الحدائق ؟

ابتعدي كالنسيم يا ليلى

يجب ألا تلتقي العيون

هرم الانحطاطِ نحن نرفعه

نحن نشكُّ راية الظلم في حلقاتِ السلاسل

بالله لا تعودي

شيءٌ يمزقني أن أراهم يلمسونك بغلظه

أن يشتهوك يا ليلى

سألكمُ الحديد والجباه الدنيئه

سأصرخُ كالطفل وأصيح كالبغي

عيناكِ لي منذ الطفولة تأسرانني حتى الموت .

. . .

انطفأَ الحلم ، والصقرُ مطاردٌ في غابته

لا شيء يذكر

إننا نبتسمُ وأهدابنا قاتمةٌ كالفحم

هجعت أبكي أتوسَّل للأرض الميتة بخشوع

أوّاه لِم زرتني يا ليلى ؟

وأنت أشدُّ فتنةً من نجمة الشمال

وأحلى رواءً من عناقيد العسل

لا تكتبي شيئاً سأموتُ بعد أيام

القلبُ يخفق كالمحرمه

ولا تزال الشمس تشرق ، هكذا نتخيل

إننا لا نراها

على حافة الباب الخارجي

ساقيةٌ من العشب الصغير الأخضر

تستحمُّ في الضوء

وثمة أحذية براقة تنتقل على رؤوس الأزهار

كانت لامعة وتحمل معها رائحة الشارع ، ودور السينما

كانت تدوس بحريه

ووراء الباب الثالث

يقومُ جدارٌ من الوهم والدموع

جدار تنزلق من خلاله رائحة الشرق

الشرق الذليل الضاوي في المستنقعات

آه ، إنَّ رائحتنا كريهه

إننا من الشرق

من لك الفؤاد الضعيف البارد

إننا في قيلولةٍ مفزعةٍ يا ليلى

لقد كرهتُ العالم دفعة واحده

هذا النسيجَ الحشريَ الفتاك

وأنا أسير أمام الرؤوس المطرقة منذ شهور

والعيون المبلَّلة منذ بدء التاريخ

ماذا تثير بي ؟ لا شيء

إنني رجلٌ من الصفيح

أغنية ثقيلة حادة كالمياه الدفقه

كالصهيل المتمرد على الهضبه .

هضبة صفراء ميتة تشرق بالألم والفولاذ

فيها أكثرُ من ألف خفقة جنونية

تنتحبُ على العتبات والنوافذ

تلتصقُ بأجنحة العصافير

لتنقل صرخةَ الأسرى وهياج الماشيه

من نافذة قصرك المهدمة ، ترينها يا ليلى

مرعبة ، سوداء في منتصف الليل

ومئات الأحضان المهجورة تدعو لفنائها

وسقوطِ هامتها

وردمها بالقشِّ والتراب والمكانس

حتى لو قدِّر للدموع الحبيسة بين الصحراء والبحر

أن تهدرَ أن تمشي على الحصى

لازالتها تلك الحشرةُ الزاحفةُ إلى القلب

بالظلم والنعاس يتلاشى كل أثر

بالأنفاس الكريهه

والأجساد المنطوية كالحلزونات

بقوى الأوباش النائمة بين المراحيض

سنبني جنينة للأطفال

وبيوتاً نظيفه ، للمتسكعين وماسحي الأحذيه .

. . .

أتى الليل في منتصف أيار

كطعنةٍ فجائية في القلب

لم نتحركْ

شفاهنا مطبقةٌ على لحن الرجولة المتقهقر

في المقصورات الداخلية ثمة عويل يختنق

ثمة بساطة مضحكة في قبضة السوط

الأنوارُ مطفأة .. لماذا ؟

القمرُ يذهب إلى حجرته

وشقائق النعمان تحترق على الاسفلت

قشٌّ يلتهبُ في الممرات

وصريرُ الحطب يئنُّ في زوايا خفيه

آلاف العيون الصفراء

تفتِّشُ بين الساعات المرعبة العاقة

عن عاهرةٍ ، اسمها الانسانية

والرؤوس البيضاء ، مليئة بالأخاديد

يا رب تشرق الشمس ، يا إلهي يطلع النجم

دعه يغني لنا إننا تعساء

عذبْنا ما استطعت

القملُ في حواجبنا

وأنت يا ليلى لا تنظري في المرآة كثيراً

أعرفك شهيةً وناضجه

كوني عاقلة وإلا قتلتك يا حبيبه .

. . .

لتشرق الشمس

لتسطع في إلية العملاق

الحدأة فوق الجبل

الغربةُ جميلةٌ ، والرياحُ الزرقاء على الوساده

كانت لها رائحة خاصه

وطعم جيفيّ حار ، دعه

ملايين الابر تسبح في اللحم .

. . .

أين كنتَ يوم الحادثه ؟

كنت ألاحقُ امرأةً في الطريق يا سيدي

طويلةً سمراء وذات عجيزة مدملجه

إنني الوحيد الذي يمرُّ في الشارع دون أن يحييه أحد

دعني لا أعرف شيئاً

اطلقْ سراحي يا سيدي أبي مات من يومين

ذاكرتي ضعيفه ، وأعصابي كالمسامير .

. . .

أنا مغرمٌ بالكسل

بعدة نساءٍ على فراشٍ واحد

الجريمة تعدو كالمهر البري

وأنا مازلت ألعقُ الدم المتجمدَ على الشفة العليا

مالحاً كان ، من عيوني يسيل

من عيون أمي يسيل

سطّحوه على الأرض

الأشرعة تتساقط كالبلح

لقد فات الأوان

إنني على الأرض منذ أجيال

أتسكع بين الوحوش والأسنان المحطمه

أضربه على صدره إنه كالثور

سفلَه ، دعني آكل من لحمه

بشدةٍ كان الألم يتجه في ذراعي

بشدة ، بشدة ، نحن عبيد يا ليلى

كنت في تلك اللحظه

أذوق طعم الضجيج الانساني في أقسى مراحله

مئات السياط والأقدام اليابسه

انهمرتْ على جسدي اللاهث

وذراعي الممددة كالحبل

كنت لا أميّزُ أيَّ وجهٍ من تلك الوجوه

التي نصادفها في السوق والباصات والمظاهرات

وجوهٌ متعطشةٌ نشوى

على الصدر والقلب كان غزالُ الرعب يمشي

بحيرة التماسيح التي تمرُّ بمرحلة مجاعه

مجاعة تزدردُ حتى الفضيله

والشعورَ الالهي المسوَّس

لقد فقدنا حاسة الشرف

أمام الأقدام العاريةِ والثياب الممزقه

أمام السياط التي ترضعُ من لحم طفلةٍ بعمر الورد

تجلد عاريةً أمام سيدي القاضي

وعدة رجال ترشحُ من عيونهم نتانةُ الشبق

والهياجُ الجنسي

وجوه طويلة كقضبان الحديد

تركتني وحيداً في غرفة مقفلةٍ ، أمضغ دمي

وأبحث عن حقد عميق للذكرى .

النجيع ينشدُّ على طرف اللسان

والغرابُ ينهض إلى عشّه

الألمُ يتجول في شتى الأنحاء

والمغيص يرتفع كالموج حتى الهضبه

كادت تنسحب من هذا النضال الوحشي

من هذا المغيص المروع

رأسي على حافة النافوره

وماؤها الفضي يسيلُ حزينا على الجوانب

من وراء المياه والمرمر

يلوحُ شعرُ قاسيون المتطاير مع الريح

وغمامةٌ من المقاهي

والحانات المغرورقة بالسكارى

تلوح بنعومة ورفقٍ عبر السهول المطأطئة الجباه

لم يعد يورقُ الزيتون

ولم تدرْ المعاصر ، كلهم أذلاء

وأضلاعي تلتهبُ قرب البحيره

إنها تسقي الزهور ، أنا عطشان يا سيدي

في أحشاء الصحراء

أنقذني يا قمر أيار الحزين .

. . .

استيقظي أيتها المدينة المنخفضه

فتيانك مرضى ،

نساؤك يجهضن على الأرصفه

النهد نافر كالسكين

أعطني فمك ، أيتها المتبرجةُ التي تلبس خوذه

. . .

بردى الذي ينساب كسهلٍ من الزنبق البلوري

لم يعد يضحك كما كان

لم أعد أسمع بائع الصحف الشاب

ينادي عند مواقف الباصات

الحرية منقوشةٌ على الظهر

واللجام مليءٌ بالحموضه .

ضعْ قدمك الحجريةَ على قلبي يا سيدي

الريحُ تصفر على جليد المعسكرات

وثمة رجل هزيل ، يرفع ياقته

يشرب القهوه

ويبكي كإمرأةٍ فقدت رضيعها

دعْ الهواء الغريب

يكنس أقواسَ النصر ، وشالات الشيوخ والراقصات

إنهم موتى

حاجز من الأرق والأحضان المهجوره

ينبت أمام الخرائب والثياب الحمراء

وفاه ذئابٍ القرون العائدة بلا شاراتٍ ولا أوسمه

تشقَّ طريقها على الرمال البهيجة الحاره

لا شيء يُذكر الأرض حمراء

والعصافير تكسر مناقيرها على رخام القصر .

وداعا ، وداعاً اخوتي الصغار

أنا راحلٌ وقلبي راجعٌ مع دخان القطار


سلمية
-----------


سلمية:الدمعة التي ذررفها الرومان

على أول أسير فك قيوده بأسنانه

ومات حنينا اليها.

سلمية...الطفلة التي تعثرت بطرف أوربا

وهي تلهو بأقراطها الفاطمية

وشعرها الذهبي

وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين

دميتها في البحر

وأصابعها في الصحراء.

يحدها من الشمال الرعب

ومن الجنوب الحزن

ومن الشرق الغبار

ومن الغرب..الأطلال والغربات

فصولها متقابلة أبدا

كعيون حزينة في قطار.

نوافذها مفتوحة أبدا

كأفواه تنادي..أفواه تلبي النداء

في كل حفنة من ترابها

جناح فراشة أو قيد أسير

حرف للمتنبي أو سوط للحجاج

أسنان خليفة؛ أو دمعة يتيم

زهورها لا تتفتح في الرمال

لأن الأشرعة مطوية في براعمها

لسنابلها أطواق من النمل

ولكنا لا تعرف الجوع أبدا

لأن أطفالها بعدد غيومها

لكل مصباح فراشة

ولكل خروف جرس

ولكل عجوز موقد وعباءة

ولكنها حزينة أبدا

لأن طيورها بلا مأوى

كلما هب النسيم في الليل

ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفة

كلما مر قطار في الليل

اهتزت بيوتها الحزينة المطفأه

كسلسلةمن الحقائب المعلقة في الريح

والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها

مفتوحة_منذ الأبد_لالتقاطها


كرسي الاعتراف

-------------

1
الريح تعصف والثلج يتساقط من حولي

جلست في كوخي الشعري المتواضع

ودفنت كستنائي العاطفية والجسدية والتاريخية

ورحت أنتظر

***

يا رب...

ساعدني على قول الحق

ومواجهة الواقع

وتحمّل العطش

والجوع

والحرمان

وألا أردّ سائلاً

أو أنهر يتيماً

أو استرداد نفقات الأمل على الأمل.

2

يد واحدة لا تصفق

إلى الجحيم

ألم تشبعوا تصفيقاً بعد؟

*

ترميم زهرة

أو اقتحام قاعة

كله سيّان

*

أسناني بصلابة منجلي

وألتحف حقولي وسنابلي

وأنام على الطوى...

*

دموعي بعدد أخطائي

وأخطائي بعدد التزاماتي

*

وشجاعتي بعدد أسلحتي

وتردّدي بعدد جبهاتي

*

وساعات نومي بعدد كوابيسي

وكوابيسي بعدد وسائدي واتساع بلادي

وبلادي باتساع أرصفتي ودفاتري.


انحراف وتيرة

------------

كنت مهيئاً نفسياً وطبقياً وجغرافياً وتاريخياً لأصبح:

حداداً

نجاراً

خياطاً

لحاماً

طاهياً

حلاقاً

فراناً

مزارعاً

راعياً

بواباً

مخبراً

جاسوساً!

ولكن ليس نجماً أدبياً تتسابق وسائل الإعلام المختلفة لالتقاط

صوره وكل ما يتفوه به في أي شأن من شؤون الحياة.

ويظنون ترددي في الإجابة تعالياً!

وتلعثمي تحضيراً!

وإسهابي عبقرية!

والسماح بالتقاط الصور إلى جانبي واحتضاني تواضعاً!

والرد السريع على الهاتف نشاطاً!

واستقبال الزوار ووداعهم شخصياً من الباب إلى الباب تشجيعاً!

وسؤالي عن صحة هذا وذاك مدروساً!

وخروجي بثيابي المنزلية مهما كانت حالة الطقس تنكراً لتنفقد

أحوال الناس على الطبيعة، نزوة أو حماقة من حماقات العباقرة!

وأنا لست في هذا الوارد على الإطلاق

وليس لي علاقة بأي شيء

وإنني كرواد بعض المقاهي والمقاصف الشعبية.. عندما

يستأجرون مائدة عامرة بالفواكه والفطائر والحلوى والزهور والشوك

والسكاكين دون أن يحق لهم تناول أي شي أمامهم وإنما النظر إليه

فقط، للتباهي أمام من حولهم أو من يحبونهم من بعيد لبعيد

استأجرت بعضاً من غيم الوطن وشمسه وجباله ووديانه وغاباته

وبساتينه وبحاره وشواطئه وخيراته دون أن يحق لي لمس أي شيء

وإنما بالنظر!!


مدرجات رومانية

--------------

لم يبقى من أجراس الثورة سوى الصدى

ولا من جواد الشعر سوى اللجام

ولا من طريق الحرية، سوى الحواجز الثابتة والطيارة

لقد قضيت طفولتي وشبابي، ومسيرة الحرية والتحرير كلها،

بين البنادق والرشاشات، والسلاسل، والدبابات، والمجنزرات،

والدوريات المؤللة، والمجوقلة وكل خطوة والثانية:

قف: هويتك

قف: أوراقك

قف: جواز سفرك

قف: ماذا في حقيبتك؟

قف: ماذا في جيوبك؟

قف: ماذا في فمك؟

قف: إلى أين أنت ذاهب؟

قف: من أين أنت قادم؟

وكلما أردت القفز عن هذا الواقع، لا أقع إلا في النظارة!

***

نعم دخلنا القرن الحادي والعشرين

ولكن كما تدخل الذبابة غرفة الملك!

2

مستقبل العراق مظلم

مستقبل فلسطين مظلم

مستقبل الحرية مظلم

مستقبل الوحدة مظلم

مستقبل التحرير مظلم

مستقبل الاقتصاد مظلم

مستقبل الثقافة مظلم

مستقبل الحب مظلم

مستقبل الطقس مظلم

وفوق ذلك:

هناك تعتيم إعلامي

وتعتيم سياسي

وتعتيم عسكري

وتعتيم اقتصادي

وتعتيم ثقافي

وفوق ذلك انقطاع التيار الكهربائي كل نصف ساعة،

ومع ذلك لا يتحدثون في هذه الأيام سوى عن الشفافية!

3

أخذوا طريقتي في التكسع، واعتمار القبعات

وإشعال اللفافة ونفث الدخان،

وتذمري من المتسولين، وطالبي الإحسان

وأسلوبي في التحيات والرد عليها

وغضبي من الشكاوى العامة

والضحك بصوت مرتفع

ثم طريقتي في احتضان البار

وإدارة ظهري للجميع

والتصفيق للنادل

وعدد الكؤوس التي أشربها

ومقدار الحثالة التي أخلّفها.

ثم أخذوا طاولتي في المقهى

وطقوسي في الكتابة

وحجم الدفاتر التي أستعملها

ولون الحبر الذي أكتب به

والآن.. يريدون يدي

مع تجاعيدها

ووشم الغزال القديم عليها!

4

أيها الحدادون

أيها النجارون

أيها الحجارون

أيها البواقون في الاستعراضات العسكرية

أيها الطبالون في الفرق الكشفية

أيها المسحّرون في الأحياء الشعبية

أيها الباعة المتجولون في الأسواق التجارية

أيتها النساء المتلاسنات من نافذة لنافذة

يا سائقي السيارات والشاحنات

يا شرطة المرور

يا مشجعي المباريات الرياضية

أيها الخطباء والهتافون في المواطب الرسمية

أيها المشفطون بسيارتهم صباح مساء

أخفضوا أصواتكم

وأصوات صفاراتكم وأبواقكم ومطارقكم

تخاطبوا همساً

وسيروا على رؤوس أقدامكم

فالوطن يحتضر!!


أرق الغيوم

-----------

1

اكتب

ما أروعها من كلمة

إنها حتمية المعركة

بين أرقام فيثاغورث ونسبية أنشتاين

والعواصف الثلجية ومركب رامبو السكران

***

اكتب..

إنها أمر الغزاة الأوائل والعظام المحطّمين

وليكن رمحاً برمح

وشراعاً بشراع

وعاصفة بعاصفة

ونصراً مقابل نصر

وهزيمة مقابل هزيمة...

ثم تابعوا الطريق يا فرسان الكلمة المستديرة

فمركب رامبو السكران ما زال يبحر

وعليكم أن تجدوه في بحر الظلمات هذا

أو أن تهتدوا بحطامه.

2

داخل شجرة صنوبر

كنت أختبئ ذات ليلة

هرباً من البرد والحكام والمدرسين

وهناك سمعت لأول مرة

صوت عبد الوهاب

وأم كلثوم

واسمهان

وفيروز

وعبلة الخوري

وأوامر الإعدام الجلية بحق البحر..

والإبقاء على الصحراء...

3

كنت مزارعاً ولا حقول لي

عاملاً ولا مصانع لي

رياضياً ولا فريق لي

مطرباً ولا جمهور لي

فعرفت بعد كثير من الدراسات والأرقام والاحصائيات

والاستشارات والانطباعات

أنني عبد وعليّ تحطيم سلاسلي

وبعد خمسين سنة من الأرقام والاحصائيات والشروح والمطولات

والمناقشات والمراجعات والمداولات والتوصيات والهتافات

صرت أتباهى بها.

4

تلك الغيوم كانت في بلادي

وتلك الطيور في سمائي

وذلك الضباب في قريتي

وذلك الياسمين على شرفتي

وذلك الهديل على نوافذي

وذلك الحنين في ضلوعي

وكل ذلك التصميم في ملامحي

وكل ذلك الغبار ورائي

وكل تلك الآفاق أمامي

وكل تلك البطولات في ذاكرتي

وكل ذلك الدخان في مضاربي

وكل تلك المهابة في مجلسي

وكل ذلك الحداء في حنجرتي

وكل تلك الملاحم في دفاتري

***

كل ذلك رأيته

وأنا أبيع ما تبقى من أصابعي

لأحد السياح

من تجار الآثار والعاديات.

5

مجرم سفاح من يشغلني بزيارة، بمكالمة هاتفية، بمصافحة،

بعتاب، بتهنئة، بتعزية، بإشاعة، بنبأ زواج أو طلاق، أو محاضرة، أو

ندوة، أو نكتة مهما كانت ساخرة وموفقة.

لأنه كمن يشغل رفاً من السنونو عند حلول الظلام، في وطن

مريب بدودة أو كسرة خبز.

ومجرم أكثر من يعبث بأدراجي ودفاتري وملاحظاتي في غيابي،

إنه كمن يعبث بعفاف طفلة وهي في نعش.

لأنني "مشغول" من رأسي حتى قدمي ببناء محكمة أسطورية

على قمة جبل أو قمة آلام هذه الأمة متابعاً بنفسي أدق التفاصيل،

من اختبار الموقع، إلى قفص الاتهام، إلى منصة الشهود والقضاة

وأروابهم وباروكاتهم، وحياد المحلفين وجنسياتهم وميزان العدالة

ومطرقة الرئاسة ومحامي الدفاع والنائب العام.

أما المتهمون، فسآتي بهم سوقاً بالعصي ولو من عرض الشارع...

فلا بد من أن يحاكم أحد ما بتهمة ما، في هذه المرحلة!!

تبغ وشوراع
..............


شعركِ الذي كان ينبضُ على وسادتي

كشلالٍ من العصافير

يلهو على وساداتٍ غريبه

يخونني يا ليلى

فلن أشتري له الأمشاط المذهبّه بعد الآن

سامحيني أنا فقيرٌ يا جميله

حياتي حبرٌ ومغلفاتٌ وليل بلا نجوم

شبابي باردٌ كالوحل

عتيقٌ كالطفوله

طفولتي يا ليلى .. ألا تذكرينها

كنت مهرجاً ..

أبيع البطالة والتثاؤبَ أمام الدكاكين

ألعبُ الدّحل

وآكل الخبز في الطريق

وكان أبي ، لا يحبني كثيراً ، يضربني على قفاي كالجارية

ويشتمني في السوق

وبين المنازل المتسلخةِ كأيدي الفقراء

ككل طفولتي

ضائعاً .. ضائعاً

أشتهي منضدةً وسفينة .. لأستريح

لأبعثر قلبي طعاماً على الورق

. . .

في البساتين الموحله .. كنت أنظمُ الشعر يا ليلى

وبعد الغروب

أهجر بيتي في عيون الصنوبر

يموت .. يشهق بالحبر

وأجلسُ وحيداً مع الليل والسعال الخافت داخل الأكواخ

مع سحابة من النرجس البرّي

تنفض دموعها في سلال العشبِ المتهادية

على النهر

هدية لباعة الكستناء

والعاطلين عن العمل على جسر فكتوريا .

. . .

هذا الجسرُ لم أره من شهورٍ يا ليلى

ولا أنت تنتظرينني كوردةٍ في الهجير

سامحيني .. أنا فقيرٌ وظمآن

أنا إنسانُ تبغٍ وشوارع وأسمال .


جفاف النهر
..............

صاخبٌ أنا أيها الرجلُ الحريري

أسير بلا نجومٍ ولا زوارق

وحيد وذو عينين بليدتين

ولكنني حزين لأن قصائدي غدت متشابهة

وذات لحن جريح لا يتبدَّل

أريد أن أرفرفَ ، أن أتسامى

كأميرٍ أشقر الحاجبين

يطأ الحقول والبشريه ..

. . .

وطني .. أيها الجرسُ المعلَّقُ في فمي

أيها البدويُّ المُشْعثُ الشعر

هذا الفمُ الذي يصنع الشعر واللذه

يجب أن يأكلَ يا وطني

هذه الأصابعُ النحيلة البيضاء

يجب أن ترتعش

أن تنسج حبالاً من الخبز والمطر .

. . .

لا نجومَ أمامي

الكلمةُ الحمراء الشريدة هي مخدعي وحقولي .

كنتُ أودُّ أن أكتب شيئاً

عن الاستعمارِ والتسكع

عن بلادي التي تسير كالريح نحو الوراء

ومن عيونها الزرق

تتساقط الذكرياتُ والثيابُ المهلهه

ولكنني لا أستطيع

قلبي باردٌ كنسمةٍ شماليه أمام المقهى

إن شبحَ تولستوي القميء ،

ينتصبُ أمامي كأنشوطةٍ مدلاة

ذلك العجوز المطوي كورقةِ النقد

في أعماق الروسيا .

لا أستطيع الكتابةَ ، ودمشقُ الشهيه

تضطجعُ في دفتري كفخذين عاريين .

. . .

يا صحراءَ الأغنية التي تجمع لهيب المدن

ونواحَ البواخر

لقد أقبلَ والليلُ طويلاً كسفينة من الحبر

وأنا أرتطمُ في قاع المدينه

كأنني من وطنٍ آخر

وفي غرفتي الممتلئة بصور الممثلين وأعقابِ السجائر

أحلمُ بالبطولة ، والدم ، وهتاف الجماهير

وأبكي بحرارة كما لم تبكِ امرأة من قبل

فاهبطْ يا قلبي

على سطح سفينةٍ تتأهب للرحيل

إن يدي تتلمس قبضة الخنجر

وعيناي تحلقان كطائرٍ جميلٍ فوق البحر .


الغرباء
................

قبورنا معتمةٌ على الرابيه

والليل يتساقطُ في الوادي

يسيرُ بين الثلوج والخنادق

وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي

ومن صدره الهزيل

ينتفض سعالُ الغابات

وحفيفُ العجلات المحطّمه

والأنين التائهُ بين الصخور

ينشدُ أغنيةً جديدةً للرجل الضائع

للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجريه .

. . .

أيتها الجبالُ المكسوةُ بالثلوج والحجاره

أيها النهرُ الذي يرافق أبي في غربته

دعوني انطفىء كشمعةٍ أمام الريح

أتألّم كالماء حول السفينه

فالألم يبسط جناحه الخائن

والموتُ المعلقُ في خاصرة الجواد

يلج صدري كنظرةِ الفتاة المراهقه

كأنين الهواءِ القارس .


الخطوات الذهبية

.....................

قابلةٌ للموتِ تلك الجباه السكَريه

قابلة لأن تنشد وتبتسم

تلك الشفاه الأكثر ليونه من العنبِ الخمري .

من رغوة النبيذ المتأججِ على خاصرة عذراء

قصتُها تبدأ الليله

أو صباحَ غد

حيث الغيومُ الشتائيةُ الحزينه

تحمل لي رائحة أهلي وسريري

والسهرات المضيئه بين أشجار الصنوبر .

. . .

آه كم أود أن أكون عبداً حقيقياً

بلا حبٍّ ولا وطن

لي ضفيرةٌ في مؤخرة الرأس

وأقراطٌ لامعةٌ في أذنيّ

أعدو وراءَ القوافل

وأسرج الجياد في الليالي الممطره

وعلى جلدي الأسود العاري

يقطرُ دهنُ الاوز الأحمر

وتنثني ركب الجواري الصغيرات

إنني أسمعُ نواحَ أشجارٍ بعيده

أرى جيوشا صفراء

تجري فوق ضلوعي .

. . .

يقولون ، إن شعركَ ذهبيٌّ ولامعٌ أيها الحزن

وكتفيك قويان ، كالأرصفه المستديره

لفّني يا حبيبي

لفني أيها الفارسُ الوثني الهزيل

إنني أكثر حركه

من زهرة الخوخ العاليه

من زورقين أخضرين في عيني طفله .

أمام المرآة أقفُ حافياً وخجولاً

أتأملُ وجهي وأصابعي

كنسرٍ رمادي تَعِس

أحلم بأهلي واخوتي

بلون عيونهم وثيابهم وجواربهم .

. . .

من رأى ياسمينةً فارعةً خلف أقدامي ؟

من رأى شريطةً حمراء بين دفاتري ؟

إنني هنا فناءٌ عميق

وذراعٌ حديديةٌ خضراء

تخبطُ أمام الدكانين

والساحات الممتلئة بالنحيب واللذّه

إنني أكثر من نجمةٍ صغيرة في الأفق

أسير بقدمين جريحتين

والفرحُ ينبضُ في مفاصلي

إنني أسيرُ على قلب أُمّه .


جناح الكآبة

..................


مخذولٌ أنا لا أهل ولا حبيبه

أتسكعُ كالضباب المتلاشي

كمدينةٍ تحترقُ في الليل

والحنين يلسع منكبيّ الهزيلين

كالرياح الجميله ، والغبار الأعمى

فالطريقُ طويله

والغابةُ تبتعدُ كالرمح .

. . .

مدّي ذراعيك يا أمي

أيتها العجوزُ البعيدةُ ذات القميص الرمادي

دعيني ألمس حزامك المصدَّف

وأنشج بين الثديين العجوزين

لألمس طفولتي وكآبتي .

الدمعُ يتساقط

وفؤادي يختنق كأجراسٍ من الدم .

فالطفولة تتبعني كالشبح

كالساقطة المحلولة الغدائر .



الرجل الميت


أيتها الجسورُ المحطّمة في قلبي

أيتها الوحولُ الصافيةُ كعيون الأطفال

كنا ثلاثه

نخترق المدينةَ كالسرطان

نجلسُ بين الحقول ، ونسعلُ أمام البواخر

لا وطنَ لنا ولا سياط

نبحثُ عن جريمةٍ وامرأة تحت نور النجوم

وأقدامُنا تخبُّ في الرمال

تفتحُ مجاريرَ من الدم

نحن الشبيبة الساقطه

والرماح المكسورة خارج الوطن

من يعطينا شعبا أبكماً نضربه على قفاه كالبهائم ؟

لنسمعَ تمزُّق القمصان الجميله

وسقسقةَ الهشيم فوق البحر

لنسمعَ هذا الدويّ الهائل

لستةِ أقدام جريحة على الرصيف

حيث مئةُ عام تربضُ على شواربنا المدمَّاة

مئة عام والمطر الحزين يحشرجُ بين أقدامنا .

. . .

بلا سيوفٍ ولا أمهات

وقفنا تحت نور الكهرباء

نتثاءبُ ونبكي

ونقذف لفائفنا الطويلةَ باتجاه النجوم

نتحدثُ عن الحزن والشهوه

وخطواتِ الأسرى في عنقِ فيروز

وغيوم الوطن الجاحظه

تلتفتُ إلينا من الأعالي وتمضي ..

يا ربّ

أيها القمرُ المنهوك القوى

أيها الإلهُ المسافرُ كنهدٍ قديم

يقولون أنك في كل مكان

على عتبة المبغى ، وفي صراخِ الخيول

بين الأنهار الجميله

وتحت ورقِ الصفصاف الحزين

كن معنا في هذه العيون المهشمه

والأصابع الجرباء

أعطنا امرأه شهيه في ضوء القمر

لنبكي

لنسمعَ رحيل الأظافر وأنين الجبال

لنسمعَ صليل البنادق من ثدي امرأة .

ما من أمةٍ في التاريخ

لها هذه العجيزةُ الضاحكه

والعيونُ المليئةُ بالأجراس .

. . .

لعشرين ساقطة سمراء ، نحملُ القمصان واللفائف

نطلّ من فرجات الأبواب

ونرسل عيوننا الدامعة نحو موائد القتلى

لعشرين غرفة مضاءةٍ بين التلال

نتكىءُ على المدافع

ونضع ذقوننا اللامعة فوق الغيوم .

ابتسمْ أيها الرجلُ الميت

أيها الغرابُ الأخضرُ العينين

بلادُك الجميلةُ ترحل

مجدك الكاذبُ ينطفئُ كنيران التبن

فتح ساقيك الجميلتي .. لنمضي ..

لنسرع إلى قبورنا وأطفالنا

المجدُ كلماتٌ من الوحل

والخبزُ طفلةٌ عاريةٌ بين الرياح .

. . .

يا قلبي الجريح الخائن

أنا مزمارُ الشتاء البارد

ووردةُ العار الكبيره

تحت ورق السنديان الحزين

وقفتُ أدخن في الظلام

وفي أظافري تبكي نواقيس الغبار

كنت أتدفقُ وأتلوى

كحبلٍ من الثريات المضيئة الجائعه

وأنا أسير وحيداً باتجاه البحر

ذلك الطفل الأزرق الجبان

مستعداً لارتكاب جريمة قتل

كي أرى أهلي جميعاً وأتحسسهم بيدي

أن أتسكعَ ليلةً واحده

في شوارعِ دمشق الحبيبه .

. . .

يا قلبي الجريح الخائن

في أظافري تبكي نواقيسُ الغبار .

هنا أريد أن أضعَ بندقيتي وحذائي

هنا أريد أن أحرقَ هشيم الحبر والضحكات

أوربا القانية تنزفُ دماً على سريري

تهرولُ في أحشائي كنسرٍ من الصقيع

لن نرى شوارع الوطن بعد اليوم

البواخرُ التي أحبها تبصقُ دماً وحضارات

البواخر التي أحبها تجذبُ سلاسلها وتمضي

كلبوةٍ تجلد في ضوء القمر

يا قلبي الجريح الخائن

ليس لنا إلا الخبز والأشعار والليل

وأنت يا آسيا الجريحه

أيتها الوردةُ اليابسةُ في قلبي

الخبز وحده يكفي

القمح الذهبيُّ التائهُ يملأُ ثدييك رصاصاً وخمرا


الليل والأزهار

.................

كان بيتنا غاية في الاصفرار

يموتُ فيه المساء

ينام على أنين القطارات البعيده

وفي وسطه

تنوح أشجارُ الرمَّان المظلمةُ العاريه

تتكسَّر ولا تنتج أزهاراً في الربيع

حتى العصافير الحنونه

لا تغرد على شبابيكنا

ولا تقفز في باحة الدار .

وكنت أحبكِ يا ليلى

أكثر من الله والشوارع الطويله

وأتمنى أن أغمسَ شفتيك بالنبيذ

وألتهمك كتفاحةٍ حمراء على منضده .

. . .

ولكنني لا أستطيع أن أتنهَّدَ بحريه

أن أرفرفَ بك فوق الظلام والحرير

إنهم يكرهونني يا حبيبه

ويتسربون إلى قلبي كالأظافر

عندما أريد أن أسهرَ مع قصائدي في الحانه

يريدونني أن أشهر الكلمه

أمام الليل والجباه السوداء

أن أجلد حروفي بالقملِ والغبار والجرحى

إنني لا أستطيعُ يا حبيبه

وفؤادي ينبضُ بالعيون الشهل

وبالسهرات الطويلة قرب البحر

أن أبني لهم إمبراطورية ترشحُ بالسعالِ والمشانق

أنا طائرٌ من الريف

الكلمة عندي أوزةٌ بيضاء

والأغنيةٌ بستانٌ من الفستق الأخضر



حريق الكلمات

..............

سئمتك أيها الشعر ، أيها الجيفةُ الخالده

لبنان يحترق

يثب كفرس جريحة عند مدخلِ الصحراء

وأنا أبحثُ عن فتاة سمينه

أحتكُّ بها في الحافله

عن رجلٍ عربي الملامح ، أصرعه في مكانٍ ما .

بلادي تنهار

ترتجفُ عاريةً كأنثى الشبل

وأنا أبحث عن ركنٍ منعزل

وقرويةٍ يائسة ، أغرّر بها .

. . .

يا ربة الشعر

أيتها الداخلةُ إلى قلبي كطعنة السكين

عندما أفكر ، بأنني أتغزَّل بفتاة مجهوله

ببلادٍ خرساء

تأكلُ وتضاجعُ من أذنيها

أستطيع أن أضحك ، حتى يسيل الدم من شفتيَّ

أنا الزهرة المحاربه ،

والنسرُ الذي يضرب فريسته بلا شفقه .

. . .

أيها العرب ، يا جبالاً من الطحين واللذَّه

يا حقول الرصاص الأعمى

تريدون قصيدةً عن فلسطين ،

عن الفتحِ والدماء ؟

أنا رجلٌ غريبٌ لي نهدان من المطر

وفي عينيَّ البليدتين

أربعةُ شعوبٍ جريحة ، تبحث عن موتاها .

كنت جائعاً

وأسمع موسيقى حزينه

وأتقلب في فراشي كدودة القز

عندما اندلعتْ الشرارة الأولى .

. . .

أيتها الصحراء ... إنك تكذبين

لمن هذه القبضةُ الأرجوانيه

والزهرةُ المضمومةُ تحت الجسر ،

لمن هذه القبورُ المنكّسة تحت النجوم

هذه الرمالُ التي تعطينا

في كل عام سجناً أو قصيده ؟

عاد البارحةَ ذلك البطل الرقيق الشفتين

ترافقه الريحُ والمدافع الحزينه

ومهمازه الطويل ، يلمع كخنجرين عاريين

أعطوه شيخاً أو ساقطه

أعطوه هذه النجوم والرمال اليهوديه .

. . .

هنا ..

في منتصف الجبين

حيث مئاتُ الكلمات تحتضر

أريد رصاصةَ الخلاص

يا إخوتي

لقد نسيت حتى ملامحكم

أيتها العيونُ المثيرة للشهوة

أيها الله ...

أربع قاراتٍ جريحة بين نهديّ

كنت أفكر بأنني سأكتسح العالم

بعيني الزرقاوين ، ونظراتي الشاعره .

. . .

لبنان .. يا امرأةً بيضاء تحت المياه

يا جبالاً من النهود والأظافر

إصرخْ أيها الأبكم

وارفعْ ذراعك عالياً

حتى ينفجر الابط ، واتبعني

أنا السفينةُ الفارغه

والريحُ المسقوفة بالأجراس

على وجوه الأمهات والسبايا

على رفات القوافي والأوزان

سأطلق نوافير العسل

سأكتب عن شجرةٍ أو حذاء

عن وردة أو غلام

ارحلْ أيها الشقاء

أيها الطفلُ الأحدبُ الجميل

أصابعي طويلة كالإبر

وعيناي فارسان جريحان

لا أشعارَ بعد اليوم

إذا صرعوك يا لبنان

وانتهت ليالي الشعر والتسكع

سأطلقُ الرصاص على حنجرتي .


وداع الموج

................


في المرافئ المزدحمة ، يلهثُ الموج

في قعر السفينة يتوهجُ الخمر

وتُضاء النوافذ ،

والزبد الحريري يرنو إلى الأقدام المتعبه

ويتناثر على الحقائب الجميله

هنا بيتي ، وهناك سروتي وطفلي .

ابتعدي أيتها السفنُ الهرمه ،

يا قبوراً من الأجاص والبغايا

عودي إلى الصحراء المموجه

والقصور التي تفتح شبابيكها للسياط

. . .

إنني أتقدم في ضجة الميناء

أبحث عن محرمة زرقاء وامرأةٍ مهجورة

أرسل نحيبي الصامت

نحو الشارع القديم ، والحديقة المتشابكه

يدي تلوح للنهدين المتألقين تحت الأشجار

للأشعار الميتة في فمي .

. . .

سأبكي بحرارة

يا بيتي الجميل البارد

سأرنو إلى السقف والبحيرة والسرير

وأتلمس الخزانة والمرآة

والثياب البارده

سأرتجفُ وحيداً عند الغروب

والموتُ يحملني في عيونه الصافيه

ويقذفني كاللفافة فوق البحر


سرير تحت المطر

..................

الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب

والضجرُ خريفٌ بين النهدين

أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي

من نافذة المقهى ألمح عينيك الجميلتين

من خلال النسيم البارد

أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .

ظالمٌ أنت يا حبيبي

وعيناك سريران تحت المطر

ترفق بي أيها الالهُ الكستنائي الشعر

ضعني أغنيةً في قلبك

ونسراً حول نهديك

دعني أرى حبك الصغير

يصدحُ في الفراش

أنا الشريدُ ذو الأصابع المحرقه

والعيونُ الأكثر بلادة من المستنقع

لا تلمني إذا رأيتني صامتاً وحزيناً

فإنني أهواك أيها الصنمُ الصغير

أهوى شعرك ، وثيابك ، ورائحة زنديك الذهبيتين .

. . .

كن غاضباً أو سعيداً يا حبيبي

كن شهياً أو فاتراً ، فإنني أهواك .

يا صنوبرةً حزينة في دمي

من خلال عينيك السعيدتين

أرى قريتي ، وخطواتي الكئيبة بين الحقول

أرى سريري الفارغ

وشعري الأشقر متهدلاً على المنضده

كن شفوقاً بي أيها الملاك الوردي الصغير

سأرحلُ بعد قليل ، وحيداً ضائعاً

وخطواتي الكئيبه

تلتفت نحو السماء وتبكي .

جزر أمنية

-----------


1

أظافري لا تخدش

أسناني لا تأكل

صوتي لا يسمع

دموعي لا تنهمر

أليست هذه بطالة مقنعة؟

***

الكل يقلع وأنا مازلت في المطار.

***

كل جراحي اعتراها القدم، وأصابها الإهمال

لم تعد دماؤها قانية

ولا آلامها مبرحة

ولا طعمها مستساغاً

ولا عمقها مقنعاً

الوحدة، الحرية، اليمين، اليسار، فلسطين، العراق، العرب،

العجم..

يجب إعادة جدولة همومي.

***

حافة القبعة تؤثر في رأس بوش الابن والأب والعم والخال

والخالة، أكثر مما تؤثر فيه كل المهرجانات والمسرحيات والمعلقات

العربية المعاصرة والجاهلية.

***

إنني أسمع بالعلق، ولكنني لم أره في حياتي!

من يمص دمي إذاً؟

***

لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضرورياً

فقد لا تؤاتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى

***

لماذا تنكيس الأعلام العربية فوق الدوائر الرسمية والسفارات

والقنصليات في الخارج، عند كل مصاب؟

إنها دائماً منكسة!

***

قد تحترق وتتصحر كل الغابات والأدغال في العالم إلا الغابات

والأدغال التي يعيش فيها المواطن العربي.

2

هل أبكي بدموع فوسفورية

حتى يعرف شعبي كم أتألم من أجله؟

***

خمسون عاماً وأنا أترنح

ولم أسقط حتى الآن

ولم يهزمني القدر

إلا بالنقاط والضربات الترجيحية!!

***

اتفقوا على توحيد الله، وتقسيم الأوطان.

***

كل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك إلا

عند العرب

يكون عندنا سيول وفيضانات

وتنتهي بقطرات تتفرق هنا وهناك.

***

أخي السائق:

لا تستعمل الزمور إلا في فترة الامتحانات،

أو التحضير لها.

***

الكل متفقون على بيع كل شيء

ولكنهم مختلفون على الأسعار!

ماذا أفعل بحصتي من فلسطين؟

هل أشتري بها شهادة استثمار؟.

***

عندما يتناول الصحافيون والإعلاميون العرب أي موضوع ولو

كان عن كسوف الشمس وخسوف القمر أو سقوط أحد المذنبات

المجهولة، لا بد وأن يتملقوا حكامهم، ويظهروا للقارئ أو للمستمع

دوراً لهم مهما كان صغيراً في هذه العجائب الكونية.

***

بعد اتكالنا على الغير في كل شيء سياسياً واقتصادياً وثقافياً

وحتى طائفياً قد يأتي يوم نعتمد فيه على غيرنا حتى في الإنجاب.

***

الصمود والتصدي:

صمود على الكراسي

والتصدي لكل من يقترب منها.

***

3

في الخمسينات والستينات كان السؤال الملح على الكاتب: ماذا

سيعطي لوطنه؟

أما السؤال الآن فهو: ماذا سيأخذ منه؟

***

حتى النسر يتثاءب في الفضاء

إذا كانت رحلته طويلة، والمناظر متشابهة من حوله.



أغنية المهد

-------------

لا أعرف -حتى الآن- كيف غافلت أمي أو جدتي

وحبوت، واللعاب يسيل من فمي وأطواقي، داخل كهف

اللغة، التي ستصير قدري في المستقبل...

وتوغلت في مجاهل قواميسها ومعاجمها ومراجعها وفهارسها

وسحر بيانها.. ورجع مقاماتها وآياتها.. ومدها وجزرها وأغوارها..

وطبولها وناياتها..

وصمتها وهذيانها..

وقبلاتها وأظافرها..

وحضورها وغيابها..

وإيمانها وضلالها..

وشمسها وظلماتها..

وأحلامها وكوابيسها..

ومجدها وعارها..

من "ضرب زيدٌ عمراً" إلى أن نقلوه إلى غرفة الإنعاش..

حيث كل حرف فيها

يحتاج إلى قارئ ليفك رموزها وطلاسمها..

وإلى عالم أحياء، ليكتشف أي أثر للحياة في أجرامها

ومتاهاتها..

إلى أن خرجت ملوحاً بسيفي على أبواب طروادة التي

تحاصرها..

وعلى متن جوادها الأسطوري، لا في جوفه، أو بين حوافره..

وصرت أشم رائحة القصائد، كما يشم الفلاح المبكر:

رائحة الورد والزيزفون والحبق والزعفران والبيلسان وغار المجد

والتوابيت..

والسجين الريفي البعيد ثياب أمه وجدته وصوف أغنامه ويمام

نافذته، من خلال القضبان.


العنقاء

------------

السيف يكتب

والصدر يقرأ

والزمن يمحو كل شيء

تماسكي أيتها المشنقة

وهدئي من روعك أيتها الحبال

وأنتم أيها السوقة والرعاع

ألم تروا في كل هذا الشرق

معلماً يشنق

في بداية أو نهاية أي عام دراسي؟

أو ثرياً مجهولاً يستدرج غزالاً برياً

ويغدق الرصاص بين عينيه؟

أو بطلاً يستسلم في ذروة المعركة

من الضجر؟

إنها أغنيتي وليست أغنية اليوت

وأعراسي وليست أعراس لوركا

وحقولي وليست حقول غوغان

ومتاهتي وليست متاهة كافكا

وكبريائي وليست كبرياء بايرون أو المتنبي

إنهم يسلبونني كل شيء في وضح النهار

وأنا أكره الخريف المزاود

سأكتب كتابي عليك بالمطر

وأعقد قراني كربطة العنق أو هدية بابا نويل

إنها أساطيري ونبوءاتي

سلاسلي وآفاقي

وأنا حر بها.

أدراج الرياح

-----------

على سلالم الغيوم الرمادية والزرقاء والحمراء والنارية

بدأت الصعود على

الطموح

الصبر

الحذر

الخبرة

العلم

المعرفة

الطفولة

البراءة

الحنان

الربيع

الخريف

الوعي

الإلهام

الكتب السماوية

الأساطير

الصمود

الصخور

الجنون

الإصرار

الخيال

الثقة المطلقة بالنفس

فلم أصل إلا إلى الفراغ..

لأن الخطوة الأولى

كانت على الشعر!


بالمطر أحياناً وبالحب دائماً

--------------------------


أيها الوطن العاقّ

تعرف كيف كنت وكيف أصبحت على يدي

كنت مصدوراً

فعالجتك وقضيت على سعالك إلى الأبد

بالموسيقى وتغريد الطيور

كنت قذراً

فغسلتك سبع مراب كالكعبة

وجففتك بالسجع والمعلقات

وحتى لا تعطش بنيت سد مأرب وأسوان والفرات

وحتى لا تجوع بنيت العنابر والاهراءات

فوق الأرض وتحتها

وحتى لا تتشرد

بنيت لكل دجاجة قناً مهيباً كالعرين

ولكل غانية مذبحاً ومعبد تكفير

علمت غيومك آداب الهطول

وكلابك الشك بكل قريب

وقططك الغادرة الوفاء لكل غريب

وجيادك الصهيل والحمحمة في زمن الحرب والسلم

ووحولك الابتعاد عن طريق العشاق

وغبارك التردد أمام أعين الأطفال

والسكارى قواعد الترنح والهذيان

وغربانك تقاليد ومواعيد النعيب

وقطعانك عدم التدافع في الذهاب والإياب

من الحقول والحشائش في أفواهها

حفاظاً على كرامة عابري السبيل.



حكايات الشتاء

--------------

إنني محاصر بوسائل التعذيب

إلى كل شيء أريد الوصول إليه

ممر جبلي شاهق الإرتفاع

إلى المكتبة حيث أقرأ

إلى النافذة حيث أطل

إلى الكأس حيث أشرب

إلى الرغيف الذي أكل

إلى المرأة التي أنتظر

إلى السرير حيث أنام

وليس من حولي سوى الفضاء البعيد

وأصوات الطيور البعيدة

والملاحين الغرقى

والصيادين التائهين

ومختلف أنواع الابادة

إذا تقدمت لنجدة أحد.

*

أيتها الأرصفة عانقيني

أيتها الثلوج دثريني

أيتها الريح العجوز

احكي لي قصة الشاطر حسن

وعلاء الدين والفانوس السحري

ولص بغداد والسندباد البحري

وكل الحكايات الخيالية في ذاكرة الشيوخ والأطفال

وحكايات الحجاج وأبو جعفر المنصور

والضبع والضبعة

والغول والغولة

التي تعيش بشحمها ولحمها وأنيابها

وأقدامها بين الجميع


من ملفات الربيع

----------------

يا حزني المقيم وفرحي العابر

لقد رحبت بك

وصافحتك

وتحدثت إليك وجهاً لوجه

في مختلف شؤون الحياة

وكنت قريباً منك

حتى لأكاد أسمع دقات قلبك ورفيف أهدابك

ومع ذلك لا أعرف إن كنت حقيقة أم أسطورة

مدخل قصيدة أو كابوس

وإنني لن أقترب منك

أكثر مما تقترب القبور من بعضها

ونظراتي لن تنال منك

أكثر مما نالت عصافير فلسطين من قبة الصخرة

سأزرعك في دفاتري كاية مستوطنة غريبة عن محيطها

وأرفع يافطةً بكل موعد

وأقود مظاهرة لكل نظرة

وأقيم مهرجاناً لكل لمسة

وأضاعف الأجور وأعطل الدوائر لكل ابتسامة

وأنكّس الأعلام وأعلن الحداد لكل آهة من صدرك

وعليك أن تتحمليني

كما تحملّت الخونة والجلادين من شعبك

وهم ينشرون الغصن الذي

أنام وأحلم وأستيقظ عليه.

حداء العيس

-------------

والله لقد حيرّتني أيها الشعر

آخذك إلى الحقول والبساتين والطيور والأزهار والطبيعة الخلابة.. تتثاءب

إلى القصور والأكواخ والمدن والأزقة والمشردين والمتسولين.. تتثاءب

إلى الفنادق والملاهي وأحواض السباحة ونوادي الشطرنج.. تتثاءب

إلى الصحراء حيث البراءة والنقاء والصمت المطبق.. تتثاءب

إلى مكتبة الأزهر والظاهرية وبغداد والمستنصرية.. تتثاءب

إلى المتاحف الخالدة في بصرى وجرش وسبأ وبعلبك وقلعة

حلب وصلاح الدين.. تتثاءب

إلى الأراضي المحتلة والفدائيين المنطلقين إلى الشهادة بأكفانهم.. تتثاءب

إلى مجازر صبرا وشاتيلا وقانا وتل الزعتر وبور سعيد وبحر البقر.. تتثاءب

أعود بك إلى التاريخ المجيد والماضي التليد والسيوف والرماح

والحداء والطعن والنزال والمعلقات.. تتثاءب

ماذا تريد؟

- والله ما شبعت ولكنني مللت..


وجد

-----------

أعرف بأنني رغم كل ما فعلته لها ولأجلها

لن تعيد لي بلاطة من أزقتها

أو غصناً من غوطتها

إنها مدينتي وأنا أعرفها

ولذلك سأشرب من ينابيعها

بكل ما أستطيع دون ظمأ

وآكل من طعامها فوق طاقتي دون جوع

وأعبّ من هوائها بكل قواي دون علة

لأسترد بعضاً من حقوقي عليها

آه.. فلتذهب حقوقي وحقوقها إلى الجحيم

المهم.. كيف أنساها؟

أنام على جنبي الأيمن: نوافذها وشرفاتها

على الأيسر: مطابخها ومناورها

أتمدد على ظهري: سماؤها

ولكن متى توفرت الرغبة بالانتقام

فأدواته لا تحصى

سأترك وحلها على حذائي

وغبارها على ثيابي

لأسيء إلى سمعة كتابها

سأرش شوارعها وملاعبها بالمسامير

وأرشد القمل إلى رؤوس أطفالها

والريح الثلجية إلى عظام عجائزها

واليأس إلى نفوس شبابها

وأمزق ما تطاله يدي من موسوعاتها

ومجلدات آدابها وعلومها ووقائع أيامها

وأطارد كلابها وقططها في الشوارع

وأنهر متسوليها على الأبواب

وأنفض الحبر على خرائطها وطرق مواصلاتها

وأحطم مصابيحها في الظلام

وأنزع حتى اللحاء عن غاباتها في الشتاء

لا لأنني سادي دموي وشرير

بل لأنني مللت النوم كل ليلة

وأنا مرتاح الضمير.


المطر المنافق

--------------

كل أديان الشرق آمنت بها

وكل حروبه خضتها

وكل أمجاده زهوت بها

وكل معلقاته بصمتها

وكل أناشيده رددتها

وكل أزيائه تخطّرت بها

وكل حاناته ارتدتها

وكل أطباقه صفقت لها

وكل فنادقه ومقابره وسجونه أقمت بها

وكل أمراضه ابتليت بها

وكل أغانيه ومواويله تمثلّتها

وأحببت وتزوجت وطلقت وخرب بيتي من إيحاءاتها وتعهداتها

*

ثم يحتاج ثورة أنا وقودها

إلى موالاة؟ أول المصفقين

معارضة؟ أول المصفرين

فوضى؟ أول المخربين

إلى بناء؟ أول الحمالين

سوء إدارة؟ أول المرتشين

سوق سوداء؟ أول المتعاملين

إلى التحديث؟ أول المفتشين

إلى خيام ومساعدات؟ أول اللاجئين

إلى ترفيه؟ أول المهرجين.

*

ولذا أجمع السفراء والشعراء والكتاب والصحافيون والمطربون

والفنانون ورجال الدين:

على أنني ثروة قومية يجب تأميمها، أو إيداعها أحد المصارف

الأجنبية الحصينة

مع أنني لا أملك إلا الرياح.



وطن مقيم وشعب عابر

---------------------

لو أن أحداً من القراء أو النقاد أو الناشرين

أدرك مدى الشر الذي يعتمل في صدري

ضد كل ما هو مشرق وبريء وجميل

لما قرؤوا أو نشروا أو رددوا سطراً أو كلمة مما أكتب.

*

بي شوق دفين كالينابيع والمياه الجوفية

لخيانة أي حبيب أو قريب أو صديق أو جار أو مبدأ أو تنظيم

للارتباط دون تردد بعاهرة، بدولة أجنبية، مركز تجسس، رقيق،

دعارة، مخدرات، عصابة للتنكيل بكل ما هو حر ووطني ومقدام!

يا أبا الطيب..

أنت مررت مسبطرّاً عشرات المرات بسلمية

وأنت يا أبا فراس ألست القائل:

مررنا بماسح والليل طفل...وجئنا إلى سلمية حين شاب

وأنت يا ديك الجن أقمت فيها وعرفت نساءها وعاداتها

وتقاليدها كأبنائها

هل تعرف ماذا اشتهت أو توحّمت أمي في شهور حملها الأولى

على البرق الرعد العواصف أم على الشتاء كله؟

لقد كان رحمها وأثداءها ومطرقة بابنا وطيورنا وأشجارنا

ومضختنا وميازيبنا على شكل: إشارة استفهام!

لا أحد يعرف حتى الآن لماذا؟

ولكن الكل يقول إنني ولدت مكتمل النمو في الشهر الثامن أو

السابع من الحمل

وأنا أقول بل من الشهر الأول

ولذلك لو سرت بنفس السرعة خمسين عاماً إلى الوراء

لما بلغت الطليعة من شعبي!!

الحفيد الأزرق

------------


بردى...

كل هذه القصائد والمدائح وأفواج السياح والمصورين وزغاريد

النوافذ بمبادرة مني وعلى مسؤوليتي

ولا كلمة شكر أو امتنان؟

بل بالعكس...

كل البيوت مضاءة إلا بيتي

وكل الأشجار مثمرة إلا أشجاري

كل الطيور مغردة إلا طيوري

كل السحب ممطرة إلا سحبي

كل الأبواب تقرع إلا بابي

لم لا تختمه بالشمع الأحمر وتريحني؟

وهو موجود عندي بكل الأنواع

لأنني أصلاً لا أملك إلا الشموع والدهاليز!!

*

ومع ذلك لو انصرف عنك الجميع

لن أفارقك كما تتصورين

وسأبقى معك وجهاً لوجه

لا كعاشق بل كمحقق

كما فعلوا معي من قبل

على مرأى منك ومن ضفافك

سأنزع أعشابك واحدة واحدة كالأظافر

وأحرق ضفتيك بأعقاب اللفائف

وأنا مدخن شره كما تعلم

ولن تنجدك "دمشق"

ولن تفتديك بحصاة من أرصفتها

وماذا فعلت لك عندما جف ماؤك وتكشف قاعك الموحل

والخجل أمام الغادي والرائح؟

*

بردى...

أيها الحسين المتناثر هنا وهناك

سأستردك من النوافير والصنابير والأقداح وقدور الحساء في المطابخ

ومطرات الجنود في المعارك

وغرف الإغماء والإنعاش في السجوب والمستشفيات

لأرد لك اعتبارك على طريقتي

وكما يريد شوقي والأخطل ونزار وسعيد عقل

لا أصحاب وزبائن المرابع والزرائب الليلية!

ولن أحرمك من هذا الزهو أبداً...

ولكن كيف أمددك لتأخذك راحتك

وفي أي اتجاه سيكون رأسك المعشوشب الجميل؟

على صدرها؟

أم على قدميها؟


مشوار

--------

كل من هم على شاكلتي

فليتبعوني دون تمويه أو لفت نظر

فنحن مجرمون بالفطرة

رماحون أمام عدسات التصوير

على خشبة المسرح وعلى الشاشات الصغيرة والكبيرة

رماحنا.. أقلامنا

وقصائدنا.. زهور قبورنا

*

وقبل الدفن

لا تسيروا في الظلام الدامس

كمشوهي الحرب أو الدم أو الطلاء أو الحبر أو الجواميس

استخدموا أعواد الثقاب

فوانيس الأزقة

شموع المعابد

عيون القطط

نار التدفئة

وجمر الكستناء

فالنجوم لم تعد هي أيضاً صالحة للاستعمال البشري

*

ومهما كانت الحفر عميقة

والظلام دامساً

والضباب كثيفاً

سأرى ما أريد رؤيته

وأصل إلى ما أريد الوصول إليه

فمنذ عصر الانحطاط

وأنا أترنح مبسوط الذراعين

ولم أسقط حتى الآن.





إعداد :

سلطان الزيادنة / الأردن
زياد السعودي / الأردن

صبا خليل/ فلسطين
محمد سليمان العلوني/ الأردن








 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط