العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ المدينة الحالمة ⊰

⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-02-2021, 01:13 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
عضو أكاديميّة الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عبدالرحيم التدلاوي غير متواجد حالياً


افتراضي بانتا غرويل


بانتغرويل


لم أكن أعلم أن رائحة الطعام قد تحيي الموتى إلا من خلال هذا الكائن العجيب المتمدد على الفراش أغلب الأوقات وكأنه في سفرته الأخيرة، فحين يشم الرائحة يستوي جالسا ينتظر بشغف المحبين قدوم الأطباق وقد حاصر المائدة بجسده الطويل والعريض وخنقها ببطنه العظيمة، يستقبل الصحون بشهية مفتوحة غير عابئ بغسل اليدين، رغم أن أصابعه قد تحركت في مختلف بقاع جسده المتضور جوعا باستمرار. ينظر إلى الأطباق نظرة النهم، ويبدأ في تحسس الطعام، يبحث عن الأكثر سمنة والأكثر نفوذا لأنفه الذي يستشعر حلاوة الطعام قبل تذوقه، يسحبه لنفسه، ثم يقوم بعملية الالتهام غير عابئ بمن هو غائب، المهم، أن يشبع جوعه ولا يهمه التأني في الاكل، والمضغ ببطء، يلتهم كل الأنواع الشهية بسرعة غريبة، حتى لتظنه عاش جوعا تاريخيا لا يمكن إشباعه ولو ملئت المائدة بكل خيرات الأرض. والحق أنه عاش حرمانا سبب له جوعا خرافيا يستحيل إشباعه؛ يلتهم كل الطعام، ضاربا عرض الحائط بنصائح الأطباء غير المجدية يتجشأ عليها بصوت صارخ ومنفر، يأكل الثمر ويشرب الحريرة ويتذوق الفطائر بكل أنواعها، ويشرب عصير البرتقال وعصير الأفوكادو، وعصير الرمان، ثم يتبعها بأكل "الزميتة" ويشرب القهوة وبعدها مباشرة الشاي، معدته مهيأة لكل المتناقضات، والتحاليل التي يجريها تثبت أنه في صحة جيدة، وأن آلات طحنه الخارجية ومواعينه الداخلية سليمة هو الذي تجاوز الستين بسنوات.
يحب اللحم المطبوخ والنيء معا حبا جما، يلتهمهما بيسر ودفعة واحدة، يأكل ما توفره الأطباق، ويأكل لحم الناس؛ فلا أحد بمنجاة من غيبته، وحتى إن بدا لك أنه يذم السلطة، ويعبر عن رفضه لسياساتها المتبعة، فلا تصدقه؛ فالأفعال معدن الرجال، أما الأقوال، فالكل يتفوق في جعل نفسه زعيما أو قديسا.
الحق أن الرجل يمتلك قدرات على التهام الطعام لا تضاهى، لا يجاريه فيها سوى شوبنهاور، لكن الاختلاف أن شوبنهاور يأكل بشراهة ليضفي على العالم معنى، في حين إن الرجل يلتهم الطعام ليملأ شقوق نفسه، ويبعد شبح اللامعنى الذي يرتاع في حقول ذاته الفارغة من أي معنى. سرعان ما يشعر بهذا الفراغ حين يفرغ ما بأحشائه ليعود إلى التهام الطعام من جديد في دروة جهنمية لا تنتهي، لم يقف مليا أمام سؤال اللاجدوي، وغياب المعنى عن حياته، باحثا مستقصيا؛ فالسؤال منغص، ما يهمه هو الأجوبة الجاهزة كما الطعام الجاهز واللباس الجاهز، والأفكار المطروحة في الطريق، إذ يتعمد إظهار نفسه وهو في المقهى أنه مهتم بما يجري حوله، فتراه منكبا على الجرائد يلتهمها، لكنه يعرض عن الصفحات الثقافية التي توجع رأسه، يصب اهتمامه على حوادث الإجرام والفضائح ليملأ بها جوفه حتى إذا جمعه مجلس أظهر معرفة بالوقائع لكنه لا يعمل سوى على تقيؤ ما قرأه ببعض الزيادات هي بمثابة بهارات خاصة تبعده عن التكرار أقصد: إخفاء مراجعه، فلديه مخيلة على اختلاق الزيادات رهيبة. كثيرا ما نفرني من قراءة الصحف بحضرته، يتعمد سرد ما قرأه علي حتى يظهر لي تمكنه، وأنا أدرك أنه لا يغربل الأحداث، ولا تستوقفه مجريات السياسة والأبعاد الثقافة في حياة الإنسان؛ أدرك مخاصمته للكتاب كما عداوته للسؤال. آه لو أدرك مغزى قول شوبنهاور: لولا الكتب في هذه الدنيا لوقعت منذ زمن طويل فريسة لليأس. وأنى له ذلك وهو يمج الفكر، ويعادي المكتبات، يراها بنايات فارغة لا تصلح لشيء بل تفسد الناس وتصرفهم عن شؤونهم الخاصة.. يفتخر بكونه هدم بعض المكتبات وبنى على أنقاضها مقاه، وأنه في فترة التشريعية ساهم في إلاق كثير من دور الشباب، وعرقل ميزانية المسارح، وأضعف مساهمة الدولة في ترويج الكتاب...
يبهرك حين تراه، بجثته الضخمة، ولباسه الأنيق، لكن حين تعاشره ستدرك، وبسرعة خواءه، هو نموذج حي "لأعجاز نخل خاوية". فشهوته للطعام لا تسمح له بتنظيف يديه، يلعق الإدام السائل من هما، وبكم جلبابه الإدام السائل من فمه.. رؤيته لمحتويات الأطباق تجعله في مصاف النسور التي ترى جيدا أين مكمن الجيد فيمد يده إليه غير عابئ بنصيحة كل مما يليك. ما بالصحون ملكه. إذا دعوته أكل كمن ينتقم، وإذا حدث ودعاك، رشقك بنظراته وهمهماته حتى يفرمل أكلك، ويحثك على النهوض بسرعة وفي بطنك كثير من الجوع، يصدق فيه قول شوبنهاور: أقصى أهداف الحاسد زوال نعمة المحسود. وفعلا، حاجباه المقرونان يعبران عن هذا السلوك، وعليك لحماية نفسك من سهامهما أن تقرأ المعوذتين، وتبسمل، وتطلب اللطيف خفية، ثم تغمس خبزك في مرقه..
بعد الأكل يعود إلى استلقائه الوثير، يغط، وبسرعة عجيبة، في نوم عميق، فيتعالى شخيره، ويقوى ضراطه.
لقد تمت عملية الشحن، وتم ملء نفسه التي تشعر بفراغ مهول، وبتفاهتها الوجودية، تأتي الأحلام الجميلة، فبعكس المعروف، لا تحضره الكوابيس بتاتا، ينعم في بحر وردي، لا يستيقظ إلا لطعام أو مرحاض. انحصرت دائرة حياته في أثافي ثلاث، غرفة الطعام، والمطبخ والمرحاض، وحياته مقيدة بالملء والإفراغ.







  رد مع اقتباس
/
قديم 08-02-2021, 01:26 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
عضو أكاديميّة الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عبدالرحيم التدلاوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بانتا غرويل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
مرحبا عبد الرحيم المبدع.
لعمق النص وكثرة زواياه.
(تثبيت)
ترحب بك الجنة خي سي جمال
شكرا لك على اهتمامك وتشجيعك.
تقديري.






  رد مع اقتباس
/
قديم 10-02-2021, 01:30 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
عضو أكاديميّة الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عبدالرحيم التدلاوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بانتا غرويل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
العنوان يحيلنا الى مقارنة ما..لكننا لسنا بصددها.
... لكن مساحة السخرية والعبث والمطامع والملذات والمتع والاستهانة ووجود غرفة الطعام والمطبخ والمرحاض كأسس حياتية لاقبلها ولا بعدها تنحصر فيها حياة هذا المنكود،،، انها لشئ مدهش..
مودتى ياالتدلاوى
أخي جمال:
سعيد باستحسانك، وبقراءتك العميقة التي لامست أهم قضايا النص، وركزت على بلادة وبلاهة هذا النوع من الكائنات.
شكرا لك.
بوركت.
تقديري.






  رد مع اقتباس
/
قديم 12-02-2021, 12:51 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
عضو أكاديميّة الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
المغرب
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


عبدالرحيم التدلاوي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بانتا غرويل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم شحدة مشاهدة المشاركة
مرحبا اخي الحبيب عبد الرحيم ..
تقوم القصةالسردية وغير السردية اساسا على الحدث فهو مُشغِّل الحكاية به تبتدي وتنتهي ؟ ..
الوصف في القصة مهم ايضا به يدخل القارئ الى الامكنة والشخوص فبالقدر الذي يكون فيه الوصف عميقا ودقيقا بالقدر الذي يتماهى به القارى مع الحكاية كانه داخلها .. ولكنك وصفت ونسيت الحكاية ...
فهذا العملاق الهلباجة الفدم الاكول النمام السطحي الذي لا يشبه شوبنهاور في شيء لم تقل لنا حكايته مع الكذا ... او حصل معه كذا .. وانتهى الى كذا ؟ .. حتى شوبنهور والفونسو رابليه / والذي اشكرك طبعا لانك عرفتني به .. لم يفيدا النص في شيء .. باستثناء العنوان الذي ربما يحيل الى القذارة والهمجية / لست متاكدا ؟
اما أتفه شوبنهور عندنا وعندكم في الحارة فيعلم بفائدة الكتب وبغاية الحاسد من المحسود / فما الغاية من حشر عمنا شو ثلاث مرات في النص ؟ الجواب عندكم اكيد . كما لم يعجبني تدخلك ككاتب في الضغط على ذهن القارى لتاكيد بشاعة الفدم الاكول .
اعتقد ان النص يصلح كمقال مع تعديل بسيط طبعا .. بعنوان صفات الاحمق او بنفس العنوان بمشي الحال .
نسيت الاثفية الرابعة اخي عبد الرحيم وهي الاهم والاثقل في ميزان تفاهته/ الجنس فهو الآخر شفط ولهط وتفريغ ؟
محبتي الكبيرة
صديقي إبراهيم:
شكرا لك على قراءتك النقدية الطيبة.
هناك اللاحكاية على غرار الرواية الجديدة التي صارت تقليدية، والإعتماد على الوصف هو الفاعل المركزي، ويمكن تكوين حكاية انطلاقا من تصرفاته، وما يقوم به وما يعكس شخصيته.
أما عن الجنس فقد بلغ من العمر عتيا.
تحياتي.






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط