لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
26-11-2008, 11:24 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
أياد ملطخة
أياد ملطخة كان ذلك مساء أحد أيام كانون الثاني ، أول العقد الأول من القرن الأول من الألفية الثالثة ، وكان جو الغرفة دافئا بفعل النار المتقدة التي تزيد حرارتها عن مقاسات الغرفة الصغيرة ، ورغم البرد القارص الذي يهاجم الناس في الخارج ، ويتربص بمن يلوذون داخل بيوتهم وبدفء نيرانهم ، كانت أصوات قطرات مياه المطر، المنهمر من أبواب السماء المفتوحة على مصراعيها ، تطرق على السطح وعلى الجدران الخارجية ، فتصل إلى أُذُني ، وتمزق الهدوء الذي يسود جو الغرفة الصغيرة ، والدفء المنبعث في أوصالي والهدوء في أعصابي ، أنا بطبعي أحب الهدوء الممزوج بالدفء وأتضايق من أي تمزيق له ، حتى لو كان بفعل حبة برد بلورية بيضاء آتية من الفوق اللامحدود ، ورغم التجاوب المعلن لجسمي مع هذا الهدوء والبرد والمطر وضجيجه ، جاء أمين الصغير ، بحركاته الرشيقة وجسمه المرن كالخيزران وبحركاته الرياضية العجيبة والكبيرة بالنسبة لجسمه ولسنه ، جلس بجانبي فضممته إلى صدري وقبلت أطراف شعر رأسه واحتضنته بشدة أبثه دفء المشاعر ، فاستكان كما تستكين صغار العصافير إلى أجسام أمهاتها حين تنطوي تحت أجنحتها . قلبت محطة التلفزيون ، هربا من الأخبار التي تبعث الكآبة ، أبحث عن محطة تبث برامج للأطفال ، وكان "توم وجيري "فتهللت أسارير وجه أمين ، وضحك ضحكة كلها إحساس بالسعادة ، بقدر ما فيها من براءة، اعتدل في جلسته متحديا البرد وقال "بدي هذا"، وأصغى إصغاء كاملا إلى صوت البرنامج وصوره وأدار لي ظهره كأنني لم أحضنه أو أقبله ، تخيلت عينيه الباسمتين وهما تتبعان توم وجيري على الشاشة الصغيرة ، وأحسست بجسمه يتململ بحركات تجاري الحركة على الشاشة الصغيرة ، وبنبضات دمه تضج في عروقه، وذبذبة عضلاته تسابق الحركات البهلوانية ، فأخذت أعايشه وأتمنى لو أغوص في بحر أفكاره ، لأدرك ما يدور في رأسه ، وأحاول استكشاف سيناريوهات مستقبله المجهول ، لمعرفة ما ينتظره . وفجأة انتفض وكشف عن طفولته وحيويته الصاخبة وحركاته السريعة ، وتذكر أنني بجانبه ، فاستدار نحوي يقطع حبل أفكاري الثقيلة بصوته الناعم الذي انساب في أذني انسياب النسمة الرقيقة في ليالي الصيف الصافية ، أنعشني صوته وأحسست بالراحة والانفراج في عتمة هذا الزمن ، ليقول لي " بدي أغيرها " يقصد تغيير المحطة، استجبت لطلبه وأخذت أقلب صفحات المحطات على الشاشة الصغيرة حتى ، طالعتني صورة فتاة لا يتجاوز عمرها الأثنتي عشرة سنة تتهادى بسذاجة ظبية حين ترفع عنقها، كأنها ترى الدنيا عشبا أخضر وماء صافيا ، تمسك بيدها خيطا مربوطا بطيارة ورقية من أربعة ألوان ،ألأخضر والأحمر والأبيض والأسود ، تنتقل من مكان لآخر بهدوء أحيانا ، وبسرعة أحيانا أخرى ، تكاد تطير من الفرح مع طيارتها ، فأحسست أن أمين الصغير يكاد يطير من الفرح لفرحها ، ويعيش معها ومع طيارتها يميل إذا مالت ، ويتحرك اذا تحركت ، ويركض في فراغ الغرفة الصغيرة إن هي ركضت ، وظل هكذا الى أن ظهرت فجأة طائرة كبيرة وسريعة ، وانقضت على الفتاة الصغيرة وقصفتها كما تقصف الدبابات أو القلاع الحصينة بصاروخ ، لمع كالبرق ، ودوى كالرعد ، فأطار الحجارة من أماكنها وأثار غبارا كثيفا حجب الرؤية.... وعندما ابتعدت الطائرة ولحق بها صوتها وأخذ كل شيء يهدأ ، فتش أمين عن الفتاة بعينيه وبكل تعابير جسمه ، ولما لم يجدها ، سألني عنها بصوت مبحوح وحنجرة مغلظة وصدر يعلو ويهبط فأجبته "قتلتها الطائرة الكبيرة " ترقرقت الدموع في عينيه ، وضغط على الضابط بعصبية الكبار ، وبغضب المقهورين ، كأنه يريد تحطيمه . وهدأ كل شيء التلفزيون وأنا وأمين الصغير ، وببراءة الأطفال وبتلقائية رمى نفسه في حضني وانكمش ، ولم يعد يطالبني بشيء ، كأنما سدت نفسه عن المرح ، وازداد التصاقا بي ، كأنه يريد أن يحتمي أو يهرب من أي صوت ، حتى لو كان صوت غسالة ، ولم يعد ينطق بحرف ، كأن لسانه انعقد وجسمه تجمد ، فأخذته إلى صدري واحتضنته وقبلته ، فاستكان في حضني ، استكانة الطيور عند المبيت ، وسرعان ما غاص بنوم عميق ........................................ ........................................................................................................................ ................. بعد أيام ، كوفئ الطيار على "بطولته " ، وبعد سنتين عين قائدا عاما للجيش ، وعندما سرح عين وزيرا للعدل ، وصار يتكلم كثيرا عن الأيدي الملطخة بالدم . |
|||
27-11-2008, 01:48 AM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
مشاركة: أياد ملطخة
السلام عليكم
الأديب الكريم أمين خير الدين وكأن النص لا ينتمي للمدرسة الواقعية وحسب..بل إلى الواقع المحض.. " أمين " هو الطفل الذي تبهظه أحداث العالم المتناقضة ..والطفلة القتيلة هي " ضحية " الإرهاب في كل مكان.. و قائد الطائرة...مستنسخ بشع للمجرمين الذين يحللون قتل الأبرياء ويحضون عليه..ويقتلون على الإسم والهوية والمذهب! ويبقى... مهما امتد زمان الظلم والزيف والعبارات الجوفاء..ومهما استطالت أعناق النفاق..فإن للدنيا يوم أبلج سيشرق حتما.. أحسنتم |
||||
03-12-2008, 11:56 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
مشاركة: أياد ملطخة
أمين....
فعلاً...أغلب من يدعي زكاوة النفس ممن داسوا كثيراً على الأعناق...وأغلب من وصلوا إلي هناك قد لاكو حياة أخرى....ليظهروا بنفاق أنيق أمامنا.. آلمتني..وانكمشت كأمين...أهدء نفسي بماذا لو...!! |
|||
04-12-2008, 04:09 PM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
مشاركة: أياد ملطخة
الأخت الكريمة
الأديبة نسيم الحبيب أولا: تحية معطرة بعطر سنديان الجليل وزيتونه مزودة بالشكر لمرورك على النص تألق بهذا المرور ثانيا: لست خياليا ولا أكتب بوحي من خيالي، إنما حين يهزني جرح هنا أو ظلم يقع على أبناء شعبي أعمل من الحبة قبة متواضعة، لا تدعو إلى الزيارات، والنذور، وحرق البخور أبطال القصة شبه واقعيين لا أنكر ولن أنكر قصدت ذلك ومع سبق الإصرار تحية لك وشكرا |
|||
04-12-2008, 04:12 PM | رقم المشاركة : 5 | |||
|
مشاركة: أياد ملطخة
جلال مرايات الكريم
مرورك على القصة اضاء سطورها وكلماتك القليلة قالت الكثير فألف شكر لك وألف تحية |
|||
04-12-2008, 04:18 PM | رقم المشاركة : 6 | |||
|
مشاركة: أياد ملطخة
الأخت نهله محمد
تحية أترين إلى أين وصل الإنسان !!؟؟ "أغلب من يدعي الزكاة داسوا كثيرا من الأعناق.." وكل ( وليس أغلب) من عندنا يدعي العدالة، ويطالب بنظافة الأيدي في حين، بحور الدنيا وصابونها لا تستطيع تنظيف أياديه الملطخة بدماء الأطفال الأبرياء، فقط! |
|||
05-12-2008, 01:17 PM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
مشاركة: أياد ملطخة
، وصار يتكلم كثيرا عن الأيدي الملطخة بالدم .
لغة وصفية جميلة ووصف متقن لتفاصيل تتعلق بزمكنة القصة ومن ثم انفراد وتفرد في علاج المشهد الرئيس والفكرة الرئيس من خلال لغة متقنة وتشويق صاحبنا ونحن نقرأ مرحى بك وبهكذا ابداع كل الود |
||||
04-02-2009, 12:04 AM | رقم المشاركة : 8 | |||
|
مشاركة: أياد ملطخة
[QUOTE=زياد السعودي;176266]، وصار يتكلم كثيرا عن الأيدي الملطخة بالدم .
لغة وصفية جميلة ووصف متقن لتفاصيل تتعلق بزمكنة القصة ومن ثم انفراد وتفرد في علاج المشهد الرئيس والفكرة الرئيس من خلال لغة متقنة وتشويق صاحبنا ونحن نقرأ مرحى بك وبهكذا ابداع كل الود العميد الكريم زياد السعودي
أرجو أن تقبل اعتذاري على تأخري غير المشفوع له يشرفني دائما مروركم وتعقيبكم ويكلل نصوصي بإكليل الشرف والرفعة والافتخار شكرا لك على مرورك وعلى قبولك لاعتذاري وانت الكريم كل الود |
|||
14-02-2009, 11:50 AM | رقم المشاركة : 9 | ||||||||||||
|
مشاركة: أياد ملطخة
|
||||||||||||
30-05-2009, 10:44 AM | رقم المشاركة : 10 | ||||||||||||||||||||||||||||||
|
رد: مشاركة: أياد ملطخة
اقتباس:
<TABLE cellSpacing=0 cellPadding=6 width="100%" border=0><TBODY><TR><TD class=alt2 style="BORDER-RIGHT: 1px inset; BORDER-TOP: 1px inset; BORDER-LEFT: 1px inset; BORDER-BOTTOM: 1px inset">المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الرحمن يحيى
</TD></TR></TBODY></TABLE>
|
||||||||||||||||||||||||||||||
30-05-2009, 01:53 PM | رقم المشاركة : 11 | ||||
|
رد: أياد ملطخة
تحية لروحك السامقة
اسهمت في العلاقة التشاركية بين الناص والنص والمتلقي صاحب النص قادر على اعادته للذاكرة .. فكثير ود ********* |
||||
30-05-2009, 02:46 PM | رقم المشاركة : 12 | |||
|
رد: أياد ملطخة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعـودي تحية لروحك السامقة اسهمت في العلاقة التشاركية بين الناص والنص والمتلقي صاحب النص قادر على اعادته للذاكرة .. فكثير ود ********* سيادة العميد زياد السعودي
شكرا لسيادتكم على هذه اللفتة الكريمة وهذا المرور الكريم إني على يقين بأن العلاقة بين الناص والنص والمتلقي تبعث الحياة من ركودها لدى الجميع شكرا وتحياتي ومودتي |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|