|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-04-2014, 11:23 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
بقع بيضاء
الزمي مكانكِ ولا تتحركي، سأعود بعد قليل.
نزلتُ السلم مسرعاً وكدت أن أصدم أحدهم، انزويت جانباً بمحاذاة أحد أعمدة المبنى وأفرغت شيئاً من شحنات الألم التي سرعان ما تتزلف وتلتصق بي مجدداً بعد حين، لا بأس، أشعر الآن بنوعٍ من الراحة، قد تكون الدموع السخنى قد غسلت شيئاً من أوضار الوجع، كفكفت الدمع ومسحت أنفي الأحمر الدقيق بالمنديل، ثم عدت إلى الأعلى. انتظرنا إلى أن يحين دورنا، أمسكتها بشيء من الرفق ودفعتها للداخل. - هل هي على ما يرام ؟ أمرني أن أنتظر ريثما يكمل الفحص. تناول قلمه وراح يكتب لائحة من خمسة أدوية دون أن ينبس ببنت شفه، قلّب عينيه بين الورقة والمريض، وقبل أن يناولني روشتة الدواء، قال: - دعها تستخدم الأدوية بانتظام، وحبذا لو تحضرها للعيادة بعد شهر. - هل هو مرضٌ معدٍ ؟ - لا. - هل ستزول أعراضه ؟ ……… - من اللطيف أن يتحاشى الدكتور الإفصاح مباشرة أمام المريض عن ماهية المرض ومدى استجابته للدواء، قد يكون ذلك مراعاة للشعور. - هل ستز........... - فاطمة عبد الرحيم، صوّت على المريض التالي، ورفع يده في إشارة على الانتهاء، ولم يترك لي مجالاً أكثر للاستفسار. لقد أثارني برود أعصاب الطبيب وردات فعله، فلم أثق فيه، وهذا ما حداني إلى الذهاب إلى عيادة ثانية، وثالثة، وربما رابعة، لا أذكر. هل يصدق أحدكم أن خيال تلك البقع البيضاء أصبح في كل مكان ؟ في المرآة، في كوب الشاي الذي أرتشفه كل صباح، وأحياناً أخرى أراها على شكل أشباحٍ تتطاير في الممرات والدهاليز، ولا أُخفي عليكم أنني تمنيت أن تظهر تلك البقع البيضاء حقيقة في كل الوجوه. لا أحتمل سيل أسئلتها، كما لا أحتمل أسئلة الناس وأتهرب منهم، وأرى ضحكات الاستخفاف والاستهجان تطفح من أعين الماجنين، وهذا ما جعلني أسجن نفسي بين حيطان اليأس والقنوط، ربما تتعاطفون معي، وقد تلومونني، هذا لا يهم. لقد كانت شعلة من النشاط، كنحلة نزقة ترتشف من عبق الحياة بهجة وسرورا. تظل الآن رابضة أمام المرآة باستمرار كأقحوانة ذاوية نابتة في أرضٍ جرداء مقفرة، تتطلع وتتحسس وجهها، تتشمم فمها، تتفحص ثيابها. سهام أسئلتها يخترق أحشائي ويدميها، ولا أجد لها جواباً شافياً. - أبي، متى ستزول تلك البقع البيضاء عن وجهي ويديّ ؟ أخذت زميلاتي في المدرسة بالتناقص والنفور والابتعاد. أتهرب من أسئلتها كعصفور يدور في قفصه ويتحاشى القبضات، أرى تلك البقع الدائرية والبيضاوية الشكل مستميتة في الزحف والانتشار حول ذقنها، وفمها، وخديها، ويديها، لقد بدت الآن أكثر وضوحاً على وجهها الأسمر النحيف من ذي قبل. أُحطم المرايا، التلفاز، الأواني والصحون، وبعض المقتنيات، أفكر ملياً في عدم ذهابها للمدرسة والجلوس في البيت. ثرثارة وبليدة لا تعرف معنى الصبر، وهي التي استغرق مجيئها لشظف الحياة عشر سنوات من الانتظار أو يزيد. أجلس وحيداً بين حطام الذكريات السحيقة وأنقاض الأفكار المتضاربة، أنظر إلى المكان من حولي، إنه أشبه بزلزال ضرب المكان، أوانٍ محطمة، كراسٍ مبعثرة، قطع الزجاج المتناثر هنا وهناك يلمع ويعكس شيئاً من ضوء القمر المتسلل. لحيتي أصبحت كثة مرسلة، قد هاجمها غول المشيب، وسفعة سوداء على شكل هلال قد استقرت أسفل عينيّ، تترسب الأفكار الشيطانية في عقلي كما هي فرشاة الرسم هناك مترسبة في إنائها وجامدة، ألملم شيئاً من أفكاري المتطايرة، أدون رسالة بالقرب من النافذة وعلى ضوء القمر، أضعها فوق الفراش، أُلقي نظرتين أخيرتين على زوجتي وابنتي، أقرر الذهاب أخيراً إلى صديقي الحميم ( أمين )، لأذيب جليد البعد، وأمزق خيوط القطيعة التي غزلتها من حولي. ذهبت في ساعة متأخرة من الليل وهاجس الأفكار يعصف برأسي، طرقت الباب، يقطّب صاحبي من حاجبيه، يدعك عينيه، يبتسم ثم يقول: - أهلاً وسهلاً، تفضل، تفضل بالداخل. - لا شكراً، أتيت فقط لأخبرك بأمر هام يا ( أمين ) وأرحل. - تفضل، قل ما عندك يا عزيزي. - لقد تحينت الفرصة قبل سنتين وسرقت من محفظتك بعض الأوراق النقدية على حين غرة، عندما أوصلتك وأمك العجوز للمطار عندما كنتما ذاهبين في رحلة علاج للخارج، وأعتقد جازماً أني المتسبب الأول والأخير في كل ما جرى عليك، وفيما يجري عليّ الآن. قلت هذه العبارة ثم انصرفت واختفيت في غسق الظلام، تاركاً لصاحبي ألف تساؤلٍ وسؤال. ( النهاية ) بقلمي: 18/4/2014م |
|||
18-04-2014, 11:28 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: بقع بيضاء
حينما تقع تحت مطرقة قلمه اللحوح، حينما تهاجمك الرغبة في الكتابة وتستحكم عليك، حينما تتراءى أمامك الأوراق عارية مجردة من الكلمات والحروف، وقتها لا تجد بداً ولا سبيلاً من امتطاء صهوة قلمك ولملمة بعض أفكارك وأوراقك المبعثرة والجنوح بها في فضاء الخيال، ليلد من رحم القلم جنياً قد يكون عند البعض حسن الشكل والهيئة والمضمون، ومشوهاً وباهتاً ويعتريه رماد البؤس عند الآخرين..
وتُعد المحاولة تلو المحاولة بحد ذاتها عملاً جيداً إن صح التعبير، ولا يلام المرء بعد اجتهاده.. نص متواضع أدفعه على استحياء، ولست ضاناً فيكم أحبتي إلا خيرا |
|||
18-04-2014, 03:18 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: بقع بيضاء
عميقة ومؤثرة وهادفة سرديتك أخي علي
مزيدا من إبداعاتك المتميزة مع كامل تحياتي وتقديري |
|||
20-04-2014, 03:48 PM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
شكراً لتواصلك ومداخلاتك أخي المبدع عبد الواحد منيصير
تحياتي واحترامي |
||||
20-04-2014, 04:20 PM | رقم المشاركة : 5 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
مرور أول لقراءة أولى
ولي عودة استاذنا علي قد نتاخر في القراءة لكن اكيد نكون دوما وحرفك يستحق ان نكون فيه لي عودة إن شاء الله مساء
|
||||
20-04-2014, 07:15 PM | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اخذت هذا النص لنشر لدينا اعجبتني فكرته
وسرد جميل من القاص .. تحياتي
|
||||
20-04-2014, 08:40 PM | رقم المشاركة : 7 | |||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
سردية جد موفقة وقصة تحمل نصيحة الاعتراف بالذنب فضيلة فعلينا أن نعترف حتى ولو تاخر الوقت لكن الله سبحانه وتعالى عادل ولا يحاسب العبد بأخطاء الآخر والمرض أحيانا ياتي هكذا وحين يمرض ابناؤنا نكون في نفس هذه الحالة من التوتر والضياع راق لي تصرف ضمير المتكلم في القصة وتعاطفت جدا مع الطفلة أهنئك على هذه السردية الرائعة البناء القصصي رزين ومحكم القفلة فلاش باك رائعة همسة بعض من هفوات وهذا ما حداني** ربما هذا ما حدا بي إلى ... هل يصدق أحدكم أن خيال تلك البقع البيضاء أصبح في كل مكان** تمنيت لو بدأت الجملة السردية دون { هل يصدق أحدكم } الدموع السخنى** ربما الساخنة ..لم تمر بي هذه الصيغة حتى أنني فتشت في لسان العرب فلم أجد صيغة السخنى ربما تتعاطفون معي، وقد تلومونني، هذا لا يهم.** بدت لي هذه حشوا أضعف من قوة الجملة السردية في الصورة وثم تحية تقدير لك أستاذ علي ولحرفك العميق
|
|||||
21-04-2014, 04:02 PM | رقم المشاركة : 8 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
أهلاً وسهلاً بك في جميع الأوقات مبدعتنا الفاضلة
|
||||
22-04-2014, 10:56 AM | رقم المشاركة : 9 | |||||||||||||
|
رد: بقع بيضاء
قصة مؤلمة
ويزيد من ألمها أنها محبوكة بمهارة ومغزولة بخيطان جميلة من حروف اللغة هذا يجعلها تتسلل الى الاحاسيس لتشعلها كأن قلمك ريشة يصوّر ما في كثير من البيوت من مآس اعان الله اصحابها واعطاك العافية وادام قلمك تحياتي
|
|||||||||||||
22-04-2014, 11:07 AM | رقم المشاركة : 10 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
مرحبا أستاذ علي قصة على ألمها جميلة هادفة متقنة أمتعت وأثريت فألف شكر |
||||
22-04-2014, 10:38 PM | رقم المشاركة : 11 | |||
|
رد: بقع بيضاء
نص ذو رسالة و هدف.
صوغ فني بهي لغة شاعرية وصف دقيق مودتي |
|||
23-04-2014, 10:36 AM | رقم المشاركة : 12 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
السلام عليكم
الحقيقة أن النص أعجبني جدا .. الهدفية النبيلة والرسالة السامية التي قدمها لم ترتد ثوب الوعظ ، لكنها أعطت ضوءا على ( جريمة ) لا أخلاقية ومن ثم تباعتها التي تطال حياة الإنسان وتفاصيلها . حتى الاسم ( أمين ) في ختامية القصة كان لها إسقاط دلالي ، كنوع من تناقض اللحظة. اللغة : وجدت اللغة جميلة وراقية ، وفيها جزالة ، المفردات كانت ثرية والتراكيب اللغوية والصور كانت متزنة ورزينة. كما أن آلية السرد اتسمت بالدهشة والتشويق . كل التقدير. |
||||
24-04-2014, 03:29 PM | رقم المشاركة : 13 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
شكراً على المداخة والإطراء
أهلاً وسهلاً بك أختي الفاضلة |
||||
19-05-2014, 08:58 PM | رقم المشاركة : 14 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
المتألقة والقديرة فاطمة الزهراء العلوي
ألف تحية وشكر على تواصلكم وانتقاداتكم البناءة والسديدة، فنحن في أمس الحاجة إليها.. تحياتي لك أختي المبجلة |
||||
20-05-2014, 01:57 AM | رقم المشاركة : 15 | |||
|
رد: بقع بيضاء
قصة محبوكة بعناية
قد نخطيء في مسار السرد و ربما نتعجل الفكرة و لكننا حتما نمارس الكتابة كأسلوب حياة أميل لرأي الأستاذة فاطمة الزهراء و لكنني استمتعت بالقصة و كثيرا و ستكون في قادم الأيام أجل دائما محبتي صديقي علي الحسن كم اشتقتك و قصصك |
|||
10-06-2014, 09:46 AM | رقم المشاركة : 16 | |||
|
رد: بقع بيضاء
القدير علي الحسن
سرد جميل راقت لنا الفكرة و البناء احترامي |
|||
11-06-2014, 10:14 PM | رقم المشاركة : 17 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
الأديب الجميل أمين خير الدين
شاكر لك تواصلك ومداخلاتك دمت موفق لكل خير |
||||
27-06-2014, 11:44 AM | رقم المشاركة : 18 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
المبدعة والأديبة روضة الفارسي
شكراً لمتابعتكم الدائمة وتشجيعكم تحياتي |
||||
04-07-2014, 03:21 PM | رقم المشاركة : 19 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
المتألق عبد الرحيم التدلاوي
شكراً لمرورك وتشجيعك دامت عليك ألطاف الرب إن شاء الله |
||||
04-07-2014, 03:25 PM | رقم المشاركة : 20 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
القديرة والمتألقة تسنيم الحبيب
ألف شكر وتحية لتشريفكم ومداخلتكم الجميلة والمحفزة تحياتي لك وللشعب الكويتي الشقيق، وكل عام وأنتم بخير |
||||
02-10-2014, 09:16 PM | رقم المشاركة : 21 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
القدير بسباس عبد الرزاق
شكراً لك ولمداخلات الجميلة والثرية كن بالجوار دائماً عزيزي |
||||
04-10-2014, 05:45 PM | رقم المشاركة : 22 | |||
|
رد: بقع بيضاء
الأستاذ علي الحسن
لا شك أن أصعب حدث على الإطلاق يمكن أن يعصف بحياة الوالدين هو مرض مزمن لا شفاء منه يلازم أحد أبناءهم.. الفكرة التي تناولتها ضربت في الصميم أسلوبك السردي مشوق جدا ودفعني أن أمر بالسطور بسرعة كي أستكشف الحقائق قبل أن أعود على مهل وأستمتع بتراكيب الجمل الثرية بالتشابية والمفردات البليغة ثم جاءت النهاية غير متوقعة وغيرت سير القصة تماما.. لكنها تعكس تفكيرنا بصدق إذ غالبا ما نحمل أخطاءنا مسؤولية ما يجري في حياتنا من سوء ونعتبره عقابا عليها.. بانتظار المزيد من إبداعك فائق التقدير والاحترام |
|||
09-10-2014, 02:11 AM | رقم المشاركة : 23 | |||
|
رد: بقع بيضاء
السيد علي الحسن
نهاية مفاجاة جداً ... لقصة مؤثرة قدمتها باسلوب سردي جميل امتعتني قراءتها جداً تحيتي |
|||
01-01-2015, 04:45 PM | رقم المشاركة : 24 | |||
|
رد: بقع بيضاء
ونحن سعداء لزيارتكم..
تحياتي |
|||
03-02-2015, 04:34 PM | رقم المشاركة : 25 | ||||
|
رد: بقع بيضاء
اقتباس:
القدير محمود قباجة
أهلا بكم وبمداخلاتكم الجميلة.. احترامي وتحاياي |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|