|
⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-07-2020, 06:09 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (7)
[IMG]مركز الخليج[/IMG] أَفاقَ مِنْ نَوْمِهِ.. وَراحَ يُعَدِّلُ ما اعْوَجَّ مِنْ عُنُقِهِ خِلالَ نَوْمِهِ، فَلَمْ يَضَعْ رَأْسَهُ عَلى وِسادَةٍ أَوْ حَجَرٍ.. أَلَمٌ خَفيفٌ في الرَّقَبَةِ راحَ يُمَرِّرُ كَفَّهُ فَوْقَهُ حَتَّى خَفَّ قَليلًا.. وَقَدْ عَلِقَ بِرَأْسِهِ ما شاهَدَهُ في الحُلُمِ مِنْ أَناهُ.. وَتَذَكَّرَ وَعْدَها بِالقُدومِ حالَـما يَسْتَيْقِظُ وَيَخْبو وَميضُ الحُلُمِ.. فَهِيَ لا تُحِبُّ أَنْ يَكونَ غَيْرُها في حَضْرَتِهِ مُشارِكًا لَها في أَيِّ جُزْئِيَّةِ وَقْتٍ أَوْ عِناقٍ أَوْ رَشْفَةِ مَسَرَّةٍ مَعَهُ.. فَقَدْ خُلِقَ لَها وَخُلِقَتْ لَهُ.. وَلا يَزالُ عَلى شَفَتَيْهِ دِفْءُ قُبْلَتِها.. وَراحَ يَتَحَسَّسُ في لَهْفَةٍ مَوْضِعَ القُبْلَةِ.. كانَ اللَّيْلُ مُحيطًا لا حَدَّ لَهُ.. وَنُجومُهُ أَسْماكًا عَلى سَطْحِ الـماءِ وَوَميضُها لُغَةَ إِشارَةٍ بَيْنَها.. ياه.. ما أَكْثَرَ اللُّغاتِ وَما أَفْقَرَنا إِدْراكًا.. ثُمَّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أَناهُ هَزيعًا مِنْ جُنونٍ القَصيدِ فَوْقَ صَقيعِ الغِوايَةِ الخَلَوِيَّةِ.. سُكونٌ مُطْلَقٌ يَلُفُّ الـمُحيطَ يَقْطَعُهُ بَيْنَ الحينِ وَالحينِ صَوْتٌ مُدَوٍّ قادِمٌ مِنْ أَعْماقِ التَّاريخِ: • لا تَلْعَبْ.. لا تَنَمْ.. الكُلُّ خَلْفي يَنْتَظِرونَ هُبوبَكَ فَانْتَفِضْ.. لَمْ تَبْدَإِ الرِّوايَةُ بَعْدُ، ما زِلْتَ خارِجَ الـمَتْنِ القَويمِ.. دَقِّقْ في حُروفِ الـمُقَدِّمَةِ وَما أَمْلى عَلَيْكَ الحَكيمُ في الواحاتِ.. كُنْ ما نُريدُ فَلا حَياةَ وَلا إِرادَةَ لَكَ خارِجَ ما نُريدُ.. أَلْبَسْناكَ عَباءَةَ اخْتِراقِ التُّخومِ وَكَسْرِ عُنْقِ الـمُسْتَحيلِ.. لا مُسْتَحيلَ عَلَيْكَ فَانْهَضْ.. آنَ أَنْ تَكونَ.. لَقَدِ اقْتَرَبَ الفَجْرُ.. أَمْسَكَ رَأْسَهُ بِكِلْتا يَدَيْهِ وَأَغْمَضَ عَيْنَيْهِ.. فَعَبْرَ رِحْلَتِهِ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ غَيْرَ خِطابِ الحَكيمِ وَيَعيهِ وَيَعْرِفُ صَوْتَهُ.. • ما هذا الصَّوْتُ؟ وَمِنْ أَيْنَ يَأْتي؟ هُوَ مِنْ زَمَنٍ مَضى أَوْ آتٍ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ.. وَلكِنْ كَيْفَ عَرَفَ بِقِصَّتي مَعَ الحَكيمِ؟ أَيُعْقَلُ أَنْ يَكونَ طَيْفَ الحَكيمِ يَحومُ في الزَّمانِ مِنْ جَديدٍ؟ كَلَّا.. لَمْ يَحِنْ ميعادُ لِقائي بِهِ.. ما زالَ أَمامي فُسْحَةٌ مِنْ قَصيدٍ وَارْتِحالٍ إِلى النَّوْمِ العَرَبِيِّ.. لِفَكِّ شيفْرَتِهِ وَنَقْضِهِ بِضِدِّهِ، فَلَمْ تُفْلِحْ أَعاصيرُ الكَلامِ وَزَلازِلُ اليَقينِ أَنْ تَنْسِفَهُ.. وَرُبَّما تَحَقَّقَ الأَمْرُ عَلى يَدَيَّ.. فَحَتَّى خَطيبُ الجامِعِ اغْتالوهُ عَلى الـمِنْبَرِ.. وَذاكَ الـمُصْلِحُ ساوَموهُ عَلى صَمْتِهِ.. قالَ لَهُمْ إِنَّهُ لا يُصَلِّي.. فَقالوا: وَلكِنَّكَ تُريدُ تَبْديلَ جَنَّتِنا بِجَحيمِكَ.. وَقيلَ قَضى في قَبْوِ التَّعذيبِ.. شَدَّ يَدَيْهِ عَلى رَأْسِهِ كَمَنْ يُحاوِلُ تَسْكينَ صُداعٍ داهَمَهُ.. مَسالِكُ حالٍ مُقْلِقَةٌ وَلا دارَةَ مَجْدٍ رَعَوِيَّةٌ عادَتْ يُمْنًا.. • لَقَدْ أَفْسَدَ الصَّوْتُ عَلَيَّ خَلْوَتي وَطَيَّرَ الهُدوءَ عَنِّي.. فَأَنا الآنَ بِانْتِظارِ أَنايَ.. تُرى ما الَّذي أَخَّرَها عَنِّي؟ لَمْ تُخْلِفْ مَوْعِدًا مَعي مِنْ قَبْلُ.. ما الَّذي أَعاقَ قُدومَها؟ كانَتْ حينَ زارَتْهُ في الحُلُمِ بِكامِلِ زينَتِها وَجَمالِها الفِطْرِيِّ.. فَهِيَ لَمْ تَسْتَلِفْ مِنَ الحَضارَةِ ما يَزيدُ نَضارَتَها وَجمالَها.. بَلْ كانَتْ تُوَزِّعُ الجَمالَ عَلى الحَضاراتِ، فَحُسْنُها غَيْرُ مَجْلوبٍ.. كَما قالَ ذاكَ الجَدُّ ذاتَ غَزَلٍ: حُسْنُ الحَضارَةِ مَجْلوبٌ بِتَطْرِيَةٍ.. وَفي البَداوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلوبِ فَجَمالُها الفِطْرِيُّ يُشْبِهُهُ جَمالُ الطُّفولَةِ، تُحِبُّهُ دونَ أَنْ تَدْري كُنْهَهُ.. لَقَدْ أَكَّدَتْ لَهُ أَنَّهُما سَيَقْضِيانٍ ثَلاثَ لَيالٍ قَمَرِيَّةً عِنْدَ اكْتِمالِ البَدْرِ.. لا انْفِصالَ بَيْنَهُما.. وَلا صَوْتَ غَيْرُ صَوْتِ القُبَلِ.. وَهذا البَدْرُ في كامِلِ إِشْراقِهِ.. وَلَمْ تَحْضُرْ بَعْدُ.. وَفي غَمْرَةِ تَحْليقِهِ في خَيالاتِهِ.. كانَتِ السَّماءُ مَلْآى بِأَجْنِحَةٍ نورانِيَّةٍ تَخِرُّ عَنِ النُّجومِ وَتَهْوي في مَكانٍ سَحيقٍ في الظَّلامِ.. يَراها وَلا يَدْري شَيْئًا عَنْها.. أَتُراها بَشائِرُ قُدومِ أَناهُ؟ أَمْ مَوْكِبُ زِفافِها إِلَيْهِ؟ وَفي لَحْظَةِ شُرودٍ أَضاءَ اللَّيْلُ حَوْلَهُ.. فَانْتَبَهَ مِنْ شُرودِهِ فَإِذا بِكُرَتَيْ نورٍ كَبيرَتَيْنِ تُحَلِّقانِ فَوْقَهُ.. كانَتْ أَناهُ في إِحْدى الكُرَتَيْنِ بِثَوْبِ زِفافِها تُلَوِّحُ لَهُ بَيَدَيْها وَتَبْكي.. وَما لَبِثَتِ الكُرَةُ أَنِ اخْتَفَتْ في الظُّلْمَةِ كَأَنَّها لَمْ تَكُنْ.. أَمَّا الكُرَّةُ الثَّانِيَةُ فَقَدِ خَرَجَتْ مِنْها مِجَسَّاتُ نورٍ وَراحَتْ تَمُرُّ عَلى جَسَدِهِ كَمَنْ يَتَفَحَّصُهُ.. ثُمَّ تَدَلَّتْ مِنْها أَذْرُعُ نورٍ حَمَلَتْهُ إِلى داخِلِ الكُرَةِ.. وَسَمِعَ صَوْتًا يُخاطِبُهُ وَلا يَرى أَحَدًا: • لا تَخَفْ أَيُّها الرَّائِدُ.. أَنْتَ الآنَ في أَمانٍ مُطْلَقٍ.. جِئْناكَ مِنَ الـمُبْتَدَإِ الأَوَّلِ وَالرُّكْنِ الشَّديدِ.. فَقَدْ طَغى الزَّبَدُ وَغُيِّبَتِ الأَرْضُ.. وَقَدْ أَرْسَلَنا الأَلِفُ الـمُطْلَقُ لِلْعُثورِ عَلَيْكَ وَالرُّجوعِ بِكَ.. كانَ لِكَلِمَةِ رائِدٍ وَقْعٌ غَريبٌ عَلى سَمْعِهِ.. فَلا عَهْدَ لَهُ بِها وَلا مَعْرِفَةَ مِنْ قَبْلُ.. وَأَناهُ الَّتي انْتَظَرَها وَاخْتُطِفَتْ وَهُوَ يَنْظُرُ دُموعَها.. وَطَوَّقَهُ عَجْزُهُ عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ لِإِتْقاذِها.. أَتُراهُمْ شَلُّوا حَرَكَتَهُ؟ أَمْ نَزَعوا عَنْهُ عَباءَةَ اخْتِراقِ التُّخومِ وَكَسْرِ عُنُقِ الـمُسْتَحيلِ؟ لَقَدْ أَعَدَّ لِأَناهُ نَشيدًا لِاسْتِقْبالِها عَلى إِيقاعِهِ: وَأَنْتَ منِّي إِبْداعُ فَنِّي.. في كُلِّ يَوْمٍ فَوْقَ التَّمَنِّي إِنْ قُلْتُ شِعْرًا أَوْ قُلْتُ نَثْرًا.. فَأَنْتَ وَحْيُ مِنِّي فَكُنْ طَبيبي يا كُلَّ طيبي.. وَكُنْ قَريبًا، لا بَلْ فَكُنِّي لكِنَّهُ الآنَ سَيُطْلِقُ النَّشيدَ في مادَّةِ اللَّيلِ عَسى يَصِلُها.. كانَ ما رَآهُ بِمثابَةِ صَدْمَةٍ وَذُهولٍ.. أَفْقَدَهُ حَتَّى الكَلامَ، وَدَخَلَ في دَوَّامَةِ هَذَيانٍ لا يَدْري لَهُ حَدًّا أَوْ مَتى سَيَصْحو مِنْهُ.. (يتبع) [IMG]مركز الخليج[/IMG]
|
|||
12-07-2020, 08:19 AM | رقم المشاركة : 2 | |||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (7)
اقتباس:
الله ..الله..الله...
الجزء السابع كان من أقوى الأجزاء وأمتعها ، جعلني أقرأه كما يريد هو لا كما أريد أنا .... {{ • لا تَلْعَبْ.. لا تَنَمْ.. الكُلُّ خَلْفي يَنْتَظِرونَ هُبوبَكَ فَانْتَفِضْ.. لَمْ تَبْدَإِ الرِّوايَةُ بَعْدُ، ما زِلْتَ خارِجَ الـمَتْنِ القَويمِ.. دَقِّقْ في حُروفِ الـمُقَدِّمَةِ وَما أَمْلى عَلَيْكَ الحَكيمُ في الواحاتِ..}} وفعلا عدت الى حروف المقدمة لكن ما أفسد علي هو السؤال ماذا لو كان يقصد حروف مقدمة الجزء الأول ..!! {{حُسْنُ الحَضارَةِ مَجْلوبٌ بِتَطْرِيَةٍ.. وَفي البَداوَةِ حُسْنٌ غَيْرُ مَجْلوبِ}} لغة جميلة عذبة عميقة ..سأقيم هنا لتفسير هذه الكلمات التي تحمل ألف معنى ومعنى ..تجبرك على الغوص فيها كما تشاء هي لا كما أنت تشاء الأديب القدير حمود مرعي ما زلت أتابع هذا الهطل اللذيذ ولغة الماء النقي ..أتابع معكم هذه السردية الرائعة وبانتظار الجزء الجديد ... بوركتم وبورك نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري
|
|||||
15-07-2020, 04:33 AM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: هُوَ وَأَناهُ..- بقلم: محمود مرعي (7)
اقتباس:
تسعدني جدًّا آراؤكم خالص الشُّكر لك |
||||
|
|
|