الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل" - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: أُنْثَى بِرَائِحَةِ اَلنَّدَى ! (آخر رد :دوريس سمعان)       :: تراتيل عاشـقة .. على رصيف الهذيان (آخر رد :دوريس سمعان)       :: هل امتشقتني؟ (آخر رد :محمود قباجة)       :: ،، الظـــــــــــــــلّ // أحلام المصري ،، (آخر رد :محمود قباجة)       :: فارسة الأحلام (آخر رد :محمود قباجة)       :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: بَغْيٌ وَشَيْطَانَانِ (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: وَأَحْتَرِقُ! (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: شاعر .. (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: أحـــــــــزان! // أحلام المصري (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: ما زال قلبي يخفق (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: مملكة الشعر الخالدة (آخر رد :أحمد صفوت الديب)       :: افطار ودعاء (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: كلما أجدبت الارض ناديت ملح امي! (آخر رد :فاتي الزروالي)       :: شوق القوافي (آخر رد :فاتي الزروالي)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > ☼ بيادر فينيقية ☼

☼ بيادر فينيقية ☼ دراسات ..تحليل نقد ..حوارات ..جلسات .. سؤال و إجابة ..على جناح الود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-12-2010, 08:58 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"



سلام الله

تعودنا أن نضع نصاً تحت الضوء
ومن خلاله نشتغل
هنا ووفاءً لتجربةٍ فذّة
سنستميح روح الفينيق
بدر شاكر السيّاب
لنضعه تحت الضوء
إذ به يليق الضوء



سيرة :
-------


•ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية جيكور، قرب مدينة البصرة جنوب العراق،والده: شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب، ولد في قرية (بكيع) توفي في
7/5/1963 ،والدته: هي كريمة بنت سياب بن مرزوق السياب، توفيت في العام 1932 وكان بدر حينها في السادسة من عمره.

•دخل السياب في أول مراحله الدراسية إلى المدرسة الحكومية الابتدائية في قرية باب سليمان ثم انتقل إلى مدرسة المحمودية الابتدائية في أبي الخصيب و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1/10/1938.

•بعد أن أنهى الدراسة الابتدائية أرسله جده إلى البصرة لمواصلة تعليمه الثانوي، وسكن في البصرة مع جدته لأمه، وأنهى دراسته الثانوية في العام الدراسي ( 1941-1942).

•انتسب إلى دار المعلمين العالية ببغداد (كلية التربية) وكان في السابعة عشرة من عمره ليقضي فيها أربعة أعوام.

•بعد تخرجه عين مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في مدينة الرمادي.

•وفي يناير 1949 ألقي عليه القـبض في جـيكور أثناء عطلة نصف السنة( بسبب نشاطه السياسي ) ونقل إلى سجن بغداد واستغني عن خدماته في وزارة المعارف رسميا في 25 يناير 1949 وأفرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع ومنع إدارياً من التدريس لمدة عشر سنوات، فعاد إلى قريته يرجو شيئا من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن.

•أخذ بدر بعدها ينتقل من عمل إلى آخر، فمن ذواقة في شركة التمور العراقية، إلى كاتب في شركة نفط البصرة,إلى مأمور في مخزن لإحدى شركات تعبيد الطرق في بغداد ....
•وفي العام 1952 اضطرب الواقع السياسي في بغداد، فهرب متخفيا إلى إيران ومنها إلى الكويت وهناك وجد له وظيفة مكتبية في شركة كهرباء الكويت ومن ثم عاد إلى بغداد ليتم تعيينه موظفاً في مديرية الاستيراد والتصدير العامة.

•نشرت له مجلة الآداب في يونيو من العام 1954 قصيدة (أنشودة المطر )تصدرتها كلمة قصيرة جاء فيها ( من وحي أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي..) .
•في العام 1955 تزوج من إقبال وهي معلمة في إحدى المدارس الابتدائية.

•في شتاء العام 1957 تعرف على مجلة ( شعر ) اللبنانية التي كان يحررها يوسف الخال،وسرعان ما أصبح بدر أحد كتابها العديدين من دعاة التجديد في الشعر العربي
مثل أدونيس وأنسي الحاج وجبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ، لتبدأ قطيعته مع مجلة الآداب التي تبنت نتاجه المدة السابقة.

•في السابع من إبريل 1959 فصل من الخدمة الحكومية لمدة ثلاثة سنوات بأمر وزاري لتبدأ من جديد رحلة التشرد والفقر.

•في يوليو 1960 ذهب إلى بيروت لنشر مجموعة من شعره هناك، وتوافق وجوده مع مسابقة مجلة شعر لأفضل مجموعة مخطوطة فدفع بها إلى المسابقة ليفوز بجائزتها الأولى عن مجموعته ( أنشودة المطر )التي صدرت عن دار شعر بعد ذلك.

•عاد إلى بغداد بعد أن ألغي فصله وعين في مصلحة الموانئ العراقية لينتقل إلى البصرة ويقطن في دار تابعة للمصلحة، و في الوقت نفسه بدأت صحته تتأثر من ضغط العمل المضني والتوتر النفسي، غير أنه اعتقل ثانية في 4 فبراير 1961 ليطلق سراحه في 20 من الشهر نفسه، و أعيد تعيينه في المصلحة نفسها، غير أن صحته استمرت بالتدهور فقد بدا يجد صعوبة في تحريك رجليه كلتيهما وامتد الألم في القسم الأسفل من ظهره ،و في العام نفسه تسلم دعوة للاشتراك في (مؤتمر للأدب المعاصر) ينعقد في روما برعاية المنظمة العالمية لحرية الثقافة ، وانتقل بدر من المشاركة في مجلة شعر إلى المشاركة في مجلة حوار، ثم قرر أن يعود إلى الآداب.

•وكان بدر ينتقل بين بيروت وبغداد و باريس ولندن من أجل العلاج، ولكن العلاج لم يفده في شيء، فقد كان الجزء الأسفل من جسمه يضمر ويضمر، والقروح تأكل ظهره، وحين جربوا معه العلاج الطبيعي، كسرت عظمت الساق لهشاشتها.

•ومات بدر يوم 24/12/1964.وكان ديوانه (شناشيل ابنة الجلبي ) قد صدر ولكنه لم يصله قبل الوفاة.



أعماله الأدبية:
---------------


الكتب الشعرية:
--------------


1.أزهار ذابلة- مطبعة الكرنك بالفجالة- القاهرة- ط ا- 1947
2.أساطـير- منشورات دار البيان- مطبعـة الغرى الحديثـة- النجف- ط 1-
3.حفار القبور- مطبعة الزهراء- بغداد- ط ا- 1952
4.المومس العمياء- مطبعة دار المعرفة- بغداد- ط 1- 1954
5.الأسلحة والأطفال- مطبعة الرابطة- بغداد- ط ا- 1954
6.أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960
7.المعبد الغريق- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1962
8.منزل الأقنان- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1963
9.أزهار وأساطير- دار مكتبة الحياة- بيروت- ث ا- د. ت
10.شناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1964
11.إقبال- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965
12.إقبال وشناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965. 13-
13.قيثارة الريح- وزارة الأعلام العراقية- بغداد- ط ا- 1971
14.أعاصير - وزارة الأعلام العراقية - بغداد- ط ا- 1972
15.الهدايا - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974
16.البواكير - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربـي- بـيروت- ط ا- 1974
17.فجر السلام - دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974

الترجمات الشعرية:
-----------------


1.عيون إلزا أو الحب و الحرب : عن أراغون- مطبعة السلام- بغداد- بدون تاريخ
2.قصائد عن العصر الذري : عن ايدث ستويل- دون مكان للنشر ودون تاريخ
3.قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث: دون مكان للنشر ودون تاريخ
4.قصائد من ناظم حكمت : مجلة العالم العربي، بغداد – 1951


الأعمال النثرية:
---------------


الالتزام واللاالتزام في الأدب العربي الحديث: محاضرة ألقيت في روما ونشرت في كتاب الأدب العربي المعاصر، منشورات أضواء، بدون مكان للنشر ودون تاريخ



الترجمات النثرية:
-----------------


1.ثلاثة قرون من الأدب : مجموعة مؤلفين، دار مكتبة الحياة- بيروت- جزآن، الأول بدون تاريخ، والثاني 1966
2.الشاعر والمخترع والكولونيل: مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف، جريدة الأسبوع- بغداد- العدد 23- 1953




قراءة في عالم بدر شاكر السيّاب الشِعري
-----------------------------------------


في مدينة البصرة ذات النسب العريق
التي أنجبت ( الأخفش - بشار بن برد - الجاحظ -ابن دريد - رابعة العدوية - سيبويه - الفرزدق - ابن المقفع ) وفي إحدى قراها - جيكور - ولد الشاعر في العام 1926 لأسرة متوسطة الحال...
ماتت أمه وهو في سن السادسة ، وتزوّج أبوه فرعته جدته ، أتمَّ الشاعر دراسته الابتدائية في العام 1938 وأرسله جدّه إلى البصرة ليتابع تعليمه الثانوي ، اختار الشاعر الفرع العلمي برغم موهبته البارزة في اللغة والأدب العربيين ، وفي العام 1942 أنهى دراسته في الفرع المذكور ، وفي نفس العام تموت جدته وبفقدانها يفقد الشاعر صدراً حنوناً رعى طفولته ، وفي العام 1943 بدأ السيّاب رحلته في بغداد حيث كانت تصطرع التيارات الأدبية والسياسية ، وأصبح بدر شاكر السيّاب طالباً في دار المعلمين في بغداد ، وفي عام 1946 فُصل من دار المعلمين بسبب تحريضه الطلاب على الإضراب ، وفي حزيران من نفس العام كان السيّاب من بين الطلاب الذين اعتقلتهم السلطات لمشاركتهم في المظاهرات العنيفة ضد السياسة البريطانية في فلسطين ، وكان قبل ذلك قد منع التدريس لمدة عشر سنوات بسبب مواقفه السياسية ، عمل السيّاب بعد ذلك ذوّاقة للتمور في شركة التمور العراقية ثم في شركة نفط العراق بالبصرة ، ثمَّ انتقل إلى بغداد ليعمل مأموراً في مخزن شركة لتعبيد الطرق ، وعمل في الصحافة على فترات متقطعة ، ونتيجة الأحكام العرفية والإعتقالات الواسعة ، هرب الشاعر إلى الكويت 0 مما سبق ذكره ، يتبيّن لنا أنَّ الشاعر عاش في وسط اجتماعي فقير مادياً .. والمقصود بالمادة المصدر المالي الذي يؤمّن للشاعر الحياة الحرّة الكريمة ، ولقد كان الفقر غربة في أبعاده الأخرى ، غربة لامست فيه شغاف القلب ، وأمام هذه الجراح التي أحدثتها الأيام في نفس السيّاب ، نجده يرتد أبداً كرجل ، إلى المرأة ، كلما سكنه الخوف من الدنيا وتكالبت عليه مصائب الحياة ، إنها الحب الذي لا قبله ولا بعده ؟



الأسطورة في عالم السيّاب الشعري
-------------------------------------


عبر هذه الملامسات الحارة للواقع الذي عاش فيه السيّاب ، لجأ إلى الأسطورة بسبب الحالة التي عاشها وظروفه الخاصة التي جعلته يؤمن بأنه واقعاً ماديا لا شعرياً ، وهذه القناعة كونتها تلك الظروف ، فراح يبحث عن بديل لملئ حالة الفراغ الروحي الذي يعاني منه ، هذا بالإضافة إلى المخزون الثقافي الرفيع الذي تميز به السيّاب مستقياً إياه من عدة مصادر سنأتي على ذكرها لاحقاً ، ( ووجد السيّاب أن ملاذه الوحيد هو العالم الأسطوري الذي يمكن أن يمده بطاقة سحرية تعوضه عن كل ما فقده) باعتبار الأسطورة فكراً إنسانياً بدائيا حمله السيّاب موقفاً خلافاً تبدى في فهمه للواقع المعاش و محاولة تغييره بأن أظهر ثغراته و تناقضاته وعلاقاته غير الحميمة ، بأن أظهر زيف المدينة التي يعها التضاد والتدهور والتطاحن ، وإن دل موقفه هذا على شئ فإنما يدل على فهم وانتباه عميقين و دقيقين لعملية توظيف الأسطورة ، هذه العملية التي لا تقوم إلا على وعي تام بجوهر رافدها الإنساني وأصبح السيّاب الرائد الأول في هذا المجال - حسب تقديري - . إن استخدام السيّاب للأساطير لم يكن هروباً من الواقع كما كان عند غيره ، بل لجأ السيّاب إليها كغاية لتحويل واقعه وتصويره عبر ذكريات البشر البدائية ، وليخفف عما به من معاناة نضيف إلى ذلك أن السيّاب بثقافته واطلاعه على الآداب المحلية العربية بكل عصورها ثم الأجنبية عبر اطلاعه ودرسه شعراء مثل ( بودلير ـ رامبو ـ ريكله ) تأثر بالمذهب الرمزي و الأسطورة مادة غنية بالرمز تغذي شعر الثر ، ولقد اعتمد الشاعر على أساطير العرب القدماء (بابلية ـ آشورية ) بالإضافة إلى الأساطير التي دونها قدماء اليونان وغيرهم كأسطورة أدونيس إله الخصب والنماء الذي يقضي نصفاً من السنة ـ الشتاء ـ في العالم السفلي مع برسفونة والنصف الآخر ـ الربيع ـ على الأرض مع فينوس آلهة الحب ، لنقرأ السيّاب : أزهار تموز ما أرعى أســـلمه في عتمة العالم السفلي إيـــاها أم صل حواء بالتفاح كافأنـــي وهو الذي أمس بالتفاح أغواها ومن الرموز التي وظفها السياب في شعر ـ العنقاء ـ ذلك الطائر الخرافي المعروف منذ الجاهلية : عنقاء في مسعر الجوزاء أعينها والصخر يرفض من أظلافها شبها وكذلك شخصية ـ أوديب ـ في الأسطورة اليونانية ، أوديب الذي تزوج أمه ـ جوكوست ـ وهو لا يدري بأنها أمه بعد أن قتل أباه ملك طيبة : من هؤلاء العابرون أحفاد أوديب الضرير و وارثوه المبصرون ... و ـ أفروديت ـ التي ولدت من زبد البحر ونزلت البر محمولة على صدفة المحار : مترقباً ميلاد " أفروديت " ليلاً أو نهارا أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح و ـ أبولو ـ إله الشمس الجبار الذي أحب ـ دفني ـ وطاردها محاولاً اغتصابها ، فاستنجدت بأبيها ، فرشها بحفنة من المال وأحالها إلى شجرة غار تضفر من أغصانها الأكاليل للأبطال: هي لن تموت سيظل غاصبها يطاردها وتلفظها البيوت تعدو ويتبعها " أبولو" من جديد كالفضاء وكذلك ـ آتيس ـ إله الحب عند سكان آسيا الصغرى مما يدلل على غنى المصادر الأسطورية وتنوعها في شعر السياب الذي استخدم في شعره أيضاً رموز الطبيعة متوجاً إياها برمز المطر الذي عصف بأغلب بأغلب القصائد التي كتبها الشاعر بفترة من فترات إبداعه المتواصل وركز على هذا الرمز باعتباره رمزاً للحب والحياة وانتفاء الظلم وتحقيق العدل والمساواة ، نقرأ في قصيدة أنشودة المطر : أتعلمين أي حزنٍ يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟ وكيف يشعر الغريب فيه بالضياع ؟ بلا انتهاءٍ ـ كالدم المراق ، كالجياع كالحب ، كالأطفال ، كالموتى ـ هو المطر ؟ ومن المطر انبثق البرق والرعد كرمزين من رموز الثورة ، الثورة ضد الظلم : أكاد أسمع العراق يزخر الرعود ويخزن البروق في السهول والجبال حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال لم تترك الرياح من ثمود في الواد من أثر كذلك اتخذ السياب من ـ بابل ـ رمزاً للعراق ، عراق النخيل وجيكور وبويب : وسار صغار بابل يحملون سلال صبارٍ وفاكهةً من الفخار قرباناً لعشتار إن ثقافة الشاعر المسمدة من فهمه لواقعه و من دراسته للأدب العربي عموماً والإنكليزي التخصصي ، قد منحاه آفاقاً قلّما حلّق شاعرٌ آخرٌ فيها ، لقد مزج الكثير من الشعراء شعرهم بالأساطير لكن الأسطورة في عالم بدر شاكر السياب الشعري قد شحنت بطاقة جديدة ، إذ بثها السياب روح الواقع بمتناقضانه ومفارقاته ، فغدا الواقع المذكور مؤسطراً ـ إذ صح التعبير ـ للغلو الذي وشّى الحياة بشكل عام في الفترة التي عاش بها الشاعر في العراق ، أضفى على الأسطورة ـ مادية ـ قربتها من الواقع أكثر فأكثر ، هذه الجلية أضافت من خلال قصائد السياب عبقاً وسحراً وجمالاً ، قلما عهدناه في قصائد شاعر آخر .



السياب .. ورحلة الألم
------------------------


لن ننسى فترة الألم التي قضاها الشاعر متنقلاً بين المشافي والأسرّة ، حاملاً معه المرض الوبيل الذي أصابه ، فأتى على جسده شيئاً فشيئاً حتى أذابه ، إن الشلل قد تسلل إلى أعضائه ليمتها عضواً عضواً بعد أن عانى من آلام الفقر ، ولقد أنفق الشاعر ماله القليل في سبيل الشفاء، وتغرب عن وطنه وفارق زوجته وأطفاله مسافراً إلى أوربة لتلقي العلاج على نفقة بعض المسؤولين الذين أهداهم دواوينه الشعرية ، وفي هذه المرحلة تدخل قصائد الشاعر عالماً جديداً قوامه الشكوى والتذمر والأنين والتفجع على الحال التي وصل إليها جسده الضئيل المتعب ، ليتكئ على الأسطورة ، عارضاً آماله من جديد بالشفاء البعيد المنال لجسدٍ يذوب كالشمع تحت وطأة المرض ، فتتشح قصائده بالسواد وبالحزن القاتم : ويمضي بالأسى عامان ثم يهدني الداء تلاقفني الأسرّة بين مستشفى ومستشفى ويعلكني الحديد .



السياب .. رائد و مجدد
------------------------


رغم المرض والموت النفسي الذي قيد السياب في فترة قعوده الجسدي ، كان شاعرنا لا يزال يحلّق ويحلّق كرائد من رواد الحداثة في عالم الشعر العربي المعاصر ، وبدءاً من ديوانه الأول ـ أزهار ذابلة ـ الذي طبع عام 1948 بعد تخرجه من الكلية ، كان يجوب الآفاق بعزفه الفريد، وتشاء الأقدار أن يكون أمام شط العرب تمثال رائد الشعر العربي الحديث بدر شاكر السياب صاحب قصيدة ـ أنشودة المطر ـ التي خرج فيها على عروض الفراهيدي فكان من أبرز الشعراء العرب الذين حرروا القصيدة من أشكالها التقليدية الموروثة ، في مقابل تمثال ـ الخليل ابن أحمد الفراهيدي ـ مؤسس موسيقى الشعر ، والواقف في إحدى ساحات البصرة . إن كثرة الدراسات التي نطالعها عن السياب وشعره ، والدراسات الأخرى التي تتعرض لظاهرة الشعر العربي الحديث بكل تياراته التجديدية من التفعيلة حتى قصيدة النثر ، تؤكد أن مسألة الشعر الحديث لم تعد في مجال الجدل من حيث تأكيد الوجود أو عدمه .

السياب و النقد :كان السياب رائداً من رواد الحداثة وقد تناول النقاد شعره بالإسهاب برغم الجدل الذي أثارته هذه المدرسة الجديدة الصاعدة ( وتبدو التفرقة بين مصطلحي ـ الحديث والمعاصر ـ أمراً ملحّاً في ضوء اضطراب مصطلح ـ الحداثة ـ وتغير دلالاته ، وإذا كان المعاصر مصطلحاً يعني الزمن ، فإن ـ الحديث ـ يعني الأسلوب والحساسية ، المعاصر محايد الإحالة ، في حين أن مصطلح الحديث يتضمن حكماً ووضعاً نقدياً ، ولعل من المفيد أن نذكر أن العمل قد يوصف بأنه حديث ولكنه بعيد عن عصرنا ، كما أن بعضاً من العمل المعاصر ليس حديثاً ) . ( بهذا المعنى لم يكن السياب بعيداً عن واقعه وعصره ، بل على العكس من ذلك التصق بواقعه التصاقا كبيراً واعياً وناقداً للظروف التي يعيشها الشاعر ويعيشها أبناء شعبه ، فكان صوتهم المدوي ضد الظلم والإجحاف ، لكن بدء تسلسل جسده إلى العالم الآخر أضفى على السنوات الأربع الأخيرة ـ فترة المرض ـ عالماً محموماً من البحث عن الشفاء و لو في الخيال فتلونت قصائده بتلك السوداوية القاتمة ، وقصائده التي ضمها ديوانه المميز ـ إقبال وشناشيل ابنة الجلبي ـ تشهد على ذلك ، لهذا السبب كان تركيز النقاد على السياب شاعراً مبدعاً ومفجراً لطاقات شعرية خلاقة جعلته في سنوات قليلة يغزو عالم الشعر ؟ فارساً مجدداً في الشكل والمضمون ، فكانت قصيدة الحداثة ، الوافد الجديد مع من بدء قبله أو بعده أم ممن عاصره إبداعيا ) . ( لقد كانت قصيدة السياب الحرة خارج العمود الشعري الصارم إيذاناً بالانتقال بالقصيدة العربية من الموسيقى المؤطرة إلى العالم الفسيح فكانت ـ أنشودة المطر ـ تاريخاً جديداً للشعر العربي المعاصر وبرغم التنوع الهائل في تناول الشعر السيابي من جوانب عديدة ومختلفة وعبر قراءات متجسدة ومستفيدة من أحدث مكتشفات الصوت فإن قصيدة ـ غريب على الخليج أصيحُ بالخليج يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى فيرجع الصدى كأنه النشيج هذه القصيدة تبقى الأسبق في الكتابة والإنشاء وفي منحى الذائقة الشعرية العربية الحديثة ، إن قصيدة السياب لم تتكرس إلا بعد سنوات طويلة وبعد ما نشر في الدفاع عنها شعراء و متذوقون للشعر وطليعيون مجهولون ).



أهمية تجربة السيّاب الشعرية
---------------------------



( إن التغيرات التي حدثت في شكل و مضمون القصيدة كانت انعكاساً لتغيرات جذرية حصلت في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للإنسان العربي لذلك يجب النظر للقصيدة الحديثة كونها وبشكل مركز لمدى تفاعل مبدعها مع مجمل الظروف الراهنة ) . وشاعر مثل بدر شاكر السياب عاصر وعايش هذه الظروف لحظة بلحظة بادئاً بمحيطه الأسري من وفاة أمه إلى وفاة جدته إلى التغيرات التي عصفت بالعراق والعالم العربي وصولاً إلى ـ النيرفانا , نهاية الألم ـ حيث تمدد جسد السياب بلا حراك بعد أن أصيب بالشلل لتدخل القصيدة عنده عالماً آخراً ، سبق ذكره . وتنبع الحداثة فيها لغة وأسلوباً عن طريق الجمع بين الشكل و المادة واعتبارهما شيئاً تام الأجزاء . لقد التصق السياب أحاسيس ومشاعر بأرض ـ جيكور ـ قريته التي أدخلها ـ مكانياً وزمانياً ـ عالم الشعر وبالتالي التاريخ ، ليرتبط اسم جيكور باسم السياب كلما لفظ اسمه أو اسم قريته الصغيرة الوادعة وقد أصبحت في نسيج قصائده الشعرية ، كذلك التصق بهموم وأحلام وطموحات أبناء الشعب العراقي والعربي عموماً ، منطلقاً في بعض الأحيان من ذاتية مشبعة بالألم نتيجة وضعه الصحي وأحياناً أخرى من عوالم استقى منها السياب مادة أولية لصياغة القصيدة الشعرية عنده كالأساطير وثقافته الإنكليزية خصوصاً والأوربية عموماً ولم ينته هذا النزف الشعري الذي استمر لعدة عقود من الزمن إلا مع توقف نبضه بعد أن جف الزيت في عروقه .




النهايات ـ رحلة الألم
-----------------------


من مستشفيات بيروت حيث بدأت مأساة الرحيل بحثاً عن الترياق إلى لندن إلى باريس إلى العراق إلى المستشفى الأميري في الكويت ، سلسلة من الآلام الطويلة بدأت عام 1961 إلى آخر عام 1964 و الشاعر المريض يعاني مرارة الألم ومعها مرارة الفقر وفي 24ـ12ـ1964 جاء الموت ينثر جسمه أباديد كما أراد ولكن ليكتب اسمه بعد ذلك بين أعظم شعراء الألم ، وعند دفنه حضر أربعة فقط ؟ ـ إقبال زوجته وابنه غيلان وشقيق زوجته وصديقه الشاعر الكويتي علي السبتي ـ عائداً إلى عالم الأبدية السرمدي ، غائباً بجسده حاضراً بشعره وفي كل كلمة خطتها يده ، واقفاً من جديد على ضفة شط العرب تمثالاً يستمع إلى مناجاة صديقه الشاعر محمد الماغوط :

أيها التعس في حياته وموته قبرك البطيء كالسلحفاة لن يبلغ الجنة أبداً الجنة للعدائين و راكبي الدراجات .




وقفة مع " أنشودة المطر"
----------------------------


مناسبة القصيدةاتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .

1- ذكريات الشاعر الجميلة :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر

المفردات :

السحر : قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .

الشرح :

يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :
· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر

تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود ..."
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرِّفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر

أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفالِ ، كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار
أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى
كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"

المفردات :

تثاءب : تصنّع الثوباء ، الثوباء حركة للفم لا إرادية من هجوم النوم أو الكسل ، تسح : تنزل وتنصب ، الثقال : الشيء الكريه للنفس ، يهذي : تكلم بغير معقول لمرض ، أفاق : تنبه ، لج : ألح ولزم الشيء ولم ينصرف عنه ، تهامس : تكلم بصوت منخفض ، التل : ما علا من الأرض (ج) تلال ، اللحود : مفردها لحد وهو القبر ، تسف : تأكل ، يلعن : يسب ، القدر : قضاء الله ، ينثر : ينشر ، يأفل : يغيب ، تنشج : ونَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجاً ونَشيجاً، إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، المزاريب : مفردها مزراب وهي مجاري للماء ، انهمر : سال بشدة ، الضياع : الفقد والهلاك ، المراق : المسال ، مقلتاك : عيناك ، تطيفان : تأتيان كالخيال ، المحار : حيوان بحري ينتج اللؤلؤ ، تهم : تشرع ، دثار : ما يتدثر به ( يتغطى به) الإنسان من كساء أو غيره ، واهب : معطي ، الردى : الموت والهلاك ، الصدى : رجع الصوت .

الشرح :

يستمر الشاعر في تداعي الذكريات التي تربطه بالوطن في تعبيرات رمزية رائعة ، فيرى دخول الليل وما زالت الغيوم تنزل المطر الذي أثقل كاهلها فيرى أبناء العراق الذين استفاقوا من غفوتهم للتحرر يحملون معهم الأمل الذي سيتحقق طالما أصروا عليه وقد أخذ بعض الرفاق البعيدين عن الوطن يتكلمون همسا أن العراق ما زالت في رقادها وذلها وهوانها فالشعب يعاني فيها في يأس وحزن ينعى حظه وقدره يحاول أن يتغلب على قهره بالغناء عندما يغيب القمر منشدا " مطر... مطر .."
ثم يوضح الشاعر أن المطر يبعث الحزن في نفسه ، فعندما ينهمر المطر ويسمع صوت وقع الماء من المزاريب وكأنه بكاء عنيف يشعر الإنسان الوحيد بالضياع والهلاك ولا ينتهي هذا الشعور كالشعور الناجم من رؤية الدم المسال والناس الجوعى أو الشعور بالحب المتجدد والحنين للوطن والشعور النابع من رؤية طفل أو ميت ، فالمطر يطلق هذا الشعور باستمرارية .
تمر علي هذه الأطياف أطياف الوطن مع هطول المطر فأقف أتأمل أمواج الخليج التي تحمل معها الأمل من جديد وقد رأيت الأحرار الذين يعدون أنفسهم لتخليص العراق من الظلم واسترداد ثرواتها المسلوبة وكأنهم سيشرقون بعراق جديد ولكن هذه المحاولات انتهت بالفشل وسالت دماء هؤلاء الأحرار ومن بقى منهم لاجئا بعيدا عن وطنه ليس له إلا أن ينادي على الخليج الذي يهب الخير والعطاء وكذلك الهلاك لصعوبة الحصول على خيراته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتفشل هذه الحركات التحررية .

مواطن الجمال :

· تثاءب المساء : استعارة مكنية شبه المساء إنسانا يتثاءب
· الغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال : استعارة مكنية شبه الغيوم بالمرأة التي تبكي بشدة .
· دموعها الثقال : كناية عن شدة ما يعانيه الوطن من ظلم وقهر .
· كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : : يربط الشاعر صورة الغيوم التي تذرف الدمع بصورة الطفل الذي فقد أمه ويبكي سألا عنها
· يستخدم الشاعر الطفل رمزا للمستقبل الذي يحمل الأمل في الحرية
· ويستخدم الشاعر الأم رمزا للوطن المستعمر .
· حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لا بد أن تعود : نلمح إصرار الشاعر وتحدي المناضل الطريد على تحرير الوطن وعودة العراق حرة كما كان.
· وإن تهامس الرفاق : الهمس هنا يدل على مدي الخوف والقلق الذي يملأ النفوس .
· تنام نومة اللحود : كناية عن الموت والخراب الذي حل بالوطن.
· تسف من ترابها وتشرب المطر: كناية عن الذل الذي تعيش فيه العراق.
· كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر : ربط الشاعر حال العراق بحال الصياد الذي نصب شباكه للصيد وأتى المطر وخرب عليه الصيد فأخذ يجمع شباكه لاعناً القدر الذي لم يمكنه من صيده .
· فالصياد رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة .
· وينثر الغناء حيث يأفل القمر : كناية عن الألم الذي يعانيه الشعب في وجود الظلم والاحتلال .
· تكرار كلمة " مطر " يدل على الثورة العارمة والصراع .
· أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
أساليب إنشائية استفهام غرضها التقرير .
· كالدم المراق .. كالجياع.. كالحب .. كالأطفال .. كالموتى : كلمات تحمل ترسبات الماضي في نفس الشاعر مما يوحي بالمفارقات الكامنة بنفسه .
· تمسح البروق سواحل العراق : استعارة مكنية شبه البروق بالإنسان الثائر ضد الظلم .
· النجوم والمحار : كناية عن الثروات الموجودة بالعراق .
· كأنها تهم بالشروق : كناية عن الأمل في زوال المستعمر .
· فيسحب الليل عليها من دم دثار : شبه الليل بالإنسان الذي يغطي ، والدم بالغطاء ، دلالة على العنف المتواجد في العراق .
· يا خليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى : أسلوب نداء يدل على بعد الشاعر وغربيه عن الوطن
· اللؤلؤ والمحار والردى : اللؤلؤ والمحار كناية عن مهنة الغوص والتي ارتبطت بالموت للدلالة على صعوبة العيش في العراق
· كأنه النشيج : كناية عن الألم الذي يعتصر العراق من المستعمر.
· عودة الصدى " يا واهب المحار والردى " تحمل دلالة ضياع خيرات العراق وثرواته .

الهم الذي يؤرق السياب :

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر


المفردات :

يذخر : خبأ لوقت الحاجة ، الرعود : صوت السحاب المصطدم المحمل بالمطر ، البروق : مفردها برق وهوا للمعان الناتج من اصطدام السحب ببعضها ، فضّ : فض الشيء فرقه ، ختمها : ختم النحل أي ملأ خليته عسلا ، واختم الشيء أي أتمه ، ثمود : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة ، تئن : تتألم ، المهاجرين : المستعمرين ، يصارعون : يقاتلون ، المجاذيف : مفردها مجذاف وهو ما تتحرك به السفينة ، القلوع : مفردها قلع وهو الشراع ، عواصف : مفردها عاصفة وهي الريح الشديدة .

الشرح :

في هذا المقطع يوضح السياب الهم الذي سبب له الأرق وهو المستعمر الذي غزا بلاده فنجده يعايش الموقف بالعراق فالثورة قائمة والعراقيون يستعدون للقاء المستعمر وحربه ولكن تفرقوا وتشتت أمرهم فلم يبق إلا صوت المطر الذي يضفي الحزن في النفس وكذلك القرى التي لحقها الدمار من جراء الصراع الذي دار بينهم وبين المستعمر لاقتلاع خيرات الخليج .

مواطن الجمال :

· اسمع العراق : شخص الشاعر العراق بالإنسان الذي يتكلم .
· يذخر الرعود ، يخزن البروق : أساليب خبرية تدل على الثورة الموجودة داخل العراق .
· لم تترك الرياح من ثمود
في الوادي من أثر : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة وقد التبس الأمر على الشاعر بين قوم عاد وثمود فعاد هم من أخذوا بالريح الباردة " وهنا لجأ الشاعر إلى استخدام معاني القرآن الكريم "
· أكاد أسمع النخيل يشرب المطر : استعارة مكنية شبه النخيل بالإنسان الذي يشرب .
· أسمع القرى تئن : استعارة مكنية شبه القرى بالإنسان الذي يئن .
· المهاجرين يصارعون عواصف الخليج : شبه أهل العراق بالعواصف في ثورتهم .



نقد قصيدة " أنشودة المطر "
---------------------------


التمهيد ..

يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .
ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .

الأفكار :

أفكار القصيدة مترابطة ، وقد ابرز الشاعر أفكاره من خلال التشخيص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده يبدأ القصيدة بذكرياته الجميلة في العراق ثم يبين المناحي التي تبعث السرور في حياته والمناحي التي تثير الحزن فيها والأسى ، فينطلق مباشرة إلى الهم الذي يؤرقه ويؤرق العراق كلها وهو طمع المستعمر فيها .

العاطفة :

عاطفة الشاعر في هذه القصيدة إنسانية عامة ، فهو يريد أن يدفع الخطر عن وطنه المتمثل في المستعمر الغاصب لخيرات بلاده فحب الوطن والانتماء إلى الأرض يشترك فيه جميع الناس ، فالعاطفة صادقة " بين الألم والحزن والأمل والفرحة " نابعة من حب الشاعر لوطنه وأرضه وشعبه المقهور .

الألفاظ :
استخدم الشاعر الألفاظ السهلة الواضحة موحية فجاءت ملائمة للموضوع ، وقد استخدم الشاعر الرمز للتعبير عما يريد دون خوف مثل:
الطفل : رمز للمستقبل الذي يبشر بالأمل ، والأم : رمز للوطن ، والصياد : رمز للشعب اليائس الذي يصارع الحياة ، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات العراق .

الأساليب
تنوعت الأساليب في القصيدة بين الخبرية والإنشائية التي توحي بالصراع المرير والحزن
فمن الأساليب الإنشائية أكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة للأساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون والهدوء و يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها .
وكذلك استعان الشاعر بأسلوب التقديم لما حقه التأخير مثل تقديم الحال
كما ضمن الشاعر بعض الأساليب القرآنية ويعاب عليه الخلط بين عاد وثمود .

الصور والأخيلة :

جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر فنجده يفصّل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل : " عيناك حين تبسمان " صورة كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل :" ترقص الأضواء كالأقمار في نهر ، كأنما تنبض في غوريهما النجوم ، وتغرقان في ضباب من أسى شفيف ، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء "
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشداً هائلا من الصور المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة إشعاعات تومض بصفة دورية.
لمحسنات البديعية :
غير متكلفة وقد استخدم الشاعر بعض المتناقضات للتعبير عما بداخله من إحساس
كالموت والميلاد ، والظلام والضياء ، دفء وارتعاشة
في القصيدة نوعان من الموسيقى :


أ – ظاهرة : وتتمثل في المحسنات البديعية والمتناقضات .
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية التي تعبر عن الحالة الوجدانية ، والمتواليات الصوتية التي تحدث إيقاعاً يتوافق مع الجو النفسي والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .

الوحدة العضوية :
تتحقق الوحدة العضوية حيث نرى أن حب الوطن والانتماء إليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن بلاده ، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل إليه الوطن الجريح .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- عدم الالتزام بقافية واحدة .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص والاهتمام بالصورة الشعرية.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- البناء على وحدة التفعيلة
7- استخدام الرمز في قصائده .
8- التأثر بالآداب الغربية والصينية .
9- استخدام الأسطورة أو الحكايات المروية من التراث .




اللفظة عند السياب :
-----------------------


د. فاروق مواسي

اللفظة هي ركن هام من أركان الجملة ، وبها نستطيع الحكم على تقليد الشاعر وتجديده، ونحن نتناول بحثها على هذا النسق:
أ- ظاهرة مستعملة كثيرًا في شعر السياب: وقد لاحظنا ظاهرتين بارزتين هما التشديد والتضعيف.
ب- التقيد بالأصول اللغوية واستعمال الكلمات المعجمية (كالواردة مثلاً في "لسان العرب" و "المنجد").
ج- التجديد في اللفظة: في صيغتها ودلالتها، مما نجده عند الشاعر، وقد يشاركه في استعمالها آخر؛ ومن التجديد ما لم يرد في المعاجم واعتبره البعض من الدخيل، والشاعر أيضًا لا ينفرد بها، ومنه ما يمكن اعتباره خطأ أو صورة جديدة غير مألوفة لغويًا، وهو في حاصل الحساب جديد.
أ- الظواهر البارزة:
1- اختيار كلمات مشددة: ومنها ما هو جائز لغويًا، ومنها ما هو تجديد لدى الشاعر، ولنقرأ:
"وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل
... جلس الغريب يسّرح البصر المحيّر في الخليج
ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلى من العبّاب....." .
فهو يجعل "العبّاب" مشددة وهي ليست كذلك في المعاجم نحو "لسان العرب"، ويقول الشاعر:
"فليحقدن علي كالحمم المستعرّة" ، "تنثّر زهرة" .
وأبرز ما يقع على وزن (فعّل): "سقّتك الحيا سحب" "تروّى" ، "وردّ هابيل ما قضّاه بارئه"
وفي الكثير من هذه الاستعمالات نرى أنها تدل على عنف في نفس الشاعر، وتأتي للتنفيس عن كبت وضغط.
2- استعمال الأفعال الرباعية المضعفة ومصادرها:
وتبرز هذه الأفعال في شعر السياب وقد أكثر منها بشكل لا يجاريه شاعر قديم أو معاصر، ففي قصيدة "منزل الأقتان" مثلاً نراه يستعمل: سقسقات (العصافير)، وهسهسة (الرثاء)، وهدهدة (طفلها)، وتهزهز (مهدها)، ويدندن (القصاص)، وولولة (الأب المفجوع)، وكفكف (أدمع الباكين)، ورقرق (الجدول). وهذا الولع الخاص بها جاء ليضفي موسيقى خاصة أو (أونوموتوبيا) يجاري المعنى فيها لفظ الصوت . ونظرة فاحصة إلى استعمالات المضعف فانه:
أ. يستعملها كما هي في المعاجم: لجلج، رجرج، لملم، غلغل، هزهز، هدهد، رفرف، صلصل .
ب. ويستعملها بمعنى حقيقي آنا وبمعنى مجازي آنا آخر:
حمحم: "الخيل من سأم تحمحم وهي تضرب بالحوافر" "أطيار من الفولاذ... تحمحم" .
دغدغ: من الاستعمال الحقيقي "تدغدغني ونحن على السرير" ومن المجازي "نار تدغدغها" ، "التمني يدغدغه" "يدغدغ أشرعة" .
سقسق: الحقيقي "أيسقسق فيها عصفور؟" والمجازي "سقسق الليل" "سقسقة الصباح"
غمغم: وتعني في "لسان العرب " تكلم بكلام مبهم غير مبين، وقد أكثر الشاعر من استعمالها بجميع مشتقاتها، وكان أكثرها في المعنى الحقيقي: "تغمغم لا لن تراه" ، بل إن الشاعر يرددها في القصيدة الواحدة أكثر من مرة ، ومن المعنى المجازي لها ما ينسبه للشروق: "غمغمة الشروق".
وسوس: وتعني في " لسان العرب " صوت فيجعلها الشاعر للخيوط والرغام والإنسان والنخل والسنابل والنقود والحرير والشاي والزورق .
وقد وردت "يوسوس" في القرآن في سياق الحديث عن الشيطان "الذي يوسوس في صدور الناس" ، فيظل أثر الخداع الشيطاني عالقًا في قول السياب:
"يوسوس في تهدج صوتها فيخادع الأرواح" ، إذن ، فالكلمة عنده تعني (صوت) دون تحديد أي صوت. ومن الطريف أن نذكر أنه يستعمل (وسوس الشاي) أكثر من مرة، فترافقه بعض ألفاظ الجملة الأولى:
"ولا وسوس الشاي فوق الصلاء" ، "وسمراء تصغي إلى الشاي فوق الصلاء يوسوس".
ج. يستعملها مجازيًا:
جعجعة: فهي في اللغة صوت الجمل وصوت الرحى فيجعلها السياب للسنين .
ذرذر: وتعني في اللغة رش فيجعلها الشاعر للأنوار والغبار والأضواء والظلمة .
قعقع: وتعني صريف الأسنان ، ولها معان أخرى ليس فيها صوت النار، يقول الشاعر: "نارًا تقعقع".
ويذكر " لسان العرب " أن القعقعة للسلاح، ويبدو أن الشاعر رمز إلى السلاح بكلمة (نار).
قهقه: فالظلمة تقهقه ، والجليد يقهقه .
هسهس: وتعني صات ، فالخبز والنار يهسهسان
د. غير دقيقة الدلالة:
كركر: ومن معانيها في " لسان العرب " - تراجع في مسيله، صوت يردده الإنسان في جوفه، كركرت الشيء أي جمعته، وكركر الرجل أي انهزم...الخ.
وفي استعمالاته الكثيرة يعني بها صوت الماء، فهو يحسها قريبة ومتوافقة مع صوت الماء، ، كما وترد بعض الكلمات من مشتقات (كركر) بمعنى الضحك، يقول الشاعر:
"طفل شرود يكركر بالضحكة الصافية"
إلا أننا لا نستطيع البت في دلالة (كركر) إذا ما استعملتها للشمس والضياء والسحابة والصحراء وأستطيع من خلال مراقبة استعمالاتها أن افهم أنها تعني الضحك، فكثيرًا ما وردت الكلمة وتبعتها أو سبقتها كلمة يدغدغ .
قفقف: وتعني في اللغة ارتعاد من البرد أو غيره، ويقول الشاعر:
"وسمعت قفقفة الضحايا في القبور" .
ولا نجزم أن كان هذا ما عناه الشاعر، وكثيرًا ما نرى الشاعر جريئًا في استعمال المضعف كأن يجعل الوهوهة (وهي ترديد الصوت بحزن، أو ترديد الزئير) للنيون الكهربائي وللدماء وللدجى وللماء ولليل .
ب- التقيد بالأصول اللغوية:
1- ألفاظ معجمية قليلة الاستعمال:
نجد الشاعر يستعمل الكثير من الألفاظ التي لا يعرفها كثير من القراء :
* كلمات وردت في القرآن مثل آد، أيمّ، اجتبى، أزف وقد أشرنا إليها في فصل الإيحاء القرآني.
* كلمات وردت في شعر العرب مثل: أثافي، دمنه، بهير، بوقات، تشظى، انثال، ثواء، عارض، سحاح، رداح، بهم وغيرها.
* وهو يستعمل كلمات نادرة الاستعمال مثل "جوسق" ، "كوسج"، "مغير"
* والشاعر يستعمل كلمات غير واضحة الدلالة، كأن يكون لها أكثر من معنى في المعاجم مثل قداح، عفاة، عنقاء، غرب، نث، نض،ومن الأضداد: جون، صرد
* وكثيرًا ما نلاحظ أنه مولع باستعمال الكلمة الصعبة فيستعمل:
آب بدلاً من عاد (وهي نفس الوزن الشعري)، عقار بدلاً من خمور، موصد بدلاً من مغلق، يم بدلاً من بحر، أشاجع بدلاً من أفاع، ثواء بدلاً من بقاء أو مكوث وغيرها.
2- ألفاظ معجمية شعبية: ومن ملامح اللفظة عنده أن تكون في اللغة الدارجة، ولها أصول في المعاجم، فعندما يقول: "كتبوا أساميهم على الماء" فإننا نشعر أن كلمة "أسامي" عامية وبعد تدقيق نجدها أصيلة، وهكذا شأن بعض الألفاظ مثل: جرار، حارة، أجنبي وغيرها كثير.
ج- التجديد في اللفظة:
1- التجديد في الدلالة:
وأكثر ما استعمله السياب متفق عليه بين عصره، لكني سأورد بعض النماذج القليلة لما أحصيت من الألفاظ التي تكاد لا تقع عند غيره إلا قليلا.
* بلم- "يتماوج البلم النحيل بنا" والبلم في "المعاصم" سمك بحري صغير، لكن هذه المعنى عند الشاعر لا يستقيم، والشاعر يشرحها في ذيل الصفحة: زورق يستخدمه أهل البصرة.
دخيل: "هل تصيرين للأجنبي الدخيل" وهي في "المنجد" تعني داخل أعماق البدن، بيد أن معناها الحديث اكتسب طابعًا سلبيًا للمستعمر الذي يدخل البلاد.
استمهل: "كبنلوب تستهمل العاشقين" ، واستمهل في "لسان العرب" استنظر، لكن الشاعر لا يريد القول أن بنلوب تستنظر وإنما يريد أنها تجعلهم ينتظرون.
هوّم: ومن مترددات ألفاظ السياب هذه الكلمة التي يعني بها غالبـًا: يدور أو يجول ...وغالبًا ما يرافق ذلك صوت :
"من رياح تهوم بين النخيل" ، "على شط يهوم فوقه القمر"
وقد أكثر منها بوجه خاص في ديوانه الأول "أزهار وأساطير" في مرحلته الرومانسية ، ومعناها في "لسان العرب": هز رأسه من النعاس، نام قليلا، وشاعرنا يستعمل "هوم" باشتقاقاتها بمعنى آخر أشرنا إليه.
2- التجديد في الصيغة: فهو يستعمل أسماء الوحدة ( اسم المرة ) مثل: انكسارة، اختلاجة، تكشيرة، وكثيرا ما يجمعها مثل: غمغمات، ابتسامات، تنهدات، التماعات، اختلاجات
وليس جمع المصدر بالمألوف في العربية، وذلك أن ما جمع من المصادر هو الحدث من كونه اصطلاحا نحويًا ، ولكنه انتقل من صورة الحدث إلى صورة الجمود، فاستحال إلى اسم يعيد عن الحدثية والاستعمال مرد هذا التوسع اللغوي.
ويرى د. إبراهيم السامرائي في كتابه "فقه اللغة المقارن" أننا نقول إن النجاحات جمع لنجاح ونشاطات جمع لنشاط وهذه شائعة في الفرنسية succe`s, activite`s وفي الإنجليزية successes, activities. وقد أجاز الأقدمون جمع المصدر إذا أفاد النوعية المختلفة ، وإذا انتقل من الحدث إلى الاسمية كما نجده في مقررات المجمع اللغوي في القاهرة.
وإليك ثبتًا ببعض الكلمات التي تعتبر صيغًا جديدة، وقولي (جديدة) لا يعني أنها مقصورة على السياب فقط، كما أننا لا نحصر - بالضرورة - كل لفظ ولفظ.
* ملاحظة: الرقم إزاء الكلمة هو رقم الصفحة من المجموعة الكاملة.
أبيد: وردت في " لسان العرب " مرادفة لأبد، والشاعر فصل بين الكلمتين: "أبيد الرؤى".
آدمية: وهي مصدر صناعي من النسبة لآدم.
أكيل: وهي صيغة جديدة أرادها صفة على وزن فعيل ولا تؤنث "الرئة الأكيل".
تتأكل: "يا لك ثورة تتأكل القلبا" وهي هنا صيغة جديدة لـ (أكل)، ففي "المنجد" تعني: صار منخورًا وسقط.
آه: "أي آه" ، وآه في اللغة اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع، والشاعر يجعلها أسماء.
بابا: ترد كثيرًا عنده بالمعنى الشائع يا أبي مثلاً.
تحايا: وهي جمع تحية لم ترد هذه الكلمة في المعاجم القديمة، ويبدو أنه جمعها على غرار منية- منايا، رزية رزايا.
خبّط: والمعاجم تعرف خبط وتخبط، لكن الصيغة (خبّط) وقعت عند الشاعر بتأثير العامية، وهو يصوغها بصورة موحية.
مخاضر:والخضرة في اللغة هي أرض فيها خضرة، والمخاضر تعبيبر جديد.
متخافق: وخفق تعني اضطرب وتحرك، وتخافق تعبير جديد يضفي حرمة.
مدار: ولم ترد في المعاجم كمصدر أو اسم مكان، بيد أن اللغة تجيز ذلك، فها هو الشاعر يستعملها في التثنية ، وفي الجمع مدارات
ذقون: وهي في الأصول اللغوية أذقان، (انظر: "لسان العرب").
أَذْكَرَ: وهي صورة جديدة ل (ذكّر).
تراعش: وهي صيغة جديدة من (رعش).
سماوة: وهو يعني بها سماء، وربما اشتقها مفردة من سموات.
ساع: ويعني بها ساعة، حذفت التاء لضرورة الشعر.
زئبقي: ويعني بها الشاعر غير المستقر كالزئبق.
زنبقت: فعل مشتق من الزنبق.
مزهرية: مأخوذة من زهر ، وهي استعمال في اللغة الدارجة .
زغاريد: جمع زغرودة: هدير البعير في جوفه "لسان العرب"، صوت النساء في الفرح "المنجد".
شَحِب: ، والوارد في المعاجم ( شاحب ) .
مصارف اسم مكان من صرف ، ويعني بها (البنك).
تصخاب: مصدر على وزن تفعال لم يرد في المعاجم (ومثله تشراب، تسكاب في اللغة).
استضحك: وهي جديدة إذا اعتبرناها لمعنى (ضحك) كما وردت عند الشاعر.
تضوأ: والصيغة المعهودة في المعاجم- ضوّأ.
طفّأ: ويستعمل كذلك: تطفأت والمعهود في المعاجم- انطفأت، طفئت.
مطلول: بمعنى أصابه الطل وهي في المعاجم: لم يثأر له.
ظلموت: وهي لم ترد في المعاجم القديمة، وكما نرى فهي مشتقة على وزان ملكوت كهنوت جبروت، وفي مثلاً يستعملها الشاعر، وبعدها بعدة أبيات يستعمل "ظلمات"، وتبين لي أنه يجعل الظلموت للأحلام ليبين شدتها وحدتها . بينما الظلمات تأتي لليل بالمعنى الشائع، وربما تقع كلمة "ظلموت" بتأثير جو كلمة أخرى في نفس القصيدة، إذ يستعمل الشاعر ملكوت
عصفر: وهي صيغة جديدة يعني بها صبغة بالعصفر أي جعله أصفر اللون.
عضعض: مشتق من عض.
معطور: وصيغة المفعول من عطر صيغة جديدة في استعمالها.
عميل: ترد كثيرًا عند الشاعر بمعنى الجاسوس الذي يتعامل مع الأعداء.
مفزّع: اسم فاعل من فزع، وهي في اللغة فزع (من غير تشديد) ويعني بها الشاعر:
ما ينصب في المزرعة تخويفًا للوحش.
يتقافز: ومعناها في "المنجد" تواثب ، بينما لم ترد في معاجم أخرى مثل: "لسان العرب"، "تاج العروس".
انقهر: وهي بمعنى قُهِر، ونسمعها في اللغة الدارجة.
مقهى:وهي كلمة حديثة ترد مرارًا عند الشاعر.
كوخة: ويعني بها الكوخ أشار إليها د.السامرائي في "لغة الشعر بين جبلين" .
لحود: وهي في اللغة بمعنى مائل، بينما هي عند الشاعر مشتقة من لحد وتعني لحود.
لاقف: لقف الشيء تناوله بسرعة، ولاقف صيغة جديدة.
تلامح: وهي صيغة تتردد عنده، وقد ابتكرها لتدل على وقوع اللمح تدريجيًا.
تلهاث: وصيغة تفعال من لهث لم ترد في المعاجم.
تلاوين: ويقصد بها ألوان ، وهي صيغة جديدة يستعملها الشاعر.
تتمرى: وتتمرّى في "المنجد" تتزين ويقصد بها الشاعر- تقف أمام المرآة، وهي في الحالتين صيغة جديدة من (رأى).
هماس: وهي صيغة جديدة لهمس.
تهاويل: هول تهويلاً في "المنجد" أفزعه، وتهاويل صيغة جديدة في الجمع.
مستوحد: ويعني بها الشاعر منعزل يرددها كثيرًا، بينما الصيغة اللغوية هي متوحد.
ويجعل الشاعر صيغة يتوحد بمعنى يتحد ، بينما هي في اللغة يبقى وحده ويتفرد به.
"خلاصة تجديد الصيغة":
مما تقدم نجد التجديد:
أ. في الأفعال:
* على وزن فعل مثل خبّط، طفّأ وهي لزيادة التشديد.
* على وزن تفاعل مثل تخافق، تراعش، تلامح وهي لبيان التدريجية في الوقوع.
* على وزن تفعّل مثل تأكل، تضوأ، تمرى وهي أيضًا للتأكيد على الحدثية.
ب. في المصدر: يستعمل مصادر جديدة مثل تصخاب، تلهاث وغيرهما.
ج. في اسم المفعول: كأن يستعمل مطلول من الطل، ومعطور من العطر.
د. اشتقاقات أخرى: كقوله: آدمية (مصدر)، زئبقي (نسبة)، زنبقت (فعل)، نقالة (اسم آلة).
* يجمع جموعًا غير مألوفة في أصول اللغة: تحايا، مخاضر، عصبات، تهاويل، كما يجمع أسماء الوحدة: ابتسامات، تنهدات، التماعات... الخ.
3- كلمات لم ترد في المعاجم:
وهذه ظاهرة غير قاصرة على الشاعر، فهو مثلاً يجعل عنوان إحدى مجموعاته "شناشيل ابنة الجلبي"، والشناشيل شرفة مغلقة مزينة من الخشب المزخرف والزجاج الملون كان شائعًا في البصرة وبغداد قبل مئة سنة، وقد ورد استعمال الكلمة مذكرًا .
والجلبي: لقب عند العراقيين يقابل الماركيز عند الأوروبيين، ومثل هاتين الكلمتين كثير مما لا نجده في معاجم اللغة، ومن هذه الكلمات: سيكارة، نيون، إسفلت، بار، باص وغيرها كثير.
1- ألفاظ بشكل مغاير للأصول اللغوية:
وأعني ما اصطلح عليه بالأخطاء التي وقع فيها الشاعر، لكننا لا نؤثر استعمال هذه الكلمة، لأن اللغة في طبيعتها متطورة، فمن هذه الكلمات: بردانة ، استهون
ومنها ما هو غير مألوف في الصياغة كقوله (مضارع) بدلاً من مضوع، ويحضين بدلاً من يحظين
إذًا فباستطاعتنا تمييزها من صور التجديد التي ذكرناها، لأننا هنا نشعر بخطأ أكثر من محاولة تجديد، وأيًا كان الأمر فباستطاعتنا أن نحصر الكل في إطار اللفظة الجديدة.
د- المزج بين القديم والحديث:
من خلال معاينتنا لطريقة استعمال الألفاظ عند السياب تبين لنا هذا المزج:
أ. في الجملة الواحدة ...فبينما تكون لفظة فصحى فإننا نراها تعايش لفظة عامية كقوله:
"حيـًا زخّ" تعني أن المطر نزل بغزارة، "فعنا القلب وانقهر" ، "ألفيتني احسب ما ظل في جيبي من النقد" ، "بردانة أنا والسماء تنوء بالسحب" ، "كالغابة تربض بردانة" ، "لا أرد من الزبائن أجمعين إلا العفاة المفلسين"
وقد تكون الكلمة الأولى فصحى ، والثانية جديدة على المعاجم- غير واردة في المعاجم، كقوله: "ونايي أجتبي الأنغام" "يوصد الماخور"
"زورق العرس المحلى
بعيون آرام ودفلى
ودرابك ارتعدت حناجرها"
إذن فشاعرنا يمزج في القصيدة الواحدة، بل في الجملة الواحدة الكثير من الفصحى- أي القديم- بالتعابير الحديثة سواء بصيغتها أو بدلالتها، وسأسوق مثلاً آخر على هذه الظاهرة:
"فتسأل عن بابا أما طابا"
وصيغة الاستفهام "أما" هي من فصيح الكلام في القرآن وفي الشعر، وكذلك استعمال ألف الإطلاق بعد "طاب"، لكن "بابا" و "طاب" كلمتان تردان على لسان الأطفال، ولهما دلالة جديدة.
وفي القصيدة الواحدة نلاحظ تعبير عامية في مجموعها "مدى ما ترى العين" (647)، "العيد من قال انتهى عيدنا" ، "بالعيون سلم علي إذا مررت" ، "الأقة- صاح القصاب من هذه اللحم بفلسين" "يا حاملات الجرار رحن واسألنها" ، وغيرها كثير.
- وهناك تعابير فصيحة يبدو وكأنها مترجمة عن العامية كقوله: "ماذا علينا أن عبد اللطيف يدري" فاستعمال "ماذا علينا" كأنه من العامية (إيش علينا)، وفي قوله: "وكل ضاحك فمن فؤاده"، فكأنه يريد أن يقول -من كل قلبه-، وقوله "منذ صار" ترجمة لقولنا من يوم ما صار.
- ومن استعمالاته التي تقع بتأثير لغة الحديث أو الفصحى المعاصرة:
* حتى- فهو يقول: "والظلام حتى الظلام هناك أجمل" ، "حتى كأن الأرض من ذهب" .
* إلا- ففي تكرارها تأثير من العامية: "ما فيه إلا النخيل وإلا العصافير"
وعندما يقول الشاعر: "الجناح الحديد" ، "عجله الذهب" فهو يعني الحديدي والذهبي ومثل هين الاستعمالين يبرز في اللهجة المصرية الدارجة على وجه التخصيص.
ب. وقد يستعمل لغة شعبية في جملة القولكقوله: "ترددها المقاهي (ذلك الدلال جاء يريد أتعابه)"
- "والضيفة تضحك وهي تقول:
خطيب سعاد جافاها وانطوت الخطبة
الكلب تنكر للكلبة"
"وتوسلته فدى لعينك خلني بيدي أراها"
ج. وقد يكون في هذا المزج إدخال الأغنية الشعبية:
"وصدى يوشوش يا سليمة نامت عيون الناس آه من لقلبي كي ينـيمه"
وقد يكون التضمين واضحًا من الغناء الشعبي العراقي:
"يا مطرًا يا جلبي عبّر بنات الجلبي"
يا مطرًا يا شاشا، عبر بنات الباشا، يا مطرًا من ذهب .
وهذه الأغنية من أغاني أهالي البصرة كما يقول مطاع صفدي، ويقول الشاعر ضمن قصيدة عمودية:
"خورس شيخ اسم الله ترللا قد شاب ترل ترل ترار وما هلا، ترللا العيد ترللا، ترللا عرس حمادي، زغردن ترل ترللا، الثوب من الريز والنقش صناعة بغداد ترللا" .
ويشرح الشاعر في حاشية الصفحة- الخورس: أغنيتين شعبيتين عراقيتين واسم الله: نبات كالحلفاء تؤكل أزهاره وهي في براعمها وتتفتح عن سنابل تشبه الرؤوس التي شابت.
ويبدو لنا أن استعمال الأغنية الشعبية في الشعر الحديث ظاهرة جديدة من أعظم ميزاتها المحلية والصدق.


"الخاتمة"

تناولنا في هذا البحث دراسة بناء الجملة وطبيعة اللفظة كوحدة فيها، وقد لمسنا الأصداء القديمة في مبنى الجملة، والظواهر الأخرى البارزة سواء في الجملة أو في طبيعة اللفظة والأصوات الجديدة أو الخروج عن المألوف اللغوي في الجملة واللفظة.
وتناولنا في نهاية كل فصل، وغالبًا في نهاية كل باب ملخصًا مجملاً أو استخلاصًا وصلنا إليه من خلال البحث، وقد تبين لنا في هذه الدراسة أن هناك ظواهر بارزة أهمها:
1- تبرز عنده الأصداء القرآنية في الأسلوب والألفاظ والمضمون.
2- أصداء الشعر القديم: في الأسلوب والتراكيب اللغوية والتضمينات المباشرة وغير المباشرة.
3- الجمل الإنشائية: كالاستفهام والنداء والتمني والتأوه، وتكثر أدواتها بشكل مفاجئ ومعبر عن ألم لدى الشاعر .
4- جملة التشبيه حتى تكاد لا تخلو قصيدة منها.
5- الجمل الاعتراضية، وكأنها جزء هام من طبيعة شعره.
6- جملة القول.
7- ظاهرة التكرار في الحرف والكلمة والجملة.
8- النعوت ويستعملها أحيانًا استعمالات جديدة.
9- حذف حرف العطف، وكذلك استعمال واو العطف قبل المعطوف الأخير.
10- عدم الوضوح في بعض الجمل بسبب تأخير الفاعل أو عدم تبيّنة أو غموض اللفظ والاكتفاء.
11- استعمال نون النسوة لجمع غير العاقل، واستعمال "ما" الزائدة بعد كلمات لم تعهدها، واستعمال ضمير الشأن، وضمير الفصل، والفعل المضعف، والكلمة المشددة.
12- الألفاظ عنده منها ما هو معجمي ، ومنها ما هو جديد على المعاجم شأنه شأن الشعراء الجدد.
وهذا يجعلنا نخلص إلى القول أن الشاعر يمزج بين القديم والحديث، فهو إلى جانب استفادته من القرآن يستفيد من الأغنية الشعبية ويضمنها، وإلى جانب الكلمة الصعبة القاموسية يستعمل الكلمة العامية.
وهذه النقاط البارزة وغيرها مما ألمحنا إليه في ثنايا الدراسة تشكل معًا أسلوب السياب الشاعر الحديث، الذي امتص البنى القديمة في اللغة وجعلها تتعايش والكلمات البسيطة المباشرة.
أود أن أشير إلى أننا لاحظنا- برغم أننا لم نفترض أولاً- علاقة أسلوبه بواقع حياته، فكثيرًا ما كانت أمثلة التكرار والاستفهام والنداء والتشديد على اللفظ وحتى الأصداء القرآنية شعرًا مشبعًا بالألم، ونحن نترك موضوع علاقة مرضه بأسلوبه لباحث آخر يجمع بين علم النفس واللغة والأدب وهو يستطيع البت نهائيًا في افتراضي الذي أدوّنه أدناه:
(كما كان في حياة السياب صراع العافية والمرض، وصراع بين المواقف الحزبية المختلفة، فإننا نلمس هذا الصراع متجليًا أيضًا في النسيج الشعري عنده).




الرمز والأسطورة في شعر بدر شاكر السياب
------------------------------------------



توفيق الشيخ حسين

مات وهو في السابعة والثلاثين من عمره " غريبا " عن قريته جيكور – كانت البصرة – يومئذ بأجوائهاالتي فيها الشجر والظل والزهر والخضرة تصافح العين اينما نظرت , تفجر لدى الأديب طاقاته الكامنةوتستحيل الحياة في الطبيعة الى مادة شعرية ثرة .. وجيكور قرية الشاعر السياب تقع في قلب هذه الجنة الخضراء .. انها بكل معالمها الأنيسة البسيطة المتفتحة على الشط , هي النسغ والمادة الأولى لشعره .. وغنّاها بصدق .. بقوة .. ورسم جزيئاتها في قصائده حتى موته ...

بين ميلاده عام 1927 ووفاته على سرير أبيض في احدى مستشفيات الكويت عام 1964 , ظلت حياته مزيجا من الألم والتعاسة والحرمان .. مات السياب وترك ثراء ً كبيرا من الشعر الخصيب الذي جعله في مصاف الشعراء العظام بسبب تنوع انتاجه الشعري وغزارته وشموله لكثير من القضايا الأنسانية .. عاش فقيرا وقتله المرض في قمة شبابه الذي انعكس في رثائه لنفسه , ففي وصية له يقول :

( أنا قد أموت غدا ً / فا ن الداء يقرض .. غير ان حبلا ً / يشد ّ الى الحياة حطام جسم / مثل دار تحزن جوانبها الرياح / وسقفّها سيل القطار / ) ..

ايها المسكين يا عاشق الشعر الذي كان لك غدا ً وعدلا .. انك الرائد الحقيقي فنيا ً وتأريخيا ً لحركة الحداثة الشعرية ...

لقد استعمل السياب رمزي المسيح والصليب في اغلب قصائده , ولربما تكرر ورودهما اكثر من مرة في القصيدة الواحدة .. وهذا ما نلاحظه في قصائد ديوان – أنشودة المطر – ان رمزي المسيح والصليب يرتبطان ارتباطا عضويا بمفهوم التضحية أو الفداء والتي تمتد الى طفولة الشاعر ..

يقول عبد الجبار عباس : " ان التضحية عند السياب ليست موقفا مسيحيا , فالمسيح ليس عنده جوهر المضمون وانما هو لون يصبغ به الصورة " .. ففي قصيدة – غريب على الخليج – والتي تمثل غربة الشاعر , وهذه الغربة لم تكن غربة وطن فحسب , وانما هي فكرية ونفسية .. ويقول مخاطبا وطنه بشوق وحرارة وحمله ثقيل ثقل صليب المسيح : ( بين القرى المتهيبات خطاي , والمدن الغريبة غنيت تربتك الحبيبة / وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه / ).. وفي قصيدة – قافلة الضياع – يخاطب الشعوب واللاجئين التي تمثل مأساة الفلسطينين بشخص المسيح للتعبير عن النضال , فرمز بالمسيح ليعبّر عن وجدان البشر بجهادهم من أجل القضية .. ( / كان المسيح بجنبه الدامي / ومئزره العتيق يسد ّ ما حفرته السنة الكلاب/ فاجتاحه الطوفان -حتى ليس ينزف منه جنب أو جبين / الا دجى كالطين تبني منه دور اللاجئين / )..

وفي قصيدة – المسيح بعد الصلب – التي هي قمة الرمزية للمسيح لدى السياب يتحدث وبلسان المسيح مصورا بها صورته هو وكأنه المصلوب الذي انزل من على الصليب وروحه الألهية غير المقهورة تمنح الحياة للطبيعة والناس ..

( / مت كي يؤكل الخبز بأسمي لكي يزرعوني , مع الموسم / كم حياة سأحيا : ففي كل حفرة / صرت مستقبلا , صرت بذرة / صرت جيلا من الناس في كل قلب دمى قطرة منه / وبعض قطرة / )..

استفاد السياب من الأساطير البابلية والسومرية واليونانية اذ مزج بينها وبين همومه الذاتية التي كانت قلقة نتيجة قلق عصره واستنجا ده بالأسطورة كمد لول رمزي نتيجة عشقه المثالي الى عالم حالم يبتعد به عن التناقضات فاستخدمها مرة لأتقاء شر السلطة الغاضبة واخرى اتقاء شبح الموت الذي يداهمه واستحوذ على مشاعره نتيجة المرض الذي طال امده .. وتمثلت في ( اساطير ) و ( ازهار ذابلة ) .. عندما يخبو ضياء الشموع , ويبقى النخيل يئن ويصرخ في قبضة الريح .. وفي ظلمة اليأس ينشق عبر الضباب الكثيف .. وهذا الزمان الذي يستحيل الى لحظات خريف طويل ..

ففي قصيدة ( مدينة بلا مطر ) استخدم السياب تموز البابلية آلهة الخصب التي تخلت عن المدينة فجف فيها كل شئ , اذ لا مطر , ولا زرع , فأنتشر في المدينة الجوع والجفاف فيبدأ أهل القرية التضرع الى الآلهة الخصب وتقدم الى – تموز وحبيبته عشتار – وسار صغار بابل يحملون سلال صبّار وفاكهة قربانا لعشتار ويشعل خاطف البرق بظل من خلال الماء والخضراء والنار ..

وفي قصيدته ( رؤيا في عام 1956 ) يستغل الشاعر – غنيميد – راع يوناني شاب وقع في حبه -زيوس كبير الهة الأولمب – الأغريق فيرسل حقيرا يختطفه ويطير اليه فيقول : ( / ايها الصقر الالهي الغريب / ايها المنقذ من اولمب في صمت المساء / رافعا روحي لأطباق السماء / ايها الصقر الالهي ترفق ان روحي تتمزق / ) .. وهنا الشاعر يرمز الى – روحه – بصورة – غنيميد – الشاب انها صورة ( الحب المقترن بالعذاب ) انها مزج بين الرؤية الواقعية والرؤيا النفسية معا ..

هذا هو بدر شاكر السياب الذي غنى لبلده .. غنى لعراقه .. غنى لشمسه .. لمطره .. لأنهاره .. جداوله ونخيله .. لحلوه ومره .. يقف تمثاله شامخا على ضفاف شط العرب , ذلك الشط الذي نسج له بدر قلائد الورد تزينه .. يقول – ادونيس – عن بدر شاكر السياب :

" الحياة نفسها عند السياب قصيدة , لقاء بين شكل يتهدم وشكل ينهض .. انها انبثاق اشكال لأنها انهدام اشكال وهي كالقصيدة , شكل , وليس الشكل تمثيلا نقليا أو وصفيا .. انه فضاء خارجي يحتوي فضاء ا ًداخليا " ...

وفي نهار شتائي حزين في 24 كانون الأول سنة 1964 خرج أربعة من الرجال يشيعون بدر شاكر السياب الى مقره الأخير في مقبرة الحسن البصري في الزبير وكان خامسهم المطر الذي وهبه السياب اجمل قصائده .. لقد كانت نهاية السياب قصيدة لم يكتبها بدر .. بل كتبها المطر على تراب العراق الخصب .. وهكذا يموت العظماء من الأدباء والفنانين ...



التناص المرحلي في شعر بدر شاكر السياب
-----------------------------------------


كاظم خضير القاضي


التناص مصطلح نقدي أشيع في الادب الغربي بعد عام 1966 ووظف بشدة كآلية نقدية في معالجة النصوص الادبية،وهذا المفهوم ظهر عند(جوليا كرستيفا) تأثرا بأستاذها (ميخائيل باختين) وقد عرفته بأنه (التفاعل النصي في نص بعينه) أو بتعبير أخر (أن النص عبارة عن لوحة فسيفسائية او قطعة موزائيك من الشواهد، وكل نص هو أمتصاص أو تشرب لنص أخر أو تحول عنه). وهناك تعاريف اخرى للتناص تعددت بتعدد المناهج والمفاهيم فظلنا عدم الخوض أو الايغال بها لتشعباتها:

وللتناص تقسيمات منها:

أولا:التناص الداخلي أو الذاتي: وهو الذي يستخدمه الشاعر نفسه في نصوصه وبتعبير أخر قيام المنتج بأعادة انتاج سابق له.

ثانيا:التناص الخارجي : قيام الشاعر باعادة انتاج منتج من قبل الاخرين وهذا النوع قد يكون ذات مرجعيات دينية أو ادبية أو شعرية أو اسطورية .

ثالثا: التناص المرحلي: وهو الذي يحدث بين نصوص تنتمي الى جيل واحد تأثر بالمؤثرات الاجتماعية او الثقافية أو السياسية أو الدينية نفسها.

وهذا النمط من التناص يظهر بشكل جلي في بعض نصوص بدر شاكر السياب، ومنها أنشودة المطر.

أن السياب وظف آليات عديدة للتناص منها التناص في المضمون و التناص في الشكل مثل استعمال الرمز المكثف (كالمطر). وهذا يظهر واضحا عند أحد معاصريه وهو ميخائيل نعيمة في أوراق الخريف.

أن القراءة الفاحصة لنص السياب تظهر الامتصاص والتشرب لنص ميخائيل نعيمة(أوراق الخريف) وأول ما يواجهك التكرار والايقاع الحركي لكلمة مطر التي تقابل الفعل تناثري عند نعيمة فكلاهما يعطي ديناميكية للأنبعاث والتجدد وأن أختلفت رؤياهما فيه لأن ( الانبعاث والتجدد عند بدر شاكر السياب وأغلب الشعراء المحدثين مرتبط بالفداء المسيحي بينما هو عند ميخائيل نعيمة وشعراء المهجر عموما مقترن بالتناسخ).للنزعة الصوفية عندهم.

ونرى تناصا أخر بين المقطع الذي يصور حركة أهتزاز ضوء القمر المتكسر على سطح الماء بفعل المجداف .

وترقص الاضواء..........كالآقمار في نهر

يرجه المجداف وهنا ساعة السحر

واهتزاز ضوء القمر المتكسر بفعل حفيف أوراق الشجر عند نعيمة...

يا مرقص الشمس ويا أرجوحة القمر

ونهر بدر شاكر السياب الذي تراقصت عليه أضواء القمر نراه واجما حزينا في قصيدة (بويب) وهذا تناصا اخر لنهر ميخائيل نعيمة في قصيدة(النهر المتجمد) ان نهر ميخائيل نعيمة لم يحركه الربيع وظل مكبلا.....

يا نهر ذا قلبي أراه كما اراك مكبلا.....

والفرق أنك سوف تنشط من عقالك وهو لا..

ونهر السياب هذه المرة لم تحركة المجاديف ولم تتراقص عليه اضواء القمر....



أودُّ لوْ أطلُّ من أسِرةِ التِّلال ْ
لألمح َ القمَرْ
يخوض بيْن ضفّتيْكَ ، يزرعُ الظِّلالْ
ويملأُ السِّلالْ


وهنا نلمح تناصا ذاتيا عند السياب باستحضار صورة القمر رمز المرأة والنماء والحياة وهي صور الام الحاضرة الغائبة عند بدر السياب، وفي هذا النص تكاد أن تكون صورتها باهتة والشاعر يحاول أستجلابها ليبعث الحياة في نفسه .ومرة أخرى يقرن السياب صورة القمر بالنهر والمطر ليشكل منه ثالوثا غريبا يحمل الايقاع نفسه والصوت عينه.

يانهْرِي َ الحزين َ كالمطر.......
أودُّ لو عدوتُ في الظلام.........

وبفهم هذا الرمز تتضح قراءة جديدة لنصي بدر شاكر السياب أنشودة المطر والنهر والموت(بويب).




قراءة في قصيدة المومس العمياء
----------------------------------


بقلم الدكتور جاسم محمد
من كتاب دراسات نقدية في الشعر العربي ( رؤية وتحليل )
2007 بغداد


لقد كتب السياب قصيدة المومس العمياء عام 1954، وقد ساعدته خبرته الشخصية وتجربته على أن يرسم صورة واقعية للعلاقات في المبغى، وساعده خياله كذلك على خلق قصة مؤثرة بطلتها مومس أمتد بها العمر فأصبحت عمياء غير مرغوب فيها. لكن الشفقة لم تكن هدفه في هذه القصيدة، وإن كانت عنصراً قوياً فيها وإنما كان هدفه إن يعرض الشقاء البشري الذي لا مبرر له، ويعري الظلم الواقع في الدنيا. فلو كان العدل يسود المجتمع لزال منه كلّ شقاء . لكن البناء الاجتماعي غير عادل، ولاسيما في توزيع الثروة والسلطة، لذلك فأن الشقاء منتشر بين الناس حيث يلتقط الشاعر صورة لامرأة بائسة فريدة في وضعها النفسي والجسدي ويشخص من خلالها ، بؤس كل الساقطات ، وألم المرأة الدفين التي يدفعها المجتمع دفعاً إلى الشر من خلال الظلم والاذى وهو بين صورة الواقع المرّ والماضي البريء لطفلة نمت لتكون امرأة ساقطة . وتتلخص فكرة القصيدة ـ من حيث كيانها التأريخي ـ في سطور حيث كانت هناك فتاة اسمها سليمة، من أصل عربي صريح، عاشت في كنف أب فقير، كان يعمل حاصداً بأجر، وذات يوم سمعت طلقاً نارياً في الحقول، فهرعت تستطلع الخبر، وقلبها يحدثها أن والدها ربما صاد بطة لتصلح طعاماً لهم في ذلك اليوم، ولكنها تجد أباها غارقاً بدمائه ، حيث قتله إقطاعيّ إتهمه بأنه دخل حقله يسرق من قمحه الناضج، والفلاحون من حوله يهمسون في ذلة مرددين تلك التهمة ( رآه يسرق) فينشد الشاعر بدر:
طلق
فيصمت كل شيء
ثم يلغط في جنون
هي بطة فلم انتفضت ؟ وما عساها أن تكون ؟
ولعل صائدها أبوك، فأن يكن فستشبعون .
وتخفّ راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد . سوف يغضب إن رآها.
مرّ النهار ولم تعنّه وليس من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها .
وعيون فلاحين ترتجف المذلة في كواها
والغمغمات : " رآه يسرق " ، واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها، فتصرخ :" يا إلهي ، يا إلهي
.
وتنشب الحرب ويجيء آلاف الجنود إلى العراق ، فتستباح اعراض، وتقع سليمة فريسة لهذا المد العاتي، وتصبح بغية محترفة ، ويكون الاقبال عليها في شبابها كبيراً .
فيقول بدر شاكر السياب:
كان الزبائن بالمئات ، ولم يكونوا يقنعون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيرة
لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، ابخرة الخمور ، ويصرخون
كالرعد في ليل الشتاء .
لكنها تصاب بالعمى وتحس بوطأة السنين الزاحفة ، كما يتغير اسمها بعد فقد البصر فيدعونها " صباح" ، فيقول عنها:
هي- منذ أن عميت – " صبـــاح "
فأي سخريــة مريره !
اين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار
وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار ؟ .
وبسبب عماها يبتعد عنها طلاب الشهوة وتحس بالجوع والحاجة إلى المال
لم يعرض الزانون عنها وحدها؟ لم يعرضون

وهي الفقيرة فقر شحّاذ ؟ أما هي كالنساء ؟
وفي غمار تلك الحياة القاسية تفقد بنتاً من ثمرات الاثم. فيقول بدر :
ما العمر؟ ما الايام؟ عندك ، ما الشهور ؟ وما السنين ؟
ماتت " رجاء" فلا رجاء. ثكلت زهرتك الحبيبة !
بالامس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين
ما زال من فمها الصغير
طراوة في حلمتيك وكركرات في السرير
كانت عزاءك في المصيبة ،
وربيع قفرتك الجديبة .
كانت تشاركك العذاب لكي تكفّر عن خطيئه !
أفترضين لها مصيرك ؟
فاتركيها للتراب
في ظلمة اللحد الصغير تنام فيه بلا مآب .
وهي في ذلك الوضع المحزن تستدعي الايدي التي تشتري جسدها بما يسد الرمق فلا يسمع دعاءها أحد :
لا تتركوني يا سكارى
للموت جوعاً ، بعد موتي – ميتة الاحياء – عارا
لا تقلقوا
فعماي ليس مهابة لي أو وقارا .
ولقد كانت سليمة تنتظر الزبائن كلّ مساء في غرفتها بالمبغى على ضوء مصباح زيت تدفع أجرته ، وهي لا شك سخرية مرة إن لا تستطيع المومس أن ترى نور المصباح في شقائها وعماها ، بينما العراق يبدد ثروة زيته الذي يستغله الاجانب
ويح العراق! أكان عدلاً فيه إنك تدفعين
سهاد مقلتك الضريرة
ثمناً لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيرة ؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين ؟ .

ولكن المومس ليست وحدها ضحية المجتمع الظالم. إنما هي صـورة مصغرة لهذا الظلم ، إذ إن كلّ الاشخاص الآخرين في القصيدة ضحايا مثلها، بمن فيهم الشرطي الذي يحرس المبغى ليلاً بينما تمارس زوجته البغاء في وحدتها وفقرها ولا يستثني منهم الرجال انفسهم الذي يقصدون المبغى
هم مثلها ـ وهم الرجال ـ ومثل آلاف البغايا
بالخبز والاطمار يؤتجرون ، والجسد المهين
هو كلّ ما يتملكون ، هم الخطاة بلا خطايا
وهم السكارى بالشرور كهؤلاء العابرين
من السكارى ، بالخمور
كهؤلاء الفاجرين بلا فجور
وتقول المومس العمياء في حوارها الداخلي وهي تصف نفسها لتجذب الزبائن:

من ضاجع العربية السمراء لا يلقى خسارا .
كالقمح لونك يا ابنة العرب ،
كالفجر بين عرائش العنب
او كالفرات ، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب .
لا تتركوني فالضحى نسبي :
من فاتح ، ومجاهد ، ونبي !
عربية أنا: أمتي دمها
خير الدماء كما يقول أبي .
لعل أهم حادثة في حياة سليمة هي ما اتصل بمقتل والدها، حيث نرى أن الشاعر يمهد للقصة بمقدمة طويلة عرض فيها للصورة الليلية التي أطبقت على المدينة ، فإذا المدينة نفسها عمياء والعابرون في طرقاتهم هم أحفاد ( أوديب) الاعمى ـ فهم ايضاً نسل العمى ـ تقودهم شهواتهم العمياء إلى المبغى حيث المقبرة الكبرى التي تطبق على جيف مصبعة بأنواع الطلاء ، وأحد السكارى ( اعمى آخر) يدق على الباب يحلم بدفء الربيع، فيسخر الشاعر منه ومن حلمه الكاذب ويخبره أن شيطان المدينة ( أي المال) لم يراهن في ذلك الحي إلا على اجساد مهينة محطمة، فليضاجع أية امرأة منهن لييسر لها الطعام وليس ذلك السكير أسوأ حالاً من الاب الذي جعل من ابنته متاعاً يشترى بالمال، فهـو قـد دفـعها (في عماه وجهله) إلى ذلك المصير .




قراءة في قصيدة المومس العمياء ( 2 )
---------------------------------------


بقلم الدكتور جاسم محمد
من كتاب دراسات نقدية في الشعر العربي ( رؤية وتحليل )
2007 بغداد
تلك هي المقدمة وهي رغم التنقل السريع بين جوانب مختلفة من الصورة الكبرى لوضع المرأة ، وقسوتها التقريرية، ووضوح التوجيه المقصود، من خير المقدمات التي يعنى بها السياب عناية خاصة في قصائده الطويلة ، لان وحدة(العمى) الحقيقي والمجازي تجعل قصة المومس جزءاً لا يتجزأ من اللوحة الكبرى .
وبعد ذلك تبدأ القصة بصورة بائع الطيور وهو يعرض سلعته في حي البغايا، وتناديه سليمة لتتحسس ما يبيع، وفيما هي تمرر يدها على الطيور تتذكر اسرابها التي كانت تراها في صباحها، وتتذكر اباها والطلق الناري والفاجعة .
ويمرّ عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل
حيران تصطفق الرياح بجانبيه ، وقبضتاه
تتراوحان : فللرداء يد وللعبء الثقيل
خطواته العجلى ، وصرخته الطويلة : " يا طيور
هذي الطيور ، فمن يقول تعال "
أفزعها صداه
عمياء تطفىء مقلتاها شهوة الدم في الرجال
وتحسسته كأن باصرة تهمّ ولا تدور
في الراحتين وفي الانامل وهي تعثر بالطيور .
وتسمع صوت قهقهات بعيدة فتعرف أن السمسار قد عاد من الترصد بالرجال على الوصيد، فيقول :
أصداء قهقهة السكارى في الازقة، والنباح
وتعدّ وقع خطى هنا وهناك : ها هوذا زبون


ويقول:
" عباس" عاد من الترصد بالرجال على الوصيد
وتتمنى لو كانت متزوجة فيخطر على بالها قصة بائسة هي امرأة الشرطي الذي يعمل حارساً في حي البغاء لكي يضمن أن لا يتم إتجار بالخطايا ( إلا لعاهرة تجاز بأن تكون من البغايا) ، وتدرك أن الزوجة ليست أحسن حالاً ، فينصرف خاطرها إلى الانتحار فتدفع عنها هذه الخاطرة لانها ( حرام) فيستبد بها الغيظ وتتسأل في حرقة بالغة : إذن (لم تستباح) ؟ فيقول بدر :

يا ليت حمالاً تزوجها يعود مع المساء
بالخبز في يده اليسار وبالمحبة في اليمين
لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين
عن بيتها وعن ابنتيها ، وهي تشهق بالبكاء
عن زوجها الشرطيّ يحمله الغروب إلى البغايا ،
ويقول :
يا ليتها ، إذن إنتهى اجل بها فطوى أساها !
" لو استطيع قتلت نفسي" همسة خنقت صداها .
ويستمر في قوله :
وتحس بالاسف الكظيم لنفسها : لم تستباح ؟
الهر نام على الاريكة قربها لم تستباح ؟ .
ويغلي الغيظ في صدر سليمة حقداً على الرجال، وتتشفى بتوزيع الداء عليهم ولكنها تتذكر أنهم ليسوا سواء: فمن كان منهم كأهل قريتها كانوا أناساً طيبين جائعين مثلها، ومن كانوا كالذين اغتصبوها ـ من جند الحرب ـ فهم المجرمون حقاً، في استعلائهم وتسمع وقع اقدام السكارى فيتمثل لها الوجود كله مقسوماً إلى شطرين يفصل بينهما سور، ها هنا بغايا، وهنالك سكارى ـ تلك هي حياة البشر، وكـل فريق منهما يطلب الآخر، ولكن السور عنيد كسور يأجوج ومأجوج الذي سمعت عنه في الصغر، ولا يمكن أن يدركه إلا طفل اسمه " إن شاء الله" .
فيقول الشاعر :

هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور
يبحثنّ هنّ عن الرجال، ويبحثون عن النساء،
سور كهذا، حدثوها عنه في قصص الطفولة :
" يأجوج " يغرز فيه، من حنق، أظافره الطويلة
والسور باق لا يثلّ وسوف يبقى ألف عام ،
لكن ( إن ـ شاء ـ الإله )
ـ طفــلاً كذلــك سميــــاه ـ .

ويدركها الاحساس بأن الزبائن يعرضون عنها، الأنّها عمياء؟ ولكن الذين يطلبون جسدها لا يبحثون فيه عن عينيها. أترى أن رفيقتها ( ياسمين) هي سبب إعراضهم عنها لانها تزينها بالطلاء، فتتعمد تشويه محاسنها ، حيث يقول :
ولعل غيرة" ياسيمن" وحقدها سبب البلاء :
فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور

وجهاً تطفأت النواظر فيــه
ـ كيف هو الطلاء ؟
وكيف أبدو ؟
ـ " وردة قم ضياء "
ان الجوع الصارخ جعلها تصرخ بينها وبين نفسهاـ مستدعية السكارى، مدلة بنسبها العربي، لم لا يأتي هؤلاء السكارى فيضاجعون دماء الفاتحين ـ دم خير الامم كما كان أبوها يقول ـ ليكون في ذلك درس لكل أب لا يزوج أبنته متشبثاً بخرافة النسب، عشرون عاماً مضت وهي تأكل بنيها من سغب ، تريد الحياة وهي تخون سنّة الحياة ، وكان موت إبنتها( رجاء) راحة له إنتظار إنتظار
عشرون عاماً قد مضين، وأنت غرثى تأكلين
بنيك من سغب ، وظمأى تشربين
ويقول:
مات الضجيج. وانت ، بعد، على انتظارك للزناة ،
تتنصتين ، فتسمعين
رنين أقفال الحديد يموت، في سأم ، صداه :
الباب أوصــد
ذاك ليل مرّ
فأنتظري سواه.
إنّ قصيدة المومس العمياء لاتطرح إلا رؤيا سيابية خاصة في موضوعها أكثر مما هي رواية واقعية ، فالمضمون الواقعي الذي عبّر عنه السياب في هذه القصيدة لا يكاد يخرج عن حالة إنسانية محددة تحمل من خيالات شاعرها وتصوراته الشيء المبالغ فيه وهي بعد ذلك لا تتسع لواقع إجتماعي إراد السياب أن يجعلها معبرة عنه، ولا تقود إلى الهدف الذي يبغيه الشاعر من هكذا مضمون .
ولا نظن أن هذه القصيدة ـ كموضوع إجتماعي تطرق إليه الشاعرـ بعيداً عن المستوى الفني الذي كانت عليه ـ ترقى إلى مستوى الشعر الاجتماعي والسياسي الذي كان سائداً ، او الذي عبّر عن بعضه الشعراء العراقيون الكلاسيكيون . ولعلنا لا نغمط قصيدة السياب هذه حقاً إذا قلنا أنها لم ترق فـي التأثير الجماهيري إلى قصائدهم في ذات الموضوع . وان هذه القصيدة يمكن ان تعتبر النقطة الفاصلة التي إنتهت عندها علاقة الشاعر الواهية بالشيوعيين فقصيدة المومس العمياء قصة النساء اللواتي يطعمنّ جوعهنّ ببيع الحب لزبائنهنّ وتعالج هذه القصة الشعرية مشكلة وعواطف امرأة عمياء من هذه الطبقة سيقت إلى هذا الحتف المميت وينجح الشاعر في عرض عواطفها وذكريات شبابها الطاهر ونجح ايضاً في عرض شفقته الانسانية عنها





نماذج من شعر السياب
--------------------------


أنشودة المطر
-------------


عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجذافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر

كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر

تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود" -
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر

أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع كالحبّ كالأطفالِ كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ
بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار

أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر
وفي العراقِ جوعٌ
وينثرُ الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبعَ الغربانُ والجراد
وتطحن الشوان والحجر
رحىً تدورُ في الحقولِ… حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلةَ الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوفَ أن نُلامَ - بالمطر
مطر
مطر
ومنذ أن كنّا صغاراً، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطلُ المطر
وكلّ عامٍ - حين يعشبُ الثرى- نجوع
ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليسَ فيه جوع
مطر
مطر
مطر

في كلّ قطرةٍ من المطر
حمراءُ أو صفراءُ من أجنّة الزهر
وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة
وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد
في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة
مطر
مطر
مطر
سيعشبُ العراقُ بالمطر

أصيحُ بالخليج: "يا خليج..
يا واهبَ اللؤلؤ والمحار والردى"
فيرجع الصدى كأنه النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"

وينثرُ الخليجُ من هباته الكثار
على الرمال، رغوةَ الأجاج، والمحار
وما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج والقرار
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يرُبّها الفرات بالندى

وأسمعُ الصدى
يرنّ في الخليج:
مطر
مطر
مطر

في كل قطرةٍ من المطر
حمراءُ أو صفراءُ من أجنةِ الزهر
وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة
وكل قطرةٍ تُراق من دمِ العبيد
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حلمةٌ تورّدت على فمِ الوليد
في عالمِ الغدِ الفتي، واهبِ الحياة
ويهطلُ المطرُ


هوى واحد !
-----------------



على مقلتيك ارتشفت النجوم وعانقت آمالي الآيبة
وسابقت حتى جناح الخيال بروحي إلى روحك الواثبة
أطلت فكانت سناً ذائباً بعينيك في بسمة ذائبة
أأنت التي رددتها مناي أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء ويغفو على الزورق المنتظر
خذي الكأس بلي صداك العميق بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار ألا ليتني ما سقيت التراب
خذي الكأس إني زرعت الكروم على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس اني نسيت الزمان فما في حياتي سوى حاضر
وكان انتظار لهذا الهوى جلوسي على الشاطيء المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك وقالت لك الأمنيات : أنظري
أأنكرت حتى هواك اللجوج وقلبي وأشواقك العارمة
وضللت في وهدة الكبرياء صداها .. فيا لك من ظالمة
تجنيت حتى حسبت النعاس ذبولا على الزهرة النائمة
أتنسين تحت التماع النجوم خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب تغني به القبلة الراجفة
صدى لج احتراق الشفاة وما زال في غيهب العاطفة
ورانت على الأعين الوامقات ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاة ويمنعها الشك .. والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين جكعنا بها الدهر في ثانية
شقيقة روحي ألا تذكرين نداء سيبقى يجوب السنين
وهمس من الأنجم الحالمات يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار إليك وقال ألا تذكرين
تعالي فما زال في مقلتي سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد ولا تزعمي أن هذا رماد؟


سراب
------



بقايا من القافلة
تنير لها نجمة آفلة
طريق الفناء
وتؤنسها بالغناء
شفاه ظماء
تهاويل مرسومة في السراب
تمزّق عنها النقاب
على نظرة ذاهلة
وشوق يذيب الحدود
ظلال على صفحة باردة
تحركها قبضة ماردة
وتدفعها غنوة باكية
إلى الهاوية .
ظلال على سلم من لهيب
رمى في الفراغ الرهيب
مراتبه البالية
وأرخى على الهاوية
قناع الوجود
سنمضي .. ويبقى السراب
وظل الشفاه الظماء
يهوم خلف النقاب
وتمشي الظلال البطاء
على وقع أقدامك العارية
إلى ظلمة الهاوية
وننسى على قمة السلم
هوانا .. فلا تحلمي
بأنا نعود !

الوصية
---------


من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه و حشرجا
يمص من زجاجة أنفاسه المصفره ،
من حلمي الذي يمد لي طريق المقبره
والقمر المريض و الدجى ..؟
أكتبها وصية لزوجتي المنتظره
وطفلي الصارخ في رقاده : " أبي ، أبي"
تلم في حروفها من عمري المعذب
لو أن عوليس وقد عاد إلى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمره
أن ينشر القلاع ، أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضه النذير و الهواجس
كما تخض نفسي الهواجس المبعثره
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء
ولا أحس غير هبة من النسيم ترفع من طرف الستائر الضباب
ليقطر الظلام ، لست أسمع
سوى رعود رن في اليباب
منها صدى وذاب في الهواء …
أخاف من ضبابة صفراء

أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود وللشراب والزهور،
صباحها ظلام
وليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو ، إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فاستغيث صامت النداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
وكيف لو أفقت من رقادي المخدر
على صدى الصور ، على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميت ضميره
يشع خلف الكفن المدثر ،
يسوق عزرائيل من جموعنا الصفر إلى جزيره
قاحلة يقهقه الجليد فيها ،
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعه من صحوه ،
فهو ظلام عدم ، ما فيه من حس ولا شعور ؟
أكل ذاك الأنس ، تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
والأمل الخالق من توثب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوه
من خيله الحمراء كالهجير
أكلها لهذه النهايه ؟
ترى الحمام للحياة غايه ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت ، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نجيبه
وعلميه أن يذيل القلب لليتيم و الفقير
وعلميه

ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوني الغريبه
في البلد الغريب ، في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي بأس
أن يحطم الناي ويبقى لحنه حتى غدي ؟
لا تبعدي
لا تبعدي
لا


ها .. ها .. هو
--------------


تنامين أنت الآن و الليل مقمر
أغانيه أنسام وراعيه مزهر
وفي عالم الأحلام ، من كل دوحة
تلقاك معبر
وباب غفا بين الشجيرات أخضر
لقد أثمر الصمت ( الذي كان يثمر
مع الصبح بالبوقات أو نوح بائع)
بتينٍ من الذكرى وكرم يقطّر
على كل شارع
فيحسو ويسكر
برفق فلا يهذي ولا يتنمر
رأيت الذي لو صدق الحلم نفسه
لمدّ لك الفما
وطوق خصراً منك و احتاز معصما؟
لقد كنت شمسه
وشاء احتراقاً على خديك و الثغر ، أحمر
وفي لهف يحسو ويحسو فيسكر .
لقد سئم الشعر الذي كان يكتب
كما ملَّ أعماق السماء المذنب
فأدنى و أدمعا :
حروب وطوفان ، بيوت تدمر
و ما كان فيها من حياة تصدعا.
لقد سئم الشعر الذي ليس يذكر
فأغلق للأوزان باباً وراءه
ولاح له باب من الآس أخضر
أرد دخولاً منه في عالم الكرى
ليصطاد حلماً بين عينيك يخطر
وهيهات يقدر !
من النفس ، من ظلمائها ، راح ينبع
وينثال نهر سال فانحل مئزر
من النور عن وضّاء تخبو وتظهر.
وفي الضفة الأخرى تحسين صوته
( فما كان يسمع) كما يشعر الأعمى إذ النور يظهر ،
يناديك :
" ها .. ها .. هو "
ماء ويقطر
من السعفة النشوى
بما شربت من غيمة نثها نجوى
و أصداء أقدام إلى الله تعبر .
وناديت : " ها .. ها …هو " لم ينشر الصدى
جناحيه أو يبك الهواء المثرثر
ونادى ورددا :
" ها .. ها … هو ّ"
وفتحت جفناَ وهو ما زال ينظر ،
ينادي ويجأر .


سفر أيوب - المقطع الرابع
--------------------------


يا رب أيوب قد أعيا به الداء
في غربة دونما مال ولا سكن
يدعوك في الدجن
يدعوك في ظلموت الموت : أعباء
نادَ الفؤاد بها، فارحمه إن هتفا
يا منجيا فلك نوح مزق السدفا
عني. أعدني إلى داري، إلى وطني !
أطفال أيوب من يرعاهم الآنا ؟
ضاعوا ضياع اليتامى في دجىً شاتِ .
يا رب أرجع على أيوب ما كانا :
جيكور و الشمس و الأطفال راكضة
بين النخيلات
و زوجة تتمرى وهي تبتسم
أو ترقب الباب، تعدو كلما قرعا :
لعله رجعا
مشاءةً دون عكازٍ به القدم !
في لندن الليل موت نزعه السهر
و البرد و الضجر
وغربة في سواد القلب سوداء
يا رب يا ليت أنى لي إلى وطني
عود لتلثمني بالشمس أجواء
منها تنفست روحي : طينها بدني
وماؤها الدم في الأعراق تنحدر
يا ليتني بين من في تربها قبروا.
لأنه منك ، حلو عندي المرض
حاشا ، فلست على ما شئت أعترض .
و المال ؟ رزق سيأتي منه موفور
هيهات أن يذكر الموتى وقد نهضوا
من رقدة الموت كم مصّ الدماء بها دود
ومد بساط الثلج ديجور !
آني سأشفى ، سأنسى كل ما جرحا
قلبي ، وعرّى عظامي فهي راعشة و الليل مقرور،
وسوف أمشي إلى جيكور ذات ضحى !

شناشيل ابنة الجلبي
-------------------


و أذكر من شتاء القرية النضاح فيه النور
من خلل السحاب كأنه النغم
تسرب من ثقوب المعزف - ارتعشت له الظلم
وقد غنى - صباحا قبل
فيم أعد ؟ طفلا كنت أبتسم
لليلي أو نهاري أثقلت أغصانه
النشوى عيون الحور
وكنا - جدنا الهدار يضحك أو يغني
في ظلال الجوسق القص
وفلاحيه ينتظرون : " غيثك يا اله"
و أختي في غابة اللعب
يصيدون الأرانب و الفراش
و (أحمد) الناطور
نحدق في ظلال الجوسق السمراء في النهر
ونرفع للسحاب عيوننا : سيسل بالقطر
وأرعدت السماء فرن قاع النهر
و ارتعشت ذرى السعف
و أشعلهن ومض البرق أزرق ثم أخضر ثم تنطفئ
وفتحت السماء لغيثها المدرار بابا بعد باب
عاد منه النهر يضحك وهو ممتلئ
تكلله الفقائع، عاد أخضر
عاد أسمر، غص بالأنغام واللهف
وتحت النخل حيث تظل تمطر كل ما سعفه
تراقصت الفقائع وتفجر- انه الرطب
تساقط في يد العذراء وهي تهز في لهفه
بجذع النخلة الفرعاء تاج
وليدك الأنوار لا الذهب،
سيصلب منه حب الآخرين ،سيبرئ الأعمى
ويبعث من قرار القبر ميتا هده التعب
من السفر الطويل إلى ظلام الموت
يكسو عظمه اللحما ويوقد قلبه الثلجي فهو بحبه يثب
و أبرقت السماء … فلاح، حيث تعرج النهر
وطاف معلقا من دون يلثم الماءا
شناشيل ابنة الجلبي نور حوله الزهر
(عقود ندى من اللبلاب تسطع منه بيضاءا
و آسية الجملية كحل الأحداق
منها الوجد و السهر
يا مطرا يا حلبي
عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا
عبر بنات الباشا
يا مطر من ذهب
تقطعت الدروب، مقص هذا الهاطل المدار
قطعها و واراها،
و طوقت المعابر من جذوع النخل في الأمطار
كغرقي من سفينة سندباد
كقصة خضراء أرجأها و خلاها
إلى الغد (أحمد) الناطور
وهو يدير في الغرفة
كوؤس الشاي، يلمس بندقيته
ويسعل ثم يعبر طرفه الشرفه
ويخترق الظلام
وصاح ( يا جدي) أخي الثرثار
" أنمكث في ظلام الجوسق المبتل ننتظر؟
متى يتوقف المطر؟
و أرعدت السماء، فطار منها ثمة انفجرا
شناشيل ابنة الجلبي …
ثم تلوح في الأفق
ذرى قوس السحاب . وحيث كان يسارق النظرا
شناشيل الجميلة لا تصيب العين الا حمرة الشفق
ثلاثون انقضت، وكبرت : كم حب وكم وجد
توهج في فؤادي
غير أني كلما صفقت يدا الرعد
مددت الطرف أرقب : ربما ائتلق الشناشيل
فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة إلى وعدي
ولم أرها هواء كل أشواقي ، أباطيل
و نبت دونتا ثمر ولا ورد

منزل الأقنان
------------


في جيكور
منازل فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا
خوالٍ قد تصكّ الريح نافذة فتشرعها إلى الصبح
تطل عليك منها عين بوم دائب النوح .
وسلّمها المحطم ، مثل برج دائر ، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح ،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
وتملأ رحبة الباحه
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسات ، و المناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهة الرثاء ، فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق ، فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحه
إلى الغرف الدجية وهي توقظ ربة البيت :
"لقد طلع الصباح". وحين يبكي طفلها الشبح
تهتهده وتنشد : " يا خيول الموت في الواحه
تعالي و احمليني ، هذه الصحراء لا فرح
يرفّ بها ولا أمن ولا حب ولا راحه " .
ألا يا منزل الأفنان، كم من ساعد مفتول
رأيت ومن خطى يهتز منها صخرك الهاري
وكم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفية ،
تحدث عن هوىً عاري
كماء الجدول الرقراق ! كم شوقٍ و أمنيه !!
وكم ألم طويت وكم سقيت بمدمعٍ جاري !!
وكم مهد تهزهز فيك : كم موت وميلاد
ونار أوقدت في ليلة القرّ الشتائية !!
يدندن حولها القصاص : " يحكى أن جنية …"
فيرتجف الشيوخ ويصمت الأطفال في دهش و إخلاد
كأن زئير آلاف الأسود يرنّ في واد
وقد ظلوا حيارى فيه ، ثم ترنّ أغنيه :
" أتى قمر الزمان .. " ودندن القصاص : "جنيه"
وبؤسهم المرير : الجوع و الأحزان و السقم
وطفل مات لما جفّ درّ - ماتت المعزى
وجاعت أمه فالثدي لا لبن ولا لحم .
سمعت صراخها و الليل ينظر نجمه غمزا،
وولولة الأب المفجوع يخنق صوته الألم.
ولو خيّرت أبدلت الذي ألقى بما ذاقوا
ممضّ ما أعاني : شلّ ظهر و انحنت ساق .
على العكاز أسعى حين أسعى، عاثر الخطوات مرتجفا
غريب غير نار الليل ما واساه من أحد
بلا مال، بلا أمل ، يقطع قلبه أسفا.
ألست الراكض العدّاء في الأمس الذي سلفا ؟
أأمكث في ديار الثلج ثم أموت من كمد
و من جوع ومن داءٍ و أرزاء ؟
أأمكث أم أعود إلى بلادي ؟ آه يا بلدي
و ما أمل العليل لديك شحّ المال ثم رمته بالداء
سهام في يد الأقدار ترمي كل من عطفا
على المرض وشدّ ضلوع الجائعين بصدره الواهي
وكفكف أدمع الباكين يغسلها بما وكفا
من العبرات غفي عينيه ، إلا رحمة الله ؟؟
ألا يا منزل الأفنان ، سقتك الحيا سحب
تروّي قبري الظمآن ،
تلثمه وتنسحب !

لأم والطفلة الضائعة
-------------------


قفي ، لا تغربي ، يا شمس،
ما يأتي مع الليل
سوى الموتى. فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدت الظلماء
دروباً أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
وأن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه، مما لاذ بالظل
من الهمسات و الأصداء.
شعاعك مثل خيط اللابرنث، يشده الحب
إلى قلاب ابنتي من باب داري، من جراحاتي
و آهاتي.
مضى أزل من الأعوام : آلاف من الأقمار، والقلب
يعد خوافق الأنسام ، يحسب أنجم الليل،
يعد حقائب الأطفال ، يبكي كلما عادوا
من الكتّاب و الحقل.
ويا مصباح قلبي ، يا عزائي في الملمات،
منى روحي، ابنتي : عودي إليّ فهاهو الزاد
وهذا الماء. جوعى ؟ هاك من لحمي
طعاماً. آه !! عطشى أنت يا أمي ؟
فعبي من دمي ماء وعودي .. كلهم عادوا.
كأنك برسفون تخطفتها قبضة الوحش
وكانت أمها الولهى أقل ضنىً و أوهاماً
من الأم التي لم تدر أين مضيت !
في نعش ؟
على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكتِ ؟ هبّ الوحش أم ناما ؟
وحين تموت نار الليل، حين يعسعهس الوسن
على الأجفان،/ حين يفتش القصاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
ويخفت صوته الوهن،/
يجن دمي إليك، يحنّ ، يعصرني أسىً ضارٍ .
مضت عشر من السنوات، عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات، منذ وقفت في الباب
أنادي ، لا يرد علىّ إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتى وتعيدها .. و الدرب مسدود
بما تتنفس الظلماء من سمر و أعناب
و أنت كما يذوب النور في دوامة الليل،
كأنك قطرة الطل
تشربها التراب .. أكاد من فرق و أوصاب
أسائل كل ما في الليل من شيح و من ظل،
أسائل كل ما طفل :
" أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها؟ أسمعت ممشاها؟"
وحين أسير في الزحمة
أصغّر كل وجه في خيالي : كان جفناها
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة،
وكان جبينها .. و أراك في لبد من الناس
موزعة فآه لو أراك و أنت ملتمّة !
و أنت الآن في سحر الشباب، عصيرها القاسي
يغلغل في عروقك، ينهش النهدين و الثغرا
وينشر حولك العطرا،
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة!
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوة
و فيه الجوع و الآلام، فيه القفر و الداء.
أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك، فهي فم
يريد الزاد، يبحث عنه و الطرقات ظلماء ؟
أحدق في وجوه السائلات أحالها السقم
ولوّنها الطوى، فأراك فيها، أبصر الأيدي
تمد، أحس أن يدي .. معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار وهي كأنهن أدارها صنم
تجمّد في مدى عينيه أدعية وسال دم
فأصرخ في سبيل الله، تخنق صوتي الدمعه
تحيط الملح و الماء.
وأنت على فمي لوعه
وفي قلبي ، وضوء شع ثم بلا رجعه
وخلّفني أفتّش عنه بين دجىً وأصداء .


سفر أيوب (المقطع الثاني)
-----------------------------


من خلل الثلج الذي تنثّه السماء
من خلل الضباب و المطر
ألمح عينيك تشعان بلا انتهاء
شعاع كوكب يفيب ساعة السحر
وتقطران الدمع في سكون
كأن أهدابهما غصون
تنطّف بالندى مع الصباح في شتاء.
من خلل الدخان و المداخن الضخام
تمج من مغار قابيل على الدروب و الشجر
دراً من النجيع و الضرام
أسمع غيلان يناديك من الظلام
من نومه اليتيم في خرائب الضجر.
سمعت كيف دق بابنا القدر؟
فارتعشت على ارتجاف قرعه الضلوع؟
ورقرت دموع؟
فاختلس المسافر الوداع و انحدر؟
وقبلة بين فميس وخافقي تحار
كأنها التائه في القفار
كأنها الطائر إذ خرّب عشه الرياح و المطر،
لم يحوها خدّ لغيلان ولا جبين
ووجه غيلان الذي غاب عن المطر!!
وأنت إذ وقفت في المدى تلوّحين !!
إقبال …إن في دمي لوجهك انتظار
وفي يدي دم ، إليك شدّه الحنين
ليتك تقبلين
من خلل الثلج الذي تنثه السماء،
من خلل الضباب و المطر !


صياح البط البري
------------------


و ذرّي سكون الصباح الطويل
هتاف من الديك لا يصدأ
وهزّ الصدى سعفات النخيل
وأشرق شباكنا المطفأ .
هتاف سمعناه منذ الصغر
سمعناه حتى نموت
يمر على عتبات البيوت
فيرسم أبوابها و الحجر
ولا يهدأ
إلى أن تسير الحقول
إلينا فنقطف منها الثمر
وعند الضحى و انسكاب السماء
على الطين و العشبة اليابسه،
يشق علينا غصون الهواء
سباح ، بكاء ، غناء ، نداء
يبشر شطآننا اليائسة
بأن المطر
على مهمه الريح مد القلوع
هو البط .. فلتهنأي يا شموع
بموت به تعرفين الحياة
به تعرفين ابتسام الدموع :
نذوراً تذوبين ، للأولياء .
صياح .. كأن الصياح
ينشّلا ، مما انطوى من رياح ،
سهولا وراء السهول
أزاهيرها في الدجى من نباح
وختمية ما لها من ذبول
ينشّر في شاطئ مشمس
من القي الكثّ غاب له عذبات تطول.
صياح كأجراس ماء ..
كأجراس حقل من النرجس
يدندن و الشمس تصغي، يقول
بأن المطر
سيهطل قبل انطواء الجناح
وقبل انتهاء السفر …

البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ
------------------


البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحِ في اللَّيْلِ العَمِيقْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ كَفُّكِ .
أَيْنَ كَفُّكِ وَالطَّرِيقْ
نَاءٍ ؟ بِحَارٌ بَيْنَنَا ، مُدُنٌ ، صَحَارَى مِنْ ظَلاَمْ
الرِّيحُ تَحْمِلُ لِي صَدَى القُبْلاَتِ مِنْهَا كَالْحَرِيقْ
مِنْ نَخْلَةٍ يَعْدُو إِلَى أُخْرَى وَيَزْهُو في الغَمَامْ
البَابُ مَا قَرَعَتْهُ غَيْرُ الرِّيحْ ...
آهِ لَعَلَّ رُوحَاً في الرِّيَاحْ
هَامَتْ تَمُرُّ عَلَى الْمَرَافِيءِ أَوْ مَحَطَّاتِ القِطَارْ
لِتُسَائِلَ الغُرَبَاءَ عَنِّي ، عَن غَرِيبٍ أَمْسِ رَاحْ
يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْنِ ، وَهْوَ اليَوْمَ يَزْحَفُ في انْكِسَارْ .
هِيَ رُوحُ أُمِّي هَزَّهَا الحُبُّ العَمِيقْ ،
حُبُّ الأُمُومَةِ فَهْيَ تَبْكِي :
" آهِ يَا وَلَدِي البَعِيدَ عَنِ الدِّيَارْ !
وَيْلاَهُ ! كَيْفَ تَعُودُ وَحْدَكَ لاَ دَلِيلَ وَلاَ رَفِيقْ "
أُمَّاهُ ... لَيْتَكِ لَمْ تَغِيبِي خَلْفَ سُورٍ مِنْ حِجَارْ
لاَ بَابَ فِيهِ لِكَي أَدُقَّ وَلاَ نَوَافِذَ في الجِدَارْ !
كَيْفَ انْطَلَقْتِ عَلَى طَرِيقٍ لاَ يَعُودُ السَّائِرُونْ
مِنْ ظُلْمَةٍ صَفْرَاءَ فِيهِ كَأَنَّهَا غَسَق ُالبِحَارْ ؟
كَيْفَ انْطَلَقْتِ بِلاَ وَدَاعٍ فَالصِّغَارُ يُوَلْوِلُونْ ،
يَتَرَاكَضُونَ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَفْزَعُونَ فَيَرْجِعُونْ
وَيُسَائِلُونَ اللَّيْلَ عَنْكِ وَهُمْ لِعَوْدِكِ في انْتِظَارْ ؟
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ لَعَلَّ رُوحَاً مِنْك ِزَارْ
هَذَا الغَرِيبُ !! هُوَ ابْنُكِ السَّهْرَانُ يُحْرِقُهُ الحَنِينْ
أُمَّاهُ لَيْتَكِ تَرْجِعِينْ
شَبَحَاً . وَكَيْفَ أَخَافُ مِنْهُ وَمَا أَمَّحَتْ رَغْمَ السِّنِينْ
قَسَمَاتُ وَجْهِكِ مِنْ خَيَالِي ؟
أَيْنَ أَنْتِ ؟ أَتَسْمَعِينْ
صَرَخَاتِ قَلْبِي وَهْوَ يَذْبَحُهُ الحَنِينُ إِلَى العِرَاقْ ؟
البَابُ تَقْرَعُهُ الرِّيَاحُ تَهُبُّ مِنْ أَبَدِ الفِرَاقْ

المومس العمياء
------------------


الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.
والعابرون:
الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون،
والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها
وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور:
موتى تخاف من النشور
قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!
أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن.
جوكست أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال
يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال
والموت يلهث في سؤال
باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم
من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه.
وما الجواب؟
""أنا"" قال بعض العابرين...
وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم
يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش.
لا تنقلن خطاك فالمبغى ""علائي"" الأديم:
أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح،
يتضاحكون ويعولون.
أو يهمسون بما جناه أب يبرّؤه الصباح
مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون
الحارس المكدود يعبر متعبات،
النون في أحداقهن يرف كالطير السجين،
وعلى الشفاه أو الجبين
تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات،
متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات،
أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور،
وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور
حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور.
جيف تستّر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها
أن الطفولة فجّرتها ذات يوم بالضياء
كالجدول الثرثار - أو أن الصباح رأى خطاها
في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء،
ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء
قد كان - حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة -
ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه
لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء:
لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين
أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء.
ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء
ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء
حتى يجف على العظام - وأن عارا كالوباء
يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء
سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين -
والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول
تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين
كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين
الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول
تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول
والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين
أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح
دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح
ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح
المال، شيطان المدينه
إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا
وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين،
شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين:
حقد سيعصف بالرجال
والأخريات، النائمات هناك في كنف الرجال
والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين
حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال
في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين!
ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل
حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه
تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل
يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه
تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه
خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور
هذي الطيور، فمن يقول تعال...""
أفزعها صداه
وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور
في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،
وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"".
ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها
قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور!
وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها،
وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها
كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها:
سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب
أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب
صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب
بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب
ويرج وشوشة السكون
طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون.
هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟
ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.
وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.
مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.
يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟
لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.
قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء
هو والسنابل والمساء -
وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها
والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي
لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل
شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا
وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل
أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول
حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا
وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها
كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،
وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور
أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها
يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.
ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟
حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها
من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين
ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها
وقضى عليه بأن يجوع
والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء
وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء
كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)
والله - عز الله - شاء
أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق
آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق
دون الأزقة أجمعين
ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها
هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟
يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء
لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين
عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء
كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،
أزراره المتألقات على مغالق كل باب
مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب
وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا
أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا
ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح
أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،
وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح
تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح
وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا
وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف
ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..
فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،
ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء
سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء
- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها
عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:
عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء
وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء
وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها
سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء
والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها
يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!
لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها
أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟
وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار
حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار
وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟
وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.
أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار
ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟
حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار
هي - منذ أن عميت - ""صباح""...
فأي سخرية مريره!
أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار
وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟
أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟
القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره
يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره
تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟
وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟
ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟
شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح
أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح
وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو
هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح
وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟
الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون.
كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟
الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون،
مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون
حلما لها هي والمنون:
عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون،
والآن عادوا ينقضون -
خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح -
ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ...
شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون،
هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح،
والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح -
من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون!
ستعيش للثأر الرهيب
والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها
في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللــهيب
شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها
سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها
وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها،
لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره،
واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره،
وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره
متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها.
كأن موجة حقدها ورؤى أساها.
كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها
صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها:
كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟
كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين،
هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا
بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين
هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا
ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء:
كانوا مقطبة الجباه من الصخور
ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء
متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء!
وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء
من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور
يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء.
هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور،
دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين،
والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين:
وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين!
سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله:
""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله
ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله
تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام.
والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام،
الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه
من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير!
لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال
يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون...
والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون،
لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال.
وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون
ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام،
وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام
يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام -
شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام
تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق:
لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها
في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها
وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟
عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه.
وتلوب أغنية قديمه
في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه
نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟
ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها!
لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟
عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون
بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها
أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره
لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون
كالرعد في ليل الشتاء
ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء
فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور
وجها تطفأت النواظر فيه....
كيف هو الطلاء؟
وكيف أبدو؟
- وردة ... قمر... ضياء!
زور.. وكل الخلق زور،
والكون مين وافتراء
لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها
- لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها!
برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها
بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها
شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه،
ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟
وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه:
تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها!
كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها،
والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير
وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير،
تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير.
ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء
ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول
تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء!
أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء
حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء...
أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟
شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول
سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول،
والناس ناموا -
هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء،
أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء...
هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه
قد كان عرضا - يوم كان - ككل أعراض النساء!
كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء
إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء
والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه
يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه
بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء!
للموت جوعا، بعد موتي - ميتة الأحياء - عارا.
لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا.
مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء
كالقمح لونك يا ابنة العرب،
كالفجر بين عرائش العنب
أو كالفرات، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب.
عربية أنا: أمتى دمها
خير الدماء... كما يقول أبي.
تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال
أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود
الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود
يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء
ترى شقائي
إلا العفاة المفلسين.
أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين
وأشع لون ضحى...
وذكرا بجعجعة السنين
سعالها. ذهب الشباب!!
ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين
ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين.
وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب،
فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب،
يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين
في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين
دما يجف فتشترين
سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين.
عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال
يذرذر الأضواء في مقل الرجال.
لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين
أثريت..
ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟
ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين
سهاد مقتلك الضريره
ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟
عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين
بنيك من سغب، وظمأى تشربين
حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين!
وكزارع له البذور
وراح يقتلع الجذور
من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور
ولا تنفست السنابل فيه...
ليس سوى الصخور
سوى الرمال، سوى الفلاه -
خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه!
كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين
حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه،
حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين
ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين،
وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه،
وغدا. وأمس ... وألف أمس - كأنما مسح الزمان
حدود ما لك فيه من ماض وآت
ثم دار، فلا حدود
ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود
سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود،
ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان!
لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟
ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما
السنين؟
ماتت ""رجاء"" فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه!
بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين.
كانت عزاءك في المصيبه،
وربيع قفرتك الجديبه.
كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير،
وخلاصك الموعود، والغبش الكبير!
ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟
ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب:
أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟
مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك
تتنصتين، فتسمعين
رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه:
الباب أوصد
ذاك ليل مر...
فانتظري سواه

"لك الحمد"
------------


لك الحمد
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء



سوف أمضي
-------------


سوف أمضي أسمع الريح تناديني بعيداً
في ظلام الغابة اللفّاء .. والدّرب الطويل
يتمطي ضجراً، والذئب يعوي، والأفول
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك
فاتركيني أقطع الليل وحيدا
سوف أمضي فهي ما زالت هناك
في انتظاري
سوف أمضي. لا هدير السيل صخّبا رهيبا
يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور
في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير
كل هذا ليس يثنيني فعودي واتركيني
ودعيني أقطع اللليل غريبا
إنها ترنو إلى الأفق الحزين
في انتظاري
سوف أمضي حوّلي عينيك لا ترني إليّا
إن سحراً فيهما يأبى على رجلي مسيرا
إن سراً فيهما يستوقف القلب الكسيرا
وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيّا ؟
اتركيني ها هو الفجر تبدى، ورفاقي
في انتظاري


أقداح و أحلام
---------------



أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت أشربها و أشربها حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عُفر بالضباب فما يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم في ضوئهن و كادت الشهب ؟
أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب ؟
******

الحان بالشهوات مصطخب حتى يكاد بهن ينهار
و كأن مصاحبيه من ضرج كفان مدهما لي العار
كفان ؟!بل ثغران قد صبغا بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت من مهجتين رماهما الحب
آو مخلبان عليهما مزق حمراء تزعم أنها قلب
******

الخمر جمعت الدهور , ومافيهن بين جوانب الحان
ياويحها! أسكرتُ أم سكرتْأم نحن في السكرات سيّان
رمت العوالم والدهور على ثغري وفوق يدي وأجفاني
كفي تمدّ فما تناولني كأسا لعيني خمرها نهب
وأصافح الدنيا .. فياعجبا البعد لان .. وأعرض القرب !

******

يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟ في أي منعرج من الظلم
تلك السبيل أكاد أعرفها بالأمس خاصر طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، و قد جردته و مسحت عنه دمي
تلك السبيل على جوانبها تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة فيها كما يتثاءب الذئب
حسناء يلهب عريها ظمأي فأكاد أشرب ذلك العريا
و أكاد أحطمه ، فتحطمني عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها زهرا طوى شهواتها طيّا
إن فتحته بحرها شفة سكرى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه و مشى الطلاء يهزه الوثب
عين يرنح هدبها نفسي وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة رباه .. ويك !أتلك حواء
لا كنت آدمها و لا لفحت فردوسي الخمري صحراء
صوت النعاس يرن في أفقي فتذوب ناعسة به السحب
إن الفراش يقيك ياقدمي سوء العثار إذا دجى درب
******

أنا حائر متوجف قلق كالظل بين جوانب البحر
المد قربني إلى شبحي والآن تبعدني يد الجزر
وأنا الضياء تخيفني دجن وأخاف أن سأضيع في الفجر
يانوم كل عوالمي حجب ولو التقيتك ذابت الحجب
و انثال ، من سهري على سهري ينبوعك المتثائب الرطب
أثملت بين جوانحي أملا ماكنت أعلم أنه أمل
مثل الفراشة عاد يحبسها دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية عذراء ، كل سهادها عشب
هام الضباب على جوانبها طل الوشاح كنجمة تخبو
******

أنا كوكب ظمآن ترعشه نطف مؤرجة من السحر
أنا غير جسمي عالمي حلم بكر الظلال ، ولمحه عمري
قلبي تغرّب عن أحبته وانسل من نغماته وتري
فإذا لثمت فغير خادعة باتت لكل مخادع تصبو
وإذا شدوت أرن في أفق عبر السماء غنائي العذب
******

هو يافؤادي طيفها مسحت عنه التراب أنامل الغسق
هو غير تلك أما ترى ألقا هو من دمائك أنت من حرقي
هو غيرها .. غدرت ، وبادلني حبي ، و ضمد بالسنا أفقي
ومن المهازل أن يرى أمدا بين الخيانة و الهوى _ هدب ؟
أين العوالم كيف غيّرها نوم يرف وخاطر صب
******

خفقت ذوائبها على شفتي و سنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من النفحات أرشفني ريحا تريب مجامر الغلس
فكأن نايا ضمخته يدا آذار ناغم ليلة العرس
فغفا و ما زالت ملاحنه ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها رجع الغناء بشعرها تربو
******

ياقبلة أخذت على عجل أفدي بعمري ذلك العجلا
الشعر ستّر بالظلال فمي فهوى على الوجنات واشتعلا
فعلى جوانبهن منه سنا يدعوه من جهل الهوى : خجلا
فضح احمرارك ياخدود فما زال يفضحني بما يحبو
هو طفلك اللاهي ينازعه أبدا إلى زهراتك اللعب
******

يا جسم ذاك الطيف ، ايا شبحا من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقات ما برحت تعتاد خدرك و الظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامتة دام و لليلك مضجع ينبو
و إذا هلكت غدا ، فلا تجدي قبرا و مزق صدرك الذئب ؟
******

و البوم يملأ عشه نتفا من شعرك المتعفر الضجر
و يعود ثغرك للذباب لقى و يداك مثقلتان بالحجر
لا تدفعان أذاه عن شفة بالأمس أخرس لغوها و تري
و ليسق من دمك الخبث غدا دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال إلى جوانبه غرثى و يعوي تحته الكلب
******

ويعود من خشباته نزق جان ، بمقبض خنجر دام
ويعد منه سرير زانية تهوى فتثقله بآثام
وتظل أعواد المشانق من أعواده ، كسيت بأجسام
حتى إذا عصف الذبول به وهوى عليه المعول العضب
كان الوقود لقدر ساحرة بين المقابر شأنها القشب

أساطير
---------


أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية
رواها ظلام من الهاوية
وغنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها وشقت بقايا شهاب
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
وخابت منى وانتهى عاشقان

**
أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وحي السماء
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظى في جنون
لظى كالجنون !

**

وهذا الغرام اللجوج
أيريد من لمسة باردة
على إصبع من خيال الثلوج
وأسطورة بائدة
وعرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال
وعينين تستطلعان الغيوب
وتستشرقان الدروب
فكان ابتهال وكانت صلاة
تغفر وجه الآلة
وتحنو عليه انطباق الشفاة

**
تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق
ويغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة واطفاء
وهمس الهول الثقيل
بدفء الشذى واكتئاب الغروب
يذكرني بالرحيل
شراع خلال التحايا يذوب
وكف تلوح يا للعذاب

**

تعالي فما زال لون السحاب
حزينا .. يذكرني بالرحيل
رحيل
تعالي تعالي نذيب الزمان
وساعة في عناق طويل
ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى
وننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر
تعالي فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء
يوسوس دون انتهاء
على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يؤيد
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال
وشوق حزين
يريد اعتصار السراب
وتمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب
جناحان خلف الحجاب
شراع ..
وغمغمة بالوداع !!

اللقاء الأخير
-------------


والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة
فوق الشفاة وللمساء
عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطئ النائي وأوغل في مداه
شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل
يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء
دوما إلى غير انتهاء
يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !
هذا هواليوم الاخير ؟!
واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !
ليت الكواكب لا تسير
والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق
يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!
ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
ليل ونافذة تضاء
تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع
وأظل وحدي في الطريق

لن نفترق !
-------------


هبت تغمغم : سوف نفترق روح على شفتيك تحترق
صوت كأن ضرام صاعقة ينداح فيه ... وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا حب نظل عليه نعتنق ؟
حب ترقرق في الوعود سنا منه ورف على الخطى عبق
*

أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟ فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟
الحزن في عينيك مرتجف واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان : مثل غدي وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه آه مؤججة : ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك واختلجت شفة إلى القبلات تلتهب
*

ثم إنثنيت مهيضة الجلد تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثرالنجوم أسى في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا إلا السنين تدب في جسد
*

أختاه لذّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها كرقاد حمى دونما حلم
هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ولو إلى العدم
هي ومضة ألقى الوجود بها جذلان يرقص عاري القدم

رئة تتمزق
-----------


الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد ... في خيالي
ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال
مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..

**

واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي
فتضوع أنفاس الربيع تهزّ أفياء الدوالي
حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !

**

كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب
وودت لو طلع الشروق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل
راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم واللهيب !

**

بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك
وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..
نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك

**

كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه
زهراَ ونوراَ في فراغ من شكاة وابتهال ..
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه

**

واليوم حببت الحياة إلي وابتسم الزمان
في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان
سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال
في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان

**

شع الهوى في ناظريها فاحتواني واحتواها
وارتاح صدري وهو يخفق باللحون على شذاها
فغفوت استرق الرؤى والشاعرية من رؤاها
وأغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها

**

عينان سوداوات أصفى من؟ أماسي اللقاء
وأحب من نجم الصباح إلى المراعي والرعاء
تتلألأن عن الرجاء كليلة تخفي دجاها
فجراَ يلون بالندى درب الربيع وبالضياء

**

سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني
واقسي علي ولا ترقى للشكاة وعذبيني
خلي احتقارًا في العيون وقطبي تلك الشفاها
فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !

**

يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة
اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ ومن أرادك أن تزوره ؟
أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها
دعني أعيش على ابتسامتها وان كانت قصيرة

**

لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا
لن تطفئ المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!

**

يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل
والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها
إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!

**

وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع
وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع
وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع
والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع
**

وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير
من صدري المهدوم حشرجة فتحترق العطور
تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير
شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينفلت الأسير !!

عينان زرقاوان
----------------


عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير
و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير
ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير
حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء
سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء
حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء
عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء..
لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء
زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء
هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء
و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء
**
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال
ساج تلثم بالسكون فلا حفبف و لا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال..
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال,
وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال!
أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال:
عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال !




قصائد بصوت السيّاب:
------------------------



1.الوصيه وسفر أيوب


سماع وتحميـل

2.الأم والطفلة الضائعة

سماع وتحميل

3.منزل الاقنان


سماع وتحميل

4.شناشيل ابنة الجلبي

سماع وتحميل

5.ها ها هو + صياح البط البري

سماع وتحميل





السيّاب في مكتبتنا عمون:
-------------------------------



1.ديوان بدر شاكر السياب


تحميـــــــــــــــل

2.بدر شاكر السياب لـ إحسان عباس

تحميـــــــــــل

3.الالتزام في شعر السيّاب لـأمل ديبو

تحميـــل

4.شبح قايين بين ايدث سيتول و بدر شاكر السياب-قراءه تحليليه مقارنة- لـ علي البطل

تحميـــــــــــل



اعداد :
سلطان الزيادنة / الاردن
زياد السعودي / الاردن
عبير محمد / مصر
سلام الباسل / فلسطين






 
/
قديم 01-01-2011, 09:21 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

رائعة السياب أنشودة المطر بصوت فنان العرب محمد عبده


سماع وتحميـــــل






 
/
قديم 13-01-2011, 10:09 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

أقداح و أحلام


أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت أشربها و أشربها حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عُفر بالضباب فما يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم في ضوئهن و كادت الشهب ؟
أنا لا أزال و في يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب ؟
******

الحان بالشهوات مصطخب حتى يكاد بهن ينهار
و كأن مصاحبيه من ضرج كفان مدهما لي العار
كفان ؟!بل ثغران قد صبغا بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت من مهجتين رماهما الحب
آو مخلبان عليهما مزق حمراء تزعم أنها قلب
******

الخمر جمعت الدهور , ومافيهن بين جوانب الحان

ياويحها! أسكرتُ أم سكرتْأم نحن في السكرات سيّان

رمت العوالم والدهور على ثغري وفوق يدي وأجفاني

كفي تمدّ فما تناولني كأسا لعيني خمرها نهب

وأصافح الدنيا .. فياعجبا البعد لان .. وأعرض القرب !

******

يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟ في أي منعرج من الظلم
تلك السبيل أكاد أعرفها بالأمس خاصر طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، و قد جردته و مسحت عنه دمي
تلك السبيل على جوانبها تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة فيها كما يتثاءب الذئب
حسناء يلهب عريها ظمأي فأكاد أشرب ذلك العريا
و أكاد أحطمه ، فتحطمني عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها زهرا طوى شهواتها طيّا
إن فتحته بحرها شفة سكرى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه و مشى الطلاء يهزه الوثب
عين يرنح هدبها نفسي وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة رباه .. ويك !أتلك حواء
لا كنت آدمها و لا لفحت فردوسي الخمري صحراء
صوت النعاس يرن في أفقي فتذوب ناعسة به السحب
إن الفراش يقيك ياقدمي سوء العثار إذا دجى درب
******

أنا حائر متوجف قلق كالظل بين جوانب البحر
المد قربني إلى شبحي والآن تبعدني يد الجزر
وأنا الضياء تخيفني دجن وأخاف أن سأضيع في الفجر
يانوم كل عوالمي حجب ولو التقيتك ذابت الحجب
و انثال ، من سهري على سهري ينبوعك المتثائب الرطب
أثملت بين جوانحي أملا ماكنت أعلم أنه أمل
مثل الفراشة عاد يحبسها دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية عذراء ، كل سهادها عشب
هام الضباب على جوانبها طل الوشاح كنجمة تخبو
******

أنا كوكب ظمآن ترعشه نطف مؤرجة من السحر
أنا غير جسمي عالمي حلم بكر الظلال ، ولمحه عمري
قلبي تغرّب عن أحبته وانسل من نغماته وتري
فإذا لثمت فغير خادعة باتت لكل مخادع تصبو
وإذا شدوت أرن في أفق عبر السماء غنائي العذب
******

هو يافؤادي طيفها مسحت عنه التراب أنامل الغسق
هو غير تلك أما ترى ألقا هو من دمائك أنت من حرقي
هو غيرها .. غدرت ، وبادلني حبي ، و ضمد بالسنا أفقي
ومن المهازل أن يرى أمدا بين الخيانة و الهوى _ هدب ؟
أين العوالم كيف غيّرها نوم يرف وخاطر صب
******

خفقت ذوائبها على شفتي و سنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من النفحات أرشفني ريحا تريب مجامر الغلس
فكأن نايا ضمخته يدا آذار ناغم ليلة العرس
فغفا و ما زالت ملاحنه ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها رجع الغناء بشعرها تربو
******

ياقبلة أخذت على عجل أفدي بعمري ذلك العجلا
الشعر ستّر بالظلال فمي فهوى على الوجنات واشتعلا
فعلى جوانبهن منه سنا يدعوه من جهل الهوى : خجلا
فضح احمرارك ياخدود فما زال يفضحني بما يحبو
هو طفلك اللاهي ينازعه أبدا إلى زهراتك اللعب
******

يا جسم ذاك الطيف ، ايا شبحا من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقات ما برحت تعتاد خدرك و الظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامتة دام و لليلك مضجع ينبو
و إذا هلكت غدا ، فلا تجدي قبرا و مزق صدرك الذئب ؟
******

و البوم يملأ عشه نتفا من شعرك المتعفر الضجر
و يعود ثغرك للذباب لقى و يداك مثقلتان بالحجر
لا تدفعان أذاه عن شفة بالأمس أخرس لغوها و تري
و ليسق من دمك الخبث غدا دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال إلى جوانبه غرثى و يعوي تحته الكلب
******

ويعود من خشباته نزق جان ، بمقبض خنجر دام
ويعد منه سرير زانية تهوى فتثقله بآثام
وتظل أعواد المشانق من أعواده ، كسيت بأجسام
حتى إذا عصف الذبول به وهوى عليه المعول العضب
كان الوقود لقدر ساحرة بين المقابر شأنها القشب






 
/
قديم 13-01-2011, 10:10 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

أساطير





أساطير من حشرجات الزمان

نسيج اليد البالية

رواها ظلام من الهاوية

وغنى بها ميتان

أساطير كالبيد ماج سراب

عليها وشقت بقايا شهاب

وأبصرت فيها بريق النضار

يلاقي سدى من ظلال الرغيف

وأبصرتني والستار الكثيف

يواريك عني فضاع انتظار

وخابت منى وانتهى عاشقان

**

أساطير مثل المدى القاسيات

تلاوينها من دم البائسين

فكم أومضت في عيون الطغاة

بما حملت من غبار السنين

يقولون : وحي السماء

فلو يسمع الأنبياء

لما قهقهت ظلمة الهاوية

بأسطورة بالية

تجر القرون

بمركبة من لظى في جنون

لظى كالجنون !

**

وهذا الغرام اللجوج

أيريد من لمسة باردة

على إصبع من خيال الثلوج

وأسطورة بائدة

وعرافة أطلقت في الرمال

بقايا سؤال

وعينين تستطلعان الغيوب

وتستشرقان الدروب

فكان ابتهال وكانت صلاة

تغفر وجه الآلة

وتحنو عليه انطباق الشفاة

**

تعالي فما زال نجم المساء

يذيب السنا في النهار الغريق

ويغشى سكون الطريق

بلونين من ومضة واطفاء

وهمس الهول الثقيل

بدفء الشذى واكتئاب الغروب

يذكرني بالرحيل

شراع خلال التحايا يذوب

وكف تلوح يا للعذاب

**

تعالي فما زال لون السحاب

حزينا .. يذكرني بالرحيل

رحيل

تعالي تعالي نذيب الزمان

وساعة في عناق طويل

ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى

وننسى الغدا

على صدرك الدافئ العاطر

كتهويمة الشاعر

تعالي فملء الفضاء

صدى هامس باللقاء

يوسوس دون انتهاء

**

على مقلتيك انتظار بعيد

وشيء يؤيد

ظلال

يغمغم في جانبيها سؤال

وشوق حزين

يريد اعتصار السراب

وتمزيق أسطورة الأولين

فيا للعذاب

جناحان خلف الحجاب

شراع ..

وغمغمة بالوداع !!






 
/
قديم 13-01-2011, 10:11 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

اللقاء الأخير





والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء

كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة

فوق الشفاة وللمساء

عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه

في الجيد والفم والذراع

فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع

في أرجوان الشاطئ النائي وأوغل في مداه

.

شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل

يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق

ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل

يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق

حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء

دوما إلى غير انتهاء

.

يا همسة فوق الشفاة

ذابت فكانت شبه آه

يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات

رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء

غرقي إلى غير انتهاء

مثل النجوم الآفلات

لا لن تراني لن أعود

هيهات لكن الوعود

تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال

يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء

فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال

بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء

هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم

هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !

.

هذا هواليوم الاخير ؟!

واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟

هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !

ليت الكواكب لا تسير

والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!

خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق

.

يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون

عنا فماذا يصنعون

لو أنني حان اللقاء

فاقتادني نجم المساء

في غمرة لا أستفيق

ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!

.

ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين

أني أحسّك تهمسين

في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء

ليل ونافذة تضاء

تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع

في ظلمة الليل العميق

ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع

وأظل وحدي في الطريق






 
/
قديم 13-01-2011, 10:12 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

لن نفترق !





هبت تغمغم : سوف نفترق روح على شفتيك تحترق
صوت كأن ضرام صاعقة ينداح فيه ... وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا حب نظل عليه نعتنق ؟
حب ترقرق في الوعود سنا منه ورف على الخطى عبق
*

أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟ فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟
الحزن في عينيك مرتجف واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان : مثل غدي وعلى جبينك خاطر شجب
ما زال سرك لا تجنحه آه مؤججة : ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه طول الثواء وآده التعب
إني أخاف عليك واختلجت شفة إلى القبلات تلتهب
*

ثم إنثنيت مهيضة الجلد تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة إني أخاف عليك حزن غد
فتكاد نتتثرالنجوم أسى في جوهن كذائب البرد
لا تتركي لا تتركي لغدي تعكير يومي ما يكون غدي
وإذا ابتسمت اليوم من فرح فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا إلا السنين تدب في جسد
*

أختاه لذّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها كرقاد حمى دونما حلم
هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ولو إلى العدم
هي ومضة ألقى الوجود بها جذلان يرقص عاري القدم






 
/
قديم 13-01-2011, 10:13 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

رئة تتمزق




الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد ... في خيالي

ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال

تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال

مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..

**

واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟

ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي

فتضوع أنفاس الربيع تهزّ أفياء الدوالي

حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !

**

كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب

وودت لو طلع الشروق علي إن مال الغروب

بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل

راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم واللهيب !

**

بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك

وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك

خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..

نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك

**

كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه

ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه

زهراَ ونوراَ في فراغ من شكاة وابتهال ..

في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه

**

واليوم حببت الحياة إلي وابتسم الزمان

في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان

سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال

في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان

**

شع الهوى في ناظريها فاحتواني واحتواها

وارتاح صدري وهو يخفق باللحون على شذاها

فغفوت استرق الرؤى والشاعرية من رؤاها

وأغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها

**

عينان سوداوات أصفى من؟ أماسي اللقاء

وأحب من نجم الصباح إلى المراعي والرعاء

تتلألأن عن الرجاء كليلة تخفي دجاها

فجراَ يلون بالندى درب الربيع وبالضياء

**

سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني

واقسي علي ولا ترقى للشكاة وعذبيني

خلي احتقارًا في العيون وقطبي تلك الشفاها

فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !

**

يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة

اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ ومن أرادك أن تزوره ؟

أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها

دعني أعيش على ابتسامتها وان كانت قصيرة

**

لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا

لن تطفئ المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا

في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها

حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!

**

يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل

بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل

والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها

إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!

**

وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع

وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع

وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع

والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع

**

وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير

من صدري المهدوم حشرجة فتحترق العطور

تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير

شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينفلت الأسير !!






 
/
قديم 13-01-2011, 10:20 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

عينان زرقاوان




عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير

أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير

و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير

بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير

ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير

يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير

فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير

حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء

سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء

حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء

عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء..

لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء

زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء

هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء

و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء

**

عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال

ساج تلثم بالسكون فلا حفبف و لا انثيال

إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال

إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال..

في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال,

وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال!

أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال:

عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال !






 
/
قديم 13-01-2011, 10:29 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عبدالعظيم الكاظمي
عضو أكاديمية الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
العراق

الصورة الرمزية عبدالعظيم الكاظمي

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

تحية للفينيق
وللاخت الامين
السلام
انت ترسمين لوحة وفاء
وكان روح السياب بيننا
عندي صديق بحار
حللت عليه ضيف
في يوم بعد كرم الضيافة
اخذني لبيت السياب
وقد تهدم بنائه
وكان من الطين
وبويب النهر العظيم
هو عبارة عن متر
ساقية للارواء
ياتيها الماء من شط العرب
كان يتغنى للانتماء للجذور
رحم الله السياب
وليكن احبابه بالف خير






 
/
قديم 20-01-2011, 11:46 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
سلام الباسل
عضو أكاديمية الفينيق
لأكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
عضو تحكيم مسابقات الأكاديمية
فلسطين

الصورة الرمزية سلام الباسل

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

الوارف عبد العظيم
ما أنقى ثرى بلادكم
الــ لامس خطوات السيّاب
فكيف إن لامستم أطلال بيته
السيّاب عاش ويعيش
في قلب كل من أحب الوطن والشِعر ووو
تحياتي وتقديري
لعظيم مرورك
سلام






 
/
قديم 13-02-2011, 01:19 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
فاتي الزروالي
فريق العمل
عضوة تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
تحمل لقب عنقاء عام 2010
المغرب

الصورة الرمزية فاتي الزروالي

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

الوارفة سلام

عمل ضخم تستحقين عليه كل الاشادة والتقدير

ولابد من العودة ههنا للنهل من نهر الرقة والسحر

تقديري ومحبتي

فاتي






 
/
قديم 13-02-2011, 08:26 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
عبدالعظيم الكاظمي
عضو أكاديمية الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
العراق

الصورة الرمزية عبدالعظيم الكاظمي

افتراضي رد: الفينيق بدر شاكر السيّاب يليق به الضوء " سلام الباسل"

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام الباسل
الوارف عبد العظيم
ما أنقى ثرى بلادكم
الــ لامس خطوات السيّاب
فكيف إن لامستم أطلال بيته
السيّاب عاش ويعيش
في قلب كل من أحب الوطن والشِعر ووو
تحياتي وتقديري
لعظيم مرورك
سلام



الاديبة الغالية
سلام
تحية لكِ
وانت تثريننا برقي روحك
وجميل الابداع الذي يتسم به
حسك الادبي
ان كل البشر رائعون
وفي اي بقعة مبدعون
وينتمون للارض للام
ذلك الانتماء الجميل
الذي نسجه السياب
بقصائدة الجميلة الخالدة
لك المجد سيدتي
مع الود وباقات الورود






 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط