خرائط - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :إيمان سالم)       :: طيور في عين العاصفة* (آخر رد :عبدالرحيم التدلاوي)       :: الأصمّ/ إيمان سالم (آخر رد :إيمان سالم)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :أحلام المصري)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: جبلة (آخر رد :أحلام المصري)       :: إخــفاق (آخر رد :أحلام المصري)       :: ثلاثون فجرا 1445ه‍ 🌤🏜 (آخر رد :راحيل الأيسر)       :: الا يا غزّ اشتاقك (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الأزهر يتحدث :: شعر :: صبري الصبري (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: الادب والمجتمع (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: مقدّّس يكنس المدّنس (آخر رد :ممدوح أسامة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▆ أنا الفينيقُ أولدُ من رَمَادِ.. وفي الْمَلَكُوتِ غِريدٌ وَشَادِ .."عبدالرشيد غربال" ▆ > ⊱ مَطْويّات⊰

⊱ مَطْويّات⊰ للنصوص اللاتفاعلية ..

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 21-02-2014, 10:18 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي خرائط

‏‫خرائط

يصفف أقلامه و أوراقه الشفافة ، يبسطها على المنضدة وبقربه كوب القهوة الساخن ، متدثرا بمعطفه السميك تاركا قلبي لجليد الأسئلة .

يجيد رسم خرائطه ، يخلق الحيوات من المنحنيات والخطوط المستقيمة ، في أصابعه إكسير اللون ، أراني في مساحاته المرسومة هنا وهناك ، صحارى و غابات ، جبال و وديان ، تلال وسفوح ، سماوات ..و مسطحات مائية .

يَصر قلمه على الورق الصقيل ، المنيع ، الشفاف و المعتم ، وكل أوراقه حية لها أعين و آذان و أفئدة ..

أنا الميتة الوحيدة ، المتصحرة القلب ، العطشى لقطرة ماء نقية .

هذه المرة مللت من مراقبته ، ألقيت سؤالي :

" ألا تمل رسم الخرائط ؟"

تعلق شفتاه نصف ابتسامة ، تعز كلماته و تبقى عيناه الجادتان على طُرق الخرائط الطويلة .

قمت من مكاني / موتي ، العطش يشتد بي رغم البرد ، أسكب لي من الصنبور الباهت ماء باهتا ، تختطفني نظرة من المرآة الأقرب ، أقترب منها ، أقترب أكثر ، أشعر -كما يقول لي - أن لوني يبهت.

قلت له مرة :

" لم يبهت لوني أبدا ، لكن عينيك اعتادت مزج الألوان وظلالها ، فاكتظت بالزهو "

صمت ..

عاودت رمي غيظي :

" وليس لأنك تبرع في رسم الخرائط ، تتهمني بتضييع الدرب "

هز رأسه بالنفي :

" ما من أحد يبرع في رسم الخرائط ، أنني فقط أحاول أن أتقن مسك البوصلة "

نفخت في الهواء ، كان نفخي باهتا .

لوني يبهت فعلا ، المرايا لا تكذب ، ربما تكذب أعيننا ، أو تخلط الاشتهاءات و الأمنيات بصدق الصور ، ربما تخدعنا ذرات زيف على وجهها الصقيل .. لكنها لا تكذب أبدا .

تغضبني الصورة ، أرمي المرآة بكوب الماء ، تنكسر المرآة و ينكسر قلبي .

أتركه و خرائطَه ، أجرّ وحدتي و خوفي ، أعتصم في غرفتي ، أغلق بابي و هاتفي ، تحاصرني صورتي و الأسئلة و رغابي الجُرد .

أستلقي على الأرض ، السقف يحجب بوح السماء ، البلاط يستحيل لطين ، لا أكترث ، لم أعد أكترث ، لقد تهت فعلا وضاع الطريق .

يطرق بابي طرقا حنونا ، يدخل ، أشيح بوجهي ، أقول له :

" لا تضغط علي ، لن تستلبني .. لا تعجبني هذه الخرائط أبدا "

يتجه إلى الشرفة يشرعها لهواء نقي ، يردد:

" لك الخيار طبعا ، ولكن افتحي النوافذ "

يخرج من الغرفة ، أغمض عيني لأغيب في حضرة ذكرى لذيذة.

كنت في الرابعة ، و كنت أعرف أن أمي تخرج كل صباح من بيتنا سيرا إلى الجمعية القريبة ، تؤمن احتياجات المعيشة اليومية ثم تعود محملة بالأكياس و لا تنسى حلواي المفضلة ، حين كانت تخرج من الباب ، كنت أضع كرسيا تحت قدمي لأرتفع فأراها من النافذة ، أتسلى بإحصاء خطواتها إلى أن تذوب في رحابة الطريق، تلك السنة اشتد الغبار ، وكان لابد أن يأخذها أبي في رحلة علاج خارج هذا الجو المربك لرئتها الوحيدة ، فصار الصبح مملا دون رحلة التأمل الجميل عبر النافذة ..

طلبت من الخادمة أن تأخذني لشراء الحلوى ، أخي ، جدتي ، كلهم سوفوني لوقت لاحق لم يأت .

فقررت أمرا !

فتحت باب بيت حصالتي الصغيرة ، و انتعلت حذائي اللامع ، وتسللت إلى الطريق الذي تسلكه أمي ، حتى صار البيت خلفي تماما .

سرت ، و لم أجد الجمعية ، وبدأت أفقد طريق العودة أيضا ، وقفت في مكاني في ذلك الضحى الجهم ، تحجم عني السيارات ، و تتلصص علي القطط الشاردة ، تصاعد طعم ملح غريب في فمي ، وبدأت تغيم الصور .

انعطفت جهتي سيارة ما ، لا أذكر وجه السائق و لا لحن صوته ، فقط أتذكر أني ركبت في المقعد الخلفي ، وتشاغلت بالنظر إلى سجادة حمراء كانت تنام تحت رجلي ، ولما رفعت رأسي ، كنتُ عند باب منزلنا تماما .

يوقظني الآن صوته ، يقرأ :

" بك عرفتك ..و أنت دللتني عليك "

من يفتح لي مغاليق الخرائط ؟و ينتشلني من رحلة التيه ؟

أقوم من ضجيج الذكرى ، أزحف ببطء إليه ، تتناسل خطوطه و ألوانه ، يحرر ابتسامة كاملة ، يقول لي :

" تبدين معافاة مشرقة "

أتأمل الخرائط ، أسمعها تناديني ، أقرؤها أربعين صباحا ، أمسك قلما لأخط الخط الأول .






  رد مع اقتباس
/
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط