لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
24-11-2011, 08:20 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هذيان من وحي موت....
لا تتركوا العصافير وحيدة بأقفاصها.
الرقم الذي ظهر أمامي لم يكن معروفاً لديّ، وإن كانت عادتي أنني أنسى بطبيعتي تخزين الأرقام، ترددت قليلاً ثم أجبت. كان الصوت بعيداً، يأتي من حنجرة مخنوقة، ورائحة الدمع تفوح من الكلمات التي جاءت غير واضحة. أغلق الخط، انتهت المكالمة سريعاً، ولم يعلق برأسي غير أن صديقاً افتقده منذ فترة يريدني أن أذهب إليه، فهو في السجن، ومرت ليلتي كئيبة، كيف يكون صديقي خلف القضبان وأنا أنعم بالتمدد على سريري. في صباح اليوم التالي استقليت سيارة وتوجهت إلى السجن الذي حدده صديقي.ما كان يفصلنا هو لوح زجاجي وهاتف أمامي وهاتف أمامه، رفعت سماعة الهاتف، وما أن قلت له: كيف أنت؟ حتى انهار بالبكاء والبوح بكلمات لم أفهمها بسبب حشرجة في جوفه وتشويش يأتي بسبب رداءة الهاتف الموضوع، كان بإمكاني أن أسمع كلمات تأتي من غيره وبكاءً يأتي من بعيد، ورغم كل هذا حاولت أن أبدو متفهماً لكل ما يقول. تركت له بعض الدنانير بعد أن ودعته وأنا أعده بأن أوكل له محامي دفاع يخرجه من ورطته سريعاً، وتذكرت أنه طلب مني أن أذهب إلى غرفته، وكان مفتاح الغرفة في أمانات السجن، لذلك كان علي أن أقوم بتقديم طلب إلى مدير السجن من أجل الحصول على المفتاح، كنت أظنه أمراً سهلاً، ولكن لو كنت أردت طلباً بإخلاء سبيله لكان الأمر أسهل. في اليوم التالي كنت أصعد السلم الطويل وأنا ألهث، وأمنّي نفسي أن تنتهي هذه الرحلة الطويلة، وأخيراً وجدت نفسي أمام غرفة على سطح مبنى يغازل الغيم، فتحت الغرفة وبدأت بعمل ما طلبه مني، شعرت بألم شديد؛ كيف لرجل بهذا العمر أن يكون وحده في غرفة وحيدة؟! فراش رقيق، ووسائد تشتكي الحنين، أغطية بلا غطاء، وكتب مبعثرة، ورائحة الذكريات تثير حساسية من لم يعرف الحس من قبل. كنت أسأل نفسي: هل قال لي شيئاً لا أتذكره، درت في الغرفة غيرَ مرة، لم أعثر على ما يذكرني بشيء آخر.قررت الرحيل وأنا أشعر بحزن شديد، ورغبة بالقفز من المبنى بسبب القهر وتجنباً لنزول الدرج، (أن تنزل ذلك الدرج أشد ألماً وأكثر تعباً من الصعود)، ومع ذلك اضطرني الحال لنزول الدرج،وصلت الشارع وأنا أشتهي لو أني أغفو لألف عام، أو أكون قطرات في رحلة تركب ظهر الغمام، علني أسقط في أرض بعيدة، أتودد إلى تراب جديد، ويحلو المقام، لكنها أحلام، وكذلك ستموت أحلاماً. تناقشت بالسعر مع غير محام، اختلفنا، واتفقنا، ثم لم نتفق، أكثر ما أثار دهشتي أن لكل محام سعره الخاص، مع محاولة بعضهم إقناعي بأن سبب الاختلاف عائد إلى الجودة في العمل!! فرق شاسع في الأسعار، ذكرني بكشفية(طبيب البلدة كلها) الدكتور دامر، غفر الله تعالى له ورحمه، وكشفية الأخصائي الذي كان يخلق للمريض مرضاً جديداً بسبب ارتفاع كشفيته، يا الله عفوك، هل أنا بين الحسبة المركزية وأحد( مولات) عمان الأنيقة؟! انتهى الأمر بأن وجدت من يعمل من أجل سد حوائجه في الدنيا ورضاء الله تعالى. كم كان الأمر مختلفاً، ليس بالسعر فحسب، إنما في الأخلاق والوفاء والإحساس مما تعاني، والجودة أيضا!! الرقم نفسه نزل على شاشة هاتفي، وتذكرت أنني نسيت تخزينه، تماماً كما يحصل معي كل مرة، كانت الكلمات سريعة متقطعة، مثل ذاكرة هرمة لا تنقل المشاهد كاملة، وتتداخل ببعضها، لكنني لمحت من بين الكلمات ما يشبه صوت التغريد:هل أطعمت العصافير؟ هل أطعمت العصافير؟ أغلق الخط وانتهت المكالمة وما زال الصوت يأتي كومض وجع الضرس، هل أطعمت العصافير؟ وكأنها: هل أطلقت العصافير، أطعمت أم أطلقت؟! قمت مفزوعاً من فراشي، وأنهيت على درج البيت لباسي، والهاتف على أذني أقول لمن تعودت أن أطلبه في كل أمر حرج: الآن، عليك أن تحضر الآن! وما هي إلا دقائق قليلة حتى كان السائق يقف بسيارته أمام البيت وهو يقول: (خير إن شاء الله ). قلت له: انطلق إلى ذلك المبنى اللعين، وحاول أن تسرع! صعدت الدرج المتكئ على بعضه بعضاً بسرعة الخيال،كدت أن أسقط غيرَ مرة، ألهث، وأتابع، وصلت فتحت الغرفة لم يكن بها أي كائن حي سوى بعض الصراصير المتكرشة والناموس المنتفخ، وذباب يشعر بالغثيان، خرجت من الغرفة درت حولها ومن الجهة الشرقية، وجدت سبعة أقفاص وضعت فوق بعضها بعضاً، كلها فارغة إلا واحداً في الوسط، اقتربت أكثر، فإذا بعصفور وحيد ينام على ظهره فاتحاً جناحيه وكأنه يريد أن يطير، لم يكن في علبة الماء ماء، وعلبة غذائه فارغة إلا من بعض القشور، مددت يدي صرخت بوجهه: أفق أيها الصغير، لا تمت أيها العصفور.لكنه لم يكن يسمعني وقد تيبس جسمه الطري، صرخت بأعلى صوتي، وبكيت وكأنني لم أبكِ من قبل، لماذا لم يأتِ الصوت واضحاً منذ المرة الأولى؟لماذا لا تنتبه الذاكرة؟ولماذا تترك العصافير بالأقفاص وحيدة؟ ثم بكيت للمرة الأخيرة وأنا أمعن بلون العصفور الذي تلون بكل لون من الذاكرة الأولى. وركضت مسرعاً، وقفزت من فوق المبنى!!! |
|||
24-11-2011, 05:01 PM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
السلام عليكم
المبدع بدوي قصة موجعة مؤلمة بكل التفاصيل ربما السجن أرحم من السجن الكبير الذي نحيا به والله قصة تستحق القراءة واعادة القراءة تحية لقلمك الارقي |
|||
25-11-2011, 02:01 AM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
سلام الله عليك أخي المبدع محمد بديوي
كم عصفور بات بقفص من هواء وكم حر ملّ قيدا خنقه وما منه مفرّ...!! أتدري أنني هذه المرة ما قرأت إلا أسطرا معدودة فالمآقي لم يعد بها كثير متسع لدمع ولم تعد النفس قادرة على احتمال رائحة الموت هذا الموت الذي قرأته لك مرتين وأوجعني في المرتين سعدت بوجودك هنا قرب أختك... |
|||
25-11-2011, 02:20 AM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الاديب الجميل الرائع محمد
الحمد لله انك بخير كلمات رائعة قلم نبيل بوركت سيدي جمعتكم بركة |
|||
25-11-2011, 12:46 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
المبدع الرائع محمد مرحبا بك وبجديدك المائز الباهر الذي جعلنا فاغري الأفواه، نص جدير بأن نقرأه أكثر من مرة لا أ ستطيع ألأ أثبت هذا الجمال المعجون بالواقع المرّ جدا تحياتي |
||||
27-11-2011, 08:58 PM | رقم المشاركة : 6 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
حضرة الأديب امُبدِع أحمد البديوي، قصّة عميقة المعنى تأخذنا بِرحلة إلى أعماق النّفس حيث البهجة و الألم المرير. نعم، إنّها النّفس التي خلقها الله عز و جلّ و سلّمنا إيّاها أمانة لكي نتفاعل مع جميع مخلوقاتِه بالتّعاون اللامحدود بالإنسانيّة و المحبّة. |
|||
06-12-2011, 12:27 PM | رقم المشاركة : 7 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
اتقان في السرد وعمق في الابداع وجمالية في اللغة
والفكرة حزينة وقد تلاءمت بضدية وايضا جميلة ما بين النحت وعمق الفكرة كم غريب ان نحب الحزن في الكتابة حين تبدعه الاقلام الجادة والعميقة مثلك سيدي تقديري
|
||||
06-12-2011, 09:10 PM | رقم المشاركة : 8 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
أخي الرائع
ما أروع حرفكـ وجمال كلماتكـ الراقية ، أفكاركـ تتسق مع ديناميكية الحكي داخل النص، وقدراتكـ سخرتها بجمال بين اللغة الفنية واللغة العربية، أسعدتني قصتكـ الحزينة، دمت مبدعا رائعا مودتي وباقات من جمال الروح د/ ثروت عكاشة السنوسي مصــــــــــــــــــــــــــر |
|||
20-12-2011, 08:15 PM | رقم المشاركة : 9 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
تمكن جميل
بادوات القص الناجح يمسك البديوي بتلابيبها فيرسم حين يكتب بوركت وخطك الدرامي البديع |
||||
26-12-2011, 03:46 AM | رقم المشاركة : 10 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
السلام عليكم
الأديب القدير محمد البديوي سرد متقن يمكن المتلقي من العيش في تفاصيل النص ، و الإحساس بالمرارة المنبثقة من الأحداث المصاغة بطريقة سردية مستفزة للمشاعر لتحقق الهدف المطلوب من النص. منذ متابعتي لهذه السلسلة الغنية من ( هذيان ) الأستاذ محمد البديوي عرفت أني أمام قلم سردي ذكي في التقاط أوجاع الإنسان ، ومحسن في صياغتها بقالب قصصي حيوي مائج بالحدث المناسب . خالص التقدير. |
||||
26-12-2011, 06:53 AM | رقم المشاركة : 11 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الاديب الراقي الاستاذ البديوي
سلام الله يا اديبنا ... اسلوب قصصي تقليدي...غير ان فيض العواطف كان واضحا والتمكن من السرد ايضا كان جليا لعله في سجنه شعر بمعنى الحرية الحقيقي....كنت أتمنى لو تردد الصوت( اطلق العصفور) بدلا من (اطعم العصفور).... ففي سجنه شعر بمدى قسوة القضبان......وليس الجوع.... الاديب البديوي... شكرا لك على جرعة الحزن المسائية وأطلق الله أجنحتنا جميعا |
|||
06-01-2012, 09:42 PM | رقم المشاركة : 12 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
سرد راقي مغزول بقلم اثقله الوجع
نقش الكلمات بقطرات دمع نزفت من قلب ارهقه الحزن والألم ترسم مشاهد من الحياة بريشة من ذهب دمت مبدعاً اديبنا القدير محمد بديوي ودام نبضك ودّي ووردي أميرة الإحساس
|
||||
11-01-2012, 11:49 PM | رقم المشاركة : 13 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الى كل من مر وعلق ... او لم ... يعلق ...
شديد الاعتذار والاسف لعدم تمكني من الرد على الجميع في الوقت المناسب .. وذلك بسبب بعد مكان العمل وقلة الوقت .. راجيا ان تتقبلوا عذري وتسامحوا تقصيري مع احترامي وتقديري للجميع |
|||
11-01-2012, 11:55 PM | رقم المشاركة : 14 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
المبدعة الفاضلة
كامل ليندة لقد اورثونا الوجع ... ووطن بسياج مرتفع كلنا سجناء .. شكرا لك مرورك العطر وكلماتك الجميلة محبتي وتقديري |
|||
12-01-2012, 12:01 AM | رقم المشاركة : 15 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
المبدعة الفاضلة
د. نهلة الشقران اخيتي الكريمة .. موحش عالم اليوم تبحث فيه العصافير عن فسحة في الفضاء ... مع الاعتذار لمظفر النواب .... عالمنا موحش مقيت .. اتمنى لدمعتك ان لا تهبط الا بفرح ... شكرا لك كرم المرور .. وصدق الكلمة احترمي ومودتي |
|||
12-01-2012, 12:06 AM | رقم المشاركة : 16 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الفاضل الاديب
عبد العظيم الكاظمي شكرا لك نبل كلماتك ... وعمق كلماتك راجيا ان تمضي كل لحظاتك بخير احترامي وتقديري |
|||
12-01-2012, 12:15 AM | رقم المشاركة : 17 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الاديبة الفاضلة
روضة الفارسي مرحبا بك اخيتي لا زلت ارجو من الله تعالى فرصة اقدر من خلالها على اداء ما علي من دين لكم ... فما زال مروركم هو الاسخى وكلماتكم هي الارقى ,, واهتمامكم هو الاوفى... اخيتي العزيزة شكرا لك احترامي وتقديري |
|||
13-02-2012, 01:51 AM | رقم المشاركة : 18 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الفاضل الانيق
يوسف قبلان سلامة اسعدني تواجدكم هنا ومروكم الذي اشعل نفسي ودا شكرا جزيلا لك مودتي والاحترام |
|||
13-02-2012, 01:55 AM | رقم المشاركة : 19 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
المبدعة الفاضلة
فاطمة الزهراء العلوي لقد غذينا بالحزن حتى صار لغة ... بوحا ... وغناءا .... وما جديتنا الا من وارف اهتمامك ودفء حضوركم ... شكرا لك سيدتي مودتي وكل التقدير |
|||
13-02-2012, 02:00 AM | رقم المشاركة : 20 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الفاضلة المبدعة الكريمة
د. ثروت عكاشة السنوسي كذلك اسعدني مروركم البهي وكلماتك الدافئة ولكم ادهشني هذا الاهتمام وهذه العذوبة شكرا جزيلا لكم مودتي وكل الاحترام |
|||
13-02-2012, 02:06 AM | رقم المشاركة : 21 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
الفاضل الانيق والمبدع الرقيق
العميد زياد السعودي هذه شهادة ترتقي بها روحي ... وسابقى ارددها ما حييت على نفسي وقلبي ... انه وسام اعتز بان يميز صدري ..... شكرا جزيلا لكم سيدي مودتي وكل التقدير |
|||
13-02-2012, 02:10 AM | رقم المشاركة : 22 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
المبدع الدافئ
سالم رزقي مساء النور .. والياسمين ... وعبق الرياحين وانا من خلال حضورك واعجابك اسجل هنا فرحي العميق بمروركم واهتمامكم شكرا لك مودتي ومحبتي |
|||
06-07-2013, 11:03 AM | رقم المشاركة : 23 | ||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
هذيان من وحي موت....
سنتابع هذيانك هنا من جديد بكل تأكيد مرور أول ولي عودة إن بقي لنا عمر نعيشه في هذه الحياة مبارك عليك رمضان تحيتي والتقدير
|
||||
23-07-2013, 10:04 AM | رقم المشاركة : 24 | |||||
|
رد: هذيان من وحي موت....
اقتباس:
الجميل المبدع خالد يوسف ابو طماعه كم اسعدتني هذه اللفتة الطيبة والجميلة شكرا جزيلا لك هذا الاهتمام مودتي والتقدير
|
|||||
23-07-2013, 12:04 PM | رقم المشاركة : 25 | |||
|
رد: هذيان من وحي موت....
|
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|