كأنّه سواه صار هو

[ياسر أبو سويلم الحرزني]

- كيف لم تعرفني ؟!
- كأنّي عرفتك ، ولكنّني لم انتبه !
- ولكنّك تجاوزتني ، ولم يبد عليك أنّك عرفتني.
- حسبتك غيرك ، أو آخر يشبهك ! ، وأنت كيف عرفتني ؟!
- أنّا أيضاً خمّنت أنّك تغيرت ، فصرفت عيني عن وجوه العائدين ، ورحت أنظر إلى أقدامهم فعرفتك من مشيتك.
- لو كان العائدون واقفين لا يسيرون لكنت تورطّت فيّ !
- إذا تورطّت فيك أكون قد عرفتك !
- أقصد قبل اليقين.
- ولكنّ قلبي أمّن على حزر عيني حين رأيت مشيتك.
- كيف كنت ستفعل لو تشابه عليه وقع الخطى ؟!
- كنت سانتظر إلى آخر النهار حتّى ينصرف كلّ العائدين ، ولا يبقى سواك ، عندها سأعرف بأنّك أنت !
- وماذا إن كنت غيري تورّط في الحضور ، فلم يجد أحداً ينتظره ، واضطّر للبقاء لآخر النهار ينتظر الذي كان سينتظره ؟!
- ولكنّك عندها ستكون قد بقيت هناك ولم تعد.
- وماذا كنت ستفعل بغيري الذي لم يجد أحداً في انتظاره وبقي إلى آخر النهار ، وأنت ظننت بأنّه أنا ؟!
- إن كان يعرف الّذين لم ينتظروه ، فلا مشكلة.
- وإن أشكل على قلبه مثلما كان سيحدث لقلبي ، ولم يكن يعرف وجوه الّذين سينتظرونه ، وحسب أنّك واحد منهم ؟!
- لا مشكلة ، فالمكان فسيح ، وهناك دائماً فائض مأوى وأهل شاغرون لغريب لم يجد أحداً في انتظاره ! ، ولكن لماذا تأخّرت ؟
- لقد تأخرت الطائرة في الإقلاع.
- أقصد لماذا تاخّرت عن موسم التين؟
- لأنّي تأخّرت عن موسم التين ، وأنت منذ متى أصبحت شاعراً ؟
- أنا ما زلت كما أنا . هل تريد ان تبكي ؟!
- لا . ولكن قل لي من الّذي يتحدّث الآن أنا أم أنت ؟!
- الآن أنا من يتحدث ، لماذا ؟
- لقد التبس عليّ الأمر ، وفقدت التركيز في ترتيب الأصوات ، ولم أعد أدري من الذي يتحدّث !
- لا فرق ، لأنّ كلّ منّا سيعود بصوته الذي يعرفه ، ثمّ أنّنا لم نقل شيئاً مفيداً !
- أجل ، لا فرق.
- هل تريد أن تبكي ؟!
- لا ، لا أريد أن أبكي.
- لماذا ؟!
- لأنّي لا أريد أن أبكي . لماذا تلحّ عليّ بهذا السؤال ؟
- لا شيء ، أحببت فقط أن أعرف إن كنت تشعر بحاجة للبكاء ، لأنّك دائماً تبكي حين تعود.

ولم يكد يتمّ كلامه حتّى انتبه لشخص قادم باتجاههما يناديه باسمه ويلوّح له ، ولم يتوقّف حتّى صار بينهما واحتضنه قائلاً : "لقد بحثت عنك طويلاً ، وظننت أنّك لم تحضر لاستقبالي ...

أمّا هو وبعد ان انصرفا عنه ، فقد انسحب بهدوء وذهب إلى مقاعد صالة الإنتظار ، وجلس إلى جانب رجل يبدو أنّه لم يجد احداً بانتظاره فتأخّر إلى آخر النهار ، ونظر إليه وهو يحاول ان يرسم ابتسامة على وجهه يداري بها حرجه الشديد من الموقف الذي تعرّض له ، وقال له بعبارات مرتبكة : " يبدو ان صاحبي وجد غريبه ، هل تصدّق أنّه كاد أن يتورّط فيّ ؟ ، قال لي بأنّه عرفني من مشيتي ، وسألني إن كنت أريد أن أبكي ، وقال أنّه يعرف أهلاً شاغريـ ...

ولم ينتشله من ماء حلمه إلا صوت المضيفة الّتي نبّهته من غفوته ، وطلبت منه تعديل ظهر المقعد ، وتثبيت الحزام استعداداً للهبوط ، وكذلك فعلت مع الجالس في المقعد المجاور والذي ما أن أفاق والتقت عيناهما حتّى تبادلا ابتسامة متكلفّة باهتة ، ابتسامة لا يتبادلها عادة إلا مسافران جالسان في مقعدين متجاورين ، كانا نائمين خلال رحلة مغادرة !





.
.