قراءة جهاد بدران على أهل العزم؟؟! / عدنان حماد - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: عين الكاميرا (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: بأعلامنا التحفي (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: معايدة للجميع وغزة في الطليعة (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: في منتصف الحب (آخر رد :هادي زاهر)       :: بائسة (آخر رد :زياد السعودي)       :: إحداثيات* (آخر رد :زياد السعودي)       :: رثاء السيد عثمان فدعق:: شعر:: صبري الصبري (آخر رد :صبري الصبري)       :: بلا معنى / إيمان سالم (آخر رد :خديجة قاسم)       :: صرخة غزاويّ (آخر رد :خديجة قاسم)       :: الا يا غزّ اشتاقك (آخر رد :خديجة قاسم)       :: للحزن جماله أيضا (آخر رد :خديجة قاسم)       :: بين يديك يا قمر (آخر رد :خديجة قاسم)       :: ،، بين يديك يا قمر / نافذة العنقاء خديجة قاسم ،، (آخر رد :خديجة قاسم)       :: عبير (آخر رد :عبدالرحيم التدلاوي)       :: وجبة (آخر رد :عبدالرحيم التدلاوي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-02-2018, 02:26 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي

النص : أهل العزم؟؟!
الناص : عدنان حماد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــــ

(على قدر أهل العزم تأتي العزائم)=وتنزل في ساح الصغير الهزائم
ويثبت في الميدان شبل مرابط=وتسطو على الفكر العقيم التمائم
فتقوى على نهب الضعيف ثعالب= وتعجز عن صد البزاة الحمائم
تُفرقُ أبعاض الرجال مواقف= وتجمع أرباب الكروش الولائم
ويذعن أرباب العروش لمارق= وتحجب عن قوت الشعوب الغنائم
كأني بسوط البطش فاز بجزية =وتطمح في نيل المزيد الأعاجم
وتضرم نيران العداوة فارس = وتأمن أحقاد اليهود العواصم
وتسأل عن أهل الحسام حرائر= ويسأل عن حال العروبة حالم
أراها على باب العراق صريعة= وتكثر في أهل الشآم المآتم
وفي المسجد الأقصى تهان حرائر= ويمنع عن نيل الصلاة الأكارم
أرانا كقنديل تخثر زيته= فما هو وضاء ولا هو قاتم
وصرنا كقطعان تساق لذبحها= ويأمر فينا واهِنٌ ومساوم
وتنعم في خير الديار ثعالب = ويحرم منها باسل ومقاوم
وتطرب أسماع الملوك مدائح= وتشغل أفواه الضعاف الشتائم
فيصغُرُ عن درء الملامة حاكم = وينشط في قمع الرعية غاشم
وتوأد أحلام الشباب فتيةً=وترتع في زرع الديار البهائم
وتجنح عن باب الجهاد سيوفنا=وتعتاد للأغماد هذي الصوارم
فعن أي عزم قد أحدث يا ترى =وفي أي ثوبٍ سوف تأتي المكارم؟

القراءة :
ــــــــــــــــــــــــ

أهل العزم؟؟!
يا لروعة البحر الطويل وما يضيء لنا الشاعر من قنديل حرفه ما يثري الذائقة ويُشبع الكلمات وزناً ثقيلاً في كفة الجمال...
( أهل العزم؟؟!)
إن اختيار العنوان من وحي قصيدة المتنبي..واندماجها بهذا العصر الذي يتهادى على مشارف الجنون..من خلل وفساد وبيع الضمائر وتفشّي التمزيق بين أوصال هذه الأمة المكلومة..وتوسعة رقعة الهدم والحروب بين جميع الدول العربية..لتهتز قواها وتتخلخل مفاصل فكرها لتتم عملية الحجب عن عيون الحق.. وتبقى آثار اضطراب الحياة الفكرية في مجتمعاتنا على قدم وساق..لأنها عملية تكوين فكري جديد يتم غرسه بين مفاصل الأمة العربية والإسلامية..ليبقى الانقسام قائماً سياسياً واجتماعياً ومذهبياً ويتم عبرها التصفيق لهذا الصراع بين جميع هيئات المجتمعات..ليبقى الضعف قائماً أمام الهجمات الغربية وعمالقة الظلم من كل جانب..
ليبقى الفساد تاجاً على رأس كل تجديد وكل عمليات إصلاح..لتتم عملية الولادة لأمراض المجتمع العربي وخاصة الإسلامي..حتى تتم عملية السيطرة على جناحيه بتكسيره واضطهاده..
فالشاعر من عمق الوجع يضع عنوان قصيدته.. أهل العزم؟؟! بعلامات استفهام وتعجب..كي يفتح للذهن مجالاً للتحليق بين معانيه..وللفكر أن يرتقي بين جنباته في استخلاص نواة الخلل في مجتمعاتنا اليوم...من أهل العزم يبدأ القنديل بالإضاءة نحو فرز الحقائق ووضع الإبهام على مصدر الخلل..
فأين هم أهل العزم من البشر؟؟؟ وقد حدثنا رب العزة عن شمائلهم من الرسل وصفاتهم التي تعتبر زيت القنديل لإضاءة عتمة الأمة اليوم..
قال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾الأحقاف 35...

عنوان من وحي قصيدة المتنبي..بمثابة بوابة عبور نحو رموز وطنية إسقاطاً على واقع مؤلم للبحث عن هؤلاء أهل العزم ومكانتهم على أرض الواقع..وهل لهم وجود بالفعل..وأين هم؟؟!
يبدأ الشاعر قصيدته بقوله:

(على قدر أهل العزم تأتي العزائم)
وتنـزل فـي سـاح الصغيـر الهـزائـم)

هذا البيت بمثابة معادلة ناضجة فكرياً ونتيجة حتمية لكل قاعدة..جمعت هذا الإبداع والتحليل للواقع بين الشاعر العدنان وبين الشاعر العملاق المتنبي..علاقة وثيقة بين الحروف للشاعرين..
فيكون حصد العزائم وقدرتها..من الطرق والوسائل التي يتبعها أهل العزم ..بقدر المسؤولية والأمانة وتأدية الدور بطرقه السليمة يكون الناتج في العزائم...
والشاعر يكمل تلك المعادلة بحرف الواو ..( وتنزل)..بمعنى استمرارية القاعدة السابقة..( وتنـزل فـي سـاح الصغيـر الهـزائـم).. ولكن بطريقة انكسار وضعف من أهل العزم ليكون الناتج الهزائم..وهذا كان سبباً في خللٍ ما ..في
الإدارة وضعف في الإيمان والعمل..لأن العزم الصادق إن كان يحمل الإيمان والعمل لوجه الله ..وهذا طبعاً من صفات أهل العزم..تكون نتيجته حصاداً مثمراً ونصراً حقيقياً على أهل الكفر والظلم..
فالواو التي استخدمها الشاعر كانت عملية استمرارية للقاعدة الأولى التي تسلح بها المتنبي في بداية قصيدة الشاعر..
ثم يكمل الشاعر لوحته بقوله:

(ويثبـت فـي الميـدان شبـل مرابـط
وتسطو على الفكر العقيـم التمائـم)

هنا تتجلى على الفكر وضوح الرمزية التي حملت في إشارتها على قوة جيل جديد مرابط يختلف عن الجيل السابق الذي كان يتسلح بفكر هزيل لا ينتج تجديدات ولا تغييرات جذرية تأخذ الأمة لبرّ الأمان وحيث ترقد الكرامة والعدالة والحق وحيث تسكن الضمائر..
في هذا البيت الشعري قمة السحر وبراعة النظم..
الشبل المرابط على أرض المقدس والرباط..نتيجة حتمية للمعاناة وقصور الفكر في خلق وسائل الدفاع بطريقة فكرية تكون غزواً لتخطيطات الطغاة..
( وتسطو على الفكر العقيـم التمائـم)
هذه الشطرة تصبح من كنوز العبر لو كانت في تعديل بسيط ليكتمل معناها..
عندما يصبح الفكر عقيماً يكون في محاور الصفر ..لا يتجدد ويبقى في مركز السلبية..لا ينجب ما يعيد للتطور استمراريته لينتج ثمار الصلاح ..فإنه يقع فريسة الجهل ولملمة الزيف والخداع ولا يتقن الحراك نحو النور بل يصبح بخطواته نحو الظلام بسبب تمركزه حول الضعف واهتزازات الفكر البسيط..فيصبح في قبضة الجهلاء..
فعملية سطو التمائم على الفكر العقيم غير مثمرة وغير منتجة..لأن السطو بمعناه: السرقة والنهب والسيطرة.. فماذا ستنهب التمائم وتسيطر على فكر عقيم لا ينتج..فلو كانت السيطرة والسطو على فكر مستنير قويم لكان أبلغ للمعنى وله أثر في ضبط الفكرة وغرزها في النفوس بطريقة منطقية أكثر من أن تستولي التمائم على فكر عقيم..فالإستيلاء يكون على الشيء المحمل بالذخر المشبع لعمليات السطو..فالأولى والأصح للسطو أن يكون على فكر رزين مشبع بالنضوج لتتم عملية تخريبه وتفكيكه من دائرة انضباطه وتحويله لفكر متطرف يؤدي عملية العقم للتطور والنضوج والوعي..
فالسيطرة على الفكر القويم بالتمائم هو عملية إيقاف لنسل قيادة رزينة حكيمة واعية ناضجة لهذه الأمة...
والتمائم رمز الجهل وعدم التدبير لقواعد الفكر السليم المنتجة الصالحة...
لتكون النتيجة الحتمية من الخرافات والجهل
عملية النهب بكل أشكالها ومن ضمنها ذلك الفكر الذي يقود أمة..لتصبح الأمة رهن ثعالب تتلاعب بها ..كقول الشاعر:

(فتقوى علـى نهـب الضعيـف ثعالـب
وتعجـز عــن صــد الـبـزاة الحمـائـم)

عندما يخترق الخلل أو التسوس في نظام معين فإنه يبدأ بالانهيار ويأكله الضعف ليكون لقمة سائغة للمغرضين الفاسدين.. إذا لم تتم عملية ترميمه وإصلاحه..ويصبح من الصعب مقاومته وصده..هذا بشكل عام..فكيف إذا اخترق الفكر البغاة والطغاة..حتماً سيصاب بخلل فظيع تكون نتيجته تغيير مساره السليم لاعوجاج لا يدرك الصواب فيه بعد ذلك..

الشاعر هنا أطلق للحكمة والعبرة جمال لا يوصف وسحر منقطع النظير..يدل على قمة البلاغة والقوة والتمكين في صيد حلل الجمال على بساط أدبي شعري متقن توشى بقوة التوظيف ..
ثم ينتقل بأمواج غضبه الشعري وصوره الشعرية الراقية بقوله:

(تُـفـرقُ أبـعــاض الـرجــال مـواقــف
وتجـمـع أربــاب الـكـروش الـولائـم

ويـذعـن أربــاب الـعــروش لـمــارق
وتحجب عن قوت الشعوب الغنائم)

في هذين البيتين يشتد عود المواقف التي تحدد المصير لكل مبتغى..فقياس الرجولة والقوة تندرج تحت منهاج الموقف الصادر عن صاحبه ليكون ناتجاً بإصدار تقرير المصير..
ونلمس هنا عناصر بشرية تملك منصة الحكم وتتلاعب فيه وفق هواها ..

أفعال المضارعة هنا لها دلالات متحركة غير ساكنة ..أي أنها ما تزال في دائرة التفاعل في زمن متحرك ما يزال ينفث وقته في خط أفق متحرك للأمام وللغد...
في هذين البيتين تتضح صور مجتمعاتنا ونبذة عن صور قادة وشعوب هذه الأمة التي تحمل بين نواجذها التناقض والتضاد..حيث يجمع شمل قادة الشعوب المتشابهين في التخطيط والحراك الظالم..على مائدة قتل الشعوب تحت ضرس أطماعهم ومناصبهم والتي شبهها الشاعر بالكروش والولائم..وهذا كناية عن تمتعهم في إشباع غرائزهم عن سد حاجات الشعوب..تحت جناح الذل والقهر بتسمية الإذلال وإخضاع الشعوب في دائرة الفقر والتجويع لتسوية مطامعهم وتلبية لمطامع الغرب والغرباء في تمزيق الأمة والتسلط عليها ليتسنى لهم تنفيذ مآربهم في الشرق ..فالكبار الواعين حينما يصلون لحل الأزمة ويكادون الوصول للحل في صد الغرباء ..يظهر حينها ما يفرقهم من خلال المواقف المختلفة التي تكون باب الاختلاف بينهم..فالحق وطريق الله من أصعب الطرق التي يتم الاتفاق عليها والسير بها مع الجماعة ..لأن طريق الحق محفوفة بالمكاره وقلة من هم يصمدون في تكملتها بهدف الحق والشهادة في سبيله..فمن الصعب أن نجد من يجتمع تحت راية الحق..لأن الحق عظيم الهدف ونبيل الغاية ويحتاج الشرفاء والمؤمنين الصادقين الذين يستمرون فيه..وهذه عبؤها ثقيل وقليل هم الصامدون الثابتون على الحق..بينما نجد أهل الكروش وأصحاب المطامع الشرهة يجتمعون للظلم ونبذ الحق بطرق سهلة ويتكاتفون ضد أهل الحق..للباطل يجتمع الكثيرون وللحق له أهله القليلون في زمن الرويبضة وزمن الفتن والذي يكون فيها المؤمن بدينه كالقابض على الجمر...لأن الجنة محفوفة بالمكاره وتحتاج الإيمان العميق لتخطي العقبات والفتن..
لذلك يصف الشاعر أصحاب المناصب بدقة متناهية وبصورة مذهلة متقنة لها دلالات عديدة وأبعاد مختلفة وتصاوير فذة بقوله:

( ويـذعـن أربــاب الـعــروش لـمــارق
وتحجب عن قوت الشعوب الغنائم)

فالغنائم وما يحصدون من أموال النفط يجعلهم يتناسون قوت شعوبهم لأن بطونهن ممتلئة بالجشع فأنى لهم أن يتذكروا أو يشعروا بمعاناة شعوبهم...
الشاعر هنا أحضر ورسم معاناة الشعوب بدقة في بيت من أجمل ما قرأت ..
ويكمل الشاعر مراسيم هذه اللوحة بأوصاف جمالية تبعث الفكر على الانطلاق نحو المزيد من التأمل بين جمالية هذا السكب الراقي.. والذي يدل على تمكن الشاعر من أدواته الشعرية والنضج الفني والقيم الشعرية عالية المستوى والتي تشير على قمة الإبداع والتفرد..بقوله:

(كأنـي بسـوط البطـش فــاز بجـزيـة
وتطمـح فـي نيـل المزيـد الأعاجـم

وتـضـرم نـيـران الـعــداوة فـــارس
وتـأمـن أحـقـاد الـيـهـود الـعـواصـم)

تظهر سطوة الغرب على بلادنا وسطوة اليهود على القدس لتكون عاصمة لهم..كل ذلك البطش والاستيلاء على ممتلكات الغير يُقدّم له جائزة نوبل في القتل والنهب والجرائم المختلفة في بلادنا العربية..أوصاف لأهل الباطل على هيئة صور حية جسدها الشاعر كي ينفض بها القلوب الغافلة والعقول المتخدرة التي ما زالت في سبات عميق...
بعد هذين البيتين جاء التسلسل الحدثي والترابط بين الأبيات..فالنتيجة الحتمية بعد
بطش اليهود ومعاونيها من دول الغرب أن يتحرك الأحرار للبحث عن سبل النجاة من خلال أهل الحسام والبحث عنهم من خلال الحرائر والحالمين في أثواب الحرية حيث يوضح الشاعر ذلك بقوله:

(وتسـأل عـن أهــل الحـسـام حـرائـر
ويسـأل عـن حــال العـروبـة حـالـم

أراهـا عـلـى بــاب الـعـراق صريـعـة
وتكـثـر فــي أهـــل الـشــآم الـمـآتـم

وفي المسجد الأقصى تهان حرائـر
ويمنـع عــن نـيـل الـصـلاة الأكــارم)

هذه الأبيات نبذة مصغرة عن وضع العراق والشام والقدس وما يجري على ساحات المسجد الأقصى...حال الأمة اليوم في أحلك الظلام وفي قمة مرضها واحتضارها..ربما كان ذلك حتى تعود للحياة فينيقياً..

(أرانـــــا كـقـنـديــل تـخــثــر زيـــتـــه
فـمــا هـــو وضـــاء ولا هـــو قــاتــم)

كلمة (أرانا).. يجمع فيها الشاعر نفسه
والأمة..حيث خرج من دائرة الذات..من الهم الأصغر للهم الأكبر..وهذه قمة التضحية والإخلاص لأمته..ومن هنا يتحرر الإنسان من عبودية الذات للانخراط في المجتمع والمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه..
فيشبه الشاعر نفسه وأمته المحزونة كقنديل تخثر زيته..تشبيه بليغ الأثر تقعّر وصفه في الذات كسياط يجلد الروح وجعاً..
تشبيهنا بالقنديل كان حكيماً فيه من الذكاء اللغوي باختيار اللفظ المناسب..إذ أن القنديل سبيل الإضاءة وقت العتمة والسواد..والقنديل لا يحرق من يمسه..نوره يتلاءم مع وصفه للأمة التي تضيء للأفراد طريقهم وتمنحهم النور لفج ظلام أيامهم..لكن الشاعر جعل من هذا القنديل وعصب الضوء أن يتخثر زيته..وعملية التخثر جاءت من خلل في عناصره وأفراده..فهم الذين يحدثون خلل الضوء وسبباً في تعطيل نوره..فهم الوقود الذي يحرك القنديل بالنور..وهم سبب العطل والخراب..لذلك الأمة تتحمل مسؤولية إصلاح المجتمع والأفراد..(فما هو وضاء ولا هو قاتم)
هنا شعرت في نقص الوصف لهذا القنديل..إذ كيف لا يكون وضاء ولا يكون بنفس اللحظة قاتماً..عادة عندما يكون منطفئ لا يثير الضوء ويبقى شبيهاً بالسواد..إلا إذا قصد الشاعر الوسطية لهذه الأمة ما بين الضوء وقبل السواد.. أو أن القنديل فيه رمق نور وبصيص أمل نحو الاتقاد والضياء...بعد هذا الوصف المتقن الذي يشمل الشاعر والأمة..تأتي صورة المجتمع الذبيح والضعيف في مقاومته وفي رأيه وفكره واستيلاء الباطل بأهله..بقوله:

(وصـرنـا كقطـعـان تـســاق لذبـحـهـا
ويــأمــر فـيـنــا واهِــــنٌ ومــســاوم

وتنـعـم فــي خـيـر الـديــار ثـعـالـب
ويـحــرم مـنـهــا بــاســل ومــقــاوم

وتـطـرب أسـمـاع المـلـوك مـدائــح
وتشغـل أفـواه الضـعـاف الشتـائـم

فيصـغُـرُ عــن درء المـلامـة حـاكــم
وينشـط فـي قـمـع الرعـيـة غـاشـم

وتــــوأد أحــــلام الـشـبــاب فـتـيــةً
وتـرتــع فـــي زرع الـديــار البـهـائـم

وتجنـح عـن بـاب الجهـاد سيوفـنـا
وتعـتـاد للأغـمـاد هـــذي الـصــوارم)

هذه الأبيات ملخص لزمن الرويبضة وزمن العار وزمن الكراسي والمصالح الذاتية..التي قضت على منابع الحق والجهاد في سبيل الله..من حكم قادة لا يحتكمون بمخافة الله ويركعون تحت نعال الغرب والصهاينة..
هذا هو حالرحكام العرب اليوم..الذين تكشفت الأغطية عن وجوههم ولم يعد يهمهم بيع الديار مقابل مناصبهم وسياسة الغرب اللعينة..يتاجرون بأرواح شعوبهم مقابل لذاتهم وأطماعهم..ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم وفي حكمهم البغيض اللعين..فعن أي عزم نتحدث وعن أي مكرمة نفتخر!!
فهل يخرج من هؤلاء الأوغاد إلا العار والخزي وبيع الضمير والكرامة مقابل ثمن المصالح والرغبات..

(فعـن أي عـزم قـد أحــدث يــا تــرى
وفي أي ثوبٍ سوف تأتي المكارم؟)

هكذا ينهي الشاعر وجعه وآلامه وحسراته على من يمسكون بزمام الحكم من أبعاض الرجال بل من عدمها إن صح التعبير..
أمة تحتضر من ضعف حكامها للولاء لله في حكمهم للبلاد..
لكن هذا الانهيار إنما هو بداية البعث والحياة من جديد..بداية العودة للنصر وتغيير سلالة الحكم باندثارهم..هو بداية الغربلة نحو الحق وموت الباطل..فمهما ارتفعت كفة الباطل إلا أن كفة الحق ستنصر ولو بعد حين..هو وعد الله لأهل الأرض المقدسة..ولأهل العزائم الصادقين ..
.........
قصيدة بل معلقة تستحق الضوء وتسليط النور عليها لما حملت من معالم كثيرة في اللغة والعمق والفكر وما حوت من عبر وحكم ومواعظ لأهل الأرض بكل أجناسهم..
لغة متوهجة وبلاغة وتمكين في الألفاظ ..ودقة في التعبير والأفكار..وتصوير فني متقن بارع مع ما حمل من رموز سقطت على حال هذه الأمة النازفة..تشابيه أكرمت الشاعر بقوة ألفاظه..وفصاحة لسانه مع ما حمل من الفكر العميق ضمن الدلالات المختلفة التي تقبع بين جدران هذه الأمة الثكلى..والتي تلامس الواقع بمرارة..
تراكيب اللغة كانت في حال اندماج مع اللغة والمؤثرات الذاتية والبيئية والتي منحت الخيال أبعاداً تتلاءم مع الحدث التي تصادم مع الواقع المرير والذي كان سبباً في تدفق المشاعر المدفونة وتصادمها مع منابت البوح التي قضّت مضجع الشاعر وأثارت لغته الإبداعية في تعرية الواقع وفق رؤيته الفكرية وفق مساحة اللغة المتينة ذات السبك المبهر..
.......
الشاعر الكبير المبدع الفذ
أ.عدنان حماد
بوركت وبورك حرفك الراقي لما منحتنا من الطواف بخشوع بين منازل حرفك البديع..
جزاكم الله كل الخير
ووفقكم لما يحبه ويرضاه

جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-06-2018, 12:45 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على أهل العزم؟؟! / عدنان حماد

تواصل الجهاد تفرّدها
وهي تثري بوعيها
أشياء الكلام
فلها جل الاحترام
وللتغلبي محبة لا تبور






  رد مع اقتباس
/
قديم 31-07-2020, 05:24 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: قراءة جهاد بدران على أهل العزم؟؟! / عدنان حماد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد السعودي مشاهدة المشاركة
تواصل الجهاد تفرّدها
وهي تثري بوعيها
أشياء الكلام
فلها جل الاحترام
وللتغلبي محبة لا تبور
حضور مبارك من لدن العميد الشاعر الكبير
أ.زياد السعودي
أضأتم المكان بحسن ردكم وشهادتكم النفيسة
حضوركم بحد ذاته إثراء وجلال..
ورأيكم غنى ومحل اعتزاز وفخر وهو بمثابة القنديل الذي يضيء في حلكة الليالي..
بورك بكم وبنور قلمكم المعطاء
وشكرا لشاعرنا الكبير الراقي
أ.عدنان حماد
على لوحته ومعلقته الباذخة التي أضاءت الفينيق بجمال سبكها وقوة تراكيبها..






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:31 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط