قراءة ونقد في قصيدة : " آخر المريمات " لفائز الحداد - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: إخــفاق (آخر رد :أحلام المصري)       :: ثلاثون فجرا 1445ه‍ 🌤🏜 (آخر رد :راحيل الأيسر)       :: الا يا غزّ اشتاقك (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الأزهر يتحدث :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الادب والمجتمع (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: مقدّّس يكنس المدّنس (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :عبدالماجد موسى)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-04-2015, 09:56 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
طالب هاشم الدراجي
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية طالب هاشم الدراجي

افتراضي قراءة ونقد في قصيدة : " آخر المريمات " لفائز الحداد

قراءة ونقد في قصيدة : " آخر المريمات " لفائز الحداد
.......................
آخر المريمات
- إليك طبعا -
كنتُ ..
على شفتيك ِ ، هلالاً فاغر الوجد
وفضيض رحيق الشعر ، نحلة تسألني :
عن خليَّتي الداميه !؟
انشدهتُ ، متوفِّزا .. مبحرا بالأتون !!
فتهجَّيت كالرسل حروف اسمك ِ المدهشة ..
تعويذة !؟
وخمرتي تتلظى أرقاً بموقد أنفاسكِ ..
يا التي .. حين كحَّل حبركِ جفن فائي ..
تساقط رضابي جداولا ، مصفِّقا لشجرة الكرم
مسبِّّحا .. لاختمار مائكِ بقبلة مؤجلة
لم أدرِ القهوة تغار فمك ِ ، المنزّل في أريج اللمى ..
وتكره بريق اللهاث بشفتي
لكنها .. خمرتي السماوية ، يا شجرة البن !
امرأة .. قبّلـت بسحر المريمات بابي
فشرينتني .. كخيط قزّ بشيلتها
وطرَّزتني أغان ٍ ، لأمنيات المرافئ
صرتُ كالجنح الحالم بريح جذبها :
أبتهل للضوء ، لتنالني نارها ..
نارها المصطفاة ، لأبلغ شأوها
ولهيبها المجوسي ، بهيبته ..
يهيل الجمر على جسدي جنات ..
تجري من تحتها القوارير
ستكبّر لي بوحيها :
"حيا على فاكهتي "
وأرتل لها دون وضوء ، بوذيا عنيد الرجاء !!
آآآآآآآآآآه ٍ..
كم شمعة عشق ستولد من فنار وهجها ؟
كم شلال ستتلو في مساقط الحلمتين ؟
كم من تحوف اللوز ، ستبيّض على شفرة الناب ..!؟
وكم مليون امرأة ستحشّد ، في مذاهب السجال ..؟؟
الآن ..
أعلنكِ عاصمتي العاصية على مغول الحب !!؟
فخذي بيدي ، دون مقاصل النساء ..
وامنحيني برتقالتكِ ، التي تغضب الفصول
فالرجال حطّابون مماليك .. يا شجرتي البتول
وآآآآآآآآهٍ ، ثانية ..
آه ٍ لكِ منكِ ، وبكِ إليكِ .. وإليّ فيكِ :
من نار لنار ، ومن كور لكور..
ومن شفة لناب
يا آنتي .. أنآنا ، أنا وأنت ِ
يا معسولة الدماء ، يا لذيذة الأذى
يا مغوليتي الهادئة
يا مليكة مماليكي ، في وحشية الجمال
ياحقولي المقصية المنال
ويا صوت النار ..
من أيِّ ماءٍ تتشرَّبين ، بالشهد المعاند
ومن أيِّّ مساربِ الحبِّ هطلت ِ، بنبوءة الناهدات
العمر جزاني ، بل جزّ سبيل خيطي
لطائرتكِ المحلِّقة
ها أنا أعترف بتاجكِ ..
وأنتِ تحلِّقين بنجمة الرمشين
لكنني نسيت حلمي عندكِ ليستوي
فسبيل مائكِ كأسي ، بألف فرات ونيل ..
وجدول ثغركِ .. خمرتي القاتلة !
.............................................
قصيدة (( آخر المريمات )) للشاعر فائز الحداد هي قصيدة انفعالية حسّية وجدانية , فلغة الشعر عند فائز الحداد لغة ثرية جدا وفارهة وفاخرة , ما سأقدمه هنا من دراسة أعتمد فيه النقد الأنطباعي , والسبب أن هذا النوع من الشعر ليس عادياً, لأنه أحتوى الغزل الطري الشفاف الأنفعالي الذي يؤجج الحواس ويثير أنفعالاتها , لذلك نجد أن أقدمَ منهجٍ للنقدِ ظهرَ في التاريخ قدْ كانَ المنهج الانطباعي أو التأثري , والنقد الانطباعي له ارتباط وثيق بالقيمة , لذلك فهذا النوع من النقدِ غيرَ مستقلٍ عنِ المدح أو الذم . وهذا النقد يقومُ به أناس اعتادوا بحكم طول مزاولتهم لقراءة الأدب وفنونه أن يتذوقوا ما يقرؤون ثم يحكموا له بالجودة أو الرداءة , ويقصد بالنقد التأثري هو النقد الذي تكون الدوافع الذاتية هي التي تتحكم فيه , ومن هذا المنطلق سأتناول النص وأتفرس فيه مُنتقياً فواصله فارزاً مكامنه مستخرجاً بواطنه فاتحاً مغاليقه .
وفي كلام واحد من كبار نقادنا القدماء وهو عبدالقادر الجرجاني الذي يُقِرُ بتأثير المشاعر في الأحكام الأدبية في قوله (( إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ , فيقول حلو رشيق , وحسن أنيق , وعذب سائغ , وخلوب رائع , فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف , وإلى ظاهر الوضع اللغوي , بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده , وفضل يقتدحه العقل من زناده .. )) من كتابه : أسرار البلاغة .
و يقول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في قوله في الشعر((الشعر لا يحبب إلى النفوس بالنظر والمحاجة , ولا يحلى في الصدور بالجدال والمقايسة , وإنما بعطفها عليه بالقبول والطلاوة , ويقربه منها الرونق والحلاوة , وقد يكون الشيء متقناً محكماً , ولا يكون حلواً مقبولاً , ويكون جيداً وثيقاً , وإن لم يكن لطيفاً رشيقاً . من كتابه : الوساطة بين المتنبي وخصومه ))
((آخر المريمات )) المريمات هي جمع مريم فلنرى لماذا يسمي الشاعر نساءُه بالمريمات ؟ أسم مريم في طبيعته الظاهرية هو أشارة الى السيدة العذراء مريم عليها السلام وهي رمز الشرف والعفة والطهارة والشرف , وهنا يخبرنا الشاعر ان نساءه لسنَّ نساء عاديات , لسنَّ كتلك النساء المتنقلات من عشقٍ الى آخر ؟ أنهُنَّ نساء مرنَ في حياته ولم يكتب له القدر خطاً للنجاح في علاقته معهُن , أي ان علاقته بهن كانت علاقة شريفة صالحة نقية , لذلك يصف حبيبته بالـ (مريم ) وهنا نحن نمر على آخر مريماته , سنكون مع النص نعيش نهاية عاشق قرر أعتزال العشق المريمي الأخير .
.
مقطوعة من النص :
- إليك طبعا -
كنتُ ..
على شفتيكِ ، هلالاً فاغر الوجد
وفضيض رحيق الشعر ، نحلة تسألني :
عن خليَّتي الداميه !؟
انشدهتُ ، متوفِّزا .. مبحرا بالأتون !!
فتهجَّيت كالرسل حروف اسمك ِ المدهشة ..
تعويذة !؟
وخمرتي تتلظى أرقاً بموقد أنفاسكِ ..
يا التي .. حين كحَّل حبركِ جفن فائي ..
تساقط رضابي جداولا ، مصفِّقا لشجرة الكرم
مسبِّحا .. لاختمار مائكِ بقبلة مؤجلة
لم أدرِ القهوة تغار فمكِ ، المنزّل في أريج اللمى ..
وتكره بريق اللهاث بشفتي
..............................................
- إليك طبعاً -
هنا التوكيد (( إليك )) يعطينا رغبة شديدة يوجهها الشاعر نحو مريمته , والغاية أنه لا يريد أن تتأول الأشارة الى جهة اخرى فنجد (( إليك طبعاً )) توكيد وأصرار على الأشارة .
أبتداءاً تغمرنا اللغة في هذا الشعر بكمٍ ونوعٍ جميل جداً, حيث نجد الشاعر متميزاً بلغته كأنها قاموس لغة , فيها من الفصاحة والبلاغة ما يطرب النفس (( وفضيض رحيق الشعر)) والفَضِيض : ما تناثر من الماء والبَرَد ونحوهما ((انشدهتُ ، متوفِّزا )) الأنشداه معناه إنشده الشَّخصُ : شُدِه ؛ تحيّر ودُهِش , ((متوفِّزا )) متهيأ له ((مبحرا بالأتون )) الأتون هو الموقد الكبير كموقد الحمَّام والجَصَّاص ((يا التي .. حين كحَّل حبركِ جفن فائي)) الـ ((فائي )) الفم وهذه كلمة اعتمدها الشاعر صوتياً كان ممكن كتابتها فمي / او فاهي / أو يكون يقصد بها حرف أسمه (فائز ) (( لم أدرِ القهوة تغار فمكِ ، المنزّل في أريج اللمى ..)) اللَّمَى : سُمرةٌ في الشَّفة تُستحسن.
في هذه المقطوعة النصية نلاحظ رتابة اللغة وجماليتها ولطف المفردات حيث يجعل الجُمل ذات علاقة صوتية قرائية , أيّ أنه (الشاعر ) يعتمد الأنثيالية والتدفقية في ترتيب لغته , وهذا من الفصاحة والبلاغة التي يعتمدها الشاعر , فبينما تتكفل فصاحته في جمال مفرداتها فأن بلاغته تتكفل في جمال معانيها , سأختار بعض المفردات التي تعكس في الجملة صوتاً لغوياً أيّ أنها كالموسيقا الشعرية /
(( هلالاً فاغر الوجد))/
((وفضيض رحيق الشعر)) /
((انشدهتُ ، متوفِّزا)) /
((وخمرتي تتلظى أرقاً )) /
((حين كحَّل حبركِ جفن فائي)) /
(( تساقط رضابي جداولا )) /
(( لاختمار مائكِ بقبلة مؤجلة)) /
((المنزّل في أريج اللمى)) /
((وتكره بريق اللهاث بشفتي)) /
صوراً شعريةً مركبةً ذات أيقاع موسيقي يوقع الألحان ويبيّنها من حيث اللغة لا الشعر ؟ فالموسيقا الشعرية هي وليدة الوزن والقافية في الشعر العمودي أو التفعيلة , أما عند الشاعر فائز الحداد فموسيقاه لغته ,التي يعزفها تركيباً متناسقاً يتبع فيه مخارج الصوت في مفرداته وجمله الشعرية , في مطالعة المقطوعة النصية هذه , نجد التشبيه والتجسيد والأستعارة عالية المضامين , حيث التشكل البنائي اللغوي ذا رتابة بديعة , تجعل القراءة منسجمة ذاتياً مع اللفظ , فالمتلقي هنا عندما يقرأ النص لا يمكنه أن يقرأهُ بسرعةٍ أو بقراءةٍ عابرةٍ ؟ والسبب لأن النص لا يمنح المتلقي ذلك ؟!! بل يجعله يقرأ النص بهدوء لأن مخارج اللفظات في هذه الكلمات غير مقننة , لاحظ مثلاً / القطع / والوقفة / والقفلة / والمدَّ / والفرز / كلها متسقة تضامنياً مع اللفظ والقراءة فتحرك اللسان وفهم المعنى , يعطيانا قراءة متأنية تجعل المتلقي يستعذب القراءة .
.
لكنها .. خمرتي السماوية ، يا شجرة البن !
امرأة .. قبّلـت بسحر المريمات بابي
فشرينتني .. كخيط قزّ بشيلتها
وطرَّزتني أغانٍ ، لأمنيات المرافئ
صرتُ كالجنح الحالم بريح جذبها :
أبتهل للضوء ، لتنالني نارها ..
نارها المصطفاة ، لأبلغ شأوها
ولهيبها المجوسي ، بهيبته ..
يهيل الجمر على جسدي جنات ..
تجري من تحتها القوارير
ستكبّر لي بوحيها :
"حيا على فاكهتي "
وأرتل لها دون وضوء ، بوذيا عنيد الرجاء !!
.
كثيراً ما نسمع هذه العبارة (للشاعر ما ليس لغيره ) نعم الشاعر هو خلّاق , بقول "سارتر" الشعر يستخدم اللغة , وهنا أشارة واضحة الى أن الشاعر مسموحاً له أبتكار مفردته التي تعكس قريحته نلاحظ مثلاً : ((فشرينتني .. كخيط قزّ بشيلتها )) كلمة /(( فشرينتني ))/ معناها حولتني شرياناً, ثم ينتقل إلى مفردة مشاكسة أكثر تخيلاً فيقول (( لأبلغ شأوها )) وهنا شأوها يعني مشتهاتها رغبتها , ويزيدنا نشوةً أكثر عندما يقول (( ولهيبها المجوسي ، بهيبته ..)) النار المجوسية هي تلك النار التي لا تنطفأ وتكون عظيمة , لأنها معبودة في زمن عبادة الفرس للنار فكانوا يعظمونها , فهو يخبرنا ان لهيب مريمته عظيم فيما يمنحه له من أثارة , ينتقل بعدها الى رغبته بزعزعة المعنى والتمرد عليه عندما يقول (( يهيل الجمر على جسدي جنات ..)) حيث تكون تلك الجمرات برودةً جميلةً لدرجة أنه يشبهها بالجنات , لأن سخونتها هي التي تؤجج نشوته ولذّته , ويستمر بدهشنا بتمرده عندما يقول ((تجري من تحتها القوارير)) أيّ بمعنى ان هذه مريمته هي الجنة الأم وكل النساء فروعاً منها فالقوارير هي النساء , ((ستكبّر لي بوحيها )) تشبيه فائق الروعة = (("حيا على فاكهتي ")) جمال هذا التشبيه يتعدى حدود الأبداع عندما ينتقل بنا إلى مستوى الأثارة , حيث تشعر أنك تعيش هذه النشوة الغزلية بكل حيثياتها وجمالها , ومن خلال التوسع في العبارة بتكثير الألفاظ بعضها ببعض وترتيبها , القدرة على التصرف في أساليب الكلام وهي عـدول عن المألوف إنها شعرية الـفعل و الحركة لدى الشاعر فائز الحداد ,فهذا التعبير على الجوانب الخفية يشكل الفجائية و الدهشة و الخرق للمألوف يحقق الجمال الفني , لتصبح صفة الشعرية تمتد إلى الأمور المجردة طوراً أو المحسوسة طوراً آخر و تقوم لذّة الحياة على تذوق الجمال و الاستمتاع به , وهذا ما يرسمه الشاعر ويجيد أستخدامه في لغته الجزلة التي تنساب عذوبة في الفاظها وقراءتها .
.
آآآآآآآآآآهٍ..
كم شمعة عشق ستولد من فنار وهجها ؟
كم شلال ستتلو في مساقط الحلمتين ؟
كم من تحوف اللوز ، ستبيّض على شفرة الناب ..!؟
وكم مليون امرأة ستحشّد ، في مذاهب السجال ..؟؟
الآن ..
أعلنكِ عاصمتي العاصية على مغول الحب !!؟
فخذي بيدي ، دون مقاصل النساء ..
وامنحيني برتقالتكِ ، التي تغضب الفصول
فالرجال حطّابون مماليك .. يا شجرتي البتول
وآآآآآآآآهٍ ، ثانية ..
آهٍ لكِ منكِ ، وبكِ إليكِ .. وإليّ فيكِ :
من نار لنار ، ومن كور لكور..
ومن شفة لناب
يا آنتي .. أنآنا ، أنا وأنتِ
يا معسولة الدماء ، يا لذيذة الأذى
يا مغوليتي الهادئة
يا مليكة مماليكي ، في وحشية الجمال
ياحقولي المقصية المنال
ويا صوت النار ..
.
هنا ينقلنا الشاعر فائز الحداد نقلةٌ نوعيةٌ صارخةٌ ضآجّة في بوحها مستصرخةٌ نشوتها , أنه تمرد حسّي كبير معبّر , غزل فائق الدهشة كل متلقي سيجد صوته في هذا الصوت أن كان عاشقاً , سيجد عزاء أشواقه المتلهفة , صورٌ شعريةٌ مركبةٌ مبهرة , ذات توهج دلالي ذاتي , معاني متشظية تعكس أضطرابَ روحي ينصهرُ في الذات ويذوب , في هذا النص نستحضر أنفعالية "نزار قباني " عندما ينصهر ذوباناً في غزله , وعند فائز الحداد تتفجر حواسّهُ ينابيعاً من الانفعالاتِ الحسّيةِ المتمردة , فينفرج عن ذلك لغة فارهة صارخة وجدانية تكاد تتبلور في تفاعلاتها , وهنا نجد أيضاً (لغة الشاعر ) التي يختارها تكاتفاً مع حسّه ((يا آنتي .. أنآنا ، أنا وأنتِ )) = (( أنآنا )) كما أشرت سابقاً في ذلك إلى (للشاعر ما ليس لغيره ) وهذه طبيعة تتبع نمطية الجملة وليست اعتباطية ولا زُخرفية ؟ بل هي حاجةُ مآسةٌ في قريحة الشاعر , تذكرني هذه المقطوعة النصية بقصيدة ابو القاسم الشابي ((عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباحِ الجديدِ كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ ))حيث نجد نفس الأستغراق والغرق القرائي اللفظي للنص .
.
من أيِّ ماءٍ تتشرَّبين ، بالشهد المعاند
ومن أيِّ مساربِ الحبِّ هطلتِ، بنبوءة الناهدات
العمر جزاني ، بل جزّ سبيل خيطي
لطائرتكِ المحلِّقة
ها أنا أعترف بتاجكِ ..
وأنتِ تحلِّقين بنجمة الرمشين
لكنني نسيت حلمي عندكِ ليستوي
فسبيل مائكِ كأسي ، بألف فرات ونيل ..
وجدول ثغركِ .. خمرتي القاتلة !
.
هنا حيث هدأت عاصفة الأشتياق والتعبير والأنفعال , ننتقل إلى مقطوعة نصية أخرى جزلة المعنى , تحاكي الواقع ويستسلم الشاعر من فورانه إلى إيحائه , فيضع كل موازين الحياة في تلك الروح في مريمته الأزلية التي لا تمتحن عنفوان عشقه , بل تواكبها تنتمي لها , فهي كل هذا العشق وكل انفعالاته وتوهجه وذروته القصوى , الشاعر فائز الحداد منحنا في هذا النص أثارة عظيمة , جعلنا ننطفأ معه ونشتعل , نذوب وننصهر , نبرد ونستعر , يا له من نص فاخر جعل كل حواسنا تضطرب معه , منحنا دفء النشوة وغمرة المتعة , هكذا الشعر هكذا الجمال .
.........................................................................................................
الرؤى :
تخلق الكائن الفني على شكل ترتيب اعتمد على مفارقة خارجة عن المألوف تولدت عنها كافة المفارقات والمواقف الساخنة في النص , يقوم شعر فائز الحداد على كسر البنية الكلاسيكية لمسار الجملة العربية وتركيبيّتها البلاغية, فاتحاً تنسيقاً جديداً للكلمات من حيث نظام تتابعها النحوي, وكأن اللغة هي التي تحدّد موضوع القصيدة, وليس الموضوع الخارجي هو من يحدّد لغة القصيدة, وتكشف معظم قصائده تجاور كلمات توليدية في نحو الجملة وتركيبها، تتخلّص فيها الكلمات من المعنى المُعطى لها قاموسياً, محدثةً انزياحاً جديداً في الحقل الدلالي المطلوب لفهم الجملة , كما نقرأ أيضاً الثابت و المتحوّل في النص في القصيدة , وشعريّة اللذّة والتلصص إلى الداخل الجسديّ والمرآويّ وأنماط الكتابة وأشكال التركيب , كما استطاع فائز الحداد تجاوز معظلة المنطقة الوسطى بين الشعر والنثر التي راوح فيها بعض أبناء جيله عندما شرعوا بكتابة قصيدة النثر وتجاوَزها إلى منطقة آمنة اتسعت لتستغرق مساحة كبيرة من قصيدة النثر العربية , يقول القاضي الجرجاني مشيرا الى رمزيته في التعبير الشعري ( وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني قديم أو محدث إلا ومعناه غامض ومستتر, ولولا ذلك لم تكن إلا كغيرها من الشعر, ولم تفرد فيها الكتب المصنفة وتشغل باستخراجهما الأفكار الفارغة) وعليه فمن حق الشاعر ان يستخدم المعاني الخفية تلافيا للوقوع في أسر الابتذال والتقريرية فالشعر يتطلب الرؤيا على أن لا يجبر المتلقي على استخدام قاموس اللغة واللهاث وراء معرفة ما قصده الشاعر في قصيدته بحيث يجعل مسارها مظلما حالكا عليه وعليه أن يترك فجوة تعبيرية أو منفرجا للولوج إلى جو القصيدة .. فللشعر نافذة تطل على المطلق وحالة لا يمكن إخضاعها للنظر , لذلك فإن لفائز الحداد عدة مستويات في كتابة النص : الشكلي / الدلالي/ التقديري/ الرمزي / القناعي ويتخذ أشكالاً مختلفة منها الإيحائي/ الإنزياحي التعبيري / وإذا ما صح لهذه المستويات أن تتفرع في الاطار التنظيري على جسد النص حيث تبدل أدوارها المفردة في قصيدة فائز الحداد وتصبح هذه المستويات غالباً قسمات لوجه واحد ولو أردنا ان نضع مقترحاً أو مقترباً قرائياً لمفهوم المفردة عند العراب فائز الحداد لتمثل في امتزاج هذه المستويات وانصهارها في قصائده , فعنده أبعاد شكلية ودلالية تتخذ أقنعة مختلفة وأشكالاً متغايرة, ويصعب علينا ونحن نرصد شذرات من تجربته الشعرية أن نقول بانتهاء سلطة الحرف في دلالة المعنى لديه لأنّ التعبير الشعري قد أخذ عنده حيزاً مفتوحاً ولانهائياً قد فجّرت المفردة فيه أسئلة قصوى وامكانيات لاتحد .
ما قدمته هنا ربما فيه بعض التفكيكية أو الأسلوبية , وبطبيعة الحالة الأدبية التي أستعملها فهي النقد التكاملي إلا أني ركزت على المنهجية الأنطباعية وركزت على النص مع ربط العلاقة بينه وبين الشاعر لأني لا أؤمن بموت المؤلف , وقد أجدني أنتقل من النص إلى الشاعر وبالعكس تقاربياً مع المنجز الأدبي ( النص ) .
ختاماً تحياتي لكم ومحبتي وتقديري .
"
"
الناقد مهند طالب هاشم






  رد مع اقتباس
/
قديم 01-01-2017, 08:52 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي رد: قراءة ونقد في قصيدة : " آخر المريمات " لفائز الحداد

الشكر لكم على الرفد والفائدة
كل الود






  رد مع اقتباس
/
قديم 01-05-2017, 06:41 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
طالب هاشم الدراجي
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية طالب هاشم الدراجي

افتراضي رد: قراءة ونقد في قصيدة : " آخر المريمات " لفائز الحداد

شكرا جزيلا لك
ممتن لحضورك الفاخر






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط