الفينيق عبد القادر الدردوري يليق به الضوء / زياد السعودي - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-01-2011, 10:13 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي الفينيق عبد القادر الدردوري يليق به الضوء / زياد السعودي



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح عبد القادر الدردوري
لنضعه تحت الضوء
إذ به يليق الضوء



سيرة
---------

ولد في 20/01/1943 بقليبية بولاية نابل (بالوطن القبلي). زاول تعلّمه الابتدائيّ بقليبية والثّانوي بالزّيتونة. وقد ذكر المؤلّف أنّه "كان ثائرا على مضامينها وطرائقها وسوء العلاقات بين العصاميّين فيها والتّقليديّين". وزاول تعلّمه العالي بتونس. وانتدب ـ إثر التّخرّج ـ مدرّسا بمعاهد التّعليم الثّانوي (منها معهد قليبية الذي درّس فيه عدّة سنوات). وانتسب إلى اللّجنة الثّقافيّة بقليبية وترأّس نادي الأدب والمسرح بها وترأّس منظّمة الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان فرع قليبية- قربة بمعتمديّة منزل تميم بالوطن القبلي، حتّى 2010...

وقد توفّي عبد القادر الدّردوري يوم السبت 01/01/2011 في سنّ 68 عاما.

كتب القصّة القصيرة والمسرحيّة والرّواية وقصص الأطفال والمقالة الأدبيّة. ونشرت أعماله في مجلاّت وصحف تونسيّة وعربيّة منذ أواسط السّبعينات، منها "الفكر" و"قصص" و"الحياة الثّقافيّة" و"العمل" و"أخبار الأدب" (ملحق ثقافي أسبوعيّ "لأخبار اليوم" بمصر) ومجلاّت أخرى في الجزائر
والمغرب وليبيا وبيروت والعراق.



من مؤلفات عبد القادر الدردوري
---------------------------------

ـ "الزّوبعة والحداد": (مجموعة قصص). تونس -صفاقس. دار صامد للنّشر 2010.
من أقاصيصه المنشورة في مجلاّت تونسيّة وعربيّة:
* "في لعبة السفر والموت". "الفكر". السّنة 19. العدد 9. جوان 1974. (38 وما بعدها).
* "حشرجة الصّمت". "الفكر". السّنة 20. العدد 5. فيفري 1975. (72 وما بعدها).
* "مفاجأة السّهرة". "الفكر". السّنة 22. العدد 2. نوفمبر 1976. (77 وما بعدها).
* "في أرجوحة الاختيار". "الحياة الثّقافيّة". العدد 1. أكتوبر 1977. (19-23).
* "الظالمون". "الحياة الثّقافيّة". السّنة 4. العدد 3. ماي - جوان 1979. (30-32).
* "موّال إلى المدينة البيضاء". "الحياة الثّقافيّة". العدد 12. نوفمبر-ديسمبر 1980. (22-26).
* "القادمة من ساحات الظلّ". "الحياة الثّقافيّة". العدد المزدوج 19/20. جانفي - أفريل 1982. (123-128).
* "محاكمة في الهواء الطّلق". "الحياة الثّقافيّة". العدد 30. 1984. (180-184).
* "حكايات عن حزن عربيّ مخنوق". "قصص". العدد 69. جويلية - سبتمبر 1985. (90-96).
* "من سجلاّت أبي يزيد البسطامي". (قصّة طويلة). القاهرة. "أخبار الأدب". مؤسّسة "أخبار اليوم"، في 22/09/1996. (ص 20).
وللمؤلّف دراسات منها:
*"تحليل هيكليّ "الإنسان الصّفر" لعزّ الدّين المدني". "العمل"، في 25/07/1969.
* قراءة مجموعة "صخب الصّمت" لسمير العيّادي. "العمل"، في 24/09/1971.
وقد ذكر المؤلّف أنّ له أربع مجموعات قصصيّة غير منشورة:
- "ما لم يقله الرّاوي عن ذبّان الخريف".
- "زهرة الجرح النّازف".
- "إنّما النّشيد على الـمسرّة".
- "حكايات لم يروها العروي".
وأنّ له أربع مسرحيّات غير منشورة:
- "الدّم الأخضر".
- "هنا على صدوركم باقون".
- "الأخطبوط".
- "رحلة خاصّة



زهرة الجرح النّازف"
---------------------

قال عبد القادر الدّردوري (سنة 2001) مقدّما مجموعته "زهرة الجرح النّازف" التي كان ينوي نشرها: "هي مجموعة تضمّ بعضـ[ـا] من قصصي القصيرة أحسبها تجارب تعبيريّة، فنّيّة، لا تتوهّم أن تكون إلاّ نفسها، بسيطة، ضاحكة، مكابرة، وأنا أستلهم أجواءها من تراثنا، ومن عبقريّتنا الشّعبيّة في تجلّياتها التّلقائيّة الواقعيّة، أنحو فيها منحى الجدّ الضّاحك والضّحك الجادّ (...) وها هي قصصي دامعة من كثرة الضّحك وضاحكة من كثرة الدّمع، تقترح صورة للحياة أجمل وأعدل وأرقى، بعيدا عن نفاق الشّعارات السّياسيّة وتوجّهاتها الديماغوجيّة الفجّة، بالرّغم من أنّ الهاجس السّياسيّ يشدّني في أبعاده الإنسانيّة النّبيلة "باعتبار أنّ الإنسان حيوان سياسيّ"". (...).

"أمّا من النّاحية الأسلوبيّة فقد تبدو تجاربي القصصيّة هذه متمرّدة على الأصول الرسميّة للفنّ القصصيّ وسننه، وقد يرى البعض أنّها ليست قصصا كالتّي يتصوّرها (...) إنّي أرفض أن أكون قصّاصا محصورًا في قماط الـ"ينبغيات" النّقديّة المتحجّرة ومربوطا في "سرّة" التّعاليم الأكاديميّة الصّارمة لأنّي أريد أن أمشي دائما على رجليّ وأن تكون نبضاتي معدّله على حركة التّاريخ. والأرض أمّي علّمتني أن أكره من لا يماشي الزّمان".



من أقوال النّقّاد والدّارسين
-----------------------------

محمّد توفيق :

مقوّما إحدى أقاصيص الدّردوري وأقاصيص أخرى لغيره كانت فازت في مسابقة "أخبار الأدب" بمصر (سنة 1996): "وهي كلّها قصص متميّزة مكتملة البنيان، يرتبط كتّابها بعلاقة عميقة ببيئتهم، يمزج بعضهم ببراعة بين الحاضر والماضي أو بين الواقع والخيال والأسطورة، لا يتردّدون في خوض المسائل ذات الحساسيّة، لكن بحساسيّة. لا يهابون تناول الواقع بقباحته [كذا] وآلامـ[ـه] لكن بشكل غير مباشر، بعيد عن الفجاجة، ولا يسمحون في أيّة لحظة أن تفلت عناصر قصصهم المتعدّدة من شباكهم الدراميّة المحكمة".

القاهرة. صحيفة "أخبار الأدب"، في 17/11/1996.

وورد في مقالة (نشرت الأحد، في 2/1/2011) عن لقاء ثقافي مع المؤلّف وعن نعيه: "توفّي ليلة البارحة [السّبت] وفي ساعة متأخّرة من اللّيل أحد شيوخ الحركة الحقوقيّة التّونسيّة الأستاذ عبد القادر الدردوري رئيس فرع-قليبية قربة للرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان عن عمر يناهز 72 سنة [بل 68 سنة]. علما أنّه يوم أمس 1/1/2011 شارك في حلقة حوار بقليبية حول مجموعته القصصيّة "الزّوبعة والحداد" التي صدرت في شهر ديسمبر الفارط عن دار صامد للنّشر بصفاقس ووقع حجزها، وتدخّل شيخنا الجليل خلال النّقاش مدافعا عن حرّيّة النّشر والتّعبير كعادته، داعيا إلى إزالة الحواجز أمام الكاتب والكتاب.



بوراوي عجينة:

يجد القارئ في أقاصيص عبد القادر الدّردوري استلهاما مكثّفا للتّراث التّاريخيّ والأدبيّ والخرافات والأمثال السّائرة والتّراث الشّعبيّ أعاد المؤلّف صياغتها وصوّر من خلالها قضايا سياسيّة واجتماعيّة معاصرة منها انتقاد استبداد الحكّام العرب بالحكم وتسخير القضاء لفائدة الفئات الغنيّة والحاكمة، والجور الاجتماعيّ وتهميش المثقّف الملتزم وملاحقته ومحاكمته وإدانته بسبب آرائه ومواقفه، وتزلّف المثقّفين الرسميّين للحكّام، وكبح جماح الفئات الفقيرة والمثقّفة ومنعها من حرية التّعبير والمعارضة.

وباختصار تتضمّن أقاصيص الدّردوري دعوة إلى الالتزام الفكريّ والثّبات على المبادئ والأخذ بأيدي الفئات المحرومة الهشّة والتّآزر الاجتماعيّ الحقيقيّ. وكثيرا ما جسّد الكاتب مواقفه من خلال مشاهد قصصيّة متكوّنة من سرد أحداث قليلة ومشاهد حواريّة دراميّة طويلة واستنباط أحوال الشّخصيّات القصصيّة النّفسيّة أكثر من الاهتمام بوصفها الخارجيّ، وتضمين أقوال شعبيّة مأثورة وأمثال عامّيّة شائعة، ومراوحة في السّرد بالانتقال من زمن إلى آخر (من الحاضر إلى الماضي) في إطار تصوير مواجهة شخصيّات متقابلة أقوالا وسلوكا ومواقف.

ولئن تناول المؤلّف قضايا سياسيّة هامّة من خلال الرّموز والأقنعة وتداخل الأساليب التّراثيّة والمعاصرة فقد بدا انتقاده ساخرا قاتما لم يخلُ من شعارات مباشرة أحيانا وتشهير اجتماعيّ وسياسيّ شديد غالبا. وهو كاتب مجدّد لم تنل نصوصه حظّا من النّشر والدّراسة. وهي نصوص تنتمي إلى واقعيّة اجتماعيّة جديدة وإلى التّجريب الفنّي إذ فيها بحث عن أشكال تراثيّة أصيلة ومزجها بفنون قصّ جديدة.



لن يأخذ منك الموت غير الجسد الفاني
----------------------------------------

إلى عبد القادر الدردوري
عبدالسلام الككلي
لن يأخذ منك الموت غير الجسد الفاني

لقد انقطع صوتك فجأة ليتوحد بصمتنا وحدادنا عليك... وقد كانت كلمة "الحداد " أخر ما نطقت به قبل أن تتكلم فينا ذكراك الحزينة.. كنت معنا قبل ليلة تناقش" الزوبعة واالحداد" مجموعتك القصصية الأخيرة التي شاءت يد الطاغوت أن تمتد إليها لتسرقها من قرائك ومعجبيك . لن تذهب بعيدا أيها الشيخ الوقور بل ستعود إلينا من ثنايا الذاكرة ومن الشبابيك التي أشرعتها زوبعتك على الأفق الرحب وان لم تر النور . ما أتعس الموت حين يسرقك منا ونحن غافلون... أنت الذي تحديته دائما بقلمك المرفوع كالقبضة الصلبة في وجه االقدم الهمجية . شاركت منارة قليبية في ضوئها ولكنك لم تكن مثلها تشتعل لتنطفئ بل اشتعلت على مدى أربعين سنة حتى احترقت ذات ليلة شتاء باردة لتضيء السبيل أمام من أخطأ طريقه إلى الحرية . ظللت صديقي منارة تنير دربا لبلد في منعرجاته العسس والمخبرون وقطاع الطرق . أولئك الذين منعوك حتى من الشدو وأنت في آخر أيام شدوك المعهود . أرى على جسدك المتعب المسجى على فراش الموت آثار دمك المسفوك جراء تسلقك الجدار الفاصل بينك وبين الحرية، تلك التي وهبتها حياتك حتى لا تكون مثل ذلك الحمار الذي حدثتنا عنه يوما ... أشعره الجملُ بما فيه من ذل ومهانة وحقار حتى أثّر فيه وأقنعه بالهروب من الزريبة المشؤومة والانطلاق نحو النور والتخلص من الذل والعبودية. لكنه بعد أن سار أياما وليالي توقف منزعجا قائلا للجمل:” آه.. لقد نسيت مِقودي في الزريبة. وعليّ أن أعود إليه” وقفل راجعا إلى مقوده، والجملُ ينظر إليه ساخرا، ليقول:” وُلدتَ حمارا و عشت حمارا وستموت حمارا”. ما ذنبك ياصديقي إذا كان الحمارُ حمارا؟ ما ذنبك والبعض يقبل أن يكون ألعوبة في يد الغير مستسلما للقيد الذي كسرته أنت وصرفت من اجل كسره اغلي أيامك وأعز لياليك ؟
أيها الفارس الذي ترجّل.. نم هادئا على سرير إغفاءتك الأخيرة فقد أوقدت حروفك الملتهبة فينا مذ كنا صغارا نتدرب على حروف التمرد نخبئها في دفادر الثورة التي حلمنا بها بواعث يقظة نراها اليوم في حزن شباب يأكله اللهب المستعر ولكن أيضا في ابتسامة الجيل الذي هجر الخوف دياره فانبرى يشدو شدوا فيه بعض من صوتك ومما جادت به قريحتك على مدى عقود من كلمات وشحتها بسخريتك الحلوة المرة. ضحكت من الجميع بل حتى من نفسك أحيانا وظللت تضع ملحتك الذكية بين الحرف والحرف وفي ثنايا السطور تمتلئ بها أوراقك وكراريسك ثم الشبكة العنكبوتية التي كنت تطلع فيها علينا فتسعدنا دائما حتى وأنت حزين. لم تيأس ولم تساوم ولم تحن ظهرك رغم السنين التي تعاقبت عليك لأنك رفضت أن تكون حمارا بمقود أو بغير مقود بل اخترت أن تكون حرا في زمن عز فيه أمثالك حتى خلنا أن الدنيا الفاسدة قد خلت منهم . فالي روحك التحية فما إخالها إلا تسمعني ... فمن كان مثلك لا يأخذ منه الموت غير الجسد الفاني.



قليبية ... في رحاب المعلم الحقوقي الأستاذ الجليل عبد القادر الدردوري
----------------------------------------------------------------------
بقلم: محمد العيادي

قليبية مدينة شاطئية هادئة تتنوع فيها المعالم الطبيعية والأثرية , من البرج الدفاعي البيزنطي إلى شاطئ المنصورة وإضافة إلى ذلك تحتضن قليبية معلما حقوقيا قل نظيره في البلاد , انه الأستاذ الجليل عبد القادر الدردوري .

استأذنا الجليل شيخ سبعيني قضى حياته بحلوها ومرها ناشطا ومدافعا عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ولم تزده سنوات العمر المتتالية إلا صلابة وصمودا في الدفاع عن المبادئ والتشبث بها من خلال نضاله المتواصل في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان برصد مختلف أنواع الانتهاكات وإدانتها والعمل على التصدي لها .

هذا هو شيخنا الجليل الأستاذ عبد القادر الدردوري رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقليبية قربة الماسك على الجمر دوما رغم كل الموجات والهزات مازال يكابر ويكابد من اجل فضح كل الانتهاكات ومن اجل أيام أكثر إنسانية وعدل وحقوق , التقيت به ذات مساء صيفي في مقهى شعبي في مدينة قليبية فلم ازدد إلا احتراما وتقديرا له , لقد كان شامخا ثابتا شديد الإيمان بالقضايا العادلة التي دافع عنها طيلة حياته وشديد التفاؤل بالمستقبل الأفضل الذي ينتظر كل أبناء الوطن رغم كل هذا الإحباط والسواد .

جلسة واحدة مع شيخنا الجليل تؤكد عظمة الرجل ونبل معدنه وصلابة مواقفه ودفاعه المستميت من ا الحق , وتمنح زائره الكثير من الأمل في المستقبل والكثير من الثقة في أبناء الوطن .

إليك شيخي الجليل كل تقديري ومودتي وامتناني على تلك القعدة وأتمنى لك مزيدا من طول العمر والعافية والثبات فقد نلتقي ذات مساء صيفي أخر أو حتى صباح خريفي في قليبية الهادئة .




نماذج من فكر الدردوري :
---------------------------


نحبك يا شعب
--------------

ولأن روح حشاد العظيم تسري فينا ، سريان الروح في دمائنا، فإننا نسمح لأنفسنا بأن نستعير من حشاد العظيم كلمته الرائعة : " أحبك يا شعب" لتصير نحبك يا شعب، ونون الجماعة في نحبك تعود إلى جماهير الشعب الكادحة( الشغيلة بالفكر والساعد، صاحبة المصلحة الكبرى في كل تغيير، يكون في اتجاه التاريخ)، والتي لخصها حشاد العظيم في شخصه الكبير، الذي كان يحمل في ذاته وروحه ، كما حملته هذه الجماهيرفي روحها الخالدة، كيف لا وقد عبر عن آمالها في التحرر من قيود الإستغلال المذلة، من قوى الداخل وقوى الخارج المهيمن، المتحالف مع هذا الداخل ، الرجعي، المؤمن بمقولته المتخلفة:" ليس في الإمكان أبدع مما كان"؟ كما أن حشاد العظيم عبر في كلمته عن تطلعات هذه الجماهيرالمشروعة في الحرية والسيادة لتتمكن من التمتع العادل بما تنتجة من الثروة، دون أن تسمح لأعدائها، في الداخل والخارج بالمتاجرة بعرقها، وبيع مجهودها في أسواق النخاسة..وحشاد العظيم،عندما قال :" أحبك يا شعب... أحبك حين تبحث، وتكثر من البحث، عن مجرى أمور بلادك وسيرَ قضيتك، وحين تنتقد، وحين تصيح، وحين تغضب... ,احبك حين تدافع عن مختلف النظريات التي تخطر ببالك في سلوك السياسة العامة وحين تستفسر وتستجوب، وحين تناقش وتحاسب.." ــ كان جمعا في فرد، ومفردا في جمع( قسّم جسمه في أجسام من يحب، وأعطاها من روحه وحياته)، ومن هنا لم تكن " أحبك يا شعب" مجرد كلمة خرجت من شفاه شخص يسمى فرحات حشاد، بل كانت إحساسا صادقا من زعيم عظيم ربط مصيره بمصير الجماهير، فهو بها صار زعيم الشعب التونسي، ومحركه، وهي به وعت أنها قوة فاعلة وقادرة على صنع المعجزات ، تعرف ما تريد وتتعلم، بالنضال بأن تريد ما تعرف.
إن حشاد، لم يكن يقول كلاما لإشعال جذوة حماس كاذب، خادع للجماهير، كأيّ مُحَم+ِس حزبي، أو رياضي، أو سياسي، بل كان يخاطب الجماهير بالصدق الصادق ، فتحس به ويحس بها، فكانت تسمعه بقلبها وروحها، كان يقول لها، يحمّسها:" يجب أن تفهمي، وتعي، أنك قوة كل عمل ثوري، ومتى فهمت نفسك هابك أعداؤك، لكنك إن تجاهلت هذا فسيستأسد عليك الضباعُ . والصراع بينك وبينهم مستمر، ولا ينكره إلاّ جاهل أو ماكر مخادع. إن أعداءك سيحاولون، بكل ما ملكون من مكر وخداع، أن يستبلهوك و " يُبَهِّموك" ليتواصل استغلالهم لك وسرقة عرقك والمتاجرة بدمك"، وليس من السهل أن يقيل أعداءُ الكادحين، في الداخل والخارج، مثل هذا المنطق التحريضي المزلزل لمصالحهم، ولذلك تكالبت عليه قوى الإستغلال، في الداخل(الرجعي) والخارج،(الإستعماري، الفرنسي)، فما كان من عصابة " اليد الحمراء" القذرة إلاّ أن استغلت هذا التكالب الرجعي الإستعماري، ونفذت جريمتها النكراء واغتالت زعيم الشعب التونسي فرحات حشاد العظيم( يوم 05 ديسمبر 1952 )، فكان استشهاده أكبر دافع لتحريك الحركة الوطنية والتعجيل بخروج الفرنسيين من بلادنا، وإفهام الشغيلة التونسية حقيقة دامغة، وهي أنه" لا يحكّ جلدك مثل ظفرك "، التي هي بلغتنا التونسية تقول " ما يبكي لك كانْ شَفْرك، وما يندبلك كان ظفرك" لكن، وبعد خروج الفرنسيين من بلادك، ظلت الشغيلة التونسية تبحث عن ظفْرها وشفْرها، لتقاوم ما تتعرض له من إستغلال فاحش وممنهج ،رغم ما تقددّمَ لها من "زعامات"، لم تأخذ من حشاد شيئا، ولا شيئا من الشيء، فهل يعقل أن نرى ، اليوم، مسؤولا" نقابيا" يتعاون مع الإدارة لضرب عامل من العمال؟ أم نردد ما قاله الشاعر منور صمادح:
البابَ فتّحه الذين استشهدوا فلمن، ترى، قد سلموا المفتاحا؟
وإذا كان الذين استشهدوا لم يخطئوا باستشهادهم فإن الخطأ، كل الخطأ في هؤلاء الذين تسلموا المفتاح ولم يحسنوا التصرف فيه، وبذلك ضاعت الكثير من مصالح الشغيلة، تحت شعارات وأسماء مختلفة، لا يمكنها أن تخدع ، وتغر،ّ الشغيلة أو تضحك عليهم بسراب من الأوهام والأكاذيب، والمؤمن، وغير المؤمن، لا يُلدغ من جحر مرتين، فما بالكم أن يلدغ أكثر؟
قليبية في 05 ديسمبر2010 – رئيس الفرع: عبد القادر الدردوري



من معاني الحرقة والحرق والإحتراق
------------------------------------

" إذا لم أحترق أنا ...
ولم تحترق أنت...
ولم نحترق نحن..
فمن أين للظلمات أن تصير ضياء؟"
- ناظم حكمت -
(1)
يا سيدي ويا أخي ويا رفيقي ....
هل تسمعني وأنا أخاطب فيك الإنسان ، بروحه، بمشاعره ، بعقله، بحبه للحياة، الحرة الكريمة، برفضه للذل، للموت؟ أخاطبك بكلمات صادرة من قلب يتوق الإلتحام بلهيب مشاعرك ، علّـنا نستولد، من ظلمة ما كان ، أنوار ما سيكون .
ونحن لا نحدثك ، الآن، عن ذلك الشاب الذي أحرق نفسه، في مدينة المنستير،احتجاجا على سوء حالته وعجزه عن إيجاد شغل يعيش منه ولكن سنحدثك عن حالة أخرى، جديدة، مازالت رائحة احتراقها تملأ الأجواء والنفوس ، هي حالة سيدي بوزيد، فعليك أن تجمع قواك الذهنية والشعورية لتستحضر الأحداث بكل أبعادها، ولا تستهن بها مثلما يفعل إعلامنا التعتيمي المغرور بأضحوكة" الأمن المستتب" والإستقرار" الرقيق جدا،والحساس، جدا،جدا، جدا، الذي تخدشه نسمة هواء عابرة لحادث من الأحداث، قد يقع في تونس كما يقع في غيرها، إلاّ أننا، خلافَ غيرنا، نُحكم عليه غلق كل نوافذنا وأبوابنا، فيكون حالنا كحال تلك النعامة التي تخفي رأسها في الرمال ، تصورا منها أن الصياد لا يراها، عندما، ولأنها، لا تراه. أليس من الأجدى لنا ولبلادنا، إن كنا عقلاء، مستنيرين، أن نتعامل مع كل الأحداث، التي تحدث لنا، ولغيرنا، تعاملا حضاريا، واقعيا، دون تهويل ولا تقزيم ولا تعمية؟ ألا نتربى من دروس التاريخ(26 جانفي وانتفاضة الخبز، في القرن الماضي) حيث كان الشهداء يتساقطون وإذاعتنا الوطنية تغني، كالبلهاء،" قالوا زينك عامل حالة" و" خَِلي يقولوا آشْ يْهِمْ،مِ اللي يشكر والاّ يْذِمْ"، وكانت عيون التاريخ وآذانه ترى وتسمع عنا كل شيء، رغم التعمية الإعلامية، وتغطية" عين الشمس" بغربال الأكاذيب ومِزَق الأوهام؟
(2)
ثم..ماذا خسر علينا حكامُنا وقتها؟ إنهم رقدوا هانئين ،ثم قاموا هادئين وفبركوا لنا مسرحية، حبكوها على قدر عقولنا قدموا فيها: 1- " كبش فداء"(والأصح نعجة، أو قِرْد فداء) من بين مَن إنكشف سترهم عند الجماهير، وتهرّأت صورتهم، ولم تعد صالحة للإستهلاك السياسي والشعبي، فصدقناهم، ونـفّسنا غضبنا في ذلك الكبش/النعجة/ القرد.2- أو يخرج رئيس الدولة، في التلفاز، وهو يُرعش شفتيه وأصابع يديه، ويزوّي ما بين حاجبيه، ويصب شيئا من "دموع التماسيح" في عينيه، ويقول للشعب الكريم:" آنا ما نعْرفْ شيْ. غَلْطوني" ثم ينهي كلمته " لشعبه الوفي" بقوله المؤثر :" نرجعوا وِينْ كُـنّا" ورجعنا أين كنا، وكأن شيئا لم يكن، وتُقام المسيرات الشعبية، العفوية والتلقائية، وتُرسل برقيات الولاء والتأييد، لحامي حمى الوطن والدين، في غمرة الطبول والبنادير:" يا سيد الأسياد.."؟
أما معالجة أصل الداء، فلم تقم به السلطة ولا إعلامها ولا حزبها. فلماذا الإعلام التونسي يقع اليوم في نفس الأخطاء، والشعبُ التونسي كما قيل عنه" قد بلغ من النضج...."؟ ألم يتطور شعبنا منذ أواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي؟ ألم يعرف شيئا من مشاكله الحقيقية؟
(3)
إن التحسّر ، على ما فات ، لا ينفعنا في شيء، ولا يحل قضايانا. لكن المنطق يقول إن من فشل في إيجاد الحلول لعشرات الآلاف من أصحاب الشهادات العليا، الذين يعانون من البطالة القسرية (مما دفع بالبعض منهم إلى إحراق نفسه أمام الجميع، وحبْس مَن غطى الأحداث، وهو لم يصنعها وليس مسؤولا عنها باي وجه من الوجوه)- أقول: من فشل فعليه، على الأقل، أن يعترف بفشله ويتحمل مسؤوليته، كاملة،فيه، إن لم نقل شيئا آخر، عادي الحدوث، في الأنظمة الديموقراطية/ الديمقراطية( دون أن نضيف إليها وصْف" الحقيقية" لأنها زائدة إذ الديمقراطية لا تحتاج إلى زوائد، لأن معناها في ذاتها، فإما أن تكون ديمقراطية، أو لا ديمقراطية . وما دام ذلك لم يحصل والبلادُ تتحكّم فيها أحادية دستورية بيد رئيس واحد أحد ، فإن المسؤولية لم تتحدد رغم أن الجماهير الشعبية هي التي تتجرع مرارة سلبياتها من بطالة وانخرام التوازن بين الجهات .وكأنني بكم تتساءلون في صمت:" ورغم كل ذلك نعيد ونكرر:مَن المسؤول؟" نعم.. من المسؤول عن كل مآسينا ومصائبنا السياسية والتربوية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية؟ هل هوالفاهم بوكدوس؟ حسن بن عبد الله؟ عبد الرزاق المشرقي؟عمار بو الزّوُرْ؟ إدريس قيقة؟ منصور معلى؟ أحمد بن صالح؟ محمد بن جنات؟كمال الجندوبي؟حمة الهمامي ؟ خميس قسيلة؟ الستاذ شورو؟ سهام بن سدرين؟احمد نجيب الشابي؟ " التعددية السياسية" الوهمية؟ " التمشي الديمقراطي" المغلوط؟" الحرية المفرطة" التي تتمتع بها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"؟ أم المواطن، الذي كانت جريمته أنه أراد أن يكون مواطنا، حرا كريما، مصان الحقوق؟ أم.. ليس هناك مسؤول، بالمرة؟ أف.. ف.. ف...
(4)
أرحْ رأسك، يا أخي، وانس همومك، وإن تمردت، عليك، دموعك، فامسحها وابتسمْ إنها... وأعدْ قراءة كلمات الشاعر التركي ناظم حكمت، بترَوٍّ :" إذا لم أحترق أنا، ولم تحترق أنت، ولم نحترق نحن، فمن أين للظلمات أن تصير ضياء؟"، علما وأن، هناك، غيرك، قد تمردت عليه روحه، وخرج للناس ملتهبا، والنارُ، فيه، تصرخ على الظلم، الصارخ، والتمييز، الحاقد، والحرمان المجنون. هل اكتملت عندك الصورة؟ إذن تخيّلْ كل الخطوط، ثم تأمّل المشهد.. تأمله بإحساسك الإنساني الخالص، وبمعزل عن كل انتماء فكري أو سياسي أو ديني. تأمل، جيدا: الزمان هو يوم 17 ديسمبر2010 والمكان هو مدينة سيدي بوزيد والبطل هو شاب، من ذلك الشباب الذين تثاءَبَتْهم البطالة، مَللا وحرمانا وغربة، فحاول هذا الشاب محاربتها بعزيمته الإنسانية، وأراد أن يتحدّاها ويسخر منها فجعل لنفسه عربة تقليدية، عتيقة وعبّأها بالخضر والغلال يبيعها ويسترزق بها رافضا أن يكون عالة على غيره، لكن القوى المتنفـّذة تعرقله وتمنعه من عمله، فماذا يفعل وهو لايملك إلاّ نفسه، ورغبة عارمة في القضاء على كل الأسباب التي رمت به في هذا الوضع المأساوي؟ إنه، وبكامل مداركه العقلية وشجاعته النفسية، يسكب البنزين على نفسه ويشعل النار، مختزلا في ذاته جميع المغترَبين، المستلبين، المعطّلين عن العمل، وكأنه يقول للجميع :" أنا أحرق نفسي ، لأني أرغب في إحراق من رمانا في جحيم البطالة، لكننا عندما نعي مأساتنا، هذا الوعي الجماعي سيكون أمرُنا، عندئذ، مختلفا، ولـــــن نرضى بـ"لبرويطة " تجرنا، ولن نرضى بـأن" نبيع الريح للمراكب" بل سنحرق كل الأوهام التي كانت تكبلنا، ونزيح من يقف حجر عثرة في طريق أحلامنا المشروعة وطموحنا الإنساني ، ونعَلِّم الناس أنهم نزلوا، جميعا من بطون أمهاتهم ولم تنزل معهم سندات مالية ولا شهادات ملكية. وأن العمل حق، ومن يمنعك عنه، ويمنعه عنك إنما هو يمنع عنك الحياة، ويمنع عنك الكرامة ويمنع عنك الحرية، وعلى الجميع أن يدافعوا عن حياتهم وكرامتهم وحرياتهم، وعلى الجميع أن يتعلم الفرق الشاسع بين حرية الحياة وحرية الموت، وبين حرية الشبع وحرية الجوع، فهل من المعقول أن نُضرَب ونُمنع من البكاء؟ أو نُرمَى في الماء ونعاقَب لأننا ابلتللنا؟ لا، وألف لا. نقولها بالنار الملتهبة فينا، بحرقة آلامنا وآمالنا. ألا تسمعونها ؟ ألا ترونها؟ سترون وتسمعون و.."
(5)
..... وتتوسع الإحتجاجات الشعبية وتمتد إلى مكناس والرقاب، وما حولها، دون أن ننسى ما قبل هذا من تحركات أخرى ولنفس الأسباب سواء في جلمة أو جبنيانة، أو جندوبة( وسجن بسبب الحديث عنها الصحفي أيمن الزوابي،رغم أنه لم يصنع أسبابها ولم يكن مسؤولا عنها) فهل وجد هذا الشباب المعطل عن العمل ما كان يطالب به عندما تعاملت الحكومة معها تعاملا أمنيا قمعيا وفرضت عليها تعتيما إعلاميا جعل التونسي يبحث عن أخبار بلاده في وسائل الإعلام الأجنبية؟
فلماذا تسَطّح السلطة قضايا الناس ولا تنظر إليهم على أساس أنها مجعولة، حضاريا، لتنظيم حرياتهم
النا وخدمتهم والمحافظة عليهم، لتنخفف من نزعتها القمعية وتبني لنفسها شرعية شعبية؟
إننا لو عدنا إلى انتفاضة الحوض المنجمي( منذ 2008) وغيرها من الإنتفاضات لوجدنا أن أسبابها ما زالت قائمة، وأن نتائجها القمعية موجودة آثارها الصارخة في حسن بن عبد الله، والفاهم بوكدوس، وعدنان الحاجي وبشير العبيدي وكلهم ، مع غيرهم، يحترقون، وبطرق مختلفة ومتنوعة، سواء بالمرض المفروض عليهم، أو بالسجن، المحكوم به عليهم أو بالبطالة القسرية، المستمرة، سواء في الصخيرة وما يتجرعه شبابها المعطّل عن العمل أو في بن قردان التي عانت من غلق الحدود التونسية الليبية، لأسباب تتعلق بالتناحر بين قوى احتكارية قريبة كبيرة وفاعلة كانت ضحيتها الجماهير الشعبية، التي لم تبق مكتوفة الأيدي بل هبّت للدفاع عن قوتها وحياتها ، وتعلمت أن النضال هو طريق النجاح فكان لها ما أرادت( رغم أن العديد من المثقفين(؟) لم يتعلموا شيئا مما تعلمته الجماهير المناضلة، لأنهم ظلوا محبوسين داخل أبراجهم البورجوازية، البائسة).
هذا وأن حكومة السيد الغنوشي( وهي في البداية والنهاية حكومة الرئيس بن علي، باعتبار أن نظامنا
السياسي هو نظام رئاسي وليس برلمانيا)- هذه الحكومة، تتحمل مسؤولية سياساتها الإقتصادية والإجتماعية، وكان عليها( وهي التي ترفع بمناسبة وغير مناسبة شعارات حقوق الإنسان والتنمية المستديمة والتوازن بين الجهات...) كان عليها أن تُشرك كل التونسيين في البحث الجدي عن حلول لقضايا الشعب ،لكنها، مع الأسف الشديد ترد على الإحتجاجات الشعبية السلمية بحلول أمنية قمعية، فتعقد المشاكل ولا تحلها، رغم ما ترفعه من شعارات تنموية وتضامنية تنفيها أعمال بوليسها، التي نرفضها ونحتج عليها، باعتبار أن العنف لا يولد إلا العنف.
(6)
ولكل هذا على الحكومة، إن كانت واثقة من نفسها ، أن تسمح بالإحتجاجات السلمية وبحرية التعبير، خاصة وأن تجريم الإحتجاج السلمي وحرية التعبير، سيؤدي حتما إلى الإحتجاج العنفي، ودائما العنف يولد العنف، ولنا في انتفاضة الخبز و26 جانفي (في القرن الماضي) أصدق مثال على ما نقول. ولنعتبر أن من أحرق نفسه إنما،هو، فعل ذلك ليعبرعن إرادته في أن يحرق الأسباب التي خلقت وضعه البائس، وهو في حالة أخرى، وإذا لم يجد من يتحدث معه عن حاله ويستمع إلى مشاغله فيومها لن يحرق نفسه بل سيحرق أشياء أخرى فافسحوا للشباب في سنة الشباب الطريق أمامه ليعبر بصدق عن مشاغله. فأيهما أفضل له وللبلاد أن نساعده على إحراق أسباب الحرمان والإغتراب أم نتركه غارقا في بحر الأوهام واليأس؟
وأنت أيتها الحكومة لا تغتري بأهازيج الإذاعة والتلفزة لأنها وهمية ولا قيمة لها ، وعليك أن تتوجهي بعزيمة صادقة إلى حل مشاكل الناس وإيجاد التوازن بين الجهات ، وفتح ملف البطالة بعيدا عن البهرجة الدعائية والحملات الإنتخابية الزائفة، فهل لك برنامج حقيقي صادق لجعل تونس لكل التونسيين؟ هذا ما نتمناه، أم تراكُم، أيضا، تحددون لنا ما نتمنى، ولا تتركوا لنا، في ديمقراطيتكم أن نحدد لكم ماتفعلون؟
قليبية في 24/12/2010[/right]




رسالة مفتوحة للسلطة الفلسطينية
-----------------------------------

صفروا في آذانكم ، وأوهموكم أنكم تمثلون " سلطة وطنية" على الشعب الفلسطيني المقهور، وضلّلوكم بكراسي تحرسون منها تحركات شعبكم ,ضخّموا لكم الأمر، فقالوا لكم عليكم أن تُسهموا في الحرب العالمية على الإرهاب، وتمنعوا أي طلقة تُوَجّه إلى جنود الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ثم مضوا في تغيير الملامح الأصلية لمدينة القدس وأنتم تشاهدونهم وتتفرجون "بأعصاب باردة"عليهم كما لو أنكم تتفرجون على شريط سينمائي تاريخي، ودماء أطفال فلسطين وشبابه ونسائه، تنزف. أما تحسّون وتشعرون؟ لكن يبدو أن كراسي السلطة التي أُعطِيت لكم أغمضت عيونكم على المشاهد الدامية والمعارك اللامتكافئة بين أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل والجنود الإسرائيليين المتمترسين وراء دباباتهم، وفي جنازيرهم. وأنتم، ماذا تفعلون، وأي واحد منكم، بداية من رئيسكم إلى أصغر حارس من حراسكم، لا يتحرك ولا يتكلم إلاّ بإذن من السلطات الصهيونية، فأي سلطة ، هذه التي تملكونها ولا أحد منكم يحكم في شيء؟ أتكون سلطة بلا حكم؟
المكان بكم تََعِبَ، والفضاءُ، والهواءُ. وأنتم ، ألم تتعبوا؟ الكراسي من تحتكم تبكي، ضاحكة،وتضحك، باكية، ولعلها تضجّ قائلة:" دعوني واذهبوا في سبيل حالكم أفضلا لكم من أن تكونوا حراسا لأمن الصهاينة، تمنعون شعبكم من استئناف المقاومة، وهي وحدها الكفيلة بتحرير الشعب، التحرير الحقيقي، الذي يمكن الشعب من تحمل مسؤولياته الوطنية ولا يخدم نفسه.
إن الإرهاب هو ضرب الجماهير وحرمانها من حقوقها..
الإرهاب هو الاحتلال، والتعسف والقمع سواء كان صهيونيا أو رجعيا، أو غير ذلك
الإرهاب هو تكبيل الأيدي عن الحركة المستقلة.
الإرهاب هو تكميم الأفواه لمنعها من الإصداع بالحق
ألم تهرشكم بعد هذه الكراسي أيتها السلطة الوطنية في رام الله؟ العالم يراكم ويراها، ألا تخجلون من أنفسكم، يا من ماتت فيكم " شعرة سيدنا علي"؟ أنظروا.. افتحوا عيونكم.. دماء الشعب الفلسطيني تجري، والدنيا تتفرج عليه، ومعها بنو قحطان وعدنان، وتميم وتغلب وعبْس.
فإذا كنتم مسلمين فبيت المقدس قبلتكم الأولى. وإن كنتم مسيحيين فبيت لحم والناصرة والقدس تستصرخكم النجدة والغوث، ولا تنتظر ، بعد سكرتكم الظلماء، أي غد منكم، لأنه من لا حاضر له لا مستقبل له ، فمن أين يكون لكم غد ويومكم غارق في خمرة الظلم والعبث، والعدو الصهيوني، يتلاعب بكم ويمرّغ شرفكم في الوحل ؟
• ألم تشبعوا من لحظات عيشكم المتخمّرة؟ أفيقوا. أفيقوا، فجِمالكم وخيولكم، وسيوفكم قد ابتلعتها رمال الصحراء ولن تقدر على مجاراة الدبابة والباخرة والطائرة. هذا ما تقوله لكم كراسي السلطة الوطنية التي لا تملك من السلطة إلاّ " السل"
• ما ذا تساوون، اليوم، ودماءُ الشعب الفلسطيني تلعن تواطؤكم مع القتلة ومصاصي الدماء؟
• متى تفهمون إن من ثبّتكم في الكراسي، يريد أن يجعل، وقد جعل، منكم، تِرْسا يحميه من الشعب الفلسطيني ، مقابل السماح لكم بالتنقل خارج فلسطين، والتمتع بالجرايات والسيارات والأضواء ومشارك رؤساء القبائل العربية وأمرائها وملوكها في ولائمهم العربية، وقد امتشقوا " سيوفا وخناجر أطول من قاماتهم"، ولن يُنتَظرَ منهم شيئا.




هَوامش على:نصّ: "العَصافير والصّياد"
-------------------------------------------

اقصوصة: عبد القادر الدردوري ـــ قليبية –تونس
الإهداء: "إلى الأطفال الكبار الذين يصنعون للجراح أسناناً تمزق قوى القمع والتعسف"‏
لو أن هذا الجسد الملقى على كرسيه‏
مال قليلاً‏
لاستيقظت من نومها مدينة النحاس‏
واستغرق الحراس‏
في البكاء والضحك‏
من قصيدة موت الملك‏
سليمان لمحمد الفيتوري‏
كأننا يا والدي مطر‏
والأرض والبشر‏
جميعهم عطاش‏
لصوتنا عطاش‏
لأهلهم عطاش‏
الأرض والبشر‏
لثورة تنقذهم عطاش‏
لوحدة تجمعهم عطاش‏
القطار الأخضر‏


1)الأوبرات والعربة:‏
------------------------

ليلة؟. قلت ليلة وسكت؟. إنها جعلتني أومن بالجحيم والعجز. لا أعادها الله على صديق ولا –حتى –على عدو. تصور يا أخي: الزوجة تتوجع بحزامها...‏
-قد تكون وسائل منع الحمل المجانية غير موفقه!!‏
والابن الأول يشكو من الروماتيزم...‏
-أتراها الرطوبة تفعل –حقاً –كل هذا؟!.‏
والابن الأصغر يصيح.. يصيح فقط.. أمعاؤه؟ بطنه؟ رأسه؟ رجله؟ لست أدري.. هه... لا.... لا.... لو كان من التغذية لما بقي حي في قريتنا.....‏
-ربما هو ينفس عن ذاته!‏
وكانت أختهما تشاركهما في الصياح، مكونين جميعاً –مع أمهم –"أوبيرات" للتوجع، يتداولون فيها الأنين المخنوق والصراخ المفضوح. وأنا، أخوكم، أجد نفسي غصباً عني –قائداً لهذه الأوركسترا الرومنطيقية.. أنفعل.. أهتز... أتأخر.. أهدئ هذا وأسترضي تلك، بينما السجائر تتدافع في غير ما انتظام، فكانت الأعقاب تتهاوى معانقة أحلامي وآمالي الجريحة...‏
-هه. وهل يعقل ألا يكون لهذه الأوركسترا متفرجون متحمسون؟..‏
وهاجمتني العواصف الثلجية تشرح خلاياي وتحك عظامي فترعشني حتى كأن شراييني تصطك في بعضها تصفيقاً، وهل تكون الحفلات بدون تصفيق ورقص؟! نعم.. تصفيق ورقص.. رقص وتصفيق.. قص.. فيق.. ق.. ق.. ق.‏
.... قالت زوجتي بلهجة متقطعة: "سخن قليلاً من الماء، وضع فيه شيئاً من التوابل. أعطني منه كأساً، واسق البقية للصغار."، وأسرع للقيام بالعملية بمعرفتي الخاصة.. أبحث عن الوقيد.. عن الماء... عن الوعاء.. عن.. عن.. عن. وعن ذاتي داخل هذا الخليط..‏
-والتي لا تعرف لطم الخدود لماذا يموت زوجها؟‏
ولكن، لحركة عفوية طائشة، ينحرف الفرن الغازي، وينقلب الماء الساخن. تتحرق أصابعي ولا أشعر إلا بالحرارة تبعد عني سموم الزمهرير. وأعيد المحاولة مرات....‏
-والمتفرجون عندما تعجبهم الأغنية يطالبون بإعادتها.‏
ولم أخلص من هذه المهمة الشاقة إلا قبل طلوع الفجر بقليل..آي.. رأسي.. يا إلهي رأسي، لماذا هو أثقل من كامل جسدي؟ إنه يروم الانجذاب إلى المخدة، لكن.. الثامنة.. آي عليها اللعنة. الثامنة قريبة يا ويلتي وأنا مريض متعب. إنها قاسية لا ترحم، والأطفال ينتظرونني في المدرسة، وإذا لم أذهب؟ ما يحدث لهذه الدنيا؟....‏
-يطلبون منك شهادة طبية لتبرير الغياب.‏
شهادة طبية؟! ومن أين لي أجرة الطبيب والشهر قد جاوز نصفه؟.. أنا أخاف من الطلبات والطالبين.. أخاف....‏
-اشرب ريقك. اشرب عرقك. الذهاب إلى المدرسة أو شهادة طبية أو يحسم من مرتبك.‏
هه.. هه... وما هو مرتبي؟ أيصلح علفاً يومياً لـ "فرس السباق"؟ أو بنزيناً لـ "مرسيدس" السيد المفتش؟. أحوال والله!. إن كل فلس ينقص من جيبي يبقى مكانه ثقباً فارغاً مهولاً.. السوق يطلب.. صاحب الدار يطلب.. الضرائب تطلب.. كل الناس يطلبون، وبقيت أنا وحدي، وهل يمكن للأوركسترا أن يقودها أكثر من واحد؟..‏
المهم أن تذهب إلى المدرسة حتى لا تنخرم قائمة الطلبات والطالبين وتزداد عليك ضغطاً وشداً.‏



هامش رقم 1:‏

أيها السادة.. يا أصحاب الجيوب الفارغة والأرجل الحافية والقلوب المهمومة والبطون الفيلسوفه والعيون الكليلة.. هل تعرفون قاعدة "العرض والطلب"؟ والقيمة وفرق القيمة؟‏

والكائن الغارق في وادي الدموع؟ والزهور الميتة التي تغطي الأغلال؟ وقصور الجماجم؟ والعرق المباع؟ والأعناق الملوية؟ أم أنكم تتناسون الفروق بين الطالب والمطلوب؟. طلب يطلب فهو طالب أو مطلوب.. فاعل أو مفعول.. انظروا ها إنني أمامكم ممثلاً لاسم المفعول في أعمق معانيه وأجلى مظاهره.. أنا هو بجلدي وعظامي و... بظهري المقوس وعيوني الكليلة وأوراقي الذابلة الغريبة. هل تفهمون معنى تهاوي الأحلام وانتحار الآمال؟. تكلم. لماذا أنت صامت لا تجيب أيها الظلام الموحش المومس؟‏
........وتواصل الهواجس عبثها برأسي المثقل كأنها تريد الاستئثار به أو تمزيقه.. رأسي يغلي.. أتعرفون ضجيج الأمواج المتناكحة المتنافرة؟ أما تسمعون شكوى رمال الشاطئ؟ أم أن الأغطية الصوفية الناعمة تغرقكم في الأحلام الوردية والزرقاء؟ لستم وحدكم تحلمون أنا أحلم أيضاً ولكن أحلامي يمنع علي ذكرها.. فافترضوا أي حلم يتناسب مع حالي.. أنا أحلم.. مبتدأ وخبر.. أحلم.. فعل مضارع يفيد الحال، وفاعله مقدر.. تقديره أنا.. هه.. هه.. هه، أحلم.. أحلم...‏
-حتى أغفيت، إغفاءة بسيطة....‏
أغفيت؟ هه.. هه.. هه. هي مجرد إغفاءة لا تغني من إرهاق، تضحكون؟ لم أحسدكم على راحتكم فحسدتموني على تعبي؟!.... وجاءت طيور –على صورة مفجعة –تخفق وتغرد أغاريد موحشة غريبة، عند نافذة بيتي، وأخذت تستجوب ديكة الجيران وضفادع منزلي فأغرت أبنائي بالاستيقاظ وزينت لهم المطالبة بالطعام.. أبنائي يتصايحون.. يهتزون.. يصرخون كأنهم في مظاهرة عمالية.. آي. ما ذنبي؟. ولكنها الأصوات والأشياء تتفق كلها ضدي لتعلن بإصرار: أنه ليس لكل الناس الحق في الحلم... وما الفائدة؟‏

هامش رقم 2:‏

الثامنة تقتل فيك الحلم، تكبل فمك. تشنق أعصابك. تتلاعب بقلبك. ترعشك. انتبه، ما الفائدة؟.‏
الثامنة قريبة، قريبة جداً. والطالبون كثيرون. والميزانية تختنق. لا تذهل. لا تقلق. هه. –تموت؟ هل هي أول قارورة تحطمت في هامش الإسلام؟ تموت؟ وهل تتوقف الكرة الأرضية عن الدوران؟ تموت؟ مات "بغل" الزهواني، وما أدراك ما بغل الزهواني! بغل خير من ألف إنسان.. بغل حراث. سناي. جراي. سباق. وأنت؟ ما أنت؟ ما هو محلك الهندسي في "مستوى" الوجود؟‏
.... وحاولت أن أنهض، لكن رأسي ينجذب من جديد –وبقوة –إلى المخدة، كأنه مشدود إليها أو متلاحم بها، وأحسست أن عيني أصبحتا مثل سراج نفد وقوده فأخذ ضوءه يتراقص في خفوت وذبول. آي. هل أهدابي من رصاص؟ أم هي لحظة العمى أو الارتخاء الذي يسبق الموت؟‏
-إنها الثامنة. الثامنة.. نه.. ـه.. ـه.‏
الضوء الأحمر يغزو كياني، يشنج ما بقي فيَّ من أعصاب، يحذرني من الطالبين واللصوص:‏
"قم. دقائق صغيرة صغيرة ويدخل التلاميذ إلى صفوفهم، وتعتبر من الغائبين. أنت تعرف ما ينتظر الغائبين؟ جربت. تذوقت. لا فائدة في الاجترار. إنك تفكر ولا تستطيع أن تقول، وإن قلت فلا تفعل. هه. من حسن حظك أنه لم تنزع ثيابك، وليس من اللازم أن تسوي شعرك. امسح وجهك بشيء من الماء وأسرع إلى المدرسة. العقارب تلتهم الثواني الأخيرة لتعانق الثامنة. الثامنة. هل حضرت دروسك؟ قم.....".‏

-فيق يا راجل 1.‏
-سأنام اليوم.‏
-والأطفال المساكين؟‏
-أنا المسكين.‏
-لا بد من التضحية.‏

قلت لزوجتي الواقفة عند مقعدي، وأنا أنهض،: "نعم لابد من التضحية".. استويت واقفاً ثم كركرت رجلي وانخرطت في ضحك هستيري: "تضحية؟ إنها مبتدأ لا خبر له. أحسنت يا تلميذي الذكي في هذا الإعراب. تضحية؟ كثيرة هي المبتدآت التي لا أخبار لها. من يدري؟ لعلني أيضاً مبتدأ لا خبر؟ وربما خبر بدون مبتدأ؟ وربما زائدة من الزوائد مثل "واو" عمرو، المظلومة؟".‏
... وخرجت من المنزل مسرعاً مهرولاً وقطرات الماء البارد تتزحلق في وجهي، ويدي لما تزل في أزرار سروالي، بينما أربطة حذائي بقيت غير مشدودة لتشرب من ماء الطرقات تسقي معها حذائي وسروالي. فكأنني عربة خربة متآكلة العجلات، منهوكة المكابح، مرتخية المفاصل، متنافرة القطع بصورة تجعل أجزاء هذه العربة غر معترفة ببعضها. ألم تتجمع لديكم خطوط صورتي؟.. عربة قديمة يدفعها ريح عاصف ويوقفها نضوب الوقود فهي في حيرة من أمرها بل أمرها في حيرة منها أتتوقف أم تسير؟ ولكنها المحكوم عليها بالتوقف، المحكوم عليها بالسير، المحكوم عليها بالحيرة.‏
إنها الضرورة والحاجة والقدر والطاقة.. تتدفعني.. توقفني.. إنها الثامنة القاسية والطالبون النهمون، والعصافير.. العصافير الوديعة الهانئة البريئة تنتظرني... ينبغي أن أستجمع قواي وأجري...أجري... أجري. سرعتي في ازدياد... فمي مفتوح.. لهاثي يهر.. عرقي ينز من كامل جسدي، ولكن العربة الخربة المخروبة بدأت تفقد اتزانها وتغيم رؤيتها فتصطدم بهذا وذاك وتلك فتلاحقها الشتائم واللعنات التي تغير هويتها من حمار مرة إلى بغل إلى ثور مرة أخرى...‏

-أشعل الضوء‏
-أطلق صفارتك، صفر‏
-ثور أعمى، حمار آبق‏
-افتح عينيك‏
-العمى والدحس...‏

وتحملني الثامنة القاسية من أذني لتضعني أمام السيد المدير.. والسيد المدير عيناه براقتان مخيفتان وعيناي منطفئتان ولساني مخصي وركبتاي لاهثتان.. أنا تمثال ذل وصمت والسيد المدير مدير:‏

-تأخرت خمس دقائق‏
-سـ.. يـ.. د.. أ.. أ.. لت..‏
-هي محسوبة عليك في سجلك الإداري‏
-سأ... مـ..‏
-والآن أصبح تأخرك خمس دقائق وخمسين ثانية...‏
طأطأت رأسي وانسحبت صامتاً نحو تلاميذي...‏

هامش رقم 3:‏

ينسى المسكين أن يقول لكم إن السيد المدير حازم في إدارته.. آذانه طويلة.. عيونه واسعة سريعة.. تصل إلى المخادع إلى السجلات إلى القلوب.... إلى المراحيض، ولا غرابة أن كانت رحلاته إلى أوروبا منتظمة، وقد اشترى في الشهر الماضي سيارة جديدة متواضعة من نوع "بيجو 504"... إنه مدير ولا بد أن تكون للإدارة هيبة وأبهة، وهو عضو بارز في هيئة.. وفي لجنة... وفي.. وفي....‏
وقد علق المسكين مرة: "ولذلك لا أريد الدخول إلى لجنة خوفاً من وجوده، عضواً في إحدى هيئاتها ولجانها".‏

2-الحديقة:‏

وأدخل الصف.. مسافات شعورية لا تحد بين المنزل والصف بين الجحيم والنعيم.. يا للفرحة!.. العصافير الوديعة تستقبلني بزقزقتها الرخيمة الفاتنة شتان بين الحبق والدفلى، بين الصبابة والصبار.. بين.. وبين.‏
العصافير.. العصافير.. العصافير إنما تغزل للصباح ثوب السعادة بالورد والياسمين، وتلفني في الفل والنسرين... يا الصباح الفتاح المنور بالخير والطيبة! يا الأغنية العذبة الندية ببراءة الخلق! وروعة الجديد وعرق الميلاد!‏
يا لعنة الإشراق في وجه كل ظلام موحش.. يا الصباح الفتاح الفلاح يا دفقة الحياة الفوارة الحبلى بالأماني والأشواق!.. يا استفاقة الإصرار في قلوب الكادحين!. يا صباح النور والطيبة والرياحين!...‏
وتكهربت، تخففت.. كانت زقزقة العصافير أصابع لدنة تمتد إلى قلبي، المتعب، برفق وحنان لتخرج منه همومه وأحزانه حتى كأنه ما عرف الإرهاق والوهن.. يا لزقزقة العصافير الساحرة!. ويا لضعيف انتشى وتخمر!... لا.. لست في صف أنا في حديقة أسطورية بها عصافير ذات ريش من زهر فائح عابق. هل عرفتم كيف تكون الزقزقة أرجوحة ترتاح فيها القلوب الموهنة المكدودة؟ الأمر يحتاج منكم وضع نفوسكم في بيتي أو تأخذوا للحظات عيني وقلبي.‏
ثلاثون عصفوراً... ثلاثون زهرة تمرع في هذا البستان النضر النضيد، تتحرك لتنزع عنها أكمامها بالتدريج اللين الرقيق فتواجه الوجود الحي بحفره وأشواكه، بروابيه ووهاده، ببحاره وصحاريه، بآلامه وآماله... ومهمتي أن أسقي هذه الزهور وأرعاها لتينع. ومن واجبي أن أساعدها على عملية تحررها من هذه الأكمام الكبيسة مساعدة هي الرفق العطوف والهدهدة الحنون حتى لا تنخدش.. وبل لمن لا يترقق مع العصافير ولا يحنو على الزهور. تبت يدا القاسي الرعديد يا عصافير.. إنه يعصر القلوب. يسرق الأنفاس. ينتشي بالعرق... يا زهور... يا زهور... لو كان بيدي لأصليته ناراً ذات لهب... ولكن... هل تسمح لي الثامنة والطلبات والطالبون بأخذ هذه الطينة البشرية الرخوة وأحافظ فيها على وداعة العصافير ورقة الزهور وشفافية النور؟ هل تسمح؟‏

هامش رقم 4:‏

لا شك أنكم فهمتم كيف كان السيد المدير يتهم المسكين بالتخريب والترويج للمبادئ الهدامة والأفكار المستوردة؟ بقي أن تفهموا سر الغضب الذي يبديه إمام المسجد بالقرية على المسكين!. هه. إنه يريد منه أن ينهي كلامه دائماً إما بـ "والله أعلم" أو "بإذن الله" أو "لا حول ولا قوة إلا بالله" فإن تحدث عن الخطين المتوازيين فلا بد أن يقول: "الخطان المتوازيان هما الخطان اللذان لا يلتقيان إلا بإذن الله وإن التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله، فضحك المسكين فعرض به في خواتم الصلوات ثم شكاه إلى السيد المدير فوضعه في القائمة السوداء فحرم من الترقيات ولكن أحبه الأطفال العصافير وعملوا بتوصياته...‏
المعذرة.. فالسيد المدير الحازم يتلصص علي وأنا أخاف منه لأني أخاف من الطلبات والطالبين. شيء واحد لا يخاف المدير: الزهور.. الزهور العصافير تتحداه بتفتحها المتواصل وزقزقتها الصادحة وأنفاسها العطرة... آه.... لو أن الناس يصبحون عصافير.. لو أن الأرض تصبح حديقة واسعة تزهو بمختلف الزهور الشذية المعطار... لو أن القضبان الحديدية في زنزانات العالم تثور وتصبح مطارق تدق رؤوس......‏
ويقترب السيد المدير من نافذة الصف... يفتح عينيه الواسعتين كالغول كالشيطان كا.... وهمساً أقول لكم: ليت زجاج النافذة يتكسر ويملأ عينيه العاهرتين المجرمتين. أليس الزجاج في العين أفضل لها من الحقد؟........‏

3-الصياد:‏

أبنائي الأعزاء!... كما اتفقنا، نفتح كتبنا... الصفحة 50 وما بعدها. نص طويل كما ترون وهو يحتاج إلى شمول الانتباه ودقة الفهم. وكالعادة أقرأ عليكم النص وأنتم تتتبعون....‏
"كان عصفوراً صغيراً.. عصفوراً مازال حديث عهد بالاستقلال عن أمه..... عصفوراً زغباً لم تعد تزقه أمه.. عصفوراً عصفوراً غادر العش وركز على غصن شجرة عظيمة، يكحل عينيه بمناظر الطبيعة الخلابة... لعله كان يحلم.. يحلم بأن كل ما حوله خلق له، حتى هذه النسيمات المنعشة ترف لتمشط زغبه بأشعة الشمس الدافئة... هذه الأشعة التي تقبل أوراق الأشجار وتلثم البراعم.. العصفور يحلم... يحلم بأنه سيصير.. وسيكون... وسيصبح. يسمع حركة غليظة فلم يعرها انتباهاً.. كان منتشياً... تزداد الحركة، يحلم، تتطور الحركة، يبتسم.. ظن ذلك شيئاً عادياً في الوجود. انتبه يا عصفور إنه الصياد بجسمه الثقيل وقامته الطويلة وعيونه الواسعة جاء يتعامل مع الموت، يتعامل مع العظمة على فرس الموت لإرضاء أحلامه، وهل تحسب أنك وحدك تحلم؟ وإذا تعارض حلمان..؟.‏
وينظر الصياد نحو الشجرة فيرى العصفور راكزاً هانئاً غافلاً... يا لفرحتك يا صياد!. وجدت ضالتك. لن تعود خاوي اليدين. اجلس جلسة الصيادين الماهرين.. لا يحتاج الأمر لمثل هذا الانبطاح!. وتزحف؟ هه. ليست الثعابين وحدها تزحف. يكفي، يكفي، وضعيتك مناسبة هكذا.‏
وجه بندقيتك نحو العصفور، عفواً، نحو العصافير، أغمض عينيك واحصر الأخرى في إشارة التسديد، احبس نفسك: "جميل. إنها في الاتجاه. لا تبرحي مكانك أيتها العصافير إنه هادئ مريح. تنعمي بالشمس. جميلة هي الشمس. فاتنة هي الطبيعة، تلذذي بالدفء والجمال. لحظة ونعيش اللقاء، بل رمشة عين. لكنني أرى عصفوراً واحداً..! لا.. غير معقول هذا. ربما بقية العصافير تختبئ وراء الأوراق. هه. البارود كفيل بكشفها وإنزالها إلي. لن يقال عني بعد اليوم إني صياد فاشل يحب المظاهر ويجري وراء التقليد. أنا صياد ماهر صياد عظيم سأحمل صيدي على ظهري سأسير به أمام الناس الجالسين في ساحة المقهى يشربون العجز والخيبة والضياع، حتماً ستتغير أفكارهم ونظراتهم نحوي. سيعتبرونني فرداً له قيمته وهيبته، لا تتم معالجة القضايا إلا بوجوده. هذا هو اليوم المبارك المعظم الذي ستمتلئ فيه بطني "الحائرة" بالعصافير المشوية والمحمرة والمسفدة."‏
.. "بم.. طاق.." ويبتسم الصياد ابتسامة عملاق جبار يحطم أحلام أقزام ضعفاء، يصعر خده كأمير ينتظر أن يقبل الجواري قدميه: "هيا...... ما هذا التباطؤ؟ انزلي إلي أسراباً أسراباً أيتها العصافير العظيمة، بك سأضرب جوعي وذلي وعاري. أنا الصياد الماهر. انزلي بسرعة. من لي بجراب أكبر؟ هاتوا سياراتكم وشاحناتكم يامن تستصغرونني. وأنتم يا مالكي الأراضي تعالوا لتروا كيف أريحكم من هرج العصافير. هيا. أين أنت؟ لا تؤخري موعدي معهم.. بك سأفتح صفحة جديدة في سجل حياتي. وبدمائك الحلوة الجميلة سأكتب تاريخ ميلادي في مجالس القوم وسا..."‏

-إنه عصفور واحد يا أبي...‏
-عصفور واحد؟ أنت كسول. واصل البحث.‏

هامش رقم 5:‏

عصفور واحد. عصفور صغير مازال حديث عهد بالاستقلال عن أمه. كان يحلم أحلام البراءة والطيبة لم يتعلم أن مثل هذا يحدث له. لم تقل له أمه إن في الوجود صيادين ينشرون الموت. لم يعلموه. لم يثقفوه. تآمروا عليه جميعاً بالصمت والخداع والتجهيل. فاملأ بطنك أيها الصياد الماهر. اضرب ذُلكَّ وعارك. احمل صيدك على ظهرك أمام الناس الجالسين في ساحة المقهى يشربون العجز والخيبة والضياع....‏

هامش رقم 6:‏

صياد عظيم مثلك يطلق النار على عصفور صغير؟!. هه. أنت أنت يا حامل الموت والدمار.‏
بكم اشتريت البارود؟ الشواء لذيذ ولعابك يسيل. لا تحزن. الله مع الصابرين. إنه عصفور على كل حال فاملأ به بطنك مشوياً أو محمراً أو مسفَّداً في يومك المبارك هذا، لا بأس فهناك من يطلق النار ويجني الغبار يقذي عينيه. ألست أحسن من غيرك؟ الدنيا حظوظ...‏

-عصفور واحد؟ عصفور واحد...‏
-إنه لا يزال يتحرك...‏
-يا للخيبة...‏
-خذه يا أبي. انفخ فيه روحك...‏
-اتركه. وأغرب عن وجهي‏
-أرجوك....‏
-اسبقني إلى المنزل‏
-ولكنه سيموت؟!.‏
-ليمت‏
-إنه صغير. لم يتعلم‏
-الطيور العظيمة طارت..‏
-صفقت بجناحيها وطارت‏
-طارت في غفلة عنا... كنا نحلم‏
-سيتعلم التصـ..‏
-حتى يتعلم."‏


4-الموضوع والبحث:‏

"كفكف دموعك يا بني"... ماله مهموم؟ وماذا عرفت من الدنيا؟.. وأنت البرعم. أما رأيت الشيب يكفن رأسي؟ لبان أمه مازالت بين أسنانه، وأسناني تهتز وقد تطاير البعض منها.‏
ومع ذلك فأنا أكره السجن لأنني أسحب ورائي قطاراً طويلاً. هذا موضوع آخر. حذار. إن العيون الواسعة الطويلة تتابع حركاتنا وهمساتنا. غيِّر الآله وبدل الاتجاه. طيب. أعد القراءة. أنت.. نعم.. اقرأ بشيء من التعبير والتمثيل مع احترام النقط والفواصل وجميع الوقفات والسكنات... ويقرأ. الأول... الثاني... الثالث...‏

-سيدي. ما معنى "مبارك"؟‏
-شكراً. من يعرف؟ أنت؟ تفضل...‏
-اليوم المبارك هو الذي نطبخ فيه "البريك" 2 ويبرك أبي عن العمل ليبر بوعده مع النوم.‏
-واليوم المعظم سيدي هو الذي يرتفع فيه سعر "العظم" 3.‏
-والبريك بالعظم أو لا يكون....‏
كان بودي أن أقهقه. أن أصرخ. أن أمزق ثيابي.. أهتز. أغضب. ولكني كبحت نفسي بقوة حتى تقافزت الابتسامات من فمي المشدود وعيني المضغوطتين.....‏

هامش رقم 7:‏

لا بأس.. هم أطفال عصافير. هل يلام الندى على معانقة الزهور؟ هل تعاتب الشمس وهي تفتض بكارة الوجود ليلد الجديد؟ هل نلعن الصباح لتمرده على أبيه الليل؟ إن حب الانعتاق والانطلاق يربط الحي بمصيره الضارب في مجاهل المستقبل ليعانق نوراً يشع خلف ظلمات كثيفة مخيفة، نوراً دونه الأهوال والأشواك والأتعاب، ومن رامه مشى إليه حافياً واضعاً رأسه في كفيه وأشباح عديدة تقدم إليه أحذية من ذهب ومراكب من ياقوت وجوهر يتوسد فيها أجساد الغيد الحسان ولكنه يمضي نحو النور ومن اختار النور لا يهتم بالأشباح.‏

-هل أنتم موافقون على هذا الشرح يا أبنائي؟‏
-موافقون. فاهمون. واعون.‏

-إذن نمر إلى ملء الفراغات الموجودة في النص.‏
ويقاطعني الصياح من كل جانب. صياح طفولي بريء هو زقزقة العصافير وترانيم أنسام الصباح.‏
-سيدي أنا أكمل الفراغ‏
-أنا. أنا. أنا. أنا. أنا..‏

هامش رقم 8:‏

عليه اللعنة.. هذا المؤلف الثقيل البليد، يملأ أوراقه بالنقط والفراغات.. لماذا؟ كان عليه أن يكتب كلمته كاملة ويمضي في سبيل حاله مرتاحاً مريحاً. لماذا يتعبنا؟ ذلك من متطلبات الفن؟ وأي فن هذا؟ الناس يجوعون والعصافير تموت وهؤلاء الفنانون يتلهون بالتنقيط؟ يتاجرون ويقومون بسحل الحقيقة؟ الفن. الفن. أين هو. أين أنت؟ كيف ترضى أن تكون هذا الحمار القميء الوطيء الذي يركبه مهرج ليشارك به في سياق الحمير أمام حضرة الأمير وحاشيته تسرية لهم وتشجيعاً للحركة الرياضية، والعقل السليم في الجسم السليم؟ السعيد السعيد في دنيا اللامعقول من له هذا الحمار البهيم.‏
لكن من قال إن المؤلف هو الذي أحدث الفراغات؟ ربما جف حبر بعض الحروف في المطبعة فجاءت هذه الحروف شائخة بيضاء؟ أقول هذا بعدما تعرضت في الدرس السابق إلى نقاش من هذا القبيل حيث قرأ التلاميذ في كتبهم: "المسرح أداة بهذلة وتقفيف" 4 وقد أتعبنا الألسن والعقول تخريجاً وتأويلاً لمفاهيم الجملة وأبعادها حتى اكتشفنا في الأخير أنها تعني: -لولا أخطاء المطبعة –"المسرح أداة تهذيب وتثقيف". تضحكون؟ فلماذا تلومونني على الضحك؟ بالله عليكم ما هي العلاقة بين "التثقيف"؟ وبين "البهذلة" و"التهذيب" لكنها العقول البريئة والقلوب الطاهرة.. حرام تكليفها مالا تطيق.. التشدد معها حماقة إن لم يكن جنوناً...‏

هامش رقم 9:‏

هل تلام النحلة عندما تلسع؟ أسطوانة مجروحة؟ قلت لكم: أنا ضد القمع. ضد التعذيب. خذوا ما تريدون واتركوا مالا تريدون. أصابعكم في أياديكم وآذانكم في رؤوسكم وأنتم أحرار.. تسمعون أولا تسمعون. ألم تتباهوا بحبكم للديمقراطية؟ دعوا الزهور المختلفة تتفتح وتفوح فالحديقة الجميلة هي ما كانت زهورها مختلفة الألوان.‏
اعذروني فعيون السيد المدير الواسعة تبعث بإشاراتها الحمراء فتدخل في فمي أشواكاً توقف لساني. ألم أقل إن لساني مخصي والسيد المدير دير.. ير... ر... ر؟‏
فكرتم جيداً؟ من وجد الكلمة الناقصة؟ ها أنا أكتبها لكم‏

-التصـ....‏
-....وير‏
-....دير‏
-....ريح‏
-.....فير‏
-....بير‏
-....غير‏
....ريع‏
....فيف‏
-التصفيق.. التصفيق (طاق.. طاق)‏

-لماذا تصفقون؟ ليس هذا المقصود. ألا تعرفون أن يصفق الطائر بجناحيه ويطير؟‏
-طق.. طق... طق..... طق... طق‏


هامش 10:‏

تصفيق؟ كم كانت الكلمة محركة لهم! نزلت عليهم نزول الطمأنينة فهزت فيهم كوامن الفرح واليقين فهم جذلون جذل العالم يعانق الحقائق العلمية التي طالما عذبه حرونها.‏
ولعل هؤلاء الأطفال العصافير تعودوا بالتصفيق فاستسهلوا الكلمة وهم يرون كثرة المهرجانات في المملكة:‏
الميلاد. الختان. بروز الأسنان. الحبو. المشي. أتعرفون كيف كان العرب يصلون في الجاهلية؟ وكيف يصلي هواة الرياضة في الملاعب؟ ألم يقل سيدنا الشيخ: الصلاة رياضة؟ رياضة رزينة بدون قفز متهور ولا هرولة مستهجنة. فبربكم لا تلوموا سيدي الشيخ على انتفاخ بطنه وثقل ركبتيه، فهو لا يعرف الوضوء بالماء البارد ولا المشي على الرجلين، إنه يتيمم بدفاتر الصكوك المصرفية ويصلي الخوف على "ظهر الدابة".‏
.....وحاولت أن أستعمل معهم المنطق بكل جفافه وتصوراته: (فيق يا عصفور فيق) فجاوبه التلاميذ: "فيق فيق. فيق.". ودائماً بالمنطق: "ولكن القاعدة النحوية تقول بحذف الياء في الأمر، يقال: أفق وليس فيق يا بني.. أفق خفيف الظل هذا السحر.. نادي دع النوم وناغ الوتر"‏
-فيق. فيق. فيق. فيـ...‏
وأحسست أن صياحهم المتعالي سيل هادر يشق صحراء نفسي.. يتسرب في أعماقها حزناً أخضر دافقاً يبعث فيَّ الحرارة فأتمنى لو أتصايح معهم، لو أشعل النار في الراقد، لو أكون سنبلة، لو، لو..... لكن.....‏
فيق. فيق. فيق‏
ضغطت على شفتي وأنا أنظر في العيون أقرأ فيها حلمي الذي تبدده الساعة الثامنة.. حلمي.. يا حلمي اقفز في العيون التي أحبها.. هكذا أريدك أحمر غاضباً فأنا أسربك –حتى –وأنت تكتب بغير قلمي وترقص بغير موسيقاي.‏
أراك واقعاً فأولد من جديد، تتوقف فيَّ جميع عمليات التآكل المادي وتتعمق ذاتي. لا شيء يجعلنا نكبر على ذواتنا المتهرئة غير فرح عظيم. أين كنت؟ وماذا صنعت؟ أح... أح. لقد صح مني العزم والدهر أبي. الدهر. الثامنة. الطلبات. الطالبون.. متى أحطمكم؟ متى يجرفكم سيل أحلامنا؟‏

-فيق. فيق. فيق‏
وأفقت برعشة تملكتني....‏
-أقول لك لماذا لا تحذف الياء هنا يا أستاذ؟‏
-أعرف... أنها.... يجب أن تحذف‏

-في الكتب فقط. أما هنا فالياء للنداء والصياح.. ألم يذكر النص أن العصفور لم ينتبه والصياد يترصده؟ إنه ناعس راقد، قاعد حالم...‏

-والياء؟ توقظه؟‏
-نعم. اسمع: فيق‏
-فيق.. فيق...‏
-إنها المهماز يهز الراقد هزاً عنيفاً فيفيق أو يهلك‏
-وأنت أمليت علينا محفظنا: "إن الراقد يأكل الموت ترقباً للقوت".‏


هامش رقم 11:‏

وأفكر صامتاً: "من المدان؟ أنا؟ العصفور؟ الصياد؟ كاتب النص؟ أم نحن جميعاً؟ وأي منطق هذا الذي يمارسه الأطفال العصافير الزهور؟ أتراني لم أعد أفهم ما تقوله العصافير ووجب علي أن أعود إلى كهف الرقيم؟ ولكنهم أحلامي الطفولية تتحرك فيهم وبهم!!!!....‏

-ولكننا سيدي لم نكتب موضوع النص؟‏
-ابحثوا عنه خارج هذه المدرسة، ويمكن أن نتعرض له في مناسبة أخرى إن بقينا على قيد الحياة.‏
ماذا؟ "إن بقينا على قيد الحياة؟" إني لست أدري لماذا تلفظت بهذه الكلمة؟!. لقد انفلتت مني بدافع غامض.. قد يكون الخوف؟ قد يكون الحزن؟ قد يكون الأمل؟ قد يكون...؟ وكم كنت أود أن يتصايح الأطفال العصافير الزهور بصوت واحد: "الحياة لنا. الحياة لنا. سنبنيها. سنكتب قدرها. سنعيد خلقها." ولكنهم انصرفوا مسرعين منشدين أناشيد لم يسمح لي ارتعاشي بفهمها أو التملي منها... كانوا يتجارون وفي أياديهم مشاعل تذرذر النور وتزرع النجوم. تعمى عيون وتنفتح عيون. تموت أرواح وتنبعث أرواح، فالشمس مشرقة كأعز ما يكون الإشراق... إنها العصافير تكبر والبراعم تتفتح لتعلن عن الميلاد حيث تصبح "للجراح أسنان، تنتصب متاريس وبنادق تدافع عن الإنسان.. وتبني مجد الإنسان.‏
وأنظر هنا وهناك.... لم أعد أنا... أبدأ.... لقد تجددت فتدفقي يا أحلام الطفولة... الباب مفتوح. الباب مفتوح... مفتوح... مفتوح. مفتـ ........ وح.‏

5 /12/ 1975‏

1 -استعمال عامي تونسي‏
2 -البُريْك: أكلة تونسية قوامها العجين يصنع بشكل كبه تحشى باللحم والبيض وشيء من الخضر ثم تقلى. وتقدم في رمضان خاصة.‏
3 -البيض يقال له بالعامية: عظْم.‏
4 -التقفيف كلمة معناها في اللهجة العامية التونسية التزلف والوصولية.‏


نظرة الى قضية المرأة
-----------------------

الوعي بالدوافع الأصلية للدفاع عن المرأة التونسية
1) ما لا يجوز أن يغيب عنا:
1 ـ 1 :
نود، بادئ ذي بدء، أن ننبه إلى أننا،عندما نتعرض إلى أمور دينية، لن يكون ذلك، مِنا بعقلية الفقيه وأدواته بل بعقلية المفكر، والحقوقي، الذي يرى أن من حقه ( وواجبه الإنساني) أن يفكرفي(والكائن بالفكريكون إنسانا) يفكر في نفسه وفي الكون من حوله وفي تاريخه وتاريخ غيره ، ومن ضمن ذلك تفكيره في التراث الإسلامي، الذي هو حق مشاع بين جميع الناس ، باعتباره تراثا إنسانيا عاما، يمكن التعامل معه بروح نقدية، قد نخطئ فيما نستنتجه منه ، كما أننا قد نصيب ، فإن أصبنا فأجرنا راحة الضمير وإن أخطأنا فلنا أجر التفكير الباحث عن الحقيقة والصواب، وما على من بقي متمسكا بالعقلية الفقهية، الجامدة، ألاّ يرمينا بحجارة تكفيره ولا يجلدنا بسياط زندقته، لأننا لسنا في عصر" الجَهم بن صفوان"، ولا ابن حنبل، ورجاؤنا أن يعتبرونا من " الناظرين في ملكوت السماوات والأرض"، وعصرنا عصر حرية الرأي والتعبير، وحقوق الإنسان، نناضل جميعا للحصول، والمحافظة، عليها، وقد ندخل، بسببها في معارك ضد أعدائها ومفتصبيها، وعلينا أن نعرف أن خصوم تلك الحقون لا يخجلون، عندما يستعملون" الدين لتبرير مواقفهم، ويقدمون أنفسهم ، بمساندة ممن يجعلون أنفسهم أوسياء على الدين والمحتكرين لتفسيره وقراءته، القراءة التي نعرفها، والتي لو سمع بهامحمد(ص) لأنكر إسلامها ولتبرأمنها، لأنها، في حقيقتها وأهدافها ، تكرَس العبودية والقهر والإستغلال، وبالتالي هي قراءات سطحية، تتنفس من " ثقافة الرعية/ ثقافة العار" ولا تخدم إلاّ قوى الظلم والقهر والطغيان والظلام.
1 ـ 2
إن الدراسة المعمَّقة في " أصول الدين " ترينا أن مصادر التشريع الإسلامي على نوعين : أساسية( قرآن وسنة صحيحة وإجماع، وقياس)، وتكميلية، (كالإستحسان، والإستصلاح، والإستسحاب ، والمصالح المرسلة...) ، وأن عدم التوقف عند الأصول الأساسية ، ومواصلة البحث فيما يحدث من حوادث ونوازل دفع هولاء المفكرين إلى الإجتهاد لاعتقادهم بأن الحياة تطور مستمر، ومَن يتوقف لا تنتظره الحياة، وأن " التشريع الإسلامي سُنَّ على قدر الحاجة "وبذلك توصلوا إلى استنباط تلك الأصول التكميلية تماشيا مع تطور الحياة، كما أنهم صاغوا"المذاهب الفقهية" و القواعد الشرعية".وأنهم استفادوا من نزول القرآن "منجما" طيلة ثلاث وعشرين سنة، ليؤكدوا للمسلمين أن القرآن نفسه تدرج مع الحياة . فهل أن ذلك الجهد الفكري، لإستنباطي حلال عليهم يُؤجَرون عليه، وحرام على من سيأتي من بعدهم، يعاقبون عليه، بعزلهم من وظائفهم وتجريدهم من شهاداتهم واضطهادهم في أبدانهم وعيشهم وتحركاتهم، مثلما جرى للمفكر التونسي" الطاهر الحدادن وما يجري اليوم لغيره في مختلف البلدان الإسلامية، وبأسباب ومسميات أخرى، زكأن هؤلاء الفَعَلة جعلهم الله أوصياء على الإسلام ، يكفرون كل من خرج على " السائد" من مفاهيمهم وتأويلاتهم ومقرراتهم، التي تحميها السلطة دائما، تظاهرا بأنها حامية للدين ومدافعة عنه؟
وقد وصف الشاعر أبو القاسم الشابي(،وهو من أصدقاء الحداد)، هذا الإضطهاد الذي تعرض، ويتعرض، إليه المفكرون والصلحون فقال في قصيدة له بعنوان " تونس الجميلة" التي كتبها في 02 جوان 1925، يبكي قيها حال تونس التي شوّه التعسف والإستبداد جمالها(وماذا بيد شاعر رقيق النفس ،أن يفعل ، وهو في غربته الروحيية، غير أن يبكي حالما ويحلم باكيا، بدافع من شعوره الفياض، بأنه ،بحلمه، يقاوم" ديدان العفن":
لست أبكي لعسف ليل طويل، أو لرَبْعٍ غدا العفاءُ مراحــهْ
إنما عَبرتي لخطب ثقيــل، قد عرَانا، ولم نجد مَن أزاحه
كلما قام في البلاد خطـيب موقظ شعبه يريد صلاحـــه
ألبسوا روحه قميص اضطهاد فاتكٍ شائك يردّ جمــاحــه
ومعروف أن هذه الحالة، المتخلفة، تكون في الأنظمة الاستبدادية، وهي، دائما عدوة لكل فكر حر، لأن الفكر الحر يفتح العيون وينشر الوعي، وكل ذلك لا ينخدم مصلحة الإستبداد، الذي، عادة ما ينتشر في ظلام الجهل، ثم يبحث عن حلفاء له يطبلون له ويزينون برامجه ومشاريعه. وقد قال أحدهم:" ا ذا طرق الرقيُّ بابَ أمة، سأل: هل يوجد فكر حر؟، فإن قيل له: نعم، دخل. وإن قيل له لا، انصرف" ( أنظر ما كتبه الكواكبي في كتاب له عن الإستبداد)، ومن هذه الناحية، حدّث عن البلاد الشرقية، ولا حرج، وقد تفنّنت في الإستبداد أيما تفنن، مما جعل المؤرخين يطلقون عليها:" الإستبداد الشرقي" وبعضهم سماه " الإستبداد الآسيوي"، حتى أن المتشبعين بثقافته والمكتوين بناره صاروا يتقبلونه، وكأنه أمر طبيعي، في أغلب المراحل التاريخية، فهذا ثائر هُزِم في المعركة يُقطَع رأسه ويُحمَل هدية
ثمينة للخليفة، كما حدث للحسين ابن علي، وعبد الله بن الزبيروغيرُهم وكثير، بينكا ه=ه السلطة ومعها فقهاؤها/ تنتهك جوهر الدين، باضطهاها للناس، وإغراقهم في الجبايات، وإ=لالهم بمطالبتهم بما هو فوق طاقاتهم الإنسانية، دون رحمة ولا شفقة؟
1 ـ 3
نستنتج مما سبق مشروعية أن يفكر ( في أمر المسلمين، وأمر غيرهم) ابن رشد، والطوفي، ومحمد عبده، والإفغاني، والكواكبي ، والثعالبي والطاهر الحداد وعلي عبد الرازق وعبد القادر الدردوري، وحمة الهمامي، وغيرهم، عملا بالحديث النبوي القائل:" من اجتهد وأساب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجرواحد" سواء كان مجال اجتهادهم دينيا أو اجتماعيا، أو سياسيا، لأن الحقيقة لا يملكها شخص واحد ولا جيل واحد، ولأنه، أيضا، ما كان يصلح لمعاوية وعلي قد لا يصلح لأنور القوصري وعلي بن سالم، وما كان يصلح لأسماء بنت أبي بكر لا يصلح لراضية النصراوي ولا لسهام بن سدرين.
1 ـ 4
أما فيما يخص حاضرنا وقضايا شعوبنا وتطلعاتها في الحرية والعيش الكريم، فله منطقه، ونضالاته، وذكرياته، وآليات عمله، ولا نظننا نرضى إلاّ بما نسطره لأنفسنا وبإرادتنا الحرة ، وقد تشبعنا بثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية . ولعل البعض منا ما زال يتذكر إحدى مسرحيات دريد لحام بعنوان" على نخبك يا وطن"حيث أراد بطلها دريد أن يهرب من واقعه المأساوي فغرق في شرب الخمر، وتخيل أن والده المتوفى قد خاطبه من الجنة عن كذا وكذا.. فعلق الأب :" وماذا ينقصكم، إذن؟" فأجابه:" لا ينقصنا إلاّ شْوَيّ(قليل) كرامة" وهذه الـ"شويّ" تعني الكثير باعتبار أن الكرامة كل لا يتجزّأ، فإما كرامة وإلا لا كرامة. ونحن في حالتنا التي نعيشها ونتجرع عكسياتها وتناقضاتها لا نملك معها إلاّ أن نقول:" لا ينقصنا إلاّ شوي تطبيق، و" شوي"احترام للقانون والمواطن ، رغم أننا أفضل من غيرنا في البلدان الإسلامية والعربية"مما قد يجعلنا نردّد كلمة" الهَمْ فيهْ ما تِختارْ، وبالقياس نقول : الإستبداد فيه ما تختار، ولعل المهموم قد يضطر للإختيار بين كلب عضّتُه شديدة ومؤلمة، وبين كلب عضته صغيرة. والمرأة الشرقية( ومن ضمنها التونسية) وجدت نفسها غارقة في " الَهمّ" والإستبداد من قِبَل الرجل سواء كان أباها أو شقيقها أو زوجها، وفي بعض الأحيان لإبنها الكبير، عند موت زوجها، وهي بالضرورة ستقبل أن تكون " تحت" رحمة الزوج فتخدمه كما يريد، ولعل هذا ما عبّرت عنه الكلمة المصرية على لسان المرأة، تبريرا لقبولها أي زوج يتقدم إليها، حتى ولو لم يُرضي طموحاتها ، فتقول:" ظِلْ راجِلْ ولا ظل حِيطة= حائط"
وعلى كل حال فالواعون بحالهم لايختارون بين هَمٍّ وهم وبين استبداد واستبداد، بل هم يرفضون الإستبداد، أصلا، مهما كان نوعه ودرجته وأهدافه، ولا يكتفون بالرفض وإنما يتعدّونه إلى مقاومته، حسب ظروفهم وما أُتيح لهم من وسائل وقدرات، وبهذه العقلية قاوم شعبنا الوجود الإستعماري مقاومة شرسة، قادته للفوز عليه ، ومن ثم دخل في مقاومة مخلفاته وبناء دولته العصرية، بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة(1903-2000)
ومن هنا نشعر بنكهة كبيرة في كل عيد من أعيادنا الوطنية والعالمية، وهي عندما تهلّ علينا نستحضرها بكل عمق، ونستولد منها الدروس والعبر، إصلاحا لأخطائنا، الماضية والحاضرة، وتلمّسًا لطريقنا الذي اخترناه .
وقد يرى البعض، لغرض في نفسه، أن تواريخ الذكريات الإنسانية،( كأعياد الاستقلال والثورات وميلاد الأبطال، وأعياد الشغل العالمية، وانبعاث الأمم المتحدة وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو النصر على النازية، وسقوط الديكتاتورية.. الخ..)ـ نقول: هؤلاء "السذج" يجعلون من تلك الذكريات فرصة للإسترخاء والتمتع بـ" إجازات" خالصة الأجر، تعَطَّلُ فيها الدراسة، وتقام المهرجانات الخطابية، المموِّهة، والحفلات الغنائية، المائعة. لأن العبرة عندهم في البهرجة" الشكلانية" الخلابة، التي تأخذ بالأنظار، دون أن تمس الأفكار والعقول، ولم تكن غايتهم تحريك العقول، وجعلها تستحضر الذكريات واستخلاص العبر للتوفّق في بناء المستقبل، بل كانت غايتهم التلاعب بعواطف الناس وإبهارها الظاهري. وهذه الشكلانية، بما لاها من بريق ظاهري،إبهاري ساحر، صارت الأداة المفضلة للرأسمالية للتضليل علىالطبقات المسحوقة والمهَيمن عليها، المخدوعة في وعيها وأرزاقها، خاصة وأن الأولى ترى من الأسهل والأجمل لها أن تضع شعارات خلابة، مثل لكل المواطنين الحق في السفر إلى خارج الوطن، وهي تعلم أن هذا الحق لا يكون إلا لمن له المال لاقتطاع تذكرة للسفر والإقامة وتصريف العملة وما إلى ذلك من مستلزمات السفر، فيكون هذا الشعارالجميل أفضل، لها، لإحكام التضليل والخداع من القول " لا يحق السفر خارجَ الوطن، إلا لمن يملك المال" وهي لا تستعمل الشعار الثاني لأنه قاضح ومفضوح ومكشوف، وتستعمل الأول لأنه يتضمن الثاني، إلا أنه في الصيغة الأولى تمت تغطيته بالبهرج الشكلي فظهر خادعا. ومن هنا تم استعمال " الشكلانية" في التعامل مع الذكريات والأعياد الوطنية والعالمية والدينية، بما في ذلك اليوم العالمي للمرأة في 08 مارس من كل سنة، والذي هو ثمرة نضال المرأة لتحقيق مطالبها المشروعة، باعتبارأن لا حقّ يأخذه صاحبه دون أن يقدم لأجله الثمن الغالي من أعصابه وروحه وصحته. أما إن ظل صاحب الحق مكتوف الأيدي( ويردد :" ماضاع حق وراءه مُطالِب" ، وينتظر، دون عمل، أن يأتيه حقه إلى حيث يجلس أو ينام فلن يأتيه أبدا، وحتى إن أُعطِي إليه شيء وظنه حقه فهو واهم لأن الحق لا يعطى بل يُنتَزَع .
ونحن، في هذه الإطلالة، نود أن نتحدث عن وضعية المرأة ،امن وحهة نظرنا، (ذات الخصوصية الرابطية(نسبة إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والتي قد تتفق وقد تختلف مع وجهات نظر أخرى حزبية ، لها خطها السياسي وانضباطها الحزبي) لكنها، على الأقل، بعيدة، كل البعد، عن " الخداع الشكلاني" والتضليل الاستغلالي ، الذي نراه في "سذاجة" الخبثاء، الذين، هم حقا، "يصطادون في الماء العكر"، بعدما كان الماء صافيا وقاموابتلويثه ، وأوهموا الناس بأنهم وجدوه ملوثا، كل ذلك لإبعاد الناس عنه والاستحواذ عليه. زقد كان فعلهم هذا كفعل خبيث كان في طعام مشترك بينه وبين غيره، وفكر في أن يجعل الطعام له وحده ويحرم منه شريكه، فهداه عقله "لمخروب" إلى أن يبصق في هذا الطعام لينصرف عنه شريكه ، وكذلك يفعل الرأسماليون عند معاملة غيرهم، وتفعله مدرستهم وفلاسفتهم ومنظِّروهم وأتباعهم، وما أنتجوه جميعا من "قيم فردانية" تعتمد، ظاهريا وشكليا" تنافسا نزيها، قوامه " دعه يعمل دعه يمر" ومستنسخاته ، سواء كان ذلك عن سذاجة خبيثة أو خبث ساذج، والنتيجة شيوع ما يسمى بـ" ثقافة الرعية" التي تعني، عموديا،عُلْويا، الراعي وله السيطرة المطلقة ( الحكم/ الأمر، القوة) وسفليا، الرعية ولها الخنوع والمذلة. وبالتدرج، التنازلي، يكون الزوج راعيا والزوجة رعية، لا حق لها إلا بما يجود به زوجها من فضله وكرم نفسه، وما يحقق له أن تكون زينة له يتلذذ بها، وقت ما بشاء، فهل في جو هذه الثقافة يمكن الحديث عن حقوق المرأة، بينما المجتمع برجاله ونسائه يرزح تحت السيظرة والاستغلال، وفيه ينتج المنتجون فيسرق الرعاة إنتاجهم بصورة وحشية تجعل المنتجين أكثر فقرا وحرمانا، وتجعل السراق أكثر غنى وثراء، بحكم قانونهم البراغماتي" جهدك يا علاّف" الذي يعني في أصله وحقيقته، " حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت" وما " قليل الجهد" هذا، إلاّ الضعيف الذي لا قوة له ولا جهد ، ومَن في هذه المعادلة المأساوية أقل جهدا، وأكثر تضررا؟ أليست المرأة؟ .
وبعد، فإن هذه الأطروحات/ المقدمات،التي عرضناها،سابفا، قد تبدو، للبعض، بعيدة عن قضايا المرأة ومشاكلها، لكنهافي حقيقتها، شكلت إطارا تاريخيا وثقافيا لةضعية المرأة والنظرة" الدونية" لها، والمكبّلات التي كبّلتها وعاقتها عن وعيها بذاتها، ومن هنا فنحن نرى أن هذه المقدمات ضرورية،أساسية، لكي نجنب " الواهمين" من الوقوع في " فِخاخ"أحكم الإستغلاليون تغطيتها بالكثير من " الزهور" التي تبدو في ظاهرها يانعة، حية لكنها في حقيقتها ذابلة، ميتة، وقد عاونهم في ذلك فقهاؤهم ومفسروهم ، ومزيّينوا بشاعاتهم. لكن بالتعرية ينكشف موت تلك الزهور، ومن يقوم بهذه التعرية غير ثقافة" حيوية، عضوية" تفضح الموت والمزورين. وعلى هذه الثقافة العضوية أن تقاوم جذور تلك الثقافة التي أُطلق عليها، بحق، ثقافة " الراعي والرعية المبنية، أساسا، على التسلط والخنوع، على السيادة والعبودية، على الأمر والطاعة العمياء " ، وأنتجت ما أنتجت من بؤس وتخلف.
2) حال المرأة التونسية:
ونخلص مما سبق، إلى أن قانون الغاب( البقاء للأقوى( وحوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت)، والأقوى
والحوت يتحدان في النتيجة وهي القوة ، التي تجعل من كائن مسيطِرا ومن أخيه مستغَلا، يبيع عمله للقوي، ليقدر على توفير الحد الأدنى من العيش له ، وهو يقبع في أسفل " القِدْر" الإجتماعي، وتحته، في قاع القِدر، ترزح المرأة، فإذا ما تسلّط القهر الطبقي على مَن في الأسفل ضغط على مَن في القاع مصداقا للقول الشعبي:" غُـشْ البَي يرُدُّوا في الرعية"، وبالتالي فإن المرأة، بصورة عامة كانت أضعف الضعفاء، ولهذا كان الطاهر الحداد، المصلح التونسي، مُحقا عندما أفرد " العمال التونسيين" والمرأة في كتابين هامين، لإلقاء
الأضواء الكاشفة على الضعيفين: العامل والمرأة مما يجعل المعركة الحقيقية ليست بين الرجل والمرأة، كما يتوهم الواهمون ، بل بينهما، معا، وبين ظروف " القهر الإجتماعي" الذي كانا غارقين فيه ويتوجب عليهما نفض الغبار عنهما وإزالة كل " الزهور الميتة" التي تكبّل وعيهما وتغطي أغلالهما.
2 ـ 1
في عهد الإستعمار الفرنسي:
تتصف هذه الفترة من تاريخ بلادنا، أواخر القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشؤين، فكريا ودينيا، بأنها( ككل البلدان العربية والإسلامية)، فترة إنتشار الجمود والشعوذة والخرافات، والتي يمكن تلخيصهافيما قاله " علماء" الخلافة العثمانية ، عند اشتداد مرض الكوليرا بالبلاد التركية، وطُلب منهم البحث عن حلول لهذه المصيبة، فكان موقفهم أن هذا الداء اللعين يعود إلى قدر الله وقضائه، ولا دخل للإنسان فيه، ولامردّ لقضائه. وقدلخصوا للسلطان العثماني تبرير موقفهم بقولهم:"يقول أهل العلم والعرفان .. نفوّض الأمر إلى الرحمـن ... " ، ولم تكن لعقولهم المتيبّسة أن تدرك أن الكوليرا أمر دنيوي، وينبغي أن يُرَدّ إلى شؤون الدنيا ومقتضياتها، لكنهم ردوه إلى مجال الألوهية ليتمكنوا من قياسها أقيسة صورية، تعتمد على التلاعب بالألفاظ ، كقولهم:" أليس كل شيء من عند الله، وأن الإنسان عاجز أمام الله،( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)؟ إذن الكوليرا، كما تصوروا، هي من عند الله، وما كان من عند الله لا يزيله إلا الله. وعلى هذا الأساس كان الحال، مع قضايا المرأة ، الدنياوية ، حيث ردوها إلى الألوهية وأخذوا يتحدثون عن ضعف المرأة، وأنها خُلِقت من " ضلع أعوج من ضلوع آدم" تبريرا منهم لنقصها العقلي والديني ، وما كان لهم أن يفهموا أن هذا النقص والضعف هو حالة تاريخية وليست طبيعية، وأنه ما حدث في التاريخ قد يزول في التاريخ. وحتى الحكم الشرعي، نفسه، والمبني على أسباب، فإنه يتغير بتغير تلك الأسباب، وقد يزول بزوالها، أو يتطور بتطورها( كأوضاع الرق، والإماء، وتعدد الزوجات والبيعة، والخلافة، وقسمة غنائم الجيش،، ونُظم الحكم، وعلاقات الشغل، وما إلى ذلك من أمور الدنيا وحياة الإنسان فيها).
إن المرأة سواء الشرقية أوالتونسية، كانت محكومة، بشروط " ثقافة الرعية"، وبعقلية" نفوض الأمر إلى الرحمن"،مع وجود بعض الفوارق لصالح المرأة التونسية لاعتبارات( يضيق لعرضها هذا المجال المحدود) وهي عديدة تاريخية وحضارية جعلتها أكثر تنفسا من أخواتها في البلاد العربية والإسلامية، مما هيّأ لها، ولو نسبيا، الإسهام في الحركة الوطنية, والطاهر الحداد (1889-1935)في كتابه:" إمرأتنا في الشريعة والمجتمع " خصصه للمرأة المسلمة، عامة، والمرأة التونسية خاصة، حيث عرض وضعها وحالتها في الشريعة الإسلامية، حسب رايه واجتهاده( في القسم التشريعي، أي كما جاء في الشرع الإسلامي) ثم قابله بوضْعها في المجتمع( أي كما كان المجتمع يعاملها، وما كانت تعانيه من حرمان وسلْبٍ لحقوقها وحرياتها، وما اقترحه لها ، من حلول ومطالب)، ولعل الحداد قد أراد من القارئ أن يصل، من هذه المقابلة، إلى نتيجة أن ماعليه المرأة في
المجتمع مخالف لما قال به الشرع، وكأنه يسأل ضمنيا مَن منهما على صواب ومن هو على خطأ: الشرع أم المجتمع ؟ وقد هداه عقله الإصلاحي إلى أن المجتمع يتصرف بخلاف الشرع، وعلى هذا المجتمع أن يصلح نفسه ويعود إلى شرعه، المتصف بالتطور والتدرج والواقعية، وقد ضرب أمثلة على ذلك، ثم استخلص أن المرأة المسلمة مظلومة، والظلم قد حرمه الله على نفسه، كدعوة منه لتحريمه بين الناس، كما أن الله عادل، ويتجه في جوهر شرعه إلى تحقيق العدالة بين الناس وقد خلق عباده من نفس واحدة، وأنه لم يميز بينهم إلا بالتقوى ، التي هي الامتثال لأوامره ونواهيه، فمن أين للمسلمين هذه الحواجز التي يضعونها بين المرأة والحياة، حتى أن الواحد منهم عندما يعيّر غيره( كما هو الحال عند التونسيين) ينفي عنه الرجولة، وكأن الإنسانية هي الرجولة فيقول له:" ماكِشْ راجلْ"، وكذلك حين ينفي عنه القدرة على الفعل والعجز عن الإنجاز والتنفيذ،( والفعل والإنجاز هما من صفات الرجل وليست من صفات المرأة )أو عندما يرى في تصرفات إبنه نوعا من الرقة المبالغة يصفه بأنه من النساء فيقول له:" يا مْراوي"، وإذا رآه يبكي يقول له:" إنت مْرا؟" نسبة إلى المرأة؟فهل يضيع الإسلام عندما يحقق، بين الرجل والمرأة، عدالة أوسع وأكبر ؟
إن ما يهمنا في كتاب" امرأتنا في الشريعة والمجتمع" هو ما دعا إليه الطاهر الحداد في الثلاثينات من القرن العشرين من "تحرير "للمرأة التونسية"، وتمكينها من التعلم، واختيار زوجها وحقها في الطلاق ، ومساواتها مع الرجل مساواة كاملة خاصة في الميراث والولاية على أبنائها، وحقها في تولي المناصب الهامة في البلاد، وما إلى ذلك ممااعتُبر، وقتها، بحق،" ثورة " رائدة، وبالفكر المتيبس وباللغة الخشبية، اعتبركفرا وزندقة، كما ادّعؤا على صاحبها بأنه على صلة ببعض رموز السلطة الإستعمارية(؟) بينما الرجل كان مصلحا، ومن داخل الدائرة الإسلامية، وهو وطني، أختار أن يكون نضاله اجتماعيا، ولا ينقص من هذا النضال كونه أراد معالجة قضية المرأة جزئيا، ولم ينظر إليها على أساس أنها من صلب المجتمع الذي تعيش فيه، وليس من المنطقي معالجة وضعها بمعزل عن مجتمعها ، إذ هي لا تعالَج إلا بعلاج المجتمع ، نفسه، فهل تتحررالمرأةُ،ومجتمعها يكبله الاستعمار وتخنقه العبودية، التي لا تتركه يتنفس إلا بمقدار لا يجعله قادرا على رفع رأسه وتحدي شروطه؟
إن المرأة نصف المجتمع، فبأي قانون يُحكم على هذا النصف بالعجز والعزلة والحبس، تحت أي مبرر كان؟ وهي، أي المرأة، بمعنى آخر الرئة الثانية التي يتنفس بها المجتمع، فكيف يكون هذا المجتمع ونصفه مشلول ، ولا يتنفس تنفسا طبيعيا سليما ؟. المرأة أم وبنت وأخت وزوجة، منها يتنفس الطفلُ بدايات حياته وأصول شخصيته وقيمه وأخلاقه، وقد ترجم المفكر الفرنسي روسو ذلك بقوله:" يكون الرجال كما تريد النساء، فإذا أردت أن تجعل الرجال من ذوي الهمة والفضيلة فعلم النساء الهم والفضيلة" وفي هذه المعاني قال الشاعر المصري حافظ ابراهيم:
الأم مدرسة، إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
ومن هنا كانت حالة البلدان الشرفية وما يتبعها من البلدان العربية( التي كانت فيها المرأة معزولة ومسجونة ومضطَهَدة) شديدة التخلف، ضائعة لا تعرف من أمرها ولا من أمر مصالحها شيئا، ولن يخرجها من هذه الحال، إلاّ ثورة شاملة، تغير مجتمعاتها وتجعلها تتصرف في إرادتها ومصيرها، وخيراتها. ومن هنا قامت حركات، مختلفة، في هذه" العوالم العربية"، قيل عن الكثير منها إنها جاءت مشوَّهة، مجهَضَة ومُجهِضة للثورة المنتظرَة، فهل تأتي هذه " الثورة الحلم " من السماء، والسماءُ " لا تمطر ذهبا ولا فضة"،ولا ينزل منها الأرزُ مطبوخا"والعقلاء يعرفون " أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" كما جاء في القرآن ، (الذي كانت أولى آياته آمرة بالقراءة( إقرَأْ))، بينما المسلمون يحكمون على أنفسهم بالجهل، وكأنهم لا يريدون إلاّ العيش في الجاهلية، فتجهّلت" روحهم" فصدق فيهم قول نزار قباني:
"خلاصة القضية، توجَز في عبارة..
لبسنا قشور الحضارة والروح جاهلية"
إذنْ :
هل تكون هذه الحركات في مستوى أحلام الشعوب وتطلعاتها وحقوقها في الحياة الحرة الكريمة، برجالها ونسائها؟
2 ـ 2 :
المرأة التونسية في عهد الاستقلال(*)
يؤرَّخ للإستقلال التونسي بداية من سنة 1956 ولعل أهم ما صدر من القوانين في تونس، وبإرادة سياسية تونسية، كان " مجلة الأحوال الشخصية" (17 أوت 1956، أي بعد ظهور كتاب الطاهر الحداد ب26 سنة) وفي هذه المجلةتم الإعتراف ببعض حقوق المرأة كحقها في اختيار زوجها، وحقها في الطلاق منه على يد المحكنة.
فهل تغير حال المرأة التونسية، بهذه المجلة، وقد اعتبِرت،رائدة و" ثورية" بالنسبة لوقت صدورها،ولمحيطها العربي والإسلامي، الذي ظل يقنن للمزيد من عبودية المرأة وإذلالها بقراءات مغرضة، وتأويلات " دينية" سطحية بعيدة كل البعد عن روح الغصر وثقافته؟
صحيح أن المرأة التونسية صارت تتعلم، وتحرز الشهادات العليا في جميع الاختصاصات العلمية والتقنية والإدارية، وصارت معلمة وأستاذة وطبيبة ومهندسة، ومديرة وقائدة طائرة وشرطية، ومستشارة بلدية وعضوة في البرلمان بمجلسيه، ووالية، وكاتبة دولة، ووزيرة، وهذه أمور إيجابية بالنسبة للمرأة والمجتمع. لكن هل هذا كل ما كانت المرأة التونسية تريده وتطلبه، وقد هنأ بالها وارتاحت نفسها لِما بلغته وتنعمت به، أم هي، رغما عن ذلك ما زالت تعاني من نقائص ومحرومة من بعض الحقوق؟وهل هناك فرق بين ما كان يطلبه
الطاهر الحداد للمرأة، في الثلاثينات من القرن الماضي، والبلاد التونسية في ظل نظام ملكي صوري تحكمه وتسيره السلطة الاستعمارية الفرنسية، وما حققته لها مجلة الأحوال الشخصية، في ظل نظام جمهوري يحكمه تونسيون،في أواخر خمسينات القرن الماضي؟
وقبل الإجابة عن ذلك ، نريد أن ننبه إلى أن الإهتمام بقضايا المرأة( كما ورد في بعض إشاراتنا السابقة) لم يكن وليد السياسة الإجتماعية للنظام البورقيبي(سنة 56 وما بعدها،) بل طهر في فكر رجال النهضة التونسية، وبخاصة عند أحمد ابن أبي ضياف، في كتاباته العديدة، وعبد العزيز الثعالبي في كتابه "روح التحرر في القرآن" ثم أخذت تنضج وتتبلور أكثر على يد المفكر والمناضل التونسي الطاهر الحداد في كتابه" إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" بتأثير كبير من التيارات والأفكار الإشتراكية والنقابية ، فكيف عالج الطاهر الحداد قضية المرأة؟
3 ـ 2
عند قراءتنا لكتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع وجدنا أن صاحبه قد قسمه إلى مقدمة، وجوهر وخاتمة: 1 ـ المقدمة بين فيها قيمة المرأة، وهي بحق،" أم الإنسان ، حملته في بطنها وبين أحضانها"، والعبارة للحداد، لكنها لا تلقى إلاّ الهوان والإحتقار والغبن. نتيجة ما تعانيه هذه الأوطان من البؤس والتخلف في جميع المجالات، رغم أن الإسلام، كما ذكر، بريء مما يعيشه أبناؤه ، لكن ما عليهم، إن فهموا دينهم فهما تحرريا، إلا أن يبادروا بإصلاح حالهم وحال مجتمعهم، باعنبارأن الإصلاح الإجتماعي هو منطلق كل إصلاح. 2 _جوهر الكتاب ولبه وقد قسّمه إلى قسمين: أ: القسم التشريعي ويتمحور حول مكانة المرأة في الإسلام وما تتمتع به من حقوق، كأهلية التصرف، وما يتبع ذلك من حقوق في ولايتها على أبنائها القصر، وتمكينها من حقها، كاملا، في الميراث، والمساواة مع الرجل. ب : القسم الإجتماعي ، وفيه بين الوضعية المزرية للمرأة وطالب بتربية البنت وتثقيفها، وتمكينها من حقوقها كاملة لتكون صالحة لنفسها ولبيتها ولمجتمعها، وعند ذلك ستحسن اختيار زوجها كما أنها لن تقبل أن تتزوج بالإكراه، وما إلى ذلك. 3 ـ الخاتمة ، وفيها يلخص آراءه ، التي ساقها في كتابه ودافع عنها، معتمدا على الإستنتاج العقلي والأدلة النقلية من قرآن وأحاديث نبوية، فيقول :" لقد أوضحنا ما للمرأة، في الإسلام، من حق صريح ، وما ادّخر لها في نصوصه الخالدة من روح العطف والتقدير، حتى المساواة. وبينا حالة المرأة عندنا، وما في سقوطها من صور الشقاء الذي يغمرنا في الحياة الزوجية، وفي عائلتنا، وفي تربية أبنائنا، التي تخرجهم عاجزين عن أي عمل منتج في الحياة.. " ثم يقول، متحسرا،:" إيه أيها التونسيون ما أكبر فضيحتنا بين أمم العالم، التي تسعى للحياة والعزة من طريقهما المُوصل.. ... هذا هو صوتي ، أرفعه عاليا، بقدر ما لي فيه من قوة العقيدة وراحة الضمير، ولو أمكنني أكثر من هذا لفعلت، ويا ليتني كنت
أستطيع أن أصرخ كالبركان الهائل عسى أن أزعج، برعدي جميع الذين ما زالوا يغطّون في نومهم، غارقين في أحلامهم الضالة، التي جعلتنا، في هذا العالم، مثالا لسخرية القدر" فهل لهذا الصوت، المحب لقومه ، أن يجد من يسمعه ويعيه، فيدافع عن الحقوق لكل الناس فينخرط في الحداثة، وما تتطلبه روح العصر وتقافته؟
3-3
واليوم:
إذا كان " الأمس" مضى بسلبياته وإيجابياته، وقد نرتاح ونحن نتلمس له الأعذار والمبررات، باعتبارنا محايدين ، وبعيدينن ،عنه ، رغم أن شيئا من أظفاره مغروسة فينا،وفي ثقافتنا ومواقفنا،وتصوراتنا- فإن لليوم توهّجه فينا، وحولنا، ويظل متصارعا مع أطياف الأمس وأنيابه، التي ليس لنا القدرة على تغييرها، لكننا قادرون على أن نأخذ منها" موقفا"، فماذا نرى في هذا " اليوم" وقد تكون أجزاء كبيرة منه في مستوى إرادتنا وأعمالنا وآرائنا، خاصة ونحن مازلنا فيه ، معايشة وتفاعلا؟. لنر:
• "إن العائلة هي أساس المجتمع ، تفقد كل هناء وانسجام إذا لم تكن مرتكزة على رجل وامرأة، تسود بينهما المودة والاحترام.. وإننا بإصلاحنا الجديد لا نريد رفع مستوى المرأة فحسب، وإنما نريد كذلك رفع مستوى الأسرة التونسية".
هذا ما قاله الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة،( أول رئيس لحكومة تونسية مستقلة، وأول رئيس للجمهوريه، مدى الحياة ) بتارخ 10أوت1956، بمناسبة صدور مجلة الأحوال الشخصية،وكان يوصف، خاصة، من قِبَل عامة النساء في تونس بأنه محرر المرأة وهو، يعني بـ" الإصلاح الجديد"في قوله هذا ، مجموعة القوانين الإجتماعية المتعلقة بالنهوض بالمرأة التونسية، متمثلة في مجلة الأحوال الشخصية، في مسعى من هذه الحكومة، وبقيادة رئيسها، لبناء دولة تونسية عصرية، تقوم على" وحدة التعليم" ونشره وديمقراطيته ووحد القضاء، وقد كان تأثر هذا الزعيم بكمال أتاتورك في تركيا، كبيرا إلاّ أن الزعيم، التونسي،(وهذه مشكلته الكبرى) كان ذا نزعة تلفيقية بين" الفكر الغربي، التنويري"، وما يملكه من رصيد عقلاني، أهم مميزاته" الديمقراطية وحقوق الإنسان" / وبين واقع شرقي متخلف مثقل بموروث نصي ، محافظ ومتشدّد، يئن بمآسي التسلط والإستبداد وانعدام الحرية ( ومن بينها حقوق المرأة، قهرها وإذلالها ، لأنها انثى، مخلوقة من ضلع أعوج من أضلاع آدم، وينسى هذا الرهطُ أن آدم ، حسب اعتقادهم،مخلوق من " طين لازِبٍ"؟ )
فهذا الزعيم الأوحد والمجاهد الأكبر أراد، من جهة، أن يظهر بمظهر الرجل العلماني، المتشبع بالثقافة الغربية،الداعي إلى الصداقة مع الغرب، والإحتكاك بحضارته ، ومن جهة أخرى، يريد أن يتهادن مع الموروث الشرقي، ولا يمس إلاّ البعض من قشوره، خوفا من فلول اليوسفية(**) المسنودة من النظام المصري بشعاراته القومية.وككل تلفيق، لم يصل إلى حسم لا مع هذا ولا مع ذاك، فكانت نتائجه متذبذبة إلى أبعد حدود التذبذب، وهذا ما انعكس، بوضوح، على مجلة الأحوال الشخصية، حيث حافظت على " الوصاية الأبوية" من واجب الطاعة إلى الزوج، واحتفاظه بحق الولاية على أطفاله، وقيادته للأسرة، والتمييز في الميراث بين الرجل والمرأة( مناب المرأة نصف مناب الذكر، إعتمادا على القاعدة القرآنية:" للذكر مثل حظ الأنثيين".وفي كل هذا إرضاء للروح الشرقية السلفية، لكن ،من جانب آخر، أُعطِيَت المرأةُ حق اختيار زوجها، وقد انتزع الطلاق من يد الرجل،وصار حقا للزوج والزوجة عن طريق المحكمة.كما منعت المجلة تعدد الزوجات، ومن هنا، وبالشكل التلفيقي المدروس، لم تحرز المجلة رضا المشرقيين ولا رضا المتمغربين،كما أنها بالمقارنة مع ما كان يطلبه الطاهر الحداد للمرأ في الثلاثينات من القرن الماضي، والبلادُ تحت الإستعمار الفرنسي، وبين ما جاءت به مجلة الأحوال الشخصية ، نجد أن الطاهر الحداد كان تقدميا على غيره من هؤلاء المتمغربين. ولأن ما أحرزت عليه المرأة التونسية من حقوق لم يكن نتيجة نضالها، بل جاءها منحة من سلطة المجتمع ما كان لها أن ترفضعا . فإن ذلك جعلها لا تقدّر حقوقها حق قدرها، بل سقطت، أحيانا، في العديد من التجاوزات اللأخلاقية( لنقص في التجربة التحررية ، ويظهر ذلك، حتى في ردّها على منتقديها بقولها:" يحيا بورقيبة" ) ومع ذلك نُظِر إلى حالة التناقض هذه، (وعدم الوعي بالحقوق) على أنها حالةٌ تعالج بالمزيد من الحرية، وأن تطور الزمن ، وانتشار التعليم والتوسع في العمل الثقافي، كفيل بذذلك العلاج.
ثم تعرض النظام البورقيبي إلى العديد من الهزات، الداخلية أهمها:
1) هزّة أولى كان عنوانُها" التعاضد" وهو، عند عجائز عامتنا، يطلقون عليه" لعضوضية" / تحريفا منهم لكلمة التعاضدية وليس من " العضّ" ولهم الحق في اشتقاقاتهم اللغوية البريئة، خاصة وأن هذه التجربية الإقتصادية الفريدة قد عضّتهم في أرزاقهم ووعيهم وراحتهم. وبالمختصر المفيد فإن تسمية التجربة التعاضدية، هذه، بـ"التجربة الإشتراكية" فيه الكثير من التجني والكذب والمغالطة، لأن الإشتراكية لا تكون بالأوامر التعسفية الإدارية المسقَطَة( إلاّ في حالة واحدة: أن تكون هذه الإشتراكية، خرافية، وهمية، كاذبة مثل الإشتراكية البورقيبية الدستورية، نسبة لحزب الدستور،التي رسم خطوطها وأمر بتنفيذهان الزعيم الأوحد والمجاهد الأكبر، ومرّرها عبر حزبه" الدستوري" و" مجلس أمته"الذي لا يضم إلاّ أعضاء حزب الدستور بداية من الحراس، مرورا بالكتبة والموضفين، وجميغعم وافقوا على هذه الإشتراكية . ثم لما فشلت حُمِّل فشلها إلى كاتب الدولة للإقتصاد الوطني السيد أحمد بن صالح، وقُدّم المسكين " كبش فداء" لتبقى صورة سيد الاسياد(الزعيم الأوحد، والمجاهد الأكبر، وحامي حمى الوطن والدين، والقائد في الكفاح والضامن للنجاح ومحرر المرأة)- قلنا: حتى تبقى صورته، دائما وأبدا ناصعة لمّاعة، وصاحبها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع العلم وأن النظام السياسي في تونس هو نظام رئاسي، الرئيس فيه يمسك بكل دواليب الدولة وهو المسؤول الأوحد عن كل سياساتها، في النجاح وفي الفشل وليس له أن يبرر فشله بقوله:" غَلّطوني" ويفبرك، بالدموع والبكاء، مسرحية هزلية مع القضاء ليقدّم كبش الفداء للمحاكمة، وتُجمع للزعيم الأوحد الجموع بزغاريد النسوة وهنافات الصغار والكبار تلقّحها الطبول والمزامير، ثم " يا ناسْ ما كانْ باسْ".
وقد ترافقت هذه الهزيمة الإقتصادية مع هزيمة أخرى، عربية، في الصراع العربي الصهيوني، وكان من نتائج هذه الهزائم تنامي النزعات " السلفية"، الهروبية، المتشددة، التي أرجعت هذه الهزائم إلى" غضب الله ولعنته" وقُدِّمت المرأة على أنها باعثة هذا الغضب الإلهي، ومرة أخرى يحضر قدر الله وقضاؤه بكل قوة
وفرضَ عقلياته وأحكامه، ودائما تدفع المرأة الثمن غاليا، على حساب حقوقها وتحررها.
2) ثم أصيب هذا النظام بهزة أخرى تمثلت في ضربه للمنظمة العمالية( جانفي 1978)، لترويضها وتدجينها لتكون موالية لاختياراته السياسية والإقتصادية، التي ربطها بالصناديق الدولية ، وقد رأى أن هذه الإختيارات لا تنجح إذا بقي الإتحاد العام التونسي للشغل منظمة مستقلة ومناضلة وبذلك ضيق الخناق على نفسه، بخسارته لقلعة أخرى كان يستند إليها وهي المنظمة العمالية، الإيتحاد العام التونسي للشغل، بعدما حاول جرّها إلى أن تكون من منفذي سياساته، لكن رئيس المنظمة العمالية المرحوم الحبيب عاشور، وجد نغسه بين خيارين، لا ثالث لهما : إما أن يكون مع العمال، وإما أن يكون مع النظام البورقيبي، إلاّ أنه، وبدفع من العمال فضّل أن يخسر مركزه في اللجنة المركزية لحزب الدستور، وينحاز إلى العمال . وكان كبش الفداء هذه المرة، أكثر من واحد ولا حاجة لنا بذكرهم وهم يعرفون أنفسهم ويعرفون ما قاموا به لتلميع صورة الزعيم الأوحد ومغالطة الجماهير الشعبية وجرِّ البلاد إلى الفوضى والفتن
3) ثم زاد تدهور النظام البورقيبي وانسدّت الآفاق في وجهه، بفقدانه لآخر قلعة من قلاع شعبيته( تعلق الجماهير به)، التي كان يدعيها ويتشدق بها،للإستعراض المحلي والخارجي، حيث انخرط في قمع محموم للجماهير الشعبية، بممارسة سياسات لا شعبية، وذلك بضرب الشعب في خبزته( انتفاضة الخبز 1984) ودائما تكون " أكباش الفداء" حاضرة لتلميع صورة الزعيم الأوحد أمام الجماهير ، التي أرغمته، هذه المرة، على التراجع ليُعلن للشعب بأنه يحبه، وقد دفع أغلى أيام شبابه لتحريره والمضي به قدما نحو تنمية بلاده وازدهارها، وإنه لم يفكر، يوما، في أإلحاق الضرر به، لكنهم غلّطوه.وبعد أن يذرف شيئا من الدموع يقول نرْجعو وِين كُنّا).
ثم.. " طالت شيخوخة" الزعيم، الأوحد، بنتائجها وهمومها، بمآسيها ومهازلها، داخلَ القصور والفضاءات الرئاسية( ونشرت بعض المجلات الأجنبية نتفا منه، جعلت الآخرين يتصكّكون قهقهةً من أحوالنا مع حكامنا)، وما كان لهذه الشيخوخة أن تطول أكثر، وليت الزعيم الشيخ سمع النصيحة وتنحّى عن الحكم وتركه لمن يختاره الشعب، فيبقى مبجلا مكرما، يحترمه الجميع ويقدرونه، لكن كرسي الحكم له هيبته وله جاذبيته، ولا يجعله ينزل منه،بسهولة، وهذا ما استوجب إحداث " تحول" في هذا النظام، الذي أنهك نفسه وأنهك شعبه بجميع فئاته، فبرزت قيادة جديدة في نوفمير 87 " وغيَرت إسم الحزب البورقيبي من الحزب الدستوري إلى " التجمع الديتوري" ووسمت عملها التحويلي بـ" العهد الجديد" ويعرف جميعنا أن قيادة هذا العهد الجديد، وباعترافها، تربّت في النظام البورقيبي وتقلدت العديد من المسؤوليات، المتقدمة، داخله، من مدير للأمن الوطني إلى وزير للداخلية إلى وزير أول. وقد
جاء قي طليعة بيان السابع من نوفمبر:" إن التضحيات الجسام التي أقدم عليها الزعيم الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية، رفقة رجال بررة، في سبيل تحرير تونس وتنميتها، لا تحصى ولا تعد، لذلك أحببناه وقدرناه، وعملنا السنين الطوال تجت إمرته في مختلف المستويات، في جيشنا الوطني الشعبي وفي الحكومة، بثقة وخلاص وتفانٍٍ" وهذا سلوك حضاري اتخذه صاحب التحول مع االمجاهد الأكبر، تميز به عن كل العسكريين العرب، الذين كانوا عندما ينقلبون، عسكريا، على حكامهم وينجحون في انقلاباتهم فإنهم يسارعون بالقضاء على الحاكم السابق إما بقتله أو برميه في سجن ، لا يخرج منه ،حيا، أو سليم العقل والبدن، إن كُتب له الخروج
وقد كتب السيدمحمد مواعدة (**)في جريدة الصباح( الخميس 14 مارس2010)( عن قيمة السابع من نوفمبر 87 وما قدمه لتونس وحتى لبورقيبة نفسه فقال:"إن يوم 07 نوفمبر87 هو، بلا جدال(؟) يوم إنقاذ الإستقلال وحمايته من الزوال، وإنقاذ تونس وما حققه شعبها وكفاءاتها من مكاسب خلال 30 سنة من الإستقلال. وهو أيضا إنقاذ للزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله ولتاريخه الوطني النضالي, الذي شرع هو نفسه في تهديمه ذاتياautodestruction ، وبالتالي تهديم ما قام به وما قدمه من تضحيات جليلة" ورغم ذلك فإن زعيم التحول سار في نفس الإتجاه الإصلاحي، بالنسبة للمرأة، دون أن يغير منه إلا القليل، مثل إزالة عبارة" واجب الطاعة" التي كانت مفروضة على المرأة بـ"الإحترام المتبادل، وحسن المعاملة بين الزوجين" لكن مع الإبقاء على الفوارق بينها وبين الرجل في الميراث وفي الولاية. وقد قال قائد " التحول" بتاريخ 19/3/1988 :" مجلة الأحوال الشخصية مكسب حضاري، نحن أوفياء له وملتزمون به، نعتز ونفاخر به فلا تراجع فيما حققته تونس لفائدة المرأة والأسرة ولا تفريط فيه" وكم كانت المرأة التونسية تتمنى بعد كل هذا أن يُعترف لها بالمساواة الحقيقية، لا الشكلية بينها وبين أخيها الرجل. وها هو السيد قائد التحول، رئيس الدولة، يقول في رسالة وجهها إلى السيدة عزيزة حتيرة رئيسة الإتحاد الوطني للمرأة التونسية( بتاريخ 08 مارس 2010) هذا نصها:
" السيدة عزيزة حتيرة.
تحتفل بلادنا، بكل حماس واعتزاز، مع سائر أعضاء الأسرة الدولية، باليوم العالمي للمرأة . ويطيب لي في هذه المناسبة المتميزة أن أتوجه إليك وإلى عضوات المكتب التنفيذي للإتحاد الوطني للمرأة التونسية بأحر التحيات وأزكى التمنيات، مهنئا النساء التزنسيات كافة، داخل الوطن وخارجه،بهذا اليوم العالمي، وراجيا أن يعود عليهن بمزيد التقدم والنجاح. وإنه لمن حسن الصدف أن يتزامن احتفالنا باليوم العالمي للمرأة، هذه السنة، مع الذكرى الحادية والثلاثين لاعتماد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومع رئاسة تونس، في شخص السيدة ليلى بن علي، لمنظمة المرأة العربية، بما يثبت جدارة بلادنابأن تكون في مقدمة البلدان التي منحت المرأة أوفر الحقوق وبوأتها أفضل المراتب. لقد كانت تونس
سباقة في وعيها المبكر بقضية المرأة، بفضل ما ظهر فيها من حركات إصلاحية رائدة أكسبت بلادنا رصيدا فكريا واجتماعيا أصيلا يجمع بين التحرير والتنوير والتطوير والتحديث والتسامح والاعتدال، ويزداد غزارة وعمقا بتوالي العهود وتنوّع المراحل.
وكنا بادرنا، منذ الأيام الأولى من التغيير بوضع منظومة متكاملة من التشريعات الاجتماعية التي تناولت تكريس حقوق الإنسان في أوسع معانيها وأنبل غاياتها، ولا سيما منها ما تعلق بالأسرة والمرأة والطفولة، إضافة إلى المبادرات والإجراءات التي اتخذناها في المجال وشملنا بها الدستور ومجلة الأحوال الشخصية ومجلة الشغل وقانون الجنسية والمجلة الجزائية، وذلك من أجل حفظ كرامة الرجل والمرأة على حدّ سواء، وتكريس مفهوم المساواة والشراكة بينهما في الأسرة والمجتمع. فلا عجب إذا استكملت المرأة التونسية، في زمن قياسي، حقوقها واقتحمت ميادين الفعل وإثبات الذات في مختلف أوجه النشاط والنضال، وفي شتى مواقع المسؤولية والقرار حتى أنها أصبحت اليوم رمز الحيوية والحداثة في مجتمعنا وحصنا حصينا ضد تيارات الرجعية والتطرف.
وإذ يحق للمرأة التونسية أن تفتخر في هذا اليوم االعالمي للمرأة بما تحقق لهامن مكاسب وإنجازات ، وبما تمارسه من أدوار ومسؤوليات في الأسرة والمدرسة والكلية والإدارة ومؤسسات الانتاج والمال والأعمال وفي مجالات الإبداع الفكري والثقافي والفني والرياضي وفي المؤسسات الدستورية ومكونات المجتمع المدني عامة، فإنه يحق للشعب التونسي أيضا أن يعتز بما يسود أفراده وفئاته وأجياله من تماسك وتوازن وتكامل، تُعتَبَر أنفس الفضائل التي يملكها في رصيده الاجتماعي والسياسي ، ال=ي يتميز به في محيطه الجغرافي، القريب والبعيد.
وكل عام والمرأة التونسية بخير
وكل عام وتونس بخير"
كما أن السيدة ليلى بن علي، حرم رئيس الدولة، رئيسة منظمة المرأة العربية، إفتتحت أشغال الندوة العربية حول مناهضة العنف ضد المرأة تكريس للقيم الإنسانية( 08 مارس 2010 ) ومن أهم ما جاء في خطابها الإفتتاحي:
1) تونس جعلت من المساواة بين كل التونسيين والتونسيات قيمة إنسانية واجتماعية مضمونة بالدستور
2) انتشال المرأة من كل المظاهر السلبية المحيطة بها والإعتداءات المسلطة عليها.
وحرضت السيدة بن علي، بلسانها، النساء العربيات فقالت:
" ندعو المرأة العربية إلى كسر حاجز الصمت تجاه ما قد يلحق بها من أذى".
وما أوقفنا وشد انتباهنا من كل ما سبق التأكيد على أن المساواة بين الرجل والمرأة، واقعة ومضمونة بالدستور، ولم تعد شعارا يُتَظاهر به في المحافل والمهرجانات الداخلية والخارجية .
أما " واقعة" ففيه جانب كبير من الصحة ، حيث أن الرجل والمرأة تساويا في الحرمان من الشغل ،وتساويا في العذاب جريا وراء البحث عن لقمة العيش ومعاناة الإستغلال وبيع العمل، إن وُجِد، في سوق النخاسة الٍرسمالي، المتوحش، ، خاصة في المعامل الخاضعة إلى قانون أفريل 1972( الذي مكّن الأجانب من التعلّم من التونسيين طرائق معاملاتهم اللإنساننية للمرأة ( من تحرّش جنسي، واغتصاب، وأكل الأجور والحقوق..) . وأما أنها مضمونة بالدستور فهذا حق، حق أثبتته المعاهدات والمواثيق الدولية، وصرح به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر1948 ، والذي جاء في ديباجته :" لما كان الإعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم ، المتساوية الثابتة- هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولمّا كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذَت الضمير الإنساني ، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر إنبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة...ولما كانت شعوب شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق، من جديد،إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية ، وبكرامة الفرد وقدْره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية..." ، كما جاء في في المادة الثانية من هذا الإعلان:" لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات ، الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون ،أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو رأي آخر، أو الأصل الوطني،أو الإجتماعي،، أو الثروة أو الميلاد،أو أي وضع آخر ، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء ... " وتونس دولة منضمّة إلى الأمم المتحدة، وموقعة على ميثاقها وعلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكل المعاهدات والمواثيق الدولية، خاصة المناهضة للتعذيب والتمييز ضد المرأة .
وهو، أي المساواة، حق أعلنه الدستور: " تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها.
تقوم الجمهورية التونسية على مبادئ دولة القانون والتعددية وتعمل من أجل كرامة الإنسان وتنمية شخصيته.
تعمل الدولة والمجتمع على ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتسامح بين الأفراد والفئات والأجيال.
الجمهورية التونسية تضمن حرمة الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية، ما لم تخل بالأمن العام" – الفصل الخامس من الدستور التونسي). " كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون" – الفصل السادس من الدستور التونسي. "يتمتع المواطن بحقوقه كاملة......" – الفصل السابع من الدستور. وبوحي من قيم التضامن والتآزر، نؤكد، واثقين، أن هذه الفصول من الدستور التونسي وحدها واضحة، كل الوضوح، في التأكيد الصريح على المساواة بين المواطنين، عامة، وبين الرجل والمرأة خاصة لكن الواقع يجافيها ويخالفها،أو هي تكذب هذا الواقع، بما فيه من قوانين لا دستورية( مجلة الأحوال الشخصية: الميراث. الولاية) ، فإن سكتت النرأة عنها، في وقت ما، ولأسباب وظروف ما فلن تسكت عنها في الحاضر والمستقبل، كما لا يجدر بالدولة أن تسكت ، لا عن التعنيف اللفظي والبدني فحسب، ولكن على كل أنواع العنف الأخرى، والتي لا تقل فظاعة وشراسةعن سواها من أنواع العنف كالتمييز بين المأة والرجل، إذا أرادت السير في اتجاه التاريخ
3_ 4
وعند هذا الحد أرى انه من غير المنطقي أن أسترسل في سرد الأقوال والمواقف ، دون أن أسمح لنفسي بالتعليق عليها خدمة للحقيقة ودفاعا عن المبادئ الإنسانية. ولهذا فإني، كمواطن من مواطني هذا المجتمع، وتجمعني بالمواطنة التونسية علاقة الإنسانية، وأن ما يمسها في حقوقها يمسني، وأكون مسؤولا عنه، باعتبار أن معارك المرأة في سبيل دفاعها عن حقوقها هي نفسها معاركي لأن حقوقها باعنبارها إنسانة هي حقوقي أيضا. ولذا فإني أقول، تكريسا لهذه المسؤولية الإنسانية، ودون أن أدّعي وصاية على المرأة، أرفضها وترفضها – أقول :
صحيح أن المرأة التونسية استفادت بالكثير من المكاسب والمنجزات التقدمية الهامة، والتي جعلتها في مقدمة النساء المسلمات والعربيات ، وأن مكانتعا والتجربة التي مرت بها كفيلة بجعلها رائدة . كل هذا لا ينكره عاقل ، لكن(وبما وصلت إليه المرأة التونسية من مكانة، وما تقوم به من أدوار ومسؤوليات)، هل نستطيع القول بأنها قد " استكملت حقوقها" ولم يعد لها ما تطالب به ؟.
إن نظرة لواقع إمرأتنا، وما أُقِرّ لها في دستور البلاد وقوانينها، يجعلنا في حيرة لشدة التناقض بين ما جاء في بعض الفصول من" مجلة الأحوال الشخصية"، المتعلقة بالميراث، والولاية، مثلا، وما جاء في دستور البلاد، الذي يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة( جاء في الفصل الخامس /الفقرة الأولى/ من الدستور : "تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها.." كما جاء في فصله السادس:" كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون" ، بينما بقيت النزعة الذكورية و" الوصاية الأبوية" في شكلها الإستبدادي، مسيطرة في مجلة الأحوال الشخصية خاصة في الميراث( الرجل يرث ضعف المرأة، لأنه رجل، ولأنها امرأة. كما أن الولاية هي من حق الرجل لا المرأة، فماذا يعنيه إزالة لفظة" واجب الطاعة" وإبدالها بلفظة " المشاركة الفعّالة" وحقُّها في الميراث منقوص، وفي الولاية على أطفالها معدوم؟). إن هذا يعني، بوضوح، أن المرأة التونسية مازالت تعاني من التمييز، المتأتي من كونها أنثى وليست إنسانة، ولا يكون من حقها أن تربى تربية حسنة وتتعلم، جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، تعليما يرفع من شأنها ويجعلها مشارِكة فعالة في نهضة مجتمعها، خاصة وأن معركتها الأساسية ليست ضد الرجل وإنما هي معركة مشتركة مع الرجل ضد عدو مشترك هو عدو الإنسان ، المتمثل في الأعمال المُحِطّةبإنسانية الإنسان( أي هي معركة ضارية بين الإنسان وأعدائه: البطالة، التجهيل، التفقير، الإهانة، التسخير، القهر، واللامساواة( التمييز على أساس الجنس) وما إلى ذلك من العوامل والوسائل المُعيقة لأن يعيش الإنسان ( رجلا كان أو امرأة)حرا كريما مصانا. وإذا كانت هناك مساواة بين كل التونسيين والتونسيات، والمساواة" قيمة إنسانية"، كما هي في الحقيقة، وكما قلت، سيدتي الفاضلة, ولم تجانبي الصواب، فماذا تقولين في انعدام هذه المساواة بين الرجل والمرأة في قضية الميراث والولاية المعطاة للرجل دون المرأة، كما هو موجودفي مجلة الأحوال الشخصية، بتأثير من " الوصاية الأبوية" ، و" التعاليم الذكورية" والتي لم يعد لوجودها، بهيمنتها القديمة، أي مبرر في مجتمعنا التونسي، ( الذي خرج ، بذكوره وإناثه، إلى مجال الدراسة والعمل ، ولم تعد المرأة ترضى بسجنها في البيت، بما أخذت تتعلمه من "ثقافة حقوق الإنسان" والتربية على المواطنة؟.
قد يقال : إن هذا النقص مرجعه الأساسي هو القرآن، ونحن دولة" الإسلام دينها"، فنسأل: 1 هل النقص، الذي توصَف به المرأةن تاريخي ، ام طبيعي؟و2 وهل يتضرر الإسلامُ بالمزيد من العدالة وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء ، والقرآن يقول :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان"،وما الإحسانُ إلا التوسع في الفضل والعدل ؟ و3 هل يتدعّم الإسلامُ ويقْوَى بإحداث الظلم على المرأة،( لأنها أنثى) واللهُ قد " حرم الظلم على نفسه" وابالتالي فقد حرمه على عباده؟
3-5
لكن، لنتركْ هذا جانبا، ولْنسترشدْ بالتاريخ العربي في الجاهلية، وقد كان العرب يعيشون قبائل متناحرة، وكان هذا النظام القبلي سببا في وضعية المرأة المزرية، فهي عندهم" عالة"و"عار" وبالجمع بين الصفتين،" عورة" وعِرضها من عرض القبيلة ولذلك كان يُخاف عليها من السبي/ االأسر. فهل تخصص لها القبيلة جيشا يحرسها، والقبيلةُفي حاجة إلى الرجال، يحملون السلاح للدفاع عن قبيلتهم ضد ما تتعرض إليه من غزو وعدوان من القبائل الأخرى، بينما المرأة لا تحمل رمحا ولا تقاتل عدوا، لهذا كان تشاؤم العرب من إنجاب الأنثى شديدا، وقد وصل ببعضم إلى " وأد" البنت خوفا من العار والفضيحة( ولعل هذا ماجعلهم ينظرون إليها نظرة دونية، باعتبارها، عندهم، عارا وعورة)فحرموها من الميراث، بل هي نفسهاكانت تُورَث، كأي متاع من أمتعة البيت، فكيف يساوونها بالذكر، وهو البطل، المدافع عنها وعن شرفها وعِرضها؟. وقد وصف القرآن هذه الحالة فقال:" وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب، ألا ساء ما يحكمون"_ الآيتان 58، 59 من سورة النحل _
وحينماجاءالإسلامُ وأكّد على أن غايته الأساسية، الجوهرية، هي إخراج الناس " من الظلمات إلى النور" سواءكانوارجالاأونساء،وأعلن:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياءبعض"لآية71 من سورة التوبة.
فهل من المعقول والمنطقي أن تظل وضعية المرأة على حالها دون تطور، منذ ما يزيد عن الأربعة عشر قرناوقد شهد العالم، خلالها، من التطور ما يفوق كل تصور، كما أن المرأة دخلت المدارس والجامعات وانخرطت في أسواق الشغل، ولم تعد مثلما كانت، عالة في قبيلة، ويُخاف عليها من السبي دون أن تحمل رمحا تدافع به عن القبيلة، وكانت عاجزة عن حماية نفسها؟.
إن المرأة اليوم ترافع في المحاكم عن الحقوق وتقدم الدروس العلمية والتربوية في مختلف المعاهد والكليات، فكيف تسمح بقانون يفضل عليها الرجل لأنه رجل، ويُراد لها أن تبقى دونه لأنها امرأة وبلادها وقّعت على جميع المعاهدات والمواثيق الدولية المناهضة لكل أشكال التمييز ضد المرأة؟
لهذا فإنه، إن وُجِد"حاجز صمت رهيب" عانت منه ومن آثاره المرأة ومنعها من " الوعي" بمشاكلها وهمومها، ومن التعبير عن تلك الهموم، وكان نتيجة تراكمات عديدة، تاريخية واجتماعية وثقافية، فمن المسؤول عنه في أيامنا هذه، وأنت ، سيدتي الفاضلة، رئيسة المنظمة العربية للمرأة، قد وعيته وأحسست به، مماجعلك تعلنين دعوتك الصريحة لكسره والتحريض على تجاوزه؟ . لكن ، كبف تطالَب المرأة بكسر هذا الحاجز، والقوانينُ تحميه، رغم مخالفتها للدستور؟
لا شيء، سيدتي، أسهل من الكلام خاصة إذا كان المتكلم شخصية فاعلة في المجتمع ، وأن كلامها مسموع ومنقول، والإذاعات والتلفزات والجرائد، طوع إشارة منه، وحتى بدون إشارة.ولهذا فلنا الشرف الكبير في أن نقول :إننا نريدها مساواة حقيقية وليست قولية، تنتشي بها الآذان ولا تمس القلوب والضمائر، ومن حق المرأة التونسية، بما وصلت إليه من نضج، أن تثور على كل ما يعوق حياتها الحرة الكريمة، وتناضل لتحقيق المساواة الفعلية، الكاملة، بينها وبين أخيها الرجل، خاصة وأن المبررات التي قُدّمت في الماضي على استنقاصها لم يعد لها وجود في يومنا هذا، لأننا لم نعد قبائل مشتتة وإنما نعيش في دولة. وإن انبعاث الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في ماي 1977 قد زاد في تدعيم صوت المرأة للددفاع عن حقوقها ورفض كل أشكال التمييز ضدها، وقد جاء في الفصل الثاني من القانون الأساسي للرابطة:" تهدف الجمعية إلى الدفاع، وإلى المخافظة على الحريات الأساسية، الفردية والعامة للإنسان المنصوص عليها بالدستور التونسي وقوانين البلاد، وبالتصريح العالمي لحقوق الإنسان" كما ورد في البند الثاني من النظام الداخلي للرابطة أنها" تقاوم، في كل الظروف، التعسف والعنف والتعصب وعدم التسامح وكل أشكال الميز مهما كان مصدرها"وفي المادة الثالثة من ميثاق الرابطة تأكيد على على ذلك إذ تقول:"لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق دون أي تمييز، خاصة بسبب العنصر أو اللون، أو العرق أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو مكان الولادة أو الأصل الإجتماعي أو الوضع الإقتصادي، ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء" وكذلك المادة الثامنة منه:" للرجل والمرأة، متى بلغا سن الرشد القانوني، حرية اختيار الزوج وتأسيس أسرة، بما يتماشى وقناعتهما الشخصية وضميرهما" والرابطة ترى( المادة الثامنة، مكرر من الميثاق) أن " مجلة الأحوال الشخصية التونسية مكسب حضاري وخطوة هامة في سبيل تدعيم حرية الرأة وصيانة الأسرة" .
وما على المرأة ومعها كل القوى الديمقراطية في البلاد إلا مواصلة النضال لتحقيق الخطوات الأخرى في سبيل تدعيم حريتها وصيانة الأسرة، باعتبار أن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومن سار على الدرب وصل، لكن، كما قال الشاعر أحمدى شوقي:
وما نيلُ المطالب بالتمــني ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدامُ كان لهم ركابا
فهل تتشجع المرأة التونسية، بما في نفسها من مشاعر" الغبن" والقهر، وتؤمن بقضاياها الحياتية، وواجباتها الأساسية نحو ذاتها، بعلاقة مع أخيها الرجل ومجتمعها، والتجاربُ علمتها، وتعلمها، كل يوم، أنه" ما حكّ جلدكَ مثلُ ظفرك" والذي معناه بالغربي الصحيح: ما يِندِبْلكْ كانْ ظفرك، وما يبكيلك كانْ شفْرِكْ)؟ أم يجوز أن يتسلّف الشخصُ ظفرا يحك به جلده، أو شفْرا يبكي به ثم يُرجعه إلى صاحبه؟ إذن على امرأتنا أن تناضل لاستكمال حقوقها، وأخْذِ دنياها ومطالبها أخذا ومغالبة ولا تنتظر فضلا من أحد، وحتى إن جاء هذا الفضلُ من المجتمع فمرحبا به.
إن المرأة صارت على دراية من أن مايُعطَى مِنّنة وإحسانا، قد يُغتصَب منها في أي وقت، وبأساليب متنوعة، ورغم ذلك فهي ، كما قيل، " لا ترفض ما أعطته لها سلطة المجتمع " لأنه حق مغتَصَب منها، واستُرجِع لها.
تقول الدكتورة سلوى الشرفي:" ليس من الضروري للإنسان أن يموت شهيدا من أجل الحصول على حقوقه، أو أن يرفضها، إذا اعترف له بها المجتمع... "( مجلة حقائق عدد 108/ مارس 2010) كما تقول في نفس السياق، نافية أن تكون المرأة التونسية قد استكملت حقوقها،بل هي ، خلافا لذلك ، ما زالت محرومة من كامل حقها في الميراث والشعادة والولاية، وتثبت الدكتورة الشرفي أن مجلة الأحوال الشخصية غير دستورية فتقول:" ألاحظ أن مجلة الأحوال الشخصيية تتناقض مع الدستور، ومغ الإتفاقات الدولية المبرمة، وهي أعلى من القانون. وأتمنى أن ترفع النساء قضايا بخصوص حرمانهن من حقهن في الميراث كاملا، على أساس عدم دستورية هذا القانون" وهذا يعني أن الدكتورة تنادي بإسقاط هذا القانون (المتضمن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في مواضع عديدة" وذلك بالطرق القانونية/ المحكمة/ وربما بطرق أخرى لم تتعرض إليها الدكتورة، وهي معروفة في السجلات الثورية المحلية والدولية، قد يحين وقتها. ألم تحرّض السيدة ليلى بن علي المرأة العربية( ومنها المرأة التونسية على كسر حاجز الصمت؟ وكيف يكون هذا التكسير؟ هل بالتمني؟ هل بالإنتظار؟ هل بالإستجداء؟ أم بالعمل، كما يقول المنطق والعلم والتجارب، والتاريخ؟، ثم أليس من العار علينا أن نتحدث عن عنف ضد المرأة ونعقد له الندوات، بينما هو،في أصله وفصله، إعتداء صارخ ضد حقوق الإنسان، مثله مثل التمييز ضد المرأة، سواء في ميراث أو ولاية، أو شهادة؟، أم ذلك حالة من حالات العنف" العادية" التي تمارسها الدولة ضد المواطن، يتعلمها الرجلُ منها( حسب التسلسل التنازلي للقهر: الراعي/ المستبد ضد الرعية. والرجل ضد زوجته؟
وفي هذا المجال، نجد أحيانا غموض لغوبا في نصوص قانونية ودستورية يمكن استغلال غموضها لإيقاع التمييز بين الرجل والمرأة. ومن ذلك ما ورد في الفصل40 من الدستور التونسي، الذي جاء فيه:"الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية حق لكل تونسي غير حامل لجنسية أخرى، مسلم، مولود لأب ولأم وجد لأب ولأم تونسيين، وكلهم تونسيون، بدون انقطاع..." فهل هذا يعني وجود شرط الذكورة، أي يُشترط في رئيس الجمهورية أن يكون ذكرا؟. وإذا كان الأمر كذلك( ولا يعقل أن يكون كذلك، لِما فيه من تمييزضد المرأة يحرمها من شرف أن تكون رئيسة للبلاد، ولا يمكن أن تُحتكر الرئاسة لا في رجال ولا نساء، أيضا،)، لأننا نخاف ،كما أشرنا، من عودة عقلية " لا يفلح قوم رأسوا عليهم إمرأة" و" المرأة ناقصة عقلا ودينا"، هذه العقلية المستندة إلى ما نُسِب إلى الرسول(ص)، تعمد إلى ترديد مثل هذه الأحاديث، بعدماتنتزعها من إطارها التاريخي وظروفها الحقيقية، بينما هم يتغافلون أو يتجاهلون أحاديث أخرى نُقلت عنه(ص) مثل" النساء شقائق الرجال" و " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميرة" في إشارة منه، بالنصيحة للمسلمين، بأن يأخذوا نصف دينهم عن زوجته عائشة، وترك النصف الآخر لعقولهم وعقول من يأتي بعدهم، ولعلي ابن أبي طالب،وعمر ابن الخطاب وأبي بكر وابن مسعود وغيرهم إلى زوجته عائشة.
إننا نقترع العودة إلى الفصل 40 من الدستور، المذكورة سابقا، وإضافةكلمة تونسية، بعد كلمة كل تونسي فتصير:" الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية حق لكل تونسي وتونسية...."
3 -6ا
وقائع في مجتمعنا(تفضح اللامساواة بين الرجل والمرأة):
أ-
عائلة تونسية، تتركب من والدين وولدين وبنت ( تكبر شقيقيها في السن). مات الوالدان فجعلت البنت ترعى أخويها في شؤونهما الحياتية من تعليم وتربية وما إلى ذلك، ومن حسن حظ هذه العائلة أن خرجت البنت إلى سوق العمل في سن مبكرة فاستطاعت رعاية أخويها والإنفاق عليهما حتى كبرا وتخرجا من الجامعة إلى سوق الشغل.
إن هذه الأنثى( الناقصة عقلا ودينا؟) هي التي حافظت، بنضالها اليومي الشاق، على أخويها وحمتهما من الضياع والإنحراف، كما أنها حافظت على منزل العائلة.
ثم توجه كل واحد منهم وجهته الحياتية فغادر جميعهم منزلهم واستقر في مدينة أخرى، ولم يعودوا في حاجة إلى هذا المنزل وعزموا على بيعه وقسمة ثمنه بالقانون. وبما أنها أنثى فإن القانون يُعطيها نصف ما يأخذه الذكر( على قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين ) أي أن ثمن المنزل يُقسَم على 05، فيكون للبنت الخمس ،ولكل ولد الخمسان [ينما هذه البنت سهرت عليهما وأنفقت من مالها، وأعصابها وحياتها ولو لم تشتغل لبيع المنزل وربما لا يجد الولدان الرعاية اللازمة وربما كان حالهم غير الذي هم فيه اليوم بفضل شقيقتهم المناضلة. أليس من الظلم الصارخ أن تأخذ البنت نصف ما يأخذه الولد على قاعدة" للذكر مثل حظ الأنثيين"، ولولاها لضاع البيت وضاع الأولاد، وهم الآن يطالبون ، حسب قولهم بتطبيق " الحكم الشرعي بينهم وبين إختهم ؟وكان هذا الحكم الشرعي القديم مبنيا على أن البنت كانت تورَث ولا ترث شيئا، وكانت عالة لا تعمل ولا تدافع عن القبيلة، بينما هي اليوم تعمل وتشارك في تنمية المجتمع، فلماذا يبقى الحكم على حاله بينما الأسباب التي كان يرتكز عليها قد زالت؟
ب:
أعرف شخصا، تربطني به روابط عائلية حمله تفوقه المدرسي( العلمي ) للدراسة في فرنسا، وهناك نجح في الدراسات العليا، ثم تلقفته الإدارة الفرنسية ليعمل بها ويتزوج، ثم بعد سنوات تموت زوجته، ثم يموت هو تاركا ثروة طائلة، ولم يبقى من أفراد عائلته بتونس إلاّ ولد وبنتان. وقُسِمت تركته بين الورثة بالتساوي( حسب القانون الفرنسي)فثارت ثائرة الذكر، وجعل يثرثر قائلا:" نحن مسلمون والإسلام يأمر بأن يكون مناب البنت نصف مناب الولد" فقالوا له، ببرودة لائكية(ب)،:" نحن في فرنسا، فرنسا التي لا تتدخل في شؤون الدين، وترفض أن يتدخل الدينُ في شؤونها" ولم يفهم هذا الذكر الفحل، الأمر لأنه أكبر من عقليته وثقافته، فأنّى له ولأمثاله، الخارجين عن العصر، أن يستوعبوا المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة؟. وبهذه الصورة رُفِض طلبُه في أن يأخذ أكثر من أخته، وأعطِي مثل ما أُعطِي لأخته
وقد يقول قائل:" وماذا نفعل بـ " للذكر مثل حظ الأنثيين"؟ فنجيب بأن هذه مشكلتنا الخاصة في فهمنا لديننا وتعاملنا مع " المقدس" من نصوصنا، وظروفها الخاصة والعامة، وعلينا أن نحسن التعامل معها بروح علمية تعطي للتحولات الحضارية والتاريخية والعلمية حقها، وعندئذ يمكننا تفعيل العلاقة بين الوحي ، وهو ثابت، من وجهة نظر دينية، وبين الواقع وهو متحرك، علميا ودينيا وحسيا، ونعلم أن القرآن له" فهوم"كثيرة وليس فهما واحدا، نحيا ونموت عليه. قال علي بن أبي طالب:" القرءان كتاب مسطور بين دفّتين، لا ينطق، وإنما ينطق به الرجال"( وهو يقصد الناس، وهم الرحال والنساء، ولو قالها لأراحنا من البحث عن االتخريجات والأعذار)،. وقال سهل بن عبد الله التستري:" لو أُعطِِي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودعه الله في آية من كتابه، لأنه كلام الله، وكلامع صفته، وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفخم كلامه وإنما يفهم كلّ بمقدار ما يفتح عليه"، وكما هو مسموح للأشعري وللجبّائي أن يفكر في الوحي وغيره، فلا مانع لأبناء جيلنا والأجيال اللاحقة من أن يفكّروا في كل شيء.
وبما أن الفزع من التتفكير، والتكفير، قد سيطر على الثقافة الإسلامية، فكبّل العقول وشل الإرادة وكان التباعد بين الوحي والفكر الإسلامي والواقع، فماذا ننتظر من هذا غير الفهم، والتوظيف،السيء للقرآن؟ وبالتالي، فإن هذا جعل الواقع يتجمد ويزداتخلفا، فيتخلف المسلمون عن ركب الحياةوصار علمهم إجترارا لما تتركه آباؤهم، وتوقف الإجتهاد( وأُغلِق بابه)، وانتشرت الفتاوى بشكل ملفت ومضحك، كما انتشرت الأسئلة الهزيلة من قبيل::" هل مصافحة المرأة للرجل ، أو الرجل للمرأة ناقضة للوضوء؟"وهل تشمم العطر في رمضان مفطر؟ إلى غير ذلك من الأسئلة، والفتاوى السخيفة، كتلك التي تذكر أن رجلاطلب من المفتي( والذي تضرب لحيته إلى سرته، علما وتقوى) أن يرشده لما فيه الخير والصلاح، حسب مناهج الشرع، فقال له:" أنا متزوج من امرأتين، أحبهما كثيرا. يسود بين زوجتيّ جو من المحبة والحمد لله. أريد أن أسأل عن حكم الشرع في مجامعتهما معا ، في آن واحد، حيث كان ذلك بطلب منهما، وأشهد أني قمت بذلك، ولا أنكر أني سعيد بذلك كحال زوجتيّ، فما حكم الشرع في ذلك؟" - (مجلة حقائق العدد108 مارس 2010:دنيا الفتاوى الإسلامية على الأنترنات بقلم فيديل سبيتي) وإذا كان سؤال الرجل سخيفا فإن جواب السيد المفتي كان أكثر سخافة وبلادة إذ يقول:" حكم الشرع = الحرمة لأن المرأة لا يمكنها رؤية عورة امرأة أخرى" وإذا كان شرع السيد المفتي يحرم على المرأة أن ترى عورة امرأة أخرى، وهما ملك لرجل واحد، ويحب التمتع بملكه كما يشاء، فكيف يُجيز له أن يجمع بين النساء، في نفس الوقت، وفي الحال الجنسية، وهو واحد زهما اثنتان؟. وبهذه الصورة" السينمائية" الغريبة، يكون الزوج مثل من كان من هواة "جمع الطوابع البريدية" وكأنهن عنده " طوابع بريدية" يقوم السيد بجمعها، وكأنهن بلا عواطف ولا مشاعرإنسانية، ويُسمح للرجل، لأنه رجل، بأن يرتع ويرعى ويمرع في رزقه كما يشاء، خاصة وأن السيد المفتي، دائما، يأمر الزوجة بـ " طاعة زوجها" لأن الطاعة واجبة عليها و" الرجال قوّامون على النساء" و " لهم عليهن درجة" وهن " حَرْثٌ" لهم، ولهم أن يأتوا حرثهم " أنّى شاءوا" كما أن للرجل أن يهجر زوجته في المضجع،( دواء لها من النشوز) ويُمنع عليها ذلك منعا باتا( إن نشز)، مع العلم وإن له حق التمتع، شرعا، ببقية نسائه وجواريه، ولا جناح عليه إن ترك زوجته التي هجرها محرومة جنسيا، فإن اشتدت بها الرغبة الجنسية فما عليها إلاّ أن " تصوم" وتصبر، أما إن انحرفت ، بها، عواطفها إلى التنفيس عن رغباتها " المحرمة " عليها فلن تكون إلاّ زانية ، وعلى المجتمع رجمُها حتى الموت
ج:
لي بنت( أستاذة )، غرّر بها رجل اصطنع معها الطيبة والتحرر الفكري، والحيوية الإجتماعية، فدفعها الأهلُ، وبعض صديقاتها إلى التزوج منه. وكان لها قبل =لك أن إختارت ( عن قناعة) القيام بالفروض الإسلامية قولا وممارسةة، وكانت متحررة في عقليتها ولبياسها المحترم، الساتر، ولم تكن ترى في الخمار فرضا دينيا بل هو عادة اجتماعية اختلطت، عند المسلمبن، في وقت، بالدغوة القرآنية للمرأة بالستر.ورأت ابنتي، أن وقتنا هذا تحكمه قوانين، تحفظ حياة الإنسان وتضمن أمنه، وبإمكان المرأة باستقامتها وأخلاقها التخلص من الحجاب والخمار، وأن تكون مساوية للرجل مساواة فعلية لا قولية.
هذه البنت لم توفق في الزواج، فطلبت الطلاق منه، وقد أنجبت منه ولدا، وحصلت على الطلاق، عن طريق المحكمة، وأُسنِدت الحضانة للأم، وعلى الأب أن ينفق على إبنه. وفي البداية حدث، بينهما، الكثير من المشاكل سببها تعنّت الأب ، الذي أراد أن يصطحب معه طفله في العطل والأعياد الرسمية، الوطنية والدينية، بينما المحكمة أعطته حق الزيارة. وقد ذكرت له ابنتي :" أنا لم أعد زوحة لك، ولا أنت زوجا لي، وهذا قررناه بإرادتنا واختيارنا، لكن لا أنت تستطيع أن تنفي أمومتي لهذا الإبن، ولا أستطيع نفي أبوتك له، وهذا يعني، إنسانيا وواقعيا أن الولد هو ولدنا معا وعلينا أن نوفر له الرعاية الكاملة والتربية السليمة حتى يكون مواطنا صالحا لنفسه ولعائلته ولوطنه وللإنسانبة". ولكن هذا الأب حاول التعسف مدفوعا بموروثه الثقافي والتربوي،حيث حاول الإنتقام من أم ولده، عندما سمع بأنها تعد الوثائق اللازمة لاستخراج زواج سفر لابنهما، فأسرع لذلك قبلها واستخرج له الجواز، ولما تقدمت للشرطة قالوا لها:" لا يمكن استخراج زواج جواز سفر مرتين في نفس الوقت، وقد استخرج له وليُّه هذا الجواز"، ولو أن هذا الولي قد مكن ابنه من السفر والسياحة لهان الأمر، لكنه فعل ما فعل نكالة في الإبن وليس في الطليقة.
إن مسألة الولاية ينبغي ألاّ يحتكرها الزوج ويتعسّف بها، بل ربما تعالج بنفس الطريقة التي عولِجت بها مسألة " الجنسية" بين الزوج والزوجةة بالنسبة للمرأة التونسية المتزوجة بأجني، حيث مكنها المشرع التونسي من إسناد جنسيتتها إلى أبنائها المولودين خارج الوطن، وذلك بمقتضى تصريح مشترك بين الأب والأم، فنقيس هذا على مسألة الولاية. لكن هنا ربما يعترضنا عارض وهو: وماذا يكون العمل لو امتنع الأب عن تقديم هذا التصريح المشترك؟ وإذا كان الحل سهلا بالنسبة للجنسية ، إذ تقرر الدولة أن كل مولود من أم تونسية، تسند له، آليا، الجنسية التونسية مع احتفاظه بحنسية أبيه( أي تكون له جنسية مزدوجة)، وبالإمكان قياس ذلك على قضية الولاية ، فتكون الولاية، إن اقتضى الأمر، ولاية مزدوجة تراعى فيها مصلحة الطفل، بعيداعن تعسف الأبوين وتعنتهما، كالذي حدث لطفل، بريء، لا دخل له في طلاق والديه، وهو يعيش في حضانةأمه ، وتعرض لحادث مرور، فاشتغلت أمه بنقله إلى المستشفى بينما استغل الوالد هذه الحالة للقيام بقضية فيالغرض، وعندما أرادت الأم القيام بالقضية، صرفتها الشرطة باعتبار أن ولي الطفل هو أبوه، وأبوه تكفل بالقضية، وهكذا ناور الأب مع المحامي ومع شركة الدأمين، ليجيز لنفسه بأكل مال إبنه من جراء حادث المرور، المشار إليه، والذي ساعده على ذلك قانون الولاية، غير العادل والذي حرم الأم لأنها امرأة من حقها في الولاية على إبنها وكأن الأم التي حملت وولدت وأرضعت وربّت لا " أهلية لها" في التصرف ولا تستحق الولاية على إبنها وهو الذي يعيش في حضانتها ورعايتها. هل هذا معقول ؟
وهكذا لم تتغير وضعية المرأة قانونيا في الميراث والولاية، حيث مضى العهد البورقيبي، وجاء بعده" عهد التحول"وما بشر به التونسيين، جميعا، من" عهد جديد" بلغ فيه الشعب التونسي" من الوعي والنضج ما يسمح لكل أبنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه، في ظل نظام جمهوري، يُلي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة، وعلى أساس سيادة الشعب.. ـ (من بيان السابع من نوفمبر) وهذا العهد الجديد" لا مجال( فيه= هذا من عندنا) للظلم والقهر"، ومما لا شك فيه أن المجتمع التونسي، قد تغيرت حالته، وارتقت نساؤه ، وهذا أمر يفرحنا لكنه لا يوقف مطالبتنا بالمزيد، ولا يُغمض عيوننا عن النقائص، بأي شكل من الأشكال، حتى تكون تونس، بحق، قولا وفعلا، لكل التونسيين، فهل من المعقول أن نرضى بالحال ا لمزري الذي تعيشه بناتنا ونساؤنا في معامل قانون أفريل 1972 وما يتعرضن إليه من معاملة قاسية في أجورهن الزهيدة، وكرامتهن المهدورة وخوفهن المستمرعلى لقمة عيشهن .
صحيح أن المرأة في تونس صارت شرطية وزيرة، وغير ذلك من المراتب والوظائف المختلفة، لكن هذه الشرطية، ليست مساوية لأخيها في الميراث، ولا في الولاية على أطفالها، وهي إن أرادت السفر إلى الخارج، فإن زوجها، في بعض الأحيان يستطيع أن يتعسف عليها ويمنعها من السفر، ( لأنها امرأة، وهو رجل)، وقد تكون أعلى منه ثقافة وتعلما ومركزا.
د :
كثيرات من النساء التونسيات طالبن بالعمل نصف الوقت، مع تمتعهن بثلثي الجراية، تأثرا بالدعايات الرسمية حول هذا الإجراء ، المتّخَذ لفائدة الأمومة، لكن ، وبالتجربة ، تبين بطلانه ومضرته المادية على المرأة، وهو في الظاهر، والشكل ، يبدو مريحا للمرأة، لكنه في حقيقته غير ذلك:
أن تعمل الأم نصف الوقت فهذا إيجابي، وففيه خدمة كبيرة للمجتمع، نظرا لما تقدمه له الأم من تربية للأجيال الصاعدة، لا تُقَدّر بثمن، لكن في مقابل ماذا؟ في مقابل أن تتنازل الأم عن ثلث أجرها، هل هذا منطق؟ قد يكون هذا الأمر معقولا ومقبولا ومرحَّبا به لو أعطِيَ للأم أن تعمل نصف الوقت، وبأجر كامل، نظرا لأنها ستُعطي نصف الوقت الآخر للمجتمع لتقوم بتربية أجياله، باعتبار أن الأطفال ليسوا أبناء والديهم فحسب لكنهم أبناء المجتمع أيضا، ومنهم سيكون الجيش والموظفون، في مختلف الوظائف، بما فيهم رجال الدولة بوزرائها ورؤسائها وما إلى ذلك. فلتعمل الأم نصف الوقت، ولْتُعطَى أجرا كاملا، وهذا هو العدل. أما إن تكلم الرجالُ وطالبوا بنصف الوقت، فإن الجواب عن إثارتهم السطحية هذه : " كونوا أمهات وتمتعوا بنصف الوقت وكامِل الأجر" ومع هذا فبالإمكان أن يطالبوا بتطبيق نظام الحصة الواحدة في العمل، وهذا شرعي للقيام بدورهم الأبوي في التربية. وبهذه الصورة يمكن للعائلة التونسية أن تتحمل مسؤوليتها التربوية كاملة، ولا تسلم أبناءها لـ " تربية الشارع" وما تحمله من مخاطر. وبما أن التربية ليست من مسؤوليات العائلة فحسب، بل هناك جانب منها موكولٌ إلى " البيئة الثالثة" وهو المحيط، الخارجي، أي الشارع، بين البيئة الأولى( الأسرة والبيت)، والبيئة الثانية( وهو المدرسة)، وهذا يكون من مسؤوليات المجتمع الذي عليه أن يوفر المَحاضن، ورياض ( ونوادي)الأطفال، ودور الشباب، والثقافة. وبهذا تكتمل الفواعل التربوية، في تعاونها وتآزرها. أما أن يُتباكى على فساد الأخلاق وربطه بالمرأة، وعمل المرأة، فعذه سخافة ما بعدها سخافة، باعتبار أن الأخلاق لا تستقيم بالحكم على نصف المجتمع بالبطالة، وإثقال كاهل النصف الآخر، فالبطالة، بطالة سواء كانت ضحيتها المرأة أو الرجل، والمهم أن نرفضها ونعمل على القضاء عليها لأنها مزرعة خصبة للإنحراف والإجرام، بينما العمل حق أساسي من حقوق الإنسان، أقرته التشريعات الدولية( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره) والدساتير والقوانين االوطنية . وعلى الإتحاد العام التونسي للشغل أن يدعم المرأة في نضالها المشروع لتحقيق مطالبها في العمل نصف الوقت وبأجر كامل، وكذلك بدفاعه عن مطلب العمل بنظام " احصة الواحدة" لما فيه من مصالح للعاملين والعاملات، وأيضا لمصلحة التربية عامة . أليس من حق العمال أن يعيشوا في هناء، وأن يتمتع أبناؤهم بتربية سليمة، يكونون بها صالحين لأنفسهم ولعائلاتهم ولمجتمعهم وللإنسانية؟
والخلاصة من كل ما ذكرنا يتبين أن المرأة التونسية( وهي متقدمة جدا على غيرها من النساء العربيات والمسلمات) مازال الطريق أمامها طويلا لتحقيق ما تطلبه، خاصة في المساواة الفعلية، وليست الكلامية، وعندما تحقق هذه المساواة، يمكننا ، بعد ذلك، أن نتحدث عن "تجاوزها لمرحلة المساواة إلى مرحلة الشراكة الفعلية" أما وهي ما زالت محرومة من الحق المساواة ونقول إنها تجاوزت مرحلة المساواة إلى مرحلة الشراكة، فإن قولنا هذا معناه : إما أن المساواة لا قيمة لها وعليها أن تشارك الرجل في...فهذا غير مفهوم أصلا، وبدون ثرثرة نقول المساواة أولا لأن بالمساواة تستطيع المرأة أن تشارك الرجل في البناء والتنمية وكل ما يخص عائلتها، وأن الذين يمنعونها من هذا الحق بحجج دينية، فإن عليهم أن يفكروا جيد ويفهموا الدين بعلاة مع العصر وما يشهده من مستجدات، وسيجدون أن جوهر الدين يتجه نحو العدالة، وأنه لا يتضرر بالتوسع في العدالة والحرية، بل يتضرر بالتعسف والتضييق والظلم . ونحن نعتقد أن إحساس المرأة( والإنسان، بصفة علمة) بالعدالة والحرية، يجعلها أكثر ثقة ونجاحا في مهمتها التربوية، أما بخنقها وظلمها، فلن تكون إلاّ فاشلة ومعقّدة، ، وإذا كانت كذلك فماذا ننتظر منها ومن أبنائها ومن زواجها؟
إننا نكرر ونعيد أن المرأة هي نصف المجتمع . هي المدرسة والمُعلم والمربي ، فهل يُعقل تركه معطَّلا ومسجونا، بتعلات واهية، لم يعد عصرنا يقبلها؟. ولنكون أكثر دقة نقول :وهل ترضى المرأة، وتقبل، أن تُحرَم من حقوقها؟. وفي هذا المجال أصدر الإتحاد الوطني للمرأة التونسية بيانا بتاريخ 13 أوت 1992، جاء فيه:" إن حقوق الإنسان لن تكون واقعا حيا ملموسا إلاّ إذا تعامل المجتمع مع نصفه وفق مبادئ المساواة وعدم التمييز، وذلك هو الأساس الصلب لكل ديمقراطية وتقدم وسلم إجتماعية حقيقية" ، ونحن نقول ليت هذا الكلام يخرج من قمقم البيروقراطية التي تتحكم في عمله ونظرته للمرأة فيرى النور في الواقع ، ويتجاوز مرحلةالكلام إلى مرحلة المماؤسة والتطبيق ،فيقوم بدعم تحركات المرأة المشروعة في معركة" استكمال حقوقها" و" تكسير"كل الحواجز التي تمنعها من الوصول لما تريده من حقوق تدعمها كل القوى التقدمية والديمقراطية، وربما بهذه الكيفية سيجد أتحاد الرأة قبولا من المرأة التونسية فتتعامل معه ويتعامل معها، فيتبنى مطالبها ويدافع عنها، ولا يقتصر دوره في الحضور الشكلي في المهرجانات الرسمية وينظم اصطفاف النساء لاستقبال الشخصيات الكبيرة في الدولة.
إن اتحاد المرأة إن أراد أن يكون منظمة المرأة بحثق فعليه، أولا وبالذات ان يكون منظمة جماهيرية منتخبة، زمستقلة، وليست منصّبة، تدور في فلك الحزب الحاكم وتأتمر بأوامره، وكأنه شعبة من شُعَبه، الشيء الذي صَرف النساء عته. بينما توجد منظمة نسائية أخرى هي منظمة النساء الديمقراطية، تعاني من المحاصرة والتجاهل نتيجة تشبثها باستقلاليتها، ودفاعها عن المرأة، ومطالبتها بحقوقها كاملة، وستحققها آجلا أم عاجلا، بصبرها وتحمّلها .
والجدير بالملاحظة أن المرأة التونسية استفادت من الحراك السياسي الديمقراطي، العام بالبلاد، خاصة في الفعل الرابطي رغم ظروف الرابطة الخاص الذي يلقى معارضة قاسية وحصار شديدا من السلطة الحاكمة، نتيجة تشبت الرابطة باستقلاليتها عن كل السلطات الأخرى، والأحزاب ، وهي تدافع عن المرأة دفاعا مبدئيا وليس استعراضيا وتظاهريا، وكلما كانت الربطة قوية يكون المطالبون بحقوقهم أقوياء، فإن ضعفت ضعفوا، برجالهم ونسائم، وما على الجميع إلاّ الإلتفاف حول الرابطة ودعمها، ويكون ذلك دعما لحقوقهم ومطالبهم
قليبية في 28/3/2010




تشييع جثمان المناضل عبد القادر الدردوري
------------------------------------------

شُيّـع إثر صلاة عصر الثلاثاء
04 -01 - 2011 ، جثمان المناضل الحقوقي والنقابي ورئيس فرع قربة / قليبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد القادر الدردوري ، وذلك إلي مقبرة سيدي البوضاوي بمدينة قليبية التابعة لولاية نابل شمال شرق تونس (والتى تبعد عن العاصمة 105 كيلومتر) .

وكان الحضور مكثفا لأطياف المجتمع المدني
وقبل مواراته الثرى قام بتأبينه كل من الأساتذة
عبد اللطيف عبيد عن "التكتل من أجل العمل والحريات"
ومختار الطريفي رئيس الرابطة ، وجلول عزونة عن "الكتاب الأحرار" .
وأجمع جميعهم على الخصال النضالية الكبيرة التي كان يتمتع بها عبد القادر الدردوري
وأنهم سيناضلون من أجل الحصول على ترخيص نشر مجموعته القصصية زهرة الجرح النّازف


رحم اللّه فقيد الحركة الحقوقيّة التّونسيّة وأحد فرسان الكلمة الحرّة والصّادقة (...) رحم اللّه شيخنا الجليل الذي لم تزده سنوات العمر إلاّ عزيمة وصمودا في الدّفاع عن حقوق الإنسان وحرّيّاته الأساسيّة. رحم اللّه هذا الرّجل الطّيّب معلّم الأجيال. رحمك اللّه يا صاحب القلب الكبير والنّظرة الثّاقبة".


اعداد :
جمال الجلاصي / تونس
عبير محمد / مصر
سلطان الزيادنة / الاردن
زياد السعودي / الاردن






 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط