العنقاء فدوى طوقان يليق بها الضوء*سلطان الزيادنة - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-2011, 11:16 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي العنقاء فدوى طوقان يليق بها الضوء*سلطان الزيادنة




سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح

فدوى طوقان

لنضعها تحت الضوء
إذ بها يليق الضوء



فدوى طوقان (1917 - 2003) أهم شاعرات فلسطين في القرن العشرين، ولقبت بشاعرة فلسطين، حيث مثّل شعرها أساساً قوياً للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع






حياتها:

ولدت فدوى طوقان في مدينة نابلس الفلسطينية سنة 1917 م لإحدى أعرق الأسر المثقفة والغنية وذات حظوة كبيرة في المجتمع الفلسطيني حتى النكبة, ثم المجتمعين الفلسطيني والاردني حيث وقعت مدينتها تحت الإدارة الأردنية, وتم تجنيس أبناء الضفة الغربية بالجنسية الاردنية. ابنة عبد الفتاح آغا سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي, وأقامت هناك سنتين، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقًا معرفية وإنسانية, حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة وبعد نكسة 1967 خرجت شاعرتنا من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة بنابلس فبدأت في حضور المؤتمرات واللقاءات والندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد.

في مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاما قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة:

كفاني أموت عليها وأدفن فيها

وتحت ثراها أذوب وأفنى

وأبعث عشباً على أرضها

وأبعث زهرة إليها

تعبث بها كف طفل نمته بلادي

كفاني أظل بحضن بلادي

تراباً،‌ وعشباً‌، وزهرة






آثارها ومؤلفاتها النثرية والشعرية

صدرت للشاعرة عدة دواوين والمجموعات الشعرية نذكر منها:

وحدي مع الأيام، دار النشر للجامعيين، القاهرة ،1952 م.
وجدتها، دار الآداب،بيروت، 1957م.
أعطني حبا ً.
أمام الباب المغلق.
الليل والفرسان، دار الآداب، بيروت، 1969م.
على قمة الدنيا وحيدا ً.
تموز والشئ الآخر.
اللحن الأخير، دار الشروق، عمان، 2000م.
ومن آثارها النثرية أيضا :

أخي إبراهيم، المكتبة العصرية، يافا، 1946م
رحلة صعبة- رحلة جبلية (سيرة ذاتية) دار الشروق، 1985م.
الرحلة الأصعب (سيرة ذاتية) دار الشروق، عمان، (1993) ترجم إلى الفرنسية.








أوسمتها وجوائزها








كرست فدوى طوقان حياتها للشعر والأدب حيث أصدرت العديد من الدواوين والمؤلفات وشغلت عدة مناصب جامعية بل وكانت محور الكثير من الدراسات الأدبية العربية إضافة إلى ذلك فقد حصلت فدوى طوقان على العديد من الأوسمة والجوائز منها:
  1. جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط باليرمو إيطاليا 1978م.
  2. جائزة سلطان العويس، الإمارات العربية المتحدة، 1989م.
  3. وسام القدس، منظمة التحرير الفلسطينية، 1990.
  4. جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، ساليرنو- إيطاليا.
  5. جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة - إيطاليا 1992.
  6. وسام الاستحقاق الثقافي، تونس، 1996م.
  7. وسام أفضل شاعرة للعالم العربي






مجالات ومواضيع كتاباتها:

أ – حزنها على فقدها لأخيها إبراهيم طوقان : فقد كان إبراهيم معلمها الأول الذي أخرجها بتدريسه إياها مما كانت تعانيه من انعدام تقدير المجتمع لإبداعاتها ومواهبها، ويظهر أثر موت أخوها إبراهيم جليا عندما نرها تهدي أغلب دواوينها إلى " روح أخي إبراهيم " ويظهر أيضا من خلال كتابها " أخي إبراهيم " والذي صدر سنة 1946 إضافة إلى القصائد العديدة التي رثته فيها خاصة في ديوانها الأول " وحدي مع الأيام ".
ب – قضية فلسطين : فقد تأثرت فدوى طوقان باحتلال فلسطين بعد نكبة 1948 وزاد تأثرها بعد احتلال مدينتها نابلس خلال حرب 1967 فذاقت طعم الاحتلال وطعم الظلم والقهر وانعدام الحرية. يقول عنها عبد الحكيم الوائلي : " كانت قضية فلسطين تصبغ شعرها بلون أحمر قان ففلسطين كانت دائما وجدانا داميا في أعماق شاعرتنا فيأتي لذلك شعرها الوطني صادقا متماسكا أصيلا لا مكان فيه للتعسف والافتعال "
ج – تجربتها الأنثوية : لقد مثلت فدوى طوقان في قصائدها الفتاة التي تعيش في مجتمع تحكمه التقاليد والعادات الظالمة، فقد منعت من إكمال تعليمها ومن إبراز مواهبها الأدبية ومن المشاركة في الحياة العامة للشعراء والمثقفين ومنعت من الزواج، كل ذلك ترك أثره الواضح في شعر فدوى طوقان بلا شك وجعلها تدعوا في كثير من قصائدها إلى تحرر المرأة وإعطائها حقوقها واحترام مواهبها وإبداعاتها، مما جعلها محط احترام وتقدير غيرها من الأديبات اللاتي شاركنها نفس الفكر، فتقول عنها وداد السكاكيني: " لقد حملت فدوى طوقان رسالة الشعر النسوي في جيلنا المعاصر يمكنها من ذلك تضلعها في الفصحى وتمرسها بالبيان وهي لا تردد شعرا مصنوعا تفوح منه رائحة الترجمة والاقتباس وإن لها لأمداً بعيداً هي منطلقة نحوه وقد انشق أمامها الطريق "






دراسات ومقالات عنها:


خصائص شعر فدوى طوقان:


استخدمت فدوى طوقان الرمز في شعرها بصورة كبيرة ومن ذلك ما تقوله في قصيدتها (إلى السيد المسيح وعيده) :


قتل الكرامون الوارث يا سيد
واغتصبوا الكرم
وخطاة العالم ريّش فيهم طير الإثم
فأين صاحب الكرم

والمقصود هنا استحضار الدلالة الرمزية والتي جاءت في إنجيل مرقس حيث إن صاحب الكرم " يأتي ويهلك الكرامين ". كما وظفت فدوى طوقان التضمين بطريقة غير مألوفة حيث إنها لجأت في أحد المرات على سبيل المثال إلى استخدام اللغات العديده في قصيدة لها من بحر المتدارك فتقول:

وبنو عبس طعنوا ظهري
في ليلة غدر ظلماء
Open the door
Ouvre la Porte
افتاح آت هاديلييت
افتح باب
وبكل لغات الأرض على بابي يتلاطم صوت الجند

فهي هنا استخدمت أربع لغات: الإنجليزية، العربية، العبرية والفرنسية لتعبر عن تعدد ثقافات وأصول الجنود الإسرائيليين المختلفة. اعتمدت فدوى طوقان على الشعر الحر في نظم قصائدها وإن كانت كتبت في الشعرالعمودي كقصيدتها في رثاء جمال عبد الناصر على بحرالوافر (مرثية فارس).

" الرحلة الأصعب" لفدوى طوقان سيرة الأدب والمقاومة والصمود

بقلم:الدكتور جميل حمداوي

تمهيـــــد:
تعتبر سيرة فدوى طوقان" الرحلة الأصعب" خير نص أدبي وثائقي يعكس ماعرفته الأمة العربية بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة من نكسات متكررة ونكبات تراجيدية في ظل الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني. كما يعتبر هذا النص أيضا أقرب وثيقة إلى الصدق الموضوعي في تحديد ملابسات بعض الكتابات النثرية والقصائد الشعرية التي كتبنها فدوى طوقان؛ لأنه يبرز لنا السياقات والحيثيات المرجعية والتاريخية التي كانت وراء إبداعها وسجالها السياسي والأدبي والفكري . علاوة على كون هذه السيرة النصية تسعفنا كثيرا في فهم دواوين فدوى طوقان وتفسيرها على ضوء بواعثها ومقصدياتها التداولية. إذاً، ماهي خصائص فن السيرة كما يجسدها النص الذي بين أيدينا " الرحلة الأصعب" بناء ودلالة ووظيفة؟ وما هي أبعاد هذه السيرة المرجعية وقيمتها الأدبية والفنية؟

1- المستـــــــــــــوى المناصــــي:
ولدت فدوى طوقان الكاتبة الفلسطينية المشهورة في مدينة نابلس سنة 1917م. وهي من أسرة مثقفة وغنية لها حظوة كبيرة في المجتمع الفلسطيني ومكانة محترمة لدى القيادات السياسية والعسكرية في الحكومة المحتلة. أشرف أخوها الشاعر المقاوم إبراهيم طوقان على تعليمها وتثقيفها وتوجيهها لتستكمل بعد وفاته دراساتها لمدة سنتين في أكسفورد ببريطانيا. وقد امتزج في مذكراتها كثير من صور التشريد والطرد والنفي والرعب والمجازر التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني. وعايشت الشاعرة مجموعة من النكسات والنكبات والحروب والهزائم كنكبة 1948م، ونكسة 1967م وحرب أكتوبر 1973م ومعاهدة الصلح لسنة 1978م وانتفاضة الشعب الفلسطيني وثورة أطفال الحجارة وانبثاق حركة فتح لتحرير فلسطين. وقد جمعت فدوى طوقان في شعرها بين المنزع الرومانسي والتحدي الثوري الملتزم بالقضية و الدفاع عن الإنسان الفلسطيني على غرار الشواعر الفلسطينيات الأخريات كسلمى خضراء الجيوسي ودعد الكيالي وسميرة أبو غزالة وأسمى طوبى. وتوفيت المبدعة الشاعرة سنة 2003م بعد تكريمها في كثير من الملتقيات الأدبية والشعرية داخل الوطن المحتل وخارجه. وصدرت لفدوى طوقان دواوين عدة منها:" وحدي مع الأيام" سنة 1952م، وديوان " وجدتها " سنة 1959م، وديوان" اعطنا حبا" سنة 1961 م، وديوان "الليل والفرسان" سنة 1969م ، و ديوان "على قمة الدنيا وحيدا "، وديوان " تموز والشيء الآخر"، وديوان" اللحن الأخير" الذي صدر سنة 2000 م. وكتبت سيرتين ذاتيتين وهما: ( رحلة صعبة- رحلة جبلية)، و( الرحلة الأصعب) سنة 1993م.

وعليه، فقد صدرت سيرة فدوى طوقان (الرحلة الأصعب) في طبعتها الأولى سنة 1993م عن دار الشروق للنشر والتوزيع بعمان الأردنية، ويندرج هذا العمل ضمن السيرة الذاتية التي تجمع بين التوثيق التاريخي والكتابة الأدبية ذات الطابعين: الإبداعي والنقدي.

وتحيل صورة الغلاف الخارجي على المرأة الفلسطينية التي تحب السلم والأمان والتعايش مع الآخر، وفي نفس الوقت هي قادرة على النضال والمقاومة والاستشهاد في سبيل الوطن بالنفس والنفيس. وتحضر الأم في الصورة الأيقونية رمزا للوطن والهوية القومية الفلسطينية. أما صورة الغلاف الخارجي الخلفي فتشير إلى صورة فدوى طوقان المبدعة الشابة سنة 1967م بصورتها الهادئة المعبرة عن البركان الذاتي الداخلي الذي يمكن أن ينفجر في أي وقت تحتك فيه المبدعة بالعدو الصهيوني الحاقد. وتدل كلمات الغلاف الخلفي على رفض الشاعرة فكرة الهروب والفرار خارج الأرض المحتلة وإصرارها على التحدي والصمود والنضال والتمسك بأهداب الأرض وجذورها إلى آخر نفس من أنفاس صيرورة حياتها.

2- المستــــوى الدلالــــــــــي:
ترصد فدوى طوقان في سيرتها" الرحلة الأصعب" معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي والغطرسة الصهيونية منذ نكبة 1948 م مرورا بمجموعة من المآسي والنكسات ومن أسوئها هزيمة حزيران 1967م التي أثرت سلبا على الأمة العربية بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة.

وتبدأ السيرة بتصوير ذلك اليوم المشؤوم الذي ستعلن فيه حرب ستة أيام التي حققت فيها إسرائيل انتصارا كبيرا على مصر بقيادة جمال عبد الناصر، إذ استولى جيش العدو على منطقة سيناء، وضم كثيرا من الأراضي الفلسطينية، وانتزع الجولان من سوريا، وتوسع في كثير من أراضي البلدان المجاورة. وكانت لهذه الحرب آثار وخيمة على نفسية فدوى طوقان وأسرتها الصغيرة والكبيرة . وأشارت الكاتبة في مظان سيرتها الروائية إلى ما كانت تستوجبه هذه الحرب الحزيرانية من إعداد مسبق وتموين مدعم وما تفرضه من قسوة المعايشة والبقاء والاضطرار إلى الهجرة والهروب والارتحال أوالصمود والمقاومة ضد العدو المتغطرس.

وتستحضر الكاتبة في بداية سيرتها صديقها الغريب الذي أخبرها بالاستعداد للحرب عن طريق التموين والهروب، ولكن فدوى اختارت الصمود والبقاء في أرضها وخاصة في مدينتها العتيدة نابلس مع رجالها ونسائها وأطفالها. وفي هذه الفترة كتبت قصيدتها " إلى الصديق الغريب" وتمنت لو كتبتها تحت عنوان" لو". وفي تلك الفترة تضاربت الأنباء حول نتائج الحرب، ومن الظافر فيها؟! وأذيعت أخبار عسكرية عربية مبالغ فيها لتنكشف الهزيمة في اليوم الأخير، وتظهر خيانة المشير عبد الحكيم عامر الصديق المقرب إلى جمال عبد الناصر ورئيس القوات الحربية المصرية.

وبعد ذلك ، شد الصهاينة الخناق على جميع المدن الفلسطينية وحوصرت الجبهات والحدود والممرات، وكان من الصعب الانتقال داخل الأرض المحتلة من مدينة إلى أخرى بدون مراقبة ومحاسبة وإذلال وتفتيش مخافة من رد الفعل العربي والفلسطيني. وعقب الهزيمة، ساد فلسطين السليبة حزن داخلي عميق وتآكل ذاتي وحالة هستيرية جنائزية وتمزق مأساوي فظيع، ترتب عن ذلك مباشرة احتلال الضفة الغربية والمدن الأخرى قصد تهجير اليهود للاستيطان فيها مع طرد سكانها الأصليين خارج الأرض المحتلة نحو الملاجئ ونفيهم خارج الحدود.

وقد نشرت إسرائيل الهلع بين السكان وعاثت في الأرض فسادا وأثارت الرعب وارتكبت المجازر وقنبلت المنازل وجوبهت المقاومة بعنف وقتل وإرهاب شديد للقضاء على كل شرارات الانتفاضة ورموزالصمود في كل أراضي فلسطين المحتلة. وعلى الرغم من هذا الحصار السياسي والعسكري الإسرائيلي، استطاعت فدوى طوقان أن تقيم نوعا من التواصل وترسي حبال المودة والصداقة مع مجموعة من الكتاب الفلسطينيين قصد إثراء حركة الشعر والأدب كما هو الحال مع القاص توفيق فياض والشاعرين محمود درويش وسميح القاسم. وقد أعجبت الشاعرة برموز المقاومة والهوية الفلسطينية وروح التضحية والاستبسال كما عند سالم جبران وتوفيق زياد. ومن ثم، أصبحت حرب حزيران شعلة لتوهج الشعر الفلسطيني وانطلاق شرارة أدب الكفاح والمقاومة الذي كان يدعو القارئ إلى التشبث بالأرض وعدم التفريط فها ولو في شبر واحد مع اختيار سبيل المقاومة والنضال قصد تحرير فلسطين من قبضة العدو الصهيوني المستبد. وبدأت الصحف التقدمية في الانتشار والذيوع ولاسيما في الضفة الغربية والقطاع. وعادت جريدة "الاتحاد" ومجلتي "الجديد" و"الغد" إلى الصدور على الرغم من الحظر المضروب على هذه المطبوعات الصحفية . و تعرفت فدوى طوقان عبر صفحاتها مجموعة من الأدباء والمفكرين الفلسطينيين الذين يكتبون في مختلف الأجناس الأدبية كإميل حبيبي والدكتور إميل توما والأستاذ صليبا خميس والأستاذ علي عاشور وسواهم كثير…

وفي هذه الفترة بالذات، نشرت فدوى طوقان خمس قصائد ثورية في جريدة "الاتحاد" وهي: مدينتي الحزينة، والطاعون، وإلى صديق غريب، والطوفان والشجرة، وحي أبدا، و حررت هذه القصائد في هذه الجريدة بتاريخ22 أيلول 1967م. وتعرضت الشاعرة بعد ذلك أثناء تنقلاتها داخل الأرض المحتلة لكثير من المضايقات والمراقبة الشديدة والمحاسبة الصارمة، وأحست من جراء تلك المعاملة اللاإنسانية القاسية بالاغتراب الذاتي والمكاني والشجا الدامي. وفي هذا الموقف العصيب أبدعت قريحتها قصيدة" لن أبكي" للتعبير عن صبرها وصمودها وتمسكها بجذور وطنها و عزمها على مقاومة العدو المحتل. كما نظمت الشاعرة قصيدتها"الفدائي والأرض" على إثر استشهاد البطل الفلسطيني مازن أبو غزالة في معركة طوباس، تلك المعركة التي قامت بين رجال المقاومة والجيش الإسرائيلي بعد مرور شهور قليلة على الاحتلال الصهيوني للوطن. وقد توطدت علاقة الشاعرة بشعراء الرفض وتكررت زياراتها لشعراء الهوية القومية كسميح القاسم ومحمود درويش على الرغم من المراقبة الشديدة والتسجيل يوميا لدى مركز البوليس.

ولقد كان هذا التواصل بداية " التفاعل الحيوي المثمر الذي ظل محافظا على استمراريته من جراء التحام كتاب الضفة والقطاع بالكتاب والشعراء الفلسطينيين المقيمين في الجزء المحتل من فلسطين منذ العام 1948، بالرغم من حرص السلطات العسكرية على إقامة حواجز المنع وعرقلة نشوء أي تفاعل أدبي أو تلاحم فكري بين أبناء الشعب الواحد الذي شطرته المأساة سنة 1948. فكم من مرة، حين أدعى- تقول فدوى طوقان- إلى المشاركة في مناسبة أدبية وطنية في الناصرة أو القدس مثلا، كانت ولا تزال- توجه إلي الأوامر العسكرية بعدم مغادرة نابلس في ذلك اليوم بالذات".( ص:23 من الكتاب)

وقد ساهم الاحتلال مدة سنتين بعد الهزيمة في خلق فراغ ثقافي في الساحة الأدبية والنقدية في الضفة والقطاع بسبب الإرهاب الصهيوني العسكري وغياب الصحافة الوطنية والمجلات الصادرة عن البلاد العربية، ناهيك عن غياب المؤسسات الوطنية والكوادر الثقافية. وفي هذه الفترة ستنشر الشاعرة سيرتها الأولى" رحلة صعبة- رحلة جبلية " في شكل حلقات متسلسلة في مجلة "الجديد" ما بين العامين1977و 1978 م حين كان يرأس تحريرها الشاعرالقديروالمتميز سميح القاسم. و كانت فدوى قد نشرتها سابقا في باب صفحات من مفكرة في مجلة "الجديد" الذي أصبح رئيس تحريرها الجديد الشاعر الكبير محمود درويش.

هذا، وقد عانى المثقفون الفلسطينيون من الحصار الثقافي منذ عام 1948م إذ كانت السلطات العسكرية تمارس مصادرة الكتب من المكتبات الخاصة والعامة مهما كانت طبيعة هذه الكتب. ومن هنا، صار الكتاب بمثابة عملة نادرة يصعب الحصول عليه أو استعارته أو رده إلى صاحبه. و توصلت فدوى طوقان إلى الحصول على مجلتي "الآداب" التي كان سهيل إدريس رئيس تحريرها، ومجلة " مواقف" التي كان يشرف عليها الشاعر أدونيس، بمشقة الأنفس وبمساعدة واحد من جماعة الكويكرز الأمريكيين أثناء زيارته للشاعرة في نابلس حيث وعدها بأن يزودها بما تحتاجها من الكتب والمجلات والصحف بعد أن اشتكت إليه بما يمارسه المحتل من ضغوطات ومضايقات على المثقفين الفلسطينيين وحرمانهم من الاطلاع على إنتاجات الآخرين وإبداعات المفكرين العرب.

وقامت الشاعرة بزيارات إلى مصر حيث التقت برئيسها جمال عبد الناصر في القاهرة وصورت له معاناة الفلسطينيين ومايكابده المثقفون والمبدعون من ويلات الظلم والقهر من جراء الاحتلال الغاشم. وأثناء عودتها إلى وطنها، دافعت كثيرا عن محمود درويش الذي اتهم بمهادنته لإسرائيل وخيانته لمبادئ وطنه كما جسدت ذلك رسالتها التي كتبتها إلى غسان كنفاني الذي نشر ذلك الهراء في جريدته "الأنوار" في بيروت دون أن يطلع على فحواها الإخباري.

وقد صورت فدوى في سيرتها الأطبيوغرافية الذاتية الأيام الكالحة بعد الهزيمة التي انتهت بتهويد القدس وضمها إلى الكيان الصهيوني ومعاقبة الوطنيين وتتبع المقاومين الشرفاء والضغط على المثقفين وطرد العناصر الوطنية وإلقائهم وراء النهر إلى الضفة الشرقية ومصادرة الأراضي والإكثار من المعتقلات والتحقيق والتعذيب الرهيب والزج بالمناضلين والأبرياء في الزنازين المخيفة ونسف البيوت وهدمها على أصحابها. وكانت فدوى تتدخل مرارا وتكرارا لدى القيادة الإسرائيلية لإيقاف النسف أو الهدم أو إطلاق الأسرى والمعتقلين والمعتقلات الموجودين في سجون الاحتلال نظرا لمكانة الشاعرة لدى السلطات العليا و موقعها الثقافي في المجتمع الفلسطيني وتأثيرها الكبير على إثارة مشاعر الانتفاض والمقاومة.

وشاركت الشاعرة في لقات شعرية سرية وعلنية في كثير من المدن الفلسطينية كالقدس ورام الله والبيرة وبيت لحم وغزة وبيت جالا؛ مما أهلها للاندماج بكل سرعة في المجتمع والاحتكاك بالجماهير الشعبية. كما كانت للشاعرة لقاءات مع موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في عهد گولدا مايير حول أوضاع فلسطين ونابلس وحاجيات المثقفين وسبب كراهيتهم للإسرائيليين وكيفية البحث عن أحسن السبل للسلام الدائم بين الشعبين. كما التقت الشاعرة أثناء نزولها في القاهرة بأنوار السادات وقد صورت له معاناة الشعب الفلسطيني وما يعانيه في ظل الاحتلال مع التطرق إلى حلول التفاوض وإقامة السلام العادل.

وأصبحت فدوى سفيرة مفوضة بدون حقيبة بين الرؤساء والقيادات العليا وممثلي الشعب ومنتخبي السكان من أجل إيجاد صيغ التفاهم والتعايش والتوسط لإيجاد الحلول لكل المشاكل الفردية والجماعية ، و البحث عن المخرج الحقيقي لتحقيق الحياة الكريمة والاستقلال المشرف للشعب الفلسطيني. وكم كانت فدوى حزينة لما سمعت بموت الكاتبة الفلسطينية المرموقة سميرة عزام أثناء انتقالها من عمان عبر دمشق مسرعة إلى مدينتها عكا لمعانقة الوطن السليب بعد غربة طويلة مشحونة بالشوق والحنين! وقد أثارت قصيدة فدوى " آهات أمام شباك التصاريح" ضجة كبيرة في إسرائيل وتناقلتها وسائل الإعلام والصحافة ؛ لأن تلك القصيدة الثائرة تدعو إلى كراهية إسرائيل ومقاومتها بشراسة وحشية. بيد أن هذه القصيدة كتبتها فدوى أثناء الحصار المفروض على ممرات والحدود الفاصلة بين المدن الفلسطينية، والتي تظهر الإنسان الفلسطيني كأنه أجنبي مغترب في أرضه مجسدة إياه في صورة مذلولة مشوهة يسود فيها الانتظار الطويل لما يأتي ولا يأتي، والعذاب المحترق الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني وهو مصطف مع إخوانه من أبناء فلسطين في طوابير تنتظر الإفراج والإذن بالمغادرة لرؤية أحبابهم وأسرهم وأهاليهم. ولم تكن الشاعرة بمعزل عن هذا العذاب السيزيفي القاهر، وهذا ما دفعها لتكتب هذه القصيدة الشعرية التي تحرض فيها على الرفض والمقاومة والنضال ومقاتلة الأعداء الصهاينة . وعقدت الحكومة الإسرائيلية والصحافة الصهيونية لقاءات مع فدوى لمعرفة أسباب هذه الكراهية و مبررات الحقد العربي للإنسان الإسرائيلي، وقدمت فدوى كل الإجابات المنطقية المقنعة التي دفعتها للكتابة، وحملت الصهاينة المسؤولية في توليد هذا الحقد الدفين وإشعاله من فينة إلى أخرى. وربما يعود هذا الحقد الإسرائيلي الدفين إلى عهود مضت خاصة أن كثيرا من الشعراء الصهاينة كانوا يدعون شعوبهم إلى مقاتلة أعدائهم وأكل لحومهم كما فعل الشاعر اليهودي الحاقد مناحيم بيالك في قصيدته" أناشيد باركوخبا" الذي يدعو فيها اليهود إلى أن يكونوا حيوانات مفترسة للانقضاض على أعدائهم الأشرار.

و كانت لفدوى أيضا لقاءات واتصالات عن طريق المكاتبة والمراسلة مع مجموعة من اليهود الحاقدين أو المعتدلين لشرح وجهة نظرها وموقفها الرافض لكل احتلال لأرضها ورغبتها في التعايش الحميمي مع اليهود كما كان ذلك في السابق. وعايشت فدوى عن كثب كثيرا من المشاهد الدامية والجرائم المروعة في الجبل كنسف بيوت المناضلين ونفي المجاهدين وقتل الوطنيين ومداهمة المنازل لتفتيشها، ولم ينج حتى بيت فدوى طوقان من هذه المداهمة للتأكد من وجود الأسلحة داخل بيتها. وعلى الرغم من انتصار أكتوبر 1973 م الذي أعاد نوعا من التوازن العسكري في المنطقة العربية، كما أعاد الاعتبار للإنسان العربي، وأعاد نوعا من التفاؤل للأمة العربية، فمازالت إسرائيل تنشر الرعب وتعمل على الفتك بالأرواح ونفوس الضحايا وسفك دماء الفلسطينيين الأبرياء. وعاشت فدوى قبل حرب رمضان فترات مريرة يشوبها الحزن اليائس والبكاء الصاخب بعد وفاة جمال عبد الناصر واغتيال وائل عادل زعيتر ممثل حركة التحرير الفلسطينية في روما، تلك الحركة التي قررت خوض النضال العسكري ضد العدو المحتل بقيادة ياسر عرفات، وكانت لها مناوشات كثيرة مع العدو على مشارف الحدود وقد أقضت مضجع القادة الصهاينة بضرباتها المفاجئة ومباغتاتها المتكررة. وكانت الحركة ترفض أي تصالح مع العدو وأي تفاوض حول السلام على الرغم من محاولات فدوى لإخبار عرفات برسالة موشي ديان ونواياه في إقامة السلم وتوفير الأمن والاستقرار. وقد كتبت فدوى قصيدة لرثاء وائل زعيتر وتبيان صموده وتكذيب ادعاءات الصهاينة الذين اغتالوه ظلما وافتراء للتخلص منه ومن منظمة التحرير الفلسطينية. وقد اكتسبت القضية الفلسطينية بعد اغتيال وائل زعيتر من قبل مخابرات إسرائيل كثيرا من المؤيدين والمتعاونين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني المناضل، ومن هؤلاء المتعاطفين مثقفو إيطاليا وخاصة الروائي الكبير ألبرتو مورافيا . كما ساهمت زيارة الفيلسوف الأمريكي الكبير هربرت ماركوز لفدوى طوقان في تعزيز القضية الفلسطينية وتأكيد مشروعية هذه القضية ودعم الفلسطينيين في المطالبة بحقهم العادل والصائب. وانتهت الزيارة بمراسلات ثنائية بين الشاعرة وماركوز، وبين الشاعرة وزوجته حول حيثيات الصراع الفلسطيني /الإسرائيلي. وتستحضر فدوى طوقان في سيرتها كذلك مساهمة المرأة الفلسطينية في حركة المقاومة والنضال والكفاح من أحل الحرية منذ انطلاق هذه الحركة بعد سنة 1967م مع استشهاد الشاعرة شادية أبو غزالة وصمود رندة النابلسي التي دفعت الشاعرة إلى نظم قصيدة شعرية في حقها.

وقد حصلت فدوى طوقان على جائزة "الزيتونة الفضية " التي كانت تمنحها اللجنة الثقافية الإيطالية لعدد من الشعراء والكتاب من إيطاليا ومن بلدان البحر الأبيض المتوسط. ومن المثقفين العرب الذين حصلوا على هذه الحائزة توفيق الحكيم ونزار قباني وعيسى الناعوري وفدوى طوقان على أساس ( شاعرة لها قضية). وبعد ما أن تدوول مفهوم الأرض في كتابات المبدعين والمثقفين الفلسطينيين، تدخل كلمة الانتفاضة إلى القاموس الثقافي الفلسطيني لتشير إلى المقاومة والثورة الشعبية، بعد أن تغطرست إسرائيل كثيرا وعاثت في البلد فسادا ونشرت الرعب والهلع بطائراتها ودباباتها المصفحة واستخدام قوتها المتجبرة الظالمة. ولكن الحكومة المعتدية لم تنجح في إسكات الانتفاضة التي دامت سنوات عدة والتي أعطت كثيرا من الشهداء والأبرياء، وهذا مادفع فدوى طوقان لتنظم كثيرا من القصائد في رثاء الشهداء وتحريض الشعب الفلسطيني على المقاومة والنضال المستميت حتى الحصول على الحرية وطرد المستعمر الغاشم.

هذا، وينتهي مؤتمر مدريد بخيبة الأمل وتمادي العدو في الاحتلال، ويقدم المفكر اليهودي الإنساني ديفيد كروسمان في كتابه "الهواء الأصفر" الحل الإنساني اعتمادا على آراء فيلسوف الوجودية المبدع ألبير كامو.

وفي الأخير، كانت لفدوى مجموعة من اللقاءات مع أسماء ذائعة الصيت في مجال الفكر والثقافة والنضال السياسي كالشاعر الكبير محمود درويش الذي أقام مهرجانات شعرية كثيرة في الدول العربية للتعريف بمعاناة الإنسان الفلسطيني والتعريف بالقضية الفلسطينية والدعوة إلى مقاومة العدو الغاشم كما في قصيدته المشهورة "عابرون في كلام عابر"،والكاتبة الفلسطينية المناضلة باسمة حلاوة التي اهتمت كثيرا بالقضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية ، وقضت حياتها في القاهرة تناضل وتكافح فخرجت بعمل فكري وأدبي وجدت صعوبة كبرى في طبعه ونشره إلى أن توفيت وأعيدت إلى بلدها لتدفن في مدينتها نابلس . و كان للشاعرة لقاء آخر مع داليا ربيكوفيتش التي كتبت كثيرا عن مسار حياة فدوى طوقان في مجال الأدب والنضال السياسي مشيدة بعلاقتها معها باعتبارها شاعرة فلسطينية محبوبة في العالم العربي تسكن مدينة نابلس وهي من أسرة مثقفة محترمة غادرت مدينتها للدراسة بأكسفورد لمدة سنتين لتعود إلى وطنها لمتابعة الكفاح ضد الاحتلال عبر كتابة الشعر والتحريض السياسي.

ويتبين لنا من خلال هذه المفكرة أن فدوى كانت تؤرخ للمقاومة الفلسطينية وحركية النضال والمواجهة منذ 1948م إلى غاية 1978م مشيرة إلى عواقب النكبات والنكسات والحروب العربية الإسرائيلية وخاصة حرب حزيران 1967م وحرب أكتوبر 1973م وما تبعهما من انتفضات جماهيرية ومظاهرات شعبية ومقاومات وطنية وعسكرية وخاصة مقاومة منظمة التحرير الفلسطينية و تضحيات شهداء فلسطين ومثقفيها المناضلين الأشاوس الغيورين على البلاد.

وتعتبر سيرة فدوى طوقان خير وثيقة مرجعية نعود إليها لمعرفة تاريخ نضال المرأة الفلسطينية وانطلاق الحركة الثقافية والإبداعية في الساحة الفلسطينية ولاسيما بعد هزيمة 1967م، وطبيعة هذه الحركة وإسهاماتها الفكرية وذكر أنشطتها ومساهماتها في إثراء الساحة الثقافية والنقدية. كما أن هذه السيرة تؤرخ لرجال الفكر وتوثق قصائد فدوى طوقان وسياقاتها وخلفياتها الظرفية لفهمها جيدا في أبعادها المناصية و التاريخية والإحالية. ومن هنا، يمكن القول: إن سيرة فدوى طوقان سيرة الأدب والشعر والمقاومة والصمود والكفاح في وجه العدو المحتل للأراضي الفلسطينية.

3- الخطـــاب الســردي:
تندرج " الرحلة الأصعب" لفدوى طوقان ضمن جنس السيرة الذاتية الذهنية؛ لأنها ترصد حياتها الإبداعية و الثقافية والفكرية ومسارها الحيوي في المقاومة والكفاح والنضال المستميت من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل. وتعتمد فدوى طوقان على الذاكرة لاسترجاع الأحداث مع العلم أن زمن الكتابة والطبع و النشر هو 1993م وهو يشكل حاضر الكاتبة وواقعها الراهن. ومن ثم تعود الكاتبة بذاكرتها إلى الماضي لاستقراء سنوات الهزيمة ومأساة حزيران 1967م وآثارها على الإنسان العربي بصفة عامة والإنسان الفلسطيني بصفة خاصة. ومن هنا، فالزمن هابط في استقراء الذاكرة واستنطاقها القصصي والسردي، وإن كان الزمن داخل المتن تعاقبيا كرونولوجيا يخضع للترتيب والتداخل ويبدأ من فترة 1967م إلى سنة 1978م مع الرجوع إلى فترة 1948 لاستحضارها كنقطة لبداية المأساة والاقتتال الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول الأرض والقدس الموعودة.

ويتميز الإيقاع السردي بالسرعة في إيراد الأحداث والقفز على مجموعة من الحوليات والسنوات داخل عقد الستين والسبعين نظرا لعدم أهميتها لدى الكاتبة أو ربما لفراغها ثقافيا وأدبيا وخمودها نضاليا بسبب الرعب الصهيوني وعمله على إسكات المناضلين والمثقفين الغيورين على بلدهم الحبيب.

ويستند المنظور السردي إلى المنظور الداخلي الذاتي والرؤية "مع" في نقل الأحداث وروايتها، وبذلك تتداخل الساردة مع الكاتبة فدوى طوقان في المعرفة المتساوية وتذويت المسرود. ويمتزج في السيرة الجانبان : التاريخي والأدبي، أو الجانب السياسي والجانب الإبداعي. وتحصر وظائف الساردة في التوثيق والتأريخ والتصوير والتعبير والتنبيه وتبليغ أطروحة المقاومة والنضال ضد الأجنبي الصهيوني المحتل. ويحضر ضمير المتكلم باعتباره ضميرا بؤريا أساسيا يتحكم في الضمائر الأخرى التفاتا وإرصادا وإضاءة وتوجيها.

وتتسم كتابة فدوى طوقان بالمزج بين السرد والحوار واستخدام الأسلوب التقريري المباشر في نقل الأحداث التاريخية والصحفية وتوثيقها وتشغيل الأسلوب الأدبي البياني الشاعري أثناء عرض النصوص الشعرية. كما يحضر الأسلوب الوصفي الموضوعي العلمي أثناء ذكر مناسبات القصائد وسياقاتها الحدثية والمرجعية وممارسة النقد تحليلا وتقويما وتوجيها. أي إن الكاتبة تجمع بين الوظيفة المرجعية أثناء التوثيق التاريخي والوظيفة الشعرية أثناء استعراض النصوص الشعرية وتذوقها ، والوظيفة الوصفية أثناء قراءة النصوص الإبداعية ونقد كتابات المبدعين وتقويمها دلالة وصياغة ووظيفة.

وقد ضمنت الكاتبة في سيرتها مجموعة من الأجناس الفرعية والخطابات التناصية كالقصة والرسالة والحوار الصحفي والشعر والكتابة النثرية والكتابة النقدية والتقرير الصحفي والأطبيوغرافيا… ويعني هذا أن سيرة فدوى طوقان عبارة عن نص مفتوح على الخطابات الفوقية والواقع المرجعي. وتتخلل هذا الكتاب نوعان من السيرة: السيرة الذاتية الإخبارية العادية التي تقوم على اليوميات والمذكرات واللوحات الحياتية المستقلة والسيرة الذهنية الثقافية التي تشير إلى المرجع الأدبي والثقافي للشاعرة.

وتعتمد الكاتبة في وصفها الأطبيوغرافي على تصوير لوحات سوداء ومشاهد مثيرة ولاسيما لقطات النسف لمنازل الشهداء هدما وتخريبا ولوحات الحصار والمضايقات إبان لحظات تفتيش البيوت بحثا عن الرصاص علاوة على لقطات وصفية لبعض الشخصيات كلوحة فدوى طوقان مثلا.

وقد وصفت الأماكن بطريقة موجزة وموحية مبنية على التكثيف والتلخيص دون استعمال الإطناب والتوسيع والاستطراد الذي نراه عند طه حسين مثلا في سيرتيه "الأيام" و"أديب". وهذه الفضاءات التي رصدتها الكاتبة هي فضاءات مرتبطة كلها بالوطن والأرض في تقابلها مع فضاء الاحتلال مصورة بذلك ثنائية الاسترقاق والرغبة في الحرية، وثنائية الألم والأمل دون أن ننسى رصد الكاتبة لفضاءات مصر بالتصوير عبر مجموعة من النعوت والأحوال والأوصاف الموجزة والدقيقة في التعبير والإيحاء.

استنتاج تركيبي:
نستنتج مما سبق ذكره أن نص فدوى طوقان " الرحلة الأصعب" هي سيرة ذاتية ذهنية يختلط فيها التاريخ بالأدب، والتوثيق المرجعي بالمعطى الأدبي والنقدي. كما أن هذه السيرة هي سيرة المقاومة والصمود والنضال والتوثيق للكتابة الأدبية بفلسطين المحتلة بعد نكسة حزيران 1967م. وتسعفنا هذه السيرة الأوطوبيوغرافية الثرية المنفتحة تناصيا وأجناسيا وإحاليا على تبين سياقات مجموعة من قصائد الشاعرة فدوى طوقان وتفسير كتاباتها الإبداعية والنقدية ، والتعرف كذلك على حيثيات النضال والمقاومة و جدلية الصراع العربي الإسرائيلي، والاطلاع على الوضعية المزرية المأساوية التي كان يتخبط فيها المثقفون الفلسطينيون ويعيشها أدباء الأرض المحتلة.


قصائد سياسية – قصائد غنائية لفدوى طوقان [1]
بقلم :الدكتور فاروق مواسي


(عندما كنت تغنين رأيت الشرفات
تهجر الجدران والساحة ترتد إلى حضن الجبل
لم نكن نسمع موسيقا ولا نبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون يطل)

محمود درويش

أنت ارتويت فعاطينا سلافته

يا ربة الهبتين الحب والألم

سلمى الجيوسي

.................

كتابة الدراسة عن شاعر مرموق تتطلب مراجعة ما كُتب عنه ، حتى يكون الناقد على بـّينة ونور، وكم بالحري عن شاعرة القضية وأخت شاعرها. لذا ليس بدعًا أن نرى تباين وجهات النظر عن شعرها ما دامت الكتابة وفيرة عنه.[2]
أمامي الآن ديوانها السابع (قصائد سياسية) [3] ولو استعرضنا أسماء الدواوين السابقة لوجدنا العبارة الموحية - الأمر الذي لا نجده في اسم هذا الديوان ، فكأن العنوان ليس فيه البوح والإيقاع والغناء ، وإنما هو بيان سياسي مباشر.
إن شاعرتنا في الدواوين الأولى حلقت في أجواء الطبيعة ، وهامت في الحب ، ووصلت دائرة التجديف ، حتى حطت على أرض الوطن ، فإذا بها تسرد لنا لوحات شعرية قصصية - بدأت جذورها بقصيدة " نداء الأرض" [4] ، وأخذت تتطور إلى شبه حكاية:

نأخذ أغنياتنا
من قبلك المعذب المصهور
وتحت غمرة القتام والديجور
نعجنها بالنور والبخور
والحب والنذور
ننفخ فيها قوة الإنسان والصخور
ثم نردها لقلبك النقي
نردها لقلبك الماسي
يا شعبنا المكافح الصبور

(مقدمة الديوان)

فهذه اللوحة قصصية غنائية خطابية، وإذا نظرنا إلى طابع القصائد عامة فإننا نجد الشاعرة تتوقف قليلاً على صورة معينة تكررها ، أو ترسمها ثانية، تسترسل وتتواصل، ولوحتها لها مقدمة ، وفيها حواريات( مونولوجات وديالوجات) ، وهي لا تجعل العقدة بؤرة مركزه - فهي منساحة منداحة تختتمها بتفاؤل وإيمان.
ففي قصيدة " رسالة إلى صديق غريب " [5] ص( 4) - تبدأ الشاعرة :

وصلتني منك اليوم رسالـــه

فيها نبض فيها شعر

ترجع لي ذكرى الزمن الضائع من أيام العمر

تنسيني هذا الزمن التائه زمن القهر

..................

ثم تحدثنا الشاعرة عن يوم السبت ، إذ يصبح لبلدها شمــيم لا يطاق ، وذلك إثر هجوم الخوذات العسكرية، وتواصل سردها الشعري.... حتى تصل إلى النهاية المتفائلة:

فيطل من الأفق لنائي

نجم يغزل خيطان الضوء

ويضحك عبر ألفلوات

فاللوحة القصصية في قصائدها [6] واضحة المعالم والخطوط ولا تجريد فيها؛ ويكتب الدكتور محمد غنيمي هلال في هذا الصدد :
" ولا من عجب أن يحتوي الشعر على عنصر قصصي يتخذه الشاعر مجالا لتجربته ، وهو فيه أبعد من يكون عن الخضوع لقواعد القصة في مفهومها الحديث "[7] ، وهذا السرد الشعري مشبع بالغنائية ، وهي تعبر به عن انفعال الشاعر إزاء الأحداث أكثر من كونها مجرد كلمة تنطبق على كل شعر غير ملحمي أو تمثيلي .

يقول الدكتور مجدي وهبه:
" إن الغنائية تستميل النفوس من حيث ألفكرة التي تخاطب العقل والشعور الذي يناجي القلب وموسيقا الشعر التي تتردد في الأذن والصورة الشعرية التي تمثل في الخيال....... وللغنائية وسيلتا تعبير: الوسيلة الاعترافية التي تنقل المشاعر الذاتية إلى القارئ، والوسيلة الخطابية التي تعبر عن مشاعر عامة - كالتغني بحب الوطن أو التأمل في الموت والطبيعة والقدر". [8]
وهذه الأوصاف تصدق كثيرًا على شعر فدوى. ففي اللوحة الغنائية نجد إيقاع الترابط [9] وإيقاع التكرار [10] ، والإيقاع أصلاً يتموج في هبوط وصعود حتى يصل إلى التفاؤل ، وكأنه الشاطئ للنورس، ولا شك أن النقاد فطنوا إلى الملامح الرومانسية بدون استثناء ...... وأنا أضيف:
إن المادة قد تؤدي أحيانًا دورين كما في لفظة (قمر) ، ففي حين تحن الشاعرة إلى عودة القمر، وذلك بعد ظلمة الاحتلال – " لم يعد ضوء القمر منسجما ببساتين الزهر " و " نحر الليل القمر " ( ص 87 ) ، والدور الآخر أن الشاعرة تتمنى أن يغيب القمر:

لو أن القمر

يعود إلى كهفه في الجبال ويرخي الستر

أخاف الضياء يشي يا حبيبي بنا

فإن كلاب الطراد على دربنا

تجن إذا برقت في الظلام نصال القمر ( ص 104 )

إذاً فالقمر في اختفائه وظهوره مأخوذ عند الشاعرة رمزًا لقضيتها. ومنتهى الحوراني التي قتلت في يوم ليس كالأيام كانت:

تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره

بيد أن الشاعرة في وقت آخر تسأل:

وأنا في زحمة هذا الويل

يا قمري كيف وصل إلي ( ص 30 )

فالقمر حبيب لشاعرة في أرض الوطن يتردد عندها بصورة ملموسة ومتغايرة، ثم تعود الشاعرة لتؤكد أن القمر رمز لعودة الحياة الجميلة:

وأن القمر وإن ضل عني

سيعرف نحوي طريقه ( ص 62 )

وإذا كان (القمر) من ألفاظ الرومانسية فإن لفظة أخرى (الطير) تتردد كذلك بصورة ظاهرة وفي دورين:
طير سنين القحط ( ص 17 )


يا طير البحر الطالع من قاع الديجور

بشرك الله بكل الخير ( ص 46 )

............................

إنها تكتب اللوحات بكل موسيقية الشعر الحر. تختار اللفظة الأصولية ، وقلما وردت كلمه جديدة خارجه عن القاموس الكلاسيكي، وإذا وردت فإنها ليست نابية:

والزمن المبتور الساقين المتسربل بالكاكي ( ص 75 )

ونصف مزنجرة تعبر السوق أفسح فيه مكانا ( ص 64 )

وبرغم هذه المحافظة الأصولية على اللغة فإن الشاعرة تخطئ إذا تؤنث لغة (الرأس) أسوة بكثير من كتاب مصر الذين يتأثرون بلهجتهم العامية المصرية تقول فدوى:

رأسك الشامخة ( ص 14 )

أو في مكان آخر:

أحسو القهوة علي أوقظ هذي الرأس المخموره

كما تقول الشاعرة (يتوجب علينا) ، والأصح يجب كما لا يخفى عليها.
وثمة ملاحظة شكلية أخرى ، ولكنها هامة:
إن الديوان لم يصدر له فهرست [11] كما لم يكن هناك نقل أمين لما ورد في أصل القصائد المنشورة في الليل والفرسان و على قمة الدنيا وحيدًا – ديوانَي الشاعرة.
وعلى سبيل المثال نشر في الليل والفرسان قصيدة (خمس أغنيات للفدائيين) [12] ، وقد نقلت القصائد الخمس في الديوان الذي بين أيدينا ، بل توزعت في الكتاب من غير إشارة إلى الإهداء. كما أن قصيدة " إلى الوجه الذي ضاع في التيه " لم يشر إلى أنها مهداة إلى j ، كما رأينا في الليل والفرسان.

..............................

ومجمل القول إن الشاعرة تقدم لوحات شعرية بسرد قصصي غنائي فيه إيقاع الترابط والتكرار ، وخطوط هذه اللوحة ألفاظ رومانسية.... كالقمر والطير والزهر. وتظل عبارتها كلاسيكية تحمل شحنات موسيقية.
ويحوي الكتاب سبع قصائد كانت قد نشرت في ديوانها(على قمة الدنيا وحيدًا)، دار الآداب، بيروت – 1973. وقد أضيفت ثماني قصائد جديدة نشرت أغلبها في الصحف المحلية.
35 - من المواد الجديرة بالقراءة كتاب (فدوى طوقان والشعر الأردني المعاصر) بقلم شاكر النابلسي ، وفيه تركيز على الحب في شعرها ، ويظهرها المؤلف رومانسية حالمة ، ويقسو عليها متهمًا إياها بالتقريرية والسطحية ، كما يركز من جهة أخرى على بعض قصائدها المبدعة.
ومن المقالات دراسة للبروفيسور سوميخ نشرت في مجلة (كيشت) العبرية (ربيع – 1970) ص 122 ، وعنوان الدراسة (قلب امرأة من الشرق ) ، وفيه يشير إلى رومانسيتها ، والى اتخاذها الطبيعة ملجأ للهروب ، وإلى أن الشعر الوطني عندها كثيرًا ما يكون غريبًا على شعرها ( ؟ ) ، وليس وراء أشعارها دلالة هامشية ، بل فيه سذاجة.
ومقال للدكتور عبد اللطيف عقل (فدوى طوقان والجدران الثلاثة) نشر في الشرق (حزيران- 1972) ص 69 ، وفيه تركيز على العناصر الثلاثة الرئيسية في شعرها: الحب والفن والموت.
و مقال لأمطانيوس ميخائيل نشر ضمن كتابه (دراسات في الشعر العربي الحديث) ص 288 ، وفيه تركيز على الأسى والهرب والحب والموت.
و مقال محمد جواد النوري (جريدة القدس عدد 24/12/1978) عن ديوان (على قمة الدنيا وحيدا) ، و يعمد الكاتب إلى تميز الشاعرة في معجم شعري ، وإلى غموض الصور وتراسل الحواس لتجسيد المعنى.
[1] - فدوى طوقان: قصائد سياسية، دارالأسوار، عكا – 1980.
[3] - ديوان وجدتها، دار الآداب، 1962 ص 5 ، وهي تحكي قصة لاجئ يحن إلى أرضه ، فيقرر بعد سبع سنوات من العذاب أن يتخطى الحدود ، فيعانق أشجاره ، ويقتل.
[4] - من الطريف أن اذكر أن قصيدة أخرى لها بعنوان ( رسالة إلى صديق غريب) نشرت في الليل والفرسان، ص 14 ، وفيها مضمون مختلف عن (رسالة الى صديق غريب) المنشورة في (قصائد سياسية) ، ويبدو لي هنا مدى التركيز على الاغتراب أو الاستلاب عند الشاعرة .
[5] - انظر مثلا: "ذهب الذين نحبهم" (ص8) ، " حمزة" (ص78)، " نبوءة العرافة" (ص97).
[6] - انظر هلال ، محمد غنيمي، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، دار نهضة مصر ص 59.
[7] - وهبه مجدي، معجم المصطلحات الأدبية ، ص 297.
[8] - انظر مثلا قصيدة " إيتان" ص 74 ، وفيها جريان الترابط أو التواصل المستمر.
[9] - تكرار الصوت الداخلي مثلا في "حاذري أخوتك السبعة" (ص98) وتكرار بعض العبارات الشعرية ص 19،26، 64.
[10] - هذه ملاحظة تنطبق على كثير من الدواوين التي أصدرتها (دار الأسوار).
[11] - القصائد الخمس منشورة في قصائد سياسية ص5، 53، 55، 57، 59، هي في الأصل"كفاني أظل بحضنها".

فدوى طوقان: مقارنة ومقاربة
بقلم: مازن دويكات

نكاد لا نعلم علم اليقين بداية ظهور مصطلح الأدب النسوي أو أدب المرأة، وبعودة إلى كتب تاريخ الأدب القديمة كالأغاني والعقد الفريد وغيرها، لن نجد تعاملاً في تصنيف الأدب يرتكز على الفرز الجنسوي ولا نعلم أيضاً من كان وراء بلورة هذا المصطلح، فإن كان رجلاً فهو دخيل على الثقافة والأدب، لأن الإبداع لا يتأتى من جنس ويتنحى عن أخر، إما إن كانت الداعية امرأة فهي دعوة لانعزالية تضر بقضية المرأة، هذا إن كان لها قضية منفردة ومنفصلة، بغض النظر عن الداعي أو الداعية نستطيع القول أن هذا المصطلح قد تزامن مع ظهور الجمعيات النسائية التي تدعو لانعزال المرأة في زمن كان فيه الاضطهاد السياسي والاجتماعي لا يميز بين رجل وامرأة وما يزال، وعلى الرغم من خطورة هذا القمع في تعطيل حركة الإبداع إلا أنه لم يستطع منع قصائد الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان من إضاءة صفحات ومجلات الرسالة والأداب والأديب والعربي، ولم يثن عزيمة الشاعره والناقدة الدكتورة سلمى خضراء الجيوسي من أن تكون مؤسسة قائمة بذاتها تعني بترجمة الإبداع العربي في لندن، وهذا القمع ممكن أن يكون هو الدافع الأساس لسطوع نجم القاصة الرائدة سميرة عزام في سماء الإبداع العربي ويكفيها فخراً أنها أستاذة غسان كنفاني ، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الروائيتين ليانا بدر وسحر خليفه، وبعيداً عن الجانب السياسي الذي يحشر أنفه في كل شيء يهمنا أن نتأمل هذا المصطلح من الجانب الإبداعي، ترى هل هناك دلالات في النص يستطيع من خلالها المتلقي أو يتوصل لجنس الكاتب !!

فالناقد مهما بلغ من الوعي النقدي ومهما تسلح بنظريات علم النفس التحليلي لن يستطيع أن يضع نوع الجنس في خانة هوية الكاتب أو الكاتبة إلا إذا كن هذا الناقد على دراية وخبرة بأدوات الكاتب، وهذه المعرفة تعزى للأسلوبية وليس للجنسوية وهذا يعني أنني أمام دائرة محكمة الإغلاق تحوي في داخلها الإبداع الصادق ولن تفتح بعضلات الرجولة المفتولة ولا بنعومة الأنوثة الطاغية ، بل بالموهبة الجيدة الخلاقة وهي ليست حكراً على الصوت الأجش الخشن ولا على الصوت الأغن الناعم، وهذا لا يعني نفياً لخصوصية المرأة وإلغاء لها مقابل الرجل، فهي موجودة عند الإثنين كل ما يتلاءم مع طبيعته الخلقية! ولكنها تنعدم وتنتحي على صعيد الكتابة الإبداعية فمثلاً قد نجد شعر عمر بن أبي ربيعه يحمل من الجينات الأنثوية أكثر من شعر الخنساء وأن شعر نازك الملائكة يحوي من الجينات الذكرية أكثر من شعر نزار قباني، والكثير من القراء لم يعرفوا ان الشاعر الراحل أمل دنقل هو رجل مع أنهم قرأوا بعض أشعاره وفي الاعتقاد أن جنسوية المبدع تلتقي في عبثيتها مع موضوع المفاضلة بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلية وقصيدة النثر ويتساوى في عقمه مع موضوع صاحب الأسبقية في اختراع الشعر الحر، ومن الطريف أن الصراع في هذه المسألة انحصر بين الشاعرين بدر شاكر السياب و نازك الملائكة ليؤكد خواء الجنسوية ويجسد تساوي القدرة الإبداعية لأن المتلقي لا يهمه ذكورة أو أنوثه المبدع قدر اهتمامه بالإبداع.

وبالعودة لشاعرتنا الراحلة فدوى طوقان نجد أن بينها وبين الخنساء كم هائل من الشاعرات والمبدعات ولكن قمة الهرم الإبداعي كانت عصية على متوالية الأسماء التي لا تنتهي، ولا أبالغ إن قلت أن الخنساء لم تترجل عن هذه القمة إلا بعد تأكدها من حضور فدوى وصعودها الإبداعي الموازي. وهل من قبيل الصدفة أن فدوى كانت في الواقع من سكان القمة في جبل جرزيم وتجاور قمة اخرى في جبل عيبال!!
للمجاز فعله الرومانسي الحالم، وله أيضاً فعله الواقعي، ليس غريباً أن تتشابه الخنساء وفدوى، فالأولى أشتهرت بمراثيها لأخيها صخر، وفدوى اشتهرت بمراثيها لأخيها الشاعر إبراهيم طوقان ، وقد عاشت الشاعرتان تتحولاً مفصلياً في الحالة الإبداعية تمثل في انتقال من مكان لمكان يختلف فيها الخطاب الشعري. إن الخنساء وصلت لينبوعها الجديد عبر جسر مشرع على أبواب العالم السبع، وفدوى وصلت لينبوعها عبر جسر الهزيمة والتحدي . وبعد بزوغ فجر الإنسان أصبحت الخنساء شاعرة جديدة، تحمل قضية حضارية فوق أعمدة الشعر، وبمعادل ضدي فعلت فدوى، حيث أصبحت شاعرة من نوع آخر، وذلك بعد هزيمة حزيران عام 1967م وتحديداً حين اكتملت فلسطين التاريخية احتلالاً وأعني لحظة اللقاء التاريخي الحميم مع الشعراء محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وعلى صعيد الوطن العربي، لقد ظهرت شاعرات كثر في الوطن العربي، خاصة في القرن الماضي ولكن كم شاعرة بحجم ووزن فدوى حاولت أن تصعد على أمل أن تجد لها مكاناً في هذا الزحام المفرط في تدافعه والمقنن على صعيد حقيقة الوصول ! هناك شاعره وحيدة موازية في إبداعها . وهي الشاعرة نازك الملائكة ، ولكن بنظرة موضوعية لمسيرة حياة هذه الشاعرة نكتشف أن وصولها لمربع فدوى طوقان لم يأت عن طريق الإبداع الشعري فقط، ولكن شارك في وصولها أكاديميتها وتنظيرها للشعر، بمعنى أن شهرة نازك الملائكة مساهم ومشارك فيها من أطراف غير ابداعية على العكس من فدوى طوقان صاحبة التجربة الشعرية الخالصة والصاخبة من كل شوائب التنظير الأكاديمي، وشتان بين تجربة شعرية اعتمدت على فطرتها وانسيابية حركتها وتجربة مصنفة حسب مواصفات تفرضها النظريات القادمة من أمكنة متعددة لا تجاور البراءة الشعرية وعفوية الموهبة. ومن الغريب والعجيب أن القمتين الشعريتين العريقتين في هذه اللحظة تعيشان نفس المقارنة، وأعني محمود درويش الذي وصل القمة معتمداً على شعريته فقط بكل صفاتها ونقائها وأدونيس الذي يشارك في نفس القمة ولكن بالاعتماد على التنظير والنقد، بالإضافة إلى شعريته التي كثيراً ما تزور وتتجول في حدائق الشعر الفرنسية.

المقاومة في شعر فدوَى طوقان وميزاته
بقلم سيدة رقية مهري نجاد

الموجزة

شعر المقاومة هو الشعر الملتزم الذي لا يكون في خدمة مصالح نظام حاكم مستبد ومتطلّباته وهو ما يبيّن بلسان واضح دون الالتفات الي الابداع في مجال التخيّل فَمِن ميزاته انّه لاتعقيد فيه، بل يصرّح بالحقائق وينبّه مخاطبيه الاّحينما یسِيطر عليه الکبت السياسي فحينئذ يبيّن الشاعر أغراضه بالصّور الرمزيّة وغيرها. ففي هذا البيان شعر المقاومة هو نوع من الشعر الملتزم وعلي هذا يجب اَن يكون هادفاً تعليميّاً وأن يبلغ رسالة الشاعر المهمّ فيه هو شعر يعلّم مخاطبيه كيفيّة المواجهة امام النظم المستبدة واصول المقاومة أمامها.

إن الكاتبة الفلسطينية هي في موطنها تعاني من الاحتلال الصهيوني الانظمه العربية تمارس القمع ضد الكلمة الحرّة الشريفة وضد محترفيها، فاذا استطاعت الامة العربية أن تحرر نفسها من انظمة حكامها سوف يسهل علي الشعب العربي تحرير فلسطين.

الكلمات الرئيسية: شعر المقاومة، فدوَى طوقان، الاتجاه الوطني، القومي، الانساني.

المقدمة
فهذه المقالة تحت عنوان «المقاومة في شعر فدوَي طوقان وميزاته» وهي تدور حول ما ينتج من شعر المقاومة للشاعرة التي تعد واحدة من أشهر الشعراء الفلسطين الذين حملوا علي عاتقهم أعناء القضايا التي حدثت في موطنها زمنا طويلا وخاطروا بحياتهم من أجلها وأوقفوا ابداعاتهم علي الدفاع عنها. القضية الفلسطينية هي قضية شعب يجاهد في سبيل تحريرأرضه وإعادة الحرية الي وطنه وطرد الغاصبين من بيته، ويمكننا أن نقول أن الفلسطيني لايحارب في الواقع من أجل تحرير فلسطين، فحسب بل انّه يحارب من اجل القيم الانسانية.

الهدف من كتابة مقالتِی هذه أن أنتخبت موضوعاً متصلاً كل الاتصال بالوقائع السياسية للعالم الإسلامي في عصرنا او في زماننا هذا او في يومنا هذا وبما أَن قضية فلسطين تعتبر من المسائل الهامة التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم، لذا اِخترتُ شاعرةً وعاشت مع القضيه الفلسطينية وتعتبر فدوَي طوقان كشاعرة فلسطينية فقد وطنها وكابد من أجلها فانّها جدير بأن تعد شاعرة المقاومة.

فدوَى طوقان وحياتها الشخصية
ولدت فدوَى عبدالفتاح طوقان، الشاعرة الادبية، هي ابنة عائلة عريقة في نابلس إحديٰ، مدن فلسطين سنة (1917) وعاشت عمرها ضمن تقاليد خاصة بأسرتها. كانت نفسها تتوق الي الحريّة لتمارس حقّها الطبيعي في الحبّ والحياة، فانصرفت الي الشعر لتعبير عن خلجات نفسها الحزينة.

تتحدث الشاعرة نفسها عن كيفية نشأتها في هذه الظروف وتقول: «نشأتُ في بينة عائليّة شديدة المحافظة وفي بيت اثري كبير توارثته العائلة عن الأجداد بيت يذكرك بقصور الحريم والحرمان، هندس بحيث يتلائم ضرورات النظام الأقطاعي. اما المناخ العائلي من حولي فسيطر علي الرجل كما في البيوت العربية. فالمرأة فيه سجينة الجدران والكتب، محرومة من الاستقلال الشخصي والحرية الشخصية مفهوم غالب لاحضور له في حياتها. في هذا البيت كنتُ احسّ احساس السجين وراء القضبان واطمح جليّاً حيث يلتقي التعصب الديني والشعور القومي والوطني بتقليد ثقافي حرص ابي وعملي ترسيخه لتحصيل العلم والتروّد بالثقافة الغربية في وقت كان (الازهر) قبلة طلّاب العلم في نابلس.» [1]

بعد دراسة حول حياتها الشخصية نستطيع أن نقولَ عدم الحرية والاستقلال في المحيط العائلي والاجتماعي تأثر في إنشاد الشعر المقاومة عند الشاعرة.

ماهي المقاومة؟

المقاومة أمام التشرد والاخراج لاجل البقاء في أرض فلسطين، المقاومة امام المنح وازالة الهوية الثقافية والوطنية ازاء طرد الشعب الفلسطيني في المجتمع الدولي. كلمة «المقاومة» تبيّن نوعاً من رد الفعل تجاه الواقع السياسي، الاجتماعي والثقافي المهاجم فلمعرفتها يحب أن تعرف الجوانب المختلفه لواقع المهاجم استمداد من التاريخ والجذور التاريخچه في شعر فلسطين الحالي هو ردّ الفعل امام المحاولات الصهيونيّه للسحق والرقابة للثقافة الاسلامية في فلسطين وطرد اصالتها التاريخچة اللتين تمهد انّ الطريق لتشّرد الفلسطينين والجلاء عن وطنهم. [2].

نشأة شعر المقاومة وتطوره
المقاومة هي الثبات والدفاع عن النفس والحياة ويمكن القول بأن الشعر الذي يحوي هذه الافكار فهو شعر المقاومة. وشعراء المقاومة هم الذين يتكلمون عن حقوق الشعب الضائعة وتحريض المظلومين علي استرجاع حقوقهم من الظالمين، وتنبيه المستضعفين علي عدم التسليم للمستكبرين. لم يكن لهولاء الشعراء اسمٌ خاصٌ حتي عام 1948 عندما حدثت كارثة فلسطين وأعلنت الدولة الاسرائيلية وجودها بدأ شعر المقاومة عند ذلك وتسلح الشعراء بسلاح الشعر وكانوا يتلكمون عن كلمات مأخوذه من ضمير الأمة والمشاكل التي كانت تمر بالبلاد العربية بصورة عامة وفلسطين بصورة خاصة.
في الوقت الذي سقطت البد بأيدي الإسرائيليين هاجروا قرب المليون فلسطين من بلادهم من بينهم الشعراء والكتاب الذين بعدوّا مِن الموطن. يتحدث غسان كنفاني حول هذا الموضوع حيث يقول «حين سقطت فلسطين في يدا العدو ولم يكن قد تبقي تقريباً في فلسطين المحتلة اَيْ محور ثقافي عربي يمكن أن يشكل نواة لنوع جديد من البعث الأدبي وكان جيل كامل من المثقفين قد غادر فلسطين الي المنفي. [3]. يمكننا أن نأتي بثلاثة شعراء كانوا يقودون الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة، فهم في الواقع من أقدم مؤسس شعر المقاومة ويتكلمون مع شعرهم عن الجهاد والمبارزة، كانوا ينبّهون الناس عن هجرة اليهود وبيع الأرض لليهود، كما يقول د. صالح ابواميع «شهد جيل الشعراء قبل عام 1948 م ضراوة الصراع مع المهاجرين اليهود وحكومة الانتداب وبرز في تلك المرحلة، ثلاثة شعراء هم ابراهيم طوقان، عبدالرحيم محمود وابوسلمي» مما كان المعلوم كان حب الأرض سبب شعر المقاومة، لانّ الشعراء ارادوا أن یسدافعوا عن أرضهم وحقهم الضائع و«بدأ الشعر يذكر مصائبهم وأطلق علي الأشعار في ذلك الزمن اسم المقاومة». [4]. في 15/8/1964 استحدث يوسف الخطيب في أذاعة دمشق برنامجاً خاصاً أطلق عليه «إذاعة فلسطين» أخذ يذيع منه في جملة يذيع، مايقع تحت يده من قصائد الشعرا المجهولين من الأرض المحتلة. [5].
عرفناهم فيما بعد باسم «الشعراء المقاومة» وكلما ازداد الأشعار في فلسطين ازداد انتباه الناس لموضوع الاحتمال… حالما تعاظم مد المقاومة الفلسطينية، تداعت إلي المسامع، ابناء بطولات الفدائيين، كان من الطبيعي أن تتجه الجماهير العربية بافئدتها وعواطفها ودمائها نحو المقاومة وبالتّالي أخذت فلسطين تشغل الانتباه أرضاً وشعباً، بنادق وأقلاماً، عرباً ويهوداً. [6].
ستحارب فلسطين المقهورة بالجسد والروح وسيقرا الشعراء نشيد المقاومة لانهم يحاربون مع نسل اليهود الغاصبين.
ميزات شعر المقاومة
إن الشعر مظهر من مظاهر الكائن الانساني فلابدّ أن يتطوّر الحياة ويتقدم بتقدم الزمن والشعر الاصيل هو مولود عصره يعبّر دائماً عن احوال المجتمع والأمة، وعلي الشاعر أن يتحدث عن الآم اُمته. والادب الفلسطيني كغيره من الآداب اخذ واقعاً خاصا لصلة الوثيقه بالشعب الفلسطيني وقصيته، سواء أكان ماكتب داخل الارض المحتلة أم خارجها، لقد صور حياة الناس ومصائبهم. (في الوقت الذي كان فيه اهتمام العديد من العشراء الكبار منصبا علي شعورهم بالغربة واليأس، كان الوضع مختلفاً في فلسطين المحتلة كان الشعراء يواجهون عدوّاً خارجياً ومعتدياً غريباً، يتحدّون ظلمه بشعرحري تدور افكاره الرئيسية حول الشجاعة والاستبسال). [7]. بعد ان انطلقت المقاومة، بدأت نبرة الشعر تتغيروا صبح يعبر عن الحماسه وصار صرخة للغضب والمقاومة في كل مكان.
شعر المقاومة هو الشعر الملتزم الذي لايكون في خدمة مصالح نظام حاكم مستبد ومتطلّباته وهو ما يبيّن بلسان واضح دون الالتفات الي الابداع في مجال التخيّل. لاتعقيد فيه، يصرّخ بالحقائق وينبّه مخاطبيه وغيرها. ففي هذا البيان شعر المقاومة هو نوع من الشعر الملتزم وعلي هذا يجب ان يكون هادفاً تعليميّاً وان يبلغ رسالة الشاعر المهمّ فيه هو شعر يعلّم مخاطبيه كيفيّة المواجهة امام النظم المستبدة واصول المقاومة امامها.
اكثراً شعار المقاومة الفلسطينية مشتركة في ميزة واحدة وهي السهولة في الكلام والوضوح في الصوّر، يتحدث خالد علي مصطفي عن ميزات شعر المقاومة حيث يقول: «كان الشعر الفلسطين واضح القصيد، واضح العبارة، لايموه ولايعاضل مهما كانت وجهة التعبيرية، إذ يكاد هذا الشعر يخلو خلوا تاماً من التأملات الذهنية والغموض النفسي المحير، وشطحات الخيال العيده، والتساؤل المحض في معني الحياة والموت، كما يخلو من غرابة التركيب اللغوي، أو التعقيد في بناء القصيدة.» [8].
كما ذكرنا ان شعر المقاومة له خصوصية يختلف من بقية الاشعار لحدما ويمكن هذا الاختلاف في مضمونه الذي قامت عليه حركة الشعر في الأرض المحتلة. هناك ثلاثه محاور رئيسية انتظم بها هذا المضمون علي حد قول د. خالد علي مصطفي ـ وإن رأي البعض فيه ومحاور أخري ـ «وهي المحور الوطني الذي يكشف عن التشب بالارض، وهو المحور القومي الذي يعبّر عن الانتماء إلي الأمة العربية والمحور الانساني الذي يجعل من حركة الكفاح الذي يخوضه الشعب جزءاً من حركة تحرر عالمية.» [9].
الاتجاه الوطني
عبر فيه الشعراء عن هويتهم الفلسطينية وعن مشاعرهم ازاء وطنهم وهذا الموقف لن ينفك عن الموقف القومِي والإنسانِي ابداً ويحتوي عليهما ايضاً «وذلك أن التشبت بالأرض هو حفاظ علي وجود انساني يظل مرتبطاً مهما تعددت صور النظر اليه، بوجود قومي، هو المعني الذي يشير اليه التشبث بالارض وهذه الافضاء مما هووطنِي إلي ما هو قومِي اعطي الشاعر الفلسطيني هوية واضحة في تناول الهموم الأساسية بصفتها مصيرة الذي يواجهه في حياته تحت الاحتلال وسلامه الذي يدافع به عن هذا المصير. [10].
قبل أن نأتي بنماذج عن الاتجاه الوطني لابد من توضيح مفهوم الوطن ومعنا. عند العرب بإيجاز كما جاء في المعاجم العربية «الوطن منزل اقامة الانسان ومقرُّهُ ولد به أولم يولد وفي الحديث «حب الوطن من الايمان» لفظة الوطن في العصر الحديث ذات مدلول اوسع واكثر شمولاً من مفهومها في القديم فالوطن في نظر القدما لا يتعدي الحي الذي يسكنونه أو أرض العشيرة موطن القبيله، لكن مفهوم الوطن في عصرنا الحديث، اصبح اكثرا تساعاً وشمولا، بحيث تسْمل الوطن بأكمله الذي يسكنه اصحاب الاصل الواحد، لانه يدل علي مجموعة من المفاهيم المترابطة، المتعلقة بالشعب والسيادة والنظام وغيرها…»

اتّجهت فدوَي القضيّة في ابعادها المختلفة من بيع الأراضي الي السماسرة اليهود، الي تغافل العرب في فلسطين عن الخطر المحدق بهم وانصرافهم الي الشاحنات الداخلية فيما بينهم وانغماسهم في ضروب اللهو والفساد وانفاقهم ثمن الاراضي علي نساء اليهود، الي القواء السياسة البريطانيّة وتحيّزها للصّهانية واضطهادها للعرب ولاسيّما الاحرار منهم والمخلصين والمفكرين والمناضلين الي الاحداث التي كانت تقع في فلسطين بين ثورة علي الحكم البرطاني وبين معركة يخوضها ضد العرب الصهيونيّة او علمية خدائية بها بعض الشباب من اجل وطنهم، الي غير ذلك من المحاقل والمناسبات والمؤتمرات التي كانت تتّصل بالقضيّة الفلسطينية من قريب أو بعيد وغايتها ان تخدم قضية بلادها بتجرد واخلاص وتفان فَنراها تقول:

يا وطني ، مالك يخني على
روحك معنى الموت ، معنى العدم
أمضّك الجرح الذي خانه
أسأته في المأزق المحتدم
جرحك ؛ ما أعمق أغواره
كم يتنزّى تحت ناب الألم
أين الألى استصرختم ضارعاً
تحسبهم ذراك والمعتصم
ما بالهم قد حال من دونهم
ودون مأساتك حسٌ أصم

في الحقيقة سجلت فدوَى هي قصيدتها هذه النكبة والهزيمة العربية الاولي التي سيطرت علي البلاد العربية حيث تتعرض التخاذل والانانيّة والانهدامية التي سادت الجوّ العربي ابان المعركة: تنادي الشاعرة بلدها المحزون في طيّات القصيده فنجد غناءها الحزين والتزامها بقضية الوطن ومعاناتها الماساة واضطهاد السلطات المحتلة واملها الا خضر بانتهاء اليل وانحسار ظلامه عن فجر مشرق يبشر بالنصر والتحرّرو الانطلاق.

في قصيدة (الفدائي والارض) سترد لنا فدوَي طوقان حكاية (الأم الفلسطينية وولدها المناضل) حينما يودّعان معاً. فالمجادلة الجارية بينهما هي احسن نموذج عن نظرة الشاعر الي الوطن

يا ولدي
يا كبدي
من اجل هذا اليوم
من اجله ولدتك
من اجله ارضعك
دمي و كل النّض
و كل ما يمكنه ان تمنحه اموته
يا ولدي، يا عرسة كريمة
اقتلعت من ارضها الكريمة
اذهب، فما اعزّ منك يا
بنيّ اِلاّ الارض
[11].

فكما ترتسم الشاعرة، الوطن هو اعزّمن الولد فی سراي امّه واعزّ من الام في راي ولدها حتي يفدي اثنان انفسها لخلاص الوطن، والمشهور في شعر فلسطين انّ (الحبيبة) و(الارض) واحياناً (الامّ) و(الارض بينهما الوحدة والصلة حيث يتجلي الوطن في نظرة شاعر المقاومة احياناً علي شكل (الام) أو (المعشوقه) نري الشاعرة في هذه القصيدة هي ناطقة باسم الامّهات الاتي ترغبن الاولاد الي تحرير الوطن العزيز وهم اكبادهنّ الاعزّاء. [12].

وتجد الاتجاه الشاعرة الي الوطن في قصيدة اُخري وهي (نداء الارض) (الي الوجه الذي ضاع في التيه) (بارض الوطن) (خمرة). هي ترفع صوتها في غصون القصيده من اجل الآلام التي انهالت علي الوطن المظلوم ومن انّه اصبح مكاناً لكل اجنبي يدخل فيه ويستفيد منه وتعتقد، لاحلاوة في الحياة كلّما سطير علي الوطن ظل العدو الاجنبي فيظنّ القاري طيلة القصيدة إنّ في الشاعر لم تتعجب منه حينما تقول:

(آه يا حبّي الغريب
آه يا حبي الغريب لماذا
وطني اصبح باباً لسقر
و لماذا شجر القفاح صار اليوم
زقوماً، لماذا…)
تستمه فدوَي القصيدة بشكواها من القضا والقدر وتغيير الامور التي اضرّت علي وطنها. وتسأل أيوجد من يحل المشاكل المعقدة واخيراً تشبه بلادها بكوز ينزف منه الدم لكثرا الشهداء الفدائيين في سبيله وتدعي بانّ حياتها وفي الواقع حياة كل مواطن، مدينة لهذه الدماء.

(… و بلادِي كوز رمّان يفور الدم
فيه و يغمغم
و حياتِي تستمرّ
و حياتِي تستمر)
[13].

الاتجاه القومِي
لم يكن الموقف الوطني معزولاً عن الموقف القومي بل يتضمّنها وكما يقول خالد علي مصطفي «اِنّ التشبث بالأرض هو حفاظ علي وجود انساني يظل مرتبطاً، مهما تعدّدت صور النظر اليه، بوجود قومي، هو المعني الذي يشير إليه التشبث بالأرض.»

هذي الأرض امراة
في الاخاديد و في الارحام
سر الخصب واحد
قوة السرّ التي تنبت نخلاً
و سنابل
تنبت الشعب المقاتل… [14].
في هذه قصيدة (بارض الوطن) تخاطب فدوَي طوقان (الارض) بلسان احد المواطنين وتقول هذه هي الارض التي تعطيك ما تريد فلابدّ ان تبقي وتشبهها بامراة تنبت فيها الاشجار والنبات وينبت فيها الشعب المناضل. فنري أن الشعراء عبرّواعن انتمائهم للامة العربية، فيتحدثون عن آلامها وأفراحها ونكساتها وانتصاراتها فغنو الثورة الجزائر وثورة اليمن وعدن. هولاء الشعراء يعتبرون العرب جسماً صدمت احد اعضائه، وايذاء واحد منهم ايذاء الجميع والمصائب التي تحلّ علي بلد من البلاد العربية تكتب في تاريخ بقية البلاد، كما أن الشعراء الذين كتبوا عن القضية الفلسطينية لم يكونوا فلسطين كلهم، وعلاوة علي هذا خان المسلمين يرتبطون ببعضهم ارتباطاً خاصاً ويمكن سماع صوت المقاومة في مختلف البلاد المسلمة ولايمكن حصرها قوميتها العربية.

يوسف الخطيب الذي يطرح موضوع فلسطين من مناظرين «وطني وقومي» اكثر من منظار آخر يقول «صبح جدّا أن علي الأديب العرمي ألّا يكون محدوداً بآفاق مأساته القومية الضيّقة، خاصة في عصرنا الهائج بالتفاعلات الانسانية علي كل صعيد… اِلّا أن ما هو صحيح ايضاً أن التوسع الفائض علي حده في إلتزام الهموم العالمية، لابد أن يقع بالضرورة علي حساب إلتزام الأديب العربي قضية الخاصة.

علي اي حال كما ذكرناه سابقاً، فان الموقف الوطني حتي يكون تمسكاً بالأرض ونشبثاً بها، يكون له بعد قومي ويصبح البعد القومي، الانساني كما تقول الشاعرة:

«هناك تعبير نوعي عن انسانية الانسان الفلسطيني فماز لنا نعاني من نمطية في التعبير عن الواقع المباشر بتكثيف الذّات وهذا لكه مشروع وضروري، ولكن لم ننتبه كثيراً الي مخاطبة الانسان فينا، والتامل مع المأزق الإنساني بما هو مأزق عام."

وواضح أن الموقف الوطني أديّ إلي الموقف القومي بمعنى الانتماء إلى العروبة تاريخياً ونفساً، فهذا الانتماء يؤدّي بالضرورة الى الموقف الانساني.

ايّها الشرق، اي نور جديد لاح في غنمة الليالي السود
لفّ شمّ الجبال و السهل و الحزن وهام الربي و رمل البيد
و اذا انت يفتح النور عينيك، فتصحو علي الضياء الوليد
و تمطيت من طويل خمود و مسحت الجنون بعد هجود
و تطلعت في حماك، حمي المجاد، ربع العروبة الممدود
[15].

تخاطب الشاعرة في القصيدة الشرق وخاصة العرب منهم وتذكرهم بانّ فيهم شي. يمكنه ان يقلب الاوضاع لتحلّ الظروف الحسنة، محل سيئتها وما هو الا العراق العربيّ المتاصل في جذور اهله.

الاتجاه الانساني
ابرز الشعراء في قصائدهم، الجانب الانساني للصراع العربي الاسرائيلي فيما جاولوا طرح الصراع «علي أنّه ليس مسأله الحقد العربي ضد اليهود وقدموا لنا صوراً انسانية لعلاقات بين العرب واليهود ولوا لقينا نظرة علي دواوين الشعر لشعراء الأرض المحتلة وخاصة فدوَي لنري أنها مزج هذف المواقف الثلاثة بشكل، حيث لو تكلم عن الوطن سيتكلم عن ظلم الناس المظلومين وعن طرد الشعب المظلوم من دارهم. التي من حق كل مواطن اَن يعيش فيها.

حريتي!
حريتي
حريتي
صودت اردّدة بمل فم الغضب
تحت الرصاص و في اللّهب
و اظل رغم القيدا عدو خلفها و اظلّ رغم الليل اقفو
خطوها
و اظلّ محمولاً علي حد الغضب
و انا افاضل واعياً حريتي
في الحقيقه فدوَي طوقان تتحدث عن الحق الانساني الذي سلب عنه وعن كل شعبه. وتستطيع ان نقول أنّ الاتجاه عند فدوَي طوقان بتياراته المختلف ولكن أنا اخترت اهمه.

الخاتمة
فيمكننا القول فدوَى واحدة من كبُار روّاد شعر المقاومة، شاعر الكلمة السارية في افئدة الاحباء الرقيقة الشفافة السامية المحلقة في أجواء رحبة من الحب والصفا والنّماء، وصاحب الكلمة الخارقة لقلوب الأعداء ان كانت لهم قلوب، وإن كانت فهي سوداء قاسية لاتعرف معني الانسانية.

أنها بحق شاعر الوطنية وصاحب الكلمة الحرة وصاحب مدرسة شعرية في المقاومة الفلسطينية التي لم ينضب معينها ولم يذب رواؤها ولم يأفل بريقها ولم ينطفأ وهجها بعون الله وقدرته وحوله.

المصادر

الخطيب، يوسف ، ديوان الوطن المحتل ، ط1،دارالفلسطین،1968،ج1.
طوقان، فدوَی ، الدّیوان ،ط3، ، بيروت، درالعودة، 1988م،ج1.
كنفاني، غسان، مؤسسة الابحاث العربية، ط2، بيروت، مؤسسة الابحاث العربية، 1982م، ج2.
گنجي، نرگس، ويژگي‌هاي موضوعي فني فكري در شعر مقاومت ،دانشگاه تربيت مدرس، 1371
مصطفي، خالد علي، الشعر الفلسطيني الحديث،ط2 ،بیروت، دارالشؤون الثقافية العامّة، 1986م،ج2.
اليسوعي، كامبل روبروت،ط1، بيروت ،مركز الدراسات للعالم العربي المعاصر، 1966،ج1.
....
حواشي
[1] طوقان، 1988، ج1، ص13

[2] گنجي، 1371، ص26

[3] كنفاني، 1982،ج2، ص19

[4] نفسُ المصدر، ص47

[5] مصطفَي، 1986م،ج2، ص 191

[6] الخطيب، 1968م،ج1، ص96

[7] اليسوعي، 1966،ج1، ص142

[8] مصطفَی،1986، ج2، ص 42

[9] نفس المصدر، ص 247

[10] الیسوعی، 1966،ج1،ص517

[11] طوقان، 1998م،ج1، ص509

[12] گنجی،1371،ص97

[13] گنجی،1371،صص 54ـ533

[14] نفس المصدر، ص 543

[15] گنجی،1371، ص134

فدوى طوقان شاعرة الأشواق الحائرة

عيسى جرجس فتوح


فدوى طوقان شاعرة فلسطينية ملهمة، وأديبة مرموقة، وعضو مجلس الوصاية لجامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس بفلسطين.

ولدت عام 1917 في نابلس.. وكانت السابعة بين أخوتها وأخواتها العشرة، تلقت دراستها في المدرسة «الفاطمية» الابتدائية الحكومية فالمدرسة العائشية بنابلس، ثم واصلت تعلمها في المعهد الثقافي البريطاني بنابلس، ومدرسة «ايكرسلي» ومدرسة «سوان» في أكسفورد مدة عامين حتى أتقنت اللغة الإنجليزية واطلعت على آدابها.

أرغمت على ارتداء الحجاب وهي في السادسة من عمرها، ولما اكتشف أخوها إبراهيم عبد الفتاح طوقان (1905-1941) ميلها الفطري للشعر اهتم بأمرها، وأخذ يعطيها دروساً في الأدب وطريقة نظم الشعر، ولما توفي وهو في ريعان الشاب بكته بحرقة، وكتبت في رثائه قصائد عدة نشرتها في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأديب أحمد حسن الزيات (1885-1968)، فاشتهرت في الوطن العربي كشاعرة، واستقبلها الأدباء والنقاد بترحيب وتشجيع كبيرين.



نشأت في بيئة عائلية محافظة، وفي بيت سيطر عليه الرجل، فالمرأة سجينة الجدران والكتب، ومحرومة من الحرية الشخصية، ولم تكن تلك الضغوط التي مارسها الأهل عليها، إلا تنفيساً عن حقد وغيظ بسبب مسيرة الشعر التي بدأت تغذ السير فيها وتكرس حياتها له بتصوف غريب.

في هذا المناخ الضيق، لم يكن باستطاعتها التفاعل مع الحياة بالصورة القوية التي يجب على الشاعر أن يتفاعل معها، كان عالمها الوحيد المتسم بالخواء العاطفي هو عالم الكتب والانكباب على الدرس والمطالعة والكتابة، كانت تقرأ بنهم حتى غطت قراءتها التراث العربي والأدب العربي المعاصر والآداب العالمية والكتب الدينية بما فيها القرآن الكريم والإنجيل والتوراة والكتب التاريخية والاجتماعية والفلسفية وعلم الاجتماع والتحليل النفسي.. وانجذبت بطبيعتها التشاؤمية لمعرفة هل ولد الإنسان مفطوراً على الخير أو على الشر؟ وهل تستطيع الأديان تخليص الإنسان من عذاباتها؟

موضوعات شعرها:


تنوعت موضوعاتها الشعرية وتراوحت بين النزعات الذاتية والتأملية والإنسانية والصوفية والوطنية، ومنذ بدأت حركة الشعر الحديث اقتنعت بها، وتخلت عن كتابة القصيدة العمودية ذات الشكل التقليدي فكتبت قصيدة التفعيلة، والقصيدة المقطعية، كما استعملت البناء القصصي والمونولوج الداخلي والحوار والارتجاع الفني واستوحت التراث والأسطورة وكتبت القصيدة ذات الأصوات المتعددة ووحدت بين الأزمنة في علاقة درامية، كما في قصائدها «نبوءة العرافة» «إلى الوجه الذي ضاع في التيه» و«في المدينة الهرمة» و«كوابيس الليل والنهار»



خارج قمقم الحريم:


بعد نكبة فلسطين الأولى عام 1948 ووفاة والدها في العام نفسه، بدأ التحول الاجتماعي يتسرب إلى مدينة نابلس، فسقط الحجاب، وبسقوطه تطورت المرأة الحديثة وانفتحت أمامها آفاق التعليم العالي، واستقلت اقتصادياً كما خرجت هي من «قمقم الحريم» الذي حبست فيه إلى الحياة تلمسها بأصابعها، وأخذ شعرها يكتسب نضجاً وتجارب أكثر زخماً وتصميماً على عودة أبناء شعبها المشردين عن وطنهم الأم، وعبرت عن ذلك التصميم بقولها:

أتغصب أرضي؟ أيسلب حقي وأبقى أنا

حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا؟

أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة؟

أأبقى ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة

بلى سأعود،/ هناك سيطوف كتاب حياتي

سيحفر على ثراها الكريم ويؤوي رفاتي

سأرجع لا بد من عودتي

سأرجع مهما بدت محنتي

وقصة عاري بغير نهاية

سأنهي بنفسي هذه الرواية

فلا بد لا بد من عودتي

بعد حرب حزيران 1967 كرست الشاعرة فدوى طوقان شعرها لمقاومة الاحتلال الصهيوني وكثرت لقاءاتها مع الجماهير في ندوات شعرية، كانت سلطات الاحتلال تمنعها أينما أقيمت، وكان «موشي ديان» وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يقول: إن كل قصيدة تكتبها فدوى طوقان تعمل على خلق عشرة من رجال المقاومة الفلسطينية» كانت لا تفتأ تذكر العرب بماضيهم المجيد، يوم كان مقعدهم فوق النجوم وكانوا سادة الدنيا وحماة الحمى، فلماذا لا تثور نخوتهم، ولماذا لا تشتعل حماستهم لاسترجاع الوطن السليب؟



أنتم الطيبون صبابة العرب حماة الحمى بقايا الجدود

هو ذا العيد أقبل اليوم محدوا بروح في برديته جديد

فيه شيء من اعتزاز قديم عرفته له خوالي العهود

يوم للعرب مقعد في النجوم الزهر يزهو بركنه الموطود

في فؤاد القدس الجريج اهتزاز لكم رغم جده المنكود

أنثنى موجعاً على الجرح يشدو ويحي أفراحكم في العيد

وعلى الرغم من الهزيمة التي حلت بالعرب في الخامس من حزيران عام 1967 وخلفت في بعض النفوس الضعيفة شيئاً من اليأس والإحباط والقنوط، وفقدان الثقة والأمل، فإن فدوى طوقان على العكس لم تتشاءم، وظلت متفائلة بالنصر القريب الذي سيحققه شباب المقاومة الفلسطينية البواسل:

ستنجلي الغمرة يا موطني ويمسح الفجر غواشي الظلم

والأمل الظامئ مهما ذوى لسوف يروى بلهيب ودم

فالجوهر الكامن في أمتي ما يأتي يحمل معنى الضرم

هو الشباب الحر ذخر الحمى اليقظ المستوفر المنتقم

لن يقعد الأحرار عن ثأرهم وفي دم الأحرار تغلي النقم!

لم تكن حياة الشاعر فدوى طوقان مفروشة كلها بالورود، فقد رافقها الألم والحزن منذ رحيل شقيقها إبراهيم الذي كان أستاذها وموجهها ومدربها، وكل شيء في حياتها، ولذلك أهدته ديوانها الأول «وحدي مع الأيام» الذي صدر في عام 1952 وألفت كتاباً عنه بعنوان «أخي إبراهيم» ونظمت فيه أكثر من قصيدة صبت فيها عصارة ألمها وحرقتها وبكته كما لم تبك أخت أخاها من قبل، وظل الألم والحزن هما الطابع الذي يطبع معظم قصائدها العاطفية والوجدانية، كقولها في قصيدة «هزيمة»:



سأمضي بروحي المشرد

بعيداً سأمضي وأبعد

وما زال في الروح جرح

وما زال يرسب في الجرح ملح

وهذي المرارة

بقلبي ترسو بأعماق قلبي

تحدثني عن هزيمة حبي

وتحكي انكساره

وفي قصيدتها «القصيدة الأخيرة» اعترفت بفشلها في حبها الذي لم يكن غير استغاثات غريق بغريق في اصطخاب الموج، في غور بحار الظلمات دون أن تغنم في النهاية غير الغصات والأسى والجرح:



انتهينا يا رفيقي

حبنا كان استغاثات غريق بغريق

في اصطخاب الموج، في غور بحار الظلمات

عبثاً كنا نريد الحب أن يمنحنا خيط الحياة

أنت تدري لا تسل عن حبنا

نحن حاولنا ولكنا فشلنا

أسفاً ماذا غنمنا؟

غير غصات أسانا وجراح الأغنيات؟

تقول الأديبة وداد سكاكيني (1913-1991): «لقد كان قلب الشاعرة فدوى طوقان مثل غرفة معتمة، امتدت يد الحب إلى شبابيكها ففتحتها ليدخل إليها الهواء والضياء وطعم الحياة، وإذا كان في هذا الشعر العاطفي صورة حقيقية للشاعرة وجدناها فيها قد انتفضت من غمرة الهوى المكتوم إلى مسارب ذاتها، فهدهدت ثورتها وسكبت حبها في صوفية عميقة وإنسانية مثالية، وخرجت من فرديتها إلى أفق طليق الرحاب...»
لقد تطور حب فدوى طوقان بعد أن خرجت من عزلة جدران الحديد، فلم يعد حباً فردياً ينحصر بالآخر، بل فتح آفاقه الواسعة حتى شمل الناس جميعاً، وغمرت أبعاده الكون، وصار حباً إنسانياً يملاً دنيا البشر جمالاً وخصباً وعطاءً وفرحاً وبهجة وسعادة تقول في قصيدتها «صلاة إلى العام الجديد».



أعطنا حباً فبالحب كنوز الخير فينا تنفجر

وأغانينا ستحضر على الحب وتزهر

وستنهل عطاء وثراء وخصوبة

أعطنا حباً فنبني العالم المنهار فينا من جديد

ونعيد

فرحة الخصب لدنيانا الجديبة

أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود

ننطلق من كهفنا المحصور من عزلة جدران الحديد

أعطنا نوراً يشق الظلمات المدلهمة

وعلى دفق سناه

نرفع الخطو إلى ذروة قمة

نجتني منها انتصارات الحياة

هذه هي الشاعرة المبدعة الآنسة فدوى طوقان التي كان شعرها ترجماناً صادقاً لحياتها في كل مراحلها، وصدى لأشواقها الحائرة، وأحاسيسها المبهمة، وبوحها الشفاف، وحنينها الظامئ، وأحلامها العطشى التائهة في السديم، وروحها الهائمة في المجهول، كما في قصائدها «من وراء الجدران» و"ضباب التأمل» و«أشواق حائرة» التي تقول فيها:

نفسي موزعة معذبة بحنينها بغموض لهفتها

شوق إلى المجهول يدفعها مقتحماً جدران عزلتها

شوق إلى ما لست أفهمه يدعو بها في صمت وحدتها

أهي الطبيعة صاح هاتفها أهي الحياة تهيب بأبنيتها

ماذا أحسّ؟ شعور تائهة عن نفسها تشقى بحيرتها


واقع المرأة العربية من خلال مذكرات فدوى طوقان رحلة جبلية...رحلة صعبة ( 1 )
بقلم: رفيقة البحوري، أستاذة بكلية الآداب بسوسة، قسم العربية




فدوى طوقان شاعرة اقترن اسمها باسم فلسطين كما اقترنت حياتها بكل المآسي و النكبات التي عاشها هذا الوطن. ذلك أن هذه الشاعرة ولدت سنة 1917 و هي السنة التي صدر فيها وعد بلفور و فيها سجن والدها و نفي و عانت عائلتها نتائج هذا الاضطهاد الذي ناله جراء مساهمته في الاحتجاج على هذا الوعد المنذر بالويلات اللاحقة.

عاشت فدوى طوقان الكوارث التي تتالت على الشعب الفلسطيني: الإستعمار الإنقليزي و الإستيطان اليهودي و نشأة الدولة الصهيونية كما شهدت بوادر المقاومة الوطنية ثم النكبات التي حصلت في سنوات 1936 و 1948 و 1967 .....و قد صورت هذه المعاناة و كذلك إصرار الشعب الفلسطيني على الدفاع عن أرضه في شعرها. و كتبت الكثير من القصائد تحرض فيها أبناء وطنها على النضال من أجل التحرير. و إلى جانب ديوانها الشعري كتبت فدوى طوقان سيرة ذاتية بجزئين: " رحلة جبلية...رحلة صعبة" و " الرحلة الأصعب" و قد صورت في هذه السيرة أطوار حياتها منذ الطفولة حتى الكهولة
و يلفت نظرنا في هذه السيرة و خاصة في الجزء الأول " رحلة جبلية....رحلة صعبة" أنها قدمت شهادة حية على ما عاشته و ما عاينته من أوضاع تسبب فيها الاحتلال الإنكليزي ثم الإسرائيلي. و لكنها إلى جانب ذلك صورت معاناتها باعتبارها امرأة في مجتمع رجالي. تقدم فدوى طوقان في سيرتها شهادة إدانة لواقع المرأة العربية و لحقيقية العلاقات العائلية القائمة على التسلط و القهر. انتمت فدوى طوقان إلى عائلة عريقة و وجيهة لعبت دورا في النضال من اجل التحرير و كان أبناؤها من خيرة النخبة النيرة التي أمنت بقضية فلسطين و على رأسهم أخوها إبراهيم طوقان شاعر فلسطين. و لكن هذا لم يمنع من أن تلتزم بالمحافظة المطلقة في التعامل مع "نساء العائلة".
تقول فدوى طوقان " أما الجو العائلي فيسيطر عليه الرجل كما في كل بيت و على المرأة أن تنسى وجود لفظة لا في اللغة إلا حين الشهادة (لا إلاه إلا الله) في وضوئها و صلاتها. و تكشف هذه السيرة عن فداحة الأخطاء التي ترتكبها العائلة التقليدية في حق البنت و التأثير السلبي للمنظومة التربوية الموروثة على نفسيتها و حياتها. و تصور فدوى طوقان أنواع العنف المادي و المعنوي الذي تعرضت له و الآلام النفسية التي تسببت فيها العادات الضاغطة و المعتقدات القاهرة. لقد تعرضت لنوع من القمع الممنهج الذي لا مبرر له إلا كونها بنتا و امرأة. فيما تصفه فدوى طوقان يمكن أن نجد نموذجا للتربية التي تقوم على تأصيل الإحساس بالدونية في الوعي بحيث يستبطن و يقبل و كأنه حقيقة ثابتة و كأنه لا خيار عنه. إن المنظومة التربوية التي نستشفها من هذه السيرة و هي المنظومة السائدة في المجتمعات التقليدية و الفكر التقليدي تكرس الاستنقاص من شأن المرأة و تسربه جرعة جرعة منذ النشأة الأولى حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من واقع المرأة.

واقع المرأة العربية من خلال مذكرات فدوى طوقان رحلة جبلية...رحلة صعبة ( 2 )
بقلم: رفيقة البحوري، أستاذة بكلية الآداب بسوسة، قسم العربية


تذكر فدوى طوقان في هذه السيرة ضروبا من التحقير منها السخرية من ملامحها و الاستهانة بهيئتها و لباسها و إهمال طلباتها "المادية و المعنوية" على حد عبارتها و منها التعنيف اللفظي و الجسدي. كذلك تذكر حرمانها مبكرا من اللعب و تكليفها بالشؤون المنزلية و حرمانها من الخروج للنزهة أو لزيارة بعض صديقاتها و الأهم من كل ذلك حرمانها من الدراسة بسبب أن شابا كان يتبع خطاها في طريقها من المدرسة إلى البيت في وقت كانت علاقات أخيها إبراهيم العاطفية معروفة للجميع و قصائده الغزلية محل استحسان و تشجيع.

و تذكر أنها فكرت في الانتحار أكثر من مرة و لكن أخاها إبراهيم أنقذها بأن علمها الشعر و فتح لها كوة في هذا السجن المطبق. و من المهم أن نذكر أن الموانع العائلية التي من شانها أن تخلق منها كائنا خاضعا قابلا للمنزلة الثانوية تواصلت حتى بعد أن تقدمت في السن. فقد منعتها العائلة من أن تتزوج بمن تحب و كانت تعاني الكثير من المضايقات لمجرد أنها تتلقى بعض الرسائل أو المجلات الأدبية. و من غريب ما روته أنها حرمت مع نساء العائلة من زيارة قبر أخيها إبراهيم لأنه قريب من الطريق العام. فأضافت عائلتها بهذا مانعا أخر إلى جانب المانع الذي تتعرض له النساء المسلمات إلى يومنا هذا في عدم تشييع أمواتهن إلى مثواهم الأخير.

تبوح فدوى طوقان بآلامها و خاصة بالجراح النفسية التي خلفها إهمال أمها " و أنكمش في داخلي و أحس بلا شيئيتي. إني لا شيء و ليس لي مكان في ذاكرتها.....هنا كنت أشعر بشعور غير مريح و لكنني لم أكن أستطيع توضيحه: إن المشاعر المؤلمة التي نكابدها في طفولتنا نظل نحس بمذاقها الحاد مهما بلغ بنا العمر" أما عن والدها فإنها تحاول أن تفسر إهماله الذي يصل حد عدم مخاطبتها باسمها و هي أمامه و عدم السؤال عنها و هي مريضة فتقول " كان المال و البنون بالنسبة إليه زينة الحياة الدنيا، و كان يطمع بصبي خامس و لكني خيبت أمله و توقعه". و لم يتغير موقف الوالد منها عندما استطاعت أن تتخلص من "حياة الغياب" التي تحياها مع جملة الحريم و ذلك عندما علمها أخوها الشعر و أنقذها من "الانهيارات الداخلية". و تصور فدوى طوقان الألم النفسي الذي سببه هذا الاحتقار فتقول " إنه لا يؤمن أنني أصلح لشيء قلت هذا بيني و بين نفسي...إنه لا يحمل لي سوى شعور اللاكتراث. كأنني لا شيء كأنني عدم و فراغ..كأنني لا لزوم لوجودي إطلاقا".

إن هذا الألم الذي استبطنته الشاعرة قد تحول إلى عائق يخنق طاقتها الإبداعية. و قد كشف عن نفسه في حالة غريبة مرت بها عندما طلب أبوها أن تكتب شعرا. كان ذلك في فترة لاحقة بعد أن توفي أخوها إبراهيم و اشتهرت هي بشعرها الذاتي. لقد أراد أبوها أن تكتب شعرا وطنيا تسد به الفراغ الذي تركه موت إبراهيم و تحافظ على استمرار مساهمة العائلة في الحركة الوطنية. نسي الأب ما كان زرعه في نفسها الغضة من احتقار لذاتها و إيمان بعدم صلاحيتها و بثانوية دورها و لكنها لم تستطع أن تنسى. اعترفت الشاعرة و هي مستغربة من أمرها أنها عجزت عن قول الشعر كما طلب منها و أنها لم تقدم مساهمتها القيمة في شعر المقاومة إلا بعد أن توفي والدها. و يمكن لهذه الحادثة أن تلفت نظرنا إلى أهمية التنشئة و أهمية العلاقات العائلية في تنمية أو إحباط طاقات الفرد. إن العنف المستبطن يرتد على الذات و يعطل طاقتها. كما أن الاستنقاص من قيمة الشخص يؤدي إلى احتقاره لنفسه و إهدار قدراته و لعل هذا يفسر جزئيا قلة الإبداع النسائي و ضعفه. و لا يهمنا هنا الإبداع الأدبي فقط بل يهمنا الإبداع أو التحقق الكامل في كل طاقات المرأة حتى لا تمثل عضوا مشلولا في حال أنها تختزن نصف طاقات المجتمع.

فدوى طوقان... أنشودة مُلتهبة في جبل النار

عبدالمجيد عبدالحميد

الأعلام في سِفر التاريخ والفكر والثقافة يبقون مشاعل تنير الطريق لسالكيه من بعد هاتيك السنين، والمثقفون أحد أولئك الأعلام الذين عاشوا فوق ثرى الأرض وكدوا ونزفوا من حبر الدموع ما سوّدوا بها صفحات الأيام بالخالد من الإبداع الرصين، فكانوا قامات سامقة في سماء الأدب والثقافة العربية وبصورة جليّة. والأدب النسوي واحد من إبداعات القلم المُرهف الرقيق وهناك مبدعات في المشهد الثقافي العربي، يشهد لهن بالبّنان كباحثة البادية، بنت الشاطئ، مي زيادة، نازك الملائكة، لميعة عباس عمارة، د. عاتكة الخزرجي، وفدوى طوقان، وغيرهن الكثير في الأدب العربي الحديث... ومن يسن هؤلاء الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان التي مرت ذكرى وفاتها السابعة خلال الشهر الجاري، فإنها قد أصيبت بجلطة دماغية، تركت أثراً بالغاً على بصرها، وتوفاها الله تعالى مساء يوم 12 ديسمبر 2003، في مستشفى بمدينة نابلس الفلسطينية.

للمبدعين مع توهج الشرارة الأولى للنبوغ بدايات صعبة، وللشعراء منهم رحلة شاقة مع قوافي الشعر وبحوره الغريقة، وهذا الحال ينطبق على الشاعرة الراحلة فدوى طوقان، التي سردت سيرة حياتها وذكرياتها في كتاب “الرحلة الأصعب”، حيث دونت فيها الشاعرة لسيرتها في هذا الكتاب وصدر عن دار الشروق بعمّان، وترجم إلى اللغة الفرنسية، كما مُسْرِحَت سيرتها من قبل الفنان نبيل عودة على خشبة المسرح الفلسطيني في مسرحية حملت اسم “غيوم في رحلة جبلية”، لتروي سيرتها الحافلة بالتحدي للمستحيل، الذي أشار قائلاً عن سيرتها: “ما حققته فدوى يعتبر تحديا للمستحيل.. اقرأوا ما كتبته في رحلتها الصعبة ليأخذ القارئ، الذي لم يقرأ سيرة فدوى الذاتية، صورة عما نتحدث عن: وكما يحدث في نطاق المجتمع حيث تكون الرقابة المستبدة والقمع والقهر سبباً في خلق بنية تتركب من ثنائية الخضوع والتمرد معا، كذلك يحدث في نطاق الأفراد. في هذا البيت وبين جدرانه العالية التي تحجب كل العالم الخارجي عن جماعة الحريم الموءودة فيه انسحقت طفولتي وصباي وجزء غير قليل من شبابي”.

في نابلس

تشير سيرة الراحلة طوقان المروية إلى أنها ولدت في مدينة نابلس “جبل النار” سنة 1917م لأسرة عريقة وغنية ذات نفوذ اقتصادي، وكانت السابعة بين أخوتها وأخواتها العشرة، وتلقت دراستها في المدرسة الفاطمية الابتدائية الحكومية، فالمدرسة العائشية بنابلس، ثم واصلت تعلمها في المعهد الثقافي البريطاني بنابلس أيضاً، ومدرسة ايكرسلي، ومدرسة سلوان في أكسفورد مدة عامين حتى أتقنت اللغة الإنجليزية وأطلعت على آدابها.

نشأت فدوى في بيئة عائلية مُحافظة، وفي بيت يسيطر عليه الرجل، فالمرأة فيه قابعة بين الجدران والكتب، ولم تكن الضغوط التي مارسها الأهل عليها، إلاّ تنفيساً عن غيظ بسبب مسيرة الشعر التي بدأت تغذ السير فيها وتكرّس حياتها له بتصوف غريب. وأشار عيسى فتوح في “فدوى طوقان شاعرة الأشواق الحائرة” بأن فدوى في ظل هذا المناخ، لم يكن باستطاعتها التفاعل مع الحياة بالصورة القوية التي يجب على الشاعر أن يتفاعل معها، كان عالمها الوحيد المتسم بالخواء العاطفي هو عالم الكتب والانكباب على الدرس والمطالعة والكتابة، كانت تقرأ بنهم حتى غطت قراءتها التراث العربي والأدب العربي المعاصر والآداب العالمية والكتب الدينية بما فيها القرآن الكريم والإنجيل والتوراة والكتب التاريخية والاجتماعية والفلسفية وعلم الاجتماع والتحليل النفسي، وانجذبت بطبيعتها التشاؤمية لمعرفة هل ولد الإنسان مفطوراً على الخير أو على الشر؟ وهل تستطيع الأديان تخليص الإنسان من عذاباتها؟ وتروي الشاعرة فدوى طوقان عن فترة دراستها في المدرسة الفاطمية قائلة: “في المدرسة الفاطمية تمكنت من العثور على بعض أجزاء من نفسي الضائعة. فقد اثبت هناك وجودي الذي لم استطع أن أثبته في البيت. أحبتني معلماتي وأحببتهن، وكان منهن من يؤثرني بالتفات خاص. اذكر كيف كان يشتد خفقان قلبي كلما تحدثت معي معلمتي المفضلة “ست زهرة العمد”، والتي أحببتها كما أحب واحدة من أهلي في تلك الأيام. كانت جميلة وجها وقواماً، وكانت أنيقة، شديدة الجاذبية”.

وأضافت طوقان وهي تسرد تلك الواقعة: “كنت أرنو بشغف كبير وهي تشرح الدرس وتفسر لنا قطعة القراءة. أو حين كانت تتلو علينا قطعة الإملاء. فقد كنت اكتب الفقرة. ثم ارفع بصري في انتظار الفقرة التالية مسرورة بالنظر إلى وجهها. وكانت تقف أمام مقعدي الدراسي في الصف الأول الذي كان مخصصاً لأصغر تلميذات الصف سناً وحجماً. وحين كانت تضع أصابع يدها البيضاء على طرف مكتبي كنت أحسّ برغبتي في لثمها. فإذا انحنت نحوي لتنظر في دفتري اخترقت أحاسيسي رائحة عطر خفيفة كانت تنبعث دائماً منها. وأتمنى لو بقيت بجانبي إلى الأبد. فجأة انقطعت عن المجيء إلى المدرسة. فقد مرضت المعلمة المحبوبة. طال مرضها وطال غيابها، وعرفت الوحشة وذقت مرارة غياب الأحباب وثقل الانتظار. كانت تقطن مع عائلتها في بيت بعيد معزول في منطقة “بليبوس” في الجانب الغربي من جبل عيبال. كانت شقيقتها الكبرى معلمة الصف التمهيدي في المدرسة. وذهبت إليها برفقة بعض زميلاتي نستأذنها في زيارة ست زهرة..

علامة فارقة
على الرغم من الحصار الذي فُرض على فدوى داخل البيت وعدم الخروج منه، فقد حدثت نقلة في حياتها من خلال تشكل علاقتها مع شقيقها الشاعر إبراهيم طوقان علامة فارقة في حياتها، إذ تمكن من دفع شقيقته إلى فضاء الشعر، فاستطاعت ـ وإن لم تخرج إلى الحياة العامة ـ أن تشارك فيها بنشر قصائدها في الصحف المصرية والعراقية واللبنانية، وهو ما لفت إليها الأنظار في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ومطلع الأربعينيات. ثم حكت عن موقف حدث مع شقيقها إبراهيم حينما كانا يتناولان طعام الغداء وهو يحدث والدته عن تلميذين من تلامذته كانا قد جاءا إليه في ذلك الصباح بقصائد من نظمهما، خالية من عيوب الوزن والقافية، وكم كان فخوراً بهما، وبعفوية مطلقة وبصوتي الخافت قلت لإبراهيم “نيالهم”، وتعني: هنيئاً لهم. هنا نظر إبراهيم إلى شقيقته فدوى وصمت. ثم قال لها فجأة: سأعلمك نظم الشعر، هيا معي”.

وأكملت الشاعرة رواية الموقف قائلة: “كانت أمي قد سكبت له الطعام، ولكنه ترك الغرفة. ولحقت به، وارتقينا معاً السلم المؤدي إلى الطابق التالي حيث غرفته ومكتبته. وقف أمام رفوف الكتب وراح ينقل عينيه فيها باحثاً عن كتاب معين. أما أنا فكان قلبي يتواثب في صدري، وقد كتمت أنفاسي اللاهثة. دقيقتان، واقبل عليَّ وفي يده كتاب “الحماسة” لأبي تمام. نظر في الفهرس ثم فتح الكتاب عند صفحة بالذات. قال: هذه القصيدة. سأقرؤها لك وأفسرها بيتاً بيتاً ثم تنقلينها إلى دفتر خاص وتحفظينها غيباً، لأسمعها منك هذا المساء عن ظهر قلب. وبدأ يقرأ: “امرأة ترثي أخاها”:

طاف يبغي نجوة من هلاك فهلك

ليت شعري ضلة أي شيء قتلك

أي شيء حسن لفتى لم يك لك

كل شيء قاتل حين تلقى أجلك

والمنايا رصد للفتى حيث سلك

شرح لي معنى الأبيات، فشعرت بخيط رفيع من السوداوية يجز في قلبي. قال: لقد تعمدت أن اختار لك هذا الشعر لتري كيف كانت نساء العرب تكتب الشعر الجميل... ولم تكن هذه بعيني كلمات، بل كانت شموساً وأقماراً قبلها كانت حياتي واقفة لا تسير مع الزمن ولا اعرف ماذا أفعل بها. أما الآن فهاهي حياتي تتحرك، وهاهو إيقاعها يسرع. وها أنا أشعر بتجددي وبعودة الثقة بالنفس من جديد. ما أروع الخطوة الأولى، ما أجملها، ما اشد سحرها! أصبحت خفيفة كالطائر. لم اعد مثقلة القلب بالهم والتعب النفسي. في لحظة واحدة انزاح جبل الهوان وابتلعه العدم. وامتدت مكانه في نفسي مساحات المستقبل شاسعة مضيئة، خضراء كمروج القمح في الربيع. ويا لرهبة الخطوة الأولى”.
ومثّلت وفاة شقيقها إبراهيم، ثم والدها ثم نكبة 1948م دافعا لها لكي تشارك من بعيد في خضم الحياة السياسية في الخمسينيات، وقد استهوتها الأفكار الليبرالية والتحررية كتعبير عن رفض استحقاقات النكبة الفلسطينية. أما النقلة المهمة في حياة الشاعرة فكانت في رحلتها إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، التي دامت سنتين، حيث تفتحت خلالها آفاق معرفية وجمالية وإنسانية، جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة. كما نقرأ في سيرة طوقان أنها بعد نكسة حزيران 1967م خرجت لتخوض في غمار الحياة اليومية الصاخبة بتفاصيلها، فشاركت في الحياة العامة لأهالي مدينتها نابلس وهي تحت حراب الاحتلال الصهيوني، ومن ثمّ تبدأ عدة مساجلات شعرية وصحافية مع ثقافة المحتل وهيمنته بمشاركة من الشعراء الفلسطينيين أمثال الشاعر محمود درويش، وسميح القاسم وتوفيق زيّاد...

الميل الفطري للشعر

أشارت فدوى في سيرتها إلى الميل الفطري الذي اجتاح كيانها صوب الشعر وقوافيه المتوهجة في داخل نفسها، وكيف أجج فيها جذوته التي راحت تغذيه ببصيص من الإبداع، فتقول عن ذلك الميل الفطري: “منذ صغري أعلن عن نفسه ميلي الفطري للشعر. كنت أجد متعة كبيرة في ترديد محفوظاتي المدرسية منه، واقف مملوءة بالانبهار والدهشة أمام ما يقع عليه بصري من قصائد أو مقطوعات مطبوعة في الكتب المدرسية أو في الصحف التي كان يحضرها أبي وإخوتي إلى البيت، وذلك رغماً عن عجزي عن إدراك مضامينها. كان هناك كتاب اسمه “الكشكول”، يضم مجموعة من الطرائف والشعر والأخبار الأدبية والتاريخية. وفي هذا الكتاب كان لي أول لقاء مع قصيدة “أيها الساقي إليك المشتكى”.
وقد وضعتني القصيدة أو بالأحرى الموشح في دائرة سحرية غامضة، لعل منشأها موسيقاه الخارجية المنبثة من طبيعة الوزن، والمتميزة بتنوع القوافي، مع الالتزام بقافيتي الشطرين الأخيرين من كل مقطع، مما اكسب الموشح إيقاعاً يريح السمع ويهدهد النفس. أما الكلمات فكان معظمها بالنسبة لي محملاً بمعان انفعالية نفسانية غير التي قصدها الشاعر”.

وتضيف قائلة:” كان السقاؤون في تلك الأيام يزودون بيوت البلدة بالماء باستثناء بعض البيوت القليلة، لا سيما بيوت الإقطاع القديمة. والتي كان أصحابها يمتلكون حصصهم الخاصة بهم من مياه الينابيع العديدة في البلدة. وكانت المياه تصل إلى تلك البيوت بواسطة القنوات الفخارية تحت سطح الأرض وتصبّ في البرك القائمة وسط ساحات البيوت الفسيحة”. وتضيف قائلة لتروي حكايتها مع الشعر: “وحين كنت أبدأ بإلقاء المطلع:

أيها الساقي إليك المُشتكى قد دعوناك وان لم تسمع

وكانت كلمة الساقي تتخذ في ذهني معنى انفعالياً خاصاً، مقروناً بصورة السقّاء الكهل الذي كان يزود بيوت “حارة العقبة” بالماء ينقله إليها من “عين الكأس” شرقي البلدة. كان مجيء السقاء إلى منزل خالتي في حارة العقبة مبعث إثارة محببة لي، فمنذ يطأ بقدمه أول درجة من درجات السُلّم الخارجي المفضي إلى الدار، كان صوته يرتفع بالكلمات المألوفة: “يا ساتر، يا الله” وذلك تنبيهاً للنسوة لكي يتوارين خلف الأبواب. كنت اركض إلى السقّاء واقف بجانبه عند الزير الكبير، ارقبه وهو يرفع القربة عن ظهره بيديه القويتين، ثم يسندها إلى بطنه وقد جعل فوهتها المربوطة على فمّ الزير الواسع، وبعد ذلك يشرع بفك الرباط، فيندلق الماء العذب الفضي في الزير الذي لم يكن ليمتلئ قبل أن يبتلع حمولة أربع قرب أو أكثر.

كان الساقي الذي يخاطبه الشاعر يمثل دائماً في خيالي متقمصاً شخصية السقّاء الكهل، سقاء “حارة العقبة”. ولما كنت أجهل ما هو “الزق” في قوله:

“جذب الزق إليه واتكأ”، فقد استلزم الفعلان “جذب ـ واتكأ” إعطاء كلمة الزق عندي معنى الوسادة. أما النديم الذي هام الشاعر في غرته: “ونديم همت في غرته” فكنت أتخيله ابن جارنا بائع حلاوة الطحينية، ذلك الفتى الأسمر الطويل النحيل الذي كان يحمل اسم نديم، وهكذا كان يعطي خيالي للكلمات صوراً ودلالات خاصة به وحده، وكنت اغتنم فرصة غياب أبي وأبناء عمي وقت العصر فارتقي السُلّم الخارجي المكشوف المؤدي إلى أحد طوابق الدار العليا. واقف متجهة نحو الشجر المنتصب في صحن الدار، واشرع في إلقاء الموشح بصوت واثق مرتفع، مقلدة بذلك إبراهيم ـ شقيقها ـ في إلقائه للشعر، وأتخيل نفسي شاعرة تقرأ شعرها على الجمع المحتشد كما يفعل إبراهيم، واستغرق في تخيل الصورة حتى يكاد يصبح الخيال في إحساسي حقيقة، فإذا انتهيت عدت إلى الإنشاد مرة ثانية، ثم ثالثة، ثم رابعة، وانا في حالة أشبه بالجذب الصوفي”. وتكمل روايتها: “وبعد ستة وعشرين عاماً، في عصر يوم من أيام حزيران سنة 1955م، وقفت في قاعة “وست” في الجامعة الأميركية في بيروت، لأواجه لأول مرة في حياتي الحشد الذي دعته الدائرة العربية في الجامعة للاستماع إلى مختارات من شعري...”.

متانة وسبك جيد

تعدّ فدوى طوقان من الشاعرات العربيات القلائل اللواتي خرجن من الأساليب الكلاسيكية للقصيدة العربية القديمة خروجًا سهلاً غير مفتعل، وحافظت فدوى في ذلك على الوزن الموسيقي القديم والإيقاع الداخلي الحديث. ويتميز شعر فدوى طوقان بالمتانة اللغوية والسبك الجيّد، مع ميل للسردية والمباشرة. كما يتميز بالغنائية وبطاقة عاطفية مذهلة، تختلط فيه الشكوى بالمرارة والتفجع وغياب الآخرين. وتقول عنها الأديبة الراحلة وداد سكاكيني (1913 ـ 1991): “لقد كان قلب الشاعرة فدوى طوقان مثل غرفة معتمة، امتدت يدّ الحب إلى شبابيكها ففتحتها ليدخل إليها الهواء والضياء وطعم الحياة، وإذا كان في هذا الشعر العاطفي صورة حقيقية للشاعرة وجدناها فيها قد انتفضت من غمرة الهوى المكتوم إلى مسارب ذاتها، فهدهدت ثورتها وسكبت حبها في صوفية عميقة وإنسانية مثالية، وخرجت من فرديتها إلى أفق طليق الرحاب...”.

مؤلفات وافرة

عبر رحلة امتدت خمسين سنة، أصدرت الراحلة الشاعرة فدوى طوقان ثمانية دواوين شعرية هي: وحدي مع الأيام 1952، وجدتها، وأعطنا حباً، وأمام الباب المغلق، والليل والفرسان، وعلى قمة الدنيا وحيدًا، وتموز والشيء الآخر واللحن الأخير 2000م، عدا كتابيّ سيرتها الذاتية رحلة صعبة، رحلة جبلية والرحلة الأصعب، وأخي إبراهيم سيرة ودراسة، وحدي مع الأيام شعر.

كما نالت عدة جوائز دولية وعربية ومحلية ـ فلسطينية ـ وعلى تكريم العديد من المحافل الثقافية في بلدان وأقطار متعددة، منها: جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط باليرمو إيطالية، وجائزة سلطان العويس، الإمارات العربية المتحدة، 1989م، وجائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، إيطالية 1992م، وحصلت على جائزة الاستحقاق الثقافي، بتونس 1996م، ووسام أفضل شاعرة للعالم العربي، الخليل، عماد شاهين.

قصائد متفرقة

وللشاعرة فدوى بصمة على خريطة الشعر الفلسطينيّ المقاوم للاحتلال الصهيوني. إذ تعتمد أشعارها على الوصف الخارجيّ، ونقل الحوادث بشكل منتظم. ونجدها تلجأ إلى تصوير الجوِّ والشخصيات إلى طريقة ساذجة تحدّد مُسبقاً كلّ الصفات التي تريد أن تضيفها على الموضوع. أي أنّها تحاول تثبيت الصورة، ومن ثمّ تجميدها وعزلها عن الحياة بقول محيي الدين صبحي في “دراسات تحليلية في الشعر العربي الحديث”. ونقرأ في ديوان فدوى طوقان من قصائد الشاعرة قصيدتها المعنونة بـ: “إليهم وراء القضبان” من ديوانها المنشور، التي تقول فيها:

“وشرَّعتْ جهنمٌ أبوابها

وابتلعت براعم الصبيّ الطريَّ في أقبائِها

ولم تزل هناك الغنوة

على شفاه الفتية الفرسان

حمراء مزهوّه

تخترقُ الظلام والجدران:

“يا أخوتي”

“بدمي أخطُ وصيتي”

“أن تحفظوا لي ثورتي”.

ثم ترسم فدوى من قصيدة من مفكرة “رندة” صورة التحقيق البشع الذي يمارسه الصهاينة بحقّ المعتقلين ليلاً في سجون الاحتلال، إذ تقول:

“.. في منتصف هذا الليل.. آه!

حذاؤه يدقُّ في الدهليز.. آه!

مبتدعُ التعذيب

آتٍ وتدنيني خُطاهُ

من غرفة التحقيق.. آه!

آتٍ وتدنيني خطاه

من زمن الكابوس والجحيم والصراع

حذاؤهُ يدقُّ في الدهليز

دمي يدقُّ وعروقي والنخاع

توّحشي ما شئت يا

شراسة الأوجاع

فلن ينزُّ من دمي جواب”.

وكان شعرها ترجماناً صادقاً لحياتها في كل مراحلها، وصدى لأشواقها الحائرة، وأحاسيسها المبهمة، وبوحها الشفاف، وحنينها الظامئ، وأحلامها العطشى التائهة في السديم، وروحها الهائمة في المجهول، كما في قصائدها “من وراء الجدران، وضباب التأمل، وأشواق حائرة” التي تقول فيها:

نفسي موزعة معذبة بحنينها بغموض لهفتها

شوق إلى المجهول يدفعها مقتحماً جدران عزلتها

شوق إلى ما لست أفهمه يدعو بها في صمت وحدتها

أهي الطبيعة صاح هاتفها أهي الحياة تهيب بأبنيتها

ماذا أحسّ؟ شعور تائهة عن نفسها تشقى بحيرتها

صلاة إلى العام الجديد

لقد تطور حبّ فدوى طوقان بعد أن خرجت من عزلة جدران الحديد، فلم يعد حباً فردياً ينحصر بالآخر، بل فتح آفاقه الواسعة حتى شمل الناس جميعاً، وغمرت أبعاده الكون، وصار حباً إنسانياً يملاً دنيا البشر جمالاً وخصباً وبهاءً وتقول في قصيدتها: “صلاة إلى العام الجديد”:

أعطنا حباً فبالحب كنوز الخير فينا تنفجر

وأغانينا ستحضر على الحب وتزهر

وستنهل عطاء وثراء وخصوبة

أعطنا حباً فنبني العالم المنهار

فينا من جديد ونعيد

فرحة الخصب لدنيانا الجديبة

أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود

ننطلق من كهفنا المحصور

من عزلة جدران الحديد

أعطنا نوراً يشق الظلمات المدلهمة

وعلى دفق سناه

نرفع الخطو إلى ذروة قمة

نجتني منها انتصارات الحياة

وبعد رحلة حافلة بالعطاء الشعري المتميز في المشهد الفلسطيني المقاوم والعربي بصورة عامة، وفي يوم السبت 12 ديسمبر 2003م ودعت فدوى طوقان الحياة عن عُمر ناهز السادسة والثمانين قضتها في محراب الشعر المتوهج بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين المحتلة، وكتب على شاهد قبرها قصيدتها المشهورة “أموت عليها وأدفن فيها” في مدينتها الأثيرة جبل النار نابلس:

“وتحت ثراها أذوب وأفنَى

وأبعث عشباً على أرضها

وأبعثُ زهرة إليها

تعبث بها كفّ طفل نمته بلادي

تُراباً، وعشباً، وزهرة...”.

طمأنينة السماء
عج الأسى في نفسها الشاعره في ليلة مقرورة كافره
وحيدة ، ضاق بها مخدع توغل في الوحشة السادره!
كم شهد المكبوت من شجوها تثيره خلجاتها الثائرة . .
كم التوت فيه على قلبها تبكي أماني قلبها العاثرة
وكم ، وكم ، ولا يد برّةٌ تأسو جراح الزمن الغائرة !
تنهدت مما عراها ، وقد مالت على شرفتها حانيه
وقلّبته بصراً تائهاً في جوف تلك الظلمة الغاشية
لا ومضة تخفق من كوةٍ لا نبأة تصعد من ناحية
سوى هزيز الريح تهتاجها أصداؤه المفجوعة الباكيه
وقلبها المحروم ما يأتلي يدقّ خلف الأضلع الواهيه !
ورجّت الوحشة أعماقها في هيكل الليل الكئيب الضرير
فاصطرعت فيها أحاسيسها كاللج يطغي في الخضم الكبير
ووثبت أشباح آلامها مجنونة ، تشب شبّ السعير
فجمدت في جفنها دمعة تصاعدت من قلبها المستطير
ثم همت محرورةً مرةً كأنها تضرّع المستجير
تلفّتت وراءها في أسى نحو مهاوي أمها الغابر
لعلّ في أغواره لمحةً تلوح من ذكرى سني عابر
لعلّ في الماضي وأطيافه عزاءها من قسوة الحاضر
فما رأت غير حطام المنى على صخور القدر الغادر . .
وبعض أشلاء هوىً حالم مرتطم بالواقع الساخر . .
وسرّحت أمامه طرفها عبر غدٍ مكتنف بالضباب !
فأبصرت ، ما أبصرت ؟ مهمهاً مستبهم الافق مخوف الشعاب
تبعثرت فيه الصور واختفت معالم السبل وراء اليباب
وهي على الدرب ذعور الخطى . . رفيقها الوحدة والإغتراب . .
والظمأ الكاسر لا يرتوي في قلبها الهائم خلف السراب ! . .
وكان أقسى ما شجى نفسها وابتعث الراعب من هجسها
تدفق الظلمة في يومها . . في غدها المحروم . . . في أمها . .
ظلمة عمرٍ كل أيامه ليل تدجّى في مدى حسها
النور ، أين النور ؟ هل قطرة تسيل منه في دجى يأسها
من أين والأقدار قد جفّفت منابع الأضواء من نفسها
وفي شرود مبهم غامضٍ تعلقّت مقلتها بالسماء !
فانشق صدر الليل عن كوكب مشعشع الوهج دفوق الضياء
كان روح الله من فوقه تمدّه بنورها عن سخاء
فانخطفت في ذهلة روحها خلف النهايات . . وراء الفضاء
هناك حيث النور لا ينتهي هنالك حيث النور فوق الفناء
هناك غشّتها طمأنينة علويّة ما لمداها حدود
وصاح من أعماقها هاتف ينتظم الأرض صداه البعيد
يا أرض ، أحزانك مهما قست وطبّقت حولي مجالي الوجود
هيهات ان تلمس روحاً سرى فيها من الله ضياء الخلود !.








قالوا عن فدوى طوقان:

"فدوى طوقان من أبرز شعراء جيلها، وما من شك في أن ما أسهمت به في دواوينها يعد جزءاً هاماً من التراث الشعري الحديث".
من تقرير لجنة تحكيم جائزة البابطين للإبداع الشعري، 1994م.

"تميزت فدوى طوقان بروح إبداعية واضحة، وضعت شعرها في مقدمة الشعر النسائي الفلسطيني إن لم يكن في مقدمة الشعر النسائي العربي".
شاكر النابلسي، من مقدمة كتابه "فدوى طوقان تشتبك مع الشعر".

- فدوى طوقان شاعرة عربية بديعة الأنغام، والتصاوير، والموسيقى، صاحبة موهبة فنية رفيعة بين شعراء وشاعرات الوطن العربي المعاصرين"
د. عبدالمنعم خفاجي

- "كان شعرها صوراً حية لتطورالحياة الشعرية بعد النكبة، ومن يمض في قراءته، ويتدرج معه من حيث الزمان، يجد صورة وجدانية لحياة المجتمع الفلسطيني وتطورها بفعل تطور الأحداث المشتملة عليه".
د. عبدالرحمن ياغي

-"كانت قضية فلسطين تصبغ جانباً هاماً من شعر فدوى بلون أحمر قان، وكان شعر المقاومة عندها عنصراً أساسياً وملمحاً رئيسياً لا يكتمل وجهها الشعري بدونه...
من ملف جريدة البعث السورية عن فدوى طوقان.

-"منذ أيام الراحل العظيم طه حسين لم تبلغ سيرة ذاتية ما بلغته سيرة فدوى طوقان من جرأة في الطرح وأصالة في التعبير وإشراق في العبارة"
الشاعر سميح القاسم.









من أشعار فدوى طوقان:



في ضباب التأمل


في ليلة مجنونة الإعصار ، ثائرة مثيرة

تتراقص الأشباح فيها خلف نافذتي الصغيرة

ألقيت فوق وسادتي آلام روحٍ مثقلٍ

مصدومة شاردة أقلب في الظلام كتاب عمري

صور ، وأطياف كئيبات ، تلوّن كل سطر

فهنا خيال شاحب لم ترحم الدنيا ذبوله

هذا خيال طفولة لم تدر ما مرح الطفولة

وهنا صباّ عضّت عليه قيود سجنٍ واضطهاد

باكٍ ، ذوت أيامه خلف انطواء وانفراد . .

وهنا شباب ما يزال يجوس قفراً بعد قفر

متحرّق أبدا إلى شيء . . إلى ما لست أدري ! . .

تغدوه فوق دخانها متعطشاً يقفو السرابا

أحلامه الحيرى معلقّة بأفلاك الغيوم

ستظل أحلاماً عطاشى ، تائهات في السديم

وهناك عن قمم النزوع ؛ هناك عن قمم الطموح

دنيا منىً ، وبروج آمال تهاوت للسفوح . .

وتململت بقفار قلبي ، في فراغ توحدّي

نفسٌ تسائل نفسها في حيرة وتردّد :

لم جئت للدنيا ؟ أجئت لغاية هي فوق ظني ؟

املأت في الدنيا فراغا خافياً في الغيب عني ؟

أيحس هذا الكون نقصاً حينما أخلي مكاني ؟!

وأروح لم أخلف ورائي فيه جزءاً من كياني؟!

إن كان غيري في وجودهم امتداد للوجود

صورٌ ستبقى منهم يحيون فيها من جديد . .

فانا سأمضي ، لم أصب هدفاً ولا حققّت غاية !

عمر نهايته خواء فارغ . . مثل البداية !

هذي حياتي ، خيبة وتمزّقٌ يجتاح ذاتي

هذي حياتي ، فيم أحياها ؟ وما معنى حياتي؟



.................



من الأعماق

سرت وحدي في غربة العمر ، في التيه المعمّى ، تيه الحياة السحيق

لا أرى غاية لسيري . . ولا أبصر قصداً يوفي إليه طريقي

ملل في صميم روحي ينساب ، وفيض من الظلام الدفوق

وأنا في توحّشي ، تنفض الحيرة حولي حولي أشباح رعب محيق

سرت وحدي ، في التيه ، لا قلب يهتزُّ صدى خفقه بقلبي الوحيد

سرت وحدي ، لا وقع خطو سوى خطوي على المجهل المخوف البعيد

لا رفيق ، لا صاحب لا دليل ، غير يأسي ووحدتي وشرودي

وجمود الحياة يضفي على عمري طلّ الفناء . . . طل الهمود

والتقينا . . لم أدر أي قوىً ساقتك حتى عبرت درب حياتي

كيف كان اللقاء ؟ من ذا هدى خطوك ؟ كيف انبعث في طرقاتي

لست ادري لكن رأيتك روحاً يوقظ الشوق في مسارب ذاتي

ويذرّي الرماد عن روحي الخابي ، ويذكي ناري ، ويحي مواتي

حدّقت مقلتاك فيّ ، وآلامي يغشّي ضبابها مقلتيّه

لست أدري ما استجلتاه ولا ما رأتا خلف وحدتي الأبديّه . . .

غير أني أبصرت روحك تهتّز انعطافاً ، في رقة علويّه

وهنا خلتني شعرت بروح الله رفّت من السماء عليّه!

وافترقنا ، و بين كفّي رسمٌ لم يزل كلّ زاد روحي المتيّم
كم تلمّست عمق عينيك فيه و بعينيّ أدمعٌ تتضرّم ...
يا لقلبي ، كم راح بين يديه يهتك الحجب عن هواه المكتّم..
أصغ ، تسمع عبر الصحارى صداه يترامى إليك شعراً مرنّم !


.................




تهويمة صوفية


أي لحن مسلسل رقراق راح ينساب في مدى الآفاق
أيقظ الكون حين منبثق الفجر على غمرةٍ من الأشواق

وإذا الحب ملء هذا الوجود الرحب يسري في روعة وانطلاق

وإذا الكائنات يغرقها الوجد الإلهيّ في سنى الاشراق !

السموات من حنين ووجدٍ خاشعات خلف الغيوم الرقاق
والجبال الشّماء تشخص نحو الله سكرى في ذهلة المشتاق

وندى الفجر في الرياض الحوالي

أدمع الشوق رقرقت في المآقي

كلّ ما في الوجود من روعة اسم الله في نشوةٍ وفي استغراق !

أي لحن مخلّد سرمديّ من لحون الآزال و الآباد
أي لحن قد صيّر الكون أغرودة حب رخيمة الإنشاد

يا لهذا النشيد تنطلق الأرواح فيه من ربقة الأجساد

يا لهذا النشيد أوغل في أعماق ذاتي محطّماً أصفادي

يا لقيدي الارضيّ يسحقه اللحن ويذروه حفنةً من رماد

وإذا الروح في تجرده يسمو مشعّاً كالكوكب الوقّاد

عانق اللحن مصعداً وتوارى يتخطى شواسع الأبعاد

غارقاً في صفائه ، قد تغشّته غواشي غيبوبةٍ وامتداد

كلّما رنّ في السكون صدى تسبيحة الله رائع الترديد

و سرت في الأثير الطهر و أوغلن في الفضاء البعيد

أهطعت أنفس و ذابت قلوب يزهيها الفناء في المبعود !
و تسامىالشعور يلهب فيها خلجات الأيمان و التمجيد
يا لهذا الصفاء ..يا لتجّلي الله .. يا روعة الجلال الفريد!

لكأني بالكون يهتف : يا رب ، و يمضي مستغرقاً في الشرود

لكأني أحسّ و شك اتصالي .. لكأني أشم عطر الخلود!

أنا يا رب ّ قطرة منك تاهت فوق أرض الشقاء و التنكيد
فمتى أهتدي الىمنبعي الأسمى و أفنى في فيضه المنشود

ضاق روحي بالأرض ،بالأسر ،بالقيد ،فحرر روحي و فك قيودي

ضمني ، ضمني ،فقد طال انفصالي ،و طال بي تشريدي


.................


طمأنينة السماء


عج الأسى في نفسها الشاعره في ليلة مقرورة كافره
وحيدة ، ضاق بها مخدع توغل في الوحشة السادره!
كم شهد المكبوت من شجوها تثيره خلجاتها الثائرة . .
كم التوت فيه على قلبها تبكي أماني قلبها العاثرة
وكم ، وكم ، ولا يد برّةٌ تأسو جراح الزمن الغائرة !
تنهدت مما عراها ، وقد مالت على شرفتها حانيه
وقلّبته بصراً تائهاً في جوف تلك الظلمة الغاشية
لا ومضة تخفق من كوةٍ لا نبأة تصعد من ناحية
سوى هزيز الريح تهتاجها أصداؤه المفجوعة الباكيه
وقلبها المحروم ما يأتلي يدقّ خلف الأضلع الواهيه !
ورجّت الوحشة أعماقها في هيكل الليل الكئيب الضرير
فاصطرعت فيها أحاسيسها كاللج يطغي في الخضم الكبير
ووثبت أشباح آلامها مجنونة ، تشب شبّ السعير
فجمدت في جفنها دمعة تصاعدت من قلبها المستطير
ثم همت محرورةً مرةً كأنها تضرّع المستجير
تلفّتت وراءها في أسى نحو مهاوي أمها الغابر
لعلّ في أغواره لمحةً تلوح من ذكرى سني عابر
لعلّ في الماضي وأطيافه عزاءها من قسوة الحاضر
فما رأت غير حطام المنى على صخور القدر الغادر . .
وبعض أشلاء هوىً حالم مرتطم بالواقع الساخر . .
وسرّحت أمامه طرفها عبر غدٍ مكتنف بالضباب !
فأبصرت ، ما أبصرت ؟ مهمهاً مستبهم الافق مخوف الشعاب
تبعثرت فيه الصور واختفت معالم السبل وراء اليباب
وهي على الدرب ذعور الخطى . . رفيقها الوحدة والإغتراب . .
والظمأ الكاسر لا يرتوي في قلبها الهائم خلف السراب ! . .
وكان أقسى ما شجى نفسها وابتعث الراعب من هجسها
تدفق الظلمة في يومها . . في غدها المحروم . . . في أمها . .
ظلمة عمرٍ كل أيامه ليل تدجّى في مدى حسها
النور ، أين النور ؟ هل قطرة تسيل منه في دجى يأسها
من أين والأقدار قد جفّفت منابع الأضواء من نفسها
وفي شرود مبهم غامضٍ تعلقّت مقلتها بالسماء !
فانشق صدر الليل عن كوكب مشعشع الوهج دفوق الضياء
كان روح الله من فوقه تمدّه بنورها عن سخاء
فانخطفت في ذهلة روحها خلف النهايات . . وراء الفضاء
هناك حيث النور لا ينتهي هنالك حيث النور فوق الفناء
هناك غشّتها طمأنينة علويّة ما لمداها حدود
وصاح من أعماقها هاتف ينتظم الأرض صداه البعيد
يا أرض ، أحزانك مهما قست وطبّقت حولي مجالي الوجود
هيهات ان تلمس روحاً سرى فيها من الله ضياء الخلود !.


.................


مع سنابل القمح


أوت الى الحقل كطيف كئيب يرسو بعينها أسى غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم ، خائر . . .
غامضة ، في العمق أغوارها فيض انفعالات وإحساس
صيّرها شذوذ أطوارها غريبة في عالم الناس
تأملت في السنبل الوادع يموج في الحقل زكيّا نماه
تكاد في سكونها الخاشع تسمع في السنبل نبض الحياه
وفي رؤى خيالها الشارد منجذباً بروعة السنبل
لاحت لعينيها يد الحاصد يخفق فيها شبح المنجل
رأت رغيفا جبلته دموع دموع مكدودين مستضفين
أنضاء حرمان وبؤس وجوع هانوا على الرحمة والراحمين
رأته في كفّ غنيّ بخيل سطت عليه يده الجانيه
الخبز في كيانه يستحيل خلجات شح كزّةً قاسية
ومدّت الأفكار أظلالها فلم تزل شاخصة في وجوم
من أبصر استغراقها خالها مخبولة تهيم فوق الغيوم
كانت تناجي ما وراء الفضاء قوى القضاء الغامض المبهم :
من يمطر الرزق على ذي الثراء ويمسك الرزق عن المعدم ؟
كم بائس ، كم جائع ، كم فقير يكدح لا يجني سوى بؤسه
ومترف يلهو بدنيا الفجور قد حصر الحياة في كأسه
أرحمه الله بعليا سماء تقول أن يكتظّ جوف الثري ؟!
ويحرم المعوز قوت الحياة في عيشه المضطرب الأعسر
أليس في قدرته القادره أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء !
أليس في قوّته القاهره أن يغمر الأرض بعدل السماء !
وراعها صوت عميق مثير جلجل فيها مثل صوت القدر :
لم تحبس السماء رزق الفقير لكنه في الأرض ظلم البشر . .
وأطرقت ، نهباً لشك مريب يملؤها منه أسىً غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم ، حائر!..



.................


إلى أين ؟


إلى أين تنأين عن جاذبية شيءٍ مقدّرْ

يشدك قسرًا إليه?

رويدك مَهْمَا تشبثت أنت بذيل القرار

ما من مفرْ

بأي جناحين أنت تطيرين هاربة منه

طيري كما شئت نحو أقاصي المدى

جناحاك من طينةِ الشمعِ الشمسُ

ملء الأقاصي وما من مفرْ



.................



أنشودةٌ للحبِّ

كان وراء البنت الطفلةِ

عشرةُ أعوامْ

حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:

حنانك خذني

كن لي أنت الأبَ

كن لي الأمّ

وكن لي الأهلْ

وحدي أنا

لا شيء أنا

أنا ظلّ

وحدي في كون مهجور

فيه الحبُّ تجمّدْ

فيه الحسُّ تبلّدْ

وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو

للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ

للنطّ على الحبلِ

وللغوصِ بماءِ البركةِ

للّهو مع الأطفالْ

لتسلّق أشجارِ الدارْ

القمعُ يعذبني

والسطوة ترهبني

والجسم سقيمٌ منهار

أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ

أهتفُ

أرجُو

أتوسّل:

ظلّلني تحت جناحيكَ

أغثني

خذني من عشرة أعوامِي

من ظلمةِ أيامي خذنِي

وسّعْ لي حضنَك دَعْني

أتوسَّدُ صدرَك امنحني

أمنًا وسلام

يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ

وخلاص المنبوذين المحرومينْ

خذني!

خذني!

يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ

وراءَ العامِ وراءَ العامِ

الطفلةُ تكبَرُ والأنثى

وردةُ بستانْ

تتفتّح والأطيارُ تطوفْ

وتحوم رفوفًا حول الوردةِ

بعد رفوفْ

الزّمنُ الصعْبُ يصالحها

ومجالي الكوْن تضاحكها

والحبُّ يفيضُ عليها

من كلّ جهات الدنيا

ويطوّقها بتمائمه

ويباركها بشعائِرِه

ويساقيها من كوثرِهِ

ما أحلى الحبّ وما أبهاه!

الأنثى الوردةُ بعد سُراها

وتخبّطها في ليلِ متاههْ

تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ

تصير إلههْ

هالاتُ النورِ تتوّجُها

وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي

تُمطر موسيقى وقصائدْ

وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ

الضوءَ على أملٍ واعدْ

ما أحلى الحبّْ!

تتفتح فيه عيون القلبْ

ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ

فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ

ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا

تبلغُهُ الأفهامْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

كونٌ مكتملٌ ومعافى

لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ

يتناسق فيه العمرُ ويمسي

إيقاعًا كونيّ الأنغامْ

تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)

تزهو بحوارٍ موصولٍ

حتى في الصمتْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

يحيا بين يديْه رميمْ

تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ

فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ

بدقّاتِ القلبِ المبهورْ

لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا

بتوالي الأشهرِ والأعوامْ

ما أحلى الحبّْ!


.................

الصخرة



أنظر هنا ،

الصخرة السوداء شدّت فوق صدري

بسلاسل القدر العتيّ

بسلاسل الزمن الغبيّ

انظر إليها كيف تطحن تحتها

ثمري وزهري

نحتت مع الأيام ذاتي

سحقت مع الدنيا حياتي

دعني فلن نقوى عليها

لن تفكّ قيود أسري

سأظل وحدي

في انطواء

ما دام سجّاني القضاء

دعني

سأبقى هكذا

لا نور

لا غد

لا رجاء

الصخرة السوداء ما من مهرب

ما من مفرّ

عبثاً أزحزح ثقلها عنّي

بنسياني لنفسي

كم خضت في

قلب الحياة

وضربت في

كل اتجاه

ألهو

أغني

في ينابيع الشباب

أعط كأسي

وأعبّ في نهمٍ شديد

حتى أغيب عن الوجود

دنيا المباهج كم خدعت

بحضنها ألمي وبؤسي

فهربت من

دنيا شعوري

ورقصت في

نزق الطيور

وأنا أقهقه في جنون ، ثم من

أعماق يأسي

يرتجّ في روحي نداء

ويظلّ يرعد في الخفاء :

لن تهربي

إني هنا

لن تهربي

ما من مفرّ

ويهبّ

طيف الصخرة السوداء

ممسوخ الصور

عبثاً أزحزحها

سدى أبغي الهروب

فلا مفر

كم جست في أرض الشقاء

أشتفّ إكسير العزاء

من شقوة السجناء أمثالي

ومن أسرى القدر

فولجت ما

بين الجموع

حيث المآسي

والدموع

حيث السياط تؤزّ . تهوي

فوق قطعان البشر

فوق الظهور العارية

فوق الرقاب العانية

حيث العبيد

مسخّرون

تدافعوا زمراً

زمر

من كلّ منسق غرق

بالدمع

بالدم

بالعرق

وبقيت التمس العزاء

من الشقاء

ولا مفرّ

فالصخرة السوداء

لعنه

ولدت معي

لتظلّ محنه

بكماء

تلحقني

يتابع ظلّها خطوات عمري

انظرهنا كيف استقرت

في عتوٍ

فوق صدري

دعني

فلن نقوى عليها

لن تفكّ قيود أسري

ستظلّ روحي

في انقفال

سأظل وحدي

في نضال

وحدي

مع الألم الكبير

مع الزمان

مع القدر

وحدي

وهذي الصخرة السوداء

تطحن

لا مفر

.................


اغنية صغيرة لليأس

. . وحين يمد ، يشدّ ، يمزّق ، يطحن ،

ينفضني

يزرع النخل فيّ ،

ويحرث بستان روحي ،

يسوق اليها الغمام

فيهطل فيها المطر

ويورق فيها الشجر

وأعلم أنّ الحياة تظل صديقه

وأنّ القمر

وإن ضلّ عني ، سيعرف نحوي طريقه

.................

عبر المدى ، أود لو أطير


عبر المدى ، أود لو أطير

يغرقني في لجّة الحنين

وبالحنين والذكر

أفزع يا صغيرتي إلى الشّريط

ويملأ المكان صوتك الصغير:

(خذوني إلى بيسان

إلى ضيعتي الشّتائيه )

الله يا بيسان !

كانت لنا أرضٌ هناك ،

بيارةٌ ، حقول قمحٍ ترتمي مدّ البصر

تعطي أبي خيراتها

القمح والثّمر

كان أبي يحبّها ، يحبّها ،

كان يقول : لن أبيعها حتى ولو

أعطيت ملأها ذهب

... واغتصبت الأرض التّتر !!

ومات جدّك الحزين يا صغيرتي

مات أبي من حزنه

كانت جذوره تغوص في قرار أرضه

هناك ، في بيسان

ويستمّر يلعب الشريط

يدور كالزّمن

حكايةٌ طفليةٌ هنا

وزقزقات ضحكٍ هناك

ونكتةٌ ذكيةٌ يرسلها عمر

يتعبني الحنين يا عمر

لوجهك القمر

هل ذاكرٌ أيام كنت تطلع الجبل

تحمل لي إضمامةً من زهر الجبل

قرن الغزال ، والشقائق الحمراء والزرقاء

والحبق البريّ والشّمر

هدية الربيع في بلادنا لنا

هديّة المطر

. . . . . . . . . .

وأعبر النّهر

وجسري الخيال يا أحبّتي

وجسري الذكر

لو قدروا لقتلوا حتى الخيال

لسفكوا حتى دماء الحب والحنين –

والذكر

واحضن الطفوله

أبوس غرّة الصّباح في وجوهكم

أبوس أعين العسل

ثم يردّني إلى المكان واقعي المهين

وفي ضلوعي الشوك والصبّار

وفي فمي مرارة اليقين

*********

أحبّني الصغار خلف النهر يا أحبّي

عندي أقاصيص لكم كثيره

غير حكايا سندباد البحر ،

غير قصة الجنيّ والصياد

وقمر الزمان والأميره

عندي أقاصيص هنا جديده

أخاف لو أروي لكم أحداثها

أطفئ في عالمكم ضياءه

أخاف أن أروّع الطفوله

أهزّ في جزيرة البراءه

رواسي الأمان والسكينه

أخشى على دنياكم الصغيره

من قصص السجين والسّجان

من قصص النّازي والنازيّه

في أرضنا ، فإنها رهيبه

يشيب يا أحبّي لهولها الولدان

**************

لا تسألوا متى وكيف تنتهي

حكاية الشتات والضّياع

لن تفهموا اليوم الجواب

وحين تكبرون يا أحبّتي

تنبيكمو الأيام

ويومها ستحملون العبء مثلنا

وتأخذون الدور مثلنا

في قصة الكفاح

طويلة قصّتنا ، طويلةٌ

حكاية الكفاح

ويومها يا كنزنا المنذور

ستعرفون

متى وأين يلتقي المشتّتون

وكيف تنتهي حكاية الشتات

والضياع

. . . ولكن أولئك الكرامين قالوا فيما

بينهم : هذا هو الوارث . هلمّوا نقتله فيكون

لنا الميراث . فأخذوه وقتلوه وأخرجوه من

يا سيد ، يا مجد الاكوان

في عيدك تصلب هذا العام

أفراح القدس

صمتت في عيدك يا سيّد كلّ

الأجراس

من ألفي عام لم تصمت

في عيدك إلا هذا العام

فقباب الأجراس حدادٌ

وسوادٌ ملتفٌ بسواد

* * *

القدس على درب الآلام

تجلد تحت صليب المحنة –

تنزف تحت يد الجلاّد

والعالم قلبٌ منغلقٌ

دون المأساه

هذا اللامكترث الجامد يا سيد

انطفأت فيه عين الشمس فضلّ-

وتاه

لم يرفع في المحنة شمعه

لم يذرف حتى دمعه

تغسل في القدس الأحزان

* * *

قتل الكرّامون الوارث يا سيّد –

واغتصبوا الكرم

وخطاة العالم ريّش فيهم طير –

وانطلق يدنّس طهر القدس

شيطانياً ملعوناً ، يمقته حتى الشيطان

* * *

يا سيد يا مجد القدس

من بئر الأحزان ، من الهوّة ، من –

قاع الليل

من قلب الويل

يرتفع اليك أنين القدس

رحماك أجز يا سيد عنها هذي الكأس !


.................

أغنية البجعة

كان وهماً نحن أعطيناه شكلاً
وحياه
ثم روّيناه لوناً
وعبير
وعشقناه ، عشقنا وهمنا الغالي الغرير
وحصرنا الشوق في دنيا رؤاه
كان وهمأً عاش فينا
بعض لحظات قصيرة
فمنحناه شعوراً وخيالاً
ووهبناه ضياءً وظلالاً
ومنىً تزهو وأحلاماً كثيرة
في الليالي الممطرات الدفء شدنا حوله
معبداً أفعمه خصب الهوى شعراً وفناً
وعلى أجنحة النشوة طوفنا به
وتعبدنا لدى محرابه
وتلونا ، كم تلونا
سور الحب لديه ، كم عزفنا
أغنيات البهجة الكبرى له
فترةً ، ثم تلاشى ذات ليله
حينا هبّت رياح
ذات عصفٍ هائج ، ذات احتياج
وتلاشى ، ما تبقّى منه إلا
بعض ذكرى مثقلة
بالجراح
بعض ذكرى منه هيأنا لها نعشاً –
وقبراً
ودفنّاها بصمتٍ
ونضحناها بعبرة
وتركنا عندها آخر زهره
عبقت عبر أجواء الموت شعراً



هــــــــــــروب


كرهت حقائق دنيا الورى وهمت بأوهام دنيا الخيال

فما يتصبّاك إلا الرؤى وسحر الطيوف وسحر الظلال

متى يا ابنة الوهم تستيقظين متى ينجلي عنك هذا الخيال

أفيقي ، كفاك ، لقد طال مسراك عطشى وراء سراب الرمال

تعيشين في ذهلة الحالمين بعيداً بآفاق كون عجيب !

ويملأ روحك في قيده حنين المشوق وشجو الغريب

ومن فلك الأرض كم تطلقين خيالك فوق الفضاء الرحيب

يجوز مدار النجوم ويمعن في اللانهائيات ، عبر الغيوب

قفي ، أين تمضين ؟ فيم اندفاعك ، من ذا ترين بأفق الشرود

وما هذه ؟ رجفة في كيانك ممّا تشدّ عليه القيود

تمرّد روحك في سجنه يريد يحطّم تلك السدود

ليسمو طليقاً خفيف الجناح وراء الزمان ، وراء الحدود

قفي ؟ أين تمضين ؟ من ذا ترين هنالك عبر الفضاء العظيم ؟

وماذا يشوقك ؟ أم من ينادي ويومئ من شرفات السديم ؟

تمر امامك هذي الحياة مواكب مختلفات الرسوم

فتلوين وجهك لا تنظرين وفي مقلتيك ظلال الوجوم

ألا كم تهمين في عالم تناءى بعيداً بعيداً مداه

وفي عمق روحك شوق ملح جموح لظاه ، عنيف ظماه

تراك هنالك تستلهمين السموات سرّ الردى والحياه

تراك هنالك تستطلعين خفايا الوجود وكنه الإله ؟!

ألست في الارض ؟ فيم انخطافك ؟ فيم انجذابك نحو الاعالي

أأنكرت في الارض هول الفناء ، وظلم القضاء ، وجور الليالي

تراك افتقدت جمال العدالة فيها ، فهمت بأفق الخيال

محيّرة ولهاء ، تنشدين الحقيقة في غامضات المجالي

أراعك في الأرض سيل الدماء وبطش القوى والرزايا الكبر

أراعك فيها شقاء الحياة ؟ اراعك فيها صراع البشر ؟

أمن صرخات القلوب الدوامي تعضّ عليها نيوب القدر

تلوذين في لهف ضارعٍ . بكونٍ تسامى نقيّ الصور

بلى ن هي هذي المآسي الكبار تعذّب فيك الشعور الرقيق

فتنأين عن واقع راعبٍ الى عالم عبقريّ سحيق . .

هو الوهم ، عالمك الشاعريّ ، المثاليّ ، مسرى الخيال الطليق

توحّدت فيه بأشواقك الحيارى ، بهذا الحنين العميق!


.................

انا وحـــــــــــدي


في الليل ، إذ تهبط روح الظلام

مرسلة فيه الرؤى الهائمة يطيف بي في يقظتي الحالمه

طيف ولكن ما له شكل

يحضنه جفني ، ولا ظلّ

وإنما بحسّي الملهم

أعيه شيئاً ملغزاً مبهم

كأنما طلسمه الليل

وكلما رفعت في وحدتي له مصابيحي انزوى في القتام

في الليل ، اذ تنعس روح الوجود

يخطفني شيء وراء الفضاء كأنما تحملني في الخفاء

ضبابة تسير في تيه

لا لمعة تجلو دياجيه

لكن روحاً غير منظور

وإراده دوني ألف ديجور

أحسّه في لا تناهي المدى يشّدني الى بعيد بعيد

في الليل إذ تخشع روح السكون

أسمع في الهدأة صوتاً غريب صوتاً له طعم ولون رطيب

طعم ، ولكن غير أرضي

لون ، ولكن غير مرئي

طيب ، ولكن . .

لا ، فما أدري

ما كنهه ، كأنما يسري

من عالم هناك غيبيّ

تظل روحي وهي مأخوذة تصغي اليه من وراء الدجون

ما أنت يا من في ظلال الليال

احسّه ملء حنايا الوجود في الأرض ، في الأثير في اللاحدود

في قلب قلبي في سماواتي

هلاّ توضّحت لآفاقي ؟!

هلاّ تجسّدت لأشواقي ؟!

هلاّ ؟

ولكن كيف ؟

هيهات

فأنت مثل الغيب ما تنجلي يا لغز . . يا حقيقة كالخيال !


.................


بعد الكارثة


يا وطني ، مالك يخني على روحك معنى الموت ، معنى العدم
أمضّك الجرح الذي خانه أسأته في المأزق المحتدم
جرحك ؛ ما أعمق أغواره كم يتنزّى تحت ناب الألم
أين الألى استصرختم ضارعاً تحسبهم ذراك والمعتصم
ما بالهم قد حال من دونهم ودون مأساتك حسٌ أصم
قلبّت فيهم طرف مستنجد فعزّك المندفع المقتحم . . .
واخلجتا ! حتّام أهواؤهم تغرقهم في لجّها الملتطم!!
هم الأنانيون . . قد أغلقوا قلوبهم دون البلاء الملم
لا روح يستنهض من عزمهم لا نخوة تحفزهم ، لا همم !
أحنوا رقاب الذل ، يا ضعفهم واستسلموا للقادر المحتكم
يا هذه الأقدار لا ترحمي فرائس الضعف ، بقايا الرمم
بالمعول المحموم أهوي على تلك الجذوع الناخرات الحطم
كوني أتياً عارماً واجرفي كل ضعيف الروح ، واهي القدم
كوني كما شئت ، لظىً يغتلي أو عاصفاً يقذف حمر الحمم
واكتسحي أنقاض هذا الحمى من كل ركن خائرٍ . . منهدم
اكتسحيها وانفضي أمّتي ممّا علاها من رماد القدم !
ستنجلي الغمرة يا موطني ويمسح الفجر غواشي الظلم
والأمل الظامىء مهما ذوى لسوف يروى بلهيب ودم
فالجوهر الكامن في أمتي ما يأتلي يحمل معنى الضرم
هو الشباب الحر ، ذخر الحمى اليقظ المستوفز المنتقم
غلّوا جناحيه وقالوا : انطلق وشارف الأفق وجز بالقمم
واستنهضوه لاقتحام اللظى . . والقيد ، ياللقيد ، يدمي القدم
لكن للثأر غداً هبّةً جارفة الهول ، عصوفاً عمم
فالضربة الصماء قد ألهبت في كل حرٍ جذوةً تضطرم
لن يقعد الأحرار عن ثأرهم وفي دم الأحرار تغلي النقم


.................



مع لاجئة في العيد


أختاه ، هذا العيد رفّ سناه في روح الوجود

وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد

وأراك مابين الخيام قبعت تمثالا شقيا

متهالكاً ، يطوي وراء جموده ألماً عتيّا

يرنو الى اللاشيء . . منسرحاً مع الافق البعيد

أختاه ، مالك إن نظرت الى الجموع العابرين

ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفين . .

من كل راقصة الخطي كادت بنشوتها تطير

العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرور

أطرقت واجمة كأنك صورة الألم الدفين ؟

أختاه ، أيّ الذكريات طغت عليك بفيضها

وتدّفعت صوراً تثيرك في تلاحق نبضها

حتى طفا منها سحاب مظلم في مقلتيك

يهمي دموعاً أو مضت وترجرجت في وجنتيك

يا للدموع البيض ! ماذا خلف رعشة ومضها؟

أترى ذكرت مباهج الاعياد في (يافا) الجميلة ؟

أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفوله؟

اذ أنت كالحسون تنطلقين في زهوٍ غرير

والعقدة الحمراء قد رفّت على الرأس الصغير

والشعر منسدلٌ على الكتفين ، الجديلة ؟

إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيب

تتراكضين مع اللّدات بموكب فرح طروب

طوراً الى ارجوحة نصبت هناك على الرمال

طوراً الى ظل المغارس في كنوز البرتقال

والعيد يملأ جوّكن بروحه المرح اللعوب ؟

واليوم ؛ ماذا اليوم غير الذكريات ونارها ؟

واليوم ، ماذا غير قصة بؤسكنّ وعارها

لا الدار دارٌ ، لا ، ولا كالأمس ، هذا العيد عيد

هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طريد

عان ، تقلبّه الحياة على جحيم قفارها ؟

أختاه ، هذا العيد عيد المترفين الهانئين

عيد الألى بقصورهم وبروحهم متنعمين

عيد الألى لا العار حرّكهم ، ولا ذلّ المصير

فكأنهم جثث هناك بال حياة او شعور

أختاه ، لا تبكي ، فهذا العيد عيد الميّتين!



.................



أشواق حائرة


ماذا أحس ؟ هنا ، بأعماقي ترتجّ أهوائي و أشواقي
بي ألف إحساس يحرّقني متدافع التيار ، د فّاق
ألف انفعال ، ألف عاطفة محمومة بدمي ، بأعراقي
ماذا أحسّ ؟ أحسّ بي لهفاً حيران يغمر كلّ آفاقي
جفت له شفتاي و ارتعشت أظلاله العطشى بأحداقي
نفسي موزّعة ، معذّبة بحنينها ، بغموض لهفتها
شوقٌ إلى المجهول يدفعها متقحمّاً جدران عزلتها
شوقي الى ما لست أفهمه يدعو بها في صمت وحدتها
أهي الطبيعة صاح هاتفها ؟ أهي الحياة تهيب بابنتها؟
ماذا أحسن ؟ شعور تائهةٍ عن نفسها ، تشقى بحيرتها
قلبي تفور به الحياة و قد عمقت ومد ّت فيه كالامد..
فتهتزّ أغواري نوازعه صخّابةً ، فاقة المدد
و يظل منتظراً على شغف و يظل مرتقباً على وقد
أحلام محروم تساوره متوحد في العيش منفرد
و يود لو تمضي الحياة به للحب ،مصدر فيضها الابدي!
و هناك تومىء لي السماء وبي شوق إليها لاهف عارم
فأحس إحساس الغريب طغى ظمأ الحنين بروحه الهائم
و أرى كواكبها تعانقني بضيائها المترجرج الحالم
تهمي على روحي أشعتها وتلفّه بجناحها الناعم
فأودّ لو أفنى و أدمج في عمق السماء و نورها الباسم
مالي يزعزعني ويعصف بي قلق عتيٌ جائح الألم
تتضارب الأشواق حائرة في غور روحي ، في شعاب دمي
الأرض تعلق بي و تجذ بني و تشدّ قبضتها على قد مي
و هناك روحي هائم شغف بالنور فوق رفارف السدم
مستحقراً الأرض ، تفزعه دنيا التراب ، وهوّة العدم
روحي يلوب بدار غربته عطشاً الى ينبوعه السامي
فهناك أصداد يسلسلها صوت السماء بروحي الظامي
وهنا ،هنا ،الأرض يهتف بي صوت يقيّد خطو أقدامي
صوتان .. كم لجلجت بينهما يتنازعان شراع أيامي
أنا كيان تائه قلق يطوي الوجود حنانه الظامي !


.................


رجاءً لا تمُتْ


أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ

أو فخُذْ روحي معك

ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما

يوجع قلبك

لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه

صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك

يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ

نقطةُ الضوءِ بعمري أنت

نبراسي المضيء

ابْقَ لي أرجوك

ابْقَ الضوءَ والنكهةَ والمعنَى

وأحلى صفحةٍ في سِفْر شِعري

وّجَت آخرَ عمري

حلمٌ

حلمتُ...

رأيت قصائد قلبي التي لم أقلها

تموت واحدة بعد أخرى

حزنتُ... وقمت إليها

ألملمها جثثًا ورفاتْ

بكيت عليها وغسلّتها بالدموعْ

وسلّمتها لمهب الرياحْ

رجعت بخفي حنينْ

بكفين فارغتين

وظل شرود حزين يدبّ على مقلتيّ

وذكرى

بنيتُ لها معبدًا يتهجدُ قلبي لديه

ويضئُ الشموع

لذكرى قصائد ماتتْ

وليس لها من رجوعْ



.................


خريف ومساء


ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف

عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف

تعس الإعصار ، كم جار على اشراقها

جرَدتها كفَه الرعناء من أوراقها

عريت ، لا زهر ، لا أفياء ، لا همس حفيف

*

ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ

وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء !

الفضاء الخالد اربدَ وغشَاه السحابُ

وبنفسي ، مثله ، يجثم غيم وضباب

وظلالٌ عكستها فيَ أشباح المساء !

*

وأنا في شرفتي ، أصغي الى اللحن الأخير

وقَعته في وداع النور أجواق الطيور

فيثير اللحن في نفسي غمَا واكتئابا

ويشيع اللحن في روحي ارتباكا واضطرابا

أي أصداء له تصدم أغوار شعوري !

*

الخريف الجهم ، والريح ، وأشجان الغروب

ووداع الطير للنور وللروض الكئيب

كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي !

رمز عمرٍ يتهاوى غاربا نحو الفناء

فترةً ، ثم تلفّ العمر ، أستار المغيب

*

سيعود الروض للنضرة والخصب السّريّ

سيعود النور رفّافاً مع الفجر الطّريّ

غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي

غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي

كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبديّ ؟!

*

آه يا موت ! ترى ما أنت ؟ قاس أم حنون

أبشوش أنت أم جهمٌ ؟ وفيٌّ أم خؤون ؟!

يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليّه؟

يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها !!

قل ، أبن ، ما لونها ؟ ما طعمها ؟ كيف تكون ؟

*

ذاك جسمي تأكل الأيم منه والليّالي

وغداً تلقى الى القبر بقاياه الغوالي

وي ! كأني ألمح الدود وقد غشّى رفاتي

ساعياً فوق حطام كان يوما بعض ذاتي

عائثاً في الهيكل الناخر ، يا تعس مآلي !

*

كلّه يأكل ، لا يشبع ، من جسمي المذاب

من جفوني ، من شغافي ، من عروقي ، من غهابي

وأنا في ضجعتي الكبرى ، وحضن الارض مهدي

لا شعورٌ ، لا انفعالات ، ولا نبضات وجد

جثّة تنحل في صمتٍ ، لتنفى في التراب

*

ليت شعري ، ما مصير الروح ، والجسم هباء ؟!

أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء ؟

أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم . .

حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم . .

ساط النور مرغاها ، ومأواها السماء ؟!

*

عجباً ، ما قصة البعث وما لغز الخلود ؟

هل تعود الروح للجسم الملقّى في اللحود ؟

ذلك الجسم الذي كان لها يوما حجابا !

ذلك الجسم الذي في الأرض قد حال ترابا !

أو تهوى الروح بعد العتق عودا للقيود ؟!

*

حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي

عكست ألوانها السود على فكري وحسّي

كم تطلعت ؛ وكم ساءلت : من أين ابتدائي؟

ولكم ناديت بالغيب : الى أين انتهائي؟

قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي!



.................


أوهام في الزيتون


في السفح الغربي من جبل

(جرزيم) حيث تملأ مغارس الزيتون

القلوب و العيون ، هناك ، ألفت

القعود في أصل كل يوم عند زيتونة

مباركة تحنو على نفسي ظلالها،و تمسح

على رأسي غذ بات أغصانها : و طالما

خيل الي أنها تبادلني الألفة و المحبة،

فتحس أحساسي و تشعر بشعوري.

و في ظلال هذه الزيتونة الشاعرة،

كم حلمت أحلاماً ، و وهمت أوهاماً !.))

هنا،هنا، في ظل زيتونتي تحطّم الروح قيود الثرى
و تخلد النفس الى عزلة يخنق فيها الصمت لَغوَ الورى
هنا، هنا، في ظل زيتونتي في ضفة الوادي . يسفح الجبل
أصغي الى الكون و لمّا تزل آياته تروي حديث الأزل
هنا يهتم القلب في عالم تخلقه أحلامي المبهمه
لأفقه في ناظري روعة و للرؤى في مسمعي هيمنه
عالم أشواق سماويةٍ تطلق روحي في الرحاب الفساح
خفيفةً لا الأرض تثنى لها خطوا و لا الجسم يهيض الجناح
واهاً : هنا يهفو على مجلسي في عالم الأشواق روحٌ حبيب
لم تره عيناي لكنني أحسه مني قريباً قريب !
أكاد بالوهم أراه معي يغمر قلبي بالحنان الدّ فيق
يمضي به نحو سماء الهوى على جناح من شعاع طليق
زيتونتي ،الله كم هاجسٍ أوحت به أشواقي الحائره.
وكم خيالات وعى خاطري تدري بها أغصانك الشاعرة
نجيّتي أنت و قد عزّني نجيُ روحي يا عروس الجبل
دعي فؤادي يشتكي بثّه لعل في النجوى شفاءً ، لعلّ !
يا ليت شعري أن مضت بي غداً عنك يد الموت الى حفرتي
تراك تنسين مقامي هنا و أنت تحنين على مهجتي ؟!
تراك تنسين فؤداً وعت اسراره أغصانك الراحمات
باركها الله ! فكم ناغمت وهدهدت أشواقه الصارخات
زيتونتي ، بالله إما هفت نحوك بعدي النسمة الهائمة
فاذ ّكري كم نفحتنا معاً عطورها الغامرة الفاغمة
و حين يستهويك طير الربى بنغمةٍ ترعش منك الغصون
فاذّ كري كم طائرٍ شاعرٍ ألهمه شدودي شجّي اللحون!
تذكّرني كلما شعشعت أوراقك الخضراء شمس الأصيل
فكم أصيل فيه شيعتها بمهجة حرّى و طرف كليل
إن يزوها المغرب عن عرشها فالمشرق الزاهي بها يرجعُ
لكنني ،آها !غداً تنزوي شمس حياتي ثم لا تطلع !
ويحي؟ أتطويني الليالي غداً وتحتويني داجيات القبور
فأين تمضي خفقات الهوى وأين تمضي خلجات الشعور
ونور قلبي ،والرؤى والمنى وهذه النار بأعماقيه
هل تتلاشى بدداً كلها كأنها ما ألهبت ذاتيه؟!
أما لهذا القلب من رجعة للوجد ،للشعر ، لوحي الخيال؟
ايخمد المشبوب من ناره؟ واشقوة القلب بهذا المآل !
يا ربّ ، إما حان حين الردى و انعتقت روحي من هيكلي
و أعنقت نحوك مشتاقةً تهفو الى ينبوعها الأول
و بات هذا الجسم رهن الثرى لقىًعلى أيدي البلى الجائرة
فلتبعث القدرة من تربتي زيتونة ملهمةً... شاعره !.
جذورها تمتصّ من هيكلي ولم يزل بعدُ طرياً رطيب
تعبّ من قلبي أنواره ومنه تستلهم سرّ اللهيب !.
حتى إذا يا خالقي أفعمت عناصري أعصابها و الجذور
انتفضت تهتز أوراقها من وقدة الحسّ و وهج الشعور
و أفرعت غيناء فينانة مما تروّت من رحيق الحياة
نشوى بهذا البعث ما تأتلي تذكر حلماً قد تلاشت روءاه
حلم حياة سربت و انطوت طفّاحة بالوهم .. بالنشوة
لم تك إلاّ نغماً شاجياً على رباب الشوق و الصبوة!



.................


مع سنابل القمح


أوت الى الحقل كطيف كئيب يرسو بعينها أسى غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم ، خائر . . .
غامضة ، في العمق أغوارها فيض انفعالات وإحساس
صيّرها شذوذ أطوارها غريبة في عالم الناس
تأملت في السنبل الوادع يموج في الحقل زكيّا نماه
تكاد في سكونها الخاشع تسمع في السنبل نبض الحياه
وفي رؤى خيالها الشارد منجذباً بروعة السنبل
لاحت لعينيها يد الحاصد يخفق فيها شبح المنجل
رأت رغيفا جبلته دموع دموع مكدودين مستضفين
أنضاء حرمان وبؤس وجوع هانوا على الرحمة والراحمين
رأته في كفّ غنيّ بخيل سطت عليه يده الجانيه
الخبز في كيانه يستحيل خلجات شح كزّةً قاسية
ومدّت الأفكار أظلالها فلم تزل شاخصة في وجوم
من أبصر استغراقها خالها مخبولة تهيم فوق الغيوم
كانت تناجي ما وراء الفضاء قوى القضاء الغامض المبهم :
من يمطر الرزق على ذي الثراء ويمسك الرزق عن المعدم ؟
كم بائس ، كم جائع ، كم فقير يكدح لا يجني سوى بؤسه
ومترف يلهو بدنيا الفجور قد حصر الحياة في كأسه
أرحمه الله بعليا سماء تقول أن يكتظّ جوف الثري ؟!
ويحرم المعوز قوت الحياة في عيشه المضطرب الأعسر
أليس في قدرته القادره أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء !
أليس في قوّته القاهره أن يغمر الأرض بعدل السماء !
وراعها صوت عميق مثير جلجل فيها مثل صوت القدر :
لم تحبس السماء رزق الفقير لكنه في الأرض ظلم البشر . .

وأطرقت ، نهباً لشك مريب يملؤها منه أسىً غامر
في روحها اللهفى اضطراب غريب وقلق مستبهم ، حائر!.



.................


هروب



كرهت حقائق دنيا الورى وهمت بأوهام دنيا الخيال
فما يتصبّاك إلا الرؤى وسحر الطيوف وسحر الظلال
متى يا ابنة الوهم تستيقظين متى ينجلي عنك هذا الخيال
أفيقي ، كفاك ، لقد طال مسراك عطشى وراء سراب الرمال
تعيشين في ذهلة الحالمين بعيداً بآفاق كون عجيب !
ويملأ روحك في قيده حنين المشوق وشجو الغريب
ومن فلك الأرض كم تطلقين خيالك فوق الفضاء الرحيب
يجوز مدار النجوم ويمعن في اللانهائيات ، عبر الغيوب
قفي ، أين تمضين ؟ فيم اندفاعك ، من ذا ترين بأفق الشرود

وما هذه ؟ رجفة في كيانك ممّا تشدّ عليه القيود

تمرّد روحك في سجنه يريد يحطّم تلك السدود
ليسمو طليقاً خفيف الجناح وراء الزمان ، وراء الحدود
قفي ؟ أين تمضين ؟ من ذا ترين هنالك عبر الفضاء العظيم ؟
وماذا يشوقك ؟ أم من ينادي ويومئ من شرفات السديم ؟
تمر امامك هذي الحياة مواكب مختلفات الرسوم
فتلوين وجهك لا تنظرين .. وفي مقلتيك ظلال الوجوم
ألا كم تهمين في عالم تناءى بعيداً بعيداً مداه
وفي عمق روحك شوق ملح جموح لظاه ، عنيف ظماه
تراك هنالك تستلهمين السموات سرّ الردى والحياه

تراك هنالك تستطلعين خفايا الوجود وكنه الإله ؟!

ألست في الارض ؟ فيم انخطافك ؟ فيم انجذابك نحو الاعالي

أأنكرت في الارض هول الفناء ، وظلم القضاء ، وجور الليالي

تراك افتقدت جمال العدالة فيها ، فهمت بأفق الخيال

محيّرة ولهاء ، تنشدين الحقيقة في غامضات المجالي

أراعك في الأرض سيل الدماء وبطش القوى والرزايا الكبر

أراعك فيها شقاء الحياة ؟ اراعك فيها صراع البشر ؟
أمن صرخات القلوب الدوامي تعضّ عليها نيوب القدر
تلوذين في لهف ضارعٍ . . بكونٍ تسامى نقيّ الصور
بلى ن هي هذي المآسي الكبار تعذّب فيك الشعور الرقيق

فتنأين عن واقع راعبٍ الى عالم عبقريّ سحيق . .
هو الوهم ، عالمك الشاعريّ ، المثاليّ ، مسرى الخيال الطليق

توحّدت فيه بأشواقك الحيارى ، بهذا الحنين العميق!



.................


ليل وقلب

هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك ، و اعبر خضّم الظلام العميق

وجذف بأوهامك الراعشات في زورق ما به من رفيق

وأنك كالليل شيء كبير .. بعيد القرار سحيق سحيق
وفيك كألغازة المبهمات أفانين من كل لغز دقيق
هواجس مختلفات رؤاها تهوّم طوراً و طوراً تفيق
ولليل يا قلب أي امتدادٍ يحيط بهذا الوجود العظيم
سرى و احتوى الكون في عمقه فلف ّالبحار ولفّ الأديم
وكالليل أنت ، حويت وجوداً من العاطفات كبيراً جسم
ففيك السماء ، وفيك الخضمّ، وفيك الجديد ، وفيك القديم !

وتنتظم الكون في خفقةٍ وأنت بجنبي هنا لا تريم !
و دونك يا قلب هذا الفضاء تجوز به السحب العابرة
مراكب تمخر إثر مراكب تدفها قوّة قاهرة
كأني أرى في شكول السحاب نواتيّ أبصارهم حائره
أضلّوا المنار فهم تائهون يغذون في اللجج الكافره
كذلك أنت ببحر الحياة توهان في ظلم سادره
ورجرجة النجم كم ساجلتك بصدر السماء خفوق الحنين
أبا النجم ما بك من لهفة أبا النجم مثلك شوق دفين؟
أتجهش في قلبه الذكريات وتأخذ منه بحبل الوتين؟
فما باله قلقاً خافقاً يراعي الدجى في سهوم حزين

لعلّ أليفاً له قد هوى وبات كخذنك في الآفلين!
وأصغ معي في السكون الرياض وقد لفّها غسق الغيهب
طيور توشوش جنح الدجى وتكشف عن همّها المختبي
فهذا الخريف تدبّ خطاه ليعصف بالزهر المعجب
ويخنق ألحان أشواقها ويلوي بترجيعها المطرب
و كيف تغنّي لزهر ذوى بروضٍ سليب الحلى مجذب
وأنت ... وأنت تخاف الخريف و تشفق من ريحه العاتيه
تخاف على زهرات الصبّى تبدّدها كفّه القاسيه
فلا نور يشتاق طل الصباح و يوحي بأنغامك الظاميه
تخاف تزايلك الملهبات و تخمد أشواقك الطاغيه ...
ويفرغ نايك من لحنه ويثوى حطاماً بأضلاعه
وسعت عوالم يا قلب ماجت يحم الطيوف وشتّى الصور
أحاسيس حيرى تهيج وتطغى هياج العباب اذا ما غمر
وأخرى تهبّ ، هبوب النسيم تنفّس في جانحيه الزهر
وتظلم يا قلب حتى كأنك ليل بصدري الكظيم اعتكر
وتشرق حتى إخال الضياء بأقطار نفسي منك انتشر
وتخصب طوراً فكلك حبّ يعانق قلب الوجود الرحيب
تفيض سلاما كأن يد الله مرّت عليك بنفخ رطيب

تحبّ العدوّ وتحنو عليه وخنجره منك دام خضيب
وطوراً تغيض سوى من رواسب كرهٍ عصيٍ وبغض رهيب

كأنّ أكفّ الشياطين غلغلن فيك فأنت مخوف جديب . .

فيا قلب ، يا أحد الأصغرين ، كيف اتسّعت لهذا الوجود

وكيف احتمالك هذا الزحام ومن خلجاتٍ كثار العديد . .

تحبّ وتبغض حراً طليقاً فلا من سدود ولا من قيود
تصدّ نداء المحب القريب وتهوى نداء العدو البعيد !
فيا لك أعمى يقود زمامي كما شاء فعل اللجوج العنيد !
هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك واعبر خضمّ الظلام العميق

وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق



.................


حياة


حياتي دموع

وقلب ولوع

وشوق ، وديوان شعر، وعود

حياتي ، حياتي أسىً كلهّا

اذا ما تلاشى غداً ظلّها

سيبقى على الأرض منه صدى

يردد صوتي هنا منشداً :

حياتي دموع

وقلب ولوع

وشوق ، وديوان شعر ، وعود

بليل الشجون

وعمق السكون

تمر أمامي كحلم سرى

طيوف أحبّاي تحت الثرى

فتزعج ناري خلف الرماد

ويغرق سيل الدموع وسادي

دموع الحنين

الى راحلين

مضوا وطواهم ظلام اللحود

بقلبي اليتيم

تنادي كلومي

أطلّ بروحك يا والدي

لتنظر من أفقك الخالد

فموتك ذلٌ لنا أيّ ذلّ

ونحن هنا بين أفعى وصل

ونفث سموم

وكيد خصوم

بدنيا العقوق ، بدنيا الجحود

ويبدو خيال

بغفو الليالي

خيال أبي شقّ حجب الغيوب

بعينيه ظلّ شعورٍ كئيب

أراه فتهم له أدمعي

ويحنو علي ويبكي معي

وأدعو : تعال

رحيلك طال

بمن نستظل وانت بعيد!

وفي ليل سهدي

يحرّك وجدي

اخٌ كان نبع حنانٍ وحبّ

وكان الضياء لعيني وقلبي

وهبّت رياح الردى العاتية

واطفأت الشعلة الغالية

وأصبحت وحدي

ولا نور يهدي

ألجلج حيري بهذا الوجود

وهذا شبابي

أمان كوابي

شباب سقاه الأسى ورواه

اذا ما دعته إليها الحياه

وأشواقها ، شدّه ألف غلّ

وطوّقه ألف طوق مذلّ

شباب عذاب

رهين اغتراب

يضيع شذاه بأسر القيود :

واطرق رأسي

بوحشة يأسي

وفي الروح تصخب أشواقها

وفي النفس ترعد آفاقها

وأفزع للشعر سلوة روحي

أصور أشواق عمر ذبيح . .

فيهدأ حسي

وتخشع نفسي

وتسكن لهفة روحي الشريد

وأجذب عودي

لقلبي الوحيد

فتخفق أوتاره باللحون

تهدهد قلبي وتجلو شجوني

بفنّي وشعري والحان عودي

أصارع آلام عمر شهيد

وهذا نشيدي

نشيد وجودي

سيبقى ورائي صداه يعيد :

حياتي دموع

وقلب ولوع

وشوق ، وديوان شعر ، وعود!


.................


في درب العمر


أتيت درب العمر مع قلبي أغرس زهر الحب في الدرب
ليغرق الناس بأشذائه تنهل في دفق وفي سكب
ليغمر الصحب بعطر الهوى فينعموا في فيئه الرطب
فبعثروا زهري بأقدامهم و وطأوه في الثرى الجدب ! . .
وارتجّ قلبي خلف صدري أسى ولجّ في دقّ وفي وثب
فقلت : في أهلي وفي أخوتي غنىّ عن الناس ، عن الصحب
وخلتني ملأت منهم يدي وخلتهم قد ملأوا قلبي . .
فلم يطل وهمي حتى هوى خنجرهم وغاص في جنبي !
وضحكت نفسي في سرّها هازئةً منّي ومن حبي . .
وسرت مع قلبي وحيدين . . لا شيء سوى الأشواك في الدرب !



.................


في مصر


يا مصر ، حلم ساحر الألوان ، رافق كل عمري

كم داعبت روحي رؤاه فرفّ روحي خلف صدري

حلم كظل الواحة الخضراء في صحراء قفر

أن اجتلي هذا الحمى . . . واضمه قلباً وعين. .

واليوم ، في حلم أنا ، أم يقظةٍ ، أم بين بين !؟

صدحت بقلبي إذ وطئت ثراك أنغامٌ سواحر

فكأنما في قلبي المأخوذ غنّى الف طائر

وغرقت في أمواج إحساسٍ بعيد الغور فائر

أأنا هنا ؟ في مصر ، في الوادي النبيل ؟!

أأنا هنا في النيل ، في الأهرام ، في ظل النخيل ؟!

وتلفتت عيناي في دهشٍ ، وفي لهف غريب . .

ماذا ؟ هنا الدنيا الخلوب تثير أهواء القلوب . .

ماذا ؟ هنا نار الحياة تؤجّ صارخة اللهيب . .

في كل مجلىً فتنةٌ رقصت ، وسحرٌ مدّ ظلّه

ماذا ؟ أمصرٌ أم رؤى أسطورةٍ من ألف ليله!؟

كيف اتجهت تجاوبٌ وصدىً لموسيقى الوجود

في النيل يعزف لحنة الأبدي للشط السعيد

في وشوشات النسمة المعطار ، في النخل الميود

حتى النجوم هنا أحسّ لهنّ الحاناً شجيّه

حتى السحاب أخاله تحدوه موسيقى خفيّه

يا مصر ، بي عطش الى فرح الحياة . . الى الصفاء . .

يا مصر ، نحن هناك أمواتٌ بمقبرة الشقاء

لا يطمئن بنا قرارٌ . . . لا يعانقنا رجاء . . .

لا شيء إلا ضحكة الهزء المرير على المباسم !

كالضحكة الخرساء قد يبست على فك الجماجم!!

نفسي مصدّعة . . فضميني لأنسى فيك نفسي

قست الحياة وأترعت بمرارة الآلام كأسي

والظلمة السوداء مطبقة على روحي وحسي

فاحني عليّ وزوّديني من مفاتنك الجميله . . .

هي نهزة لم أدر كيف سخت بها الدنيا البخيله !

يا ليتني يا مصر نجم في سمائك يخفق

يا ليتني في نيلك الأزليّ موجٌ يدفق

يا ليتني لغزٌ ، أبو الهول احتواه ، مغلق . . .

تهوى وتنسق الدهور مواكباً ، وأنا هنا

بعض خفيٌ من كيانك لست أدرك ما أنا !!

يا مصر حلم ساحر الألوان رافق كل عمري

كم داعبت روحي رؤاه ، فرف روحي خاف صدري

حلم كظل الواحة الخضراء في صحراء قفر

أن أجتلي هذا الحمى وأضمّه قلباً وعين

واليوم في حلم أنا ؟ أم يقظة ؟ أم بين بين ؟!



.................


يتيم وأم


هاضه الوهن ، وأعياه الألم وسطا الضعف عليه والسقم
خاشع الأطراف من إعيائه ما به يقلب كفّاً أو قدم
متداعٍ جسمه ، منخذلٌ ، لجّت الحمى عليه فاضطرم

ساكن الأوصال إلا بصراً زائغاً ، يطرف حيناً ، ويجم
ابن سبع برّح اليتيم به رحمة الله له نضو يتم
كسرت من طرفه مسكنةٌ لبست هيأته منذ انفطم
وا حناناه لأمٍ أيّمٍ طوت النفس على خوف وغم
فنضت عنها الثياب السود ؛ لا لا تظنوا جرحها الدامي التأم
بل لدفع الشؤم عن واحدها يا لقلب الأم إن أشعر هم !
وبدت في اليبض من أثوابها من رأى إحدى حمامات الحرم
عطفت من رحمة تحضنه إنما دنيا اليتامى حضن أم
ومضت تمسح بالكف على جبهةٍ رهن اشتعال وضرم
ولقد تندى فتخضّل له وفرة ٌ مثل الظلام المدلهم
نظر الطفل اليها صامتاً وبعينيه حديث وكلم . . .
ليت شعري ، ما به ؟ ما يبتغي أبنفس الطفل سؤلٌ مكتتم ؟
لو أراد النجم لاحتالت له كل سؤل هيّن ، مهما عظم
وحنت تسأل عن طلبته فرنت عين له ، وافترّ فم . .
قال : يا أمي . واسأليه رجعةً فلكم يفرح قلبي لو قدم !
لا تسل عن جرحها كيف مضى

من هنا أو من هنا ينزف دم

ضمّت الطفل اليها بيدٍ وبأخرى مسحت دمعاً سجم
عزّ ما يطلبه ، يا رحمتا كيف تأتي برفات ورمم !؟
قلّب البؤس على أوجهه لن ترى كاليتيم بؤساً محتكم
ينشأ الطفل ولا ركن له ركنه من صغر السن انهدم
خائضاً في لجج العيش على ضعفه ، والعيش بحر محتدم
تائهاً في ظلمٍ ما تنتهي حائراً يخبط في تلك الظلم
ليس في الدنيا ولا في ناسها فهو يحيا في وجود كالعدم



.................


ماذا ؟

الحلم تفلت من عيني ، هنا عادت حولي

الغرفة تقبع و الجدران هنا و فراغ منظور

انهد الكون المسحور

منهاراً في قلب الليل



.................


هل تذكر ؟


لقاؤنا و دربنا الأرحب

و شاطىء النهر

و العش في حديقة الزهر

و حارس الحديقة الطيب

و المعد الأخضر

هل تذكر ؟

لقاؤنا إذ تسبق الموعدا

خطاي تستهدف عبر المدى

ركناً هناك

على رصيف الشارع الاصاخب

و حيث ألقاك

سبقت مثلي ساعة الموعد

هناك تغدو فرحتي فرحتين

و أقطع الشارع في لمحتين

كأن في خطوي جناحين

هناك ألقاك

في قلق الأنتظار

منفعلاً مستشار

تهتف . ابطأت !

و في خطفه

يفقدنا الرصيف روحين مع الهوى طائرين

و ننثني نحو المدى الأبعد

قلباً إلى قلب ، يداً في يد

هل تذكر ؟

و نعبر الجسر و نمضي إلى

طريقنا الثاني على الشاطىء

طريقنا المنسرح الهادىء

نمشي و نمشي و ملء قلبينا

فيض هناء ما له حد

و دربنا المسحوريمتد

درب رؤوم الظل ، درب طويل

كنت أرى مثله بأحلامي

قبل اللقاء

أيام كان اللقاء

وهماً جميل

كالمستحيل

هل تذكر ؟

و تحتوينا

في قلبيها المخضوضر االحاني

هناك في حديقة الزهر

عرشة ترعى أماسينا

كأنها عشّ العصافير

و حولنا من روح نيسان

شيء خفي الا يحاء كالسحر

يومىء عبر الظلل و الانور

هناك ننأى

في عشنا المنعزل المعشب

عن حارس الحديقة الطيب

و تلتقي في نظرة ظمأى

للنبع عينانا

و في انجذاب تلتف روحانا

على عناق شغف ملتصق

لا ينتهي

و نشتهي

لو حجّرتنا ربّة الحب

و نحن فوق المقعد الأخضر

قلباً إلى قلب فلا نفترق

هل تذكر ؟



.................


لن أبيع حبه



مهداة الى الشاعر الإيطالي

سلفاتور كوازيمودو

Salvatore Quasimodo

- - -

صدفة كالحلم حلوه

جمعتنا ههنا في هذه الأرض القصية

نحن روحان غريبان هنا

ألّفت ما بيننا

ربة الفن ، و قد طافت بنا

فإذا الروحان غنوه

سبحت في لحن ( موزارت ) و دنياه الغنية

قلت : في عينيك عمق ،

أنت حلوه

قلتها في رغبة مهموسة الجرس .

فما كنا نجلوه

و بعينيك نداء

و بأعماقي نشوه

أي نشوه

أنا أنثى فاغتفر للقلب زهوة

كلما دغدغه همسك : في عينيك عمق

أنت حلوه

أنا يا شاعر لي في وطني

وطني الغالي حبيب ينتظر

انه ابن بلادي لن أضيع

قلبه

انه ابن بلادي لن أبيع

حبّه

بكنوز الأرض

بالأنجم زهراً

بالقمر

غير اني تعتري قلبي نشوه

حينما تطفو ظلال الحب في عينيك

أو تومض دعوه

أنا أنثى ، فاغتفر للقلب زهوه

كلما دغدغه همسك : في عينيك عمقٌ

أنت حلوه

أنت حلوه

أنت حلوه

أنت حلوه



.................


انا راحل

انا راحل

ارسلتها ومضيت في ركب الزمان

انا راحل

أرسلتها ، وبهتّ حيرى في مكاني

في ذهلتي ،

ووقفت أسمعها تدوّي في كياني

تخفيك ، تخلي منك أيامي

وأحلام افتتاني

أنا راحلٌ

وهوت على قلبي كساطور مسمّم

لم أبك ، كان الدمع يجمد خلف جفني

كان ملجم

وسرحت أرنو في الفراغ

سرحت في اللاشيء أحلم

حلماً بلا لون فلم أفهمه

حلماً كان مبهم

أنا راحلٌ

ومضى يردّدها فراغ الكون حولي

أصغيت ،

شيء من وجودي انهدّ

في يأسٍ وثقل

كان الصدى كالموت يسقط منه حولي

ألف ظلّ

ويدور بي

فأغوص من ظلماته

في ألف ليل

أنا راحلٌ

ووقفت يعميني غبارك في الطريق

لم أعد خلفك كنت كالمشدود في

مهوى سحيق

لم تختلج شفتاي باسمك لم أمد يدي غريق

وظللت أرنو والصقيع يدبّ يزحف في عروقي

ومضيت لا تلوي ، تباعدك الشواسع

عن وجودي

ومضت تفرّقنا تخومٌ طافياتٌ من جليد

وبقيت في فلك ، وأنت هناك

في فلكٍ بعيد

نجمان في فلكيهما

يتخبّطان على الوجود

نجمان موهبان كم نشدا فراديس اللقاء

عبثاً

وعاد كلاهما يطفو ، يدور بلا رجاء

متغرّباً حيران ، يسفح ضوءه

عبر الخواء

والدهر والأبعاد بينهما

وجلّاد القضاء



.................


سلمى


ماذا أقول لها، تحيا على رمقي
أفراحها لم تعش إلا على الحرق
الموت راودها دهراً وغافلها
واقتص آثارها في آخر الافق
أين المفر، قبور لا قرار لها
تقفوا خطاك مسير الدرب فارتفقي
راحت وما كتبت حرفاً لصاحبةٍ
غابت وما تعبت من غربة السفن
ناديت مركبها الغادي فما عرفت
صوتي، وواجهت مسراها فلم ترني
تبغي انفلاتاً من الأمس الذي ألفت
ترجو اختراق حجاب الشمس والزمن
تسعى وتبحث في المجهول عن قبسٍ
حي وعن ملتقى غضٍ ومؤتمن
غيبي وراء حدود النجم هاربة
ولا تقولي ردي في شاطئ الوطن
لا، ما رأيت لهيباً فاجعاً شرساً
فيه ولا سمعت أصداءه أذني
الموت راك، من أعماق وحشته
أنت اغترقت جنون الحلم والشغف
غنّى على ثغرك المشتاق فاندلعت
أسرار قلبك ذاك العاشق الترف
يا ثروة الحلم
غني عن العدم
غني على عدمي
أنت ارتويت فعاطينا سلافته
يا ربة الهبتين الحب والألم



.................


كفاني


كفاني أموت عليها وأدفن فيها

وتحت ثراها أذوب وأفنى

وأبعث عشباً على أرضها

وأبعث زهرة إليها

تعبث بها كف طفل نمته بلادي

كفاني أظل بحضن بلادي

تراباً،‌ وعشباً‌، وزهرة


.................


نار و نار



بجسمي قفقفة و انخذال

فيا نار زيدي لظى و اشتعال

و مدّي يجوّي دفيء الجناح

فللبرد عربدة و اجتياح

و أما تسعين احتدام النضال

نضال العواصف فوق الجبال

وأنت اعصفي ، واملئي ليلني

بدفء بهدّيء من رعدتي

فحولي يدب صقيع الشتاء

فبثّي الحرارة في غرفتي

ألا يا إبنة الأعصر البائدة

ألا قدّست روحك الخالدة

ثبي وازفري ، ننضنضي والهبي

بلى ، هكذا ، هكذا واسربي

بروحك في عزلتي الهامدة

وفي قلب جدرانها الباردة

بلى ، هكذا عانقي ذاتية

بموجة أنفاسك الدافيه

أحسّ بقرب لظاك الحبيب

شعوراً غريب

خفياً كألغازك الخافيه

فها أنا أطفىء مصباحيه

وأعنو لغمرة إحساسيه

فتحملني نحو ماضٍ سحيق

وأرنو هناك لطيف رقيق

لطيف طفولتي الفانيه

بأيامها المرة القاسية

وإذ أنا يا نار شيء صغير

يفتش عن نبع حب كبير

سدّي ، ويظل لقىً مهملا

فيمضي الي

رؤاه ، وفي أفقهنّ يطير

وإذ انت دنيا غموض تلوح

لعين خيالي الطليق السبوح

فكنت رفيقة أوهاميه

ومسرح أحلام يقظاتيه

وادفع نحوك جسماً وروح

وأخشع قرب لظاك الجموح

وأمضي ، وفيّ انجذاب عميق

أحدّق مأخوذة بالحريق

وأرقب في سكرة وانذهال

جموح الظلال

ترجرج فوق الجدار العتيق

وألمح خلف اشتعال الحطب

وقد شبّ في ثورة والتهب

خيالا لدوحٍ قديم وريف

نمته الحياة بغابٍ كثيف

قد ازدحمت في حشاه الحقب

. . . وكنت إخال كأن اللهب

تعانق فيه ضياء القمر

ولون الغروب ، ولون السحر

وكل شعاع على الدوح مر

وظل عبر

قد ارتدّ في اللهب المستعر

وفي سبحاتي بدنيا الأوار

تباغتني حزمة من شرار

قد انقذفت من فم الموقد

تؤزّ ؛ فأرسل فيها يدي

هنا وهناك بشوقٍ مثار

لأخطف تلك النجوم الصغار

فكانت تروغ وتركض في

مداها ، وسرعان ما تختفي

وأسأل نفسي : أين يغيب

شرار اللهيب

وهل تحزن النار إذ ينطفي

وها أنا يا نار لو تعلمين

فتاة طوت حزمةً من سنين

وما زلت رغم العهود الطوال

تثيرين فيها جموح الخيال

وحين تفورين أو تزفرين

كأنك نفسٌ تقاسي الحنين

أغوص الى عمق أغواريه

أجوس عوالمها القاسيه

فألمس فيها أواراً غريب!

وما من لهب !

أوار شعوري وإحساسيه!

أمن عنصر النار أعماقيه؟

أروحك يا نار بي ثاويه

فما هذه العاطفات الحرار

لها في الجوانح أيّ استعار

وما هذه اللهفة العاتيه

تشب فتلهب خلجاتيه

وتعكس وهجاً على مقلتيّه

وتلفح لفحاً على شفتيّه

وهذا الحنين ، وهذا القلق

وهذي الحرق

كأن بذاتي ّ ناراً خفيّه!

مضى الليل غير هزيع قصير

و أنت همدت كأهل القبور

و حبّات جمرك بعد اتّقاد

خبت و استحالت تلول رماد

أتخمد مثلك نار شعوري

غدا ، و تؤول لهذا المصير ؟

أيغشى أواري رماد السنين ؟

أيهمد قلبي كما تهمدين ؟

لماذا ؟ أتدرين ؟ أم أنت مثلي

أسيرة جهل

أجيبي أجيبي، أما تسمعين ؟!









فدوى طوقان في مكتبتنا عمون:

1.الأعمال الشعرية الكاملة

تحميــــــــــل


2.رحلة جبلية

تحميــــــل


3.خصائص الاسلوب في شعر فدوى طوقان

تحميــــــــل









فدوى في اليوتيوب





1.قصيدة رثاء في فدوى طوقان





2.بديعة بوحريزي الورغي - الى سلمى

قصيدة من قصائد فدوى طوقان




3.انا وحدي .. بصمات فدوى طوقان













إعداد:

سلطان الزيادنة/ الأردن

عبير محمد / مصر

زياد السعودي/ الأردن

فاتي الزروالي / المغرب

نفيسة التريكي/ تونس






 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط