الفينيق حبيب الزيودي يليق به الضوء* سلطان الزيادنة - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :عبدالماجد موسى)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-10-2012, 10:29 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي



سلام الله
تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح الفينيق حبيب الزيودي
لنضعه تحت الضوء،إذ به يليق الضوء





حبيب الزيودي

نبذه عن حياته:
حبيب حميدان سليمان الزيود (الأردن).
ولد عام 1963 في الهاشمية ـ الزرقاء.
حاصل على بكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة الأردنية.
عمل في الإذاعة الأردنية ـ القسم الثقافي من 87 ـ 1989 , ثم في وزارة الثقافة حتى 1990 , ثم في التلفزيون الأردني وجريدة الرأي.كان مدير بيت الشعر وعضو اتحاد الكتاب العرب.
حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب حقل الشعر في عام 1992.
انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح يوم السبت 27/10/2012 إثر نوبة قلبية

دواوينه الشعرية:
الشيخ يحلم بالمطر 1986 ـ طواف المغني 1990 - منازل أهلي 1997.
كتب عنه عدد من الدراسات النقدية في الصحف الأردنية.








مقالات لـ وفي حبيب الزيودي


عن اغتيال الشعر (من اغتال حبيب الزيودي؟)

عبد الهادي راجي المجالي


لملم حبيب الزيودي أوراقه أمس وما تبقى من ذكريات في مكتبه بالجامعة الأردنية واستنشق بقايا عطر البنات اللواتي عبرن من ذاك الممر، وغادر إلى (العالوك) كي يجلس في منزله ويكتب ما تجود به النفس من شعر الوجع.

لنعترف أن هذا الفتى الأسمر أعاد للأغنية الأردنية روحها وجذوتها ولنعترف أنه شاعر حاول البعض أن يقلّده ولكن يبدو أن العالوك لها طقوسها وايقاعاتها وليلها الذي لا يقلّد.

لقد قررت إدارة الجامعة الأردنية هكذا ودون سابق انذار أن تتخلى عنه.

في هذه المؤسسة التي أعمل بها لم أترك أحداً إلاّ واشتبكت معه بدءاً برئيس التحرير وانتهاءً بالمدير العام... ولكن لدينا عُرف في «الرأي» وعادة أن المبدع لا يحارب في رزقه وقلمه حتى لو اخطأ أو أوغل في الخصومة.. لهذا مراراً قررت ترك «الرأي» ولكنها لم تتركني وهذا هو (ديدن) المؤسسات التي تحمل نبضاً وطنياً وتؤسس بقرارات دفاع عن وصفي التل.. وتعرف أن خلف الحرفِ والسطرِ جنونا وتمردا وصعلكة.

بالمقابل مؤسسة أكاديمية وعريقة وعظيمة مثل الجامعة الأردنية تقرر وبشكل سهل أن تتخلى عن شاعر له اسمه وحضوره وايقاعه في العالم العربي وليس في الأردن..

في بلادنا من السهل بقرار بسيط ان تصنع (100) وزير و(100) رئيس جامعة و(100) موظف ولكن المبدع لا يصنع بقرار ولا بتوقيع .. هي وحدها (العالوك) التي لها ايقاعها وطقوسها وجنونها من صنعت حبيب.

فقط لنتذكر ماذا كتب للعرش والوطن.. ماذا كتب عن صايل الشهوان: (جادت به شهقات الغيث ما نسكب) لنتذكر ماذا كتب عن وصفي: «(يا مهدبات الهدب غنن على وصفي) لنتذكر ماذا كتب من حابس... لنتذكر ماذا كتب عن الأردن.

على كل حال ان ضاقت الدنيا عليك يا حبيب فقلوبنا تتسع وأحمل معك نفس الوجع والهم والسؤال القديم الجديد... منذ متى يصبح للشعر أعداء؟ وللقصيدة حسّاد؟.. منذ متى تقال القوافي بقرار؟ ويخضع بحر (الرجز) لخصم الراتب؟، .. منذ متى يذبح الشعر في بلادنا.


*********************

ناي العالوك
محمد واصف

كان الرومان واليونان يقولون «غنّى شعراً « وليس «نظم شعراً» أما العرب فيقولون «أنشد شعراً» أي غنّاه، وقضى اليونان أجيالاً يقولون الشعر إلا إنشاد ولعلّ العرب كانو كذلك قديماً، حيث كان الأعشى قبل الإسلام ينظم الشعر ويغنيه، حتى بعد الإسلام كان الشعراء ينشدون قصائدهم في حضرة الخلفاء، وإذا لم يكن لأحدهم صوت جميل اقتنى غلاماً جميل الصوت ينشد أشعاره. أي أنه كما يقال «الغناء هو إبن الشعر». ولو أن العلاقة بينهما في مستوى ما، تصبح جدليّه.
لكن عندما تقترب من قصائد الشاعر الأردني حبيب الزيودي، تشعر أن شعره ابن أغنية عاشت معه منذ طفولته، فهو ينطبق عليه ما قاله الرومان واليونان أنه يغني شعره، لكن أغانيه ليست بنات شعره بل العكس فقصائده بنات أغانيه التي شكّلت ملامحها جبال وسهول العالوك، وإيقاع المهباشودلّة القهوة في مضافة والده التي طالما شممنا رائحة هيلها ورشفنا أصالتها في قصائدهوأغانيه.
حبيب كتب أغانيَ بالفصحى والعامية، ولا شك أن طابع الغناء العربي التقليدي في «الوصلة الغنائية الطويلة» يختلف اختلافاً كبيراً عن طابع الأغنية التي كُتبت بالعامية، فالغناء بالعامية قريب من الشعب وتفاصيل حياتهم اليومية، وهذا النوع من الغناء لا يمكن أن يعتمد على مجرّد التطريب، ويكتفي بالحركات والحليات الغنائية، وهنا كانت لعبة الشاعر حبيب، فقد اتجه بالأغنية إلى البحث عن التعبير النفسي المباشر لمعنى الكلمات ولجو المواقف اليومية وأصبح بعد فترةٍ مطالباً بالوفاء بالتزامات هذا التعبير النفسي.
حبيب شاعر مهم عندما يكتب الفصحى، ولعلّ أبرع ما وفق فيه حبيب هو تجسيده الشعري الفذ للوطن، فهو يراه دائما في أعين الأب والحبيبة والريفية والبدوية ويشعر بحنوه في بحة ناي الراعي، ويستظل بفيئه تحت سرو الجامعة الأردنية، حبيب الزيودي أضفى على الأغنية الأردنية بشكل عام والأغنية الوطنية بشكل خاص شحنة تعبيرية هائلة بالنسبة لأهل هذا الوطن، وهي شحنة نابعة عن خيال خصب، وحس مرهف بمعاني الكلمات ونبض إيقاعها على المسار اللحني، ونابعة أولاً وقبل كل شيء عن تجاوب عميق مع الأحداث الوطنية والاجتماعية المحيطة به، حبيب أعادنا إلى أغاني توفيق النمري وعبده موسى وروّاد أغنيتنا، وبهذه القصائد والأغاني البسيطة التي لم تتجاوز المصطلحات والأوزان الدارجة استطاع حبيب أن يرتقي بالقصيدة المغنى درجات، وأن يفتح أمام المستمع الأردني أفقاً أعلى من مجرد الطرب الحسي، وأن يعوّده على الاستماع بغناء صادق ليس مجرد إطار شعري لألفاظ دارجة تدغدغ الحواس البعض، كما هي كثير من الأغاني والقصائد التي خرجت تقلد قصائد حبيب، وخصوصاً القصائد والأغاني التي ادّعوا أنها للوطن، واعتقد البعض أن دخول هذا الميدان سهل وميسّر فاقتحمه من هو غريب عنه، ومن هو جاهل بدوره ومسالكه ظناً منهم أن مفهوم الأغنية الوطنية يبيح لهم الطقطقة والتكسير والقلع ورفع وتوطية الحيطان، ونسي هؤلاء أن الوطن أسمى من هذه العبارات التي صفّت وسميّت أغاني، وأن الشعر له مكانته الخاصة في نفوس الناطقين بلغة الضاد، حتى أنه عندما تكتب أغنية وطنية بالفصحى أو العامية لا بد من توفّر طقوس معيّنة تضفي على المكان جواً يعبق بالحس الوطني والشاعريّة التي تجعل المستمع يحلّق مع الخيال، ويستسلم لنشوة لذيذة. ولا بد من التوضيح أن الشعر الشعبي وخصوصاً الذي سيقدّم كأغنية من وإلى الشعب ليس سهل النظم كما يعتقد بعض الناس، وأن الشاعر هنا بحاجة إلى امتلاك أدوات ووسائل هذا اللون من الشعر قبل أن يطرق أبوابه.
من منّا لا يعرف فيروز، ويسمتع إلى أغانيها كل يوم؟ ولكن الأغلبية لا يعرفون من هو جوزيف حرب الذي كتب أجمل الأغاني التي تغنّت بها فيروز، ومن منّا لا يعرف»يا صاحب التاج، صباح الخير يا عمّان، مهيوب يا هالوطن، مرّت الأيام، هلا يا عين أبونا، الطيب طيبك، ... « وعلينا أن نعرف أيضاً أن من كتب هذه الأغاني هو الشاعر الأردني حبيب الزيودي.
حبيب سلم لنا على صوتنا في ناي العالوك

******************

هجوم نثري
حبيب الزيودي



الخلاف بين الشعر والنثر خلاف في الشكل، والمساحة بينهما مساحة ضبابية، ووهمية، إذ يمكن أن نأخذ النثر الى افاق الشعر، ويمكن أن نراوغ الشعر ونبرِّدُ قلبه فنأخذه الى حميمية النثر، وتفاصيله، وأنت مع هذا و ذاك ترصد ذبذبات القلب في النثر، وذبذباته في الشعر، ، التي تحتل قلب الكاتب الشاعر أو الناثر، وراء هذه الفوضى، يشف ضباب الكتابة الجميل، فيقف الكاتب على حوافها، وهو يخيط الورقة بالحبر، أو يبذر بذوره كما يشق الفلاح أثلام الأرض.

في الشعر وفي النثر، لابد من لحظة الالهام، أو النور، أو الملهمة، أو الغيب أو الغيبوبة، وقد فسّر العرب هذه الغيبوبة في جاهليتهم بنظرية شيطان الشعر، وعندما رشدوا وغادروا جاهليتهم، ردّوا تلك اللحظة الى الملهمة وطردوا الشياطين من النافذة ، وان مزاجي وهجوسي تتفق مع فكرة الملهمة، ولكننا لا نحبذها امرأة من لحم ودم، هي امرأة حقاً، ولكن لابدّ من ضباب بينك وبينها، ولابد من غموض، ولابدّ من نعناع في صوتها، ولكننا حين نوقفها بين النعناع والغموض والضباب، نكون قد فتحنا النافذة لشيطان الشعراء الجاهليين، ليدخل من الشباك مرة أخرى، وحتى لا نقع في ذلك لابد مع كل ذلك الضباب، من جدائل وكحل وعيون سود وغمازتين، وغصن بان، وشال يعلن عليك هجومه النثري، ويقودك –دون هدى- الى الورق.

هذا التفسير لدهشة الكتابة، من خلال الملهمة، تفسير منطقي مع أن الكاتب والملهمة لا يلتقيان في مساحة محدّدة، قد تكون المسافة بينهما متر واحد أو متران أو سبعة، لكن تلك المسافة تكتمل حين يستحضر الكاتب في هذه المساحة، كل ما في داخله من حدائق، وسماوات، وبراري، وغزلان ومواويل، وتستحتضر المرأة كل ما فيها من نوافذ وكحل وكيد وغوى، وهنا تدخل لحظة النور، أو لحظة الحبر برزخها الأثير، في غيبوبة، تفسر لنا الألهام أو الإبداع، ويبدأ الكاتب رحلته الأثيرة في إغواء الحمامة بالهبوط الامن للأرض، وإغواء الملهمة بالطيران في السماء والحبر معا.
محمود درويش، قال في مقدمة ديوانه الرائع كزهر اللوز أو أبعد، مؤسساً قوله على مأثور تراثي،قال ما معناه ،ان اجمل النثر هو الذي يقترب من حساسية الشعر ، واجمل الشعر ما يقترب من بساطة النثر ، وهذه الخلخلة ضرورية بينهما و تضيء النثر والشعر ، لابد من نثر، ولا بد من شعر ، ولا بد من عينين تاخذانك كالاعمى الى حدائق الكتابة السرية وهذيانها
تقنع نفسك بامان النثر وتتقبل هذا الهجوم النثري الذي تقترحه الملهمة ، تقنع نفسك فتتناول النثر كقرص الدواء ، ليساعدك على تحمل المسافة بين طيرانين او قصيدتين او جنونين ، ولكنك تعرف انك استوعبت هجومها النثري استعدادا لقصيدتك القادمه تتقبل اقتراحها النثري وانت تعرف انه القش القادم لقصيدتك القادمه واحتراقك ، وهو تعبير عن استعدادك الابدي وجاهزيتك للشعر والاحتراق معا:
النثر منفى
والشعر محبوبي اذا جافيته دانى وشفّا
جرحي القديم وكلما ضمدته يزداد نزفا

****************

الخروج عن التقاليد..
بقلم : حبيب الزيودي



استطاع شعراء الجزيرة العربية ان يطوروا القصيدة (النبطية) خلال العقود الثلاثة الماضية، بحيث تخلت عن شكلها المتوارث القديم، وراحت تستفيد من نفحات الحداثة الشعرية التي قدمتها القصيدة الفصيحة، وراحت قصيدتهم تخرج من الموضوعات التقليدية المعروفة وتطرق آفاق التأمل، والرسم بالكلمات، ما اغنى قصيدتهم وساهم في تقريبها من الناس.
ولعل الثورة الثقافية التي تساهم فيها الكثير من الفضائيات العربية المتخصصة بالشعر الشعبي الان، ستساهم في تعميق دور هذا الشعر اكثر واكثر في الثقافة المعاصرة، وهي صورة ضرورية تدعونا للتمسك بهويتنا في هذا العصر الذي يتجنى على الثقافات المحلية والموروث.
صحيح ان هؤلاء الشعراء قد انطلقوا الى هذه الغايات وفي اذهانهم تجارب الشعراء الشعبيين في اقطار عربية اخرى، ولا سيما التجربة اللبنانية التي اعطت القصيدة الشعبية ابعادا جديدة وحلقت عالياً في فضاءات التجريب والدهشة، ولكن شعراء الخليج العربي نظروا الى هذه التجربة نظرا لانداد لا نظر المقلدين اوالتابعين، فعمقوا خصوصية لهجتهم ومفردات بداوتهم والبسوها ثوب العصر الذي ينتمون اليه.
واذا كان المثقف العربي قد نظر في بداية الامر بعيون الريبة الى التجربة الشعرية اللبنانية لانها انطلقت من تصورات عقائدية كانت تدعو الى محاربة الفصحى، وتدعو الى ثقافة لبنانية لها ثوابتها التي لا تلتقي بالضرورة مع الثقافة العربية، فإن التجارب التي اتحدث عنها عند شعراء الخليج لا تنظر الى القصيدة النبطية الا باعتبارها اضافة جديدة، وغصنا آخر من اغصان شجرة الابداع العربي، ويؤكد هذا التلاصق ان عددا من هؤلاء الشعراء يكتبون القصيدة الفصيحة، ويستفيدون من انجازاتها العظيمة في كتاباتهم.
ومثلما اغنت تجربة شعراء لبنان الغناء وطورته، فقدمت فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين، فقد اغنت القصيدة النبطية الغناء الخليجي وقدمت طلال مداح ومحمد عبده وحقق نجاح مطربي الخليج العربي نجاحاً دفع الكثيرين من مطربي العالم العربي لاداء القصيدة الخليجية.
اخرج هؤلاء الشعراء قصيدتهم من دائرة التقليد الى دائرة التجديد، وعبروا عن خصوصيتهم ومفردات البادية العربية وقدموا اسماء كبيرة في الشعر العربي مثل الامير خالد الفيصل، والامير بدر بن عبدالمحسن، وطلال الرشيد، وخلف بن هذال، وغيرهم وراحت هذه القصيدة تقدم اقتراحات لتشكيل القصيدة النبطية بأدوات العصر.
ولعل كل هذه الجهود التي بذلها هؤلاء الشعراء ستخضع المنطقة العربية كلها الى تحولات ثقافية جديدة، لا يمكن الحكم على فاعليتها الان ولكن تحولات علينا ان نتنبه لها ونقر بها.

*************

الصديق
حبيب الزيودي


من بين المفارقات التي تستدعي التأمل، تلك المفارقة بين صورة الصديق في الشعر القديم والشعر الحديث، ففي الشعر القديم اطلت صورة الصديق او الصاحب بجلاء وتألق، وكان احد اللوازم الثابتة في الكثير من القصائد العربية القديمة وغالبا ما كان الشاعر يفتتح قصيدته بصورة الصاحب الذي كان يدير معه حوارا ساخنا في افتتاح النص الشعري. لكن صورة الصديق في الشعر الحديث صورة قليلة الحميمية نادرة الوجود ... ولو تأملنا شعر المدينة العربية وصورتها في وجدان الشعراء لوجدناها تفتقر الى الانس والصحبة والاصدقاء ، وقد رأى احمد عبد المعطي حجازي تلك الصورة قاتمة وعدوانية ولخصها في مقولته الشهيرة هذا الزحام .... لا احد . يقدم الشعر اذن صورتين متضادتين للصديق، وحين نبحث في سيرة أي شاعر قديم فانك تلاحظ ان عدد الاصدقاء من الشعراء يزيدون على عدد الاعداء وفي الشعر الحديث تجد العكس باستثناء الشعراء الذين يقيمون امجادهم وعماراتهم الشعرية على العلاقات العامة وليس على الابداعات . امرؤ القيس اول من استوقف الصاحب واستبكاه على الطلل لتصبح هذه الصورة صورة متوارثة عند الشعراء وظلت صورة الصاحب فياضة بالانس والشاعرية في الشعر القديم وظل الشعراء يسكبون على الصاحب الشمائل العذبة والصفات الحميدة. ونجانب الصواب ان قلنا ان هذه الصورة تنطبق بالمطلق على كل الشعر والشعراء فهناك استثناءات في الشعر القديم والحديث ولا ينبغي ان نستسلم للتعميمات ولكنني اتحدث عن خط واضح الملامح في الصورة التي رسمها الشعر للصديق في قديم الشعر وحديثه. ولهذه الصورة انعكاسات نفسية حول البيئة والزمن، ولا شك ان لها مبرراتها التي يدري بها النقاد اكثر من غيرهم، وهي صورة تستدعي الانتباه وتثير الاسئلة. ان مفردة مثل مفردة يا صاح او صاح او بكي صاحبي من المفردات الشائعة في الادب القديم، وربما لان حياة البداوة التي كان يعيشها قدماء العرب لا تتيح لهم التواصل مع الاخرين كما في هذه الايام، جعلت الصديق والصاحب بضاعة نادرة يحرص المرء الشاعر وغيره على الحفاظ عليها.

****************

الشعر والدراما
بقلم حبيب الزيودي


ان يؤدي الممثل دور شاعر كبير ، مسألة تضعه امام تحديات كثيرة ، فما بالك حين يكون الشاعر هو نزار قباني الذي يعد مرآة عميقة لعصره على مختلف الاصعدة الانسانية والسياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية .
هل استطاع سلوم حداد ان يتماهى مع نزار وان يقترب من النقاط العميقة في شخصيته ، من انفعاله ومزاجيته وطباعه وتلقائيته وفوضاه وجنونه وعواصفه وطفولته ، اسئلة ظلت تطوف حولي وانا اشاهد المسلسل واربط ما بين ما اراه على الشاشة وبين ما اختزنته ذاكرتي من انطباعات حول هذا الشاعر الكبير.
لقد كان سلوم حداد قريبا من نزار في المحطات التراجيدية في حياته لا سيما موت توفيق الابن البكر لنزار قباني وفي وفاة بلقيس زوجة نزار ، وفي رحيل جمال عبد الناصر، وفي كل هذه المحطات ترك نزار شعرا استعان به المخرج والممثل للاقتراب من دوائر الانفعال التي كانت تغمر مشاعر نزار قباني.
لكننا اذا انتقلنا الى محطات اخرى ، وحاولنا ان نربط بين اداء سلوم حداد وبين نزار الذي عرفناه من خلال امسياته الشعرية ، ومقابلاته التلفزيونية ، وكتاباته النثرية ومذكراته ، لوجدنا ان الفجوة واسعة جدا بين اداء الممثل وشخصية الشاعر عنفوان نزار، ونبرة الثقة العالية ، والاعتداد بالذات، واللغة الباذخة المركبة المكثفة في مقابلاته وادبياته ، جنون نزار وانفعالاته ، كل ذلك كان بعيدا عن الدراما التي شاهدناها.
ومما زاد الفجوة بين الشاعر والممثل الالقاء الشعري العادي، المليء بالاخطاء اللغوية والايقاعية ، والذي لم يقترب باي حال من الاحوال من القاء نزار الملتهب والانفعالي الذي كان يموج مثل ماء النهر، ويهز مشاعر الالاف الذين كانوا يحضرون امسياته .
من الجميل ان تلتفت الدراما للشعر العربي، وتقدم سير الشعراء للناس، وحين تختار شخصيات شعرية من التراث يكون الامر اسهل على الممثلين والجمهور ، اما حين تختار شخصيات معاصرة ومعروفة عند الناس، فان الامر يحتاج الى براعة في متابعة التفاصيل والنفاذ الى الشخصية التي يراد تقديمها.



***************

سقوط الحصانة عن الشعر والشاعر
بقلم حبيب الزيودي


ينفي محمود درويش في حواره الأسبوع الماضي مع الفضائية اللبنانية ( ال. بي. سي. ) العلاقة بين الشاعر والنبي, وفي ضوء هذا الفهم لهذه الاستقلالية يسقط الحصانه عن الشعر والشاعر مع كل ما تكلفه هذه الحصانه من مفاهيم تجعل الشاعر فوق المساءلة, فالشاعر لا يقرأ الغيب أو يفتح أسراره ويفك طلامسه, وضمن هذا الفهم يحصر درويش وظيفة الشاعر ويضعه أمام مهمته الحقيقية وهي تقديم رسالة جمالية تتمرد على الثوابت وتبحث دائماً عن كل ما هو جديد ومثير ومجهول.
والذي أعاق الشعر العربي عن تطور طوال قرون خلت, هي الضمانات التي جعلت الشعراء يتمتعون بوراثة الأنبياء وإن كانت تلبس عمائم مختلفة تكفل لكل من يتقن العروض أن يضع نفسه فوق البشر العاديين, ويمضي في الشعر حيثما ماجت به تفاعيل البحر أو قاده زمام القافية.
وجدد درويش في حواره الغني هذا ثوابته الشعرية فهو شاعر غنائي, وهروبه من الغنائية أحيانا أو وقوفه بين الإيقاع والنثر ليس وقوف المحايد, فهو لا يخرج من الإيقاع ولا يدخل في النثر, وإنما يقف في المنطقة التي تؤهله لاستخراج كل ما فيهما من مثيرات تغري الشعر بالمغامرة والبحث الدائم عن الجديد.
جاب درويش عن السؤال الدائم الذي يطرح عليه في المقابلات, والذي يتعلق بطموحاته في الوصول إلى العالمية دون التخلي عن هويته الشعرية كشاعر عربي فلسطيني.. حيث يؤكد أن الترجمة لا تضمن لأي شاعر الوصول إلى العالمية, وفيما يتعلق بتجربته هو يؤكد, بالرغم من ترجمة كل أعماله الشعرية إلى اللغات الحية.
بأنه لا يدري هل وصل إلى العالمية أم لا, ولا ينفي زهده بالترجمة, ولا يخفي زهده بدور النشر الغربية التي توزع آلاف النسخ من أعماله المترجمة, ويعيد تأكيد طموحه إلى سعيه الدائم إلى التأثير في لغته وثقافته, فالقيمة الحقيقية للشاعر هي القيمة التي يحققها في ثقافة أمته وقدرته على تجديدها والإضافة إليها.. فهو زاهد في العالمية ومتشبث بثقافته العربية.
وعلى مدى رحلته الشعرية كان درويش يوظف كل طاقاته في بناء النص الجديد, ثم يوظف كل الطاقات بعد إنجازه لهدمه وتجاوزه, وبناء النص الذي يليه بأدوات مختلفة فهو يدخل إلى الشعر من بوابات مختلفة, ولا يعيد طرق الباب مرتين, فقد دخل إلى ديوانه " لماذا تركت الحصان وحيداً " من بوابة السيرة الذاتية للمكان والذات, وذهب إلى " سرير الغريبة " من بوابة الحب, ليستقر في " جداريته " في ظلال إحساسه بتجربة الموت.
الشاعر ناقد نفسه, في هذا التنقل بين الموضوعات والكتب والقصائد, ومهمته الحقيقية كما يعلن درويش أن يضيء المناطق المعتمة والجديدة, وان يأخذ القارئ إلى اللامتوقع الذي يضمن للشاعر والمتلقي الاستمتاع بلعبة الشعر.
خلاصة ما يتمناه درويش كشاعر وكفلسطيني أن يتحول إلى إنسان عادي, وحسب تعبيره العفوي الذي لا يخلو من الدعابة يتمنى أن يحلم مثل سائر خلق الله أحلاما عادية وسخيفة, وان يصل الفلسطيني إلى حالة الخلاص من فكرة البطل والضحية, ولكنه يؤكد أم كل فلسطيني هو عبد فلسطين حتى يتم التحرير, وقبل أن يصل الفلسطيني إلى ذلك فان حريته لا تكمن ألا في هذه العبودية.
وحول الخاص والعام يؤكد درويش انه يصل دائماً إلى العام من خلال الخاص وضمن هذا الفهم تحدث عن قريته وأحلامه الصغيرة وأمه " التي تلقي في قصيدته الأخيرة شالها " وعن ميراثه الثقافي الذي يتمثل في كل ما ورثته هذه المنطقة من سلالات ورسالات وثقافات, فهو كما صرحّ في بعض قصائده " ابن الساحل السوري " بكل ما سكبه هذا الساحل في ضميره من ثقافة وتاريخ وشعر وأسئلة ستظل متجددة على الدوام....

جريدة الرأي الأردنية، الجمعة 20/7/2001

*****************

لا تسأليني إن أتيت في مساء غدْ لـ الشاعر حبيب الزيودي



لاتسأليني إن أتيت في مساء غد
هذا المساء ياعزيزتي جميل



إنّ إدارة حوار في قصيدة ليس من الأمور السهلة ، على أي شاعر ، وهذا شاعر فعل ذلك باقتدار وجمال فليس يخطر في بال المحب الا تلك الوقفة الحائرة على باب من يحب لآيدري مايقول : فابتكر أرقى المسميات مثل الكتاب وأتى بأجمل الأعذار
(علبة الدخان) ، :
ما الذي أريد
ستلمحين فكريَ الشريد
من خلف عيني حائرا يبحث عن جواب
وأمضغ الأسى، ولا أردٌ
لا توقفيني هكذا،
فقد شبعت وقفة بكل باب
هذا نص يتوغل في النفس عميقاً ، نفس إنسان عاشق محب متيم ....لايدري مايفعل ..لذلك قد يتفوه بالكثير من الحماقات
ولكنّ الحب يشفع لكل الحماقات ، وقد يكتب ويغضب من يحب دون وعي ......وفي الحقيقة إنه طفل بكل المعاني التي قصدها الشاعر والتي لم يقصدها...................!!!
أقسى المواجع
حين تطوي الدربَ - وَحْدَكَ -
في صقيعِ الأربعين
(لكن أقسى من ذلك حين تكون صادقاً أيضاً)
أعتقد أني قد أعطيت هذا النص أكثر مما يتوجب عليّ ، ولكن ألتمس الأعذار تلو الأعذار لنفسي واستسمحكم هنا أن أقول أني قدتأثرت بهذا النص أكثر من اي شئ قرأته في طول حياتي وعملي وقراءاتي والسبب ليس شيئاً يمكنني اخفاءه ، ولكنني أجاهر بهذا ولاعيب في ذلك ، فهذا النص أرتبط بخصوصية مميزة أعتقد أنني لن أنساها ، وليس للموضوعية هنا مكان ولكن النص ومافيه له مفعول السحر والساحر ، فهو يتدفق جيشاناً عاطفياً ويحكي قصة حياة لأناس كثيرين مروا وسيمرون بمرحلة الشباب وصقيع الأربعين ، ولكنهم لن يتوقفوا مثل هذا الشاعر ومثلي عند باب المحبوبة ويختلقون الأعذار والأكاذيب ليحظوا بقليل من الإهتمام وكثير من الحب وقليل من الإشتياق حتى وبعض السوأل .....

سأكونُ أكثرَ بَهْجةً ،
وأقلَّ حزناً ،
كي أكفَّ عن الكتابةِ والحنين؟

ومن لايشتاق إلى حبه الكبير الذي لايتكرر مرتين في حياة مثل هذي الحياة المفعمة

اشتاقُ - أحياناً - لصوتكِ
رعشةٌ ترتجُّ في روحي
وحمّى تعتريني؟

إنّ لبعض النساء حضورٌ يطغى على كل حضور ...في الروح والعقل والضمير

ومنهن تلك المرأة التي أهدتْ نا هذا النص يوماً ، وذهبت لاتلوي على شئ



لا تسأليني إن أتيت في مساء غدْ
وفي مساء بعد غدْ
ماذا تريد؟
لأنني سأدعي أني نسيت عندكم كتاب
أني نسيت علبة الدخانِ ليلةَ الأحد
...أني، نعم أريد. ما الذي أريد
ستلمحين فكريَ الشريد
من خلف عيني حائرا يبحث عن جواب
وأمضغ الأسى، ولا أردٌ
لا توقفيني هكذا،
فقد شبعت وقفة بكل باب

لا تسأليني إن أتيت في مساء غدْ
وفي مساء بعد غدْ
ماذا تريد؟
لأنني سأدعي أني نسيت عندكم كتاب
أني نسيت علبة الدخانِ ليلةَ الأحد
...أني، نعم أريد. ما الذي أريد
ستلمحين فكريَ الشريد
من خلف عيني حائرا يبحث عن جواب
وأمضغ الأسى، ولا أردٌ
لا توقفيني هكذا،
فقد شبعت وقفة بكل باب
أسأل عن خبزي،
وعن حجبٌِ،
ولا جواب
غير صدى صوتي يضيع في السكون
أرجوكِ قولي لي: استرح!
أو: انتظر!
وابتسمي ابتسامةَ مشجٌعة
لأنني لن أستريَح لو بدا في وجهكِ الضجَر

أتذكرين؟
ليلة أن كنٌا نسير، ذات ليلة،
وقد تدثٌَر الطريق بالظلام
أنا أكاد أذكر الوقت وأذكر الكلام
لأنها أوَّل مرة نسير وحدنا
وكنت أستطيع أن أقول كلٌَ شيء
لكنني لست من الذين يتقنون صنعة الغرام
أنا أكاد أذكر الوقت وأذكر الكلام
كنا نسير والطريق مظلم
والناس أشباح تمرّ
تبدو إذا سيَّارة مرت بهم
تمدّ فيهم إصبعين أزرقين من ضياء
وتختفي فيختفون!
أيامَها كنا نعيش في الظلام
كانت سماؤنا بِومي ينشر الخراب
على بيوتنا التي بنى سقوفَها العرق
على حقولنا التي تخضرّ كل فصل
وتفرش الظلال للخرافِ والرعاة
وترضع المساءَ قطرة من الندى،
وخفقة من الورق
أيامها حتى الندى احترق
وقلت في نفسي اعطها يدك
ففي ليالي الحرب تأمن البنات للرجال
وقلت لا، فقد تردّها !
لكنني وددت أن يتوه دربنا
فلا نرى خيال دار
ويشربَ الليل الخلودَ كلٌه،
فلا يرى النهار
وكان حراس الطريق والجنود يعبرون
وقد تقلصت أكفهم على السلاح
وكنت أطرد الهواجسَ التي تأتي بفكرة ابتسام
وربَما لولاك ما فكرت أبتسِم
هربت من خواطري
كأنني استيقظت من حلم
ثم استدرت نحو وجهك الذي يفيض بالجمال
والعذاب
وقلت:
هذا المساء يا عزيزتي جميل!

الأفق صلبان من الشرر
تقاطعت على الدجى
والطلقات تنهش السكون
لا تفزعي!
لا تفزعي، نحن معا
نحن معا نخوض في المنون
ولا نموت!
أحسست أنني أحب
أحسست أن إصبعي يفَتٌِت الصخور
وصدري العاري يطيش حوله الرصاص
وفي دقيقةِ يصير لي جناح
أمشي به علي الرياح
إذا شربت جرعة من نبعك النمير
أحسست عندما اقتربنا من طريق منزلك
أن لياليَ السهادِ والغناءِ أقبلتْ!
أني بحاجِة إليك
أني أريد، ما الذي أريد
هربت من خواطري كأنني استيقظت من حلم
ثم التفتُ نحو وجهك الذي يفيض بالجمال
والعذاب
وقلت:
هذا المساء يا عزيزتي جميل

************

تحت شمس الحرية
بقلم حبيب الزيودي

عندما كنت أرى الموج في ميدان التحرير في مثل هذه الايام في العام الماضي، كنت ارى مصر التي تؤلف نفسها من جديد على طريقة سيد درويش وبيرم التونسي، كنت أراها تلتمع مثل الياقوت في قصائد أمل دنقل، وصلاح جاهين، وفي صوت احمد فؤاد نجم:
«صباح الخير ع الورد اللي فتّح في جناين مصر،صباح الداية واللفة ورش الملح في الزفة،
صباح يطلع باعيادنا من القلعه لباب النصر
صباح الخير ع الورد اللي فتّح في جناين
مصر عندها فقط أدركت معنى الشعر،ومعنى أن تحرس القصيدة أحلام الناس، وتدافع عن الضوء في ضمائرهم وأمضيت سنة كاملة اتهجأ العلاقة بين دبيب اقدام الناس على جسر الجمهورية، وايقاعات الشعر،مجنون من يظن ان موسيقى الشعر تنبعث من العروض والاوزان لان القصائد تتنفس من امال الناس وأحلامهم، ومثلما كنت ارى سيل الحرير يترقرق في خطى بنات الجامعات الذاهبات الى ميدان التحرير،كنت ارى القصائد المصرية العظيمة وهي تسير محلولة الشعر في شوارع مصر وحاراتها،لان الشعر الحقيقي قادر على التجسد والحلول في روح الشعب والقصائد قادرة على الدخول في قلوب الناس والتماهي مع سواد عيونهم وسمرة جباههم
وحين كنت ارى التماثيل تهوي،والفاسدين يتدبرون كالفئران دروب النجاة ،كان وجه الشاعر العظيم أمل دنقل يتهادى غيمة تنسكب على شعر البنات في ميدان التحرير
وقتها فهمت خوف الطغاة من الاغنيات كما يقول محمود درويش،وفهمت الرنين في قصائد الشاعر المصري الكبير احمد بخيت،وفهمت شراسة قصائده ومعنى أن تكون القصائد أحلاما،ووقتها كان النيل يرد للمصريين كل العرائس اللواتي قدموها له قرابينا في أساطيرهم حتى تستند روح
مصر للشعر والحرية
كانت ثورة 25يناير ثورة الحبر والحب وثورة الوعي ولم تكن مثل غيرها من الثورات العربية اللاهثة وراء الغنائم والموجهة من نوافذ المقار الحزبية ونوافذ الفنادق بالريموت كنترول،كان كل قادم من الصعيد مصر،وكل فلاحةمصر،وكان المشهد يتجلى على الشاشات العربية كلها، كنا نرى مصر بجلابية القطن وهي تصنع زمنها المصري الخاص
اعرف ان 25 يناير بكل ما فيها من احلام خطفتها القوى المنظمة واعرف ان(وراء كل قيصر يموت قيصر جديد)كما قال شاعر مصر امل دنقل،لكنني اعرف ان المصريين عرفوا سحر الميدان وحفظوا درسه عن ظهر قلب،
كل حرف وكل قصيدة وكل تمثال وكل حجر وكل وجه وكل مغترب مصري صار يحفظ عن ظهر قلب درس الحرية،وتتشمس مصر كلها تحت شمس الحرية

*************
بين الشعر والغناء
بقلم حبيب الزيودي



يلوم بعض المثقفين الشاعر على كتابة الاغاني الشعبية ويعتقدون ان الاستسهال او الرغبة في الشهرة السريعة هو الذي يقوده الى ذلك، وقد كرست الاعراف الثقافية في بلادنا هذه الفوقية التي يمارسها شعراء القصائد على شعراء الاغاني، وساعدت الثقافة الرسمية على تأكيد هذه الفوقية، فارتبطت القصائد بعلية القوم، في حين ظلت الاغاني مرتبطة بالدهماء او العوام من اصحاب الحظ القليل في الحياة.
اخالف هؤلاء في رأيهم وأرى الشعر قيثارة تروق لهذه وتستعذب تلك ، ولا اظن ان الشعر العربي في نشأته فصل بين اللونين فلم تكن تسمية ابي الفرج الاصفهاني لكتابه ''بالاغاني'' الا لتأكيد هذه الحميمية بين الشعر والغناء ويخبرنا صاحب الاغاني عن فرح الشعراء حين تغنى قصائدهم التي ترتدي الحلل القشيبة حين تصدح بها الحناجر الريانة الصافية.
سيرة احمد شوقي تؤكد لنا ان امارة الشعر لم تشغله عن كتابة الاغاني بالعامية المصرية وان كان امير الشعراء يختار لها اسماء مستعارة انسجاما مع الاعراف التي تحدثت عنها والتي فصلت بين الشعر والغناء كما ان تجربة احمد رامي بصوت ام كلثوم وشغفه بها قد قاده الى سكب ذوب روحه في اغانيه التي تعرفونها.
ولعل رامي الشاعر العربي الاول الذي تحرر من سطوة الاعراف التي تفصل بين الغناء والشعر فقدم نصف شعره للاغاني وترك النصف الاخر لديوانه الذي حجبه عن عيون الناس خشية تعلقهم باغانيه واخباره مع اغاني ام كلثوم.
وفي الاردن احدث الشاعر حيدر محمود نقلة نوعية في القصيدة والاغنية معا، واثبت قدرة القصيدة الفصيحة على الارتقاء بالذوق الغنائي وبالاغنية ، فقدم خلال السبعينات والثمانينات مجموعة من الاعمال التي صدحت بها الحناجر ورسخت في الوجدان الاردني بالذوق العام للغناء الاردني.
وهناك شعراء اخرون تطرفوا في انحيازهم للغناء فقدم الرحابنة كل ما في كنانتهم لفيروز التي لم تخذل عبقريتهم وراح شعراء لبنان يتنافسون في اغواء الحنجرة الذهبية ويقدمون لها اجمل الكلام ولا يختلف الامر عند شعراء السعودية : خالد الفيصل وبدر بن عبد المحسن وقبلهم عبد الله الفيصل، فقد سكبوا كل اشعارهم في الاغاني فترنم بها طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وغيرهم.
الشعر اذن لا يفرق بين العامية والفصحى، ولا يؤمن بهذا الفارق الذي يفرض قسرا بينهما..
ولعل الاغنية صاحبة فضل وامتياز على الشاعر لانها تقرب له الجمهور وتؤلف قلوب الناس حول قصائده وتكسر العزلة القائمة بين الشعر والجمهور.

***********

الكتابة عن المكان
بقلم : حبيب الزيودي

بدأت الكتابة عن المكان تأخذ طريقها إلى الأدب العربي بأدوات جديدة ورؤى مختلفة عن المفاهيم الموروثة لثقافة المكان في الأدب العربي القديم، فقد كانت العلاقة التي تجلت في الشعر الجاهلي مثلاً تقتصر على الوصف الخارجي للمكان وبيان موقعه وما يحيط به من أمكنة، ووصف نباتاته أو الحيوانات التي تعيش فيه، ووصف الطريق الذي يؤدي إليه، لكن الرؤى الجديدة للكتابة عن المكان تجاوزت هذا الفضاء إلى فضاءات أخرى حاولت الربط بين مفهومي المكان والذات، والاعتماد على الذاكرة، واسترجاع ما هو انساني وحميم في المكان الذي يكتب عنه الكاتب.
كان الطلل القديم عند الشاعر الجاهلي، مفتاحا بين الشاعر وبين قصيدته، وكان الوقوف عليه تقليداً فنياً راسخاً اغناه الشاعر بسؤال المكان أو البكاء عليه أو طلب السقيا والغيث له، او وصفه بكل ما يتطلب ذلك من شروط فنية وابداعية.
في شعر بدر شاكر السياب وقوف عند المكان ولكن السياب اتخذ من الأماكن التي تحدث عنها نافذة رأى من خلالها الوطن والهوية والأمة، فقد اتخذ من جيكور قريته الجنوبية ومن بويب النهر الصغير الذي يجري بمحاذاتها نوافذ تطل على الحياة والوطن وتجاوز المفهوم الوصفي الموروث، وحتى حين تناول أماكن أخرى في قصيدته غريب على الخليج لم يوغل في الوصف الخارجي، وانما تناول المكان ليعبر عن حالة الحنين إلى الوطن واستشراف مستقبله واستطاع ان يكسر الاطار الذاتي لهذه المشاعر ليصل الى اطار انساني عام يشترك معه فيه كل البشر.
في كثير من الكتابات في الأردن التي تتناول المكان يكتفي الشاعر بالوصف الخارجي الجغرافي وتعداد الأماكن شأنه في ذلك شأن الشاعر القديم، وعلى كثرة ما يكتب من نصوص تحمل هاجس المكان الا انها لم تستطع تجاوز الاطار الجغرافي الى فضاءات جديدة تؤنس ما هو ذاتي، وترتقي بالمكان المكتوب عنه فتخرجه من حالة الوصف الساكنة إلى حالة الحركة والحياة والألق، وقليلة هي الكتابات التي تعي هذه الهواجس وتخرج بالوطن الى هذه الفضاءات الرحبة.



من أعماله الشعرية


قمــــر الأمــــــس

كُـلَّما طال بينَنَا الهجرُ جفَّتْ

من كؤوسِي الطِّلا, ومادت سُفُوحِي
مرّ في أضلعي الشتاء حزيناً

لابساً حزنُه ثيابَ المسيح
يحرق الوجدُ أغنياتي الحيارى

عندما تكتمين حبي, فبوحي
صوتك الحلو نرجسي, واشتعالي

ومُنى خاطري, وحِنّاء روحي
قمر الأمس مر بي اليوم كهلاً

دامي الطرف مثقلاً بالجروح
أنا لوّحت بالمناديل وحدي

عندما لم تلوِّحي, أو تلوحي
عاتباً مر لم يلوّح بكفٍ


يا حبيبي ولم يغازل سطوحي

*************

يا حـــــــاديَ العيـــــــس

يا حادي العيس, أفنيت الفتى شجنا

أيقظت في قلبه الموجوع ما سكنا
ما مرت الريح من صحراءَ قاحلةٍ

إلا تحرك في أعطافها فنن

يا حادي العيس, ذا شعبي وذا وطني

ما ذاقت العين من أوجاعه الوسنا

إنّا فرشناه طيباً غامراً وندى

وقد ملأناه زهراً عابقاً وسنى
وقد رفضناه سجناً نستريح به


وقد رضيناه كي نحيا به كفنا

وإن تلا الناس أشعاراً على وطن


فقد تلونا على أوطاننا دمنا

كانت فلسطين يوماً طينة, وغدت

لما نفخنا بها أرواحنا, وطنا

**************

طــــــواف الـمُغَـنِّـــــــــي

(1)

على أي جنب ينام المغني

وقد ذبل الورد في المزهرياتِ,

وانكسر العود بين يديه,

على أي جنب ينام?

وليست صباحاته فضة...

وليست مساءاته من رخَام

وكيف ينام?

وهذا السناج, يغطي السراج

وهذا الظلام

يغبّر أحداقه بالرماد

ففُكّي يديه من القيد فكي اللجام

فها هو يحمل أقماره ويطوفْ..

ويهتف بين المضارب: دقوا الدفوفْ

ليعرف هذي المدينهْ

وبعد ثلاثين أغنية, وثمانين صيفاً, وألف خريف

ستعرف أبوابُها وشوارعها

شارع شارع

ورصيف رصيف

بأن القصائد ما خذلت دمها عندما خذلتها السيوف

(2)

لنا كوخ أحلامنا

ونغني لكي لا ينشِّب خيطانه العنكبوت

على بابه فاسمعينا

فنحن الذين نمزق ثوب السكوت

أشار إلى الزاد..

قلت إذا كان يعوي بأضلاعي الذئب جوعاً..

سأقتله قبل أن يصبح الذئب قطاً أكولاً شروباً صموت

لنا حزننا فاسمعينا

ولا تنكرينا

فإن البلاد التي تنكر الشعراء تموت

(3)

لماذا تعاتبني هذه الأرض

لو أستطيع نثرتُ النجوم على ثوبها

وعلّقت في كل واد قمر

لماذا تطالبني أن أغني وأحلم

ماذا يظل من الحلم

حين يمد اللصوص بنادقهم

فتبعثر ريش العصافير بين غصون الشجر

(4)

ولا يعرف القلب شيئاً

متى ينطفي ومتى يستريح?

ويمشي على الرمل,

والرمل يحرقه,

والحبيبة أبعد من نجمة, والزمان شحيح

ويعرف أن الزمان صليبٌ..

وأني المسيح

ويعرف أن أمامي ضريحاًوخلفي ضريح

(5)

كأني على هودج الحزن أطوي الصحارى وأطلب من رملها أن يبل عروقي.

كأن الكلام انتهى, وكأني هرمت, وأوحش سرداب قلبي فليس يبلله غيم روحي,

وليست تضيء بروقي.

كأن الأفاعي تفحُّ, وتمتص سكّر قلبي, وتسكب شهوتها في بياضي.

كأن القرى تركت شالها في العراء, وقصت ضفائرها

منذ ودعتها, فاتركوني أعود لها, وأصب على رملها فتنتي واتركوني أربي ضفيرتها

وأعيد لها شالها,

واتركوني أعود,

وأنفخ فيما تبقى من الجمر في نار أمي.

كأني إلى الوهم أمشي.

أقيم خيامي وأهدمها, وأعرِّي الصحارى بريحي.

وأدفن في رملها المتلبد روحي.

كأني إلى الوهم أمشي.

كأن المدينة قد خيطت منذ داهمتها كفني

وأعدت شوارعها حين أقبلت نعشي.

كأني إلى الوهم أمشي.

ولكنني حين آوي لكهفك يا أيها الشعر

يا أيها الكاهن الوثني العتيق

أرى في القصائد مملكتي

وأقيم على شرفة الحب عرشي.

*************
خصّ الشاعر حبيب الزيودي "عمون" بقصيدة جديدة عنوانها "حمدان" أهداها إلى الشهيد حمدان الهواري.

حمدان

الى حمدان الهواري الشهيد الذي تمر ذكراه الثالثة والعشرون
في 22-4-2012


حمدان دبّ الحيا في العود فابتسمت

بعد المحول، دموع العارضِ الهطلِ

وهشّت الأرض بالاشجار حانيةً

تثغو عليها ثغاء الشاة للحملِ

وفضّها بارقُ في الليل فارتعشت

مع الضحى بشميم العشب والنفلِ


ازور قبرك كي ابكي على زهر

وكنت اتيه كي ابكي على طللِ

في طية انت من طياتها وغشى

ثراك ما جاد صاديها من البللِ

اراك في سهل حوران اذا انعقدت

براجم القمح مع اذار في السبلِ

وحن في سهلها الدحنون واستندت

في السنديان اغانينا على الجبلِ

دار الربيع على اذار يصهبه

ففاض فيه الغوى كالشارب الثملِ

ومدّ راحته الدحنون يشرب من

حمر الخدود وسحر الاعين النجلِ

فلو مشت عاقر في السفح تخصبها

ان هفهف القمح فيها نظرة الرجلِ

فحبذا نافخ اليرغول ينفخه

لظبية خطرت تمشي على مهلِ

والواردات على العالوك رهوجة

يمزجن غيّ القطا مع خفّة الحجلِ

مررت في "ذات راس" اليوم يسبقني

"رغّ " الهزار و"زغّ" البلبل الوجلِ

ان لامني عمر القيام يزجرني

في شربها فلعل الله يغفر لي

وصبّها يا خلي البال طافحة

اغبّها عللا اشفي بها عللي

حمدان حمدان ظل السرو يسالني

باب الحقوق عن النوّار في المقلِ

فقلت يا سرو قد عشنا على املِ

وقد قضينا كما تدري على املِ

لعل عمّان مذ زفّتك باكية

تبكي عليك بوجد الواله الثكلِ

قدّست هذا الثرى الغالي وطفت به

طواف مستلم للركن مبتهلِ

كانما هطلت يوم الوداع على

وجه الشهيد قطوف الطير بالقبلِ


خذي ابتسامته البيضاء عن فمه

ونوّري يا فروع اللوز واشتعلي

(يزبد ) اعمى عيون الناس في ذهب

ما عاد من حول ال البيت من رجلِ

فقلت للناس يوم الطّف ازجرهم

تذكروا رحما مع فاطم وعلي

فهل يهون رسول الله عندكم

وهل تهون عهود السادة الاولِ

سال النقيع بزين العابدين ضحى

ليرتوي عشبها من نزفه الخضلِ

حمدان دب الحيا في العود فابتسمت

بعد المحول دموع العارض الهطلِ

***************

لأني أحبك


لأني أحبك صارت شبابيك هذي المدينة تبحث عني
وصارت تكاتبني في الغياب
وصارت مواويلها عسلاً في شفاهي
لأني احبك صارت مساءاتها ترتديني
وصارت صباحاتها تشتهيني
فأحببت كل الشوارع فيها لأني أحبك
أحببت كل الزوايا والمقاهي

**************

قنديل


إذا اطفاتني الليالي
وأخمدت الريح ،ريحي
وجئت الي ،ومشت
يداك تراب ضريحي
وداعبت صفصاف قلبي
وبحت بما لم تبوحي
سأعلن أنك عمري
وأنك قنديلُ روحي

***************

لم نفترق

منذ افترقنا يا حبيبتي لم نفترق
في كل ليلة يدق وجهك الحزين بابي
يدخل من نافذتي ويوقد الشموع في محرابي
أراه في دفاتري
وفي سجائري
وفي ثيابي
في صوت فيروز وفي قصائد السياب
وعندما أراه يا حبيبتي
أرى عذابي

*************

خرابيش للمرأة والوطن

وكنتُ أحبّ بنفسج عينيك
كنتُ أخربشُ عنه
أثرثرُ عنه كثيراً
وكانوا يقولون
إياك...إياك
حبّ النساء
يشرد،يلذعْ
فكنت أخافك حين أُحبك
كانوا يقولون
كل الطيور متاعٌ لقيصر
وكل النساء،الرجال
متاعُ لقيصر
تجرعْ كؤوس الأسى في هواكَ
تجرَّعْ
وكنت أحب الضيّاءَ،
البنفسجَ،
شدو العصافيرِ،
كانوا يقولون
كل الطيور،
الحقول،
العصافير،
اشياء قيصر
بها وحده يتمتعْ

******

وأذكر إني تظهرت ذات مساءٍ
وأنت تطهرت
ضمّ الطريق حبيبين
صرنا كحقلٍ من الدفء
كنت تصبين في قدحي الخمرَ
كنت اصبّ بثغرك شعرا
وأزرع ما بين عينيك خيلا
وأذكر إنا نسجنا لليلى
قميصاً من النورِ
أذكر أنا رسمنا لقيسٍ حصانا
وإنا جعلنا هوانا
وقد أطبق الليل شُعله
تَنَفّس ذاكرة الفجر
ضمّخ أرض بلادي بالعطر
أذكر انك اعطيت عنتر سيفاً لتحرير عبله
----

أحبك للسيف في وطني
للمطرْ
وأعشق عينيك اذ تغزوان الفضاء
وإذ تطفئان القمر
فهل تعلمين بان اتحادي
بعينيك سوف يهز القدرْ
ساشعل كل المصابيحِ
أطفيء خوفي
لأكتب اسمي بدفتر عينيك عاشق
ككلّ الذين أحبوك في أعين الجائعين
جعلت هواك يشكلني من جديدٍ
يلوِّن عينيّ،أنفي
تقاسيم وجهي
يعيد البقايا التي لاكها الريحُ
إني رسمت على باب داري
قلباًوحرفينْ
صار اللصوص يخافون بيتي
وصار القرنفل ينمو من الصخر
يا خير زيتونةٍ زرعتني
احبك حتى تشق السماء
أموت...
فأعلن في القبر
إنك قطرة طلٍّ بقلبي
وإنك حلمٌ نما بين عيني
يالك من موجةٍ عانقتني
تموت الأنوثة حين أراك بكل النساء
وأعلم أن الذين يموتون
من أجل عينيك
أو يسقطون على ساعديك
يصيرون في موتهم أنبياء...

**************

الشهداء


وحين استوى
كانت الأرضُ جرداءَ حتى ارتوت بالدمِ
البكرِ...
فانفجرت في الصحاري عيونُ أنوثتها،
وتهدل في نشوةٍ شعرها الأسودُ الكثُّ
وامتلأت فتنةً ودلالا
وكان المماليك منشغلين بجمع الضرائب
لكن مصر التي لا تنامُ على ضيم أخوتها
قذفتهم إلى الشام فاحترقوا فوق رمل فلسطين
واشتعلوا في الرمال اشتعالا
وما كان ذاك الصهيل صهيلاً لمهرة طارق
فوق ربي الأطلسي،
ولكن صهيل الدم العربي،
صهيل دم الفاتحين،
الذين أضاءوا على البيد والفلوات هلالاً هلالا
كما ينبت القمح في أرضنا ينبتً الشهداء
ولكنهم اذ تشح مواسمنا ينبتون غلالا
وهم كلما سقطوا شمخ النخل في عزة واستطلالا
تباركت يا حجراً
كلما صمتت في الظلام البنادق
خوفاً من القول...قالا
يباركت كانوا صغاراً
ولكنهم حين صاحت فلسطين
"شبوا عن الطوق " شبوا رجلالا
تباركت يا من سقيت عظام "ضرار"
وأيقظت في الأرض جرح "شرحبيل " حتى يصب على طبريا
تباركت أذّن بهم ينفرون خفافاً لنصرتها وثقالا

*************

رحيل


إلى أين أرحل
كيف أغادر أغصان أجمل صفصافة
قاسمتني رحيق الشتاء وحزن الأماسي
تضيق الدروب عليّ،وتجحدني
لا النوافذ تفهمني
لا الستائر تفتح لي قلبها
لا الدروب دروبي
ولا الناس ناسي
وأنت...
تظلين أقرب للقلب من نبضه
ولولاك يذبل فلي وآسي
وتخبو شموعي...
ويسرق بوم الليالي نعاسي

***************

المئوية


ابعد ظلالك عن كلامي اني عبدتك الف عام
ما مس برقك حين فجفج في السماء سوى عظامي
ابعد غمامك عن حقولي فهي تستسقي غمامي
اليوم لي لغتي وترعى في مفاليها رئامي
واليوم لي باعي وايقاعي يفيض على كلامي
واليوم لي قمحي وحوراني وعماني وشامي
واليوم لي وشمي وباديتي وقطعاني امامي
خلفتني وحدي اجوس الارض والبيد الظوامي
اعمامي الحساد خلوني لاخوالي اللئام
قد انكروا زهوي علي وحاربوني في طعامي
نصبوا خيامك ليس حبا فيك واجتثوا خيامي
ولذا قتلتك في نهاري واحتضنتك في منامي
هلكت سدوم وذاك ميشع عند باب القصر دامي
نامت بأحضان المرابي وارتضت ود الحرامي
افديك لولا اثنان في بيتي يعلهما سقامي
يتلهفان لما اعود به كأفراخ الحمام
لجعلت قبل حطام معبدها وقلعتها حطامي
اتي قتلتك في نهاري واحتضنتك في منامي
وشممت عطرك في ثيابي واتقادك في غرامي
في كل فاترة العيون وكل فائرة القوام
ولثمت كفك كلما ارويت ظماى من هيامي
وحذوت حذوك كلما جردت ظبيا من حزام
وخلطت في سكري وعربدتي الحلال مع الحرام
ندان نحن اليوم يا ابتي على سفح الكلام
ندان فاشرب من مدامك جرعة واترك مدامي
ندان لا تغضب اذا صليت وحدي يا امامي
واعذر اذا طاشت سهامك كلما صابت سهامي
وافخر اذا بلغت خيولي قبل موعدها مرامي
لم اختتم فيك القصيدة بعد يختمها ختامي
سيظل حزن الميم في قلبي يرن وفي عظامي

*************

وصفي*
.
السلام عليك أبا مصطفى
جئت أوفي البكاء
وأوفي النذور
السلام على وطن
خط كل حقائقه في السطور
وأخطأها في الصدور
والسلام على وطن
لم يظل لنا فيه غير القبور
***
سوف أحمل نعشك وهو يشر دما"
وأطوف به في القبائل أسأل:
أي دم ستسامح فيه
و أي دم ستطالب فيه
***
الحقيقة ما يترك القلب للقلب
في خلوة,
ثم نخجل من صدقها
ونعدل في قولنا
والحقيقة مثل الصديقة
نعرفه بين أنفسنا
ثم نجحدها حينما يجتمع الناس من حولنا
***
نحن ندفنه
ونكفنه كل عام ونبكي عليه
جفون بغير دموع
ونبكي دموع بغير جفون
قبضنا دم ابن أخينا, ففيما اذن نحن فيه مختلفون
قال... لا بد من رأسه,
قالها ثائر وهو في البار
يحدو السكارى وهم يرشفون
قاله للسكارى
فهزوا بنادقهم حين دقوا الكؤوس
وسبع عواصم, ظلت تبرئ من قتلوك
وتمسح عن ثوبها عارها, بيمين غموس
***
كنت يابن أبيك , ويابن أبي
واقفا " مثل شيحان
تعرف أن الرصاصة سوف تجيئك
من أثرياء البسوس
***
كنت يا ابن القرى والينابيع,
يا ابن الشموس
كنت يا ابن الذين ينامون
محترقين بفقر الاكف وجود النفوس
واقفا" مثل شيحان
تلقى الرصاصات
مبتسما"
لترفع رأسك يوم الحساب
وينهض من قتلوك بغير رؤوس
***
الحقيقة , ما يترك القلب للقلب, في خلوة
ثم نخجل من صدقها, ونعدل في قولنا...
والحقيقة مثل الصديقة, نعرفه بين أنفسنا
ثم نجحدها حينما يجتمع الناس من حولنا
أوا في شفا بدران كل عشية
أخا طرب, غب الشمول, فأسرفا
ولم يدري ما طيب الشمول سوى الذي
ترشفها بين الجبيهة والشفا
جسور اذا ما لان خصر لزنده
فان مال من فرط الهيام , تعففا
طويت ثرى الاردن بين جوانحي
زبورا" وانجيلا" ولوحا" ومصحفا
وطفت على وديانه وجباله
وما طاف مثلي من سعا وتطوفا
سلام على وصفي ومنه أزفه
الى شجر الاردن اذ مات واقفا
سلام على شيحان فوق جبينه
وفي قلبه حوران والقمح هفهفا
سلام على دمع العذارى يزفه
شهيدا", يلاقي الله ظماّن نازفا
سلام على دمع البنات بكينه
بدمع تأبى أن يجف وينشفا
على مصطفى اذ غط في القلب ريشة"
وخط رموزا" في الضمير و أحرفا
سلام على هزاع يلقاه ضاحكا"
وحابس اذ واراه أسيان أّ سفا
***
يا حاملا" مثل المسيح كتابه
فوق الصليب بلا ذنوب
فلأبكينك يا أبي يا زيت زيتوني
وخبز قصيدتي
فلابكينك قدر مابكت الحرائر في الشمال وفي الجنوب.

.......

وصفي هو وصفي مصطفى وهبي التل ،كان رئيساً للوزراء وأجمع الأردنيون على على حبه وأغتيل في عام 1971

******************

ناي البراري

ناي البراري ما الذي أغواك يا ناي البراري
بي، فَاشتعلتَ لتَستَبيحَ دمي وأدراجي وداري
وسكبتَ في قلبي غواك وما تعتّق في الجرارِ
وحملتني يا نايُ أغنيةً على كفين من قمحٍ ونارِ
وندى وند، طاب فوحهما على شمس وغارِ
فمشيت لم تسعف خطاي، وسرتُ لم يسعف مساري
ودنوتُ من لغتي ومن حبقٍ يبوحُ على الجدارِ
فهفا الغزال لها وآلفني وكف عن النفارِ

يا نايُ اسندني لنطلعَ
نجمتين على خيام البدو، خذ قلبي
لنطلع كوكبين بلا مدارِ
لا آسمُ القبيلةِ معنويٌ لي
لأحمَله كوشمٍ في الذراعِ ولا تجاري
لأبيعه حلوى
فخذني اسماً فما أنا من معد ولا نزارِ
لا اسم القبيلة لي ضروري،
ولا إسمي ضروري لها
هي شركة ربحية يبتاع فيها
الناس أسهمهم، فلا هذا المزاد يهمني
أبداً، وهذا السوق - حتى حين يربح - ليس سوقي
فأنا مجرد شاعر يغوي البروقَ
إلى الغيومِ او الغيومَ إلى البروقِ
ضمني يا ناي وافرح بانكساري
حين تنتصر الرماح عليَّ
لمّ نثار روحي من قصيدي
او نزيفي يا رفيق الحزن وانثرني
على رمل الصحاري
يا ناي لن يبكي على اسمي
صاحب بعد الغياب
فسمني:
ناي البراري

لا لستَ موسيقى،
ولكن حل روحُ الغيم فيكَ،
وحل روح الغيبِ بي
لأحل غيمك للقرى الغرثى وأرويها
بمائكْ
لا لست موسيقى ولكن
أرسل الرهبان أصواتاً
وحطت في ثقوبك،
شالها الرعيان أسرارا،
وذابوا اتقنوا فيها الوضوح،
استلهموها من سمائكْ
لكنهم خافوا من النزف الخفي،
وقدً تجلى في خفائي
أو خفائكْ
اوقظ الاسلاف في روحي نشيداً،
ضجّ في ايقاع نمر وفي عرارِ
لا كنتُ شاعرَهم، إذا لم اجعل
البيداء شاهدة، وأطويها على
صوتي، وأعزفُها على أصواتِ
من سكنوا المكان
وآنسوا فيه الضواري
لا كنت شاعرهم ووارث حزنهم
ان لم أطف بصليبهم،
وأعيش باسمي مرتين
أنا قبيلة كل من خرجوا وما
وقفوا على رسم الديار
قبضاتهم في الريح عالية
يزفون الشموس الى كلامي:
يا صايل الشهوان، يا هزاع، يا ابن
غدير، يا اللوزي ترنم، يا ابن
بتلا، يا فراس انهض، ويا وصفي
استند يا حابس ارفيفان يا صوتاً
يلجلج في دمي
ي محمد العيطان يا وشم الجدود انا
لوشمك أنتمي، وأنا لرمحك انتمي، وأنا لروحك
يا ابن عمي انتمي
وأشم ما ترك الوفاء عليّ
منك وشع في روحي حروفاً ثم شع بأعظمي
وأشم ما ترك ابن قلاب
على روح التراب وشع في
الاردن، يا أردن يا احلى
الحروف على فمي
وهواك يسري في عروقي قد تدفّق مع دمي
بوركتِ يا دار الجدود انا لوشمك انتمي
من غير نبعك يا الحبيبة ما ارتوى قلبي الظمي
انا من حروفك من سيوفك من ثراك الهاشمي
قَسَماً بمن طاف الحجيج به ولاذ بزمزمِ
إني المتيم في هواك وفُقْتُ كل متيم
يا صايل الشهوان ردّ إلى
القصيدة روحها وجروحها:
اريد ارد القواصيد ارد القوله ع القايل
واسمع لجيج البواريد لعيونج ي ام الجدايل
عند اخو نصره صناديد رجالٍ عذبين الشمايل
حتى بنات ابن رشيد ما جابن مثلك يا صايل

لا قَلَب للخطباءِ والنقادِ أصحاب
البلاغةِ كي يمس شغافهم صوتي
ويبلغهم مرامي

فرحوا بما نهبوه من ايقاع قمحي
واطمأنوا عندما هدموا خيامي
أغوتهم الألقاب حين تورموا شحماً
وأغوتهم مكاسبها انصرافا
عن كلامي

*******************

هذي بلادي

سكبت اجمل شعري في مغانيها لا كنت يا شعر لي ان لم تكن فيها

هذي بلادي ولا طول يطاولها في ساحة المجد او نجم يدانيها

ومهرة العرب الاحرار لو عطشت نصّب من دمنا ماء ونرويها

يا ايها الشعر كن نخلا يظللها وكن امانا او حبا في لياليها

وايها الوطن الممتد في دمنا حبا اهز من الدنيا وما فيها

بغير كعبتك الشماء ما وقفت هذي القصائد او طافت معانيها

هذي صفاتك اني لو اعددها على الانام فاني لست احصيها

***************

خلع الشبابيك

عمّان عمّان عطف الله حاميك يا ياسمينة ضوعي في شبابيكي
إني لأحسد شجوي حين يسبقني إلى هواك وخطوي إن مشى فيكِ
غازلت فيك جبال المجد شامخة والناظمون ورائي في حواريكِ
تمشي إلى الشعر تكتيكا بتكتيك مشي اللّصوص إلى خلع الشبابيك
بأي وجه تقول الشعر مندفعا إي الصعاليك يا خزي الصعاليك
تأدبي أيها الحرباء واتضحي عفش السفارة في قرطاج يكفيك
اخو ثمانين عزرائيل أجّله مع الثعالب عاثت في دواليك
ما صدّك الشيب عن غي وعن سفه وقلت للنفس طيحي في مهاويك
فأطلق اللحية الشمطاء اّن لها لفّ الدشاديش أو هزّ المساويك
عمان يا أيها الهذّاء ما سمعت من شاعر أرنب أو شاعر ديك.

*****************
سمعاً وطاعة

تحيّرت في امر سمعاً وطاعة
وما في تلازمها من وضاعة
يورّثها الكهل عند الممات
الى الطفل في غبغبات الرّضاعة
ومن جاحد الحق لما رأى
بها باطلاً واراد اتباعه
رأى الظلم من فمه تتدلى الافاعي
فهمهم يا للوداعة
رأى الحق في دمه وهو يرقص ذبحا
فغمغم يا للفضاعة
تحيرت في امر سمعاً وطاعة
تحزّم "باسم" فيها ففكفك ما عندنا خردوات وباعه
وجمّع كل الشياطين فجرا وامّ بهم في صلاة الجماعة

*****************
قصائد

(1)

كتب الدوريُّ عند النبعِ
أسراراً على قلبي،
وروّى شجوه حزني النحيلْ:
أجملُ الأشياء أن نطوي سماءَ الله
أحلاماً،
فإن عدنا الى الأرض،
رضينا بالقليلْ

(2)

أَعرفُ:
هذا الوجه هلالٌ تمَّ،
وهذا الحاجبُ سَيْفْ!
لكنك لم تدعي لي
وقتاً لألمَّكِ
كيف ألمُّك كْيفْ؟

(3)

الكشف حجابْ
والبابُ هو المعنى الأوّل للبيتِ،
ولكنّ الجدران هي الأبوابْ.
حمل العصفور البستانَ،
ولم يترك للحطَّابِ...
سوى الأخشابْ

(4)

لا هي بيوتٌ، ولا هي كنائسٌ
الأسرارْ،
التي تخفيها الحبيبة عني
تحت رفّاتِ جفونها
أو تخبئها في حقيبتها المكتظةِ
بمكائدها الأُنثويةِ،
وأنا مولعٌ بنفلها
لا أقصد الحقيبةْ
وإنما الحبيبةْ.




إعداد:

هبة الشايب/الأردن
فاطمة الزهراء العلوي/المغرب
سلطان الزيادنة /الأردن






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط