العنقاء أحلام مستغانمي يليق بها الضوء - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-01-2012, 11:19 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح العنقاء أحلام مستغانمي
لنضعها تحت الضوء
إذ بها يليق الضوء







احلام مستغانمي من مواليد 1953 بتونس وهي الابنة البكر لعائلة جزائرية من ‏مدينة قسنطينية عاصمة الشرق الجزائري هربت من وحشية قوات المستعمر الفرنسي الذي كان يبحث عن والدها ‏محمد الشريف لكونه مطلوبا لدى السلطات الفرنسية لمشاركته في اعمال المقاومة الجزائرية. وهكذا كان مقدر لأحلام ‏ان تولد وسط بيئة مشحونة بالعمل السياسي والنضالي وبعد الاستقالال سنة 1962 عادت عائلة محمد الشريف الى الجزائر وقد فرضت الظروف على ‏احلام بعد ان تعرض والداه لوعكة صحية ان تعمل مذيعة في الإذاعة الجزائرية فقدمت برناماج بعنوان (همسات) ‏ساعد في شهرتها كشاعرة كانت احلام مستغانمي من ضمن اول دفعة معرّبة تتخرج بعد الاستقلال من كلية الاداب في الجزائر سنة 1971 وكان تخرجها خطوة لالف ميل مسيرة حافلة بالإبداعات الأدبية. بدأتها سنة 1973 مع أول إصداراتها ‏ديوان شعر (على مرفأ الأيام) ورغم فرحتها بوليدها البكر الا انها كانت فرحة ‏ناقصة فوالدها الذي تهدي اليه كل نجاحاتها كان طريح الفراش في المستشفى ولم يشارك ابنته نجاحها‎.‎‏ وقد كان اثر ‏وضعه الصحي المتردي وسبب لاحلام معاناة كبيرة.فقد كانت تكن عاطفة خاصة لوالدها تاثرت بشخصيته الفذّة ‏وتاريخه النضاليّ‎.وعن أحلام مستغانمي يقول والدها: (إن كنت جئت إلى العالم فقط لأنجب ‏أحلام فهذا يكفيني فخرا إنها أهم انجازاتي أريد أن يقال إنني أبو أحلام أن أنسب إليها كما تنسب هي لي).هاجرت في السبيعينات الى فرنسا وهناك تزوجت بصحفي لبناني حينها ‏لعائلتها وغابت مدة عن الساحة الادبية العربية لتعود في بداية الثمانينات وتجدد العهد مع القلم فشاركت في الكتابة في ‏مجلة "الحوار" التي كان يصدرها زوجها من باريس ومجلة "التضامن" التي كانت تصدر من لندن وحصلت في تلك ‏الفترة على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون في الثمانينات لتستقر حاليا في بيروت ‏وقد وقعت احلام مستغانمي في غرام الكتابة وسحر اللغة فأقامت معها علاقة عشق وتواصل أنجبت "الكتابة في لحظة ‏عري" صادر عن دار الاداب ببيروت سنة 1976. وبعد غياب عن الساحة الادبية العربية عادت أحلام مستغانمي ‏بمولودها الادبي الثاني سنة 1993 بعنوان "أكاذيب سمكة" صدر عن المؤسسة الوطنية للنشر وتوالت اعمالها (الجزائر امرأة ونصوص") صادر عن منشورات "أرماتان" بباريس سنة 1985 والثلاثية الحدث "ذاكرة الجسد" ‏صادرة عن دار الاداب ببيروت سنة 1993 و"فوضى الحواس"‎ ‎صادرة عن دار الاداب ببيروت سنة 1997 ‏و"عابر سرير"‏‎ "2000"‎‏. وبقدر ما حملته هذه الأعمال من لغة رومانسية سلسة وحالمة جاءت مشحونة في باطنها ‏وبين أسطرها برسائل فكرية تنبض تمرّدا ورفضا وقّعت مستغانمي على بطاقة الشهرة في عالم الأدب من خلال روايتها "المفاجأة" "ذاكرة الجسد" التي نشرت في لبنان ‏والجزائر عام 1993. واستحقت عنها مستغانمي جائزة الأديب الراحل نجيب محفوظ عام 1997. وخلال هذه المناسبة ‏قال عنها أديب نوبل نجيب محفوظ: "أحلام نور يلمع وسط هذا الظلام الكثيف كاتبة حطمت المنفى اللغوي الذي دفع ‏إليه الاستعمار الفرنسي مثقفي الجزائر ولعل أفضل ما يلخص "ذاكرة الجسد" لغة ومضمونا ما قاله ‏عنها الشاعر نزار قباني انها دوختني وانا نادر ما ادوخ امام رواية من الروايات وقد ذهب النقاد عبد الله الغدامي في بحثه عن العلاقة بين الكاتبة أحلام ولغتها الروائية الى القول بأن "الكاتبة استطاعت ‏أن تكسر سلطة الرجل على اللغة هذه اللغة التي كانت منذ أزمنة طويلة حكرا على الرجل واتسمت بفحولته وهو الذي ‏يقرر ألفاظها ومعانيها فكانت دائما تقرأ وتكتب من خلال فحولة الرجل الذي احتكر كل شيء حتى اللغة ذاتها أثبتت أحلام عن جدارة بأنها ككاتبة تتفق مع نظيراتها من المبدعات على غرار غادة السمان وبنت الشاطئ ونوال ‏السعداوي، على رفضهن "تجنيس" النص الأدبي والنقدي، وتبويبه في خانة الأدب الذكوري والأدب الأنثوي وترفض ‏أحلام نفسها تصنيف أعمالها في خانة الأدب النسائي وقوقعته في هذا المجال أعمالها الأدبية هي أعمال إنسان دون ‏حرف التاء تقول: "أنا أريد أن أحاكم ككاتبة دون تاء التأنيث وأن يحاكم نصي منفصلا عن أنوثتي ودون مراعاة أي ‏شيء




إصدارات أحلام مستغانمي :

« ذاكرة الجسد »

ـ صادرة عن دار الآداب ببيروت سنة 1993 ـ وصلت اليوم إلى طبعتها الـ 18
ـ جائزة نور،تمنح لأحسن إبداع نسائي باللغة العربية، منحت لها سنة 1996 من مؤسسة نور بالقاهرة.
ـ جائزة نجيب محفوظ، للرواية، جائزة في مستوى المسابقة، منحت لها من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1998،مما جعلها تترجم إلى لغات عالمية عديدة.
حازت الرواية أيضا على جائزة "جورج تراباي" الذي يكرّم كل سنة أفضل عمل أدبي كبير منشور في لبنان .
ترجمت الرواية إلى لغات عديدة منها الإنجليزية بواسطة بارعة الأحمر ، وإلى اللغة الإيطالية بواسطة فرانسيسكو ليجيو، وإلى الفرنسيةـ منشورات ألبين ميشيل ـ بواسطة محمد مقدم.
ـ في طريق الصدور باللّغات (الألمانية، الأسبانية، الصينية، الكردية)
ـ أدخلت الرواية في المقرر التعليمي للعديد من الجامعات الدولية، وفي جامعات عربية أيضا (السربون بباريس،جامعة ليون، جامعة ماريلاند بواشنطن،الجامعة الأمريكية ببيروت و القاهرة،جامعة عمان بالأردن،الجامعة الجزائرية، جامعة سانت ـ جوزيف بيروت....) وأيضا في برنامج الثانوية العامة بلبنان.
ـ كانت الرواية موضوعا لأطروحات الدكتوراه، ولبحوث جامعية كثيرة.
ـ اعتبرها النقاد كأحسن عمل روائي صادر في العقد الأخير.


«فوضى الحواس»
L'anarchie des sens
ـ
صادرة عن دار الآداب ببيروت سنة 1997، وصلت اليوم الى طبعتها الـ15.
نتيجة لعقد مبرم مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة،فالرواية في طريقها الى الترجمه الى العديد من اللغات الأجنبية.


«عابر سرير»
Passager d'un lit
سنة النشر: 2003
الناشر: منشورات أحلام مستغانمي


«على مرفأ الأيام »
Au havre des jours

صادر عن المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر سنة 1973


« أكاذيب سمكة»
Mensonges d'un poisson

صادر عن المؤسسة الوطنية للنشر سنة 1993


«الكتابة في لحظة عري»
Ecriture dans un moment de nudité

صادر عن دار الآداب ببيروت سنة 1976


« الجزائر، امرأة ونصوص »
Algérie Femme et écritures

صادر عن منشورات " أرماتان" بباريس سنة1985

كتاب " نسيان كوم"



لقاء مشوّق مع أحلام مستغانمي


ماذا لو خرجت حورية من البحر..؟
ماذا لو انسلت أنثى من الحبر..؟
لأنها هكذا دوما.. تقف الكلمات على مفترق الطرق.. عارية.. خائفة.. تتسكع ما بين ارتعاشات الليالي وصباحات الكلام, ومن ثم تهرب خوفا على نفسها من مهب الألفاظ، لتختبئ في رحم حبرها..
هي.. سيدة الرواية شعرا.. سيدة لكل الاحتمالات، سيدة الأحاسيس العابرة للقارات، والانبهار الدائم بلقاء أول.. ووداع أول..

هي.. سيدة الشعر حبرا.. تصنع منك جثة هامدة للحب دون أن تدري، وتغلق أمامك مطارها كي لا تحاول الإقلاع.. ثم تحيلك إلى براد الذاكرة.

هي سيدة الحب موتا.. إياك أن تمر من بساتينها وحقولها.. إنها ألغام تنفجر شوقا، تنفجر جنونا، ثم تصنع منك لوحة يتيمة، لتغادرك مسافرة نحو مينائها، وأنت تسبح بدهشتك تقضم خيبتك.

فيا صديقي المغامر ( انتبه... يمكن لزهرة من الكلام أن تخفي غابة من القتلى )

ولم لا؟ أليست هي من وجه الصواريخ البالستية تلك التي تحترف الاجتياح..؟
ولم لا؟ أليست هي من أعلن الزوبعة تلك التي تتقن الأعاصير..؟
نعم و هذا ما حدث في أول لقاءنا..
- البداية معك شيء صعب سيدتي.. لذا اختاري البداية..
- البداية معك شيء جميل سيدي.. لأنك جميل.. لذا أنت من يختار البداية..

أليس هذا لغما وضعته لك تلك التي تحترف اللغة، وأنت الصحفي الذي يجب أن تكون سيد الألغام..؟
ولم لا؟ فهي التي تقول في روايتها ( فوضى الحواس ): السؤال خدعة ومباغتة للآخر في سره.. كالحرب تماما.. تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم..
تلك التي تكشف لك اللعبة الإذاعية التي ينبغي أن تجيب فيها عن الأسئلة، دون أن تستعمل كلمة ( لا ) أو كلمة ( نعم ).
فتلك اللعبة تناسبها تماما لأنها تقف على حافة الشك، ويحلو لها أن تجيب
( ربما ) حتى عندما تعني ( نعم )، و( قد) عندما تقصد ( لن )
فهي تحب الصيغ الضبابية، الملتبسة، والجمل الواعدة، الحالمة، ولو كذبا، تلك التي لا تنتهي بنقطة، وإنما بعدة نقاط......
لذا قررت صاحبة الحبر أن تسرق مني سؤالي، لتجبرني على طريقة غريبة في التحاور.. و أسلوب آخر في السرد...
هذه هي الحالة التي تركتنا بها بعد انتهاء محاضرتها في الخيمة الثقافية في أرض المعارض على هامش النشاطات الثقافية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب، وهذه هي الحالة أيضا التي تركتنا بها بعد إجراء هذا الحوار الجريء...

ولكن من هي أحلام مستغانمي؟
إنها ابنة لشخصية فذة لها تاريخها النضالي الطويل في سبيل حرية الجزائر واستقلاله وليس غريبا أن نرى ذلك في أدبها ورواياتها أيضا.
فوالدها هو محمد الشريف من هواة الأدب الفرنسي وقارئا ذا ميول كلاسيكية معروف بثقافته وقصصه الكثيرة، وقد دخل السجون الفرنسية عدة مرات آخرها عام 1945 حيث بقي عامين، وكان محظوظا أنه لم يلق حتفه مع رفاقه ( حيث قتل حينها 45 ألف شهيد ) وربما كان من حظنا نحن أيضا كي تأتي ابنته أحلام بعد ذلك والتي ولدت بعد لجوء العائلة إلى تونس.
وقد اضطر الأب للعمل في تونس كمدرس للغة الفرنسية لأنه لا يملك سوى تلك اللغة، وهذا ما جعله يصر على تعليم ابنته أحلام اللغة العربية والتي باتت هي بدورها تعلمنا دروسا فيها.
ولا يفوتنا أن ننوه بأن كل أعمام أحلام ( اخوة والدها ) استشهدوا في المعارك ضد الاحتلال وكذلك أبناء عمها اللذين تربيا في كنف والدها ( عز الدين وبديعة ) التي استبدلت الجامعة بالرشاش وهي الحاصلة على الباكلوريا لتوها لتنخرط في الكفاح المسلح.
وهذه الأحداث وغيرها لازالت في ذاكرة أحلام، تخبرنا عنها ولو بطريقة مواربة في رواياتها، وبعد عراك سياسي لوالدها داخل الجزائر بعد الاستقلال انتهى به الحال إلى مرض عقلي أصبح بعده من الضروري المكوث في مصح عقلي تابع للجيش الوطني.
وكانت آنذاك أحلام في سن المراهقة، وحين بلغت الثامنة عشرة عاما وأثناء دراستها الباكلوريا، أصبح عليها لزاما أن تعمل كي تعيل أسرتها فدخلت الإذاعة لتقدم وتعد برنامجا شعريا يوميا من كل مساء تحت عنوان ( همسات ) وقد لاقى برنامجها نجاحا كبيرا.


وتخرجت أحلام سنة 1971 من كلية الآداب في الجزائر ضمن أول دفعة معربة في جامعات الجزائر.
ومن ثم اتجهت أحلام إلى باريس وبعدها حضرت لشهادة الدكتوراه في جامعة السوربون، كما كانت تكتب هناك في عدة صحف ومجلات ومن ثم أنتجت أعمالها الروائية على دفعات، ذاكرة الجسد، ومن ثم فوضى الحواس، وأخيرا عابر سرير

اللقاء :
بما أن لك كل هذا الانتشار... كيف تتعاملين مع قرائك؟

إنها معجزة الكتابة، فكيف تكون لك كل هذه الشعبية دون سيف أو سلطة؟ إنها نعمة حقا، وهذا الإحساس الجميل لا يزيدني إلا تواضعا أمام القارئ، فالكاتب تقاس موهبته بتواضعه، فليس من الممكن أن يكون الكاتب مغرورا ومترفعا عن اللذين يكتب لهم، وقد أدهشتني مشاعر الناس في كل الاماكن التي ألتقيهم فيها سواء في الشارع أو في المعارض أو المحاضرات.

فالأسلوب الذي أعتمده في كسب القارئ هو الإغراء خصوصا إذا لم يقتنع بك أو كان يشكك بك ( تضحك ) فأنا أشهر كل أسلحة الدمار الشامل

لكن كيف تفسري غيرة البعض من الكتاب بأنك أخذت أماكنهم...؟
( نقوللك بصراحة ) إني أشعر تجاه هذا الموضوع بعقدة الذنب لأني أخذت الكثير من مساحة الآخرين، وبأني ظلمت كتابا آخرين، فعوضا عن أن يقوم القارئ بجهد البحث عن كتاب جديد أصبح لا يغامر... فهو يتجه نحو الكتاب الذي يعرفه أو سمع به.

وسبق فيما مضى حينما كنت على lbc اللبنانية في برامج صباحية عن الأدب أن بكيت وأنا أعتذر للكتاب أن يسامحوني، وأقول للقراء أتمنى أن تقرؤوا لكتاب آخرين، فهذه الأضواء المتجهة نحوي كثيرة علي، فثمة من أكثر مني موهبة، و ربما هذا ما خلق لي الأعداء والأصدقاء معا، و أدخلني في حروب عديدة، لكني دوما كنت أبحث عن المعارك الشريفة النبيلة المملوءة بالأدب وليس قلة الأدب، وحينما ألجأ إلى الصمت كان يفسر بالضعف لأنهم لا يدركون بأنه القوة ذاتها.
وهناك مقولة للفنان يوسف شاهين بأن المبدع العربي يقضي 20% من وقته في الإبداع و 80 % منه في الدفاع عن هذا الإبداع... إنها مصيبة أن تتفاوض مع الرقيب ومع الموزع ومع المزور لأعمالك.

بمناسبة الحديث عن الرقيب، كيف تتعاملين مع الرقابة؟
( تضحك ) أتفوق على شيطنة الرقباء، فالكاتب الناجح هو سارق محترف يعرف كيف يتعامل مع الرقيب ولا يقع في فخه، أما اللص الصغير فمن السهل أن يقع في الشرك.

ما هي أعمالك المزورة ؟

للحقيقة أن أعمالي مزورة في أكثر من بلد وهي منسوخة كما تنسخ الأشرطة بقصد الربح، وأنا لا أدافع عن حقوقي في الطبع وإنما عن حقوق القارئ الذي تسرق أمواله، فثمة دار للنشر أتت من الخارج إلى معرض الدوحة للكتاب وتبيع كتابي بمبلغ كبير قياسا مع السعر الحقيقي لكتابي وهذه النسخة مزورة، والخاسر الأكبر هنا هو القارئ، ففي فلسطين يباع كتابي بتسعة دولارات ! أليس هذا حراما؟ فالمواطن الفلسطيني فقير و مهدورة حقوقه. ( تضيف.. عيب أن أقول هذا الكلام ) لكن جزء من دخلي لمساعدة الفلسطينيين، وأجازف بأمني وباسمي مقابل هذا، لأني أقول لا يمكن أن تدافع عن قضية ولا تدفع ثمن موقفك... فكيف أكتب عن القضية الفلسطينية وأكسب مال مقالي الأسبوعي مقابل هذه القضية ولا أدفع مبلغ للفلسطينيين؟ أكون قد استغليتهم.. !

( لكن وللأسف لا أعرف أن كان لديك الشجاعة أن تدون هذا الكلام ) فالبنوك الفلسطينية تسرق الإنسان الفلسطيني، والمطابع الفلسطينية تسرق القارئ الفلسطيني... ! هل يمكن أن أحب هؤلاء الناس أكثر مما يحبهم أبناؤهم...؟

حينما طلبوا منك أن تهدي كتبك الى الصحفيين لماذا رفضت؟
أنا لا أهدي كتابا لأحد... فقط للقراء... فالكتاب الذي يهدى لا يقرأ، وحدث أن طلب مني أن أهدي كتابي لنزار قباني لكني رفضت – وهل هناك أكثر من نزار – وذلك لأني استحيت أن أفرض كتابي على أحد كي يقرأه... فهناك كتب تهدى وتترك في الفنادق، وحدث أن رأيت هذا في أحد المؤتمرات, تصور كم أهينت هذه الكتب؟ فهناك كتاب لا يقرؤون لبعضهم البعض حتى.
أما من يحاول أن يهديك كتابه لتقرأه، فهو يعني بذلك أن يقول خذي كتابي اقرأ يني فأنا أشبهك... اكتشفيني.

إلى أي مدى تشعرين بأنك تمثلين المرأة العربية؟
لعل نجاح الكاتب يكون مرهونا بأن ينسب القارئ الكتاب لنفسه ( سواء امرأة أو رجل ) ، فحينما يحبه سوف يتبناه، وهذا ما يحصل عندما يرى أن الشعر مثلا يشبهه، فهو يقوم بحفظه، وليس غريبا علينا ما حصل مع الشاعر الكبير نزار قباني، فقد كان شعره يشبهنا جميعا إلى حد التطابق، أما عن المرأة العربية فكل شيء مشترك بيننا لأن الأفكار نفسها والمأساة واحدة والوجع واحد.


يقال عنك بأنك كاتبة رغبة وليس شهوة... ما تعليقك على ذلك؟

صحيح تماما... لأني أحب أن أكون مشتعلة بالاشتهاء، جميلة هي مرحلة الرغبة.. الرغبة المكابرة، غير المعلنة، المواربة، الملتبسة، لأن الشهوة لا تقتل فقط شيئا فينا وإنما أيضا النص الأدبي. ولهذا لا يوجد في أعمالي إلا القبلة في كل رواية، فالقبلة تعطي قدرا كبيرا من المتعة لأنها تشعل الحواس الخمس، بينما الفعل الجنسي لا يحتاج ربما لكل هذا...
والأدب العربي لا يعطي القبلة حقها، وأنا أقول لا الحياء ولا الإباحية تصنع أدبا، فالحياء إنكار لمنطق الجسد والإباحية إهانة لإنسانيتنا

تتحدثين دوما عن النضال والموت لأجل القضية، ما هي استعداداتك لذلك؟
أنا مستعدة وجاهزة للموت من أجل أي قضية عربية، طبعا ليس الموت كما يحدث في العراق ! فقد راجعت قناعاتي بعد أن كنت مهيأة للموت هناك، لكني اكتشفت غباء الموت مجانا، لكن إذا كان هناك قضية حقيقية وموت يفيد؟ سوف أنسى أني كاتبة، وأكون فقط مواطنة عربية، وأتمنى أن تختبرني الحياة في امتحانات كهذه، فثمة موت تولد فيه ، والكاتب حتى في موته يوقع نفسه إذا كان قدره أن يموت, لكن للأسف لا قدوة لنا، فنحن نحتاج إلى قدوة كي تكون مرجع لنا ككتاب، فأنت تتمنى أن تسمع بكاتب لم يشترى، أو كاتب رفض زيارة بلد ما لسبب ما....


أين أنت وأعمالك من السينما والتلفزيون؟
هناك توقيع بين تلفزيون أبو ظبي والتلفزيون الجزائري، اللذين اشتريا حقوق رواياتي لتكون مسلسل تلفزيوني في رمضان، لكني في البداية كنت أفكر بأن تكون عمل سينمائي، ونور الشريف كان يدافع عن هذه الفكرة كي يصل العمل إلى لجان دولية وكي يكون ممثلا للجزائر دوليا، لكننا انتهينا بأن يكون عمل تلفزيوني وذلك كي تصل الرواية إلى أكبر قدر من المشاهدين في العالم العربي، فهناك الكثير من القراء لم يقرؤوها.


ما هي كلمتك الأخيرة...؟إن هذا الوطن العربي الكبير والجميل يستحق قدرا أجمل ، وعلينا ألا نشارك في مذبحة الأمل العربي، وإنما بنائه.


أجرى الحوار : مؤيد صلاح اسكيف




أحلام مستغانمي في حوار حصري مع جريدة الشروق الجزائرية



هي هكذا دوما.. امرأة تقف على حافة الاعتراف والمكاشفة، تقول كلماتها دون تجميل أو مواربة.. تصرّ، كعادتها، على ذرّ الملح بعمق الجرح، ليس سادية مجانية منها، ولكن لأنها تدرك، تماما، أن آخر العلاج الكي.هي امرأة الألف قضية.. كاتبة تحتمي بلهجتها الجزائرية وترى فيها “آخر حصون الغربة”.

وفي الغربة أيضا أرادت أن تكرّس لفكرة أنها من وطن أنجب البنادق والأقلام على حدّ سواء. تعتز بأيام الطرب الجزائري الأصيل ورجالاته وتنتقد بحدة “الأشباه” اليوم. ولم تخف أيضا ألمها العميق من تقزيم قضايانا وكيف أن دموعنا غدت رخيصة وأمنياتنا صغيرة…أحلام، التي تبحث عن المثالية في كل شيء، ككاتبة نرجسية، صدمت من انحدار “ذاكرة الجسد” تلفزيونيا في نصفه الثاني، حاربت لتنقذ ما يمكن إنقاذه، ولامت في الشركة المنتجة استخفافها بجزئيات جماليات قسنطينة والجزائر.أحلام مستغانمي.. كاتبة تؤخذ ككل، لا يمكن تجزئة تفاصيلها.. قد لا تروقك صراحتها، لكنك ستقتنع لاحقا أو في أي وقت آخر بجدية قولها. وفي هذا الحوار تركت لنا شذرات من أفكار وأحكام وحقائق مختلفة باختلاف القضايا التي تحملها كهاجس داخلي..

يسعد الجزائري عندما يتحدّث إليك، لأنّه يشعر أنّك أينما كنت تحملين هوية الجزائر.. ولا تتكلّمين إلّا لهجتها بنبرتها وتعابيرها الشعبيّة. كيف أنّ ثلاثين سنة من الغربة.. وهذا الكمّ من النجاحات العربيّة والعالميّة لم يترك بصماته على شخصيّـك ولا على لغتك؟

إنّه السؤال الذي يطرحه عليّ معظم الجزائريين الذين ألتقي بهم في المشرق أو الخليج العربي. أوّل ما يشدّهم إليّ، ما أوقظ فيهم من حنين إلى الجزائر بسبب ما يتخلّل كلامي من أمثال شعبيّة وعبارات “دزريّ”. الغالية خديجة بن قنّة والإعلامي الصديق محمد حنيبش ودحو عبد الحفيظ الذين التقيت بهم في الدوحة، كما العزيزة فضيلة السويسي والصديق مدني عامر الذين أجالسهم كلما زرتُ أبو ظبي، جميعهم يطوّقونني بمحبّتهم لأنّ فيّ فائض من تلك الأصالة الجزائريّة التي تجمعنا، وتسكن وجداننا رغم سنوات الغربة. نحن في المنابر نتحدّث بفصاحة عالية، لنثبت للمشرق أنّنا لسنا أقلّ عروبة منه، وفي الحياة اليوميّة نتحدّث بلهجة جزائريّة “قح” كي لا نكون أقلّ جزائرية ممّن هم في الجزائر.غير أنّي شخصيًّا ربما كنتُ أمثّل حالة استثنائيّة مقارنة بمن أرى حولي في لبنان مثلاً من جزائريّات تحت الأضواء وصلن بعدي بسنوات، وبعضهن وصل للتوّ لكنّهن يتكلّمن اللهجة اللبنانيّة بطلاقة. بينما ما استطعت بعد ثلاثين سنة أن ألفظ جملة باللهجة المشرقيّة. إلى درجة أنّي ما تحدّثت مع أحد إلّا وظنّني وصلتُ للتو وسألني كيف وجدتُ لبنان.. أعتقد أنّ لهجة المرء هي حصنه الأخير في الغربة، عليه أن يدافع عنها لأنّها لغة الدم، فليس باستطاعة المرء أن يغيّر فصيلة دمه حتى إلى فصيلة دم أخيه.. هذا إن كان أصيلاً. لكنّ بعض المشارقة مازالوا غير مصدّقين أنّنا نتقن في الجزائر العربيّة وقد نضاهيهم أو نفوقهم أحيانا إلماماً بها.دائماً قلتُ لهؤلاء أنّني من جيل يباهي أنّه تعلّم العربيّة في الجزائر لا خارجها، مثلي مثل الإعلاميين الجزائريين الذين هم اليوم نجوم الشاشات العربيّة أو مديروها. نحن لم نتفوّق على أحد معرفة بالعربيّة، بل حبًّا لها. إنّ الشغف بهذه اللغة هو سرّ الأقلام العربيّة المميّزة التي أنجبها الأدب الجزائري من كتّاب جيلي. لكأنّك في كلّ ما تقولين وتكتبين تواصلين معركة ما.ربما كان هذا صحيحاً.. فطالما تمنّيت أن أثبت أنّني من وطن لا ينجب البنادق فحسب بل يُنجب الأقلام أيضاً، وبها يخوض المعارك، لذا تباهي الأمم بكتّابها كما تباهي بقادتها ورجالاتها. هذا في زمن مضى..

أمّا اليوم فقد قلتِ في مقال شهير بعنوان “بلاد المطربين أوطاني” إنّ الأوطان أصبحت تنسب لمطربيها لا لرجالاتها وهو للتوضيح مقال نشرته سنة 2005، وتمّ تداوله مؤخّرا على نطاق واسع وفي أكثر من منبر، هل مقالك هذا لايزال صالحا في مطلع العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين؟

بطبيعة الحال لأنّنا نعيش حاليا في زمن المغنين والمطربين.. الدليل مع الأسف أن أمنية الشباب العربي أصبحت مقتصرة على أن يُصبح مغنيا، فبالنسبة له هذا هو الطريق الأقصر والسريع للجاه والشهرة والثراء، بدل أن يتعلّم أحدهم ويكوّن نفسه لبلوغ وظائف سامية، غير أنّ الأمّة مهيّأة لدعم هذا الخيار البائس لشباب اليوم فقد وجدت فيه أقصر طريق لاغتيال القضايا العربية الكبرى.

اغتيال مرة واحدة؟؟

لم يعد هناك أصلا قضية، لقد اغتيلت القضايا.. تصوّر في جيلنا كنّا مستعدّين للموت من أجل ما كنّا نراه قضيّة. الآن لا أحد يموت من أجل الوطن أو من أجل مبدأ. الياباني يموت ولا يبكي بل ينتحر ولا يبكي، بينما العربي يبكي وهو في الطوابير أمام أبواب السفارات طلباً لتأشيرة، أو في طوابير لملء استمارة للمشاركة في برنامج ستار أكاديمي. كم دموعنا غدت رخيصة، وأمنياتنا صغيرة. ما يؤلم حقّا هذا هو أنّ المغنّي غدا النجم والقدوة والمعلّم الذي تتخرّج على يده الأجيال، ومرجعاً في صرعات الموضة.

لكن هذا المغني له رسالته، بغض النظر عن هندامه؟

أين هذه الرسالة النبيلة؟، هل جيل ستار أكاديمي يملك رسالة نبيلة؟ دلّني عليها.

بالنسبة للشاب خالد فقد أسمع صوته في وقت كانت الجزائر معزولة ووصَفْتِه بالغبي في مقالك، ألا يبدو نقدك لاذعا؟

لم أقل إنه غبيّ، بل قلت: “ضحكته غبية”، لأنّه يرد على كل سؤال بالضحك ولا يملك إلّا الضحك جوابا في كلّ موقف، أما أن يكون قد اشتهر في زمن كانت فيه الجزائر معزولة، فهذا كان لابدّ من أن يزيد من مسؤوليته. لكن دعني أوضّح أنّ هناك مطربين مثقفين، وأنا لم أطلب من الشاب خالد أن يكون مثقفاً، لكنّه بحكم شهرته غدا صورة عن الجزائر وهو يقدّم صورة عنّا لا تشبهنا. لقد شاهدته قبل سنوات في برنامج فرنسي، وهو يضع قرطاً في أذنه، وكلبا في حجره، ولا أنّ هذا نموذجاً للشباب الجزائري، على أيامي من كان يُغني كان يحمل رسالة فنية نبيلة كعبد الحميد عبابسة ورابح درياسة وأحمد وهبي، هؤلاء مثّلوا الفن الجزائري وكانوا رجالاً في مظهرهم وفي غيرتهم على الجزائر.

إذن حسب أحلام مستغانمي لا مكان في هذا الزمن إلا للمطربين الذين لا يملكون رسالة، فهل انتهى زمن المثقف؟

طبعا وصلنا لهذا الزمن والدول تشجّع أمثال هؤلاء للتنفيس عن الطاقة التي يحملها الشباب. النجوميّة اليوم يتقاسمها المطرب واللاعب، والفكر أصبح في مرتبة ثانوية، خاصّة أنّ الثقافة نفسها في كثير من الدول غدت مجرّد تهريج ولا تعتمد على سياسة لبناء إنسان جديد يستطيع مواجهة التحدّيات المعرفيّة لهذا العصر. المثير للانتباه أنّ مقالاتك لا تقلّ انتشاراً عن رواياتك، فنادراً ما نجد مقالاً مرّت عليه سنوات ولا زال يُعاد نشره وتداوله بهذه القوة. صحيح أنّ هذا المقال بالذات انتشر انتشاراً مخيفاً، وهذا يدلّ على سطوة التكنولوجيا. فشبكة الانترنت أصبحت مخيفة اليوم، وأتوقّع أنّ أكثر من مليون عربي وربما مليونين قرأ هذا المقال. لأنّ “الفان” الموزّعين على صفحات الفيس بوك التي تخصّني وتطوّع معجبون بتأسيسها. يفوق عددهم النصف مليون.. وكلّ مقال أنشره يتمّ تداوله حسب الإحصائيات بأعداد مضروبة بأربعة. مع العلم أنّني لم أنشر هذا المقال في موقعي، بل تبنّته مواقع كثيرة وتناوبت على نشره، لأنّه كان يطرح قضيّة لا مجرّد فكرة. أليس عيبا أنّ أوطاناً كانت تنسب إلى الأبطال غدت تُنسب إلى صبيان ولدوا للتوّ على بلاتوهات ستار أكاديمي وما شابهها.كما حدث في أكثر من بلد عربي كرّم فيه مغنّي مبتدئ وأهين فيه مناضل خرّيج المعتقلات الاسرائيليّة حتى استحقّ، كما محمود سواركة، لقب عميد الأسرى المصريين. فهذا الرجل الذي غادر بعد اثنتين وعشرين سنة زنزانته لم يجد أحداً في انتظاره من “الجماهير” التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسؤولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم “ستار أكاديمي” محمد عطيّة بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يتردّدون على المطار مع كلّ موعد لوصول طائرة من بيروت.لقد كتبتُ هذا الكلام قبل خمس سنوات من الآن ونسيته. لكنّ الجميل أن يكون اليساريون، كما الاسلاميون، قد تبنّوه على المواقع الإلكترونيّة. مما جعل تداوله في تزايد كما كرة الثلج.

يبدو أنّك نسيت المقال لكنّ القرّاء لم ينسوه، مما يعني أن الأوطان العربيّة ليست بلاداً للمطربين فقط، بل هي بلاد أيضا لكتّاب من طينتك؟

.جميل أن يمنّ الله على كاتب بالقدرة على التأثير على ملايين الناس. إنّها سلطة الاسم التي يكتسبها الكاتب بالدفاع عن اسمه كلّ لحظة، وفي كل موقف، لأنّه لا يملك إلّا رصيد الاسم النظيف. ليس في الأمر جاه بل مسؤوليّة تجعل الكاتب يعيش تحت رعب التاريخ والخوف من أن يزلّ قلمه.. خاصة أنّنا في زمن الانترنت، وكلّ ما يكتبه كاتب هو موثّق إلى الأبد. لذا تجدني أخاف من أيّ كلمة أنشرها أو تُنسب إليّ.

لهذه الدرجة تخاف سيدة الرواية العربية من الكلمة؟

أنا مثل قائد جيش وسبق أن قلت “عندما ترفع سلاحا أنت جندي وعندما ترفع قلماً أنت جيش عتاده عدد قرائك”. عندما يفوق عدد قرّائك عدد بعض الجيوش العربيّة، عليك أن تقود جيشك لمعارك رابحة وأن تتبنّى قضايا كبيرة. فالكاتب يساوي القضايا التي يدافع عنها وليس اللغات التي تُرجم إليها ولا الجوائز التي تحصّل عليها.

فضلا عن المغنيين والمطربين، طفا للسطح مشاهير آخرون أصبحوا قدوة شبابنا وحتى الشابات، إنهم نجوم الكرة. فهل ينطبق عليهم مقالك هذا وهل نحن أمام عنوان جديد “بلاد اللاعبين أوطاني”؟

حتماً إنّها الحقيقة ذاتها. كلّ بلاد اليوم تُنسب بالنسبة للعالم إلى نجمها في كرة القدم. جزائر الثمانينيات كانت تنسب للكعب الذهبي لرابح ماجر وجزائر اليوم تنسب لضربة رأس زين الدين زيدان. لقد تنبّأ توفيق الحكيم في آخر أيّامه أنّه “انتهى زمن القلم وبدأ زمن القدم”. وليكن، فجميل أن يكون لكلّ بلاد رياضيوها ونجومها في المباريات والألعاب الدوليّة، شرط أن يوافق هذا ما يوازيه من تطوّر وتفوّق في المجالات الثقافيّة والعلميّة. على أن لا يكون هذا التفوّق الرياضي على حساب مجالات أخرى أكثر أهميّة تؤثّر على مستقبل الأوطان.

وهل فهمت أحلام مستغانمي معنى “دي، دي، واه”؟

إلى الآن لم أفهمها وما عاد يعنيني فهمها.. تأخّر الوقت. نعود إلى الرواية التي لازالت تصنع الحدث رغم مرور سنين على صدورها، أقصد “ذاكرة الجسد” التي وصلت حاليا إلى طبعتها الـ28. (تقاطعنا).. لا بل وصلت الرواية إلى طبعتها الـ34 عن دار الآداب، وهناك 100 ألف نسخة طُبعت في “مطبوعات” أحلام مستغانمي، فضلاً عن الطبعات الخاصة بالجزائر، والأخرى المقرصنة بأعداد لا تُحصى في العالم العربي. مما يجعل ما طُبع منها يُقارب المليون نسخة..

ألا ترين أن نجاح هذه الرواية هو الذي ترك السهام تُوجّه نحو أحلام مستغانمي في محاولات لتقزيم هذا المجد؟

أذكر أنّ أحدهم قبل سنوات كتب خلال تلك الحرب التي شنّت عليّ ناسبة هذه الرواية لغيري، مقالاً يُدافع فيه عنّي تحت عنوان “ذاكرة الحسد”. فأحيانا يفضح النجاح فشل الآخرين؛ ذلك أنّ الكاتب قد يغفر لكاتب آخر كلّ شيء إلّا نجاحه. البعض غبطني، والبعض حسدني، والبعض استكثر عليّ وعلى الجزائر هذا النجاح، مثلما قال العزيز المرحوم الطاهر وطار في إحدى شهاداته. لكنّي تجاوزت هذه المرحلة، فمنذ 20 سنة وهذه الرواية تدافع عن نفسها وما عاد بالإمكان إطفاء ضوئها.

في إطار هذه الهجمات، قرأت لك مقالا تردّين فيه على هذه “المزاعم”، لكن ما أثار انتباهي أنك ربطت هذه الهجمات برفض المجتمع الذكوري لنجاح امرأة.. أليس هذا ظلم للرجل وفيه نوع من الإجحاف؟

لا ليس هذا.. لقد حاول البعض أن ينسبوا الرواية لرجل.. لقد بحثوا عن عدد من الرجال ونسبوا لهم الرواية المهم ألّا تُنسب لكاتبتها الحقيقية.. قلتُ إنّ في لاشعورهم لا يتوقعون ولا يتقبّلون إمكانيّة تفوّق امرأة عليهم في الكتابة. ردّي كان واضحاً فكلّما كتبت المرأة عملاً أو قامت بإنجاز عظيم يبحثون عن الرجل ليضعونه مكانها..

ربما يتعمّدون التعرض لمستغانمي للاستفادة إعلاميا من الشهرة التي حققتها؟

إنّه أقصر طريق للوصول إلى الشهرة، فبدل أن يقضوا سنوات في الكتابة، يبحثون عن كاتب مشهور يتسلّقون اسمه ليقتسموا معه نجاحه.

نعود لذاكرة الجسد، لكن هذه المرة للمسلسل الذي عُرض في شهر رمضان.. إلى أي مدى تطابقت الرواية مع المسلسل التلفزيوني؟

لم أدل بأيّ تصريح بخصوص المسلسل وهذه المرة الأولى التي سأتحدث فيها عنه وأرجو نقل كلامي بأمانة.. لا أريد أن أشوّه عملا يحمل اسمي وأقول ما يسيء إلى هذا العمل. لكن بصراحة، النصف الأوّل من العمل، أي 15 حلقة الأولى، كانت جيّدة ومطابقة للكتاب، والسيناريو كان مأخوذاً حرفيًّا من الرواية وكان “المونولوغ” جميلا لأنّه يملك حميميّة اللغة التي أحبّها القرّاء في الرواية، ثم بحكم إطالة العمل حتى يصل إلى 30 حلقة خرجوا عن النص تماماً، وأدخلوا شخصياّت أساءت للعمل. فهناك نساء هستيريات بصفات غير لبقة، وخالد أصبح سكّيراً يتردّد على الحانات وهذه أشياء لم أتقبّلها ولا أظن قرّائي تقبّلوها. فهناك بُعد رمزي في العمل لم يصل، مع الأسف، الى المشاهد. وربما لم يَعِ الأستاذ نجدت أنزور هذا البعد. فحياة هي رمز الجزائر، وروايتي حين كتبتها في الثمانينيات كنتُ أعني بحياة الجزائر التي اغتصبها العسكر، والتي تحبّ المجاهد والمثقّف الشريف في رمزيّة خالد والمناضل زياد. لكن سيعقد قرانه عليها العسكري (كما يحدث في معظم الأنظمة العربيّة) ويُدعى خالد لمباركة اغتصابها. لكن هذا البعد لم ينتبه إليه أنزور، مما جعل الكثيرين لا يفهمون منطق هذه البطلة التي ظهرت وكأنّها امرأة لعوب مذبذبة عاطفيا تحبّ رجلين وتتزوّج آخر دون سبب منطقيّ، إنّ غياب هذه الأبعاد حوّلت حياة إلى امرأة عادية على يد المخرج. يضربها زوجها حيناً ويكسوها بالألماس حيناً، وهو ما لا يشبه صفات وتصرفات الرجل الجزائري. ورغم تفوّق الممثّل القدير جهاد الأندري في آداء يحسب له كزوج لحياة، إلّا أنّ شيئاً ما كان ينقص الشخصيّة لا مؤدّيها. وكان لابدّ لهذه الشخصيّة الأساسيّة في العمل أن تُختار من الجزائر. وأن تكون شبيهة بشخصيّة عمّها التي جسّدها بجدارة الممثل القدير نورالدين شلوش، فهي اختارت هذا الزوج كأب ليحميها مثلما تعقد الشعوب قرانها على العسكر ليحموها، لكن هذه الشخصيّة كان ينقصها الأبوّة. هناك أشياء أيضا عن الجزائر آذتني لو استشرت ما قبلت بها أبدا.

مثلا؟؟

أنا لم أطلع على السيناريو ولا توجد لجنة في الجزائر اطلعت على السيناريو وعلى المَشَاهِدْ، فمثلا السيارة التي كان يقودها ناصر لا يمكن أن تكون سيارة ابن شهيد.. هذه إهانة للدولة الجزائرية فهي لا تعطي سيارة عتيقة على تلك الحالة البائسة لابن أحد كبار شهداء الجزائر وأعطيتهم ملاحظات في هذا الصدد.. كما أنّ البيت الذي صوّرت فيه مشاهد قسنطينة من غير المعقول أن يجلس الناس طوال اليوم في وسط داره وحول المائدة نفسها. هذه ليست قسنطينة ولا هذه تقاليدنا ولم يسألوا أحدا عن هذا، والجانب الجزائري المسؤول على المسلسل لم يتابع هذا الموضوع، فالشركة التي تابعت الموضوع في الجزائر لم تأخذ التفاصيل مأخذ الجدّ.

أما كان بإمكانك أن تصحّحي ما يُمكن تصحيحه؟

حضرت خصّيصا وعلى حسابي لأتابع المسلسل وبقيت 10 أيام بين الجزائر وقسنطينة، ولكن لا أحد شرح لي ماذا يحدث. تصوّر أنّني من أنقذ حفل الزفاف الذي كان يشكّل هاجساً كبيراً لديّ لأنّه سيدخل إلى كلّ البيوت العربية تقاليدنا في الزفاف، كما كان فرصة لتعريف العالم العربي على أزيائنا وتقاليدنا. ولولا تدخّلي ما كانوا ليعرضوا الثياب التقليدية القسنطينية كما بدت في المسلسل وبالمناسبة أشكر مصمم الأزياء عزّي لأنّه هو من قدّم لنا الثياب التقليدية بعد أن اتصلت به ليقدّم لي ثوبا أظهر به في الحلقة الأخيرة. ثم اكتشفت أنّه أجمل من الثوب البائس جدًّا الذي كانت ستظهر به العروس وكدتُ أجن لأنّه لا يمثّل جماليّة التراث الجزائري. وأرسل الله لنا عزّي لإنقاذنا بعد أن أصرّ على التكفّل بكل الأزياء التقليديّة التي ستظهر في حفل الزفاف. لكن مع الأسف ذُكر اسمه في الجنيريك بحرف صغير رغم أن ما قدّمه لنا هو الشيء الأجمل من الجانب الجزائري..

لم تكوني على علم بأيّ تغيير أُدخل على السيناريو؟

هناك أشياء كثيرة تفاجأت بها.

ولم تتحدثي مع المخرج حول هذه التغييرات؟

لم يكن يملك الوقت أصلا. لقد جاؤوا لقسنطينة لمدة أربعة أيام فقط لإنهاء التصوير، دون أن يسبق ذلك أي تحضيرات لمعرفة المدينة وروحها. لابدّ أن تعرف أن المشكلة كانت في ضيق وقت لأنّهم أرادوا إنهاء العمل بسرعة توفيراً للمصاريف.. لقد تألمت جدًّا لأن هذا العمل كان يمكن أن يكون أجمل لو مُنح وقتاً أكثر، ولو تمّ العمل عليه بشغف أكبر. فقد كان فرصة لدخول الجزائر لكلّ البيوت العربيّة، يكفي أنّ سبع فضائيّات كانت تبثّه في الوقت نفسه.

هل اقتصر دورك على تسليم الرواية فقط؟

إنّ العمل أصبح ملكا لقناة أبو ظبي، ولم أستشر في تفاصيل كثيرة. غير أنّهم أخذوا برأيي عند اختياري لأمل بوشوشة ودفاعي عنها لتأدية الدور، واقتنع المخرج بها بعد فترة التمرينات التي أجرتها..

هل كان هناك رفض لأن تؤدي أمل بوشوشة هذا الدور؟

لا، لكن أنا اقترحتها بإلحاح وإصرار.

هل اخترت أمل بوشوشة لشخصها أم لأنّها جزائرية؟

أوّلا لأنها جزائرية فلابد أن تكون البطلة جزائرية وهذا كان رأيي، واقترحت بوشوشة لأني رأيت فيها الجمال الجزائري، وفيها جوانب تشبه الشخصية، وأنا سعيدة لأنّي أوصلتها دون أن تدفع ثمن وصولها. ففي ظروف أخرى لو لم تعمل في هذا العمل، وعملت مع جهات أخرى ما كان ليصل دورها أو تمنح فرصة، أو لكانت دفعت الثمن الذي تدفعه غالبا الممثلات للوصول، وأمل وصلت كبيرة تحت حمايتي، وللأمانة عُوملت من طرف الجميع باحترام كبير خاصة من قبل نجدت أنزور.

ألم يكن لك أي مجال للتدخل لحماية النصف الثاني من المسلسل؟

أنا لم أر شيئا.. الشيء الوحيد الذي رأيته كان العرس وأنقذته بقدر ما استطعت. عفوا..

هل هذه التحفّظات أبلغتها لأنزور؟

هذا الكلام قلته للجميع بما فيهم الشركة الجزائرية المسؤولة على العمل وقلت أنّ ما حدث عيب.

وكيف كان ردّهم؟

لا رد.. تصوّر حفل الزفاف كان بإمكانهم الاستعانة بأجمل الجميلات في الجزائر، لكن الشركة استعانت بما توفّر لها من نساء. أما فيما يخصّ الحضور الرجالي نشرت إعلانا في الصحف المحليّة. مما جعل من هبّ و دبّ يحضر للمشاركة في تصوير المشاهد. لقد بكيتُ يومها وأنا أستجدي بعض النساء اللائي توسّمت فيهنّ الجمال القسنطيني ليحضرن ويرقصن في هذا العرس من أجل الجزائر.

وهل هذا خطأ المخرج أم الشركة المنتجة؟

بل هو خطأ الشركة المنتجة، كان عليها أن تولي اهتمامًا كبيراً لهذا المشهد الذي يشكّل أهمّ حدث في مشاهد المسلسل التي تخصّ قسنطينة. لا أن تتذرّع بأنّ نساء قسنطينة محافظات ولا يمكنهنّ الظهور في المسلسل.فالجزائر كبيرة والحمد لله وكان بالإمكان الاستعانة بنساء من مناطق أخرى. كما برجال يملكون عنفوان الطلّة الجزائرية.لقد قال لي الأخضر بن تركي لو طلبوا منّي لأتيت لهم بأجمل الجميلات. كان لابدّ من غيرة وطنيّة أكبر، وغيرة على صورة الجزائر. فالجلسة التي شاهدناها على مدى حلقات ليس المخرج من وضعها. هل نحن نجلس في وسط الدار حتى من دون وسائد؟ في الأمر إهانة لقسنطينة التي تُباهي بمجالسها والصينيّات النحاسيّة لقهوتها.. الشيء الجميل ربما هو تصوير الجسور المعلقة فقط.

بعد كلّ هذا في رأيك هل نجح المسلسل؟

نجدت أنزور مخرج كبير ومن أكبر مخ



رجي العرب، لكن لدي عتب عليه أنه أنتج مسلسلين في عام واحد، ولا يمكن لشخص أن يبدع في 60 حلقة، والحلقات الأخيرة كان يصورها قبل أيام من العيد، ولا يمكن لمبدع أن يعمل وسيف الوقت على رقبته. قد يكون المسلسل قد نجح تجاريا. لكنه لن يعرف الخلود، الخلود شأن آخر. فذاكرة الجسد نجحت لأني قضيتُ 4 سنوات في نحتها كلمة كلمة، بينما قضى نجدت أنزور أربعة أشهر في تصوير ثلاثين حلقة. ربما في هذا اختصار للفرق بين العملين. فأنا بعد عشرين سنة من كتابة ذاكرة الجسد مازلتُ أنسب لها، فبقدر ما تعطي العمل يعطيك. ولهذا لم يحصل مسلسل ذاكرة الجسد على جوائز تليق باسم المخرج وبجهد من عملوا فيه.

لمست من كلامك أنك متألمة جدا لم

ا حدث؟

أعترف أنّ الحلقات الـ15 الأولى كانت رائعة، وهناك أشياء جميلة في المسلسل كموسيقى العمل المستوحاة من النشيد الوطني. لكن فيما بعد خرجوا عن الموضوع تماما ولكي يبدع المرء عليه أن يكون مرتاحا. المسلسل كان فرصة لنجدت أنزور لينجز عملا خرافيا، لكن تشتّته بين مسلسلين جعله لا يع

طي هذا المسلسل حقّه. غير أنّ هذا الأمر لم يعد هاجسي اليوم فقد أصبح هذا العمل خلفي. ما يعنيني هو مشروع “ذاكرة الجسد” كفيلم الذي ارتبط بأسماء كبرى تمنّت أن تقوم بإخراجه في عمل ضخم كفقيدي السينما يوسف شاهين ومصطفى العقّاد.

هل كنت راضية عن الممثّلين الذين شاركوا في المسلسل؟

لقد توفّق نجدت أنزور في إسناد الأدوار لممثّلين قديرين جميعهم دون استثناء برع في آداء دوره خاصة الممثّلين السوريين الذين أسندت إليهم شخصيات جزائرية قريبة إلى

القلب، كشخصيّة عتيقة وناصر وخالد، الذين يكاد المرء يخالهم جزائريين. أمّا العزيز جمال سليمان، فلقد أنقذ العمل بحضوره الطاغي، وأنا أشكره على كل التضحيات التي قدّمها ليفوز بهذا الدور حبّا منه للرواية، وعلى كلّ السلبيات التي صمت عنهاكي لا يشوّش على صيت العمل. أما الغالية بهية راشدي، فقد كانت سيّدة الحضور الجزائري أمومة وبهاءً.

أخيرا هل ثمّة ممثّلون عرب تتمنّين التعاون معهم مستقبلاً؟

كثير من الممثلات السوريات يُعجبنني

، وبعضهن لم ينلن حقّهن من الشهرة ولكنّهن رائعات حقّا.. ومع الأسف لا أملك ذاكرة للأسماء. لكنّني سأبحث عنهن في الوقت المناسب. كما تعجبني هند صبري وأمل عرفة وسلاف فواخرجي خاصة في دورها في مسلسل “أسمهان” الذي شاركها فيه الممثّل الرائع عابد فهد، والذي أتمنّى أن يكون لي سعادة التعاون معه في عملي القادم “الأسود يليق بك”، لأنّي أراه مناسباً لهذا الدور الرو

منسي والعميق في آن. كما يعجبني عباس النوري الذي سبق أن التقيتُ به، والممثّل القدير غسان مسعود الذي يملك شخصيّة قريبة من الشخصيّة الجزائرية بعنفوانها وصرامتها.

ملاحظة : هذا أول لقاء صحفي تجريه الكاتبة بعد عرض مسلسل ذاكرة الجسد

حاورها: ياسين بن لمنور وصدر في 24 ديسمبر




قراءة في كتاب احلام مستغانمي : النسيان .كوم
أحمد محمود القاسم




الكاتبة والأديبة الجزائرية،(احلام مستغانمي)، علم من أعلام الكتاب والأدب العربي، وحقيقة، من لم يقرأ كتبها الثلاث التي تم نشرها سابقا لها، كأنه لم يقرأ شيئا في حياته، فأحلام مستغانمي، مشهورة بثلاثيتها من الكتب ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير)، ولها كتابات أخرى في الشعر ومقالات كثيرة قيمة، ومن كتاباتها ايضا: (الكتابة في لحظة عري)، وقد إشتهرت بكتبها هذه، وتلقفتها أيادي القراء العرب، من المحيط الى الخليج، وعمدت الكثير من الجامعات العربية وحتى الأجنبية، بتبني بعضا من كتبها واعتمدوا تدريسها في بعض من اتها الجامعية لأهميتها الأدبية، وما طبع ووزع، من كتبها هذه، خاصة من الهاكرز، أكثر مما طبع منها بشكل شرعي وقانوني، حيث انتشرت بين الناس، كانتشار النار في الهشيم، وما قاله الكتاب والأدباء العرب بحقها لشيء كثير جدا، كما انها كرمت ومنحت على أثرها، الكثير من الجوائز الأدبية والابداعية وخلافه، وانا هنا لست بصدد الحديث عن سيرة احلام مستغانمي الذاتية، فهي معروفة للكثير من القراء العرب، ولكنني بصدد التعليق على كتابها الأخير فقط، وما تضمنه من امور وافكار عدة، فكتابها الذي نحن بصدده، من القطع المتوسط، عدد صفحاته بحدود المئتي صفحة، وهي كما تقول كاتبته، كتب خصيصا للنساء، لكنها تتوقع ان يكون الطلب عليه من الرجال أكثر، مع انها أيضا، كتبت ملاحظة على صفحته الأولى تقول فيها يحظر بيع هذا الكتاب للرّجال).
وان كان في اعتقادي الشخصي، يقل الكتاب كثيرا، من حيث المتعة والاثارة والسرد، عن كتبها السابقة، الا انه لا يختلف كثيرا بالأسلوب، والصور المجازية، وطريقة السرد والحبكة وخلافه، وعنوانه (النسيان.كوم)، فهو من الناحية الأدبية، ذو اسلوب سلس وسهل ممتنع، ممتع وشيق، يحتوي الكثير من الصور التشبيهية الراقية والدقيقة وألأبداعية،والكثير من صور الطباق والجناس في الكلمات والجمل، مما يزيده رقة وجمالا وابداعا، تشعر بقراءته بسلاسة، وحبا للتواصل معه حتى نهايته، ينقلك من فكرة الى اخرى جديدة بطريقة شيقة وغير مملة، وتستشهد فيه الكاتبة بافكار وعبارات من اقوال بعض المفكرين العالميين او الشعبيين، امثال بيرون والخليفة علي بن ابي طالب وانسي الحاج والمتنبي ورولان بارت والبيركامو وايزنهاور ومارك توين ودوناي وتوفيق الحكيم وابراهام لنكولن وغيرهم كثيرون ، وكأن هؤلاء كتبوا وقالوا حكمهم واقوالهم المأثورة حتى تعتمدها احلام، في كتابها هذا لتؤكد لكم صحة ما تقوله لكم، ويتضمن في فحواه ومعظمه حديثا ونصحا وتوجيها للمرأة العربية، كي تنسى حبها وهمومها ومشاكلها ومآسيها مع الرجل العربي، الذي يستغلها ويسبب لها الكثير من المشاكل والصعاب في حياتها، وتعتقد بانه من خلال عملية النسيان للماضي وللذاكرة، ترتاح المراة كثيرا من همومها ومعاناتها، بدلا من أن تتذكر ذكرياتها وتعمل على اجترار معاناتها مع الرجل الذي احبته، وهي تعتقد ان تخلي الرجل عنها، ونكرانه لجميلها وحبها له، ليس نهاية للعالم، ويجب لذلك ان تنسى، وتملك تجربة غنية، تكسبها خبرة لممارسة عملية اخرى تكون ناجحة، تتعظ فيها مما اصابها في تجربتها الأولى وهكذا، وهي تقول أيضا، ان الرجل، ينسى المراة زوجته، بكل سهولة، وينسى حبه لها، مهما كان عميقا وكبيرا، وينسى حبها له كذلك، وقد يخونها في اقرب فرصة تسنح له او تلوح له في الأفق، اذا ابتعد عنها لأسباب قاهرة، كالسفر الى الخارج بعيدا عنها، وصادف في طريقه امرأة جميلة اخرى تبتسم له، وفي ابتسامتها الكثير من معاني الدلع والرغبة والتودد والغنج، في الوقت الذي تتألم فيه المرأة زوجته كثيرا من حبها له، وتواصل اخلاصها ووفائها لحبه والتمسك والتعلق به، والبكاء من كثرة حبها وولهانها فيه، وتنتظر عودته على أحر من الجمر، حتى اذا غاب عنها، الى زمن غير محدد.
هذا الكتاب، ذو طابع ارشادي وتوجيهي للمرأة بالذات، حيث يتصف بالنصح والارشاد في غالبيته، ويشرح للمرأة في الكيفية التي يجب أن تكون عليه في تعاملها مع الرجل، سواء كان الزوج، او الحبيب مثلا، وحقيقة، فان احلام سوف تأسرك بقراءة كتابها ولن تستطيع تركه الا اذا انتهيت من قراءته لشدة عنصر التشويق فيه والمتعة في قراءته، وبانتقائها للكلمات المعبرة عما تود قوله لك، بدقة متناهية، ويظهر ان الكاتبة والأديبة احلام، كما اتضح من قراءتي لكتابها، بأنها سمعت الكثير من القصص والحكايات، التي يدمى لها القلب، وتدمع لها العينين، على لسان بعض من معارفها وصديقاتها من النساء المتزوجات او المعلقات او المطلقات أو العاشقات، واللواتي عايشن معاناة طويلة وعميقة ومؤلمة، من علاقات الحب والغرام، بينهن وبين أسيادهن من الرجال، سواء داخل العلاقات الزوجية او خارجها.
تقول احلام، ان كتابها هذا وما به من نصائح، هو هدية لبنات جنسها من النساء، وكتبته لوجه الله، و نكاية بالرجل أيضا، لنقرأ ما كتبته بالفقرة التالية موجهة لبنات جنسها:
(إذا كانت النصيحة بجمل، أكون قد أهديتكن لوجه الله. ونكاية في بعض الرجال، قافلة من الجمال، وما أبقيت لي والله على ناقة ولا جمل، كأنّ هذا الكتاب أعطاني وهم، أن أكون طاعنة في الحكمة !لا أطمع في غير دعواتكنّ لي بالخير، ولاحقًا بالرحمة، فأنا أعتبر هذا الكتاب، صدقة جارية، وأثق أنّه سيكون أكثر كتبي قراءة، نظرًا لما أتوقّعه من ازدهار حالي، ومستقبلي للخيبات النسائيّة.. والخيانات الرجالية، وهو ما يسعدني و يؤلمني في آن واحد).
تتكلم احلام مستغانمي في كتابها عن الرجولة أيضا، وتنتقد مفهومها الدارج في مجتمعاتنا العربية في العصر الحاضر والتي تعني للبعض، القوة الجسمية والجنسية والتباهي بهما بشكل خاص، وقدرة الرجال على تعدد الزوجات وتنوعها، ومفهومها لها فتقول:
(الرجولة.. أعني تلك التي تؤمن إيمانًا مطلقًا لا يراوده شكّ، أنّها وجدت لتعطي لا لتؤذي، لتبني وتحبّ وتهب، الرجولة... في تعريفها الأجمل، تختصرها مقولة كاتب فرنسي تقول: (الرجل الحقيقي ليس من يغري أكثر من امرأة، بل الذي يغري أكثر من مرّة المرأة نفسها ".. التي تؤمن بأنّ العذاب، ليس قدر المحبّين، ولا الدمار ممرًّا حتميًّا لكلّ حبّ، ولا كلّ امرأة، يمكن تعويضها بأخرى، و أنّ النضال من أجل الفوز بقلب امرأة، والحفاظ عليه مدى العمر، هي أكبر قضايا الرجل، وأجملها على الإطلاق، وعليها يتنافس المتنافسون).
تقول احلام في كتابها للرجال، لمن حصل منهم على نسخة منه وقرأه هذا الكتاب يسمح لمن تسلّل من الرجال هنا، أن يتعلّم من أخطاء غيره من " الذكور " من باب " تعلّم الأدب من قليل الأدب ").
كما عودتنا احلام مستغانمي سابقا في كتاباتها، فهي تقحم السياسة في كتاباتها كثيرا، باسلوب سلس وساخر، في مضمون كتبها، فهي تدعو الى تشكيل حزب سياسي كي يلتف نحو مفهوم مبدأ (النسيان، واهميته بشكل عام)، وان مثل هذا الحزب، سوف يلقى الدعم من انظمة الحكم العربية، لنقرأ كيف تفلسف احلام هذا المنطق:
(أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان، المناضلة من أجل التحرر من استعباد الذاكرة العشقيّة، أتوقّع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفيّة، إلى طموحات سياسيّة مشروعة، فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربي للنسيان، سيكون حتمًا أكبر حزب قومي، فلا شرط للمنخرطين فيه، سوى توقهم للشفاء من خيبات عاطفيّة، أراهن، أن يجد هذا الحزب، دعمًا من الحكّام العرب، لأنّهم سيتوقّعون أن ننسى من جملة ما ننسى, منذ متى وبعضهم يحكمنا, و كم نهب الحاكم هو وحاشيته من أموالنا، وكم علقت على يديه من دمائنا؟؟؟؟؟ دعوهم يعتقدون أنّنا سننسى ذلك! من يشاركني الرأي، ويودّ الانخراط في حزب جديد، لا ذاكرة له، ولا سوابق مصرفيّة ولا تاريخ دموي، ولا شعارات نضاليّة أو أصوليّة، بإمكانه الانضمام إلينا في موقع:www.nissyane.com
ليس في مشروعنا من خطّة سوى مواجهة إمبريالية الذاكرة، والعدوان العاطفي للماضي علينا..ليس في جيوبنا وعود بحقائب وزاريّة، فقط نعدكم بأن نحمل عنكم وزر الخيبات، لا نتوقّع دعمًا ماديًّا من أحد، لذا نحن فقراء إلى دعواتكم بالخير).
تتابع احلام حديثها عن اهمية النسيان، باسلوب تهكمي وساخر، خاصة للمراة، التي تعيش على ذكرياتها الأليمة مع الرجل، الذي احبته ومنحته كل حبها له وعشقها واحلامها وآلامها، وصدمها، بل وصعقها بخيانته لها، بعد ان اشبعته حبا وعشقا وولعا وثقة، وغرس كل اصابعه في لحمها، واكل منها وشرب حتى الثمالة، وكانها كانت تعيش مع رجل ملاك، يتوق للحب والعشق والهيام بها، حتى اخمص قدميه، فتقول أيها الناس اسمعوا وعوا، لا أرى لكم والله من خلاص الا في النسيان، فلا تشقوا بذاكرتكم بعد الآن، انشقّوا عن أحزابكم و طوائفكم و جنسيّاتكم ومكاسبكم، وانخرطوا في حزب، جميعنا متساوين فيه أمام الفقدان، ليخبر القارئ منكم من لم يقرأ هذا الكتاب).
تنتقد احلام مستغانمي وفاء المرأة العربية المطلق في حبها للرجل، سواء كان زوجا او حبيبا او صديقا وخلافه، وتعتقد، ان هذا الوفاء، صفة سلبية جدا في المرأة، يجب ان تتخلى عنها، بحيث لا يكون لرجل لا يستحقه، فالمراة العربية وفية ومخلصة كلية لزوجها أو حبيبها، ولا يمكنها ان تتخلى عنه وتخونه بسهولة، وصابرة عليه، مهما طال غيابه عنها، ومهما الم بها من مصائب ومكائد، أو اغراؤات جمة، حيث يمكن للعابها ان يسيل بكثافة كبيرة، وان ينهار جسدها من اول لمسة له، من قبل اي رجل وسيم او شبه وسيم، لكن ذو شخصية جذابة، يفيض رجولة وعطفا وحبا وكرما، لكنها تصمد، وتبقى وفية مخلصة لمن احبته، وسلمت له جسدها وروحها وشرفها وكرامتها وأغلى شيء لديها، بل كل شيء، كي يتصرف بها بحكمة ورافة، وعدل واحسان، اما هو، اي الرجل، بدل ذلك، فهو سريع النسيان، ولا يلبث ان يستبدل المراة التي احبته وأحبها، وضحت من اجله بكل شيء، فهو بكل سهولة ويسر، وفي اول خطوة أوصدفة يجد فيها امرأة اجمل من زوجته، وعلى أقل تقدير تساويها في جمالها أو اقل قليلا منها، وتلفت انتباهه، وتوقظ احساسه وعاطفته الجنسية بشكل او بآخر، ينتقل اليها بسرعة، كي يشبع غريزته الجنسية منها، ويغرس كلتا اصابع يديه في لحم جسدها، غير عابيء بمن تركها من ورائه، والتي تنتظر عودته على أحر من الجمر، وتبقى مخلصة له ووفية لحبها الذي منحته له.
لنتابع نداء احلام مستغانمي في هذا المجال وما تود قوله ايضا:
(إنّه نداء نرفعه إلى العلماء. نناشدهم فيه، إيجاد علاج للحدّ من تفشي داء الوفاء للماضي، لدى إناث الجنس البشري، ذلك، أنّ الوفاء مرض عضال، لم يعد يصيب على أيامنا الا الكلاب... و الغبيّات من النساء!).تتابع أحلام مستغانمي وتقول حين قلت لصديقتي تلك " أحبّيه كما لم تحبّ امرأة، و انسيه كما ينسى الرجال "!.صاحت " يا الله... اكتبيها "! لكن ما كان لهذه الفكرة أن تكون شعارًا، بل نهجًا نسائيًّا، تكتسبه المرأة بذكائها الذي هو وليد غباء سابق).
تعتقد أحلام ان كتبها ونصائحها وتجاربها، يمكن ان تكون دواء للبعض، كعلاج لاضطرابات نفسية، ومتعة تلهي النفس من عذابات نفسية كثيرة وطويلة، لذلك بيعت بعض كتبها في الصيدليات، لنسمع منها ما تقوله في هذا المجال .... قبل مدّة، عثرت على روايتي " فوضى الحواس " تباع في صيدليّة في شارع الحمراء، مع كتب الحمية وعلاج السكري وأمراض الشرايين والقلب، لفرط مفاجأتي، اشتريتها أمام اندهاش الصيدلي، ومن جنوني، رحت مساءً أقرؤها، عساها تشفيني من مرض نفسيّ ما، فمنذ سنوات، ما عدت كاتبتها).
تناقش احلام في كتابها اختفاء الرجول نسبيا في عصرنا الراهن، وقلتها كثيرا عن ذي قبل، وتأثير ذلك على المرأة بشكل عام، ومعاناتها من الوحدة، كما تشبه المرأة ووضعها، بوضع الكرة الأرضية في وقتنا الحاضر، وما اصابها من تلوث بيئي خطير، قد يطيح بنا وبسلامة طبيعتها الجميلة والهانئة والخلابة والمدهشة، وما تعانيه من الأحتباس الحراري وتخريب البيئة وتلويثها من قبل الرجل، فتقول:
(اختفاء الرجولة، لم يلحق ضررًا بأحلام النساء، ومستقبلهن فحسب، بل بناموس الكون، وبقانون الجاذبيّة، الاحتباس الحراري، ما هو الا احتجاج الكرة الأرضيّة، على عدم وجود رجال، يغارون على أنوثتها، لقد سلّموها كما سلّمونا " للعلوج "، فعاثوا فينا وفيها خرابًا وفسادًا. لتتعلّم النساء، من أمّهن الأرض، لا أحد استطاع إسكاتها، ولا إبرام معاهدة هدنة معها، ما فتئت تردّ على تطاولهم عليها، بالأعاصير والزوابع والحرائق والفيضانات، هي تعرف مع من تكون معطاءة، وعلى من تقلب طاولة الكون).
تروي احلام قصة صديقة لها عاشت اربع سنين من الحب مع رجلها، وتعتبرها احلام، نموذج حي لكل النساء العربيات، من المحيط الى الخليج، وتروي عنها مدى اخلاصها لرجلها هذا، رغم ما عانته من الظلم والأجحاف على يديه، ورغم توضيحاتها وارشاداتها وغسل دماغها، بما يتضمنه من افكار حالمة وخيالية، الا انها رمت بكل ما سمعت منها بعرض الحائط، واصرت على حبها له، وانها تقبل بكل شيء بحقها، الا ان تتنازل عن حبها هذا، او نسيانها له، تقول احلام عن صديقتها هذه:
(صديقتي هذه، نموذج لآلاف النساء العربيّات اللائي يقدّمن سنوات من عمرهنّ قربانًا لرجل لم يقدّم لهنّ سوى الوعود. ويرين الحبّ ارتهانًا لشخص ليس بالضرورة رهينة لهن، بل لمزاجه وأفكاره المسبقة وعقده وتطلعاته الشخصيّة. صديقتي هذه، تعيش عذاب القطيعة العاطفيّة. كانت مطمئنة إلى رجل حياتها. تملك مؤونة أربع سنوات من الذكريات. ومفكرة بيضاء وعدها أن يملآها معًا، حتى آخر يوم من عمرهما، بالمشاريع الثنائيّة الجميلة. كانت الأثرى بيننا، فقد ملأ الرجل جيوب قلبها وعودًا، حتى زهدت في كلّ شيء عداه. كان سيّدها و مولاها. كان نشرتها الجويّة وبوصلتها في الكون. فعذرنا انقطاعها عنّا نحن الصديقات. كانت تعيش حبًّا نحسدها عليه سرًا. ثمّ ذات صدمة، بدأ عذابها.واذ بها تمضي نحو جحيم لا نستطيع فيه شيئًا من أجلها.راحت تموت أمامنا، لأن الذي وضعت خصاله فوق الرجولة. وعواطفه فوق الحبّ نفسه. و بايعته نبيًّا.. غدر بها دون مقدمات. ---------لم تكن في منتصف عمر الحبّ. كانت على مشارف " أسطورة حبّ ". ترتدي بغباء أنثى، قميص الانتظار، ولا تريد أن يفكّ أزراره سواه، الإغداق بالنصائح لا جدوى منه في هذه الحالة، فهي واثقة من عودته.كما توقّعت، راحت تدافع عنه، كما تدافع ضحيّة عن جلادها).
تعتقد بعض النساء، او الزوجات ان ليلة حمراء، تقضيه مع هذا الرجل زوجها، على سرير العشق او الزوجية، كفيل ان يضع القطار على سكته الصحيحة، دون ان ينحرف عنها، أحلام لا تعتقد بأن السرير هو المكان الآمن او الصحيح، فهو بعد هذا وكله، قادر على التخلص منك، وتسليمك الى ما هو عدوك، باسلوب شيق وممتع، وصور تشبيهية جميلة، تنقل لك احلام ما تود ايصاله للمرأة العربية بهذا الخصوص فتقول:
(السرير ليس مكانًا آمنا لامرأة تنشد النسيان. فلا تطلبي اللجوء العاطفي إليه. سيسلّمك إلى " عدوّك الحبيب " كما سلّم حسن الترابي كارلوس إلى فرنسا. وكما تسلّم الأنظمة العربيّة كلّ معارض يلجأ إليها و يأتمنها على حياته،السرير كمين يقع فيه القلب النازف شوقًا. المطعون عشقًا. اعتقادًا منه أنّه ملاذ آمن لفرط حميميّته.هكذا هي المرأة العربية.. تؤجل فرحتها في انتظار السعادة. الحياة موجودة من أجلك.. بعطورها وورودها وفصولها.. ومصادفاتها.الحياة تنتظرك، وأنت تنتظرينه. السعادة تشتهيك، وأنت تشتهينه. الحبّ يحبّك، وأنت تحبينه. لأنّه ألمك.كقطّ يتوق إلى خانقه تريدينه،عام من الألم يكفي ويزيد، إنّه معدل الزمن الأنثوي المهدور الذي تحتاجه امرأة للشفاء من رجل تفشى فيها داؤه، الوعكة العاطفيّة، تأخذ وقتًا أقلّ، فثمّة " حبّ " تلتقطه النساء مثل الانفلونزا في شتاء القلب).
الكتاب في حقيقتة، تحفة ممتعة للقراءة والأفكار والتشبيهات الرائعة والأبداعية والخلاقة، ومهما حاولت الأقتباس منه، لأؤكد لكم على صدق احساسي وتقديري لهذا الكتاب القيم، فلن استطيع الا اقتباس كل ما جاء في الكتاب، فالأستعانة بجملة من الكتاب من هنا او هناك، لن يفي الكتاب حقة من القيم الجمالية والأبداعية والخلاقة، وهذا يتطلب من قاريء مقالتي هذه، الا أن يقرأ الكتاب بنفسه والأطلاع عليه، حتى يتسنى له الأستمتاع بما يقرأه بنفسه.




خـلاصـةُ قـراءة ذاكـرة الـجسد - أحـلام مستـغانمي
محمد بوشيخة
21 أكتوبر 2005م


رواية في منتهى الدقة في البناء .. رواية جمعت كل مشارب الحياة؛ من تاريخ، جَــغرافيا، فلسفة وأدب .. رواية يصعب معها التصديق والتكذيب .. رواية تشكل مهرجانا لملتقى الثقافات؛ حيث تعدُّدُ الأقطار( لبنان ، الجزائر، فلسطين، فرنسا …) وسجِلاّ لكتبٍ وكتـابٍ عرفهم التاريخ أو جعلوا التاريخ يعرفهم، فسجّــل رُغمـاً عنه أسماءهم، إنه استثمار لمقرؤ أحلام مستغانمي.

ليس هذا فحسبُ، بل هي كتاب في التنظير للكتابة الإبداعية خاصة الرسم منها .. كتاب/ رواية تدفعك إلى التشكيك في كل شئ وطرح أسئلة تحمل تناقضات..

- أيّ جسد يقصده العنوان وتؤكده الرواية في ثناياها ..؟

- لماذا كل خطاب النص أتى على لسان”خالد”وعُدَّ المكتوب له تلك التي أحـبَّ ..؟

- ألا تشكل الرواية ذاكرة بمعناها الأولي؛ حيث الكاتب يسرد أحداثا لاتجهلها المخاطَبة وإنما فقط يرغب تَـذكرتها ..؟.

أسئلة كثيرة تصعب الإجابة عنها .. لكن دعني أفترض مايلي:

قد يقصد السارد/ تقصد صاحبة النص بالجسد ذلك الذي ناضل من أجل التحرير، خصوصا وأن” الفقدان” إحدى سمات هذه الرواية ( فقدان الأم أولا و سي الطاهر وفقدان يد السارد ثم فقدان زياد وحسّـان) .. كما قد تكون المرأة محوردِلالته1 .. فـ “حياة” كامرأة كلٌّ كيف نظر إليها .. فـ “خالد” اعتبرها كل النساء و”زياد” رأى فيها المرأة المبدعة الجـــذّابة .. و”سي …” اختطفها أخيرا؛ حيث جعل منها “سي الشريف” فرصة لاحتضان مراكز القرار.

هذا وقد يدل الجسد على الجانبين معاً، خاصة أن “المرأة” وتيمة “الفقدان” ابتدأت بهما الرواية لتنتهي وفقهما، ولهذا الفعل علاقة بــ “الذاكرة”، لكن الذي يؤكد الطرح الأول - لربما- قول السارد ” كان جسدي يُــنتصبُ ذاكرة أمامه .. ولكنه لم يقرأني”2

أمرآخراستوقفني عند العنوان؛ إذ صاحبة الرواية أجدر بأن تكون عنوانا للرواية - أقصد اسمها ( أحلام مستغانمي)-؛ حيث الحلمُ راود السارد وكل شخوص الرواية منذ البداية حتى النهاية، فكل الثوار ضمنيا حلمواْ بتحرير الجزائر من المستعمر، وكم حلُــمَ “خالد” بأن تكون “حياة” له وحده .. وقبل ذلك بأن ينضم إلى الجبهة .. ثم ألم يحلم “حسان” بوظيفة أسمى تريحه من تعب القسم ..؟ .. والملاحظ أن كل هذه الأحلام تبعثرت وظلت أحلاما “ولبست نهائيا حداد أحلامي”3 .. مما يعني كذلك أن “مستغانمي” والتي نفترض أنها اسم لوطَنيّ يقطن بوطن ما ومنه بمدينة ما، كقولنا ” قسطنطيني”، و”مستغانم”- طبعا- مدينة بالجزائر.. إذن ماالذي يمنع من أن يكون مدار النص أحلاما راودت وظلت تراود السارد ..؟؛ هذا الذي يجوز جعله نموذجا لكل جزائري آنذاك، ونهاية النص أقوى دليل على ذلك …”وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة، رؤوس أقلام .. ورؤوسَ أحلام “4.


............................


* - رواية أحلام مستغانمي،الطبعة: 16، سنة: 2001م
1 - " لامساحة للنساء خارج الجسد"، ذاكرة الجسد، ص: 385.
2 - نفسه، ص: 404.
3 - نفسه، ص: 404.
4 - نفسه، ص: 404.

أحلام مستغانمي: أهي كتابات للنسيان أم لإنعاش الروح والذاكرة والوجدان؟

شكيب كاظم


(هذه رواية قرأتها على مهل، رواية اخذت من وقتي الكثير، من ايام العمر القصير، اذا ما قيس بأعمار مخلوقات اخر، كي استمتع بما اقرأ، واتشرب ما قرأت، قرأتها، كأني اقرأ شعرا). هذا ما كتبته يوم انهيت قراءة ثلاثيتها الروائية الشهيرة (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس)، و(عابر سرير)، ونشرته جريدة (الزمان) في ملحق (الف ياء) الثقافي طبعة لندن الثلاثاء 27/10/2009



واراني بحاجة الى ان استعير هذه السطور بعد ان فرغت من قراءة كتابها الجديد، الذي سمّته الدكتورة احلام مستغانمي بـ(نسيان com) والصادر عن دار الآداب اللبنانية عام 2009، هذه هي الطبعة الاولى، وارى ان ستتوالى طبعاته، شأنه شأن اعمال مستغانمي، التي تخطت الارقام المتواضعة التي تطبع بها كتبنا في العالم العربي، اذ تخطت الالوف وعشراتها ومئاتها الى المليون عدا، ولذا يحق لي ان اطلق عليها اسم رولينغ العرب، هذه الروائية التي يقف الناس صفوفا وعند الصباح الباكر، كي يحصلوا على نسخة من اصداراتها الجديدة، و(هاري بوتر) تحديدا، مما يبشر بصعود نجم الحرف المكتوب ازاء نجم الحرف المُشاهَدْ والمسموع !!
اقول اراني بحاجة الى استعارة هذه السطور وانا اهمُّ بكتابة حديث نقدي عن هذا الكتاب الممتع والجميل (نسيان com) ذي الصفحات التي زادت على الثلاث مئة، المكتظة بنثر يحاكي الشعر ويضارعه، لابل يبزه ويتفوق عليه، تُرى هل رأيتم نثرا يبز الشعر؟ نعم، لقد قدمت احلام مستغانمي في كتابها هذا الذي سيبقى في الذاكرة ولن ينسى والذي اسمته (نسيان com) النثر الباز للشعر والمتفوق عليه، ونصيحتي لمن تريد او يريد قراءة هذا الكتاب، الذي حظرته احلام عن عيون القراء الرجال! لكننا تمكنا بطرقنا الخاصة من التلصص على هذا الكتاب والدخول الى مخادعه، واختلاسه بصمت وهدوء كي ننعم بسويعات جميلة معه، ويحق لنا ان نرفع ضد كاتبته دعوى التمييز الاسري ضد الرجال والعنف الثقافي الممارس نحوهم، والمطالبة بحقوق الرجال ومساواتها بحق المرأة في قراءة كتاب (نسيان com) !!
نصيحتي ان يُقرأ هذا الكتاب – وانا هنا بنيت الفعل للمجهول كي لا تحتج مستغانمي علينا نحن معاشر الرجال !! – ان يُقرأ – لمزيد من المتعة والاستغراق فصلا، فصلا، كي لا تختلط قراءة هذا الفصل بمتعة ذاك، ولكي تبقى تعيش اجواء كل فصل وتعايشها.
في قراءتي للمجاميع القصصية، اقرأ من اجل مزيد من الامتاع والمؤانسة، وانا هنا استعير عنوانا لكتاب شهير لابي حيان التوحيدي، اقرأ – غالبا – قصة واحدة في كل جلسة للقراءة، ان قراءة اخرى تفسد متعتي بالاولى، ولا تجعلني اتمتع بألق الثانية وبهجتها، يحصل عندي تداخل في الاجواء، واجد من الصعوبة مبارحة اجواء القصة التي انجزت قراءتها والدخول الى عتبات الثانية، وهذا ينسحب على الطعام، لا ارغب في الانتقال من لون الى آخر، وغالبا ما آكل لونا واحدا، وهذا ما نفذته وانا اقرأ هذا الكتاب الجميل الانيق بموضوعاته ولغته فأحلام مستغانمي التي ابهرت الدكتور سهيل ادريس، وهي تختار عنوانا لأحد اجزاء ثلاثيتها الروائية (عابر سرير) وادهشته طعما في مَسَبّاته المحببة الى قلبها صائحا بها بلهجته البيروتية وهي تعرض عليه نص روايتها الجديدة، ناصةً على عنوانها (عابر سرير).
(وين لاقيتيه عنوان (عابر سرير)؟) تراجع ص43 من عدد مجلة الآداب 4-5-6-2008 السنة 56، فهي كذلك ابهرت قراءها، وهي تبحر نحو جزر العواطف وخلجان المحبة ومحيطات العشق والغرام، بلغة منتقاة ساحرة زاخرة بالجناس والطباق البلاغيين، مستغانمي، هذه التي كنا – في العراق – نقرأ بشغف وحميمية مقالها الاسبوعي في الصفحة الاخيرة من مجلة (الف باء) الاسبوعية في الثمانينات الماضيات، تقول في احدى حكمياتها البلاغية الجميلة الموجهة الى مجاميع النساء والكتاب كله احاديث شفيفة رقيقة موجهة الى المرأة التي تعاني ازمة او احباطا في العلاقة مع الرجل –(لا تنازلي رجلا بتقديم مزيد من التنازلات، في التبضع، كما في الحب، الرجل لا يحب التنزيلات، يريد ما ندر وغلا) ص225، اذ انت لا ترى فيمن تحب الا ما تحب ان تراه.
ولننظر الى الجناس البلاغي في – تنازلي والتنازلات والتنزيلات.
انا لن اختار مزيدا من نصوص هذا الكتاب، ولآلئه، لاني ان اطلقت لنفسي العنان، لنقلت الكتاب برمته الا قليلا، واكون بذلك قد تخطيت حقوق الطبع المحفوظة للمؤلفة، التي تمنع النقل من دون اذن خطي مسبق من الناشر!! هي التي عانت كثيرا قراصنة الكتب الذي يجدون في كتبها تجارة لا تبور!!.

ذاكرة الجسد – أحلام مستغانمي


حصلت رواية ذاكرة الجسد على جائزة “نجيب محفوظ” للرواية سنة 1997. وهي جائزة تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة لأهم عمل روائي بالّلغة العربية. نالت أيضاً جائزة “نور” عن مؤسسة نور للإبداع النسائي القاهرة 1996، وجائزة “جورج طربيه للثقافة والابداع” سنة 1999 لأهم إنتاج إبداعي (بيروت). ترجمت إلى عدّة لغات عالمية منها: – الإنجليزية (صدرت الطبعة الثانية سنة 2003)، الفرنسية (سنة 2003 عن دار Albin Michel تصدر الطبعة الثانية هذا العام في سلسلة كتاب الجيب)، الإيطالية، الصينية، الكردية.

ذاكرة الجسد، رواية من تأليف الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وهي حائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1997. صدرت سنة 1993 في بيروت. بلغت طبعاتها حتى فبراير 2004 19 طبعة. بيع منها حتى الآن أكثر من 3000000 نسخة (عدا النسخ المقرصنة).

من أعمال الكاتبة رواية ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير وكتابها المثير للجدل الذي صدر عام 2010 نسيان دوت كوم وهي بصدد استكمال روايتها الجديدة الأسود يليق بك. وتستقر أحلام مستغانمي الآن في بيروت.

اعتبرها النقّاد أهم عمل روائي صدر في العالم العربي خلال العشر سنوات الأخيرة، وبسبب نجاحاتها أثيرت حولها الزوابع مما جعلها الرواية الأشهر والأكثر إثارة للجدل. ظلّت لعدة سنوات الرواية الأكثر مبيعاً حسب إحصائيات معارض الكتاب العربية (معرض بيروت – عمّان- سوريا- تونس- الشارقة). صدرت عن الرواية ما لا يحصى من الدراسات والأطروحات الجامعيّة عبر العالم العربي في جامعات الأردن، سوريا، الجزائر، تونس، المغرب، مرسيليا، والبحرين.

اعتمدت للتدريس في عدة جامعات في العالم العربي وأوروبا منها: جامعة السوربون، جامعة ليون، و(إيكس ان بروفنس) و(مون بوليه)، الجامعة الأمريكية في بيروت، الجامعة اليسوعية، كلّيّة الترجمة، والجامعة العربية بيروت. كما اعتمدت في البرنامج الدراسي لعدة ثانويات ومعاهد لبنانية. كانت نصوصها ضمن مواد إمتحانات الباكالوريا في لبنان لسنة ‏2003‏‏.

يراها النقاد رواية رائعة ثائرة متجددة في صورها الشاعرية وتاريخيتها السردية وزخم أحداثها المتواصل، ويعتبرها من أفضل روايات القرن بفضل لغتها الشاعرية وسردها الحكائي البصري وصورها المتجددة. وقد أبدعت في الكتابة التي تجمع بين الواقع والخيال الأدبي.

" قلوبهم معنا وقنابلهم علينا " أحلام مستغانمي


” قلوبهم معنا و قنابلهم علينا ” الكتاب الذي أصدرته أحلام مستغانمي تزامناً مع إصدار نسيان.كم. و قد بيعت منه حتى الآن 5000 آلاف نسخة منذ تاريخ صدوره، أي حوالي الأسبوع فقط، رغم أنّه لم يحظ بتغطية إعلاميّة كبيرة لكنّه استطاع أن يفرض نفسه في سوق الكتب و المبيعات من الأسبوع الأوّل ، الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات نشرتها أحلام في مجلة زهرة الخليج ، وهي عبارة عن توثيق لأحداث سابقة مذيلة بتاريخها أسفل كل مقال ، سياسية إلى حدٍ كبير تدور في أغلبها حول أمريكا والعراق بوش وصدام حسين ، من صفحاته الأولى أنقل هذا التوضيح:








كان مقرّرًا لهذا الكتاب أن يصدر قبل ثلاث سنوات، حتى إنّ عنوانه كان ضمن فهرس كتب دار الآداب لسنة 2006. لكن في آخر لحظة كنت أعود و أؤجل مشروع إصداره.
مجرّد جمع هذه المقالات التي كتبتها على مدى عشر سنوات في زاويتي الأسبوعيّة بمجلة “زهرة الخليج” الإماراتيّة، و إعادة ترتيبها، حسب تواريخها و مواضيعها و مواجعها، كانا وجعًا في حدّ ذاتهما.
بعض هذه المقالات بكيتُ و أنا أُعيد قراءتها، و بعضها ضحكتُ ملء قلبي كأنّني لستُ من كتبها. و بحسب مقياس هذه الأحاسيس المتطرّفة، ارتأيتُ أنّها تستحقّ منكم القراءة.
لا أعتبر هذه المقالات أدبًا، بل ألمًا داريتُه حينًا بالسخرية، و انفضحتُ به غالبًا، عندما تعدّت الإهانة الجرعة المسموح بها لقلب عربيٍّ يُعاني من الأنفة.
قد يبدو غير مجدٍ الآن، كلّ ما كتبتُه هنا، و ما ستقرأونه في كتب لاحقة ستصدر ضمن سلسلة – هذا أوّل كتاب فيها – تضمّ مقالات مجموعة حسب قضايا و هواجس وطنيّة و قوميّة.. استنزفتني على مدى ربع قرن من الكتابة.
لكنّه توثيق لتفاصيل علقت بذاكرتنا القوميّة أو رفض لتكريس ثقافة النسيان، و تحريض لمن سيأتون بعدنا، على مغادرة الحظيرة التي نُحشر فيها كالقطيع و من ثمّ نُساق إلى المراعي الأمريكيّة المتحدّة، حيث لا ينبت غير عشب المذلّة..
سيقول بعضكم، إنّ كتابي هذا جاء متأخّرًا و أميركا على أهبة مغادرة العراق. و أردّ بقول لكرومر، يوم كان في القرن الماضي حاكمًا على السودان، و جاء من يسأله ” هل ستحكم أيضًا مصر؟”. فأجاب” بل سأحكم من يحكم مصر!”.
فالمحتل لا يحتاج اليوم إلى أن يُقيم بيننا ليحكمنا.. إنّه يحكم من يحكموننا، و يغارون على مصالحه، بقدر حرصه على كراسيهم.
ثمّ.. لأنّ قسمًا كبيرًا من هذا الكتاب خصّصته للتهكّم من “بوش الصغير”، لا أستطيع أن أمنع نفسي من تزويدكم بآخر ما قرأت عنه من أخبار و أنا أبعث بهذا الكتاب إلى المطبعة.
فلقد اشتكى الرجل الذي تحكّم بأقدار العالم لثماني سنوات، من أنّ مهامه الحاليّة تقتصر على تنفيذ أوامر زوجته لورا بحمل كيس بلاستيكي، و التنظيف وراء كلب العائلة “بارني” في حيّهم السكنيّ بدالاس!
إنّها فرصة للتأمّل في أقدار رجال، راح بعضنا يؤلّههم، و يقدّم قرابين الولاء لهم، ناسيًا أنّهم مجرّد بشر، بإمكان الزمن أن يمضي بهم في أيّة لحظة من مجرى التاريخ.. إلى مجاريه.
فهل من يعتبر؟




من بديع قصائدها ومقالاتها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حان لهذا القلب أن ينسحب



أخذنا موعداً

في حيّ نتعرّف عليه لأوّل مرّة

جلسنا حول طاولة مستطيلة

لأوّل مرّة

ألقينا نظرة على قائمة الأطباق

ونظرة على قائمة المشروبات

ودون أن نُلقي نظرة على بعضنا

طلبنا بدل الشاي شيئاً من النسيان

وكطبق أساسي كثيراً من الكذب.

...

وضعنا قليلاً من الثلج في كأس حُبنا

وضعنا قليلاً من التهذيب في كلماتنا

وضعنا جنوننا في جيوبنا

وشوقنا في حقيبة يدنا

لبسنا البدلة التي ليست لها ذكرى

وعلّقنا الماضي مع معطفنا على المشجب

فمرَّ الحبُّ بمحاذاتنا من دون أن يتعرّف علينا

...

تحدثنا في الأشياء التي لا تعنينا

تحدّثنا كثيراً في كل شيء وفي اللاّشيء

تناقشنا في السياسة والأدب

وفي الحرّية والدِّين.. وفي الأنظمة العربيّة

اختلفنا في أُمور لا تعنينا

ثمّ اتفقنا على أمور لا تعنينا

فهل كان مهماً أن نتفق على كلِّ شيء

نحنُ الذين لم نتناقش قبل اليوم في شيء

يوم كان الحبُّ مَذهَبَنَا الوحيد الْمُشترك؟

...

اختلفنا بتطرُّف

لنُثبت أننا لم نعد نسخة طبق الأصل

عن بعضنا

تناقشنا بصوتٍ عالٍ

حتى نُغطِّي على صمت قلبنا

الذي عوّدناه على الهَمْس

نظرنا إلى ساعتنا كثيراً

نسينا أنْ ننظر إلى بعضنا بعض الشيء

اعتذرنـــــا

لأننا أخذنا من وقت بعضنا الكثير

ثـمَّ عُدنــا وجاملنا بعضنا البعض

بوقت إضافيٍّ للكذب.

...

لم نعد واحداً.. صرنا اثنين

على طرف طاولة مستطيلة كنّا مُتقابلين

عندما استدار الجرح

أصبحنا نتجنّب الطاولات المستديرة.

"الحبُّ أن يتجاور اثنان لينظرا في الاتجاه نفسه

.. لا أن يتقابلا لينظرا إلى بعضها البعض"

...

تسرد عليّ همومك الواحد تلو الآخر

أفهم أنني ما عدتُ همّك الأوّل

أُحدّثك عن مشاريعي

تفهم أنّك غادرت مُفكّرتي

تقول إنك ذهبت إلى ذلك المطعم الذي..

لا أسألك مع مَن

أقول إنني سأُسافر قريباً

لا تسألني إلى أين

...

فليكـــن..

كان الحبّ غائباً عن عشائنا الأخير

نــــاب عنــه الكـــذب

تحوّل إلى نــادل يُلبِّي طلباتنا على عَجَل

كي نُغادر المكان بعطب أقل

في ذلك المساء

كانت وجبة الحبّ باردة مثل حسائنا

مالحة كمذاق دمعنا

والذكرى كانت مشروباً مُحرّماً

نرتشفه بين الحين والآخر.. خطأً

...

عندما تُرفع طاولة الحبّ

كم يبدو الجلوس أمامها أمراً سخيفاً

وكم يبدو العشّاق أغبياء

فلِمَ البقاء

كثير علينا كل هذا الكَذب

ارفع طاولتك أيّها الحبّ حان لهذا القلب أن ينسحب




على مشجب انتظارك



حين تغضب

تعلق ضحكتك على المشجب

تترك للهاتف مكر صمتك..

وتنسحب

وتغتالني في غيبتك أسئلتي

أبحث في جيوب معطفك

عن مفاتيح لوعتي

أود أن أعرف.. أتفكر فيَ؟

أيحدث ولو لغفوة

أن تلامسني أحلامك قبل النوم؟

أن تبكيني ليلا وسادتك؟

***

حين.. أمام حماقاتي الصغيرة

تفقد كلماتك أناقتها

ويخلع وجهك ضحكته

لا أدري عن أي ذنب أعتذر

وكيف في جمل قصيرة

أرتب حقائب الكذب

أمام رجل لا يتعب

من شمشمة الكلمات

***

..على صحوة غيرتك تأتي

بثقة غجري اعتاد سرقة

الخيول

أراك تسرق فرحتي

تطفئ أعقاب سجائرك

على جسد الأمنيات

تحرق خلفك كل الحقول

وتمضي

تاركاً بيننا جثة الصمت

***

حين يستجوبني حبك

على كرسي الشكوك

عنوة يطالبني بالمثول

يأخذ مني اعترافاً بجرائم لم

أرتكبها

كمحقق لا يثق في ما أقول. .

يفتش في حقيبة قلبي عن رجل

يقلب دفاتر هواتفي. .

يتجسس على صمتي بين الجُمل

ماذا أفعل؟

أنا التي أعرف تاريخ إرهابك العاطفي

أأهرب؟

أم أنتظر؟

***

أنت الذي بمنتهى الإجرام..

منتهى الأدب

تغير أرقام قلبك

إثر انقطاع هاتفي

كما تغير الزواحف جلودها

كما تغير امرأة جواربها

عسى تجن امرأة بك.. أو تنتحر

***

منذ الأزل

تموت النساء عند باب قلبك

في ظروف غامضة

فبجثثهن تختبر فحولتك

وبها تسدد أحزانك الباهظة





مواسم لاعلاقة لها بالفصول





هُنالك مواسم للبكاء الذي لا دموع له ..

هُنالك مواسم للكلام الذي لا صوت له ..

هُنالك مواسم للحزن الذي لا مبرر له ..

هُناك مواسم للمفكرات الفارغة ..

والأيام المتشابهة البيضاء ..

هُنالك أسابيع للترقب وليالٍ للأرق ..

وساعات طويلة للضجر ..

هُنالك مواسم للحماقات .. وأخرى للندم ..

ومواسم للعشق .. وأخرى للألم ..

هُنالك مواسم .. لاعلاقة لها بالفصول ..

**

**

هُنالك مواسم للرسائل التي لن تُكتب ..

للهاتف الذي لا يدق ..

للاعترافات التي لن تقال ..

للعمر الذي لا بد أن ننفقه في لحظة رهان ..

هُنالك رهان نلعب فيه قلبنا على طاولة القمار ..

هُنالك لاعبون رائعون يمارسون الخسارة بتفوق ..

**

**

هُنالك بدايات السنة أشبه بالنهايات ..

هُنالك نهايات أسبوع أطول من كل الأسابيع ..

هُنالك صباحات رمادية لأيام لا علاقة لها بالخريف ..

هُنالك عواصف عشقيه لا تترك لنا من جوار

وذاكرة مفروشة لا تصلح للإيجار ..

**

**

هُنالك قطارات ستسافر من دوننا ..

وطائرات لن تأخذنا أبعد من أنفسنا ..

هُنالك في أعماقنا ركن لا يتوقف فيه المطر ..

هُنالك أمطار لا تسقي سوى الدفاتر..

هُنالك قصائد لن يوقعها الشعراء ..

هُنالك ملهمون يوقعون حياة شاعر ..

هُنالك كتابات أروع من كاتبها ..

هُنالك قصص حب أجمل من أصحابها ..

هُنالك عشاق أخطئوا طريقهم للحب ..

هُنالك حب أخطأ في اختيار عشاقه ..

**

**

هُنالك زمن لم يخلق للعشق ..

هُنالك عُشاق لم يخلقوا لهذا الزمن ..

هُنالك حُب خلق للبقاء ..

هُنالك حُب لا يبقي على شيء ..

هُنالك حُب في شراسة الكراهية ..

هُنالك كراهية لا يضاهيها حب ..

هُنالك نسيان أكثر حضوراً من الذاكرة ..

هُنالك كذب أصدق من الصدق ..

**

**

هُنالك أنا

هُنالك أنت

هُنالك مواعيد وهمية أكثر متعة من كل المواعيد..

هُنالك مشاريع حب أجمل من قصة حب ..

هُنالك فراق أشهى من ألف لقاء ..

هُنالك خلافات أجمل من أي صلح ..

هُنالك لحظات تمر عمراً ..

هُنالك عمر يحتضر في لحظة ..

هُنالك أنا .. وهنالك أنت ..

هُنالك دائماً مستحيل ما يولد مع كل حب






من وحي الذي قال كلمتين ثم سقط





من وحي الذي قال كلمتين:

باسم "ابي اياد".. ثم سقط!

***

مشلولة رجلاه

وكلّ ما لديه من أشعار

أحرقها التتار

رأيته يبحث في الوجوه

تجرّه عربة المعتوه

وفجأة تلعثمت بالحزن شفتاه

وقال كلمتين...

"الحق كلمتان"

ثم سقط!




كلمات.. قطف سيفك بهجتها





رجل لم يدرِ كيف يردُّ

على قُبلة

تركها أحمر شفاهي

على مرآتـــه

فكتب بشفرة الحلاقــة

على قلبي:

“أُحبُّـــك”

***

حتماً.. رحيلك مراوغة

على طاولات الكسل الصيفية

أنتظرك بفرحتي

كباقة لعبّاد الشمس

في مزهرية

لكن.. فراشة الوقت

على وشك أن تطير

***

لا تكن آخر الواصلين

أحدهم سيجيء

سيجيء ويذهب بي

بعد أن يخلع باب

انتظاري لك

***

خطاي لا بوصلة لها سواك

تُكرِّر الحماقات إيّـاهــــا

تنحرف بين صوبك

عائدة إلى جادة الخطأ

ما من عاشق تعلّم من أخطائه

***

كلمات مُدماة

قطف سيفك بهجتها

لن ترى حبرها الْمُراق

***

غافلة عن خنجرك

ينبهني الحبر حيناً

إلى طعنتك

سأضع شفاه رجل غيرك

ورقاً نشّافاً

يمتص نزيفي بعدك

***

كما نحن

تشظّى عشقنا الآسر

وانكسر إبريق

كنا تدفّقنا فيه

منسكبين أحدنا في الآخر

***

لا تدع جثمانك بيني وبينهم

كلُّ مَن صادفني

وقف يُصلِّي عليك صلاة الغائب

ما ظننتني

سأنفضح بموتك إلى هذا الحد







قبل أن يسقط الرمز






تصوّرت وأنا أطأ تلك الأرض العربية.. للمرة الثانية. أنني تركت

أفكاري المضادة عند الجمارك. وكآلاف السواح سآخذ حمام شمس،

وأحتسي كثيراً من الشاي وأعود بحقائب مملوءة عباءات.

ولكنني وجدت نفسي كالمرة الأولى، عاجزة عن أن أكون مجرد سائحة.

خاصة وأنني في هذه المرة سأقضي أياماً في ضيافة العائلة المالكة.

أي مغامرة كانت أن أتخلى مرة واحدة عن كل ما أؤمن به.

أن أتناول غذائي وخلفي زنجيان بقفازات بيضاء يحرمانني حتى لذة تقطيع الخبز بيدي.

أن آخذ حمام شمس في شاطئ خاص، يراقبه ما يقارب الخمسة عشر

حارساً، وكأنني جاكلين في الجزيرة التي أهداها إيّاها زوجها الراحل

أوناسيس.

أن أستمع إلى أي أغنية أريدها بصوت المغني نفسه وبإبداع أو بتصنّع

أكثر.

كان عمري عشرين سنة، وكنت أرى وجودي في ذلك القصر محض

فضول طفولي.

كنت في أعماقي أحتقر كل الفنانين الذين التقيت بهم في تلك الظروف.

تناقشت بعدها مع أحدهم. كان يعتقد انه (ملتزم).

قال مبرراً وجوده هناك "ما رأيك بعبد الحليم؟ إنه في هذه اللحظة يغني

في القصر الآخر!".

قلت "قد أغفر لعبد الحليم لأنه ليس من هذا البلد.. هو لا يغادر القصر

ليرى الشعب.. ثم أنه ملتزم أولاً برد جميل الملك! أما أنت فتعرف شعبك

أكثر منّا وتعرف ما يريد".

كان هذا أول نقاش لي. سألني آخر بعدها.. ما الذي يزعجني في هذا

البلد الرائع؟ قلت "ربما أفكاري.. أنا لست ملكية!".

أجاب بهدوء "لا تنزعجي كثيراً إذن.. فلكل بلاد ملكها. كلّ من لا يمكن

توجيه الإنتقاد إليه.. هو ملك".

كان على صواب.. لكنني لم أستسلم.

قال أخيراً "هذه مشاكل ستحلّ بتحرير أرضنا"، قلت" بل بتحرير الإنسان

أولا".

تذكرت فجأة عندما منذ عام، كنت أمرّ بمدينة في ذلك البلد المجاور، وإذ

بسيارة تتوقف، وجموح الفلاحين يسرعون نحوها ليلثموا يد رجل ينزل

منها ويمدّ يده نحوهم بكل برودة وتجاهل..

قبلها كنت أتحدث كثيراً عن الثورة.

يومها ما كان بإمكاني تغيير شيء في ذلك الموقف، فأفكاري لن تمنح

رغيفاً لفقير. ولا هي سترد الكرامة لرجل مهان. ما عاد يكفي أن نثور..

يجب أولاً أن نخلق الإنسان الذي يحمي الثورة.

قررت أخيراً أن أصمت.

ولكن بدأ صراع جديد عندما طالبني أحدهم في سهرة أن (أنشد) شعراً.

وسرعان ما أصبح الأمر مطلباً جماعياً يقتضيه السمر.

قلت جادة: "لا أكتب شعراً يليق بهذه المناسبات"

أحتجّ البعض مطالباً بأية قصيدة حب.

قلت أنني لم أكتب شعراً في الحب.

طالبوني بإرتجال قصيدة "عنهم".. ضحكت.

آخر قصيدة كتبتها، كان موضوعها الجنود الذين ارسلوا إلى الحدود

لأسباب غير حربية.

لو قرأتها عليهم ماذا كان يمكن أن يحدث!

لا شيء ربما..

لن أموت ولن أسجن، فقط سيظنون أنني جننت لأنتقد حاكماً في قصره.

أخيراً قرأت عليهم قصيدة رمزية، فهمها كل واحد كما أراد.

أدركت يومها أن الرمزية خيانة لأنها جبن. أضفت إسمي إلى قائمة

المبدعين الذين أحتقرهم. وكان عليّ أن أرحل قبل أن ينكشف الرمز!




من كتاب " نسيان كوم "
أحلام مستغانمي


أشياء تطاردها

و أخرى تُمسك بتلابيب ذاكرتك

أشياء تُلقي عليك السلام

و أخرى تُدير لك ظهرها

أشياء تودّ لو قتلتها

لكنّك كلّما صادفتها

أردتك قتيلًا

تكتبين روايات و قصائد في الحبّ، و لا يسألك أحد في من

كتبتها..... و لا هل يحتاج المرء حقًّا كلّ مرّة أن يحبّ ليكتب عن

الحبّ.

( لو كان نزار حيًّا لأضحكه السؤال. فالشاعر العربي الذي كتب

خمسين ديوانًا في الحبّ. لم يحبّ سوى مرّات معدودة في

حياته )

ذلك أنّ ذكرى الحبّ أقوى أثرًا من الحبّ، لذا يتغذّى الأدب من

الذاكرة لا من الحاضر.

لكنّك تقولين أنّك تكتبين كتابًا عن النسيان و يصبح السؤال " من

تريدين أن تنسي " ؟

لكأنّ النسيان شبهة تفوق شبهة الحبّ نفسه. فالحبّ سعادة.

أمّا السعي إلى النسيان فاعتراف ضمني بالانكسار و البؤس

العاطفي.

و هي أحاسيس تُثير فضول الآخرين أكثر من خبر سعادتك.

لكنّ الاكتشاف الأهمّ هو أن المتحمّسين لقراءة

" وصفات للنسيان "

أكثر من المعنيّين بكتاب عن الحبّ.

النساء و الرجال من حولي يريدون الكتاب نفسه.
أوضّح للرجال " و لكنّه ليس كتاب لكم "...

يردّون " لا يهم في في جميع الحالات نريده "!

كلّ من كنت أظنّهم سعداء انفضحوا بحماسهم للانخراط في

حزب النسيان.

ألهذا الحدّ كبير حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟!


لا أحد يعلن عن نفسه.

الكلّ يخفي خلف قناعه جرحًا ما، خيبة ما، طعنة ما.

ينتظر أن يطمئن إليك ليرفع قناعه و يعترف

: ما استطعت أن أنسى!

أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان.

المناضلة من أجل التحرر من استعباد الذاكرة العشقيّة.

أتوقّع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفيّة إلى طموحات

سياسيّة مشروعة.

فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربي للنسيان.

سيكون حتمًا أكبر حزب قومي.

فلا شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء من خيبات

عاطفيّة.

أراهن أن يجد هذا الحزب دعمًا من الحكّام العرب لأنّهم

سيتوقّعون أن ننسى من جملة ما ننسى،

منذ متى و بعضهم يحكمنا،

و كم نهب هو و حاشيته من أموالنا.

و كم علقت على يديه من دمائنا.

دعوهم يعتقدون أنّنا سننسى ذلك!

إذ إنّنا نحتاج أن نستعيد عافيتنا العاطفيّة كأمّة عربيّة عانت دومًا

من قصص حبّها الفاشلة.

بما في ذلك حبّها لأوطان لم تبادلها دائمًا الحبّ.

حينها فقط، عندما نشفى من هشاشتنا العاطفيّة المزمنة،

بسبب تاريخ طاعن في الخيبات الوجدانيّة،

يمكننا مواجهتهم بما يليق بالمعركة من صلابة و صرامة.

ذلك أنّه ما كان بإمكانهم الاستقواء علينا لولا أن الخراب في

أعماقنا أضعفنا. و لأنّ قصص الحبّ الفاشلة أرّقتنا و أنهكتنا،

و الوضع في تفاقم.. بسبب الفضائيّات الهابطة التي وجدت كي

تشغلنا عن القضايا الكبرى وتسوّق لنا الحبّ الرخيص و

العواطف البائسة فتبقينا على ما نحن عليه من بكاء الحبيب

المستبد... و نسيان أنواع الاستبداد الأخرى

لفرط ما كتبتني

أحلام مستغانمي

كتبتني

باليد التي أزهرت في ربيعك

بالقُبلات التي كنتَ صيفها

بالورق اليابس الذي بعثره خريفك

بالثلج الذي

صوبَكَ سرتُ على ناره حافية

...

بالأثواب التي تنتظر مواعيدها

بالمواعيد التي تنتظر عشّاقها

بالعشّاق الذين أضاعوا حقائب الصبر

بالطائرات التي لا توقيت لإقلاعها

بالمطارات التي كنتَ أبجديّة بواباتها

بالبوابات التي تُفضي جميعها إليك

...

بوحشة الأعياد كتبتني

بشرائط الهدايا

بشوق الأرصفة لخطانا

بلهفة تذاكر السفر

بثقل حقائب الأمل

بمباهج صباحات الفنادق

بحميميّة عشاء في بيتنا

بلهفة مفتاح

بصبر طاولة

بتواطؤ أريكة

بطمأنينة ليلٍ يحرس غفوة قَدَرِنا

بشهقة باب ينغلق على فرحتنا

...

كتبتني.. بمقصلة صمتك

بالدُّموع الْمُنهمِرة على قرميد بيتك

بأزهار الانتظار التي ذَوَت في بستان صبري

بمعول شكوكك.. بمنجل غيرتك

بالسنابل التي

تناثرت حبّاتها في زوابع خلافاتنا

بأوراق الورد التي تطايرت من مزهرياتنا

بشراسة القُبَل التي تفضُّ اشتباكاتنا

...

بِمَا أخذتَ.. بِمَا لم تأخُذ

بِمَا تركتَ لي من عمرٍ لأخذِهِ

بِمَا وهبتَ.. بما نهبتَ

بِمَا نسيتَ.. بِمَا لم أنسَ

بِمَا نسيتُ..

بِمَا مازال في نسياني يُذكِّرني بكَ

بِمَا أعطيتك ولم تأبه

بِمَا أعطيتني فقتلتني

بِمَا شئت به قتلي

فمتَّ بــه!



بطاقات معايدة.. إليك

غيرة

أغــار من الأشياء التي

يصنع حضوركَ عيدها كلّ يوم

لأنها على بساطتها

تملك حقّ مُقاربتك

وعلى قرابتي بك

لا أملك سوى حقّ اشتياقك

ما نفع عيد..

لا ينفضح فيه الحبُّ بكَ؟

أخاف وشاية فتنتك

بجبن أُنثى لن أُعايدك

أُفضّل مكر الاحتفاء بأشيائك

ككل عيد سأكتفي بمعايدة مكتبك..

مقعد سيارتك

طاولة سفرتك

مناشف حمّامك

شفرة حلاقتك

شراشف نومك

أريكة صالونك

منفضة تركت عليها رماد غليونك

ربطة عنق خلعتها لتوّك

قميص معلّق على مشجب تردّدك

صابونة مازالت عليها رغوة استحمامك

فنجان ارتشفت فيه

قهوتك الصباحيّة

جرائد مثنية صفحاتها.. حسب اهتمامك

ثياب رياضية علِق بها عرقك

حذاء انتعلته منذ ثلاث سنوات

لعشائنا الأوّل..

***

- طلب

لا أتوقّع منك بطاقة

مثلك لا يكتب لي.. بل يكتبني

ابعث لي إذن عباءتك

لتعايدني عنك..

ابعث لي صوتك.. خبث ابتسامتك

مكيدة رائحتك.. لتنوب عنك.

***

- بهجة الآخرين

انتهى العام مرتين

الثانية.. لأنك لن تحضر

ناب عنك حزن يُبالغ في الفرح

غياب يُزايد ضوءاً على الحاضرين

كلّ نهاية سنة

يعقد الفرح قرانه على الشتاء

يختبرني العيد بغيابك

أمازلت داخلي تنهطل

كلّما لحظة ميلاد السنة

تراشق عشّاق العالم

بالأوراق الملوّنة.. والقُبل

وانشغلت شفتاك عني بالْمُجاملات..

لمرّة تعال..

تفادياً لآثام نِفاق آخر ليلة..

في السنة!





حتى أنت

وتبقى تناشدني كي أبوح

لماذا بعينيّ يغفو الوجود

وذاك الشرود

تراه ارتعاشة حبّ كبير؟

وينتحر اللحن في أضلعي

وأبكي

وتبكي القوافي معي

وأبقى أمامك دون دموع

أفتشُّ عن فارس ليس يأتي

...

ويعصف بي الصمت في شفتيك

وذاك البرود

يمزّق أعصابي المنهكة

فيا أسفي يا صديقي الأخير

ظللت بعيداً عن المعركة

ولم تغف يوماً بجفن الضياع

ولم تغتسل مرّة يا صيديقي

بطوفان نوح

فماذا عساي أبوح؟



أن أكون في كلِّ التراويح.. روحَك


ما طلبتُ من اللّهِ

في ليلةِ القدر

سوى أن تكون قَدَري وستري

سقفي وجُدران عُمري

وحلالي ساعةَ الحشرِ

**

يا وسيمَ التُّقَى

أَتَّقي بالصلاةِ حُسنكْ

وبالدعاءِ ألتمسُ قُربكْ

أُلامسُ بالسجودِ سجاداً

عليه ركعتَ طويلاً

عساني أُوافق وجهك

**

مباركةٌ قدماك

بكَ تتباهَى المساجد

وبقامتك تستوي الصفوف

هناك في غربة الإيمان

حيثُ على حذر

يُرفع الأذان

**

ما أسعدني بك

مُتربِّعاً على عرش البهاء

مُترفِّعاً.. مُتمنعاً عصيَّ الانحناء

مُقبلاً على الحبّ كناسك

كأنّ مهري صلاتُك

**

يا لكثرتكْ

كازدحام المؤمن بالذكرِ

في شهر الصيام

مزدحماً قلبي بكْ

**

كيف لــي

أن أكون في كلّ التراويح روحَكْ

كي في قيامك وسجودك

تدعُو ألاَّ أكون لغيرك.



مذكّرات

المذكّرة الأولى:

...

قال لي يوماً صديق

"قد تأكّدت أخيراً دون رَيبةْ

أن ما من شاعر يولد إلا

يوم مأساة غرام.. بعد خيبةْ"

وتوقفت أمام القول حيرى

أصحيحاً صار عمري اليوم عام؟

***

المذكّرة الثانية:

...

اليوم في حقيبتي مجموعة البريد

رسائل أزهو بها

بلونها، بخطّها، بنوعها الفريد

فواحد بنيّة المراسلة

وواحد يهوى هنا المغازلة

وثالث يحتال كي يراني

لأنّه من همستي أصبح لا ينام!!

***

المذكّرة الثالثة:

...

وساءلني "القمر الأحمر"

تراه يعود

وردّدت الطير عند الغروب

بأنّ هزار الربوع اختفى

***

المذكّرة الرابعة:

...

الريح والثلوج والأمطار

تعرّت الأشجار

واختفت الطيور والأطغال

لكنني سآتي يا حبيبتي

فحبك معطفي الوحيد

***

المذكّرة الخامسة:

...

قُتلت مرتين

هناك في المغاره

لأنني رفضت أن أموت كلّ يوم

في عشّ عنكبوت

***

المذكّرة السادسة:

...

"الكل أقسم أن ينام"

يا أنت يا مدن المدافن قد سئت من النيام

فأنا أجوب بحيرتي كالطيف حي الميّتين

وإلى متى

سأظلّ أبحث في انتظار

وجه يطل من النيام



بلا قلب بلا عمر

وأحيا خلف ذكرانا

أنا أجري

ولا أدري

بأنّ الحبّ يا حبّي

بلا قلب... بلا عمر!

أحنّ إليك

في الإيمان في الكفر

أحنّ إليك

من ذعري

أحنّ إليك

رغم الله والعصر

لأنّك مثليَ تحيى

بلا قلب... بلا عمر!



من اجمل قصائدها

لا تحبّي… اعشقي


لا تنفقي… أغدقي


لا تصغري… ترفعي


لا تعقلي… افقدي عقلك


لا تقيمي في قلبه… بل تفشّي فيه.


لا تتذوّقيه… بل التهميه.



لا تشوّهي شيئًا فيه… جمّليه.


لا تكوني أمامه بل خلفه.


لا تكوني حاجزه بل دافعه.


لا تكوني عذره بل غايته.


لا تكوني عشيقته بل زوجة قلبه.


لا تكوني ممحاته بل قلمه.



لا تكوني واقعه… ظلّي حلمه

.

لا تكوني دائمًا سعادته… كوني أحيانًا ألمه.


لا تعدلي كوني في الأنوثة ظلمه.


لا تَبكيه… أًبكيه.


لا تكوني متعته بل شهوته.



كوني أرقه و أميرة نومه.


لا تكوني سريره، كوني وسادته


كوني بين النساء اسمه.


ذكرياته و مشاريع غده.


لا تكوني يده، كوني بصمته.


لا تكوني قلبه، كوني قالبه.


لا تغاري من ماضيه، فأنت مستقبله.


و لا من عائلته لأنّك قبيلته.


لا تكوني ساعته، كوني معصمه.



و لا وقته بل زمنه.


تقمّصي كلّ امرأة لها قرابة به.


و كلّ أنثى يمكن أن يحتاج إليها.


و كلّ شيء يمكن أن يلمسه.


وكلّ حيوان أليف يداعبه.


وكلّ ما تقع عليه عيناه.


كوني ابنته و شغّالته و قطّته.



ومسبحته وصابون استحمامه و مناشفه.


ومقود سيّارته وحزام أمانه.


ومصعد بنايته.


كوني مفاتيحه ومن يفتح بابه… حتى في الغياب.


كوني عباءة بيته… سجاد صلاته.


كوني أريكة جلوسه ومسند راحته وشاشته.



كوني بيته.


كوني المرأة التي لم ير قبلها امرأة.


و لن تأتي بعدها امرأة… بل مجرد إناث !

من أجمل ما قالت

قبل اليوم كنت أعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا الا عندما نشفى منها ....
عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم دون أن نتألم مرة أخرى...
عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين دون جنون ودون حقد أيضا ...
أيمكن هذا حقا ؟؟
نحن لا نشفى من ذاكرتنا ولهذا نحن نكتب ولهذا نحن نرسم ولهذا يموت بعضنا أيضا




هل الورق مطفأة للذاكرة؟؟
نترك فوقه كل مرة رماد سيجارة الحنين الاخيرة وبقايا الخيبة الاخيرة ...
لماذا كل هذه الصينية ....من أجل قهوة مرة..؟



ففي النهاية ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات نكتبها خارج المناسبات المعلنة لنعلن نشرتنا النفسية لمن يهمهم أمرنا...ولذا أجملها تلك التي تبدأ بجملة لم يتوقعها من عايش طقسنا وطقوسنا وربما كان سببا في تقلباتنا الجوية .



تعود على اعتبار الأشياء عادية...أشياء يمكن أن تحدث أيضاً
كنت أجهل أن الأشياء غير العادية يمكن أت تجر معها أشياء عادية أيضا ...



هناك صحف يجب أن تغسل يديك ان تصفحتها وان كان ليس للسبب نفسه كل مرة فهنالك واحدة تترك حبرها عليك وأخرى أكثر تألقا تنقل عنونتها اليك.
الآن الجرائد تشبه دائما أصحابها تبدو لي جرائدنا وكأنها تستيقظ كل يوم مثلنا بملامح متعبة وبوجه غير صباحي غسلته على عجل ونزلت به الى الشارع هكذا دون أن تكلف نفسها مشقة تصفيف شعرها أو وضع ربطة عنق مناسبة... إنه قانون الحماقات أن أشتري صحيفة مجلة فقط لأقلب حياتي رأسا على عقب....



كيف يحدث بعد أن كاد الجرح أن يلتئم وكاد القلب المؤثث بذكراك أن يفرغ منك شيئا فشيئا وأنت تجمع حقائب الحب وتمضي فجأة لتسكن قلبا أخر ...غادرت قلبي اذا....
كما يغادر سائح مدينة جاءها في زيارة سياحية منظمة ...كل شيء موقوت فيها مسبقا ...حتى ساعة الرحيل ...ومحجوز فيها مسبقا ...حتى المعالم السياحية التي سيزورها ...واسم المسرحية التي سيشاهدها..... وعنوان المحلات التي سيشتري منها الهدايا .



كان لابد أن أضع شيئا من الترتيب الداخلي واتخلص من بعض الأثاث القديم ان أعماقنا بحاجة الى نفض أيضا كأي بيت عادي نسكنه ولا يمكن أن أبقي نوافذي مغلقة على أكثرمن جثة.....



اننانكتب الروايات نقتل الابطال لا غير وننتهي من الأشخاص الذين اصبح وجودهم عبئا على حياتنا فكلما كتبنا منهم فرغنا منهم وامتلأنا بهواء نظيف...



فوضى الحواس

رواية للعملاقة احلام مستغانمي تتحدث فيها عن حلمها الكبير في بناء جسور بين الأمم لتربطها كإنسانية عربية بالعالم لكن أمام الواقع الضاغط من كل حدب وصوب يتقلص حلمها إلى جسور في الوطن ثم إلى جسور في مدينتها "قسنطينة" وتنتهي بانكماش حلمها و حلم كل إنسان عربي لبناء جسور مع ذاته.

من اجمل ما قالت فى هذه الروايه :

أينتهي الحب عندما نبدأ بالضحك من الأشياء التي بكينا بسببها يوما..؟؟

واكتشاف أن بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا وذلك أن في الموت تساويا في الفقدان نجد فيه عزاءنا


اسطوا على الحياة امتصوا نخاعها كل يوم مادام ذلك ممكنا فذات يوم لن تكونوا شيئا..سترحلون وكأنكم لم تأتوا...


هذا في ما بعـــد!!!


شيء مدهش أن يصل الإنسان بخيبته وفجائعه حد الرقص! إنه تميز في الهزائم أيضا، فليست كل الهزائم في متناول الجميع.
أحلام مستغانمي





 الرجل إذا أراد أن يحتفظ بامرأة يوهمها أنه في أية لحظة يمكنه أن يتخلى عنها  عندما يغادرنا الحب ونجد أنفسنا وحيدين في مواجهته علينا أن نتجاهل نداؤه العشقي الموجع واستغزازه السادي لنا كي لايزيد من ألمنا كوننا ندري تماما أنه يصنع في اللحظة نفسها سعادة عشاق آخرين ...  أن نجرب لذة الامتناع لنتصالح مع أجسادنا لنعرف كيف نعيش داخلها عندما لا نكون معا" ولنكتشف جمالية الوفاء عن حرمان  كيف لك أن تكون على يقين من إحساس مبني على فوضى الحواس وعلى حالة متبادلة من سوء الفهم يتوقع فيها كل واحد أنه يعرف عن الآخر ما يكفي ليحبه.....؟؟  أما المرأة أن تكون قادرة على التخلي عن أي شيء لتحتفظ بالرجل الذي تحبه ..  الأسئلة غالبا خدعة أي كذبة مهذبة نستدرج بها الآخرين إلى كذبة أكبر  عندما ينطفئ العشق نفقد دائما شيئا منا ونرفض أن يكون هذا قد حصل ..  كم رهيبة هي الأسئلة البديهية في بساطتها  من السهل علينا تقبل موت من نحب على تقبل فكرة فقدانه  إن الحب لايتقن التفكير والأخطر أنه لايملك الذاكرة انه لايستفيد من حماقاته السابقة ولا من تلك الخيبات الصغيرة التي صنعت يوما جرحا كبيرا  لا جدوى من الاحتماء بمظلة الكلمات ...فالصمت أمام المطر أجمل  إن أجمل الأشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل  استفيدوا من اليوم الحاضر لتكن حياتكم مذهلة خارقة للعادة  الحب يجلس دائما على غير الكرسي الذي نتوقعه تماما بمحاذاة ما نتوقعه حبا..  يظل العشاق حتى بعد افتراقهما ..وقطيعتهما مأخوذين بجمالية لقائهما الأول  عندما نصمت نجبر الآخرين على تدارك خطاهم  أنـــا أنتمي إلى جيل يعاني أزمة عمر ..وأنفق حياته حتى قبل أن يعيشها  أحيانا أحب استسلامي يمنحني فرصة تأمل العالم دون جهد وكأنني لست معنية به  الرجال اللذين خلقو لكرسي لم يخلقو بالضرورة لسرير واللذين يبهروننا بثيابهم ليسوا اللذين يبهروننا بدونهم..والمشكلة أننا نكتشف  مخيفة هي الكتابة دائما لأنها تأخذ لنا موعدا مع كل الأشياء التي تخاف أن نواجهها أو نتعمق في فهمها  تكمن عبقرية العسكر في اختراعهم البذلة العسكرية التي سيخيفوننا بها ويمكن دهاء رجال الدين في اختراعهم لثياب التقوى التي سيبدون فيها وكأنهم أكـــــثر نقاء وأقرب إلى اللـــــه منا  مذ قررت أنه ليس هناك من حبيب يستحق الانتظار أصبح الحب مرابطا عند بابي ..بل أصبح بابا ينفتح تلقائيا حال اقترابي منه  لقـــــــد أصبحت أنا امرأة حرة فقط لأنني قررت أن أكف عن الحلم..!!!!  الحـــريـة أن لا تنتــظر شـــيئا  مدهش الحب يأتي دائما بغتة في المكان واللحــظة اللذين نتوقعهما الأقل حتى إننا قلما نستقبله في هيأة تليق به  ثمة قبل إن لم تمت أثناءها فأنت لست أهلا لأن تعيش بعـــدها  أنني بحاجة إلى أن أموت أحيانا ...لأعي بعد ذلك أنني مازلت على قيد الحياة  عجيبة هي الحياة بمنطقها المعاكس..أنت تركض خلف الأشياء لاهثا متهرب الأشياء منك وما تكاد تجلس وتقنع نفسك بأنها لاتستحق كل هذا الركض حتى تأتيك هي لاهثة وعندها لاتدري.. أيجب أن تدير لها ظهرك أم تفتح لها ذراعيك وتتلقى هذه الهبة التي رمتها لها السماء إليك والتي قد تكون فيها سعادتك ......أو هــلاكك...؟؟  لست بحاجة إلى خيبات أكثر لأحبك أنــا لا أملك غيــرك  أحبيني دون أسئلة ..فليس للحب من أجوبة منـطقيــة  السقوط عشــقا هو أكثر انتصاراتنا ثـباتـا  إذا كانت القبل مثلنا تموت فالأجمل أن نموت أثناء قبــلة  إن في الحب كثيرا من التلصص والتجسس والفضول والأسئلة لاتزيدك إلا تورطا عشـقيا وهنا تكمن مصيبة العــشاق!!  نحن نأتي ونمضي دون أن نعرف لماذا أحببنا هذا الشخص دون آخر..؟  الأشياء الحميمة نكتبها ولا نقولها..فالكتابة اعتراف صـامت  حين نكون تعساء ندرك تعاستنا ولكن عندما نكون سعداء لا نعي ذلك إلا في ما بعــد إن السعادة اكتشاف مـتأخر  أخاف السعادة ما اكتشفتها مرة إلا وفقدتها  أجمل حب هو الذي يأتيك أثناء بحثك عنه شيء آخر  لابد أن تتعلم الحرمان حتى عندما نكون معا  ثمة أناس لهم تلك القدرة الخرافية على المشي فوق قلوب الآخرين دون شعور بالذنب  الأجدر أن يعّرف الإنسان بما فقد وليس بما يملك فنحن دائما" نتيجة ما فقدناه  أخاف الوقت أنه عدو العشاق  عندما نعثر على الشيء الذي بحثنا عنه تكون بداية النهاية  لا أجالس غير الرجال فمع النساء لا أحرق سوى أعصابي  لقد أصابني الحب بعمى الألوان و أربك فيّ أيضا حاسة النظر  الحــب ليس سوى حالة ارتياب  أنحتاج إلى موتنا كي نحبّ...ونعرف أن ثمة من أحبونا....؟؟  وحده الحــب يملك هذه القدرة الخــارقة على جعل كل شيء جميلا".......... حتى التقاء عاشقين في مقـــبرة  أحببت دائما الكتاّب اللذين تكمن عظمتهم في كونهم يقولون لنا الأشياء الأكثر ألمـــا"وجــدية......... باستخفاف يذهلنــا  نكتشف في نهايـة كل حـب أننافي البدء كنا نحب شخصا"آخــر
نحن لا نكتب إهداءً سوى للغرباء، وأما الذين نحبهم فهم جزء من الكتاب وليسوا في حاجة إلى توقيع في الصفح ...

الحزن قضية شخصية، قضية أحياناً وطنية.

من الجرح وحده يولد الأدب.



عادةً، أضرحة الفقدان تبقى عارية، ففي تلك المقابر لا تنبت سوى أزهار الكراهية؛ ذلك أن الكراهية لا الصد ...




من مقالات أحلام مستغانمي المشوّقة

تلك التفاحة

منذ سنة أو أكثر، بدأ الوزراء اللبنانيون جلستهم الوزارية بقضم تفاحة، دعماً لتفاح لبنان، الذي كان معرّضاً آنذاك للكساد بسبب مقاطعة إحدى الدول المغاربية له بعد أن كانت سوقه الأُولى.
قرأت أنّ التفاح يقي أمراضاً كثيرة، وأنّ تفاحة واحدة في اليوم كافية لدعم صحتك، وإذا بالتفاح نفسه يحتاج إلى إنقاذ، ولا تتوقف الحملات لدعم صحته الاقتصادية. آخرها، حملة قامت بها إحدى المؤسسات اللبنانية، رافعة شعار "بديّاتنا (أي بأيدينا) نقطف تفاحاتنا"، قصد تشجيع الشباب اللبناني على المشاركة في عملية قطافه.
وإن كان لا أجمل من يد فتيّة تقطف ثمرة من شجرة، فلا أخطر على الثورة من لحظة دخول الدودة إلى قلب الثمرة.
لذا أُشفق على الفلسطينيين، الذين بعد أن سَرَقَت منهم إسرائيل برتقال يافا وعنب الخليل، اكتشفوا أنّ دودة دخلت تفاحتهم، التي تمَّ قضمها سرّاً من قِبَل الذين كانوا يوزّعون بالتساوي الشعارات الواعدة على الجائعين، والتفاح على المسؤولين.
حمــداً للّــه أنّ العراقيين وفَّرُوا على أنفسهم هموم التفاح، مـذ جاءهم بستاني، يتولّى في البيت الأبيض زراعة وقطاف كل ما تحبل به أرض العراق.
وبينما كان مطربنا رابح درياسة يغني "يا التفاحة.. يا التفاحة قولي لي وعلاش الناس والعة بيك"، كان ناظم الغزالي يستبق المصاب ويستعدُّ لزمن لن يجد فيه عراقي تفاحة يهديها إلى حبيبته: "وتريد مني التفاح وأنا ما عندي تفاح". وعندما اكتشف العراقيون أن "لا تفاح لمن تنادي"، انخرطوا في حزب البرتقالة، وسلَّطوا علينا مخلوقاً يُردِّد على مدار النهار "يا برتقالا ااة" "يا برتقالا ااة".
بربكم، لولا عقم نخيل العراق حزناً، أكان لأغنية كهذه أن تتصدَّر الأغاني العراقية رَوَاجَاً؟
مناسبة الحديث عن التفاح، أنني قبل أسبوع قمت بدعم التفاح اللبناني وأنا في المطار، قاصدة الجزائر، فارتأيت أن أشتري لأمي منه صندوقاً صغيراً، لعلمي بانحيازها إليه.
البائع الشاب في محل "غوديز" في المطار، الذي سبق في إحدى الرحلات أن تعرّف إليَّ، فأهديته كتاباً لي كان في حوزتي، أسرع إلى خدمتي، وتفانَى في عرض أكثر من فاكهة عليَّ. لكنني بقيت على وفائي للتفاح. قلت له وهو يرافقني إلى الصندوق، إنّ لي قَرَابَة بالتفاح، مستشهدة بمقولة أمين نخلة: "ولد الفن يوم قالت حواء لآدم ما أجمل هذه التفاحة، بدل أن تقول له: كُل هذه التفاحة".
ولأننا كنّا في رمضان، احتفظت لنفسي بخاطرة جارتي الجميلة شهرزاد، التي حوّلت التفاح من فاكهة للخطيئة إلى ثمرة للتقوَى، حين قالت: "كلّما رأيت أمامي تفاحة، ردّدتُ في داخلي: سأتقاسمها معك في الجنّة بإذنه تعالى".
ولأنّ التفاح ثمرة التأمُّل، ارتأيت أن أكتب لكم هذه الخواطر استناداً إلى قول جميل احتفظت به بين أوراقي، للرائعة غادة السمّان: "لو شاهدتَ التفاحة وهي تسقط من الشجرة، وفكرت في قانون الجاذبية، فأنت عالم، لو أخذت التفاحة وبعتها فأنت تاجر، لو التهمت التفاحة فأنت واقعيّ، لو أحزنك موت التفاحة فأنتَ شاعر، لو انحزت إلى الأفعى ضدّ آدم فأنتَ سياسي، أما لو فكرت في كل ذلك، ولم تملك إلاّ أن تكتبه فأنت كاتب وروائي".
اعذرونــي إذن، إن كنت أحتاج إلى كلِّ هذه الروايات لأُحدِّثكم عن تفاحة.

ميّ.. سيِّدة بيروت الجميلة
مقالة ثانية

صور ميّ الشدياق في عدد سابق في "زهرة الخليج" أصابتني بالذهول. أنا التي قلّما تستوقفني نساء الإعلانات، أو صور الأزياء المعروضة في المجلات، بقيت للحظات أدقق في تفاصيل هذه المرأة العائدة من الموت، في أناقة تشهق لها عيون النساء، وبهاء ما كان لها قبل أن تعقد قرانها على التحدِّي.
معجزتها ليست في بقائها على قيد الحياة، بل على قيد الأُنوثة والجَمَال. أجزاء من جسدها ما عادت موجودة، لكنها تواصل تزيين ماناب عنها من قطع غيار بشريّة. تضع ساعة ثمينة في معصم ما عاد معصمها، وخواتم كبيرة في أصابع تعرّفت لتوّها إليها، وتطلي بعناية أظفاراً لن تنمو إلاّ في ذاكرتها.
لأنني كتبت ثلاثية بطلها فنان بُترت ذراعه اليسرى، تعمّقت على مدى سنوات في دراسة أحاسيس مَن فَقَد عضواً من جسده، وكُتب عليه أن يعيش يُتم الأعضاء. عدتُ إلى "عابر سرير" أبحث عن قول كنتُ كتبته على لسان بطلي وهو يحاور صديقه الصحافي. يقول خالد بن طوبال في الصفحة (111): "هذا أمر لا يفهمه إلاّ مَن فَقَد أحد أطرافه. وحده يعاني "ظاهرة الأطراف الخفيّة". إحساس ينتابه بأنّ العضو المبتور لايزال موجوداً، بل هو يمتدُّ في بعض الأوقات إلى كامل الجسد. إنه يؤلمه ويشعر بحاجة إلى حكِّه، أو تقليم أظفار يد لا توجد! كذلك الأشياء التي فقدناها، والأوطان التي غادرناها، والأشخاص الذين اقتُلِعُوا منّا. غيابهم لا يعني اختفاءهم· إنهم يتحرَّكون في أعصاب نهايات أطرافنا المبتورة، يعيشون فينا كما يعيش وطن، كما تعيش امرأة، كما يعيش صديق رحل. ولا أحد غيرنا يراهم".
لا أدري، هل ستجد ميّ الشدياق نفسها في هذا الحوار، هي الْمُحاوِرَة الذكيّة التي تَمَادَت في إهانة القَتَلَة إلى حدِّ عودتها إلى بيـــروت، في تايــور وردي في كلِّ زينتها، واختارت لحلقتها الأُولى الصحافي سركيس نعوم، آخر مَن حاورته قبل محاولة اغتيالها بساعات، كما لتقول لهم، إنّ الوقت لم يتوقف لحظة، وإنّ لا شيء ممّا أرادُوه حَدَث.
مثل بيــروت التي قَامَــت دوماً من ركامها ودمارها، أجمل ممّا كانت وأكثر شهيّة للحياة، وكأنهم ما أحرقوها ولا قطعوا أوصالها، مثلها تطلع لنا ميّ، الخارجة من بين فكَّي الموت، جميلة عصيَّة، شُجاعة ذكيّة، أنيقة بهيّة، مُقبِلَة على الحيــاة بشهيّة مَن يدري أنّ الحياة لا تَمنح نفسها إلاّ لِمَن خَانَها مع الموت، وعاش السعادة كلحظة مُهدَّدة.
إن كانت بيروت "ستّ الدنيا" حسب نــزار، فلابد من إعلان ميّ الشدياق "ستّ بيروت". إنّها صورتها الأنثى التي قَامَت من تحت الرَّدمِ، المرأة التي "هَزَمَت القَتْل والقَاتِل"، حسب تعبير بيار ضاهر. رفضت أن تهزمها عَصَا، وأن يُقزِّم من قامتها كرسيّ. لــذا، كلَّما أطلَّت أعطتنا درساً في الإرادة.. والسَّعادة.
إنّها تُذكّرني بما رواه لي الصديق العزيز الدكتور غـــازي القصيبي، أطــال اللّه عمره، عن زيارته لـ"نــزار قبّــانــي" أيام مرضه في لندن. وكان نــزار، رحمه اللّه، يتكئ حينها على عَصَا بسبب كسر في وركه، أذكر أنه أصابه عند سقوطه وهو يغادر المصعد.
ولم يفت الدكتور غازي القصيبي، وهو الشاعر، التنبُّه إلى حرص نــزار على ألاَّ تُهين العَصَا قامته، أو تُشوّه صورة الشِّعر الذي كان يُجسِّده، أناقــة وتألُّقــاً.
إنّــه الحَرَج نفسه الذي شعر به نــزار يوم زار طـــه حسين في القاهرة لأوّل مرة، فلم يَدْرِ كيف يعتذر لعميد الأدب عن فقدانه البَصَر في زمن فقدان الآخرين البصائر، فصاح بــه:

ارمِ نظارتيكَ، ما أنتَ أعمَى
إنّما نحنُ جوْقَة العُميانِ

فما كان من القصيبي، بظرفه الشعري، إلاَّ أن صاح بـ"نــزار" وهو يعودُهُ:

ألقِ عكازتيكَ وحدكَ تمشي
إنّما نحنُ جوْقَة العرجَانِ

أَفَهِمْتِ يا مــيّ.. يا "ســتّ بيــــروت"، لماذا كلَّما وقفتِ أجلسْتِنا على ذلك الكرسيّ

المقال الثالث
أيها المواطن التلفزيوني.. أنقذ نفسك


شكراً للّه. فمن نعمه عليَّ في رمضان الكريم، أنه منحني القدرة طوال شهر، على مقاومة غواية الفضائيات العربيّة، ومقاطعة كلّ ما يُبثُّ عليها من مسلسلات، وبرامج ترفيهيّة، ومسابقات رمضانيّة، ومقابلات تهريجيّة.
تجرّأت وخنتُ وطني، حسب تعبير محمد الماغوط، رحمه اللّه. ذلك أنك في العالم العربيّ تنتمي إلى التلفزيون. هو وطنك وحزبك وأهلك وعشيرتك. تشي قناتك المفضّلة بقناعتك وهواياتك وسنّك العقلية والثقافية ومزاجك العاطفي، ونواياك الانتحارية.
إذا كنّا جميعنا مواطنين في جمهورية التلفزيون، فأنا أُعلن نفسي مواطنة منشقة، بعد أن قضيت صيفاً كاملاً وأنا في حالة تخدير مشهدي، أركض مع المراسلين الحربيين من ضيعة إلى أُخرى، ومن قناة إلى أُخرى. حتى في نومي، كنت أفتح التلفزيون مذعورة، عسى كارثة حلّت أثناء نومي ولم أدرِ بها. هلع واحد يسكنني: ماذا لو سقط أحد المراسلين شهيداً على مرأى منّا وورّطنا في دمه؟ كتيبة المراسلات الجميلات الشجاعات اللائي كنّ يتحدثن إلينا، واصلات الليل بالنهار، غير آبهات بالصواريخ التي تمطر حولهن وفوقهن من كل صوب.. أين هنّ؟
كيف لصبايا فضائيات التبرُّج، اللائي يسهرن ليلهنَّ ويُحيين نهارهنّ ببيعنا المباهج الكاذبة، وأزياءهنّ الباذخة، المقدَّمة كإعلانات للمصممين، أن يُنسيننا صبايا الخوذة والسترة الواقية، صبايا الشجاعة والغضب المهذّب والحزن الراقي؟ يا للعجب! ما دعاهنّ أحد إلى برنامج تلفزيوني لنتعرّف إليهنّ أكثر، لنطمئن عليهنّ، وقد كنّ أهلنا وبناتنا؟
قرّرت ألاّ أكون من نُسّاك التلفزيون، أيّاً كان مذهب القناة.
الذين باعوا العالم العربي البهجة الكروية المشفّرة، أَمَا كان في إمكانهم إنقاذنا من قهر متابعة مباراة موتنا، بتشفير أعراس الدم العربيِّ أيضاً؟
العرض المجاني لايزال مستمراً، مادام الأمر يتعلّق بهلاكنا. ليواصل مَن شاء الفرجة. سواء أتابعت الفضائيات الإخبارية، أم تلك الترفيهية الخلاعية، ثمّة اتفاق على الإجهاز عليك.
أيها المواطن التلفزيوني.. أنقذ نفسك!

عندما ينتحر الممثل.. نيابة عن المشاهد

توقّعتُ هذا الصيف، وأنا أُتابع مسلسل الدمار العربي، أن يُقدم أحد المشاهدين العرب على الانتحار قهراً. ثم جاء رمضان، وخفت أن يتمرّد أحد عبيد المسلسلات الرمضانية، وينتحر احتجاجاً على تكبيله شهراً كلّ سنة أمام التلفزيون. وإذا بالممثلين هُم المنتحرون. فقد فاجأتنا الصحف بخبر محاولة انتحار الفنانة الشابة إيمان أيوب بقطع شرايين يدها، لعدم عرض المسلسل الرمضاني الذي تشارك فيه مع نخبة من ألمع النجوم.
ولن أُعلِّق على الخبر بما يزيد من قهر هذه الصبيّة، ذات الملامح البريئة والجَمَال الهادئ، كما تبدو على الصورة. فأنا أعذر يأسها من عالم الأدغال التلفزيونية، ومافيا المسلسلات الرمضانية، التي أصبح لها ذئابها وثعالبها ووحوشها البشرية، التي تعرف من أين تُؤكَل "كتف المشاهد"، ومن أين تُؤتى جيوب القنوات، ومتى تنقضُّ على العقود والصفقات، فتسلقها لنا كيفما اتفق شوربة رمضانية من ثلاثين وجبة يومية.
إنها حقاً "سوق للخضار" حسب تسمية المسلسل الذي رُصد له أكثر من 9 ملايين جنيه كميزانية مبدئية، وكُتبت قصته على قياس نجومية فيفي عبده، المشغولة على مدار السنة بنشاطها الخاص في الملاهي وحفلات الأعراس، ولا تحلُّ ضيفة على طاولة إفطارنا إلاّ في رمضان· ولنكن واقعيين. إنّ تسعة ملايين جنيه ليست اليوم بمبلغ يُذكَر، حتى وإن كان البعض يستكثره على أعمال أدبية حفرت وجدان القارئ العربي، مادام ردفا روبي يساويان مليوناً ونصف المليون دولار، أو بالأحرى حق تصويرها في إعلانات عن ماركة مايوهات. موجهة إلى أسواق عربية!
وتريدون بعد هذا ألاّ تُقدم ممثلة شابة وجادة على الانتحار، بعد أن أصابها الإرهاق من العمل ليلاً ونهاراً على مسلسل لن يرى النور، تدور أحداثه في فترة ما قبل ظهور الدعوة الإسلامية، وتم تعديل اسمه من "نصر اللّه" إلى "نصر السماء" قبل أن يصبح الاسمان، حسب القاموس السياسي اللبناني الجديد.. سيَّــان!

مقال رقم (4 )
أدب الشغّالات

حتمـاً، ثـمَّـة سرٌّ ما. ذلك أني ما أحضرت شغّالة، من أيّ جنسية كانت، إلاّ وبدت عليها أعراض الكتابة، بدءاً بتلك
الفتاة المغربية القروية، التي كانت تقيم عندي في باريس، لتساعدني على تربية الأولاد، فوجدتُ نفسي أُساعدها على كتابة رسائل حبّ لحبيبها. ومن أجل عيون الحبّ، لا من أجل عينيها، كنت أُنفق كثيراً من وقتي لأجعل منها فتاة "شاعرة" ومُشتهاة، حتى انتهى بي الأمر، إلى العمل "زنجيّة" لديها، بكتابة رسائل حبّ لحبيبها نيابة عنها! خديجــة، التي كنت "زنجيتها"، حسب التعبير الفرنسي، والكاتبة التي تختفي خلف أحاسيسها وقلمها، كانت في الواقع فأرتي البيضاء، ومختبراً لتأمُّلاتي الروائية. أُمِّـي كانت تحلف بأغلظ الأَيمَان بأنّ الفتاة سَحَرَتني، حتى إنني منحتها أجمل ثيابي، وكنت أعيرها مصوغاتي وحقائب يدي لمواعيدها العشقية، وأبذل من الجهد والعناء في تحويلها من فتاة كانت قبلي تغسل ثيابها على ضفاف النهر، إلى فتاة من هذا العصر، أكثر مما كانت تُنفق هي من وقت في الاهتمام بأَولادي. ذلك أنَّ البنت ذات الضفائر البدائية الغليظة، ظهرت عليها مع عوارض حُـبٍّ باريسي لشاب سوري، أعراض الكتابة الوجدانية في سذاجة تدفُّقها الأوّل. وأخشى إنْ اعترفت بأنني كنت أيام إقامتها عندي أكتب "ذاكــرة الجســد"، أن يستند أحدهم إلى مقالي هذا، مُلمِّحاً إلى احتمال أن تكون شغّالتي مَن كَتَبَت تلك الرواية، نظراً إلى كونها الوحيدة التي لم تنسب إليها الرواية حتى الآن.
عندما انتقلت إلى بيــــــروت، بَعَثَ لي اللَّــه، سيِّـدة طيِّبة وجميلة، من عمري تقريباً، جَمَعَت، على الرغم من مظهرها الجميل، إلى مُصيبة الفقــر، لعنة انقطاعها باكراً عن التعلُّم. لـــــذا، ما جالستها إلاّ وتنهَّدت قائلــة: "كم أتمنَّى لو كنت كاتبة لأَكتُب قصَّتي". وراحـــت تقصُّ علـيَّ مآسيها، عساني أستفيد منها روائياً، وربما سينمائياً، نظراً إلى ما تزخر به حياتها من مُفاجآت ومُفاجعات مكسيكية. ماري، التي كانت تَجمَع كل ما فاض به بيتي من مجلات، وواظبت على القراءة النسائية بفضلي، مازالت منذ سنوات عـدَّة تتردَّد علـيَّ في المناسبات، ولا تُفوِّت عيــداً للحُبِّ إلاَّ وتأتيني بهدية. في آخر عيــد للحب أهدتني دفتـراً ورديـاً جميلاً لكتابة المذكرات، مرفوقاً بقلم له غطاء على شكل قلب، وكتبت على صفحته الأُولى كلمات مؤثِّـرة، بشَّـرنـي زوجي عند اطِّلاعه عليها بميلاد كاتبة جديدة!
جاءت "روبــا"، وهو اسم شغّالتي السريلانكية التي عرف البيت على أيامها، العصر الذهبي لكتابة الرسائل واليوميات. فقد استهلكت تلك المخلوقة من الأوراق والأقلام، أكثر ممّا استهلكنا عائلياً جميعنا، كتّابـاً وصحافيين.. وتلاميذ. وكنت كلَّما فردت أوراقي وجرائدي على طاولة السفرة، جاءت "روبـــا" بأوراقها وجلست مقابلة لي تكتب(!)، وكان أولادي يَعجبون من وقاحتها، ويتذمّرون من صبري عليها، بينما كنت، على انزعاجي، أجد الْمَشهد جميلاً في طرافته. ففي بيت عجيب كبيتنا، بدل أن تتعلَّم الشغّالة من سيدة البيت طريقة "حفر الكوسة" و"لف الملفوف" وإعداد "الفتُّوش"، تلتحق بـ"ورشة الكتابة" وتجلس بجوار سيِّدتها، مُنهمكة بدورها في خربشة الأوراق.
وعلى الرغم من جهل زوجي للغة "الأوردو" و"السنسكريتية"، فقد كان أوّل مَن باركَ موهبة الشغّالة، واعترف بنبوغها الأدبي، إلى حدِّ تساهله معها في ما لا تقوم به من شؤون البيت، بحُكم وجودها معنا، على ما يبدو، لإنجاز كتابها، واعتبار بيتنا فندقاً للكتابة من تلك الفنادق التي تستضيف الكُتّاب على حساب مؤسسات لإنجاز أعمالهم الأدبيّة. حتى إنه أصبح يناديها "كوماري"، على اسم الكاتبة السريلانكية الشهيرة "كوماري جوديتا"، التي كانت آنــذاك مُرشَّحة لرئاسة "اليونسكو"، وراح يُحذِّرني مازحـــاً من أن تكون البنت مُنهمكة في كتابة مُذكّراتها عندنا، وقد تفشي بكثير من أسراري، وتصدر كتابها قبل كتابي، وقد تصرُّ على توقيعه في معرض بيروت للكتاب، أُسوة بالشغّالة السريلانكية التي تعمل عند الفنان الراحل عارف الريس، التي كانت تقوم نهاراً بأشغال البيت، وترسم سرّاً في الليل، مستفيدة من المواد المتوافرة في مرسم سيِّدها. و كانت عَظَمَة عـــــارف الريس، في تبنِّي موهبة شغّالته، بدل مُقَاصصتها بدل سرقة بعض أدواته، بل ذهب إلى حدِّ إقامة معرض فني لها، تـمَّ افتتاحه برعاية سفير سريلانكا في لبنان.
ولو أنّ أُمِّـي سمعت بتهديدات زوجي لي، بأن تسبقني الشغّالة بإنجاز كتابها، لردَّدت مَثَلَها الجزائري الْمُفضّل "العود اللي تحقــرُو هـــو اللّــي يعميــك". وهو ما كان يعتقده إبراهيــم الكونــي، حين قال "خُلق الْخَدَم ليثأروا منَّا، لا ليخدمونا".
أمَّـا مناسبة هذا الحديــث، فعودة ظهور الأعراض إيّاها، على شغّالتي الإثيوبية، التي لا تكتفي بتقليد ملابسي وثيابي، ومُتابعة نظام حميتي، واستعمال كريماتي، بل وتأخذ من غرفتي أوراقي وأقلامي، وتختفي في غرفتها ساعات طويلة، لتكتب.
أخشى أن تكون مُنهمكة في كتابة: "الأَسوَد يَليق بكِ"!

المقال رقم (5)
ابني.. الإيطالي

انتهى حديثي عن رومــــا، عند ذلك السائق الذي تشاطر عليّ وأقنعني بأنني أمددته بورقة نقدية من فئة العشرة يورو·· لا الخمسين، وتقاضى مني بالتالي مئة يورو، عن مشوار المطار الذي يساوي نصف ما دفعت·
ولم يحزنِّي الأمر كثيراً، مادام هذا كلّ ما فقدت، مقارنة بنسيبي، الذي على فائق ذكائه وشطارته، وتردده على إيطاليا أكثر من مرَّة، نجح الطليان في ميلانــو في سرقة حقيبة يده، بكل محتوياتها من مبالغ نقدية وجوازات سفر وبطاقات مصرفية، بعد أن قاموا بتنفيس دولاب سيارته، وسطوا على محتوياتها أثناء توقُّفه للبحث عمَّن يساعده· وهكذا تحوّلت لديه مقولة “روما فيدولتا فيدا بردوتا” أي “شاهد روما وافقد إيمانك” إلى “شاهد روما وافقد جزدانك” (أي حقيبة يدك)·
ابني غسان، الذي جاء من لندن، حيث يتابع دراسته في إدارة الأعمال، التحق بي كي يراني ويكتشف روما، أخيــــراً، بعدما قضى الصيف الماضي في إيهام بنات “كان” بأنه إيطالي، حتى إنه اختار اسماً “حركياً” لغزواته العاطفية، بعد أن وجد أنّ البنات يقصدنه لذلك السبب· فالرجل الإيطالي له سطوة لدى الفرنسيات بحُكم صيته العشقي، وأناقته المتميزة· ولا داعي لتخييب ظن البنات مادام الأمر لا يتعدَّى سهرة في مرقص· وعبثاً حاولت مناقشة الموضوع معه، وإقناعه بأن “حبل الكذب قصير”، فكان يردُّ بأن البنات هنّ مَن يفضّلن سماع الأكاذيب· وانتهى بي الأمر إلى الاقتناع بقول عمر بن الخطاب (رضي اللّه تعالى عنه) “لا تخلِّقوا أولادكم بأخلاقكم، فقد خُلِقوا لزمان غير زمانكم”، خاصة أنني عجزت أيضاً عن إقناعه بالوفاء لصديقة واحدة، ودفعت ثمن تعدُّد صديقاته، عندما كان عليَّ في روما أن أشتري هدايا لهن جميعاً، وأتشاور معه طويلاً في مقاساتهن وأذواقهن، وأجوب المحال النسائية بزهد كاتبة، بعد أن جبت المحال الرجالية بصبر أُمٍّ، لأشتري له جهازاً يليق بوظيفة في النهار في بنك إنجليزي، ووظيفة ليلاً كعاشق إيطالي·
وقد حدث في الصيف أن أشفقت كثيراً على إحدى صديقاته، الوحيدة التي عرّفني إليها، والتي تقدَّم إليها باسمه الحقيقي، نظراً إلى كون علاقتهما دامت شهرين· وكانت المسكينة تدخل في شجارات مع والدها، المنتمي إلى الحزب اليميني المتطرِّف الذي يشهر كراهيته للعرب، وتستميت في الدفاع عمّا تعتقده حبّاً· وذهبتْ حتى شراء نسخة من “ذاكرة الجسد” بالفرنسية لإطلاع أهلها على أهمية “حماتها”، وكانت تملأ البيت وروداً كلّما سافرت وتركت لهما الشقة، وتُهاتفني سراً لتسألني إن كان ابني يحبّها حقاً· ووجدتني مرغمة على الكذب عليها· وتأكيداً لأكاذيبي، صرت أشتري لها هدايا كي يقدِّمها لها ابني، بما في ذلك هدية وداعٍ، عندما غادر غسان “كان” إلى لندن· فالمسكينة لم تكن قد سمعت بمقولة مرغريت دوراس: “في كلِّ رجل ينام مظلِّي”· ولم تكن تدري أنّ الرجال دائماً على أهبة رحيل نحو حبّ آخر· ربما من وقتها أضفت إلى واجبات أُمومتي، واجب شراء هدايا لصديقات ابني، وإلى مشاغلي الروائية·· مهمّة إسعاد بطلة حقيقية، تشبهني في شغفي وذعري وشكّي وسخائي·· و غبائي العاطفي·
بعد عودته إلى لندن، هاتفني غسان مبتهجاً· قال: “شكراً ماما·· كانت الإقامة معكِ جميلة في روما·· الثياب التي اشتريتها لي أعجبت الجميع·· وصديقاتي هنا جميعهن سعيدات بالهدايا”· ثم أضاف مازحاً: “جاهز أنا لأراكِ في أيّة مدينة تسافرين إليها”·
غسان عمره 23 سنة·
التهم من كتب الأدب والفلسفة أكثر مما قرأت أنا

الجنة.. في متناول جيوبهم


على الذين لا قدرة لهم على صيام أو قيام شهر رمضان، أو المشغولين في هذا الشهر الكريم عن شؤون الآخرة بشؤون دنياهم، ألا ييأسوا من رحمة اللَّه، ولا من بدع عباده، بعد أن قررت ربّـة بيت إيطالية، أن تدخل الحياة العملية بإنشاء "وكالة للتكفير عن الذنوب" اسمها "الجنة".

وهذه الممثلة السابقة، التي لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها، تدير "الجنة" من منزلها، كما تدير إحدانا مطبخها، أو شؤون بيتها فإلى جانب تربيتها أولادها، فإنها تؤدي فريضة الصلاة نيابة عن كل الذين لا وقت لهم لذلك، بسبب الإيقاع السريع لحياتهم، فتصلي وتتضرّع إلى للَّه داعية لهم بالغفران، حسب طلبهم ومقدار دفعهم ولقد نجحت في إقناع بعض المشاهير بالتكفُّل بإنقاذ أرواحهم، التي لا وقت لهم للعناية بها، نظراً لانشغالهم بصقل أجسادهم واستثمارها.

وهذا ما يذكّرني بجاهلية ما قبل الإسلام، إذ جرت العادة أن يستأجر ذوو الفقيد ميسور الحال، ندّابات ونائحات ليبكين فقيدهم الغالي بمقدار الكراء وسخاء العائلة المفجوعة، وهي عادة ظلّت حتى زمن قريب، جارية في بعض البلاد العربية، حيث تتبارى الندّابات في المبالغة في تمزيق ثيابهن ونتف شعورهن، ولطم خدودهن على ميّت لا قرابة لهن به ومن هنا جاء المثل الجزائري القائل "على ريحة الريحة خلاَّت خدودها شريحة".

ولقد حدث لأخي مراد، المقيم في الجزائر، ونظراً لحالة الإحباط التي يعاني منها، لكونه الوحيد الذي تعذّر عليه الهروب خارج الجزائر وبقي رهينة وضعه، ورهينة أمي، أن أجابني مازحاً بتهكّم أسود يميّز الجزائريين، كلّما سألته عن أخباره، أنه مشغول بجمع مبلغ بالفرنك الفرنسي ليدفعه لمن هو جاهز ليبكيه بالعملة الصعبة، نظراً لأن دموع الجزائري كعملته فقدت من قيمتها، قبل أن يضيف ساخراً "المشكل.. أنَّ عليَّ أن أدفع لشخص ثانٍ، كي يتكفّل بالتأكد من أنه يبكيني حقاً.. وليس منهمكاً في الضحك عليّ" ولقد فكّرت في أن أطلبه لأُخبره بأمر هذه الوكالة، في حالة ما إذا أراد يوماً، أن يستأجر أحداً ينوب عنه في الصلاة والصوم، والفرائض التي تشغل نصف وقته.

وهذه السيدة الإيطالية ليست أول من ابتدع فكرة دفع المال، طلباً للمغفرة فلقد شاعت لدى مسيحيي القرون الوسطى، ظاهرة "صُكوك الغفران"، وشراء راحة الضمير بمبلغ من المال، لدى الذين نصّبوا أنفسهم وكلاء للَّه في الأرض، وراحوا باسم الكنيسة يبيعون للتائبين أسهماً في الجنة، حسب قدرتهم على الدفع.
وهو ما أوحى للمغني المشهور فرانك سيناترا، بأن يعرض قبل موته على البابا، مبلغ مئة مليون دولار، كي يغفر له ذنوبه ويسمع اعترافاته، برغم توسُّـل زوجته أن يعيد النظر في التخلِّي عن نصف ثروته لهذا المشروع، نظراً لمرضه وإدراكه عدم استطاعته أخذ هذا المال معه، هو الذي بحكم علاقته مع المافيا، خزّن من المال في حساباته، بقدر ما خزّن من خطايا في صدره والهوس بالآخرة والاستعداد لها بالهِبات والصلوات، مرض أميركي يزداد شيوعاً كلّما انهارت رهانات المجتمع الأميركي على المكاسب الدنيوية وفي استفتاء قامت به إحدى المؤسسات الجادة، ورد أن 9 أميركيين من 10 يعتقدون بوجود السماوات والحساب يوم القيامة، ويثق %47 من أصحاب الهررة والكلاب، بأن حيواناتهم المفضلة سترافقهم إلى الجنة، وهم يثقون تماماً بدخولها، ربما بسبب ما أغدقوه على هذه الحيوانات، نكاية في سكان ضواحي العالم، الذين شاء لهم سوء طالعهم أن يُولدوا في "معسكر الشرّ".
وعندما نقرأ التقرير الذي صدر في جنيف عن الأمم المتحدة، الذي جاء فيه أن ما ينفقه الأميركيون سنوياً، لإطعام حيواناتهم الأليفة يكفي لتزويد العالم بأسره بالمياه، وتأمين نظام صحي للجميع، نفهم انتشار وكالات التكفير عن الذنوب في أميركا، ونجد تفسيراً لاستفتاء آخر جاء فيه، أن خمسين مليون أميركي بالغ يعانون من الأرق والتوتر.. وقلّــة النــوم!
__________________

حب أعمى.. لاتحذر الاصطدام به

كلّما رُحـــت أُوضّب حقيبتي لأيِّ وجهة كانت، تذكّرت نصيحة أندريه جيد: “لا تُهيئ أفراحك”، وخفت إن أنا وضعت في حقيبتي أجمل ثيابي، توقُّعاً لمواعيد جميلة، وأوقات عذبــة، قد تهديني إياها الحياة، أن يتسلّى القَدر بمعاكستي، وأشقى برؤية ثيابي مُعلَّقة أمامي في الخزانة، فيتضاعف حزني وأنا أجمعها من جديد في الحقيبة إيّاها من دون أن تكون قد كُوفِئَت على انتظارها في خزائن الصبر النسائي، بشهقة فرحة اللقاء·· و”الرقص على قدميـ(ـه)”، حسب قول نــزار قباني·
مع الوقت، تعلّمت أن أفكَّ شفرة الأقدار العشقية، فأُسافر بحقيبة شبه فارغة، وبأحلام ورديّة مدسوسة في جيوبها السرّية، حتى لا يراها جمركيّ القدر فيحجزها في إحدى نقاط تفتيش العشّاق على الخرائط العربية·
بتلك الثياب العادية التي لا تشي بأي نوايا انقلابية، اعتدت أن أُراوغ الحياة بما أُتقنه من أدوار تهويميّة تستدعي من الحبّ بعض الرأفـــة، فيهديني وأنا في دور “سندريللا” أكثر هداياه سخاءً·
ذلك أنّ الحـبَّ يحبُّ المعجزات· ولأنّ فيه الكثير من صفات الطُّغاة·· فهو مثل صدّام (حسب شهادة طبيبه) “يُبالغ إذا وهب، ويُبالغ إذا غضب، ويُبالغ إذا عاقب”· وكالطُّغاة الذين نكسر خوفنا منهم، بإطلاق النكات عليهم، نحاول تصديق نكتة أنّ الحب ليس هاجسنا، مُنكرين، ونحنُ نحجز مقعداً في رحلة، أن يكون ضمن أولويات سفرنا، أو أن يكون له وجود بين الحاجات التي ينبغي التصريح بها·
يقول جــان جـاك روسو: “المرأة التي تدَّعي أنها تهزأ بالحبّ، شأنها شأن
الطفل الذي يُغني ليلاً كي يطرد الخوف عنه”·
من دون أن أذهب حدّ الاستخفاف بالحبّ، أدَّعي أنني لا آخذه مأخذ الجدّ·
في الواقع، أبرمت ما يشبه مُعاهدة مُباغتة بيني وبين الحبّ، وأن يكون مفاجأة أو “مفاجعة”· فهو كالحرب خدعة· لــذا، أزعــم أنني لا أنتظر من الحب شيئاً، ولا أحتاط من ترسانته، ولا ممّا أراه منهمكاً في إعداده لي، حسب ما يصلني منه من إشارات “واعـــدة”، واثقة تماماً بأنّ أقصر طريق إلى الحب، لا تقودك إليه نظراتك المفتوحة تماماً باتِّساع صحون “الدِّش” لالتقاط كلّ الذبذبات من حولك، بل في إغماض عينيك وترك قلبك يسير بك·· حافياً نحو قدرك العشقيّ· أنتَ لن تبلغ الحب إلاّ لحظة اصطدامك به، كأعمى لا عصا له·
وربما من هذا العَمَـى العاطفي الذي يحجب الرؤيــــة على العشّاق، جــاء ذلك القول الساخــر “أعمــى يقــود عميـــاء إلى حفـرة الزواج”· ذلك أنّه في بعض الحالات، لا جدوى من تنبيه العشّاق إلى تفادي تلك المطبّات التي يصعب النهوض منها·

ثــمَّ، ماذا في إمكان عاشق أن يفعل إذا كان “الحب أعمى”، بشهادة العلماء الذين، بعد بحث جاد، قام به فريق من الباحثين، توصَّلوا إلى ما يؤكِّد عَمَى الْمُحب· فالمناطق الدماغيّة المسؤولة عن التقويمات السلبية والتفكير النقدي، تتوقف عن العمل عند التطلُّع إلى صورة مَن نحبّ· ومن هذه النظرة تُولدُ الكارثة التي يتفنن في عواقبها الشعراء·
وبسبب “الأخطــــار” التي تترتَّب عليها، أقامت محطة “بي·بي·سي”، بمناسبة عيد العشّاق، مهرجاناً سمَّته “مهرجان أخطار الحب”، استعرضت فيه كلَّ “البــــلاوي” والنكبـــات، التي تترتَّــب على ذلك الإحساس الجــارف، من إفلاس وانتحار وفضيحة وجنون __________________

تقول أيضاً :
استوقفني قول للكاتبة كارولين أهيم: "الحصول على دماغ يستطيع الكتابة، معناه الحصول على دماغ يعذبك", ولو أنها خبرت لعنة الحصول على دماغ عربي، لأدركت نعمة عذابها، ولقاست بمقياس ريختر للألم، فاجعة أن تكون كاتبة عربية في زمن كهذا.

ذلك أن الكاتب العربي يشهد اليوم تأبين أحلامه شيء ما يموت فيه، ويُشعره بخـواء النهايات ثمَّة عالم جميل ينتهي، وهو يستشعر ذلك، وينتظر مذهولاً حلول الكارثة زمـن انتهى بأحلامه ومثالياته ونضالاته.. وقضاياه المفلسة نشعر بخفّة الألم، لا خفّة من أزاح عن كاهله مشكلات حملها عمراً بكامله، بعدما عثر لها أخيراً عن حلول، وإنما خفة مَن تخلّص أخيراً من أوهامه.

سعادتنا تكمُن في فاجعة اكتشافنا، أنه لم يعد في إمكان أحد أن يبيعنا بعد الآن قضية جديدة، مقابل أن يسرق من عمر أبنائنا جيلاً أو جيلين آخرين فالشعارات الْمُعلَّبة، الجاهزة للاستهلاك التي عشنا عليها، انتهت مدّة صلاحيتها، وأصبحنا نعرف من أي "سوبرماركت" استوردها أولياء أمورنا، وكم تقاضى بعضهم، ومازال، مقابل تسميمنا ومنع نموّنا الطبيعي، واختراع حروب وكوارث لإبقائنا أذلاّء، فقراء، ومرعوبين.

لقد اختصر محمد الماغوط، نيابة عن كل المبدعين العرب، سيرته الحياتية في جملة واحدة: "ولدتُ مذعوراً.. وسأموت مذعوراً" فالمبدع العربي، مازال لا يشعر بالأمان في بلد عربي وإذا كان بعض الأنظمة يتردّد اليوم قبل سجن كاتب أو اغتياله، فليس هذا كرماً أو نُبلاً منه، وإنما لأن العالم تغيّر وأصبحت الجرائم في حق المبدعين لا تمرُّ بسرِّية، بل قد يُحاسبه عليها العالم المتحضّر، كلما جاءه مقدماً قرابين الولاء له، طالباً الانتساب إليه.

كيف في إمكان الكاتب العربي أن يكون ضمير الأمة ولسان حقّها، وهو منذور لمزاجية الحاكم وأُمية الرقيب وأهواء القارئ، الذي أصبح بدوره رقيباً يعمل لحسابه الشخصي، وقد يتكفل بإصدار فتوى تكفّرك أو تُخوّنك، محرّضاً الشارع عليك، فتخرج مظاهرات تطالب بسفك دمك وكسر قلمك، وتُدخلك القرن الواحد والعشرين من بوّابة المحاكم وغرف التحقيق والسجون؟

يقول برناردشو: "الوطن ليس هو فقط المكان الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي تُكفل فيه كرامته وتُصان حقوقه" وهي مقُولة تجعلنا نكتشف ما نُعانيه مِن يُتم أوطان لسنا مواطنين فيها فكيف نكون فيها كُتّاباً، ونحن نقيم في ضواحي الأدب وضواحي الحرية، خارجين لتوّنا مذعورين من زمن ثقافة الشارب العريض، والقصائد التي تُلمِّع حــذاء الحاكم، وتُبيِّض جرائم قُطّاع طُرق التاريخ، لنقع في فخّ العولمة.. فريسة للثقافات الْمُهيمنة ولطُغاة من نوع جديد، لا يأتونك على ظهر دبّابة، إنما يهدونك مع رغيف البنك الدولي.. مسدساً ذهبياً تطلق به النار على ماضيك؟

وقد قال أبو الطالب الدمستاني "إنْ أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك" ولا أدري كيف في إمكاننا إنقاذ المستقبل، دون أن نعي الواجب التأمُّلي للمبدع ودوره في حماية الهوية العربية، ذلك أن معركة الألفية الثالثة ستكون ثقافية في الدرجة الأُولى، وعلينا ألاَّ نكون مُغفلين ولا مُستغفَلين أمام هيمنة ثقافية، لا يمكن أن تكون بريئة.

إنَّ المبدع والمثقف العربي، هو آخــر صرح بقي واقفاً في وجه بعض حكّام، لا ينتظرون إلاَّ غفوة أو غفلة منه ليسلّمونا شعوباً وقبائل إلى الغرب، على طبق العولمة أو التطبيع وهذا المبدع العربي، الذي حدّد نفسه منذ أجيال "مبدع الضدّ"، قد يأتي يوم لا يجد فيه قضية عربية تستحق منه مشقّة النضال، ويومها سنبلغ عُمق الكارثة!







اعداد
سلام الباسل / فلسطين
نسرين شاكر / الاردن
جيلان زيدان / مصر
زياد السعودي الاردن








 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط