(شتات ـ خالد ابو طماعة/ رقم الايداع : خ.ط/ 9 / 2019) - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: إخــفاق (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :عبدالماجد موسى)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ 📜 ▆ 📜 دار العنقاء 📜 ▆ 📜 ▂ > 🔰 سجلات الايداع>>>

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-09-2019, 05:49 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
المنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني

الصورة الرمزية المنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني

افتراضي (شتات ـ خالد ابو طماعة/ رقم الايداع : خ.ط/ 9 / 2019)



شتات
ــــــــــــــ

ها أنا أتجول في محيط الذاكرة، أحاول لملمة الأشياء الضائعة، أمعن النظر في التفاصيل الممزقة، محاولا رسم صورته من جديد، يؤرقني التعب والهذيان، الذاكرة عجوز لا عمر لها.
ها هو يعود من جديد، يحمل معه كل تفاصيل الحكاية، إسماعيل الضجر، هو حكاية البؤس التي يقتاتها الفقراء، قصة المعلمين الذين يكسو ملامحهم القهر، ورواية الساسة الغائبين عن واقعهم المأزوم.
ها هو يعيد شتاته، ينثر كل الأشياء أمامه، يستعيد كل التفاصيل المبعثرة، يبكي، يضحك، ترتسم الحكاية في تجاعيد وجهه المشنوق.
من أنت..
يجيبني بقرف وهو يرطن بحروف أعجمية " I am a man of defeats " أضحك ملء الفضاء وأعود أبكي نفسي وإياه
سيشرح الحكاية باقتضاب، لن يسهب في التفاصيل، لأنها تضعف المتن وتُرّهل المضمون.
هي حكاية كل من رآهم، وحكاية أبيه هي الأساس لكل الحكايات، يتجول في المكان، كل شيء فيه أبيض اللون، الأسرة، الشراشف، المرضى، الأطباء، حتى الموت لونه كذلك.
لا يعلم والده بما أصابه وأن كل ما بداخله قد تمزق، تآكل ولم يبق غير وجهه الحزين، كل ما يعرفه أن جميع من يشرف عليهم طبيبه يرحلون وهم في أوج فصاحتهم، وهم يتكلمون عن أحلامهم المبتورة.
قرأ الحزن في عينيه، تتجول نظراته أرجاء المكان، ويقول دون أن يبوح بشيء، أنا لا أخشى الموت، يتذكر بكاءه المرير على يوسف، عندما علم بموته قال، لا خير في حياة نهايتها الموت، رأى في وجهه كل التفاصيل الغائبة، يئن بصوت مبحوح، رأى الموت يحيط به من كل اتجاه، شهق شهقة ورحل دون ضجيج، مات عاشق هاجر.
هي أيضا حكاية وهزيمة تضاف إلى هزائمه، قتلته بصدودها وشرودها عنه، تحاول إخفاء الموج الهادر بداخلها، لماذا يقول هذا الآن، هي الذاكرة التي تفضح كل شيء فينا، تعرينا وتظهر صورتنا الحقيقية، الذاكرة وحل لا قرار لها.
يتأوه، يبلع دموعه، يزفر بقوة، تخرج الكلمات مبعثرة من شفتيه، الموت هو اللغة الوحيدة التي لا ولم ولن نفهمها إلاّ ساعة الرحيل.
تركنا المكان تعيث فيه الذكريات البائسة، ويعربد فيه الحزن، تُختزل فيه كل الحكايات المبعثرة، مضينا نجتر هزائمنا ونمضغ القهر ونتقيأ مرارة السنين.

الغلام الأمين
ـــــــــــــــــــــــــ

كان هناك غُلامٌ يعملُ عند تاجر لبيع الأقمشة، وكان هذا
التاجر غارقا في الديون، ولمّا حان وقت سدادها، أصبح التاجر
لا يملك سوى القليل من النقود، فقال للغلام:
ـ إذا جاء أحد يسأل عني فقل له بأنني مسافر ولن أعود
قبل عامين.
قال الغلام:
ـ وكيف أقول لهم بأنّك مسافرٌ وأنت تجلس في بيتك؟!
أجاب التاجرُ:
ـ افعل ما أطلبُه منك ولا تجادلني في الأمر.
ردَّ الغلام:
ـ ولكن هذا كذبٌ يا معلمي!!
غضب التاجر قائلاً:
أنت مطرود من العمل، ولا أريد رؤيتك بعد اليوم...
عاد الغلام إلى بيته حزينا مهموما، وعلى وجهه الوجوم
والتعاسة، سألته أمه:
ما بك يا بني، لماذا أنت مكتئب؟!
أجاب الغلام بصوت حزين:
ـ لقد طردني التاجر من العمل.
سألت الأم:
ـ وما السبب الذي جعله يطردك من العمل؟
أخبرها بما جرى، فضمته إلى صدرها وقبّلت رأسه
وقالت له فخورا:
ـ أنا سعيدة بك يا بني؛ لما تحمله من خلق وصدق
وأمانة، لا بأس، اذهب غدا في الصباح وابحث عن عمل آخر،
ولن يضيعك الله.
ذهب الغلام في اليوم التالي يبحث عن عمل، دخل على
رجل يبيع الأقمشة وسأله عن عمل.
قال الرجل:
ـ هل عملت ببيع الأقمشة من قبل؟
أجاب الغلام:
ـ نعم.
وأخبره بقصته مع التاجر الكذّاب.
فرح التاجر به كثيرا وقال:
ـ أنت غلام أمين، وسوف تعمل عندي بضعف الأجر الذي
كنت تتقاضاه من قبل.
فرح الغلام فرحا كبيرا، وقال الحمد لله على نعمائه....


عويل الفقد
ـــــــــــــــــــــ

حزنت على رحيل أبي
وطعم الفقد أضناني
وناح على أبي رجلٌ
وما أشقاه أشقاني
وما حزني على نفسي
نحيب الأهل أشجاني
فيا لهفي على أمّي
أنين الأمّ أبكاني
دموع العين قد فاضت
عويل الجّرح أدماني
نشيج الناس أرهقني
وزلزل كلّ أركاني
وذكرى والدي فخرٌ
تؤرق كل خلاني
سهام الشوق قد طاشت
فأدمى الشوق وجداني

بيت الدم
ـــــــــــــــــ

البيت يتقيأ أحزانه منذ رحيلهم، منذ حدوث أكبر مصيبة في تلك السنة، يصلب همومه على رياح المجهول الذي عصف بكل شيء دون سابق إنذار.
الصالة أنيقة ومرتبة باحتراف امرأة تهتم بشؤون بيتها وعائلتها، رتبت فيها الأشياء بلمسة جمال رائعة، يزينها على اتساعها طقم كنبات جميل، وفي زاويتها شجرة تتدلى منها قطوف خضراء، وتلفاز يشكو همه للصغار الذين ينظرون إليه بشراهة، وسورة معوذات علقت على الجدار، يقابلها لوحة بداخلها ديك مذبوح وقطرات دم بشكل ثلاث علامات استفهام تنتهي بعلامة تعجب!
قرر أبو رامي أن يضحي في بيته هذا العام، أخبر عائلته قبل قدوم العيد بعشرة أيام، أراد أن يُطّبق هذه السُنة بنفسه ويعلم أبناءه شعيرة عظيمة ويريق الدماء أمامهم، سرد لهم قصة نبي الله إسماعيل، وكيف فداه ربه بذبح عظيم، تشوق الأطفال كثيرا لقدوم العيد وما سيفعله والدهم من إراقة الدماء تقربا لله سبحانه وتعالى.
تقف الزوجة في الصالون لحظات طويلة، تتأمل صورة الديك، تنحدر من رقبته علامات استفهام، السؤال يطرق جدار العقل، العقل لا يستوعب اللوحة، الفضول يترنح بداخلها لمعرفة سر اللوحة، تتقزز منها وتنفر من أمامها، أفاقت من شرودها على صراخ الطفل، رغوة الصابون تملأ حوض ( البانيو ).
نسي أهل الحي تلك الحادثة، إلاّ "أبو محمود" الذي ظل يذكرها كلما هبت الذكريات وأشعلت بعينيه صور الماضي وآلامه، يذكرها دائما للأطفال كحكايات الجدات، وسرعان ما تتفلت من مقلتيه دموع حارة سرعان ما يمسحها بطرف ردائه الحزين.
اصطحب أبو رامي أولاده ليشاركوه شراء الأضحية، يرسم على وجوههم فرحة العيد، أثار ضجيج السوق وغثاء الأغنام الدهشة والفضول لديهم، بعد الانتهاء من النظر إلى الأضاحي بأنواعها ومن زريبة إلى أخرى اختار كبشا أقرنا يزينه صوف كثيف.
يدرس رامي في مدرسة خاصة، في الصف السادس، يصغره أخوه وليد بسنتين، حاد المزاج، يميل إلى العنف واللامبالاة في إيذاء الآخرين، يلكز الأطفال بيده أو بوضع طرف قدمه أمامهم ليوقعهم، وكثيرا ما يستفز وليد حتى تحمر وجنتاه وتذرف دموعه، وسرعان ما تكتشف أمه سبب ذلك، فيهرع لإرضاء أخيه بوضع قطعة حلوى في جيبه فتعود الألفة بينهما.
يتحلق الأطفال حول أبي محمود، تختلط الحكايات في ذاكرته، يسرد لهم قصة الشاطر حسن ومغامراته الرائعة، ذرفت من عينيه دمعتان ساخنتان، تلذذ بطعمهما المالح، شعر بالضيق، أخذ نفسا عميقا ثم أردف قائلا ...
كانت سنة جميلة والصيف في بدايته، سنة مليئة بالفرح، الربيع زيّن الأرض، في مساء ليلة صيفية جاءني أبو رامي، رأيت القلق في عينيه، وكآبة تغطي وجهه، جلس بقربي وبدأ يسرد حلم زوجته الذي أفزعه.
لم أنم ليلتي والأفكار تنهشني مثل كلاب مسعورة، هل لك أن تنبئني بما رأت؟ هل تفسر لي هذا الحلم الغريب؟ سأزيح هذا الهم عن عاتقي وألقيه عليك لتشاركني ما أنا فيه، أفقت من نومي على صراخها، جسدها يرتعش والعرق أخذ منها كل مأخذ، تهذي بأنفاس متقطعة، لم أتبين ما تتحدث به، تلطم وجهها تارة وتصرخ أخرى حتى ظننت أنه أصابها مس، قمت بإيقاظها، بعدما هززتها بقوة، أفاقت وقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كأن الأمهات يتنبأن بقدوم المصائب، هن يشعرن بذلك، ولا أعلم السبب وراء ذاك الجنون، ناولتها كوبا من الماء، شربت بلهفة غريبة، كأنها صحراء لم تتذوق الماء أبدا، بدأت بسرد حلم شعرتُ بمرارته الذي ذاقته في المنام، رأت حية رقطاء، تنفث السم في ثلاثة أعشاش، وقفت الأم على أعلى غصن، تراقب موت صغارها، وخيل تصهل بحرقة وتهمهم، وفرح يغلفه إطلاق نار وزغاريد نساء، بينما أنا أسير وسط الجموع، حاسر الرأس مهلهل الثياب.
قلت له وأنا أخفي توترا يهتز بداخلي، إنها فرحة العيد يا أبا رامي، سيزورنا بعد رحيل عام، قلتها وأنا أمضغ الحيرة تحت ضروسي، أخفف من وطأة الحلم الذي أرقه، محاولا دفعه عن الشؤم الذي التحفه، مضى وهو يلوك همّا يحاول نسيانه.
الدنيا صغيرة، قالها أبو محمود وهو لا يزال يسرد لهم الحكايا، انفض الأطفال من حوله، ظل في مكانه، يلاعب الحصى ويرسم على الرمل دوائر، يمسحها ويخط كلمات مبعثرة، يستذكر طفولته وكلمات كانوا يرددونها...
بكره العيد وبنعيد... ونذبح بقرة السيد... والسيد ما الو بقرة...
بدأ النشيج يزداد وحشرجة باتت تخنقه.
يعود أبو رامي من عمله محملا بالأكياس، يدير المفتاح في ثقب الباب، متجاوزا سور الحديقة، تدهشه رؤية خيط رفيع من الدم، يسير حتى نهايته، أصابه الذهول، خر مكانه بلا حراك، يقلب صغيره "وليد"، يتحسس رقبته، امتلأت يداه بالدماء، يقابله رامي وفي يده سكين تلمع وعليها أثار دماء، يصرخ الأب من شدة الصدمة، تخرج الأم من الحمام، يركض الطفل بسرعة جنونية نحو المجهول، تتلقفه سيارة تهوي به على الأرض، يسبح في دمه، يقف الأب مذهولا، مدهوشا ويتوه في الغياب، الأم أصابها الجنون، تُقّلب وليدها، تندب حظها، يجتمع كل أهل الحي، بعد لحظات الهذيان والجنون تستفيق لصغيرها، تركض لتجده جثة في الحوض بلا حراك.


العجوز
ـــــــــــــــــ

دق جرس الهاتف فازدادت معه دقات قلبه، اقترب من السماعة بيد مرتجفة وقلب ملأه الخوف.
أمسك بعصاه التي أكلتها السنون، تحسسها بأطراف أصابعه التي أصابها الوهن منذ زمن وهمس إليها:
هل ثمة فرق بيني وبينك أيتها العجوز الشمطاء، هل يمكنك الرد على أسئلتي الحمقاء؟ أعلم أنك لا تستطيعين
الجواب على تفاهات عجوز أكل الدهر منه ثم قذفه خارج الذاكرة في هذا الزمن المنسي.
يتمشى ما بين أربعة جدران عله يجد ضالة ذاكرة هربت منه وجنحت إلى شواطئ النسيان، هل من الممكن
أن يكون الإنسان غبياً حدّ عدم التمييز ما بين الحمار والتيس؟
اقترب من الساعة، تأملها بكل ما أوتيَ من انتباه، تمتم وهو يشير إلى عقاربها:
لماذا أسموها بهذا الاسم؟ وأين وجه الشبه بين العقرب والساعة؟ لماذا لم يكن اسمك سلحفاة بدلا من عقرب؟
هل يوجد شبه بين الاسمين؟ لا أدري لماذا هذا الاسم بالذات؟ كثير من الأسماء لا تشبهنا، نحن لا نشبه
أسماءنا في كثير من الأحيان.
اقترب أكثر، هز عصاه كأنما يوقظها من غفوتها، مسح عليها ثم رفعها عالياً وطفق ضرباً بالساعة حتى
تساقطت متناثرة، صرخ من أعماقه لماذا لا نموت ونحن في عز الشباب، ظل يكررها حتى أفاق
فإذا به في المشفى والشرطة تحيط به من كل جانب وهم يهزونه صارخين:
ما هو الدافع الذي جعلك تقتل زوجتك؟
جحظت عيناه استنكاراً لما سمع واختلط نشيجه بالدموع

الجاسوس
ـــــــــــــــــ

الدنيا صغيرة، قالها وهو ما يزال يحدق في صفحة السماء الصافية، أخرج من صدره زفرة، فانطلق سيل جارف من الدموع، تمتم بكلمات غير مفهومة وهمس كأنه يحدث نفسه أو يناجيها، ثم سمعته يقول بصوت أجش... لا حول ولا قوة إلاّ بالله، ثم تابع بحزن.. سأشتري كلبا وأصاحبه ويكون له اسم لا يشبهه.
لفني الصمت وتملكتني الدهشة، قلت في نفسي لا بد أنه يعاني انكسارا كبيرا وجرحا غائرا لم ينضب بعد، رأيت الأسى يحبو على وجهه، وكآبة عمياء غطت ملامحه، ودموعا حارة تسيل من مكان بعيد، كان متهدما، متكسرا، قرأت في وجهه اليأس والإحباط، يسكنه كل قهر الأرض، كأنما قطع عشرات السنين في لحظة.
قلت له ما بك يا صديقي، ما الذي أصابك لتكون قاسيا على نفسك هكذا، هل فقدت عزيزا أم ألمت بك مصيبة ولم أعلم بها؟
تنفس بعمق وهو يرنو ببصره للفضاء البعيد، كأنما عيناه ترصدان كائنات غريبة، ثم أردف بعد صمت عميق...
لقد تلقيت ضربتي من أقرب الناس إليّ، وثقت به لأكثر من عشرين عاما، كنا إخوة، بل أكثر من ذلك بكثير، نتسامر حتى طلوع الفجر، تمزق ضحكاتنا ستار الليل، نلتحف الشقاوة وندور في الشوارع بحثا عن جدار لم تزينه عبارات الحماس والثورة، أية قذارة يتستر خلفها البشر في بعض الأحيان، هل هي الخيانة لتلك الصداقة، أم أنه الطمع الذي غلف العيون، أم أنها النفس التي تدنت برؤيتها فأصبحت لبؤة تفترس كل من حاول الاقتراب منها، هل ينسى المرء في لحظة طيش وطمع كل تلك السنون، لماذا فعلت هذا يا راشد؟
في إحدى المرات قال لي وهو يكتم ضحكة خجول... لقد ابتليت بالعشق يا صديقي، ربما عدت مراهقا بعد هذا العمر، هل صحيح أن عشق الرجال يبدأ بعد الأربعين، ضحكت عندها حتى كادت ملامحي تتفجر، احمر وجهي وانتفخت أوداجي وقلت بسخرية مفرطة... لقد وقعت في شباكها يا صديقي، ألم أحذرك من قبل، قلت لك إياك أن تقع في حبائلها، إن وقعت ستدور كمجنون وتهذي كمريض.
السجن سوق كبير، ترى فيه كل الأشياء الضائعة، أكواما من البشر، أرتالا من الحكايات تروى، السجن امرأة قبيحة، مومس وسخة، مرض مزمن يصعب التخلص منه في لحظة، كم تمنيته معي، ليس للانتقام ولكن ليشعر بحلكة ليله الطويل، وقسوة وحدته الباردة، السجن مقبرة لدفن الأحياء، أية لذة يمكن أن يوفرها القتل للقاتل، سأطردك من أعماقي ومن أوراق الذاكرة، أحمق من يبكي صديقا خائنا.
أخذتني الحيرة وأنا أستمع لما يقول، اعتصمت بالصمت، شعرت نفسي قزما أمام كل هذا النزف، ومع كل هذا رأيت شموخا غريبا يلفه، عيناه تدوران في محجريهما مثل صقر جائع، وعلى حين غفلة وأنا في قمة ذهولي انطلقت منه آهة مزقت مني نياط القلب، ودمعة شعرت بمذاقها المالح، عزمت أن أتركه لتداعياته وحزنه وأنسحب بهدوء، لكني أفقت على نفسي وأنا أتجمد مكاني كالصنم.
تعددت الأقوال وتناسلت الحكايات عندما تركت عملي، كان هو الملاذ الوحيد أمامي، أفرغت كل ما في جعبتي من هموم وأحزان وألقيتها عليه، وتلك الطعنات التي تلقيتها من أقرب الناس لقلبي، فاحترق الحلم في المهد، اغتالوه في بداية الطريق، حلم عابر لم يكتب له طول العمر ككل الأحلام التي تداعب رؤوس الغرباء، أنا الآن مجرد ذكرى سيئة عندهم، لا يمكن أن نفهم الظلم إن لم نذق مرارته، في أوقات كثيرة لا يختار الإنسان طريقه، الطرق هي التي تنتصب أمامه وتفرض نفسها عليه، عندما أمسكت بخيط براءتي رحت أزف له الخبر، وكانت يد الخيانة تعبث بي وتزيد حياتي حلكة، لقد وشى بي، ويصرخ السؤال بداخلي... لماذا ولمصلحة من فعل هذا؟ سقطت آخر محاولاتي في الصمود وتهاوت دفاعاتي جميعها، حبست الخبر المفجع في صدري، تمالكت نفسي وقسوت عليها، ولم يعد لي حلم أنشد تحقيقه، مرت سنوات قليلة كانت كفيلة بأن تدمر كل ملامح الماضي وتعصف بآلامه، انتهى شقائي ولن أثأر لنفسي من حماقته، أن أمتلك قلبا واسعا لا يعني أنني غبي، إن لطفي وكرمي هما اللذان حملاني على تحمل العذاب وحدي، أستطيع تحمل كل عذاب بعد الآن.
كان الفجر قد انبلج وقلبي يطحنه حزن عميق، لحظت الدموع تزحف فوق عينيه والحزن يلون قسماته بالسواد، أسند مرفقيه إلى ركبتيه وغمس ذقنه بين كفيه وراح يفكر في صمت، ضاعت بي التفاصيل وشردت بي الصور، لسعني الحزن بسياط من نار، أخفيت رأسي بين راحتي وأسلمت نفسي للبكاء.


موال
ـــــــــــــ

من يوم لفاني
شفت الخوف بعيونه
وهموم الدنيا شايلها
على كتوفه
قلت والكلام ضاع
ساعة ما لقيته
يا خل وش صابك
يا خل ايش اللي جرى
وقبل ما أسهب
في تفاصيل كلامي
نادى بصوت مبحوح
ودموع بللت ثوبه
ترى الناس تغيرت
وكذب اللي قال
الناس للناس
واحذر يا صاحبي
من لمعة السن والتهليل
ترى المخفي وراها
أعظم المصايب
وقت الشدايد يا خوي
ما تشوف غير ديرة الظهور
وحين السراير
ما تشوف غير الكل حولك


مقدسي الهوى
ـــــــــــــــــــــ

أنا يا قدس ما هدأت شجوني
فديتك بالعتاد وبالبنين
أنا يا أمّ غيرك لن أوالي
فأنت الروح يا مسرى الأمين
ولكن الولاة عليَّ جاروا
فما ذنب المكبّل أخبريني
و إنّك في قلوب الناس دوما
وأنت الحبّ يسري في الوتين
أعيذك من ولاة الأمر لما
رضوْا بالذلِّ عن مجدٍ ودينِ
أنا يا قدس ابن ما توانى
أنا الابن المظّفر فاحضنيني
أنا السهم الذي ما ضلّ يوما
أنا الابن الرَّضي فعانقيني
ولاة الأمر قد هانوا وخانوا
دعيني سوف أصفعهم دعيني

جدار الصمت
ـــــــــــــــــــــــ


عبثاً ....
أحاول ترميم ذاكرة تبعثرت ....
أحاول جمع أشلاء عمر تمزق على رخام قبر تراكم عليه غبار سنين ....
عبثاً ...
أحاول سَدَّ ثقوب ذاكرة مهترئة ... كنا شركاء نتقاسمها ....

أمُرُ بين القبور ... أقرأ شواهدها ... أتمرّغ بتراب قبر مضى عليه دهر لم يَزُرهُ أحد ؟؟
عاتبني متسائلاً عن أخبار أهلٍ بالأمس كان برفقتهم .... انثالت قطرات دمع على ترابه الحزين .... هل تصدق ميتاً يبكي ؟ قبراً يبكي ؟

يا جرح العمر النازف ... اخترق الصوت طبلة أذني .... أصحو فلا أجد غير الصمت ... أرتطم بجداره السميك .... عبثاً أحاول إمساكه ... اللحاق به ... فأعود مُحَّمَلاً بالخيبات من جديد

يا قبراً تحتضن ذاكرة اغتصبت في زمن البوح .... أما آن أن تصحو ... أن تنهض ... خذني إليك أستعيد نصفي الفاني ... أهرب ... أركض نحو السور ... أسمع صوتك يأتيني .... أيها الراقد بين شواهد النائمين ... مجنونٌ أنت .... مخبولٌ أنت ؟

مُخضباً بجراحي أعود ... بجنوني وحنيني ... أُقَبِلك وتقبلني ... وأقول أهلاً بنصفي الفاني ... أهلاً بــــ ........................... !!

آنَ الأوان
ـــــــــــــ

ناحتْ على كتفي يمامهْ
تشكو إليَّ بعبرةٍ وتنهدٍ
أوَليس من حقي وطن؟!
أدمتْ منابع دمعتي بنواحِها
حتى انبرى منّي فؤادي واحتقن
وبحرقة ساءلتُها .. وأنينُها
ما انفَكَّ يكوي أضلُعي
ما بالُهم قومي تناسَوا ما مضى
من سالف الأزمان تاريخ العلا
جفت مآقي دمعِها
فَتحامَلَتْ واستنفَرَتْ أوجاعَها
صرختْ.. تَرَدَّدَ صوتُها عَبر المدى
يا أيها المنكوبُ فوق الأرض... في عمقِ المدى
يا أيها المدفونُ؛ من تحت الثرى
إنهض فقد آن الأوانُ لصحوةٍ
وانفض غبار الصمت..أجج ثورةً
إضربْ بنصلِكَ يا هُمامُ بقوةٍ
إسحقْ حياةَ المعتدين ولا تهنْ
العُربُ ماتَ ضميرُهم وحياؤهم
وتبخَّرا

في مهب الريح
ـــــــــــــــــــــ

تجاوزت الأربعين، لم يطرق باب بيتها غير أولئك الذين ماتت نساؤهم، ممن يبحثون عن قضاء آخر سنوات العمر في فراش وثير، تعودت على تلك المهاترات، قطار العمر يمضي، تقضي أغلب لياليها بقيام الليل وتلاوة القرآن، تكالبت عليها هموم وأحزان لم تستطع البوح بها، تمشي الهوينا لانحراف في أسفل كعبيها، نتف من شعيرات نبتت في أسفل ذقنها وأطراف وجنتيها، ابتسامتها الخجولة تهرب من شفتيها.

تتفقد الساحة، تدور كحجر الرحى ولا تتعب، حب الأطفال وإخلاصها لعملها أهم ما يشغلها، نسيت نفسها وتلك البروز التي تطاولت في وجهها، تتقاذف الكلمات مع العاملين بصراخ أرعن، يلفها صمت للحظات وتعود تمارس عادتها القديمة، تدور في المكان، تتناوشها النظرات، تتسم بالجدية عندما تلتقي عيناهما، يدغدها إحساس غريب، هل فعلا يحبني، هل يريد الزواج أم يتلاعب بمشاعري؟.

سندس محمود عبد الرحمن، قالت له عند ثالث لقاء، لم تتورع عن إخفاء اسمها، قال ببرود.. عبد الحميد، اسمي عبد الحميد، أخبرته في أول لقاء أنها تقوم الليل وتتعبد حتى مطلع الفجر، بادلها نفس الشعور، قيام الليل رابط قوي بينهما، توالت الأيام وركضت السنون، تبدلت الدنيا، تغير الناس، لم يبق غير وجهها تعاتبه في المرآة.

مسكينة أنا، غبية ومغفلة، كل الرجال سواء، لا يصدُقون في مشاعرهم، توهمت عندما قال بأنه سيتزوجني، وأنه لا يشعر بالسعادة مع زوجته، والدي مجرم ويستحق القتل... هذا لا يناسبك... ذاك ليس من طبقتنا.. أكلتني الأيام، أقف حائرة على مفترق طرق، أسامره حتى منتصف الليل، سهراتي على الياهو لم تنته، اسمي أجمل ما أحمله، معناه أراح نفسي عندما عرفته، قالها لي ذات مرة في ليلة حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر، صليت ولعنت نفسي، كم أنا كاذبة... عندما ألتقي زميلاتي أقدم التوجيه والنصح وأنا ألوك الكذب، سأحرق كل شيء، لباس الصلاة وجلبابي وحجابي.

ليس لي أي جدار أستند إليه، تتقاذفني رياح المجهول، أغدو ورقة في مهب الريح، تكلمت مع صديقه، تقربت منه، توطدت العلاقة في الكتابة، أنا لا أحب الكتابة ولا الشعر، أردت أن أشعره بالغيرة، أن أحرق قلبه، أستفزه وأحرك صمته الطويل، أستحثه على الكلام، أن يعترف بخطيئته وكذبه، ثارت ثائرته عندما رآني أجلس في مكتبه، نظراته تقدح شررا.
بعدما خرجت أعلن هاتفي حالة طوارئ، لم يتوقف صراخه، علمت أنني نجحت، حرّكت مشاعره وأيقظت غضبه، انهالت الكلمات الغاضبة من فمه لهبا أشعل حواسي ورطب أنحاء جسدي، فرحت بانتصاري وانتشيت لكبح جماحه، والضحية في نهاية النجاح هو من كان لا يدري ما يدور له في الخفاء، مسكين جمال، لا يعلم أن شخصا أحبه قد حاك له خيوط لعبة أتقناها، فنحن شخصان بين الناس كقديسين وفي خلواتنا.......

هل أصبحت عانسا، أم سأتزوج مثل النساء، هل أنا إنسان له قلب وعقل ومشاعر؟ أسئلة تطرق جدار العقل ويجيبها الفراغ، تتوق النفس للقاء قريب مع رجل يريد خطبتي، قلت له أمهلني حتى أمعن التفكير، أخبرت جمالا بالأمر، راقته فكرة ستري، أجبته متعالية... لا أريد، لا ينقصني شيء، ما زلت في ربيع الشباب، كذبت عليه وعلى نفسي، تظاهرت بجمالي الذي أطفأته الأيام، مصيبتي أنني أكابر حتى في كذبي، خرجت إلى العمل، فوجئت باستدعائي للتحقيق، اصفر وجهي، قبضت أنفاسي، لم أستطع الدفاع عن نفسي، شعرت باليأس، بصقت على ذاتي وانصرفت محاولة تشويه صورة من كان ينصحني، تذكرت عبد الحميد ولقاءاتي، وجمالا الذي حاولت نسيان صورته فيقحمني في متاهة تقض مضجعي.
في ليلة نام فيها القمر، جمعت شتاتي، أحصيت شهواتي، لملمت بعثرتي، كومت كل متاعي، بدأت رحلة الخلاص مع ذاتي .

بوح الذاكرة
ــــــــــــــــــــ


تحاول بحثاً في ثنايا ذاكرة خربة !!!
تحاول جمع خيوط مأساة اندثرت ....
تحاول جَبرَ ذاكرة تكَسَّرت !!
تحاول لملمة تراب قبر احتضن حزن سنين !!!

يا جسداً مُثخناً بالخيبات ....
من يشفي جراحك ؟
من يرثي حالك ؟
من يأتي بذاكرة لهذا الجسد ؟
تحاول رتق خدوش ذاكرة تمزقت على أطلال الراحلين !!!
من يوقف نزيف الذاكرة الآن ؟

أتوقف عند عينيك ، أبحث فيهما عن ذكرى فرحتي الأولى ....
هل غيَّر التراب حقاً ملامحك وضحكتك الجنونية ....
هل غيَّر ذاكرتك أيضاً ؟؟؟
ها أنا أعرض شريطاً قديماً لذاكرة مشتركة ....
قبل رحيلك لم أكن أشعر بثقل السنين ....
حاولت خلالها أن أُلملم حزني وأنسى ....
الآن أبصق مرارة عمرٍ من الخيبات بعدك ....
لماذا خنتني في ليلتي ، في مخاضي ....
برحيلك عني أحللت دمي وأطلقت رصاصة الغدر وغدوت جسداً مذبوحاً تحت المطر.....
ورياح الغدر تعوي كالذئاب تحاول نهش كبريائي ....
أحاول شدَّ جرح كرامتي وأبوح بذاكرة أنت وحدك تتوسدها !!!
ألقيت بنفسي خارج مدينة التراب والرخام تاركا ورائي قبرا كان لذاكرة هو زوجي وجسدا لرجل كان يشبه الوطن !!!!


محطات
ــــــــــــــــ

ها أنا أنثر أحزاني ..............
أرثيها أم ترثيني؟ أم يرثي أحدنا الآخر؟
لماذا يسكنني حزن لا يريد أن يفارقني
ودمعة تتشبث بأهدابي مثل نسمة صافية؟
الحروف لا تطاوعني
الكلمات لا تنزلق فوق البياض
أستعيد شريط الذكريات
أمعن في تفاصيله
أحاول رسم صورته
يجتاحني الذهول .....
رائحة العطر تفوح من كل مكان
يدان صامتتان ووجه باسم بلون الشمس
أستحضر الماضي، حلوه ومره
شقاوة طفولة كنا نتقاسمها
وحلم فجر يحوم في الأفق
أما آن لهذا الجمال أن يستيقظ؟
خذني إليك أيها الغافي فوق سرير القهر
في كل دروب العمر محطات
تكون مرة باكية وأخرى ضاحكة
وبين هذه وتلك قلب يحب الجميع
وكفّ تحمل باقة ورد
وروح تنشر الفرح وتنشد الأمل....
ها قد وصلنا إلى وقت لا يحتمل الأمنية ولا الأمل
كل شيء خلف ستار الوعي ينادي...
رفعت الحياة الأيادي وننتظر رفع الستار
حين يأتي حضورك يكون الضوء كلمات
تشرق اللحظات فوق الضياء ضياء
ويكون سر الجمال المزهر برحيق أبجدية أنفاس
تنثر الحب فوق السحاب
كم تمنيت أن تمتلئ سماء طفولتنا الصغيرة بالنجوم
أن تنبثق من خلف كل نجمة آفاق
تصل بمراكب الضوء إلى الشاطئ السعيد
عندها يولد تاريخ وأسئلة لا تعرف
ولن تعترف بالأجوبة الخرساء.
أقف حائرا على عتبات العمر
تتقاذفني الرياح بينها
تبرز صورتك ويأتي صوتك من بعيد
تغمرني فرحة الأمل
أختزل أحلام العمر الضائعة
ابتلع علقم مرارة السنين
وأفيق على نواح بعثر كل أحلامي...

حلم
ـــــــــــــ

لا تترك لي حبلا من أفكاري إلا وتنشر غسيل الدنيا عليه، من يخلصني من مطالبها التي لا تنتهي، أريد الخروج بنتيجة معقولة معها.
خرجت من البيت محملا بهمومي، أجوب شوارع المدينة، أطوف بنظري كل الوجوه، محدثا نفسي ... ألا يوجد من وصل إلى هذا الحد من الجنون مثلي؟
أتجول بين الأزقة والطرقات ولا أكترث لما يجري حولي، وكأنما حواف الشارع العام امتدت بعمق أصوات صراخ الباعة.
آه... من الجنون أن أدفن معها في تلك الحجرة الضيقة.
هي وكل شيء حولي تآمروا علي، هي والدنيا باتتا تشنقاني، وأنا ما زلت في أول محطات حياتي.
عقلي يصطدم بأسئلة كثيرة، إنها تهين كبريائي بكل صرامة، لا تتوقف عن الثرثرة، كأنها الهذيان والجنون، حتى الوقت الذي أنا فيه خارج البيت تطاردني، يا لحظي العاثر.
بينما هو على تلك الحالة طيلة مسير ساعة ونصف وجد نفسه في وسط زحام السوق المكتظ بالبشر، وجد نفسه أمام بائع للعطور، وقف متأملا منظر الزجاجات على رف خشبي يتوسطه باقة من الزهور، قال في نفسه لا بد من علاقة وطيدة بين الزهور والعطور، قال للبائع لم تبيع العطور؟ هل بقيت أنوف؟.. نظر إليه البائع وأشاح عنه بوجهه المتعب.. أنت... أنا أحدثك... لم تعصر الورد في الزجاج؟.. تبا لك وابتعد حين زعق البائع في وجهه، تفضل... ورش عليه من بعض الزجاجات.
لعن العطر والبائع والشارع وهم بضربه لولا تذكره طلبات زوجه اللحوحة.
ترك البائع وغاص في زحام كبير من الناس، لا بد أن أنهي روايتي السقيمة ولا بد من إثبات وجودي في تلك الساحة البائسة وسط الكبار منهم.
راودته فكرة مجنونة، جلس على حافة الطريق وتناول قلما وورقة كانت مطوية في جيبه، انغمس في الكتابة حتى أيقظه صوت أنين رجل سقط على الأرض، يتلوى من الألم، قام من فوره وهم برفعه ولكنه وقع عليه، بدأ بالضحك والقهقهة بصوت عال ولافت لانتباه المارة من حوله، وقف الناس مدهوشين لما رأوا فعله الغريب، وكلما كلمه أحدهم ازدادت قهقهاته وعلت، ظن الناس أن مسا أصابه، اقترب منه رجل طاعن في السن، دقق النظر في ملامحه وقال ما بك يا حامد، ( اسم الله عليك ) هل أنت بخير يا ولدي، لا بد أن ما أوصلك لهذه الحالة هي رسمية زوجتك، ظلت تسيء الظن بك وتتهمك بعشق تلك الراقصة المجنونة بخصرها النحيل وقوامها الرشيق، يحق لك أن تأخذ لبك وعقلك يا حامد، من منا لا يتمنى نظرة من عينيها الساحرتين؟ من لا يتمنى التحدث معها ولو لدقائق معدودات؟ من منا؟.. وظل يعدد في مناقبها حتى فغر الناس أفواههم عجبا لما يقول.
أخذ العجوز حامد ومضى به إلى بيته وما زال يضحك تارة ويقهقه أخرى، غريب أمرك يا حامد، أردت إنقاذ رجل وقع على الأرض وأصبت أنت بالجنون.
طرق الباب بقوة حتى طلت رسمية بوجهها الباسم وهي تنظر للرجل وحامد، لفها الصمت من قهقهات زوجها التي ملأت المكان وتلجلج صوته في أرجاء العمارة بأكملها، أدخلته وبدأت تتمتم بكلمات وتقرأ عليه ما تيسر لها من القرآن، وكلما قرأت ازدادت ضحكاته وعلا صوته بالصراخ.
بقي حامد على هذا الحال عدة أيام، لم تبخل عليه زوجته من جلب للعجائز وعمل للتمائم وقراءة للأدعية ولم يتغير عليه شيء.
قرر الأهل والزوجة إرساله لمستشفى الأمراض النفسية، جلس أمام الطبيب ينظر إليه بتمعن وغرابة والصمت يلفه من كل جانب، دهش الجميع من صمته وتوقفه عن الضحك مرة واحدة ودون مقدمات، قال لهم الطبيب ليس فيه من المس من شيء، سليم معافى وعقله يزن مائة من الرجال، بدأ الجميع يتكلمون مع حامد وهو مطرق رأسه إلى الأرض ولا يجود عليهم بأية كلمة.

عاد إلى بيته، مضى يعد أيامه بهدوء، غرق في القراءة والكتابة من جديد، بعد مضي شهر خرج ولم يعد، في اليوم التالي جن جنون زوجته وهي تقرأ نبأ زواجه وصدور روايته التي كانت حلما يراوده.




صفقة
ــــــــــــــــ

وهم جالسون إلى مائدة ( سداسية )
جاءت ( دلال ) بكنانتها، شدَّت القوس،
تناثر الضباب وتكسّر قرن الثور!

إزعاج
ــــــــــــــ

وهما يسيران في الشارع اشتم رائحة....
سأله: متى سنأكل لحما؟
طأطأ رأسه وفتح ذراعيه قائلا:
عندما يشبع الجيران يا بني!

رصاصة
ـــــــــــــــــــ

ما بين العين والرمش مسافة
لرصاصة تبتسم حائرة!

معجزة
ــــــــــــــ

اصطحبت { الحاجة صفية } {صويحباتها} إلى ( المقبرة )
فوجئن باختفائها
ضربت كفا بكف
تناثر النور وارتسمت الابتسامات!

مواجهة
ـــــــــــــ

يتحسس وجهه في المرآة
الأنف أنفي، والأذن كذلك، والعين أيضا
أعاد الكرة مرة أخرى
صرخ
هذا الرأس ليس لي.

مثقف
ــــــــــــــ

استوقف بائع الجرائد
تناول واحدة
تحسس جيبه وهو يتصفحها، التحف الخيبة ومضى !!


اتجاه معاكس
ـــــــــــــــــــــــ

ببراءة طفولته كان عائدا إلى بيته
يحمل في يده ربطة خبز يابسة
استوقفه في منتصف الطريق بحجة التحقق من هويته
لم يكن من أنصار الحزب ولم يكن من طائفته
صوب البندقية على الرأس تماما
ابتسم الطفل عندما رأى الرصاصة تخرج
من بين العينين .

سجين
ـــــــــــــ

جلس في عربته وقد أزاح عن ظهره حملا ثقيلا،
نظر في المرآة، وهو يتحسس ملامح وجهه
لمح عارضا يستقبله، أيقن أنه مكبل في قيده!

أولاد حرام
ــــــــــــــــ

كانت تتحدث مع ابنتها عندما نادى السجان بانتهاء الزيارة
قالت هل توصين بشيء أجلبه لك في الزيارة القادمة؟
طأطأت رأسها وقالت:
أريد حبوب منع الحمل!

مفارقة 2
ـــــــــــــ

تَنَمَقَ أمام المرآة، أعلن لنفسه حالة حِداد
قال :
ما زال الوطن ينزف قهرا
قالت :
نام أطفالك جياعا!

تلبية
ـــــــــــــ

بلحية مشتعلة وعصا عتيقة خرج فاعترضوه
أشار ناحية الهتافات
أوغلوا الخنجر في الخاصرة
ابتلعوا خيبتهم عندما رأوه يركض
متلذذا بحناجرهم
صادحا بأعلى صوته

بساط مهترئ
ــــــــــــــــــــ

بعد تصفيقهم له انطلق الغرور على لسانه
اغمض عينيه محلقا وحين فتحهما
وجد الجمهور يمسح احذيته بشهاداته!

تحدّ
ـــــــــــــــــ

ابتسم وهم ينتزعون الحديد من جسده،
اختنقوا بغيظهم،
أدخلوه غرفة فوجد الذئب يحوم حول أمه!

زهايمر أدبي
ــــــــــــــــــــــ

نفخته الإعجابات حتى صغر السرير
واستطال بالمديح حتى جاوز رأسه السقف
حمل جهازه وسار في الشوارع يبحث عن الأقزام
انتظروا شروق الشمس
ثم حملوه إلى دار العجزة.

عتاب
ــــــــــــ

عديت الاربعين وعديت الخمس وارباع
يا حسافة العمر ضاع وازدادت الاوجاع
ليه تجي بعد عذابات السنين مثل الحلم
مثل الوهم بعد ما العمر مني ضاع
القلب يا خلي مو لعبة ولا حجر صوان
القلب مثل الورد لو للندى جاع
يا الله يا عالم بكل الخفايا والاوجاع
هون دروبنا وداوي كل قلب ملتاع

على باب الله
ــــــــــــــــ

أعطاها وصيته وأخفى دموعا في عينيه
قالت : إلى أين ؟
قال : لا أضمن غدر الشارع

خيبة
ـــــــــــــ

ضرب بقدميه الأرض ورفع رأسه عاليا
بحال يقول أنا الأرض والسماء
أنا ... عبأ رئتيه بالهواء
توجه نحوهم صارخا بكل قوته

صفعة
ــــــــــــــ

سلّم تقريره واستأذن في الخروج
ولما أدار ظهره ومشى
وجد البصقة تسبقه
خرج الصوت متقطعا ... مياااااااااااااو

العم جفّال
ــــــــــــــ

لم يكن عدائيا بطبعه،
يجود بمواعظه ببالغ الحكمة،
حاولوا التخلص منه بتهمة الإرهاب،
ودليلهم الحلوى التي يوزعها على الصغار،
عندما قيدوه ابتسم، ومع بزوغ الفجر نبتت لهم
دوائر من نار.

انفجار
ـــــــــــــــــــ

باغتها قائلا :
لم أعد أعرف ( ... ) من الذين يزوروننا منذ سنين!

لا جَدَّ لَك
ــــــــــــــــ

لم يحتمل صراخهم فخرج يلتمس لهم طعاما،
مرت مظاهرة تندد بالغلاء،
وجد نفسه مكبلا يساق ركلا بالبساطير،
سالت الدماء في غرفة التحقيق،
كان يتألم، لكن حزنه كان شديدا
على العظام التي ألقيت للكلاب

بيان
ــــــــــــــ

بحور الشّعر أعشقها
أنا المفتون بالشّعرِ
وحبّ النظّم أغواني
لعَمْري إنّهُ سحرٌ
فيأسرني
أنا الظمآن للمطر
نفيساتٌ قلائده
كعطر في دمي يجري
نفيسات قلائده
كقصر غَصَّ بالدرر
وأسطره كأوسمة
يزين برقها صدري

حرية
ــــــــــــــ

أوقفوه على الحدود
وبعد طول انتظار...
قالوا له...
اخلع جناحيك وتفضل بالدخول!

رحلة
ــــــــــــــ

من بعد رحلتين والف خيبة
تخونني الذاكرة الآن
وفي فمي تسعون كلمة
وتسع وتسعون لعنة
أسفلها رأس وعين وأذنان
في ست سويعات ودقيقة!
قالت أمي تلك حقيقة!
قلت نحن متفقان
جدي أيضا أخبرني أن إدام الناس كان
القهر والحنظل والديدان

عند السحر
ـــــــــــــــ

لننفض عنا غبار الوهن
ولنركل إلى أبعد مجرة
كل وساوس العمر
تعالي يا حبيبتي نرقص فوق القمر
ونغني أغنية ثورية
يرضى عنها الوطن
فما زال حب الفينيق
ينعش القلب ويشجي العمر
هات عطرا كالمسك
عند السحر

هزيمة
ــــــــــــــــ

للمرة الألف استدعوه للتحقيق
كعادته قرر ألاّ يستسلم
ولما أفاق في غرفته ... وجد بنطاله

شهرة
ـــــــــــــــــ

في الثالثة صباحا استباحوا حرمة بيته
بعثروا كل محتوياته ولم يعثروا على شيء
وجهوا له تهمة ...

وفاء
ــــــــــــــ

أقبلت عليه والبشاشة تعلو وجهها
قبّل يديها ورأسها بوقار
تفضل حبيبي قهوة الصباح
وقبل أن ينتهي منها
كانت تلفظ آخر أنفاسها

اغتيال
ــــــــــــــ

توالت الطرقات بقوة الرعد
ذهب يستطلع من بالباب
ضحكت زوجته عندما رأته يحمل رأسه بين يديه

تهمة
ــــــــــــــ

ببراءة الأطفال وفراسة الحكماء
سأل القاضي
ما تهمتك يا فلان؟
قال...
لم أسرق ... لم أزن
فقط طالبت بحرية الإنسان
قال القاضي..
براءة من السرقة والزنا ومؤبد لإطالة اللسان

مفارقة
ــــــــــــــــ

عندما رن هاتفه في منتصف الليل
استشعرت الخيانة فيه
ولما همت بالسؤال كان هاتفها يغرد بجنون

قميص
ـــــــــــــــ

ابن العاشرة ....
أدخلوه غرفة حالكة السواد
بدؤا ببتر رجولته المبكرة
صعودا إلى اليدين وانتهاءً بفقء العينين
سال الدم أحمر قانيا
ملأت رائحة المسك المكان
ارتجفوا ... ارتبكوا ...
وبسرعة البرق ألبسوه القميص ولفقوا التهمة للذئب !

مزاج
ــــــــــ

نظر حوله ... أخرجها من كعب حذائه
أشعلها بسرعة خاطفة ....
خلعت الشوارع كآبتها وبدأ يتمرغ بالغناء


طريق الآلام
ـــــــــــــــــــــ

ما شاهدَ الورى كَجُرْحِنا مثيلا
يتدلى في القِدَمْ،
لكنهُ يَفوحُ طازجاً وَيُدْمينا
يَدورُ تائهاً بنا
ويذكي دمعنا ملحاً أجاجا
مِنَ التاريخِ يأتي جارِيا.
كان لنا حلْمٌ
غدا اليوم ملاذ عجْزِنا المُدَللْ.
ومجدُنا التَّليدُ مِدْرارٌ لفاخرِ الدموعِ،
دوما للنحيبِ نايا.
تحت شعارات الفخارِ والرياءِ كال" طَراطيرِ" مَضيْنا والعمى.
خلف رغيف الخبْزِ يسعى الجوعُ كالريحِ بِنا.
بكأسِ ذلٍّ تحتَ خوْفٍ وعذابٍ تَشْرَبُ السِّياطُ مِنْ أمانينا
وتغاريدُ الردى مَنْثورَةٌ بكثْرَةٍ فينا
تنوحُ كلما قامتْ أغانينا
فماتَ القولُ غماً ومضى الصدقُ إلى الغَياهِبِ
مُسَيْلَمٌ يُفْتي ووالينا يَجودُ بالزَنازينِ
وَسِّعْ طَريقَ النارِ ربنا


أغنية
ــــــــــــــــ

انتفض الشارع، خرج الناس بصدور عارية
استقبلهم الرصاص منشدا.. بلاد العرب أوطاني
ابن التسعين....
صرخ من شدة القهر
أين كان كل هذا الرصاص عندما اغتصبت بنت جارتنا؟

أنين الوداع
ـــــــــــــــــــ

ذرفنا دمعنا الغالي
وقلنا القوم أحبابُ
رحلنا عنهُمُ رغما
وكلُّ القلب أوصابُ


سلطة
ــــــــــــــ

رغم كبر سنه وضآلة جسده وقصر ظله
إلا أنه كان يحلب أنثى النمل!




عدد النصوص : (قيد الايداع)

المنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
أكاديمية الفينيق للأدب العربي

شتات ـ خالد ابو طماعة
المادة محمية بموجب حقوق المؤلف عضو تجمع أكاديميّة الفينيق لحماية الحقوق الابداعية
رقم الايداع :رقم الايداع : خ.ط / 9 / 2019
تاريخ الايداع : 4 - 09 - 2019















  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط