حوار مع الكاتب تيسير الفارس القسم الثاني - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)       :: رسالة إلى جيش العدوّ المقهور (آخر رد :نفيسة التريكي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-09-2010, 03:31 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
تيسير الناعوري
عضو أكاديميّة الفينيق
افتراضي حوار مع الكاتب تيسير الفارس القسم الثاني

حاوره حسين شبّر

هذا هو القسم الثاني من الحوار مع الكاتب تيسير الفارس الذي رحلنا فيه الى عتمة الأسئلة وقلقها في قلب هذا الرجل الذي أحرقه الوجود وأتت على روحه الحياة بكل دموعها وآلامها وعذابها وحزنها .. وروعته هنا أنه لا يقترح إجابات محدده إنما يحدد إطارا عاما.. لي وللقارئ أن نستبط الجواب أو ما يريد أن يقوله هذا البدوي الحزين ..

سؤال : أنك تكره الطاغية هل تقصد طغاة العرب ؟

أنا يا صديقي أكره كل الطغاة أينما كانوا وفي أي زمن جاؤا.. ألا تكره الطغاة أنت أيضا ؟.. لكن طغاة العرب هم طغاة بإمتياز .. لأن طاغية العرب إنسان شره .. سارق يريد سرقة جميع الأشياء، يريد أن تكون جميع الحريات وكل ألوان القدرة له وحده.. حتى السرقة والفساد يجب أن يكونا له وحده.. ولهذا كانت عهود طغاتنا أكثر العهود إزدهارا بالفساد والسرقة والظلم والبطش والقتل والعقاب. والطغاة العرب أمتلكوا كل أسباب القوة والنفوذ .. فتحولوا الى قتلة .. سلبوا مجتمعاتهم جميع ما تملك من اشياء وقيم ومبادئ تحت شعارات العدل والإنسانية وملكية الشعب لوسائل الإنتاج وإزالة الفوارق الطبقية .. وكان قصدهم ان يمتلكوا كل ذلك.. لا لأن يهبوه المحرومين والمظلومين والجياع .. إنهم يأخذون من الذين يملكون ولكنهم لا يعطون الذين لا يملكون .. لقد حطموا كل الآلهة الصغيرة الضعيفة المتفرقة التي يمكن مناقشتها ونقدها.. ليجعلوا منها إلها واحدا كبيرا طاغيا ماحقا ساحقا لا تمكن مخاطبته .. فكيف يمكن نقده أو تخويفه ..؟ لقد كانوا يكرروا ما حدث ذات يوم في التاريخ حينما قال الناقدون لما حدث ( أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ إن هذا لشيء عجاب ) وأنه لخير لهم أن يعيشوا في مجتمع تحكمه الآلهة الضعيفة التي يخاف بعضها من بعض من أن يعيشوا في مجتمع يستبد به إله واحد لا حدود لقدرته .
إن شر ما في هؤلاء الطغاة العرب أن يجعلوا من مجتمعهم خائنا يتمنى الشرور والهزائم لوطنه، ويتمنى زوال الطغاة القساة فرارا من الأزمات والمهانات التي تجئ معهم في مواكب من الأكاذيب والدعاوى .. وإنه لعزاء وبلاء للإشقياء والمحرومين أن يفقد الذين كانوا يجدون ما يجدون دون أن يجد الذين كانوا لا يجدون شيئا مما ينتظرون ..وهل يصح أن يعد الحقد وحده عزاء مذهبيا مهما كان عزاء نفسيا ؟
كم أشك في قيمة الإنسان العربي حينما أجد هذا الطغيان الجديد قد حول كل شيء الى فقر وهوان ونفاق ووثنية حول الأغنياء الى فقراء واذلة.. وحول الأذلة الفقراء الى أكثر فقرا وذلة..وحول المفكرين الى غير مفكرين الى منافقين وتافهين.. وحول الصحافة والاعلام الى عار وهوان.. وحول رجال الدين الى عبدة أصنام.. و حول الكتب المقدسة الى شروح للوثنية والى هتاف للطغيان والأكاذيب . حتى صار كل الأنبياء مبشرين بالطاغية ودالين على الطاغية .. هاتفين بمزايه .. وكأن الآلهة لم تخلق الكون إلا ترحيبا بهم وتحية لهم وحتى أن جميع المنائر والمنابر لم ترفع إلا لإلقاء الخطب الضارعة تحت أقدامهم ... لقد وضع عرق الإنسان العربي وجهده وتاريخه وصلاته وكل مزاياه وحضارته تحت أحذية هؤلاء الطغاة ..
لقد كان في تاريخ العربي أشياء كثيرة تسحق الإنسان وتجدع أنف كبريائه.. أما في هذا العصر فإن أعظم ما يسحقه هو جبروت الطغاه، وأجهزة الطغاة العرب الذين جاؤا بلا مجد، يبحثون عن المجد بصلب النهار وفقء عيون الكون. إن طغيان حكام العرب اليوم يشبه طغيان الألوهية في العصر القديم والفرق بينهما أن الألوهية ليست سوى طغيان عقيدة وتصور ، وأن طغيان طغاتنا هو جيش وشرطة ومخابرات ومعتقلات .. إني حزين وخائف على شرف الإنسان العربي.. لأن هؤلاء الطغاة العرب يتساقطون على طريقه بأعداد تكفي لإغلاق كل طريق الى الشرف.. كرامة الإنسان العربي ذبيحة ..
ألا ترى يا عزيزي كيف أن هؤلاء اللصوص يصعدون دون عناء كبير على كرامة مجتمع كبير يجر وراءه تاريخ كبير، يجر وراءه ثقافة ووعي وفكر وشعر وفن وفلسفة وتطلع وحضارة .. جاء هؤلاء اللصوص فسرقوا كل ذلك وسقط الجميع تحت عتبات عروشهم يهتفون ويبكون ويسبحون ويتضرعون إرضاء لهم ولجنونهم ولطغيانهم .. ماذا يعني القائد والزعيم .. إنه إنسان ينتصر علينا.. أو يعجبنا أو يخدعنا بلا اية مزايا عقلية أوإنسانية أو وطنية ... وماذا يأخذ منا ؟ يأخذ الحرية والشرف والكرمة والذكاء والشعور بلأمن، يأخذ منا أحيانا كثير الحياة إذ يحولنا الى حروب ومؤامرات وحرائق وتجهيزات لمجده الصانع للموت والفقر والعداوات والبغضاء للجميع .. وماذا يعطينا سوى البذاءات والشعارات والمذاهب المعادية ويجعل من قلوبنا أجهزة تقيء الحقد والحسد.. لكل كرامة ولكل شرف، ويحولنا الى أشعار وأناشيد في التغزل بكبريائه.. والى موسيقى حربية جارحة لشرف الأذن وسلامها، ويجعلنا حيوانات عالية الثمن في مزرعته يعلفنا بالكذب والخوف .. إننا شعبه .. شعب يفترض فيه أنه صناعة الزعيم ويجب أن يمدح بهذا الإفتراض .. وهذا أفضل وأعظم ما يهبه زعيمنا الطاغية ..
هل أنا وحدي الذي يرى الألم والهوان.. أو هل أنا وحدي الذي يرى بشاعتهما ثم عليه أن يصرخ ويغضب .. هل أنا وحدي الذي يقرأ دمامة الطغاة في عالمي العربي السعيد على وجوههم ووجوه الناس على جدران المعابد وبيوت الفقر .. وعلى وجوه الحيوانات .. هل أنا وحدي الذي يعذبه تعاظم مجد طغاتنا ؟ إن الطغاة في عالمي العربي السعيد هم أقسى عقاب تلقاه الإنسان العربي في كل تاريخه جزاء له على اتهامه لنفسه بالذكاء وبالشجاعة وعلى تحدثه الدائم عن الكبرياء زاعما أنه يرفض قبول كل ما في العالم من شموس ونجوم ثمنا لموقف واحد من مواقف التنازل عن أي مقدار من الشرف والكرامة، وزاعما أن يقول الأرض كلها لو سقيت بقطرة واحدة من قطرات المذلة لاختار الموت جوعا على أن ياكل منها ، وأنه لو رأى من الشمس أية إيماءة من إيماءات التحقير أو الإعراض لأغلق نوافذه وبصره دون كل نور .
طغاتنا هم الذنب والعار والظلام الذي لا يستطيع أن يغسله أو يستره كل ما في البشر والدنيا والكون من بحار وشموس وارباب وذباب ..و جميع ما في الآلهة والكون والحياة من جمال لا يجرؤ أن يناقش الدمامة المتجمعة في سرف لا حدود له في وجه طاغية من طغاتنا .. طاغية واحد منهم .. طاغية يقف ليتحدث بأعلى مستويات الغرور والزور والبهتان بإسم الشعب والكون والحياة والحق والعدل.. يتحدث بأسلوب فيه من الصفاقة والتحدي والإثارة ما لو تحول الى قوة تفجيرية لأزال كل جبال العالم وصخوره ورماله وكل حقوله ومدنه .. كما أزال كل ما في مجتمعه من ضحكات بريئة وذكاء وحرية ونزاهة وقيم أو بقية من كل ذلك ..
ألم تسمع يا صديقي الى أحدهم كيف تفتحت قريحته فخاطب شعبه الذين لا يزالون في اصلاب آبائهم .. إذ قال : يا أبنائي القادمون الذين لم يولدوا بعد هل تسمعون صوتي الذي يناديكم هل ترون وجهي ؟ هل تلمسون بأناملكم التي لم تخلق بعد عظيم عدلي وقسمتي بين أبناء شعبي حيث قسمت لهم ذاتي بالعدل .. أرايت كم بلغ حد الطغيان ومرارة الطغيان وروح الطغيان .. يخاطب أبناء شعبه القادمون عبر الآف السنين القادمة .. ها أنا ذا ربكم .. ( قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري .. قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) . ولكني أقول أيها الأبناء الذين لم يجيئو بعد أيها الأبناء الذين يستعدون للمجئ أحذروا إن الأرض هي ارض الطاغية والسماء هي سماؤه والهواء هو هواءه، والذباب هو ذبابه، والحشرات هي حشراته .. ونحن بعض اشياؤه .. أحذروا أن تخالفوه .. وإن استطعتم عدم المجيء فافعلوا .. وما أظنكم فاعلين ..
أحذروا ايها الأبناء إنكم لو قدمتم لكان محتوما أن يعيش بعضكم في المعتقلات .. ويعلق بعظكم على أعواد المشانق ويموت بعضكم جوعا وعطشا .. ويموت بعظكم حزنا وبكاء .. وستموت بقيتكم ذلا وهوانا وعجزا .. لا تأتوا فتجرحوا كبرياء النهار وهفيف نسائم المساء .. لا تأتوا حتى لا تهمس النجوم بحزنها .. وتردد الكواكب صدى فجيعتها .. ويفقد التاريخ القادم براءته وكبرياؤه ..حتى لا يجن الليل فيلعن القمر ..

سوال : هناك ثمة مقولة مشهورة تقول كن جملا ترى الوجود جميلا .. ألا تعتقد أنك ترى الصورة الأكثر حزنا وألما في الحياة والانسان والوجود ؟ لماذا لا تنظر الى الوجود من هذه الزاوية ؟

أنا لا أدري لماذا قفز هذا السؤال على ذهنك الآن وأنا أتحدث عن الطغاة في العالم العربي ؟ ما الذي تريد أن تقوله هنا ؟ لكني سوف أتجاوز ما قصدت .. وأجيب عن هذه المقولة فقط .. ماذا يعني أن تكون جميلا ؟ هل يعني أن يكون عقلك وأخلاقك ووجهك جميلا .. ثم ماذا يعني أنك سترى الكون جميلا ؟ ألا يمكن أن يكون عقلك جميلا ثم يكون الوجود ذميما أو قبيحا أو هكذا تراه ؟ ألا يمكن أن يكون عقلك قبيحا ثم يكون الكون جميلا أو أن تراه جميلا ؟ هل يتحول الطغيان والظلم والأوبئة والبراكين والزلازل وحماقات التوزيع في الطبيعة وجميع الآلام والأحزان الى جمال ؟ ثم هل من الجمال أن ترى كل هذه المظالم جميلة .. أليس هذا يساوي أن يقال : كن إنسانا تر الطغيان والألم والحروب والكوارث شيئا جميلا .. أو كن نبيا تر الزندقة شيئا جميلا .. ألا يصح ان يقال العكس كن جميلا تر الوجود قبيحا .. وكن عادلا تر الظلم قبيحا .. وهكذا في كافة القيم التي تعارف عليها الناس .. ألس البليد الضئيل الذي لا يملك غضبا ولا رفضا ولا خيالا ولا حسا ولا عقلا ناقدا قد يرى الوجود جميلا . أو قد يعجز عن رؤية دماماته وقباحاته .. لأنه بلا مستوى عقلي وبلا شروط عقلية وفكرية تجعل منه إنسانا قادرا على أن ينفذ ببصيرته الى عمق الأشياء فيرها كما هي .. رؤية القبح مستوى من مستويات النقد و الناقد يرى القبح فيرفضه وكلما إرتفع البشر في مستوياتهم الإنسانية رأوا الأشياء ونقائصها وقبحها وذنوبها أكثر .. بل أصبحوا مرضى بالرؤية .. رؤية الذنوب والعاهات والأوجاع مستوى إنساني .. إذ هنا يتحول الى مستوى من مستويات النقد لأنه مستوى من مستويات الرؤية .. اذن فالإنسان الجميل ليس هو الذي يرى الوجود جميلا وليس هو الذي بمستطاعه أن يصمت عن قبح الوجود وليس هو الذي يقتات به هاتفا ومنشدا ومصليا أو عازفا على قيثارته أعذب الألحان .. سأكتفي بهذا الجواب .. لأن الجمال والقبح في الحياة مساحة التضاد بينهما ضيقة جدا حتى لا تكاد أن ترى ...ولا أريد أن أتحول في نظر القترئ الى منظر للتشاؤم .. هذا مع العلم أن التشاؤم هو مستوى أرقى بكثير من كل مستويات التفكير الذي يدعو الى المصالحة مع الحياة والكون .. علينا أن نفهم الحياة والكزن أولا ثم أنظر بعد هذا الى صاحب نلك المقولة الجوفاء الخالية من كل معنى ومن كل أخلاق ومن كل تركيب ذو دلالة على معنى إنساني ...


اذن ماذا تساوي الحياة ولديك ؟
سؤال دائري .. ماذا تساوي الحياة ؟ هل تساوي الحياة الحياة.. أم تساوي الحياة الموت والفناء وتساوي كل ذلك الألم .. فالذي وهب هذا الكائن الحياة وهبه الموت مع كل إحتمالات الألم والدموع والهزيمة والخطر والضياع والعار .

سؤال .. لكن في المقابل ألا نستطيع أن نقول أنه وهبه اللذة والسعادة والجمال والشمس والقمر والنجوم المستلقية بوقار على ذراع القمر ؟
لكن ما ما الحياة .. ليست الحياة مع ذلك في كل حدودها وأعماقها شيئا سوى الطريق الى الموت .. كل الحياة هي حالات سير الى الموت .. هو يحيا إذن هو يسير الى الموت .. ومهما إنحرف السائر في حياته فهي انحرافات تعني طرقا مختلفة الى فم هذا الوحش الرهيب الذي سيبتلعه الذي ينتظره في أية طريق يختارها ..
ومن هنا يحزنني وجود الناس وهم موجودين ليس لأنهم موجودين بتدبير منطق الوجود الذي لا يمكن أن نفهمه اذا كان منطقه الموت والعذاب والألم والدموع .. هم موجودين فقط لأنهم موجودين .. هم موجودين كما قال صديق لي ذات مرة بالطاقة... مثلما يكونون موتى أو مرضى أو عجائز تشيح بوجهها نحو الموت في كل حين.. لكنها لا تقبل أن تموت أو تموت لأنها لا تقبل أن تموت .. أما السعادة يا صديقي فهي لا تعدو أن تكون مستوى من مستويات الوجود

سؤال :لقد قلت لي ذات مرة ما رأيت الذباب على طعام أعمى إلا أخذتني الرجفة رثاء للمنطق الذي يؤمن بحكمة وأخلاقية هذا الكون ماذا عنيت بذلك ؟
قلت ذلك يا عزيزي لأني وجدت أن الحياة ليست افكارا أو مذاهب أو أخلاقا ، بل هي قدرة وعبقرية ... أو هي فقد للقدرة والعبقرية.. أو هي حركات متوافقة توافقا زمانبا ومكانيا .. إن الذي يتدحرج في الطريق بلا ذكاء أو فضيلة إنسانية يتوافق معها مع قوانينها الحركية وينتظم في مسالكها ودروبها ... أكثر من أعظم فيلسوف يصوغها بمنطقة ويحاكمها بعقريته الفذة ..
سؤال :كيف هل أو ضحت مقصدك ؟
ما أريد قوله إنه من مزايا الحياة وقد يكون ذلك من رذائلها أنها ليست ذات طريق واحد بل إن ابوابها وطرقها تتعدد بتعدد السالكين لها وبها .. ، الحياة بلا مثل أو أخلاق أو مذاهب لهذا تتعامل مع المتعاملين معها بقدر ما تستطيع أو يستطيعون بلا نموذج من اخلاق وبلا نموذج من إحترام أو تمييز بين فاضل وردئ .. والذين يخطئون في المنطق يصيبون في الحركة أو يملكون القوة ولا يملكون الخلق هم أفضل في التعامل مع الحياة من الذين يفعلون العكس .. لذا لا ينبغي أن نعجب من أمر التافهين والأغبياء والفاسدين أن يصيبوا مزايا الحياة وينتصرون أكثر مما يصيب الآخرون الواقفون على الطرف الآخر بمزاياهم المضادة.. أولئك الأغبياء توافقوا مع الحياة توافقا مكانيا كما يتوافق الحجر مع الحجر أو مع الأحجار الأخرى فيأخذ مكانه المناسب منها.. وإن لم يتوافق معها توافقا عقليا أو أخلاقيا .. لأن الحياة ليست سلوكا أدبيا أو فكريا .. ولكنها قوانين زمانية ومكانية هي طاقة وحركة وليست فضيلة لكنها ليست شيئا يمكن أن تتعامل معه بشرف أو نزاهة أو أخلاق أو كرامة ، الحياة وجود له قوانينه الجارحة .. ولذلك تجد الناس منشطرون إنشطارا وحشيا في سلوكهم ورغباتهم فلماذا هم كذلك ؟ هل لأنهم سيئون .. الأمر ليس كذلك لكنهم وجدوا بالتجارب الطويلة المستمرة أنهم محتاجون الى التوافق مع الحياة ثم وجدوا أن التوافق معها يكلفهم ثمنا باهظا يكلفهم أن يرفضوا قيمهم أو ما تعلموه من قيم ومثل فراحوا يوافقون بين أمرين متناقضين توفيقا بسيطا .. هو أن يتركوا مثلهم تلك ثم يتركوا سلوكهم للحياة وضروراتها غير الكريمة أو الرحيمه تعبث بها أو تشوهها كيف شاءت ..جمعوا بين المتناقضين بين ما يستطيعون وبين ما يتمنون بين أن يكونوا أفضل الكائنات وأسؤها..
لكن لماذا لا يكونون ما يعتقدون ويتعلمون ؟ لأنهم لا يستطيعون ، ولماذا يعتقدون ويتعلمون ما لا يستطيعون أو لماذا يعتقدون ويتعلمون ما يستطيعون فقط ؟ لأنهم يتمنون ويحتجون على هذا الذي يتمنون والأحتجاج تمرد على الحياة وعلى الإنسان نفسه وتجاوز لهما وضدهما . فالإنسان عندما يتمنى يرفض ويحتج واذا فعل ذلك وهو لا بد فاعله يتألم فالحياة ألم .... وهذا يحيلني الى القول . أن ليس لأي موجود معنى أكثر من مجرد كونه موجودا إلا الإنسان فكل شيء ليس إلا وجوده فقط . أما الإنسان فهو أكثر من وجوده.. حيث وجوده هو مركز إنطلاقه.. الإنسان يريد ما ليس موجودا وأكثر مما هو موجود يتخيله ويتمناه ويركض وراءه ليوجده .. إن آفته أن إرادته أكثر من وجوده بما فيه من نجوم وسماوات وغباء وظلم .. لهذا فهو يتعذب لهذا يكذب لهذا يخلق القيم والمثل والتعاليم التي لا يمكن أن يلتزم بها أو التي هي على النقيض منه ..
إنظر الى جميع أحلامنا وعقائدنا الأخلاقية المستحيلة التطبيق ليست سوى أسلوب من اساليب الأحتجاج على الذباب .. فوقوع الذباب في طعام الأعمى الذي لا يعرف أنه وقع في طعامه ولا يستطيع مقاومة أن يقع في طعامه يتحول ذلك الى أفضل النظريات الأخلاقية .. هنا ينتصر الذباب على كافة الأخلاق والنظريات عدوان الذباب بهذه البشاعة يضعني أمام مواجهة السؤال عن معنى الحياة والكون والوجود ويجعلني أصرخ محتجا هاربا مشمئزا مرتجفا راثيا للحكمة التي صاغت الكون على هذه الشاكلة لماذا كان على هذا الأعمى أن لا يرى الذباب ولا يستطيع أن يرى طعامه .. وما الحكمة أصلا من خلق الذباب ولماذا كان من مهمات خلقه أن يحط على ذلك الطعام وكذا فالتقل عن حكمة وجود القبح والألم والجوع والحشرات والأمراض في هذا الكون .. كيف يمكن أن يكون خلق الذباب متمما لحكمة جمال الكون ؟ ولي أن أقول هنا لا يمكن للإنسان أن يفهم الكون بمنطقه .. فمنطقه منطق إختلاف .. المنطق حاجة إنسانية .. تعبير عن موضوعات إنسانية وليس موضوعا كونيا .. وحينما افترض البشر الكون أو الحياة عقلا كانوا يفسرون أنفسهم .. لقد كان أمام البشر طريقان أن يفهموا الحياة والطبيعة كما هما أن يفهموما كما يريدونهما .. وقد اختاروا الطريق الثاني .. لأن الطريق الأول يخيفهم .. لقد كان الوجود حركة.. ثم ترقى في ذات الحياة.. فاكتسبت الشعور.. ثم ترقى الشعور في ذات الإنسان فاكتسب التفكير.. ثم ترقى التفكير فاكتسب الأخلاقية أو ما يظن أنه أخلاقية .. فالمشاعر والأخلاق والبلاغة واللغة هي الشوط الأعلى للحركة أي للوجود والعكس لا يكون صحيحا أبدا على أي إحتمال ومهما بدت هذه واهبة فهي موهوبة حتى في قدرتها على أن تهب ، أراد الإنسان أن يفهم الكون فوقع في لجج المحال .. ولذا راح الإنسان عند عجزه يسقط على الكون شعوره هو وأخلاقه هو وأفكاره هو مع أن الكون بخلاف ذلك .. إن الانسان لم يستطع أن يدرك الفرق بين ما يحدث حدوثا كونيا وبين ما يحدث حدوثا إنسانيا

ما هو السؤال الذي هزمك ؟
بل قل واي سوال لم يهزمني .. كل سؤال يهزمني .. أي سؤال يهزمني .. أنا هزيمة الأسئلة .. أنا لا استطيع أن أجيب عن اي سؤال .. لأنه لا جواب لأي سؤال .. ذلك أن أي جواب يتحول الى سؤال دون أي جواب .. كل جواب يصبح سؤالا جديدا يبحث عن جواب فلا يجد جوابا .. إن اي جواب لن يكون جوابا أكثر من أي سؤال دون اي جواب وكل جواب يتحول الى سؤال أعصى من أي سؤال .. وهكذا.. وهكذا يا سيد حسين ... كل أسئلة البشر وكل أجوبتهم قد صمتت وماتت حماستها وانتصارها أمام الكلمة الخالدة الرهيبة المنتصرة في جميع معاركها ووقاحاتها.. لا جواب .. لا جواب .. هذه الكلمة هي الجواب الصادق البذئ عن كل سؤال .. هي جواب الطبيعة الأبدي الخالد .. هي الكلمة المذلة للإنسان محفورة بشهامة على وجهه وعلى وجه الكون وعلى وجوه كل المعلمين وكل العباقرة وكل المغفلين.. على وجه كل الزنادقة وكل المؤمنين .. لا جواب هي أعنف هزيمة للحياة والمذاهب ولكل التفاسير والمفسرين والباحثين .. كلمة لا جواب هي أوقح واصدق كلمة تطل علينا من كل شيء برأسها اللعين ..
لو سألنا مثلا لماذا يزرع الناس القمح .. لجاء الجواب لأنهم يتغذون به .. هذا الجواب يبدو جوابا حاسما ونهائيا يسكت كل تساؤل عن زراعة هذه الحبوب النبيلة .. ومع ذلك فهو جواب لن يصبح جوابا .. هو جواب يتحول الى أسئلة لا جواب عليها ولا يمكن أن أن نجيب عليها .. أنه يفتح مخازن الأسئلة وكل سؤال يلد سؤال وكل جواب يصبح سؤالا بلا جواب وجوابا يتحول الى سؤال .
من مثل :
لماذا اصبح القمح غذاء للبشر ؟ ومن دبر ذلك ولماذا دبر ذلك .. ومن أراد أن يكون كذلك .. وكيف وجد ولماذا وجد هل وجد لأن البشر وجدوا .. ووجدوا محتاجين إليه .. هل وجد البشر لأن القمح قد وجد .. ولماذا وجد البشر الذين يتغذون بالقمح ؟وهل وجدوا لكي يتغذوا بالقمح ، ولماذا وجدوا محتاجين الى التغذي ولماذا يستجيبون الى حاجة التغذي .. لماذا يتعذبون لو رفضوا الإستجابة الى هذه الحاجة، لماذا يتعذبون لو لم يذلوا ويهانوا لأوامر جوعهم ..
لماذا يتغذون لكي يستمروا يجوعون ويتغذون ، لماذا لا يموتون موتا نبيلا .. لماذا يموتون بالصمت عن التغذي وبالصمت عن الجوع . أليس التغذي بحثا عن الجوع غدا .. لماذا جاء الإنسان جائعا وجاء يجوع باستمرار .. لماذا جاء مستمسكا بالبقاء مع جوعه العائم المتجدد.. لماذا وجد القمح ووجد الإنسان الذي يأكله ليسد جوعه .. ما هي أرتباطات الحياة بين الجوع وعدم الجوع و حبة القمح ..
لماذا على الانسان والقمح أن يموتا معا .. لماذا لم يترك أحدهما يموت ليبقى الآخر .. هل خيف الضياع على من يبقى منهما .. هل خيف عليه أن يحزن ويتعذب ..هل خيف على القمح ألا يوجد من يأكله فيعاني من الهموم والشعور بالضياع .. هل خيف على الإنسان أن لا يجد ما يأكله فيتخلى عن الصلاة والتسبيح للإلهة و المطر والقمح .. من الذي إلتزم هذا الألتزام للإنسان بأن يجد ما يأكله وبأن يجد القمح الذي يأكله ...
وهكذا يا عزيزي إنها أسئلة متوحشة أسئلة تغرق فيها كل الأجوبة والتافسير التي عانى البشر ليكرروها ويتوارثوها في كل تاريخهم النذعور الحزين .. إنه اسئلة يغرق في أقل مستوياتها عمقا كل الأنبياء والوعاظ وكل الكتب المقدسة وغير المقدسة ..وهكذا يا صديقي .. ألا تلاحظ أن كل الآلهة البشرية وغير البشرية كل النبوات والتعاليم كل الفلسفات والعلوم كل المذاهب كل القصائد كل الروايات تصمت وتهون وتهزم هزيمة منكرة تتشوه بل تموت وتتلاشى أمام الذباب عندما نحول الذباب الى سؤال كما حولنا القمح .. وهكذا خذ أتفه الأشياء وأعم الأشياء حولها الى أسئلة .. ما الجواب أنه اللاجواب .. ماذا لو نحول كل البشر الى سائلين وتحولوا في ذات الوقت الى مجيبين .. وتحول الكون الى سوال .. ماذا لو تحول الكون الى سؤال
وطلاسم الكون محيرة .. ماذا لو حولنا الحياة والموت الى الى سؤال ماذا لو حولنا الله الى سؤال ...






  رد مع اقتباس
/
قديم 09-04-2012, 09:48 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: حوار مع الكاتب تيسير الفارس القسم الثاني

ننقله للصالون الأدبي لتخصصه بالحوارات مع ودنا والتقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-04-2012, 09:30 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: حوار مع الكاتب تيسير الفارس القسم الثاني

تابعت بعمق قراءة ما جاء في الحوار من عمق تفكير
فاتني النصف الاول

وتمنيت سيدي لو استعملت بعضا من الوان لتنسق الوضوح للسؤال وتفصله عن الجواب
شكرا لكم وانت تثرون اخي






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط